الكلمة التأطيرية لمؤتمر فقه الطوارئ

 

     
   
  الكلمة التأطيرية لمؤتمر فقه الطوارئ                         

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الخاتم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدّين:

أصحاب المعالي، أصحاب السعادة، أصحاب السماحة، أصحاب الفضيلة،

أيها الحضور الكريم، كل باسمه وجميل وسمه،

 

توصيف الموضوع

نجتمع اليوم والعالم يمرُّ بأزمة لا عهدَ له بمثيلاتها، جرّاء تفشّي وباء فايروس كورونا المستجدّ، الذي أصاب الملايينَ وحصد أرواح مئات الآلاف ولا يزال يتمدّد من بلد إلى بلد، بل ويهدّد دولا عُوفِيَتْ بالمعاودة والتّجدّد، فاستحق بسرعة فشوّه وشمول انتشاره، التصنيف والتوصيف بالجائحة من قبل (مُنظمة الصّحة العالميّة).

ولعلّ من السّابق لأوانه أن يَتَسَوَّرَ النّظرُ محراب النّتائج أو يستخلص العبر من هذه الحادثة التي ما تزال ملأ السمع والبصر، فالمعلوم من أمر هذه الوباء نزر بالمقارنة بالمجهول، والمكشوف يسير باعتبار ما ينبغي اكتشافه. فما تزال البحوث لم تستوعب جميع جوانبه وخصائصه، كأسباب انتشاره ومُدد كمونِه وأساليب ظهوره وأنواع أعراضه، كما لم تستوفِ الدّراسات والتقارير ما له من الآثار الاقتصادية والمخلّفات النفسية والانعكاسات الاجتماعية.

بيدَ أنّ هذه الأزمة علمتنا دروسا وأشهدتنا حقائقَ منسية، منها هشاشة الجنس البشري وضعفه الملازم لكينونته، المطبوع في جبلته، (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)[1]، ومنها محدودية العلم الإنساني وقصوره المعرفي الباعث على التواضع، (وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)[2]، كما جعلتنا نستشعر في أنفسنا أن ليس جنس من البشرية مهما ارتقى ولا صنف مهما تطوّر بمنأى عن الطوارق أو بمفازة من الطوارئ. وأنّ رحلة أهل الأرض ليست دائماً مأمونة ولا مضمونة. كما أنّ ساكنة هذا الكوكب كركاب السفينة الواحدة ولو كانت ذات درجات متفاوتة إلا أنها في النهاية محكومة بمسار واحد ومحكوم عليها بمصير واحد. فمصائر البشرية متحدة ومساراتها متواشجة فنحن جميعاً من طينة واحدة. فالبارئ جلت قدرته وتعالت حكمته أظهر الإنسان على ضعفه ليتواضع وعلى جهله ليتعلم وسخر له الكون ليعمل (وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه)[3].  

ولذا فإنّ قيماً مركزية ظهرت ضرورتها في هذه الأزمة. ومن أهمها قيمة التضامن بين البشرية لمواجهة خطر لا يفرّق بين شعب وشعب ولا بين لون ولون ولا يَمِيزُ طبقة اجتماعية عن أخرى أو يتنكّب أرضا دون أخرى، بل يصيب الجميع، على تنوع أعراقهم وتعدد نحلهم وأديانهم، وتفاوت طبقاتهم ومستوياتهم.

فبدا جليا حاجتنا إلى تجديد القيم  وتأكيد الوعي بأن الخلق كلهم عيال الله وأنّ أحبّ الخلق إليه أنفعهم لعياله، كما في الحديث (الخلقُ كلُّهم عيالُ اللهِ ، وأحبُّكم إلى اللهِ من أحسن إلى عيالِه)[4]. من هنا كانت دعوة الكثير من العقلاء وأولي بقية إلى هبة ضمير عالمية تؤكّد على وحدة المصير الإنساني وعلى الأخوة الإنسانية. ذلك ما نرجوه وندعو الجميع إليه. فربّ محنة في طِيّها منحة.

إنه ما من منحى من مناحي الحياة اليوم بمنأى عن تبعات هذه الأزمة وآثارها، ففقد تَسَلَّلَتْ إلى أدقِّ تفاصيل الحياة الإنسانية، وشملت كل النواحي، فوجب لذلك استنفار كل المهتمين بلا استثناء، فبالإضافة إلى الأطباء الذين يقومون على ثغرة مهمة ويسدون ثلمة حيوية، ينبغي ألا نغفل مناحي أخرى لها أهمية كبرى، فعلى سبيل المثال طرحت هذه الأزمة إشكالات تتعلق بالاقتصاد وكيف يضمن الناسُ أسباب عيشهم ومكاسبهم واستمرار أعمالهم وصنائعهم واستمداد أقواتهم واستيراد ميرتهم، وكذلك طرحت إشكالات تتعلق بالمنحى الاجتماعي، فيقتضي الأمر أن ينهض العالم الاجتماعي أو العالم النفساني ليبحث الحالة الاجتماعية وما طرأ عليها والناحية النفسية وكيف أثرت فيها الجائحة. وعلى هذا النحو جدّت أمور كثيرة من الناحية الدينية والعلاقات الروحية، فشَمِلَتْ العبادات الفرديّة والجماعية وطاولَت العقود والمعاملات بل تطاولت لتشمَل الأفكار والمعتقدات.

 

كل ذلك يدعو الى استنهاض الهمم ليتحرّك كل عالم في مجاله حتى يحصل التوازن وتمضي الحياة على الوتيرة المعتادة، حسب الإمكان. إنما مثل هذه الحالة كمثل من يضطر للنزول بالمظلة، إذ يتطلب منه ذلك تدابير خاصة أو كالذي يستخدم قارب النجاة في البحر. إن هذا كله يقتضي استنفاراً للطاقات الذهنية واستجماع الجهد الفكري لعلاج موضوع جديد بالنوع قديم بالجنس.

 

تلك هي نظرتنا لهذا المؤتمر الذي يلتئم اليوم، حيث ننطلق من الوعي بأنّ هناك جهة ينبغي ألا تَغفُل أو تُغفِل ما يجري. وهي جهة الفقه الذي هو عبارة عن صنوف وقوانين وفلسفة وروحانيات، فهذه الجهة يجب الا تغفل التأثيرات الحاصلة في الواقع، فالواقع شريكٌ في تنزيل الأحكام وتطبيقها، كما دلت على ذلك النصوص والأصول وأبرزته ممارسات السلف الراشد الاجتهادية وتنزيلاتهم الوقتية، فقد لزم النظر في تأثير هذا الواقع الاستثنائي الجديد على الأحكام الشرعية، وفق المنهج السليم في تحقيق المناط بما يحقق غايتَيْ الاستنباط والانضباط.

 

 

المدخل إلى الموضوع

 

أيها السادة العلماءُ، والإخوة الأجلاء،

 

لقد اخترنا أن ينتظم لقاؤنا المبارك تحت عنوان” فقه الطوارئ”، وقد وقع اختيارنا على الفقه لرحابة صدره، وفساحة مجاله، فهو العلم بالأحكام الشرعية المستنبطة عن طريق الاجتهاد. ونحن الأن بحاجة إلى استنفار أدوات الاجتهاد  ومولدات الأحكام الجزئية عن طريق إثارة ونثر مكنونات الكليات التي ارتضتها الأمة أسساً لاستنباط الأحكام من النصوص في مختلف دلالاتها، من منطوق النص وإشارته، ومن خارج النص في أروقته كمفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة، وحول النص في جاذبية مقاصده وقواعده من قياس بل أقيسة واستصحاب حكم العقل المبقي على نفي التكليف وفي ضوء المصالح المعتبرة والمرسلة وظلال الاستحسان والذرائع سداً وفتحاً والعوائد والأعراف المشروعة، في منظومة كاملة تسعف العقل المسلم في التياث الظلم والشدائد والأزم، منظومة المقاصد الكبرى الثلاثة ضروريها وحاجيها وتحسينيها التي ترجع إليها الشريعة، وشبكة القواعد الخمس التي يرجع إليها الفقه. تلك الصناعة الفقهية التي بها يتحقّق إعمال ثلاثة أنواع من الاجتهاد: المطلق من أهله وفي محله والتخريج من مُخَرِج على أصول مذهبه والترجيحي في أسفل السلم يختار من فروع مذهبه.

بيد أننا في المقاصد سنتوقف مع المقصد الضروري وفي القواعد سنعرج على قاعدتين: المشقة تجلب التيسير، والضرر يزال، لمناسبتهما للواقع وملائمتها لحال الأمة. فالتيسير مؤصل من الشارع ومرشح من الواقع، والضرر يزال مطلوب من الشرع (لا ضرار ولا ضرار)، ومرغوب من الوضع الذي يعيشه العالم. فسيكون حفرنا وتنقيبنا في معدنهما الذي لا يصدأ وامتياحنا من معينهما الذي لا ينفد. ولهذا فسيكون التيسير قطب رحى مؤتمرنا مستعملاً لأنواع الرخص من اسقاط وإبدال ونقص وتأخير وتعجيل سواء كانت في الضرورات أو في الحاجات. كل تلك المنظومة المنضوية تحت قوله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ ۚ وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)[5] مما يدل عل أن الشريعة تتعامل مع الكينونة البشرية في تقلباتها وتطوراتها من قوة بالعزائم وضعف بالرخص واليسر (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً ۚ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ )[6] وهكذا فإننا في سعينا الحثيث لمواكبة هذه الحالة النازلة بأهل الأرض نستنفر كل الأدلة الميسرة لتأصيلها وتوصيلها.

 

وأما الجزء الثاني من المركب الإضافي فهو الطوارئ. فما هي الطوارئ؟.

الطوارئ لغة من طَرَأَ على القوم يَطْرَأُ طَرْءاً وطُرُوءاً : أَتاهُم من مكان أَو خَرَجَ أَو طَلَعَ عليهم فَجْأَةً أو أتاهم من غير أن يَعلموا أو خَرج من فَجْوَةٍ . والطَّرِيقُ والأَمْرُ المُنْكَرُ قال العجاج في شعره:

ولا مَعَ الماشِي، ولا مَشِيُّ * بِسِرِّها، وذاك طُرْآنِيُّ

“وذَاكَ طُرْآنِيُّ” أَي مُنْكَرٌ عَجيب. والطَّارِئَةُ : الدَّاهيَةُ لا تعرف من حيث أَتت[7]. فما هي الداهية؟ هي الأمر العظيم. داهية دهياء أي شديدة من شدائد الدهر هكذا يقول صاحب القاموس.

ولذا اخترنا مصطلح الطوارئ لما فيها من عنصر المفاجأة وغموض المصدر وشدة الوقع، وإن كان اللفظ المصاقب – الجوائح – أشهرَ، الإ أن الجوائح غالباً ما تكون جزئية كجائحة الثمار مثلاً، والأصل أن الجائحة تقع خارج القدرة والإرادة الإنسانية، لكنهم وسعوها لتكون أحياناً من فعل الإنسان كالجيوش الغازية. وأما هذه الجائحة التي نتحدث عنها اليوم فهي كلية لعلاقتها بالكيان الإنساني كله، بالدين والنفس والمال والعقل والنسل، فهي جوائح للأموال وجوائح للأنفس وجوائح في الثمرات، ولهذا سمّيناها طوارئ. فهي دواه منكرة وفيها عنصر المفاجأة وشدة الوقع وعنصر جهل المصدر، لا يعرف من أين أتت؟.

 

ذلك هو الفقه وتلك هي الطوارئ، فماذا عن المركّب فقه الطوارئ؟ سنستعين هنا ببناء العلل الأربع لتقريب المعنى وتوضيحه والتي تمثل حقيقة كل بناء عند المناطقة وهي الغاية والمادة والصورة والفاعلية. أولاً الغاية: هو فقه يبحث عن اليسر في مواطن العسر وعن السهولة في مواقع الوعورة وعن الرخص لقيام موجبها بدل العزائم. أما مادته فهي نصوص الكتاب والسنة المؤصلة للتيسير ومابني عليها من الأدلة سواء تعلق الأمر بدلالات الألفاظ ومقعول النصوص ومقاصدها وقواعدها مع اصطفاء وانتقاء االعناوين الأكثر لصوقاً بالتيسير، وأقرب وشيجة بالتخفيف والسهولة، وبخاصة أبواب الاستصحاب المبقي على نفي التكليف، والاستحسان متمثلاً في الاستثناء من كلي ضرورة أو حاجة وهو العدول عن القياس الى ماهو أرفق بالناس حسب تعبير الأحناف. وبالاستصلاح وبالاخص المرسل منه الذي يعتمد أصل المصلحة التى لاترجع إلى أصل معين ومن القواعد على قاعدة المشقة تجلب التيسير وماتفرع عنها من مبدأ الضرورات التي تبيح المحظورات وتسقط الواجبات التي هي اساس الرخصة الاصطلاحية وهي تغيير حكم  الى سهولة لعذر مع قيام العلة الأصلية، وقاعدة الحاجات المنزلة منزلة الضرورات التي تؤصل للرخص بمعناها اللغوي وهو الخروج عن القياس كالسلم والاختيار من الخلاف. أما صورته فهو مركب من الواقع والدليل وأما الفاعل فهو الفقيه والخبير والحاكم.

 

وباختصار هو فقه التيسير والتخفيف مستنبطاً من نصوص الشريعة وفهم العلماء ومركباً مع الواقع أساسه الرخص والضرورات التي تقدر بقدرها وتزول بزوال سببها.

 

إن التعامل مع الطوارئ ركن أصيل من أركان كلّ منظومة تشريعية، ولشريعتنا الإسلامية في هذا المضمار فضل عناية ومزيد اهتمام، وذلك بوصفها المنظومة التعبديّة والقانونيّة التي تحكم النسق السلوكي والمعياري في حياة الفرد والجماعة المُسْلمَيْن. فبتكاملها المشار إليه تعمّ الكليات الخمس، لهذا سنبحث الموضوع من خلالها وذلك بتتبع هذه الكليات وتوضيح الأثر الطارئ عليها جراء هذا النوع من الجوائح آصالة أو تبعاً.

 

المنحى العقدي من كلي الدّين:

أيها العلماء الأجلاء،

الكلي الأول وهو الدين والمراد به هنا الإعتقاد والعبادات. فأما في ما يتعلق بالاعتقاد فإن الأزمة أثارت مسألة الخير والشر والقضاء والقدر ودائرة المقادير الكبرى التي تتسع لمجال أرحب من دائرة فعل الإنسان واختياره وربما أبعد من فهمه وأحيانا من تفهُّمه.

وفي الأزمات عادة ما يقف العالم مدهوشا أمام هول الحدث، في حيرة وارتياب – على حد قول ابن الفارض:

سائقَ الأظعانِ يَطوي البيدَ طَيْ * مُنْعِماً عَرِّجْ على كُثْبَانِ طَيْ

حائرٌ في ما إليه أمرُهُ  *  حائرٌ والمرءُ في المحنة عَيْ

كما تنشأ لدَيه أسئلة كثيرة من الأسئلة المفاتيح: ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟، أسئلة تتعلق بالبحث في السنن الكونية، أسئلة عن العلل الثانوية -كما سماها كلود برنار[8] – والكيفيات، كيف حدث هذا الوباء وكيف يتعامل الإنسان مع هذه الأوبئة بإنتاج اللقاحات واكتشاف العلاجات الملائمة واستشراف حدوثها والابتعاد عن المناطق الموبوءة.

تلك أسئلة مشروعة ليس فيها شيء ينافي الاعتراف بقدرة الباري جل وعلا وقدرِه، فإيماننا بأن هذه الأوبئة مقادير من عند الله طبقاً للحديث الصحيح (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)، لا ينافي السعي إلى معالجتها والبحث عن التدابير الدنيوية من نتائج العقول وتجارب البشرية، فمكافحة الأوبئة هي من جنس مكافحة كل ما يؤذي الإنسان كالسباع الضّارية والهوامّ السامة التي يشترك فيها المؤمنون وغير المؤمنين.

فالكفاح من قدر الله، كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه : (نفر من قدر الله إلى قدر الله) . فهذا هو المنطق الصحيح في الإسلام فالتوكل لا ينافي العمل، إذ إن التوكل حالة قلبية وترك العمل هو إساءة للأدب مع الله كما يقول أهل التزكية، ومراغمة الأسباب مخالف للسنّة الكونية وللسنة التشريعية لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (تداووا يا عباد الله). إن أفضل المتوكلين عليه الصلاة والسلام كان يتعالج ويعالج، فكل جهد للوقاية والعلاج مطلوب ومرغوب، فهي تدابير أظهرت نجاعتها التجربة العلمية وتزكيها النصوص الشرعية، وهي مقتضى مقاصد الشريعة وقواعدها.

بل إن الإسلام يحثّ على البحث العلمي للتوصل للدواء. وفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ).

إن هذا الحديث أصل عظيم، ودعوة إلى تعلم الطبّ والبحث عن الدواء ، فهو يؤكد وجود دواء لكل داء، فإذا كان الانسان على يقين من وجود دواء للأمراض العضالية فضلا عن الأمراض الأخرى فعليه أن يستقصي بحثا، فهو لا يبحث عن شيء معدوم، لكن عن شيء موجود لم يكتشف بعد، وهذه بشرى وأمل للباحثين. وقد جمع هذا الحديث الكريم بين اتجاهين، أولهما يشير إلى مجهود الإنسان في قوله عليه الصلاة والسلام: ” فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ”، وثانيهما: الاتكال على الله سبحانه وطلب التوفيق منه لأنه خالق الأشياء والهادي بمنه إلى المكتشفات، وذلك في قوله “بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ” ، فالإنسان يجتهد ويبحث ويستمدّ التوفيق من القوة العليا الممدة والملهمة.

ولكن القدم تزلّ بالفكر عندما ينقلب من التساؤل المشروع إلى المسائلة المستحيلة، فيطمح به الخيال ويجنح به الكبر ليتهم الربّ سبحانه في تدبيره وتقديره، ويتوهّم أفعاله كأفعاله وأحكامه كأحكامه، فيغفل عن تسامي الحكمة الربانية التي لا تحاكم على قوانين المخلوقات لأنها لا تصلح أساسا للمقايسة لانتفاء المشابهة، بله المماثلة، فهو “الأحد” الذي «لم يكن له كفواً أحد»، فكل أفعاله وأوامره خيرٌ وحسن وجمال، وكما يقول الآمدي: واتفقوا على أن فعل الله حسن بكلّ حال. وأضدادها منتفية عنه وهي الشر وهو يقابل الخير والسيء وهو يقابل الحسن والقبح ويقابل الجمال. 

ولكن ما هو مفهوم الخير والشر؟ وما هي متعلقات الخيرية والشرية؟ الخير والشر من كلمات الإثارة (évocation) وليست من الكلمات المحددة. فالخير هو ما يطابق فكرة مثالية أو أخلاقية أو فضيلة أو عدالة أو مصلحة. والشر على العكس من ذلك. 

فهل يمكن أن ينسب لظاهرة كونية كالزلازل والأوبئة، أنها خير أو شر؟ وبأي اعتبار؟ وبالنسبة لماذا؟ هنا تختلط الأشياء وتعمى على الذين لا يعقلون الأنباء ونحن نحاول تقريب أمر الخيرية والشرية في فعل واحد ولكن لكلّ وجه منه خصوصية.

 فعلى سبيل المثال وفي حدود دائرة أفعال البشر: الفلاح في حقله يحرق الأعشاب الطفيلية أو يعقر الحيوانات المصابة بالمرض.  بماذا نصف هذا الفعل؟ بالمقابل نجد مخرّبا يحرق بساتين الناس ويعقر حيواناتهم «ويهلك الحرث والنسل» على حدّ التعبير القرآني. فبم نصف فعله؟ إن الفعل واحد ولكن يختلف باعتبار الغاية والنية والفاعل. 

ومثال آخر طبيب يؤلم المريض بعملية جراحية لإنقاذ حياته، ومجرم يصيب شخصا بجرح عميق، أو قاض يحكم على مجرم بالسجن وربما بالقتل لوقاية المجتمع من شره، ولص يقتل البشر، إن الأمر يختلف بالنّسبة لدافع القتل وسببه وغايته لكنه يختلف أيضا بالنسبة للفكرة التي نتصورها للخير والشر فعلمنا أن الذي يحدد الخيرية وضدها ليس الصورة وإنما البواعث والمئالات.

إن التفسير الغائي لأفعال الله تعالى وأحكامه من منظور الإنسان القاصر، يوقعه في لبس ويقوده إلى الضلال، فمحدوديّة المعرفة البشرية التي لا تتجاوز الآماد العاجلة والأحوال الظاهرة، قد تعوقه عن الفهم عن الله في تدبيره الحكيم لكونه وتصريفه لخلقه، فما قد يبدو خيرا قد يكون في حقيقة الأمر شرا وما قد يبدو شرا قد يكون في حقيقة الأمر وعاقبته خيرا، (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

ثم إن الزمن الإلهي زمن متصل مرتبط فيه الفعلُ بعواقبه الدنيوية وآثاره الأخرويّة كليهَما، فخيرية الفعل إنما تقاس بمآلاته في الأمدين، ولا سيما في الأمد الأبدي الذي لا انقضاء له ولا تصرّم، في دار الخلود.

إن خيرية الله عز وجلّ المطلقة ونفي الباعث بالمعنى الفلسفي عن أفعاله وأحكامه، تجعل مسائلته في خلقه جهلا، وكبرا(لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[9].

كل هذا يعلمنا أن ظواهر الأشياء لا يمكن أن نحكم بها على أفعال الله وأقداره، وأن الموقف السليم هو التواضع، والتسليم فيرضى بقدر الله مستيقنا خيريّة المصدر. وبهذا الموقف الإيماني تنالُ النّفس طمأنينتها فلا تيأس ولا تقنط من روح الله ويكتسب العقلُ راحتَه فلا يطغى ولا يزيغ، وتصرف طاقاته في قنواتها الطبيعية، فلا تهدر بل تثمرُ في ما فيه نفع من أسئلة الوجود التي هو مهيئ لها وميسّر. 

تلك باختصار هي الرؤية الإسلامية لمعالجة الطوارئ من منظور عقدي، فإن هذا الكوكب وسكّانه معرضون لتقلب الأعراض وتداول الأحوال وتصريف الأكوان، ابتلاءً من عليم خبير، فيلزم الإنسانَ أمام هذه الحوادث أن يتحلى بالتسليم النفسي لمولاه، والأمل في ما عنده من الخير والفضل والتمسُّك بما أمر به وأرشد إليه من الأخلاق الحميدة والقيم الفضيلة المتمثلة في التضامن والتعاون على الخير والنفع العام واستعمال الذكاء وما اوتينا من الملكات والقدرات لندرأ الشر ونعالج الضر فذلك موقف عملي يجب ألا تكون له علاقة بالاعتراض الميتافيزيقي على دائرة المقادير الكبرى التي لا نملك الإجابة على أسئلتها المفاتيح: ماذا؟ ولماذا؟ وكيف؟. ولهذا روى التابعي المُعتمرُ بن سليمان، عن أبيه، قال: أما والله لو كُشف الغطاء لعلمت القدرية أن الله ليس بظلام للعبيد”[10] ومعنى ذلك أن الدائرة الكبرى لو أدركناها لتغيرت رؤيتنا للأمور ولأبصرنا الأشياء مقرونة بمآلاتها الحكيمة، موصولةً بمشهدها المكتمل المتكامل، المحجوب بقصور الإدراك، المتواري وراء الظواهر.

 

كذلك الإيمان بالأقدار                  فهي أمرُ الملك القهارِ[11]

فلا الصلاح هاهنا والأصلح            وجوبه على العلي يصلُح

لأنه المالك والجليل                      فكل ما يفعله جميل

لحكمة عليا فلا يوجه              له السؤال إنَّ ذاك عمه

وما جرى بين علي وأبي                علي[12] أوضحَ السبيل للأبي

ألم تر الجراح وهو يقطع          نياط قلب الشخص إذ تُمَزَّع

لصالح المريض لولا الباعث        لقلت: هذا مجرمٌ أو عابث

فكيف تدرك دقائق الحكم         في الكون؟ وهو في مجالها الأعم

نسأله سبحانه حسن القضا        وأنْ ننال في قضائه الرضا

 

منحى العبادات من كلي الدين:

أما في منحى العبادات فالنظر متوجّه لما يسمّى بالاسباب والشروط والموانع اي خطاب الوضع الذي ينتظم العزائم والرخص. فالصّلاة نفسُها لا تسقط لكن لواحق العبادة يمكن أن تنالها رخص الإسقاط كسقوط الجمعة والجماعة، ومثل ذلك في الصيام ووجوبه تلحقه رخص السقوط والتأخيرعن مريض هذا الوباء وهل التمريض يكفي عذراً للإفطار كما قال قهستاني أم لابد أن يكون عائلاً للمريض كما قيده ابن عابدين. والزكاة تقديماً وتأخيراً وهل يمكن البناء على السبب قبل حصول الشّرط وغير ذلك مما ستستمعون له في بحوثكم.

على مستوى العبادات، يفعّل فقه الطوارئ في الشريعة الإسلامية مرتبة الرُّخص ويحكّم الكليّ الضّروري وينزّل مقصد التيسير. وهنا تظهر القاعدة الأولى من قواعد فقه الطوارئ وهي قاعدة المشقة تجلب التيسير، و “الأمر إذا ضاق اتسع”، كما قال الشافعي رضي الله عنه. وهي إحدى القواعد الخمس التى ينبني عليها الفقه استنباطاً من نصوص الكتاب والسنة. “إن مع العسر يسراً*إن مع العسر يسراً”، “وما جعل عليكم فى الدين من حرج”، “يسروا ولا تعسروا”، “إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه”[13]. وغير ذلك من الأدلة التي أسس عليها الشاطبي في الموافقات ليقرّر مقصدية التيسير في الشريعة.

ومن مظاهر مقصد التيسير وتطبيقات قاعدة المشقة، التوسعة باختلاف العلماء. فإن الأمر المختلف فيه أوسع من المجمع على تحريمه، وفي المختلف فيه مندوحة عن مواقعة الحرام، إذ المختلف فيه من جنس المشتبه، الذي مداره على الكراهة، قال في مراقي السعود:

وما * فيه اشتباه للكراهة انتمى. 

ولذلك قمنا في مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي إعمالا لهذا المقصد وتطبيقا لهذه القاعدة بالتذكير بما رخص به الشرع من ترك الجماعات والتغيب عنها وتعليقها حفاظا على صحة المصلين، والاقتداء بالصوت دون الرؤية ودون اتصال الصفوف اعتماداً لصحيح مذهب مالك، فقد جاء في المدونة أنه قال: ( ولا بأس بالصلاة في دور محجورة بصلاة الإمام في غير الجمعة إذا رأوا عمل الإمام والناس من كوى لها أو مقاصير  أو سمعوا تكبيره فيكبروا ويركعوا بركوعه ويسجدوا بسجوده فذلك جائز، وقد صلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في حجرهن بصلاة الإمام ولو كانت الدور بين يدي الإمام كرهتُ ذلك فإن صلوا فصلاتهم تامة. وقد بلغني أن دار آل عمر بن الخطاب وهي أمام القبلة كانوا يصلون فيها بصلاة الإمام فيما مضى ولا أحبّه فإن فعله أحد أجزأه).

على أن إقامة الجمعة في البيوت لا تصحُّ كما لا تجوز صلاتها في البيت اقتداء بالصوت أو عبر نقل البثِّ المباشر، فللجمعة هيئتها المخصوصة المفارقة لهيئة الصلوات الخمسة، والتي إنما تقام عند حصولها وتسقط عند عدمها.

 وكما أُعْمِلَ مقصد التيسير في أحكام الصلاة، فإنه يعمل كذلك في الصوم، نصا واستنباطا، قال تعالى في معرض ذكر أحكام الصوم “يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر”، فنفي العسر وإثبات مقصدية اليسر عام في الشريعة وخاص في أحكام الصيام، ولذلك أفتينا في المجلس أن المصاب بداء الكوفيد له حكم المريض فيندب له الفطر إن كان عليه فيه مشقة ويجب عليه إن كان الصوم سيفاقم مرضه أو يعرضه للخطر، وذلك بإخبار أهل الخبرة من الأطباء والجهات الحكومية المختصة.

وقد ذكّرنا بقول بعض السلف كابن سيرين والبخاري بجواز إفطار المريض الذي لا يشق عليه الصوم لأن مناط الرخصة عندهم مجرد اسم المرض، ولا عبرة بمستواه، بل كل ما يصدق عليه اسم المرض يصلح عذرا لإباحة الفطر.

وكذلك أفتينا الطواقم الطبّية التي تشرف على المرضى (من أطباء وممرضين ومسعفين ونحوهم)، الذين يمثلون الخط الأمامي في مواجهة هذا الوباء أن يفطروا في أيام عملهم، إن كانوا يخافون أن يؤدي صومهم الى ضعف مناعتهم أو تضييع مرضاهم. واعتمدنا في ذلك مذهب أبي حنيفة كما نقل ابن عابدين عن علماء الأحناف أنّ التمريض عذر مبيح للفطر، (“قوله: (خاف الزيادة) أو إبطاء البرء أو فساد عضو. بحر. أو وجع العين أو جراحة أو صداعا أو غيره، ومثله ما إذا كان يمرض المرضى. قهستاني ط[14]قال ابن عابدين: أي بأن يعولهم ويلزم من صومه ضياعهم وهلاكهم لضعفه عن القيام بهم إذا صام”). وتعليق ابن عابدين فيه نظر.

 

وفي أحكام الزكاة، فإن رخصة التقديم تستند إلى حديث العباس بن عبدالمطلب رضي الله عنه وقد رخص له عليه السلام بتقديم زكاته وقد اختلف العلماء في وصف هذا التعجيل بين موسع ومضيق.

والنتائج المترتبة على التعجيل إن تلف المال قبل الحول فهل يسترجع المزكي مابذله في الزكاة؟ أمر يشكو إمام الحرمين الجويني فيه من اضطراب النصوص وتخبط المذهب حسب عبارته. فهل هي سلفة أم لها حكم الخصوصية. وهل ينظر فيها إلى معيار القرب والبعد، على وفق القاعدة:

وهل قريب الشيء كهو كالذي    نوى أو استجمر أو زكى احتذي

أم أن النظر فيها إلى وقوعها موقعها حين إخراجها فيكون ذلك الوقتُ وقتَ وجوبها. ثم ما وجه الاستحسان الذي سار عليه المالكية من التفريق بين أن توجد العين قائمة لدى الفقير أو السلطان وبين أن يتمّ تفويتها؟  

وأما الرخصة بتأخير الزكاة فتستند إلى ما نقله أبو عبيد في الأموال من تأخير عمر رضي الله عنه الزكاة في عام الرمادة[15] وهو ما ذهب إليه جلُّ الحنفية.

ومن ثمّ هل يكون التعجيل لفائدة المساكين وجيها بسبب تفشي البطالة جراء إنهاء خدمة العمال وتسريحهم من وظائفهم. ويكون التأخيرُ لفائدة أرباب المال جراء نقص السيولة وكساد السلع وجيهاً بالنسبة إليهم مما يوجد اجتماع المانع والمقتضي لا بالمعني الفقهي الأصولي ولكن من الناحية العملية مما يدعو إلى الاجتهاد وتنويع الحلول.

 

وأما أحكام الحج والعمرة فقد أكدنا في المجلس لزوم التقيّد والالتزام بما تتخذه حكومة خادم الحرمين الشريفين انطلاقا من مسؤوليتها السيادية والشرعية في رعاية الحجاج والمعتمرين والزوار وإعانة لها في الحفاظ على صحة الجميع وسلامتهم. وإن القرار الذي صدر بتخصيص الحج هذه السنة لحجاج الداخل وتقليص أعداد الحجاج يعود لمصلحة المسلمين لما قد يواجهونه من خطر تفشي المرض بينهم في ظل استمرار جائحة كورونا. فهو اجتهاد مصلحي صادرٌ من أهله وواقع في محلّه، اجتهاد مضبوط بالضبط الشرعي والمنهجي العلمي الصحيح، علما بأن الحج وإقامة الموسم عدّه العلماء من فروض الكفاية، قال خليل المالكي “كزيارة الكعبة فرض كفاية”، قال شراحه أي إقامة الموسم بالحج كل سنة، وليس المراد زيارتها لطواف فقط أو عمرة. فبهذا القرار الرشيد وقع الفرض المطلوب شرعا المتحقّق بمن يصدق بهم إقامة الموسم ولا حدّ له شرعا، وسقط الإثم عن الجميع، لتعذره بالعذر الشرعي المقبول، لا سيما إن راعينا الخلاف المشهور في الحج هل هو على الفور أم لا؟ وقد رجّح كثير من أهل العلم كالشافعي والمغاربة من المالكية أن فرض الحج على التوسعة والتراخي، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم مكث سنين بعد فرض الحج لم يحج، ولو كان على الفور لما أخره صلى الله عليه وسلم ولو أخره لعذر لبيّنه.  

 

 

كليّ النفس:

أما كلي النفس فهو أهم مشكل في هذه الجائحة، وإن من مظاهر مقصد التيسير في الشريعة تقديم ضروري الحياة على سائر جزئيات الشريعة بما في ذلك جزئيات ضروري الدين، وننبّه هنا على أمر كثيرا ما يشتبه على بعض المؤلفين، فإن العلماء ذكروا تقديم ضروري الدين على ضرورية الحياة، قال في مراقي السعود:

دينٌ فنفس ثم عقل نسب  مالٌ إلى ضرورة تنتسب

ورتبن ولتعطفن مساويا    عرضاً على المال تكن موافيا

فحفظها حتم على الإنسان     في كل شرعة من الأديان

ولكن المقصود بالدين في هذا السياق هو الإيمان لا كلّ الشريعة بفروعها وجزئياتها، وإنما المقدم على كلي الحياة هو الإيمان الذي خوطب به جميع الرسل : “(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه).

فالحفاظ على حياة الناس وسلامتهم والوقاية من انتشار المرض المعدي عذر شرعي صحيح من جنس المناسب الشرعي المؤثّر.

كما يلزم هنا رفع اللبس الحاصل  لدى بعض الناس، حيث يشكل عليهم أمر العدوى، فحديث “لا عدوى..” الذي كتب حوله الكثير في القرون الإسلامية السابقة ورجع عنه راويه أبوهريرة رضي الله عنه نرى أنه يتضمن اقتضاء. والإقتضاء دلالة منطوق على محذوف لا يستقل الكلام دونه عقلاً أو شرعاً. كمافي حديث “لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد” أي كاملة، وقوله ﷺ في حديث حفصة “لا صيام لمن لم يبيته من الليل” اي صياماً صحيحاً.وكذلك حديث “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان” أي اثم الخطأ والنسيان. فالنفي هنا ليس نفياً للذات. ولذا فالنّفي فى الحديث (لا عدوى..) هو نفيٌ للطبيعة الأصلية وليس نفياً للوقوع الطبيعي، فهو كما يقول ابن رشد في المقدمات الممهدات بمعنى أنّه نفي أن يكون لشيء من الأشياء عدوى في شيء بالتأثير فيه والفعل بذاته، إذ لا فاعل على الحقيقة إلا الله سبحانه، فأبطل اعتقاد الجاهلية للعدوى بوجه التأثير كما أبطل أن يقال “مطرنا بنوء كذا” ، فلم ينف صلى الله عليه وسلم وجود ما هو موجود مما يتعدى في مكان أو عند مخالطة أو ملابسة أو ملامسة أو شم رائحة، وإنما صحّح التصوّر المغلوط عن الفاعلية والتأثير، ولذلك أمر بالفرار من المجذوم كما يفر من الضرر والمهالك ووجوه المعاطب المحسوسة، فرارا من قدر الله إلى قدر الله. وكذلك نهى أن يورد الممرض على المصحّ لئلا تمرض الصحاح وقد جمع بينهما النووي.

وهذه الطريقة في الجمع بين الأحاديث النافية والمثبتة هي الأوفق بمنهج الشريعة إذ لم يرد الشرع بتعطيل الأسباب ولا بإبطال الأصول الطبيعية بل جاء بإثباتها من باب توسيع المحل بالعلة:

وقد تخصص وقد تعمم=====لأصلها لكنها لا تخرم[16]

والمحل هنا هو (لا يوردن ممرض على مصح)، (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، والنهي عن الدخول إلى بلد الذي فيه الطاعون. إذا كانت العلة هي خوف العدوى، فينهى عن القرب من المرضى ومن هنا التباعد ومن هنا الحجر ومن هنا عدم الزحام ومن هنا عدم الانتقال. وبالإدوات الأصولية الجلية يكون من باب تنقيح المناط بإلغاء الفارق أو ماجعله ابن رشد الحفيد من باب التنبيه بالخاص على العام فينهى عن كل ما يؤدي إلى العدوى.   

والفهم الجاهلي للعدوى يجعلها جنسا من الأمور الغيبية والأفعال الذاتية، كالشؤم وغيره، وليس كالتصوّر المُعاصر القائم على ما أصبح مشاهدا بالمجهر من انتقال الأجسام المتناهية في الصغر بواسطة الحواسّ، وهو ما ينقل العدوى من مجال الماورائيات إلى عالم المحسوسات، فيسلك به مسلك سائر طرق المعاطب والمهالك التي نهي الإنسان عنها.

ولعلّ ما رجحه بعض أهل العلم قديما كالإمام السنوسي من أن ظنّ العدوى لا يجيز ترك عيادة المرضى وصلة الرحم وسدّ أبواب المرافق والمصالح، كان مبناه كما يفهم من كلامهم على تصورهم للعدوى بأنها  من الحوادث الارتباطية ضعيفة الاحتمال، التي الأمر فيها مشكوك، أو مظنون ظنا ضعيفا، بل تكاد يكون على حد عبارتهم من باب علم الغيب، والتعليل بالغيبيات غير مستقيم.

أما وقد صار فهمنا اليوم لآليات انتقال الأمراض أكثر دقة وارتفاع مستوى الاحتمال فيها إلى غلبة الظنّ، فلا وجه للتفريق بينه وبين سائر ما اطردت العادة به من المضرات والمهالك، كالتردي من المهواة أو التقحم في النار. وعليه فإن الإجراءات الاحترازية خصوصا اذا أمر بها الحاكم يرتقي حكمها إلى الوجوب، ومخالفتها إلى الحرمة، لأنها من الأحكام الشرعية في كلي حفظ النفس وهي أحكام ملزمة وليست مجرد نصح أو توجيه، بل تترتب عليها عقوبات شرعية للذي يخالفها متعمدا، وبالتالي فإن من أعدى فهو مسؤول عن عمله، فإلا تكن مسؤولية تضمينية (ما يسمى بمسؤولية الضمان) فهي مسؤولية أخروية تستحق العقوبة بالنسبة للمتعمّد حسب ظروفه.

ولا شكّ أنّ كلي حفظ النفس يعني المحافظة عليها وجوداً وعدماً. وجوداً بتنمية قدرات الإنسان على مقاومة هذا المرض وعدماً بإبعاد شبح كل ما يؤدي إلى المرض.

وقد نص علماء المالكية وغيرهم على أن الضمان الحاصل عن التعدي لا يشترط فيه القصد والتعمّد، إذ الضمان من خطاب الوضع. وقد توسّع بعض علماء المذهب المالكي حتى ضمّنوا العائن المجرّب الذي يصيب شخصاً بعينه.

وبالنسبة للمعدي عمداً فالأقربُ أن يعاقب تعزيراً وردعاً له لأنه خالف نهياً وهو لايورد ممرض على مصح وهذا في معناه فيقاس عليه بإلغاء الفارق من باب أولى لأن الأول يصيب المال والثاني يصيب النفس وقواه نهي الشارع عن الخروج من المكان الذي فيه الطاعون أوالدخول إليه. ومما ذكرنا فالمسألة ترجع إلى مبدأين نفي الضرر والقياس الواضح بإلغاء الفارق.

 

 

كليّ المال:

إلى جانب هذه المناحي من فقه الطوارئ في كلي الدين والنفس، نجد مظهراً آخر لا يقلّ أهمية وهو فقه الطوارئ في العقود والمعاملات، الذي قوامه على قاعدة “الضرر يزال”، وهي كلية موجبة استنبطها الفقهاء من كلية سالبة وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار”[17]، وهذه القاعدة مستنبطة من القرآن الكريم استقراء ومن السنة نصاً، ومن الاجماع نقلاً، قال القاضي أبوبكر ابن العربي: والضرر لا يحل بإجماع”. {أحكام القرآن 1/628}

 وفقه الطوارئ في العقود والمعاملات نظير ما هو معروف في القوانين المعاصرة من نظرية الظروف الطارئة، وهي نظرية نشأت في الغرب، واختلفت فيها قوانين الغرب مدة، ولكن تبنتها بعض القوانين العربية ،كالقانون المصري بعد أن قررها السنهوري ، واعتبرها موافقة للشريعة. وتضاف إليها نظرية القوة القاهرة المشابهة. 

والظروف الطارئة : هي حوادث استثنائية عامة، لم يكن في الوسع توقعّها  ولا التحرّزُ منها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيلاً صار مرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة([18]) ، ويترتب عليها  عملا بمقتضيات العدالة وروح الإنصاف أنه: (يجوز للقاضي تبعاً للظروف وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول([19])).

هذا نص القانون المصري،  وفي المادة 273 من قانون المعاملات المدينة الإماراتي ما نصه: ( في العقود الملزمة للجانبين إذا طرأت قوة قاهرة تجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا انقضى معه الالتزام المقابل له وانفسخ العقد من تلقاء نفسه، وإذا كانت الاستحالة جزئية انقضى ما يقابل الجزء المستحيل …).

وتهدف نظرية القوة القاهرة والظروف الطارئة إلى إصلاح اختلال التوازن في العقد وتدارك أمر لم يكن متوقعا فحدث، فكيف يتدارك الخلل ويستدرك الوضع الطارئ وكيف يتكيّف مع ذلك ليكون أقربَ إلى الحياة الاعتيادية حسب الإمكان وفي الحقيقة أنه بحث عن البدائل وتجنب ما أمكن للغوائل وارتكاب لأخف الضررين وانتقال إلى أدنى المفسدتين.

وقد اعتبر العلامة السنهوري نظرية الظروف الطارئة منطبقة على الأعذار في عقد الإجارة والتي لخصها ابن عابدين بقوله “والحاصل أن كلَّ عذر لا يمكن معه استيفاء المعقود عليه إلا بضرر يلحقه في نفسه أو ماله يثبت له حق الفسخ”، وكذلك أحكام الجوائح في بيع الثمار في الفقه الإسلامي.

ولكن الذي يظهر لنا أن أحكام الطوارئ في الشريعة كما سماها ابن رشد أرحب صدراً وأوسع في مفهومها ، وأشد مرونة من نظرية الظروف الطارئة في القانون ، وإن كانت تلتقي معها في مبدأ إعادة النظر في نتائج العقد المرهقة لأحد الأطراف، وتعديلها بما يرفع الضرر عن الاثنين، إلا أن اشتراط استثنائية الظروف ، وكونها عامة، ليس شرطاً في كثير من المسائل الفقهية المبنية على مبدأ الطوارئ بل تشمل هذه النظرية ما يعتبره القانون الحديث قوة قاهرة وما يعتبره حوادث طارئة وما هو أعمّ من ذلك.

ويظهر أن تميّز الفقه الإسلامي في انسجام أحكام الطوارئ فيه مع أحكام الجوائح التي تُنتظم في عقد واحد وترتبط برباط وثيق، هو نسيج وحده في كثير من الفروع. وذلك لمرونة مفهوم الجائحة في الفقه الإسلامي حيث لم يقصره النظر الفقهي على أصلها المنصوص في الثمار بل وسعوا جيوبها لتشمل أحكام الطوارئ كما أسماها ابن رشد الحفيد.

ففي نقول العلماء توسيع لدائر الجائحة لتشمل الحوادث الطارئة التي قد تلحق خسارة بأحد الطرفين ولو كانت غير الثمار محل النص، فموت دود الحرير يسمح لمشتري التوت بالرجوع على البائع، ومكتري الحمام والفندق فيخلو البلد فلا يجد من يسكنه، والفنادق أيام المواسم فلم ينزل فيها الزبائن لفتنة أو غيرها. والمغسلة يكتريها، فيزاحمه من يقيم مغسلة بقربه، فينقص ذلك من عائد المغسلة إذا لم يكن ذلك متوقعاً ، كل هذه اعتبرت جوائح، ومعنى ذلك أن الجوائح مفهوم مرن.

انطلاقا من هذا الشمول الذي تتيحه النصوص الشرعية في توسيع مفهوم الجائحة، كنتُ أفتيتُ منذ عقود بأنّ التضخم الجامح الذي يؤدي إلى كساد العملة ونقصان قيمتها، يعدّ جائحة فيؤثر في قضاء الديون، واعتبرتُ أن هذا الرأي أقرب إلى العدل، وأولى بالصواب في كوارث تغيّرات قيمة العملات التي لا قيمة لها في نفسها. ورددنا الخلاف المنقول إلى أنه قد يكون خلافاً في حال، وتحقيقاً لمناط.

وقد بينت في إجابتي عن الزيادة التي قد يدفعها المدين إلى الدائن لجبر ضرره أنها زيادة صورية؛ لأنّ العبرة بالقيمة التي أصبحت معياراً كمعيار العدد الذي قد يلغى من أجله الوزن في النقدين عند من يقول به، أو معيار الوزن الذي قد يلغى له العدد.  

على ضوء هذه الإثارات يمكن للقضاة والمفتين أن ينظروا في النوازل والأقضية نظرا خاصا، ليحققوا المناط في وجود الضرر الموجب للفسخ الكلي أو الجزئي، أو عدم وجوده، بحيث يوسعون مفهوم الجائحة الجزئية كما فعل المازري والتونسي من المالكية أو يرتقوا بالمفهوم إلى صيغة جديدة كلية، لما أسلفنا الإشارة إليه من شمول آثار أزمة الكورونا لجميع الكليات.

 

 

 

أيها السادة العلماءُ

في دائرة كلي العقل والنسل تندرج مباحث الصحة النفسية والعلاقات الأسرية التي أثرت فيها الجائحة وهل تعتبر تصرفات الأشخاص تحت التأثيرات النفسية الحادة من طلاق وشقاق.

فإنّ من آثار الوباء وما فرضه من حجر في البيوت، أن كثرت النزاعات الأسرية والفتن، ولاحظت الجهات المختصة في العالم ارتفاعا في نسب العنف الأسري ونسب الطلاق، مما يحتّم على الفقهاء والخطباء وعلماء الاجتماع وخبراء التربية وعلم النفس البحث عن الوسائل الصحيحة في التوعية والتثقيف لبث روح الطمأنينة والوئام في الأسرة حتى تغدو كما يجب أن تكون سَكَنًا نفسيا وسكينة تعمر القلوب ومحبة تبهج النفوس.

هل هذه الآثار النفسية والمادية للوباء يمكن أن تصلح متمسّكا لإخلاء أفراد العائلة من مسؤولياتهم ونتائج تصرفاتهم، لا سيما في باب الطلاق، مع ما ذكره أكثر العلماء من أن طلاق الغضبان واقع ولازم، خلافا لمن يفسر الإغلاق في الحديث بالغضب، وهل يمكن تفسير قول ابن القيم وابن عابدين في حاشيته بأنه غير مخالف للمتقدمين الذين نصّوا على وقوع طلاق الغضبان وفسّروا الإغلاق بالإكراه، حيث إنهم يتحدثون عن حالة يصل فيها الغضب بالشخص إلى حدّ حالة ذهاب العقل وفقدان الوعي كما بينه الحافظ ابن حجر وغيره، أما في غير هذه الحالة الموصوفة فإنه يقع منه الطلاق وتنعقد منه اليمين، وكل العقود التي يشترط فيها الرضا. وفي رأينا أنه لا يمكن إناطة الأحكام بالأحوال النفسية والحالات الباطنة دون مظاهرها وعللها، التي يشترط فيها الظهور والانضباط، فالغضب إذا لم يصحبه خلل أو مرض كالسكري مثلاً لا يمكن أن يكون علة مع عدم ظهوره مـادياً ولعدم انضباط مقاديره.    

ولعل المخرج من ذلك عدم تعميم الحكم وتفريده بحيث ينظر إلى حال كل شخص ووضع كل سائل من خلال تحقيق المناط الخاصّ فيعفى من الطلاق أو يلزم به.

 

 

أيها السادة العلماء والإخوة النبلاء،

لم يكن من غرضي أن أصدر في هذه المذاكرة المعروضة بين أيديكم فتاوى أو أقرّر في هذه الإثارة أحكاما، وإنما أدعو العلماء إلى الاجتهاد كما اجتهد من قبلهم، فوسّعوا المفاهيم وحققوا المناط وخرجوا الفروع على الأصول وربطوا بين الأحكام ومقاصدها والفروع وقواعدها، وطوّروا لكلّ حال أحكامها فللطوارئ فقهها ولها نوازلها وفتاواه، المتعيّن علينا اليوم الكشف عنها، والاضطلاع ببيانها. كما يجب علينا أن نعلم الناس منهج النظر السليم إلى الأقدار ونبث في قلوبهم الأمل والطمأنينة مما يعينهم ويقيهم من الوصول إلى مرحلة اليأس والقنوط.

أعلّل النفس بالآمال أرقبها           ما أضيق العيش لولا فسحة الأملِ[20]

 

كما يجب علينا أن نذكر الإنسانية بما فرطت فيه من حبل القيم وعروة الفضائل، التي أرساها الأنبياء، قيم الخير والمحبة والتراحم والتي هي المستمسك المتين لحضارتنا البشرية في كل وقت ولا سيما في أوقات الأزم والتياث الظلم، كما نذكر بافتقار الإنسان إلى رحمة الرحمن وحاجته إلى تجديد التوبة والاستغفار والتضرع الى الله سبحانه وتعالى والاستنجاد بقوته ولطفه الشامل ورحمته العامة، فهو سبحانه اللطيف القادر على كل شيء، ما أنزل داء إلا أنزل معه دواء. فلا نيأس من رحمته أو نقنط من كرمه، قال تعالى: “ولا تيأسوا من روح الله، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرين”

 

وفي الختام ندعو الله أن يحفظ أوطاننا ويديم علينا العافية، وأن يرفع الهم والغم ويلطف بالبشرية جمعاء، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

 

([1]) سورة النساء آية 28

([2]) سورة الإسراء آية 85

([3]) سورة الجاثية آية 13

([4]) أخرجه الطبراني في ((المعجم الأوسط)) (5541 )، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء )) (2/ 102)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (7048) بنحوه،على ضعف في الإسناد معروف ولمعناه شواهد من القرآن الكريم كقوله تعالى ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ”

([5]) سورة النساء آية 28

([6]) سورة الروم آية 54

([7])  القاموس وشارحه تاج العروس

([8]) كلود برنار (بالفرنسية: Claude Bernard)‏ عالم فرنسي شهير يعتبر مؤسس المدرسة التجريبية العلمية

([9]) سورة الأنبياء آية 23

([10]) التمهيد لإبن عبدالبر القرطبي

([11]) من نظم “الإرشاد لمستقيم نهج الاعتقاد” في العقيدة

([12]) قال ابن خلكان: «سأل أبو الحسن الأشعري أستاذه أبا علي الجبائي عن ثلاثة إخوة، كان أحدهم مؤمناً براً تقياً والثاني كان كافراً فاسقاً شقياً، والثالث كان صغيراً، فماتوا فكيف حالهم؟ فقال الجبائي: أما الزاهد ففي الدرجات، وأما الكافر ففي الدركات، وأما الصغير فمن أهل السلامة، فقال الأشعري: إن أراد الصغير أن يذهب إلى درجات الزاهد هل يؤذن له؟ فقال الجبائي: لا ‍‍!! لأنه يقال له: أخوك إنما وصل إلى هذه الدرجات بطاعته الكثيرة وليس لك تلك الطاعات، فقال الأشعري فإن قال: ذلك التقصير ليس مني، فإنك ما أبقيتني ولا أقدرتني على الطاعة، فقال الجبائي: يقول البارئ جل وعلا: كنت أعلم لو بقيت لعصيت وصرت مستحقاً للعذاب الأليم فراعيت مصلحتك، فقال الأشعري: فلو قال الأخ الأكبر يا إله العالمين كما علمت حاله فقد علمت حالي، فلمَ راعيت مصلحته دوني فانقطع الجبائي».

([13]) وهو حديث رواه أحمد وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي

([14])  ط: حاشية الطحطاوي على الدر.

([15]) قال أبو عُبَيد: (وكذلك تأخيرُها إذا رأى ذلك الإمامُ في صَدَقةِ المواشي، للأزمةِ تُصيبُ النَّاسَ، فتَجدُبُ لها بلادُهم، فيؤخِّرُها عنهم إلى الخِصبِ، ثم يقضيها منهم بالاستيفاءِ في العامِ المقبِل، كالذي فعَلَه عمرُ في عامِ الرَّمادةِ، وقد يُؤثَر عنِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم حديثٌ فيه حُجَّة لعُمَرَ في صَنيعِه ذلك) ((الأموال)) (ص: 705).

([16]) مراقي السعود

([17])  رواه مالك في الموطأ مرسلاً ووصله غيره بأسانيد لا تخلو من ضعف وصححه الحاكم وحسنه السيوطي.

([18]) نظرية الظروف الطارئة، لعبد السلام الترباني، ص109.

([19]) المرجع السابق، ص105.

([20]) من قصيدة لامية العجم للوزير مؤيّد الدين، أبي إسماعيل الحسين بن علي الأصبهاني المعروف بالطغرائي المتوفى 515هـ

Comments are closed.