العلامة بن بيه: التفسير الحرفي للنصوص لا يصمد في وجه المتغيرات
جمال عمر – نواكشوط
حفلت موريتانيا نهاية شهر أكتوبر بجلسات الحوار الوطني حول ما يسمى بـ”الإرهاب والتطرف” التي احتضنته العاصمة نواكشوط في الفترة ما بين 24-28 أكتوبر، إضافة إلى ندوة بعنوان “الجيش والصحافة: أي علاقة”.
وفي جلسة الحوار الوطني أجمع المشاركون على ضرورة تأسيس ميثاق وطني بين الأحزاب السياسية في موريتانيا للتصدي لظاهرة ما يسمى ب”الإرهاب والتطرف” وإنشاء مركز للدراسات والبحوث يعني بدراسة ظاهرة الإرهاب والتطرف من جميع جوانبها، وتعزيز القوافل العلمية والدعوية لنشر الثقافة الإسلامية المعتدلة والصحيحة.
وطالبوا بإشراك مختلف الفعاليات الدينية والسياسية والتربوية والأمنية بصورة تضمن انتشار ثقافة الاعتدال والتعقل والحوار، والتركيز على الأبعاد التربوية حتى تكون الرسالة التي تقدمها في مستوى التحديات التي تواجه المجتمع إلى جانب تجفيف المنابع التي يمكن أن يعشش فيها “الإرهاب” كالجهل والفقر والظلم والحرمان مع الاحتفاظ بسياسة الحوار مع المتشددين ودمج التائبين منهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.
وكانت الأيام الخمسة التي احتضنها قصر المؤتمرات بالعاصمة الموريتانية نواكشوط قد خصصت لمناقشة خمسة محاور تضمنتها عدة مقاربات لمواجه الإرهاب والتطرف تناولت الجوانب الشرعية والتربوية والإعلامية والقضائية والأمنية.
التفسير الحرفي للنصوص قدم العلامة الشيخ عبد الله ولد بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في اليوم الأول من أيام الحوار حول الإرهاب والتطرف عرضا ركز فيها على موقف الإسلام من التطرف والغلو وقضية الجهاد التي قال بأنها تدخل في اختصاص الدولة بدل الجماعات والأفراد.
وقال ولد بيه إن التفسير الحرفي للنصوص الذي اعتمده المتشددون والغلاة لم يعد قادرا على الصمود في وجه المتغيرات التي يعيشها عالم اليوم داعيا المؤتمرين إلى وضع مقاربات فكرية لمحاربة الفكر الدخيل والسرطان العالمي الذي انتشر بشكل مذهل مطالبا كذلك بأبعاده من منظومتنا القيمية.
وأكد الشيخ أن الإسلام واع بتقلبات ومستجدات العصر، والمسلمون مطالبون بخلق مناخ ديني ملائم وكفيل بتقديم بدائل مقنعة لتلك الظاهرة. الهم المحلي جزء من الهم العام وفي الندوة الفكرية التي نظمت بمقر رابطة الصحفيين الموريتانيين تحت عنوان “الجيش والصحافة: أي علاقة” في 26 أكتوبر أكد العلامة الشيخ عبد الله ولد بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس مركز التجديد والترشيد إن العالم الإسلامي اليوم أصبح في حاجة ماسة إلى “صحافة الإنارة” وهي الصحافة الرصينة التي تتحدث بعمق عن الحقائق التي تؤدي إلى إنارة الرأي العام في الأمة الإسلامية، وهو نمط من الصحافة يقدم الحلول ويجيب على التساؤلات التي يطرحها العصر، خاصة وأن المسلمون اليوم يعيشون بين كماشتي الشرق والغرب، وهو ما جعل منهم موضع اهتمام ومطامح ومطامع للآخرين سواء في الشرق أو في الغرب.
وقال “هذا يجعلنا أمام أحد خيارين؛ إما أن نكون سادة أنفسنا نسير أمورنا بكل حرية أو تابعين للآخرين يستغلون ضعفنا ويتخذون منا مكانا للصراعات”.
وأضاف “عليكم أن تعوا هذا الوضع وأن تدركوا أن الهم المحلي جزء من الهم العام للأمة الإسلامية وعليكم كذلك أن تمارسوا صحافة الإنارة التي ينبغي أن تكون بديلا عن صحافة الإثارة التي أصبحت منتشرة اليوم في الكثير من بلدان العالم بما فيها الدول الإسلامية حتى أصبحت ظاهرة عالمية، وهذا النمط من الصحافة يرتكز على الإثارة ولو على حساب الحقيقة”.
ودعا بن بيه إلى عدم تصنيف الغرب أو الحكم عليه كعالم من الشياطين، يضيف “فالغرب ليس شرا مطلقا ولا خيرا مطلقا، لكنه ينبغي علينا كمسلمين أن تكون لدينا رؤية واضحة للتعامل معه باعتباره آخر، ومن هنا يجب على الصحفيين أن يفهموا جيدا الطريقة المثلى للتعامل، فالصحافة محصن من محاصن التربية وعليها أن تقوم بدورها التوجيهي وأن تتجاوز في ذلك الحزبية والقبلية والجهوية كي تبعد المجتمعات عن شبح الحروب والصراعات الطائفية، ويجب عليها توجيه الشباب إلى سمو الهمة، وأن تتمسك دائما بشعار المصداقية،لأنها اليوم تضطلع بنفس الدور الذي كان يلعبه الشعر لدى العرب قديما”.
وحول التأصيل اللغوي لكلمة الصحافة يقول العلامة ولد بيه إن كلمة الصحافة تتغير بتغير الصيغة اللغوية فإذا فتحت الصحافة كانت خصلة حميدة وإذا كسرت كانت مهنة وضيعة.
وطالب الشيخ ولد بيه في نفس الوقت من القائمين على الشأن العام في موريتانيا والعالم الإسلامي ككل تسهيل مهمة الصحفيين الشاقة بمنحهم الحرية الكاملة كي يمارسوا دورهم بكل كرامة، لكنه في المقابل حذر من ممارسة الحرية غير المسؤولة التي قد تؤدي بصاحبها إلى المزالق الخطرة.