بن بيه: توحيد المرجعيات يحد من تضارب الفتوى وتناقض الآراء

قال: من لايملك أدواتها لا يتسور بجدرانها

بن بيه: توحيد المرجعيات يحد من تضارب الفتوى وتناقض الآراء


أكد نائب رئيس الاتحاد الدولي لعلماء المسلمين الشيخ العلامة عبدالله بن بيه على أهمية وجود مرجعيات للحد من تضارب الفتاوى وتناقض الآراء والمواقف مشددا في الوقت ذاته على أنها تحتاج لمزيد من الجهد والبلورة لحماية أهل السنة بما يمكن ان تمس عقائدهم وأفكارهم التي تخالف المصادر من القرآن الكريم والسنة المطهرة. وقال في حديث لـ”الدين والحياة” إن أهل السنة لديهم مرجعيات ومصادر متحدة كالمجمع الفقهي الدولي والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الاسلامي والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وتطرق الشيخ ابن بيه إلى عدد من الموضوعات الحيوية التي تهم المسلمين في الوقت الراهن, وإلى نص الحديث:



توحيد المرجعيات

البعض يرى  بضرورة وجود مرجعية سنية فما رأيكم؟ 


أهل السنة عندهم مرجعيات ومصادرها متحدة ولو أنها متعددة، والحمد لله يوجد الآن المجمع الفقهي الدولي الذي يعتبر مرجعية لكل المسلمين والمجمع الفقهي التابع للرابطة وهيئة كبار العلماء والاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتوحيد المرجعيات أمر مهم للحد من تضارب الفتاوى وتناقض الآراء والمواقف ولكنها تحتاج لمزيد من الجهد وبلورة مجهود مشترك لحماية أهل السنة بما يمكن أن يتطرق لعقائدهم وأفكارهم التي تخالف المصادر السنية من القرآن والسنة ويمكننا أن ننظم الخلافات حتى لا يكون هناك تصادم ودون أن نشن حربا شعواء على الآخرين مع الاحتفاظ بالخصائص والمميزات التي لا يجوز بحالة من الأحوال التنازل عنها.



صناعة الفتوى

المصطلح الذي أطلقته صناعة الفتوى ما المراد به؟


– المصطلح الذي أطلقته صناعة الفتوى أردت به أن أنبه وأيقظ ضمائر العلماء وحتى المستفتين أيضا من العامة بأن الفتوى صناعة وليست أمرا بسيطا وبالتالي الاعتراف بمبدأ صناعة الفتوى يقتضى صناعة ومصنوعا وأدوات لهذه الصناعة فلا يجوز لمن لم يتدرب على هذه الصناعة أو من لا يملك أدواتها أن يتسور جدارها وأن يبيح حماها بل عليه أن يسأل أهل الصناعة وهم أهل الذكر “فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون” هذا السر والحكمة في هذا الاسم  الذي  أعطيناه اسما لكتابنا صناعة الفتوى.


استقراء النصوص

هناك من يتجاوز النصوص بحجة أن هناك مقاصد شرعية فما تعليقكم؟


– هذا يدخل في صناعة الفتوى الذي ذكرناه آنفا، العلاقة بين المقاصد الكلية والنصوص الجزئية هي علاقة حميمة لأن المقاصد إنما كانت مقاصد من خلال استقراء النصوص الجزئية وبالتالي هي مقاصد للشريعة استقراء من نصوص الشرعية وليست خارجا عن الشريعة حتى ندعي نوعا من التضارب بينها وهذا لا يفقهه إلا العالمون الذين يعرفون النصوص الجزئية ومدى تطبيقها وعرفوا المقاصد الكلية ومجالات تطبيقها والجدلية قائمة بين المقاصد والنصوص الجزئية، فمذهب الراسخين إعمال المقاصد مع إعمال النصوص الجزئية فالعالم يجب أن لا تغيب عن بصره  النصوص الجزئية وأن لا تغيب عن بصيرته المقاصد الكلية ولا يجمع بين الاثنين الإ العالم فالذي ينظر إلى ظاهر النصوص الجزئية فهو مفرط وليس على سنن وعلى هدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما أن من ادعى الاكتفاء بالمقاصد وألغى النصوص الجزئية فهو أيضا خارج عن منهج السلف فلا بد من التعامل مع الاثنين بالطرق التي سنها العلماء والتي توجد خلاصتها في أصول الفقه فهي خلاصة معايير الاستنباط والتعامل بينهما.


أصول الفقه

ذكرتم أن أصول الفقه فيها خلاصة معايير الاستنباط والتعامل بين مقاصد الشريعة والنصوص الجزئية وهناك من يقول إن أدوات أصول الفقه لم تعد كافية ونحن بحاجة إلى تجديد لأصول الفقه.. ما تعليقكم؟


– هذه الدعوات قائمة ولكنها دعوات تحتاج إلى شيء من التأمل والتوقف لأن من ينادون بتجديد أصول الفقه لم يستوعبوا الإمكانات المتاحة في أوعية أصول الفقه وأوعية الاستنباط فعليهم أولا أن يدرسوا أصول الفقه كما تركها الأولون من عهد الشافعي  إلى زمن الشاطبي ليروا مدى الامكانات المتاحة في أصول الفقه لاستنباط الأحكام ثم إذا كانت لديهم وسائل لاستنباط أوعية أخرى بالإضافة إلى أوعية دلالات الألفاظ ودلالات معقود النص بالإضافة إلى القياس والاستحسان والمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف بالإضافة إلى الأوعية الكبرى التي لا تترك شاردة ولا واردة والتي بالإمكان إذا أحسنا استعمالها  أن نقدم حلولا في كل القضايا المستجدة فإذا هم فعلوا ذلك ووجدوا قصورا ونقصا يقدموا لنا أدوات كافية لنتعامل معها ،أما مجرد الدعوى التي لا تستند إلى فهم  ومآلها هو أن نترك ما بين أيدينا من أدوات الاستنباط إلى المجهول ولنسير في عالم الغيب فهذا ليس مقبولا.



الفتاوى والضوابط

وهل ترى ضرورة وجود ضوابط للمفتين في الفضائيات؟


– نعم لقد أقيمت مؤتمرات حيال هذا الأمر وخصوصا مؤتمر الإفتاء بدولة الكويت ودرست هذا الموضوع وبالتالي فمن الضروري أن توضع معايير وحواجز دون الإفتاء المفلت بخاصة القضايا الكبرى كقضايا الجهاد والتكفير والقضايا التي تهم الأمة ولا ينبغي أن يترك فيه الحبل على الغارب لمن يتعرف على المقاصد الشرعية وعلى الواقع لأن الجدلية بين الواقع والنصوص جدلية يجب على الفقيه أن يحسنها وكذلك قضايا تهم الشركات والاقتصاد الإسلامي وهي قضايا لا يحسن الخوض فيها كل احد تبقى القضايا الجزئية التي تهم العبادات والمعاملات البسيطة فهي يمكن للفقيه المتمكن أن يفتي فيها فالأمر ليس على ميزان واحد كما يقول الشاطبي وليست على حد واحد فبعض القضايا فيها غرر وفيها خطر فبالتالي لا يفتي فيها من لا يبدئ ولا يعيد وهناك قضايا توجد حلولها في بطون الكتب بغض النظر عن الواقع لأن الواقع لا يختلف من زمن إلى زمن ومن مكان إلى مكان وهذه يمكن للفقيه العالم الذي له معرفة بما في الكتب أن يفتي فيها. 


البعض يقول إن الزمن زمن رخص وليس زمن عزائم؟


– التعامل مع الرخص والعزائم أساس من أسس الشريعة  الطاهرة وهذه الشريعة تنزيل من حكيم حميد وقد سبق في علم الله جل وعلا أن هذا الإنسان ضعيف وأخبر الله تعالى أن خلق الإنسان ضعيف وان الإنسان جزوع قال تعالى (إذا مسه الشر جزوعا).

أحوال الإنسان تقتضي بفطرته أن يتعامل مع الرخص والعزائم فهو بين الصحة والسقم والشباب والهرم واليسر والعسر مما جعل الشريعة تحسب لكل شيء حسابه وتقدم لكل شيء نصيبه ونصابه وهي شريعة الفطرة فطرة الله التي فطر الناس عليها. فلا غنى عن التداول والتناوب بين العزائم والرخص فمن قبل عزائم الشريعة أعطته رخصها ومن رفض العزائم لم تنظر إليه ولا تقبل منه صرفا ولا عدلا.

فلا نقول إنه زمن يلغي العزائم بل العزائم موجودة وقائمة في حدودها وأن الرخص موجودة وميسورة في كل حالة فهذه سنة وشريعة الفطرة. 



الحوار مع الغرب

انشأتم مركزا عالميا للتجديد والترشيد مقره لندن  ما دوره؟ 


– هو مركز كإسمه للتجديد والترشيد وهو بحث عن إعادة الفهم في القضايا التي تعترض المسلمين فالتجديد ليس ابتداعا وإنما هو إبداع وهو محاولة لتجديد ما اندرس ربما لعدم الفهم وهو ربط بين النصوص وبين مقاصد الشريعة من جهة وبين النصوص والمقاصد وبين الواقع من جهة أخرى فهذا الربط الدائم من خلاله يتجدد فهمنا للقضايا ومن خلاله ندرك سعة الشريعة ويسرها والإمكانات المتاحة في هذا الدين ليس فقط للفهم الإيماني ولكن أيضا للتعامل مع قضايا الإنسان فالمعاملات الاقتصادية وقضايا التعايش مع الآخر والتساكن كل هذه القضايا تحتاج إلى التجديد أما  الترشيد هو عبارة عن الإرشاد للمسلمين في الغرب إلى السلوك الأقوم والهدي الأسلم ولهذا فالمركز ينظم دورات لقادة الفكر ورؤساء المراكز والأئمة ومن خلال هذه الدورات نقدم الخلاصات الفكرية والفقهية والشرعية ونجيب من خلالها على أسألتهم ونتناقش معهم لنفيد منهم أيضا فليس هو اتجاها واحدا وإنما هو اتجاهان فنسمع ونرد الصدى فهو عملية تفاعل مع المسلمين  في ديار الغرب أو حتى في بلاد الأكثرية المسلمة لأن العالم أصبح كما يقال قرية واحدة و من هذا المنطلق فلا يمكن عزل بلد عما يجري في العالم اليوم وبالتالي الفقه الذي نسميه فقه الأقليات ستحتاج اليه بعض الأكثريات في الواقع تعيشه ويحتاج الجميع الى الرخص والأمر محتمل. 


مطلب شرعي

أنتم من الداعمين لفكرة الحوار مع الغرب ولكن من نحاور الساسة أم الشعب أم رجال الدين؟


– لا إشكال لدينا أن نحاور الساسة أم رجال الدين أم رجال الفكر أم الشعب بالعموم  لأنه من جهه الدعوة واجب ومطلب شرعي ثم إن ديننا ليس فيه شيء يخالف الفطرة أول العقل فهو دين برهان  ولهذا يقول الحافظ بن العربي في تفسير قوله تعالى: “ودين الحق ليظهره على الدين كله” يقول بالحجة والبرهان لا بالسيف والسنان أي وسيلة إظهار الدين هو الحجة والبرهان وفي هذا الزمن الذي افترى فيه الناس على الإسلام وعلى المسلمين وحاولوا إلصاق التهمة الكبرى تهمة الإرهاب التي قدمها المحافظون الجدد لكي يدمروا بها العالم على ما سموه بإعادة نظام العالم والشرق الأوسط الكبير ونحن في هذه الفترة بحاجة إلى أن نظهر أن هذه الدعاوى كاذبة وان ديننا دين سلام وعدل وأن الآخر لا يستند إلى منطق صحيح مبدأ سليم: فالمسلمون في هذه الفترة وهذا لا يعني أن بعضهم قد ارتكب خطايا من المسلمين قد تتيح فرصه لهؤلاء ليقدموها كنماذج وسائل إيضاح لأفكارهم التي في نفوسهم والتي يبحثون عن وسيلة لتجسيدها ويستقطبون أمما أخرى للانضمام إليهم للانقضاض على الإسلام واستئصال شأفتهم وهذا لم يكون ولن يكن والمحافظون اليوم في بيوتهم وصلهم ما وصلهم فهم اليوم في متاعب اقتصادية وأمنية  كبيرة.وعلينا أن نقدم أنفسنا كما هي ناصعة وأن نقدم ديننا كما هو لصالح البشرية لأن الاسلام جاء رحمة للعالمين.

 

الإقتصاد الإسلامي

لماذا لم يقدم العلماء المسلمون الاقتصاد الإسلامي للعالم كحل في الأزمة المالية؟ 


– يبدو أننا لم نحسن عرضه بشكل كاف وإن كان هناك نماذج موجودة للاقتصاد الإسلامي والمصارف الإسلامية أعطت صورة ما وهي ليست سيئة الصورة وإن لم تكن كافية. والاقتصاد العالمي يشكو من جملة من الإمراض بعضها فلسفي وبعضها يرجع إلى التطبيق، في كلا الحالين للإسلام موقف رائع وبإمكان الاقتصاد الإسلامي أن يعالجها. فالجانب الفلسفي من الاقتصاد العالمي تحت مبدأ حرية المبادرة  (دعه يعمل دعه يمر) بأن يعمل دون دخل من أحد ويمر بالأموال والأشخاص دون قيود والإنسان هو المرجعية فيها، والجانب الفلسفي عند الشريعة أن المرجعية الأولى من الله عزوجل والاستخلاف كما قال تعالى (وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه) فجانب الاستخلاف لا يجعل الإنسان مطلق الحرية ولكن في اطار من جلب المصالح ودرء المفاسد لأنه مستخلف وليس اصلا , وبعد أزمة تسع وعشرين وضعوا بأنفسهم  قيودا، وجاءت مرحلة (التاتشرية والريجانية) بعدها ففككوا هذه القيود بحيث أنهم سمحوا للمبادرات الفردية بناء على مبدأ آدم سميث المنظر الاقتصادي الكبير بأن اليد الخفية في السوق تصلح ما أفسدته السوق فالسوق يصلح نفسه بنفسه تلقائيا وقد ظهر عورها.

والاقتصاد الإسلامي يؤيد المبادرة والحرية ولكن بقيود وضوابط من شأنها تسدد المسار الاقتصادي. أما من ناحية التطبيق فإننا نجد اقتصادا غير واقعي كيف ولا والثروة الحقيقية خمسة في المئة والباقية هي ما تقوم على المقامرات والتوقعات والثروات التي فيها ليست حقيقة والاقتصاد الإسلامي يقوم على مبدأ التداول كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وقال تعالى “تديرونها بينكم” والتداول هو للثروة الحقيقية وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح (بع الجمع بالدراهم واشتري بالدراهم جنيبا) فالدراهم هي وسيط فقط . فعندنا مبدأ التداول كما يسميه ابن عاشور الرواج ومبدأ الشفافية ونسميها الوضوح فهم أنشأوا ثروة كبيرة تدور على الربا وهو مرفوض في الإسلام جملة وتفصيلا أن تبيع مالا بمال وعندهم في الغرب من رفضه والإسلام هدد بالحرق والمحق “فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله”.

وهم أيضا يتعاملون بالديون بيعا وشراء وجعلوها سلعة فالاسلام حذر منه فبيع الكالئ بالكالئ كما في الحديث الذي رواه البزار. 


العلاقة مع الشيعة


ليست هناك عبادة تقوم على السب واللعن

في رده على سؤال لـ”الدين والحياة” حول وجود تقارب بين أهل السنة والجماعة والشيعة قال العلامة عبدالله بن بيه إن التقارب أمر صعب لاختلاف المصادر فنحن نؤمن بالسنة التي وردت في كتبها وأيضا لنا طريقتنا في تفسيرها ولنا مصدريتنا في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, نحن نأخذ من آل بيته صلى الله عليه وسلم ونأخذ من أصحابه ونرى أنه لا يوجد تعارض ولا تناقض بين محبة آل بيته صلى الله عليه وسلم وبين محبة أصحابه والاقتداء بهم فاختلاف المصادر قد يجعل التقارب المذهبي أمرا صعبا ومع ذلك نقول بتنظيم الاختلاف كمسيرة القطارات دون أن تصدم وأن الدائرة الكبرى دائرة لا إله إلا الله محمد رسول الله تجمعنا مع كل من يقول هذه الكلمة ولكن يجب أن لا نقصي الفروق ونرجو إلا تكون سببا للاحتراب والاضطراب فليس هناك عباة تقوم على السب واللعن. 

Comments are closed.