نظرات في منهج الإمام الأشعري

 

   نظرات في منهج الإمام الأشعري*

العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه 

 

 

 

الحمد لله رب العالمين ،اللهم صل وبارك على سيدنا محمد على اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ،

أيها الإخوة الأفاضل، أختي السيدة الرئيسة، إخواني الأساتذة، إخوتي الطلاب، في هذا اليوم المبارك نستجيب لدعوة كريمة من الأزهر الشريف، لنتحدث في موضوعات تتعلق بالعقيدة،

قبل أنْ ابدأ في الحديث عن جملة من الأفكار والتداعيات، أود أنْ اشكر شيخ الأزهر الإمام الأكبر د.احمد الطيب طيب الله إمامته، وأود أنْ اشكر د.محمد عبد الفضيل فضله الله تعالى على فضله في تنظيم هذا اللقاء، لقاء ليس كغيره من اللقاءات؛ نتحدث فيه عن – موضوع لا تَعْدُو عليه عوادي الزمان، ولا تُطاوله أحداث المكان،- موضوع العقيدة  مقارنة مع الفقه، الفقه ثم العقيدة عندما نتحدث عن الشريعة فإننا نتحدث عن ضرورات الحياة عن الإنسان في الزمان والمكان في الحال والمآل؛ لكن عندما نتحدث عن العقيدة فإننا لا نتحدث بهذه اللغة. هذا فرق جوهري بين مقاصد الشريعة ومقاصد العقيدة. عندما نتحدث في مقاصد الشريعة نتحدث عن “لِمَ”، وعندما نتحدث عن العقيدة نتحدث عن “ماذا”: (مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ)؛ لأنَّ تفسير (مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ) هو تفسير وليس تعليلاً، كما قال الإمام أبو حامد الغزالي، إن التعليل يأتي بعد معرفة التفسير، ومعرفة الحكم ثم يبحث عن العلة كما يقول في “شفاء الغليل”، في مقاصد الشريعة نتحدث عن التعليل والتنزيل، وفي العقيدة عن التفسير وعن الدليل، -عن الدليل مفسرا، بالمعنى الواسع لكلمة التفسير، ليس التفسير مقابل التأويل؛ بل التفسير الذي يتعلق بدلالات الألفاظ-. وبالتالي فإن أول سؤال يطرح هو العلاقة الثلاثية بين: الوضع والاستعمال والحمل.

وهذه هي المشكلة الأولى التي نَزلتْ بمُتعاطى قضية العقيدة، الوضع والاستعمال والحمل. الوضع: طرحوا السؤال وقالوا: الوضع هو من قِبل الله سبحانه وتعالى فهو واضع الألفاظ للمعاني على مذهب الأشاعرة. -وهنا أتحدث عن الأشعري لا كآراء منقولة، ولكن كمدرسة كاملة. أنا اعتبر أنَّ الأشعري لا يمكن أن يختصر في كتبه؛ ولكن يمكن أن ينتشر في أتباعه؛ لأنَّ العلماء انتسبوا إلى الأشعري وفسروا مقالاته، وقدموا مدلولات ألفاظه. هذا هو الأشعري، وليس الأشعري هو ذلك الرجل الذي انتقل من الاعتزال إلى الظاهرية، ومن الظاهرية إلى الوسطية، أو من الوسطية إلى الظاهرية؛ حسب الرؤى المختلفة حول مسيرة الرجل.

إذن المشكلة الأولى التي أريد أن أتطرق إليها هي مشكلة لغوية، أنا أعتقد أنْ المشكلة الأولى التي نزلت هي مشكلة لغوية، هي مسالة الوضع والاستعمال والحمل. الواضع هو الله سبحانه وتعالى أو الاصطلاح الطبيعة كما يقول السيمري. الاستعمال: هو استعمال المتكلم فهي جهات ثلاث متقابلة؛ لكنها قد تكون مختلفة بالاعتبار متفقة بالذات. إذا كان الاستعمال يصب في مجرى الوضع، وإذا كان الحمل أيضا يوافق الوضع، هنا بدأ الاختلاف بين العلماء؛ هل اللفظ  مستعمل في حقيقته أم في مجازه؟ مستعمل في حقيقته الوضعية حقيقته الشرعية أم في حقيقته العرفية؟ هل هو نص أو ظاهر أو محكم كما يقول الأحناف؟ لأنَّ الإحكام عندهم فوق النص، أو مدلول عليه باللزوم، فيكون إشارةً أو اقتضاءا. هل هو مفهوم خارج النطق؟ هل هو على ظاهره أم هو تأويل؟ هل هو مجمل؟ هل هو متشابه؟

الإشكاليات التي طرحها اللفظ، طرحها استعمال اللفظ، الرؤية لهذا اللفظ، الذي قد نراه بعيدا فنتمارى في حقيقته، وقد نقترب إليه وندنو ونرنو إليه فنراه على حقيقته أو بمنظار المقرب. الألفاظ هي هكذا، بعضها غامض، بعضها واضح، بعضها صريح وبعضها تلميح. فاعتقد أنَّ الإشكال الذي حاولوا أنْ يحلوه بوضع جملة من الألقاب وجملة من العلامات والأمارات أو الصوى لينبهوا بها، أو خانات ليضعوا فيها هذه الثلاثية: وضع، استعمال، حمل.

فالاستعمال بأنواعه من صفة المتكلم، والحمل من صفة المتلقي والسامع. هنا بدأت الجدلية، هذا الحامل -عندنا في أصول الفقه نقول الحامل هو المجتهد:

والحامل المطلق والمقيد             ،،،،،،

كما قالوا في أصول الفقه. لكن الحامل هنا هو مجتهد العقيدة، هو الإمام، هو المتكلم، هو الذي يحمل اللغة. فحمل اللغة هذا أدى إلى إشكال كبير، بين من تجاوز الألفاظ تجاوزاً واضحاً -وهنا أتحدث عن المعتزلة ومن لف لفهم- ولم يعتبرها أوعية للمعاني، بل اعتبر المعاني خارج الألفاظ؛ بناء على ما يراه من بناء عقلي وفلسفي كان مقبولاً في وقته، وبين من تعامل مع الألفاظ تعاملا ظاهرياً –فجاً- وبالتالي: جعلها لا تحتمل إلا هذا المعنى، وألغى ظلال اللفظ، وسياقاته ومساقاته، التي هي بمنزلة القيود وبمنزلة المخصصات. ليس من الشرط أنَّ يكون المخصص ظاهراً، أو يكون قيداً مذكوراً، وإنما قد يكون قرينة أو سياقا، فاعتبر السياق في قوله (قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) لم يهتم بالسياق بالسلطان والملك والإحاطة والقدرة، وإنما اهتم فقط بيده. فإذا أخذت “يدا” وضعتها ولم تصلها بالآية، فقد أحدثت خللا كبيرا حتى في الفهم العربي، في فهم الإنسان حتى أي إنسان يمكن أن يفهمها كذلك. فهذه الظاهرية غلبت في وقت من الأوقات قد لا تكون اعتقاداً ولكن سدا للذريعة، ولأجل ذلك أنكر قوم المجاز بناء على هذا الفهم. لكن هؤلاء أيضا أولوا كما سنرى، فسنكون في تأويل مقابل تأويل، كان من الطبيعي ومن البديهي أن تظهر منطقية مدرسة بين المدرستين  لتحاول أن تقول من جهة هذه الظواهر لها وزنها، واللغة لها مدلولها، وأيضا العقل وما تقتضي المبادئ العامة التي هي ليست عقلا محضاً وإنما هي نقل وعقل أيضا وهذا مهم جدا ألا نرى في موقف الأشعري عقلا يقابل نقلا، وإنما هو جمع بين  العقل والنقل، وإنما هو تغليب للكلى أحياناً مقابل الجزئي. وهذه قاعدة أصولية معروفة كما يقول الشاطبي رحمه الله تعالى “إن الكلى لو أنخرم لأدى انخرامه إلى انخرام النظام -نظام العالم حسب عبارته-، أما الجزئي فان انخرامه لا يؤدى إلى ذلك”. فإنها مدرسة اهتمت بالكلى لكنه كلى مستنبط من النصوص. إذاً في معمعة الوضع والاستعمال والحمل نشأت هذه المدرسة؛ لكن الإشكال هنا أن الاستعمال ليس استعمالا بشرياً حتى نفرق بين المتكلم والواضع، وإنما هو استعمال إلهي أي أن الألفاظ هي ألفاظ من الشارع من الله ومن رسوله صلى الله عليه وسلم. فلا يمكن أن نتعامل معها بدلالات العرف، ولكن قد نتعامل معها بدلالات الشرع، وإن كان بعض العلماء كأبي حنيفة يجيز التعامل بالعرف مع كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطعام بالطعام” بأنَّه البر.

هنا نشأت مشكلة التأويل وهو صرف اللفظ  عن ظاهره المتبادر إلى الذهن. فإنْ كان لا يتبادر إلى الذهن إلا بإخطار فهذا ليس ظاهراً، كما يقول بعض المحققين كسيدي أحمد زروق من الصوفية: إذا كان لا يتبادر إلى الذهن إلا بإخطار فهذا ليس ظاهراً، فالظاهر الذي يتبادر إلى أذهان الناس. فجاءت مسالة الحمل في زمن الصحابة في قضية المعية (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) فحملت على العلم في الزمن الأول واستمر العمل على ذلك، ولا خلاف بين الأثريين وبين الأشاعرة في هذا الحمل:

وما له من ذاك واحد فقط      تعين الحمل عليه وانضبط

        كمثل وهو معكم فأول          بالعلم والرعي ولا تقول

بالعلم في مكان وبالرعاية والنصر في مكان آخر؛ باعتبار السياق الذي يرتضيه الأمر. لكن نجمت قضايا أخرى فيما يتعلق بالا وصاف الأخرى التي وردت في القرآن، فبعضهم وهم الأشاعرة أولوا تأويلا منسجما مع كل الآيات التي وردت، بحيث وضعوا قاعدة تأويل المحمل الواحد، وتأويل المحامل المختلفة مع أيضا قبول بل تحبيذ التفويض؛ لأن الأشاعرة يقولون أيضا بالتفويض، ولا يقولون بالتأويل فقط، وأن التأويل ضرورة لإيضاح ذلك لمن انحرف عن الطريق وزل عن الصواب.

فهذا التأويل هو تأويل في مقابل تأويل. وهذا أمر مهم، أريد أن أبينه مثلا: في مسألة الجهة. جاءت ظواهرُ تفيد السماء، الأعلى جهة، ونحن نؤمن ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) لا يمكن لمؤمن أن يقول إلا هكذا. لكن مسالة الجهة هل هي أمر ثابت بمعنى أنه لا يجوز التأويل في هذه المسالة، ولا يجوز إلا أن تتحدث وتطلب من كل مسلم أن يشير إلى السماء لما في حديث الجارية، أو أن الآيات الأخرى (فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ) و”إن الله في قبالة وجه المصلى”، و”بين المصلى وبين قبلته”، “اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل” الآيات والأحاديث الأخرى الكثيرة، هل نؤولها لتتفق مع حديث الجارية من يقول بهذا وينكر التأويل هو في الحقيقة يؤول ليقرر معنى معيناً.

فلهذا قالوا: هذا له محامل، ونحن نحمله على المحمل الأولى أو نسكت؛ كما قال الشافعي: نؤمن بكلام الله على مراد الله و نؤمن بكلام رسول الله على مراد رسول الله.

فالخلل الآن في الفهم أنْ نرى أن هذا أثري وتمسك بالأثر، بينما نهمل عشرات الأحاديث والآيات الأخرى التي تقابل هذه الرؤية. بمعنى أنه هو مؤول في جهته ليس أثرياً خالصاً، فهو يؤول ليصل إلى رؤية معينة.

فهذه مسالة الحمل، مسالة مهمة، يجب أنْ نتوقف عندها، وأنْ نحرر هذا الموضوع؛ لنقدمه للناس، حتى نعرف أنه لا يوجد اختلاف يرجع إلى الآثار، وإنما هو اختلاف يرجع إلى حمل الآثار، وإلى التمسك ببعضها على حساب البعض الآخر. فالأشاعرة قالوا: نؤولها كلها تأويلا مقارباً، تأويلا قريباً حتى تنسجم، ولا نحمل بعضها على البعض الآخر: وجهاً لذاتٍ واليدا   بقوة وذا الإمام أيدا

المسالة الثانية: والتي لا ترجع إلى دلالة الألفاظ هي مسالة التثبت والثبوت، وهذا أهم مقصد اختلف فيه الأشاعرة مع الأثريين ومع الظاهرية؛ هل لنطلق شيئاً على الله سبحانه و تعالى يجب أن يكون ثابتاً ثبوتاً خالصاً أي قطعياً ليس ظنياً ؟

وبالتالي هذا فرق آخر بين الفقه الذي يُعمل فيه بالظنون قطعاً وبين العقائد التي لا يُعمل فيها إلا بالقطع، فوضعوا معيارين: معيار العقل الذي شهد له الشرع -إن الشرع أحالنا إلى العقل “أفلا تعقلون” يعنى ليس العقل معناه أن تستسلم للعقل دون أن نستشير الشارع هذا خطا آخر- فرجعوا إلى معيار العقل فيما يتعلق بانتفاء الاستحالة، ومسالة الجواز والوجوب؛ أي: أحكام العقل الثلاثة. وقالوا: يجب انتفاء الاستحالة.

ورجعوا إلى معيار النقل  فيما يتعلق بالثبوت تواتراً، وأنه إذا لم يثبت تواتراً فلا يمكن أن يكون في مجال العقائد. لماذا هذا المقصد؟ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا) (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ). القائل الآخر يقول: ألغيتم الشريعة لا هذه هي آيات كلها في العقائد، وليست في الفقه ولا في الظنون. أما القضايا الفقهية، فلها حكمها، يعمل بها في حديث الآحاد. وقالوا: إن حديث الآحاد هو ظن بالضرورة “دخل النبي الكعبة ودخل معه أسامة وبلال، قال بلال صلى ركعتين، وقال أسامة لم يصل وإنما دعا في نواحيها. الزمان واحد والمكان واحد، والرجلان كلاهما ثقة، وحديثهما في الصحيح، أسامة قال: لم يصل شيئا وإنما دعى، بلال قال: صلى ركعتين. إذاً هناك غفلة وذهول وقع، وهذا طبيعي؛ ولهذا أبو بكر رضي الله عنه رد حديث المغيرة بن شعبة في مسالة الجد، ورد عمر حديثا لأبي موسى الأشعري في مسالة الاستئذان، وإلى أحاديث كثيرة، ورد ابن عباس حديث أبى هريرة في قضية غسل اليد قبل إدخالها في الإناء بالعقل، وقال: كيف يصنع بالمهراس.

فالموقف ليس هو جديدا. هذا فقه الصحابة رضوان الله عليهم. إذاً نحن أمام من يقبل التأويل في آيات الصفات، وأمام من لا يقبله. وأمام من يقبل آحاد الأحاديث في آيات الصفات وأمام من لا يقبل ذلك. موقفان متقابلان. التأويل قطعا في كلام الله ثابت، النبي صلى الله عليه وسلم يقول عن الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي “يا ابن ادم مرضت فلم تعدني، فيقول: كيف أعودك وأنت رب العالمين، يقول مرض عبدي فلان”. هم يقولوا نقتصر على هذا، نقول لا. هذا كان تنبيهاً ونبراساً على أن ما ورد من هذا النوع يمكن أنْ يؤول؛ لأنه مجاز “أولكن لحاقاً بي أطولكن يدا”، كن يتطاولن حتى عرفن دلالة الحديث.

فالتأويل ثابت في كلام الله، هل نفرق بين كلامه في العقائد وبين كلامه في الفقه؟ هل هناك ضرورة لهذا التفريق؟

الأشاعرة قالوا: لا ضرورة، هو كلام الله وكلام رسوله. والآخرون يقولون في ضرورة  النطق على ذلك الظاهر: هي ظواهر عديدة هي ظواهر تقابل ظواهر. وهنا اذكر ما قاله الشيخ محمد المامي : وإذا الظواهر عارضتك فلا تكن     غرض الأسنة تتخذك نهابها

                          واصبر لها ذا نية وبصيرة      إنْ كنت تُحسن في الوغى تلعابها

                          وامنع تسلطها بصولة قُلَّبٍ       يحمى الحقائـق واغتنـم أسـلابها

فنحن نغتنم أسلاب الظواهر بالظواهر، ونعوذ بالله أن نقول على الله ما لم يقله.

فمسالة التثبيت -وهذا من أكبر المقاصد عند الأشاعرة- ترجع إلى حكمي العقل والنقل الثابت الذي يجب أن يكون تواترا، تواترا مبنيا على الحس أي على الرؤية أو السمع؛ لأنه ليس تواترا مبنيا على الاعتقاد، لأنه يؤدى إلى تصويب تلك الطوائف التي تواطأت وتواترت على الكذب، وهذا رد أيضا آخر.

ثم في هذا الدليل العقلي يجب أن يكون هذا الدليل العقلي مبنيا على القياس الكلي الشمولي، وليس مبنيا على القياس التمثيلي والاستقرائي. هناك نزاع شديد يقول: قياس تمثيلي يمكن أن نحيله إلي شمولي، لكن لو أحلته إلى شمولي لفقد صورة القياس؛ لأنه في

 

الأصل انتقالٌ من جزئي إلى جزئي، فستنتقل من جزئي إلى كلى لترجع وتنتقل به من كلى إلى جزئي. وهذا أوضحته لطلبتي بعد أن راجعت كلام شيخ الإسلام ابن تيمية مع كلام أبي حامد الغزالي رحمهما الله تعالى. فاشترطوا قياس البرهان الذي يقوم المقدمات المسلمة في المجال العقلي؛ لن يقبلوا في العقل إلا البرهان، لن يقبلوا إلا القياس الكلى، لن يقبلوا في النقل إلا المتواتر القطعي.

هنا يكون الفرق قويا بين هاتين المدرستين.

أخيرا أشير إلى أنَّ هناك ضوءًا من الاتفاق، وهو مسالة: بلا كيف.

وإن كان الحمل على الظاهر أحيانا لا يحتمل بلا كيف؛ لأنه هو تفسير خلاص انتهى. لكن إذا قالوا: يدٌ لا كالأيد، ووجه لا كالوجوه، .

هنا هذا المنفذ يمكن أن نستغله في التقريب بين هاتين المدرستين اللتين تنتميان إلى نفس الشيوخ، إلى نفس العائلة السنية؛ لأنَّ أهل السنة من أثريين كما سماهم السفارينى…الأثريون والأشاعرة و الماتريدية كلهم أهل سنة.

هذا الشعار ينبغي أن نرفعه، وأن نوضح ألا هؤلاء خرجوا عن الأثر، وألا هؤلاء أيضا احتقروا الأثر؛ بل الأثر هو للجميع، والنصوص القرآنية تؤيد جميع هذه الاتجاهات.

 

 

أخيراً فإننا في عصر العلم، هذا العلم أفاد الإنسان، وكشف الكثير؛ لكنه أظهر عجزه أيضا، عجزه على الأرض، هذه البركانات يقولون لا نعرف.

ممكن أن نستفيد من هذا العلم في صياغة، ولا أقول في إثبات عقائد، ولكن في صياغة علم الكلام صياغة جديدة.

 

ولهذا أقترح على إخواني وعلى د.محمد عبد الفضيل بالذات أن تُكون هناك مجموعة للتجديد في هذا المجال، للتجديد في علم الكلام، وهذا متاح إن شاء الله ويمكن أنْ نقدم جُملة من المفاتيح لهذا التجديد.

سامحوني إن كنت قد قلت هجرا، أو كنت قد قلت كلاما غير صحيح, وشكرا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

 

 

 

* تفريغ لمحاضرة العلامة عبد الله بن بيه

في مؤتمر ” ابو الحسن الأشعري ..إمام اهل السنة والجماعة”

القاهرة- 2010

 

           

Comments are closed.