كلمة العلامةعبدالله بن بيه في مؤتمر المنتدى الإسلامي في روسيا

   

كلمة معالي الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، رئيس منتدى أبوظبي للسلم

في المؤتمر الدولي “طريق السلام: الحوار كأساس للتعايش المشترك”

20 إلى 22 سبتمبر 2024م،

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الخاتم، وعلى آله وصحبه أجمعين

 

سماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين، رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية

البرفسور ضمير محي الدينوف، النائب الأول لرئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية

 

أصحاب المعالي، أصحاب السعادة،

أصحاب السماحة، أصحاب الفضيلة كلٌّ باسمه وجميل وسمه،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بداية، يسرني أن أقدم جزيل الشكر للقائمين على تنظيم هذا المؤتمر، على الدعوة للمشاركة معكم في هذا اللقاء الهام، كما أهنئكم بالذكرى العشرين للمنتدى الإسلامي العالمي راجياً لكم دوام التوفيق والسداد.

ويسرني أن أنوه بعلاقات الصداقة القوية بين بلدينا الامارات العربية المتحدة وجمهورية روسيا الاتحادية.

مع الاعتذار لعدم التمكن من الحضور معكم مباشرة لكن ما لا يدرك كله لا يترك جله، واسمحوا لي بين يدي هذه الجلسة أن أقدم بعض الأفكار السّريعة التي أرجو أن تكون مساهمة في التفكير في هذا الموضوع الملح ومنطلقا للحوار حوله.

 

 

الأخوة والأخوات،

يأتي انعقاد هذا المؤتمر في وقت تواجه فيه البشرية تحديات عظمى وأزمات كبرى على مختلف الأصعدة والميادين. إن البشرية اليوم تعاني من حروب وأزمات في مختلف مناطق العالم، كما تواجه تحديات كلية جسيمة على صعيد البيئة والاوبئة والمجاعات. إن هذه التحديات تفرض على الجميع التكاتف والتعاون من أجل حلها والتخفيف من آثارها.

ولكون هذا المؤتمر يُعنى بدور العلماء والقيادات الدينية في معالجة الأزمات والتحديات حول العالم، فسأقتصر في هذه الكلمة الموجزة على تسليط الضوء على نقاط محددة تمكن القادة الدينين من الإسهام في نشر قيم التسامح والتعايش والسلام في العالم.

أيها الحضور الكريم،

إن القيادات الدينية مدعوة للإسهام في جهود السلم والتعايش على مستويات مختلفة وعبر طرق متعددة. منها على سبيل المثال مايلي:

  1. البحث عن المشتركات بين الأديان

إن من واجب القيادات الدينية البحث عن المشتركات فيما بينها لتجنب الصراع بين اتباعها ودرء خطر اشتعال الحروب على خلفيات دينية. تلك المشتركات التي تصون كرامة الإنسان وترفع من شأنه، من خلال العناية بما نسمّيه في الإسلام بالكليات الخمس، وهي الدين والحياة والعقل والملكية والعائلة، والتي نعتبر أنها هي أساس المشترك الديني بين كل الشرائع والملل، فجميعها جاءت بحفظها ورعايتها.

  1. الرجوع إلى النصوص المقدسة لاستلهام قيم التعايش

إن من المطلوب كذلك رجوع اتباع كل دين إلى نصوصهم المقدسة لاستخراج ما يحث على التعايش والتسامح ولرؤية نصوصهم الدينية وتاريخهم وتراثهم في سياقاتٍ تأويليةٍ جديدةٍ ومنفتحة لاكتشاف أسسٍ متينة للتعايش ونماذج مضيئة يسهم إحياؤها في إرساء قيم الخير والسلام في نفوس معتنقي الديانات.

 

  1. تعزيز المشتركات الإنسانية

وبالإضافة إلى المشتركات بين الأديان فإنه من الضروري إعلاء المشتركات الانسانية من حقوق وقيم يشترك فيها سائر البشر ويرثها كل إنسان بفضل وجوده وبغض النظر عن لونه أو عرقه أو دينه قال تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم)[1].

  1. تفعيل الحوار

إن الحوار مؤصل في الشرائع وهو مصلحة إنسانية؛ ولذا أمر به الباري عز وجل فقال “وجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ”[2] وبالحوار يتحقَّق التعارف والتعريف، التعرف على الغير والتعريف بالنفس قال تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)[3].

إن الحوار وسيلة مطلوبة في كل الظروف وعلى مختلف المستويات، إنه ضرورة قبل الحرب لتجنبها وأثناء الحرب لإيقافها وبعد الحرب للتخفيف من آثارها وضمان عدم عودتها.

  1. العناية بالتربية الروحية

لقد نبهت التحديات والنزاعات الراهنة على أهمية العناية بالتربية الروحية للأجيال الناشئة وترسيخ قيم الرحمة والتواضع والكرم والتعاون في النفوس. ليحل التفاهم محل التصادم، والحوار بدل القتال، والعطف والشفقة مكان القسوة والغلظة. إننا نعتقد أن الجانب الروحي لم يحظ بالاهتمام الكافي في معالجتنا للأزمات التي تواجه البشرية بالتوازي مع الحلول المادية الأخرى المفيدة.

المشاركون الأفاضل،

من خلال هذه الوسائل المتنوعة والأدوات المتعددة نصل إلى طريق السلام ونعبر إلى ربوع الاخوة الفيحاء وواحة التعايش الغناء مع عموم البشر بمختلف أديانهم وأعراقهم بناء على المشتركات الإنسانية والسعي في الخير والبر ونشر السلام وإعلاء كرامة الانسان، والتعارف بين الناس، وطبقاً لقانون المصالح والمفاسد.

متمثلين روح ركاب السفينة التي ضرب بها النبي صلى الله عليه وسلم المثل، روح ركاب السفينة الذين يؤمنون بالمسؤولية المشتركة وبالحرية المسؤولة المرشّدة وبواجب التّضامن والتعاون.

تلك هي رؤية دولتنا الإمارات العربية المتحدة والتي عبر عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله حيث قال: “ستظل سياسة دولة الإمارات داعمة للسلام والاستقرار في منطقتنا والعالم.. وعوناً للشقيق والصديق.. وداعية إلى الحكمة والتعاون من أجل خير البشرية وتقدّمها”. انتهى الاقتباس.

 

ولا يفوتني في ختام كلمتي، أن أقدم التهنئة لسماحة المفتي الشيخ راوي عين الدين، رئيس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية على الذكرى الأربعين لتشرفه بالقيام بالخدمة الروحية للمسلمين في روسيا، سائلين الله الكريم أن يتقبل منا ومنه صالح الأعمال ويجزيه أفضل الجزاء.

 

أشكركم على إصغائكم، متمنياً لأعمال هذا المؤتمر التوفيق والنجاح، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

[1] سورة الإسراء، اية 70

[2]  سورة النحل، اية 125

[3]  سورة الحجرات، اية 13

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *