ما حكم الإفطار في رمضان للوقاية من مرض كورونا المستجدّ؟

السّؤال الأول: ما حكم الإفطار في رمضان للوقاية من مرض كورونا المستجدّ؟

الجواب:

–       يجوز للمصاب بفيروس كورونا أن يفطر عندما تظهر عليه الأعراض الأولى للمرض، أما إذا أخبره الطبيب أن الصوم سيفاقم مرضه فإن الصوم حينئذ يصبح غير جائز ويتعيّن عليه الفطر.

–       يجوز للكوادر الطبية التي تشرف على المرضى (من أطباء وممرضين ومسعفين ونحوهم)، الذين يمثلون الخط الأمامي في مواجهة هذا الوباء أن يفطروا في أيام عملهم؛ إن كانوا يخافون أن يؤدي صومهم إلى ضعف مناعتهم أو تضييع مرضاهم.

–     يرخص لكبار السن الذین یعانون من الأمراض المزمنة أو الأمراض التنفسیة أو يشق عليهم الصوم بالإفطار في رمضان

–       يجب على الجميع قضاء عدد الأيام التي أفطروها بعد رمضان وبعد زوال عذر الإفطار.

–       المعتمدُ في تحديد مستوى المرض وخطورته، على أهل الخبرة من الأطباء والجهات الحكومية المختصّة. 

–       أما غير المرضى وذوي الأعذار (أي: المريض، والمسافر، وكبير السن الهرم الذي يشق عليه الصيام ويكتفي بالإطعام، وصغير السن غير المخاطب) فهم على حكمهم المعلوم من وجوب الصيام؛ امتثالاً لقول الله سبحانه وتعالى: “فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ” سورة البقرة، آية رقم: 185.

 

المستند الشرعي للفتوى:

الصيام شعيرة من أعظم الشعائر التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وهو أحد أركان الإسلام ومظهر من مظاهر استسلام المسلم لأمر الله تعالى وامتثال أوامره في الظاهر والباطن، والترقي في مدراج الإحسان بالانقطاع عن الشهوات الحسية والمادية.

قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” سورة البقرة، آية رقم: 183. ويفيد معنى: “كُتِب” في الآية الوجوب، والصيام الواجب على كلّ مكلف هو صيام شهر رمضان لقوله تعالى: ” فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ” سورة البقرة، آية رقم: 185.

وقد رخّص تعالى لذوي الأعذار بالإفطار في شهر رمضان وأمرهم بالقضاء في غيره من شهور السنة فقال: “وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” سورة البقرة، آية رقم: 184.

ولرمضان هذه السنة خصوصيته، حيث يحلّ على العالم وهو يواجه انتشار فيروس كورونا المستجد الذي فشا فشوا عظيمًا فأصاب الملايين من الناس، وحصد أرواح الآلاف، وهو وباء جديد ما زالت البحوث العلمية لم تحط بعد بجميع جوانبه وخصائصه، كأسباب انتشاره، ومدد كمونه، وأنماط ظهور أعراضه.

كل ذلك يستوجب تجديد النظر في بعض أحكام الصيام، والمصير إلى الرخص والأخذ بالأخفِّ، بإعمال مقصد التيسير النّاظم لكل مناحي الشريعة، كما دلّت عليه النصوص الكثيرة منها: قوله تعالى:”لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهاَ” سورة البقرة، آية رقم: 286، وقوله: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” سورة الحج، آية رقم:87، وقوله: “يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـانُ ضَعِيفاً” سورة النساء، آية رقم: 28، وقوله: “مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” سورة المائدة، آية رقم: 6.

وفي الحديث:”…بُعِثتُ بالحَنِيفية السمحة…” مسند برقم: أحمد266، وفيه “يسروا ولا تعسروا…” رواه البخاري برقم : (69) ومسلم برقم: (1734)، وحديث: “إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين”، رواه البخاري برقم :(220)، والنسائي برقم: (56)، وأحمد في مسنده برقم: (7799) واللفظ له، وحديث: “ما خُيِّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُما أَيْسَرُ من الآخَرِ إلاّ اخْتَار أَيْسَرَهُما مَا لَمْ يُكنْ إِثْمًا؛ فَإنْ كَانَ إِثْماً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ” رواه البخاري برقم :(6126) واللفظ له، ومسلم برقم: (2327)، كما جاء في الحديث :”إنَّ الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه” رواه ابن حبان في صحيحه برقم :(354).

وهذا المقصد العام، جاء التنصيص على اعتباره في باب الصوم، بقوله تعالى “فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يريد بكم العسر” سورة البقرة، آية رقم: 185.

فقد أسقط الشارع وجوب الصوم عن المريض والمسافر؛ وقال العلماء: إنَّ للمريض مرضًا خفيفًا أن يفطر، ويندب له الفطر إذا كان فيه عليه مشقة؛ قال ابن يونس: “قال في المجموعة عن أشهب في مريض لو تكلّف الصوم لقدر عليه أو الصلاة قائمًا لقدر إلا أنه بمشقة وتعب: فليفطر ويصلّ جالسًا، ودين الله يُسْرٌ، قال مالكٌ رأيتُ ربيعة أفطر في مرض لو كان غيره لقلتُ يقوى على الصوم، وإنما ذلك بقدر طاقة الناس” مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (3/383).

فالمريض لا يخلو من أربع حالات:

  • إمَّا أن يكون مرضه شديدًا يضرُّ بالنفس أو يؤدي إلى الهلاك أو يقاربه؛ فهذا أجمع العلماء على سقوط الصوم عنه.
  • وإمَّا أن يكون مرضه خفيفًا يمكن معه الصوم بدون مشقة وبدون أن يؤثر على المرض بزيادة أو تأخر برء أو نشوء مرض جديد؛ فهذا يجب عليه الصوم عند الجمهور خلافًا لجماعة من العلماء.
  • وإمَّا أن يكون مرضه متوسطًا يمكن معه الصوم بمشقة؛ فيجوز لصاحبه الإفطار، ويندب له الأخذ بالرخصة.
  • وإمَّا أن يكون المريض يخشى إن هو صامَ زيادة مرضه أو تأخُّر برئه أو حدوث علّة أخرى فيه؛ فالأرجح أنَّه: يجب عليه الإفطار، ومن باب أولى الذي يخشى تلفًا: كتعطيل حاسة أو عضو أو أذى شديدًا.

كما ألحقوا بالمريض كذلك الصحيح الخائف من حدوث المرض خوفًا غالًبا؛ وهذا قول في المذهب المالكي، تخريجًا على الرخصة في التيمم، جاء في حاشية العدوي على شرح الخرشي للمختصر: “تنبيه: أَفْهَمَ قولهُ بمرض أنَّ خوف أصل المرض ليس حكمه كذلك وهو كذلك على أحد القولين، إذ لعله لا ينزل به، والآخر يجوز، أقول: حيث كان يرجع لأهل المعرفة أو غير ذلك فيظهر أن الراجح أنّه كذلك” حاشية العدوي (1/452).  

وهو مذهب أبي حنيفة؛ فقد قال ابن عابدين في حاشيته عند قول صاحب الدر: (وصحيح خاف المرض) ما نصه: “(أي: بغلبة الظن، فما في شرح المجمع من أنه لا يفطر محمول على أنَّ المراد بالخوف مجرد الوهم، كما في البحر والشّرنبلالية) ” رد المحتار على الدر المختار (2/422)، كما نقل ابن عابدين عن علماء الأحناف: أنّ التمريض عذر مبيح للفطر فقال: “قوله: (خاف الزيادة) أو إبطاء البرء أو فساد عضو. بحر. أو وجع العين أو جراحة أو صداعًا أو غيره، ومثله ما إذا كان يمرض المرضى. قهستاني ط[1]:  أي بأن يعولهم ويلزم من صومه ضياعهم وهلاكهم لضعفه عن القيام بهم إذا صام” رد المحتار على الدر المختار (2/422).

ومذهب الإمام أحمد بن حنبل، قال ابن قدامة: “فَصْلٌ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى الْمَرَضَ بِالصِّيَامِ، كَالْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ زِيَادَتَهُ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ خَوْفًا مِمَّا يَتَجَدَّدُ بِصِيَامِهِ، مِنْ زِيَادَةِ الْمَرَضِ، وَتَطَاوُلِهِ، فَالْخَوْفُ مِنْ تَجَدُّدِ الْمَرَضِ فِي مَعْنَاهُ” المغني (6/202).

 

مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي

رئيس المجلس

معالي العلامة الشيخ/ عبدالله بن بيه

سعادة الدكتور/ عمــــــــــــر الدرعي-عضواً               فضيلة الدكتــور/ أحمد الحداد-عضواً

فضيلة/ د. ســـــــــالم محمد الدوبي-عضــواً                فضيلة/ شــــــمَّــة يوسف الظاهري-عضواً               

فضيلة/ أحمد محمد الشـــــــــــــحي -عضواً                 فضيلة الدكتورة/ أماني لوبيس-عضواً

فضيلة/ د. عبدالله محمد الأنصاري-عضواً               فضيلة/ حـــمـــــــزة يوسف هانسن-عضواً

المستشار الدكتور/ إبراهيم عبيد آل علي-عضواً

Comments are closed.