الدكتور علي العمري
سماحة العلامة الشيخ عبدالله بن بيه أنموذج لعلماء الأمة الأكابر، وأستاذ قدوة، ومفكر مرشد، وأحد أعمدة النهضة العلمية في البلاد العربية والأوروبية.
وسماحة الشيخ عبدالله -حفظه الله- يرغم كل من جالسه إلى الإنصات إليه، واحترام رأيه، والأنس بتوجيهه، والوقوف ملياً عند زهده وورعه.
وكم للشيخ من أيادٍ بيضاء، وتوجيهات سديدة أوقفت العمل الإسلامي في أوروبا على وجه الخصوص وغيرها على قاعدة متزنة، ولا يكاد يمر شهر إلا وللشيخ صولات وجولات عبر قارات العالم كلها، داعياً لحماية بيضة الإسلام، وتصحيح صورة المسلمين، وتعميق فكر البناء والتسامح.
وهو رغم كل ما يُقال عنه مدرسة خاصة في علم الأصول واللغة، ودقائق الفقه والمقاصد، وبحر في الفكر والسياسة! وفوق هذا إمام في الزهد والورع والتواضع، وممن يشهد له الليل والمحراب بوقوفه يحتسب أجره على الله.
لا يعرف الشكوى لأحد من الناس، ويتفانى لخدمة المحتاجين، والرد على أسئلة السائلين، والسعي لتوجيههم بما يجلب لهم السعادة.
وفي المقابل ينتفض أمام تلاميذه وأقرانه إن رأى تهويناً في مسائل الدين، وتمريراً لحرمات الشريعة.
وهو من نوادر العلماء الذين يكسبون احترام الرؤساء والساسة والقادة والعلماء والأدباء، في كل قارات العالم.
إن الشيخ -يحفظه الله- يتمتع بحافظة وقّادة، وقدرة على التأثير في قضايا الأمة، ويستنطق تراث السلف بكل دقة وأمانة ووعي.
وبعد، فإن هذه الكلمات ليست للتعريف به، ولا للتنويه بشأنه، إذ لو كان كذلك لخاب السعي، وكسرت الأقلام!
إنما هي نفثات محب لتحريك جيل الأمة كي يكسبوا ثرواتهم، ويحافظوا على كنوزهم.
فإنني أقدّر أن الشيخ وأمثاله من أكابر علمائنا لم ينالوا الحظ من الاهتمام والرعاية واستخراج خبرات طواها الزمان، ومكنوزات تعمّقت وتجذّرت.
إن ما أنعم الله به على الشيخ عبدالله يندر اجتماعه في غيره، وما لديه هو كنز محفوظ، بل هو جامعة متكاملة في اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية، وفي الفلسفة والمنطق، وفي الاجتماع والاقتصاد، وفي السيرة والدعوة، وفي الآداب والشعر، وفي الفقه والأصول، وفي الفكر والسياسة، وسلوا عنه المجامع والجامعات، ومنصات المناقشات، وجلسات المؤتمرات.
ثم سلوا عن أدب الحوار والنقاش، وأخلاق العلماء!
ولا شك أن عدداً لا يزال يستفيد من مدرسته بل “جامعته”، ولكنهم لا يمثلون ما ينبغي أن يكون عليه الحريصون.
وإنني لأدرك أن الشيخ كغيره من علماء الأمة لا يدعون الكمال، ولا يتحيّزون لرأيهم في كل مسألة، بل كثيراً ما يتوقف عند عدد من المسائل والنوازل الواقعة.
ولذا نحن بحاجة إلى التذكير والتنويه بشأنهم.
هذه كلمات صغتها وأنا في الطائرة متذكِّراً وقوفه الأبوي الحاني معي في رحلة الدراسة الأكاديمية، والحياة الدعوية.
والحديث عن الشيخ يطول، إذ تربطني به وبأهل بيته صلة المودة والمحبة والأسرة الواحدة، وما هي إلا ذكرى محبة ووفاء.
متَّع الله شيخنا بموفور الصحة والعافية، ومتَّع الله به أبناءه الفضلاء، وجمعنا الله وإياهم على ما يرضيه