الصومال دليل على انحراف الفتوى

 

 

مروة شاكر

 

 أكد فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين، فساد الفتاوى التي تحض على إهدار الدماء كما يفعل بعض طلبة العلم في الصومال، ويرفض أن تكون الفتوى بوابة للاقتتال والفتنة، حتى لو كان بتبرير الذود عن الشريعة والقتال دونها.

في الحلقة الماضية من برنامج “الشريعة والحياة” 15/11/2009 والتي كانت تحت عنوان: “صناعة الفتوى”، قدم الشيخ بن بيه توصيفا فقهيا لما يسود حالة الفتوى في العالم الإسلامي، مع تطبيق على نموذج الصومال، الذي قدمه بوصفه معبرا عن تراجع العقلية الإسلامية في فهم الشريعة، وفي منهجية تنزيل النصوص، واضطراب المحل الذي تتنزل فيها النصوص.


 طالع أيضا:
* الفتوى منتج صناعي
* بيان الشيخ بن بيه للصوماليون
* بن بيه يتحدث عن كتابه صناعة الفتوى

أكد بن بيه أن الصومال -مثلا- يقتلون ويتحججون بأنهم يقتلون من أجل مبدأ الولاء والبراء، ويضيف: “جهادكم هذا ليس صحيحا بناء على معطيات ونصوص شرعية؛ لأنكم جهلتم الدليل، وتجاهلتم التأويل، وأخطأتم في التنزيل”.

التوظيف الإفتائي

ويتابع بن بيه تحليله للنموذج الصومالي في التوظيف الإفتائي، على مستوى الاستخدام والتطبيق في مجال التكفير، وحالة الاستيلاد الذين يبنون عليها أحكامهم؛ حيث إنهم يقولون إن الحكومة تساند الكفار وهؤلاء يجب قتالهم، ويقولون أيضا إن كل من يوالي الحكومة فهو كافر؛ لأن الحكومة توالي الكفار، ويولدون من هذا أن الحكومة كافرة.

يرفض الشيخ بن بيه هذا المنطق ويصفه بالخطأ؛ لأنه ليس كل كافر يجب قتاله، وليست كل حكومة توالي كافرا هي كافرة مثله -على حسب قوله- وكل هذه مقومات فاسدة بالدليل الشرعي.

ويرى بن بيه أن الفتوى تقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي: الفتاوى التي تتعلق بقضايا الأمة، أي المختصة بالقتال والحروب والتكفير، ويجب أن تحول إلى المجامع الفقهية، كما أشار إلى أن هناك أمورا وفتاوى لابد أن تحال إلى أناس ثقات وهي قضايا المال والمصرفية الإسلامية وخصوصا ما يتعلق بقضايا الربا والفوائد، وغيرها من القضايا الاقتصادية المعاصرة.

كما أشار فضيلته إلى أن هناك قضايا مثل القضايا الشخصية والتي يمكن أن يفتي فيها فقيه القرية؛ وذلك لأنها نصوص ثابتة لديها صفة الثبوت والدوام؛ ولذلك يمكن أن يفتي فيها أناس عاديون.

صناعة الفتوى

كما أكد بن بيه أن الفتوى هي صناعة ولكن تحتاج لشيء من الإنصاف ولجملة من العناصر؛ حيث إن الفتاوى هي كالزمان، ووصف فضيلته الزمان بأنه زمان منفلت في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتماثله في هذا الفتاوى أيضا.

وتابع بن بيه أن “الفتوى ليست بريئة من هذا الانفلات”، وأشار إلى أن هناك بعض الفتاوى الجاهزة ومن يطلبها يجدها، ووصف بن بيه الفتاوى الجاهزة بأنها فتاوى جامدة، وأن الجمود على النصوص هو كالضلال.

وعن الفتاوى التي اعتمدها علماء وأئمة سابقون واستندوا فيها للكتاب والسنة، قال بن بيه: إن “هذه الفتاوى كانت مناسبة في وقتها؛ لأنها كانت ملائمة للزمان والمكان التي قيلت فيه”.

وأكد بن بيه أن الفتاوى لابد من تنزيلها على الواقع وتحقيق المقاصد، ووضعها في عين الاعتبار، وتحديد المصالح والمفاسد التي يتم إصدار الفتوى من أجلها، أي أن يتم تنزيل الفتوى تنزيلا سليما مستندا إلى الدليل والحكم الشرعي.

كما أضاف بن بيه أن هناك فتاوى منزلقة ومنفلتة وهي الفتاوى تحت الطلب والتي يكثر إصدارها في مجالات البنوك والمصارف، وهذه الفتاوى تأتي في غاية التيسير لدرجة أنها تخرج عن جلد الفتوى الأصلية.

وأشار بن بيه إلى نوع آخر من الفتاوى وهي الفتاوى التي تجمع بين الثبات والتغير، وأكد قائلا: “لابد أن تبنى هذه الفتوى على ثلاثة عناصر: النصوص، والمقاصد، أي: المصالح والمفاسد، وعنصر الزمان، أي: ملابسات وأحوال الزمان وهي: البعد الزماني، والبعد المكاني، والبعد الإنساني”، وتابع: “لابد أن تأخذ الفتوى في عين الاعتبار كل هذه العوامل، فإذا لم تأخذ بعين الاعتبار كل هذه العناصر فإنها تكون ناقصة بل تكون عرجاء”.

وأكد بن بيه أن الخلل في صناعة الفتوى اليوم يرجع إلى عدم احترام معايير الفتوى، والمتمثل في احترام الجزئيات في مقابل الكليات، ثم عقد مقابلة بين الاثنين حتى يكون بينهما تفاعل وتفاوض وتفاهم، وشدد على أن ضبط الفتوى يكون من خلال ضبط الفتوى بمنهجية، ومنهجية الفتوى تبدأ بأصول الفتوى المستمدة من الكتاب والسنة وما يستنبط عنهما.

وأكد بن بيه أن المراد من الفتوى هو تحقيق ثلاثة أمور هي: دلالات ألفاظ، ومقاصد، وواقع، حيث أكد أنه بدون هذا المركب لا يمكن للفتوى أن تكون سليمة ومكتملة من كل وجه وبخاصة إذا كانت في قضايا معقدة تحتاج إلى وجهات النظر المختلفة، ويضيف: “نخلص من هذا إلى أن الفقيه لا يمكن أن يستبد بالفتوى خصوصا في الأمور التي تحتاج إلى متخصص في مجال من المجالات مثل الطب وذلك في القضايا الطبية، أو خبير اقتصادي في الأمور الاقتصادية… وغيرها”.

سيولة الفتوى

وعن قضية سيولة الفتوى وكثرة إصدار الفتاوى التي يطلقها الشيوخ عبر الفضائيات وغيرها، أكد بن بيه أن هناك أصولا لابد أن يكون المسلم على دراية بها وألا يسأل فيها، مثل قضية الحرية، وبراءة الذمة؛ حيث وصف فضيلته مثل هذه الأمور بالأصول التي لابد أن يكون المسلم ملما بها وألا يسأل فيها.

وأضاف أن السؤال لابد أن يكون في الأشياء التي فيها تغيير فقط، وأرجع بن بيه كثرة السؤال في مجال الفتاوى إلى “تخلف العقلية المسلمة” والتي نالت كل المجالات من صناعية، وسياسية، وإعلامية، وغيرها.



المصرفية الاسلامية

وقد أكد بن بيه أيضا أن هناك الكثير من الفقهاء في مجال المصرفية الإسلامية أحسنوا صنعا في التعاطي مع المجال الاقتصادي ، لكنهم في الوقت نفسه أساءوا صنعا في قصورهم عن معاملات وأمور تجيدها الشريعة الاسلامية في مجالات المال والاقتصاد والبنوك ، ولاجتراءهم أيضا على معاملات تخرج النظام الاسلامي عن حقيقته وخصائصه مما يؤدي إلى فقدانه حصائصة التي تميزه.

كما أشار إلى ضرورة التدقيق والبحث والرجوع إلى أهل الاختصاص في مجالات الاقتصاد والبنوك والمال، حيث انها من القضايا الحساسة التي تثير الكثير من التساؤلات حولها مشددا على ضرورة  رجوع الفقيه  المفتي في مثل هذه الأمور إلى علماء الاقتصاد والخبراء في المجال المصرفي أي المختصين حتى يتمكن من  اعطاء الفتوى الصحيحة.

Comments are closed.