الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الخاتم، وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين
كلمة معالي الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه
المؤتمر البرلماني بشأن الحوار بين الأديان: العمل معا من أجل مستقبلنا المشترك
13 – 15 يونيو 2023م، مراكش
سعادة رئيس الاتحاد البرلماني الدولي
سعادة الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي
أصحاب المعالي والسعادة، أصحاب السماحة والفضيلة،
أيها الحضور الكريم،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
اسمحوا لي بين يدي هذه الكلمة الموجزة، أن أتوجّه بجزيل الشكر للقائمين على هذا المؤتمر الدولي على الدعوة التي وجهتموها الي للمشاركة في هذا اللقاء الهامّ. والشكر موصول للمملكة المغربية المحروسة على رعايتها الكريمة لفعاليات هذه الدورة في مدينة مراكش التاريخية.
الحضور الكرام،
نجتمع اليوم لنتحدّث عن العمل المشترك من أجل السلام، عن المشترك الإيماني والإنساني الذي يجمعنا، عن المبادئ التي يمكن أن تمثل أسسا لمبادراتنا وإطارا لجهودنا، مبادئ التعاون بدل التنازع، وقيم السلام محل الحرب، والمحبة مكان الكراهية والوئام بدل الاختصام.
إننا في منتدى أبوظبي للسلم من عاصمة التسامح والتعايش نشارككم الاهتمام بهذه الموضوعات والانشغال بهذه القضايا، التي كانت حاضرة في مؤتمرات ولقاءات متعددة بين علماء المسلمين وبين نظرائهم وزملائهم من مختلف الديانات السماوية والثقافات والفلسفات الإنسانية. تدور كلها حول السلام والتعايش والتسامح ولهذا فإن عنوان مؤتمرنا هذا ” العمل معا من أجل مستقبلنا المشترك”، عنوان يدخل في صلب عملنا ولبّ اهتماماتنا. وذلك أن العمل من أجل مستقبلنا المشترك-مستقبل البشرية على هذا الكوكب- مهم وملح، وفي نفس الوقت لا يمكن أن يتم إلا من خلال تعاون الجميع. كما أن هذا العمل والتعاون ينبغي أن يبدأ من الآن، أي من الحاضر، حلاً للتحديات الراهنة، ومعالجة للأزمات الساخنة.
وبالتالي فإن العمل من أجل مستقبلنا المشترك مهمة الجميع وواجب سائر مكونات المجتمع، وفي ذلك يمكن أن يكون للبرلمانيين كما للقادة الدينين، دور مؤثر في بناء المستقبل المنشود، والاسهام في ضمان حياة أفضل لجميع البشر. وإذا كانت الوسائل والصلاحيات التي يتمتع بها كل من البرلمانيين والقادة الدينين مختلفة، فإن المقاصد العليا التي ينشدونها، والأهداف الكلية التي يسعون اليها متحدة، وهي رفاه الشعوب وضمان السلام والاستقرار في مجتمعاتهم وفي العالم كله.
وهكذا، فإذا كانت الغايات متفقة، فإن كل تعاون في سبيل تحقيقها مطلوب ومرحب به، وفق أطر عمل كل جانب، وضمن دائرة تأثير كل فريق.
الأخوة والأخوات،
لقد برز دور القيادات الدينية في العقود الأخيرة من خلال عملها الدؤوب لإيجاد فرص للسلام وذلك من خلال جهود نظرية وعملية. أما النظري منها فيتعلق بتأكيد دعوة الدين إلى السلام وأن الدين في أصله دعوة للسلم، وهذا يستبطن الرد على النظريات التي تعتبر أن السلام لا يمكن أن يكون دائما ومستمرا الا باستبعاد الدين من الحياة العامة وتربط بشكل تلقائي بين الدين والعنف، ليكون ذلك أساسا للدعوة إلى المفاصلة بين الدين والدنيا كحلٍّ وحيد لإرساء أسباب التسامح والتعايش في المجتمع.
وهكذا قامت القيادات الدينية من مختلف الأديان بجهود لتبرهن على أن الدين قوة سلام، من خلال العودة إلى نصوصهم المقدسة ليستثيروها وإلى تراثهم ليستمدوا منه الأسس المتينة للتسامح والتعايش ويستلهموا النماذج المضيئة التي يسهم إحياؤها في إرساء قيم الخير والسلام في نفوس معتنقي الديانات، لأنّه بالرجوع إلى النصوص وإلى التأويل المناسب والمقارب يمكننا التصدي لمروجي الكراهية والعنف.
وفي هذا السياق أصدرت وثائق لها وزنها. وهي مواثيق ووثائق تقوم على تشجيع مبادئ الكرامة الإنسانية، كما تدعو في الوقت نفسه إلى مبادئ التسامح والسلم والرحمة والتضامن، فتؤسس بذلك لنموذج متوازن من التسامح المهذب والحرية المسؤولة والمواطنة الإيجابية والاقتصاد الإيجابي المتضامن. ومن ذلك على سبيل المثال الوثائق والإعلانات التي أصدرناها في منتدى ابوظبي للسلم منفردين أو مع شركائنا الدوليين.
ومع ذلك فإن السؤال الملح الآن هو كيف نحمي الانسان من الانسان، كيف نعزز فيه قيمة التسامح والتعايش بدل الشح والتغالب، وقيمة التواضع بدل الكبرياء، وقيمة الحب بدل الكره والبغضاء، كيف نُعلي فيه قيمة الإحسان والإيثار مع القريب والغريب. إن تنمية القيم في الانسان هي في نظرنا خير وسيلة وأجدى سبيل، لإطفاء الحروب التي تشتعل أولاً في القلوب والاذهان قبل أن تبدو للعيان.
تلك هي الرؤية التي تعمل وفقها دولة الامارات العربية المتحدة بحيث أصبحت تمثل نموذجا للتعايش السعيد إذ تعيش فيها عشرات الأديان والثقافات والأعراق المختلفة، ومئات الجنسيات في أمن وأمان ومودّة واحترام، كما احتضنت وثائق ومبادرات الحوار والسلام.
المشاركون الأفاضل،
إن البشرية جمعاء تواجه اليوم أزمات وتحديات وجودية من حروب ومجاعات وأوبئة، وهو ما يقتضي من الجميع تعاونا واسهاما في حلها، والتخفيف من آثارها، كل حسب طاقته وضمن مجال عمله.
إننا نعتقد أن هناك مجالا واسعا، وأفقا كبيرا، للتعاون بين القادة الدينين والبرلمانيين في سياق تعزيز السلم وسيادة القانون والتعايش.
إن القادة الدينين لا يملكون الجيوش الجرارة، ولا الأسلحة الفتاكة، وإنما يملكون الكلمة الطيبة، تلك التي حملها الأنبياء والحكماء، إنها مثل شجرة طيبة، كما في القرآن الكريم:” أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ* تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ”.
إن القادة الدينين يقدمون أفكارا وقيما ومفاهيم أخلاقية قد تبدو للبعض طوباوية أو مثالية لكن البرلمانين بإمكانهم أن يجدوا في هذه الأفكار وتلك المُثُل والمبادئ ما لو تحول إلى قانون لكان فيه نفع الناس وإسعادهم وذلك هو الهدف الذي يسعى إليه الجميع.
إن مؤتمركم اليوم يمثل النواة لتحقيق هذه الغايات واللبنة الأساس في اتجاه تعاون أشمل من أجل الصالح العام.
وفي الختام، نرجو أن تلبي جهودنا المشتركة حاجتنا للتفاهم والتحاور والبحث عن المشتركات، وأن تكون بمثابة الدعوة العامة لجميع أصحاب النيات الطيبة أن يتحدوا من أجل المحافظة على شعلة الأمل في مستقبل أفضل لجميع البشر، متمنيا لمؤتمرنا هذا التوفيق والنجاح.