ابن بيه : يتحدث في الشريعة والحياة عن الفقهاء وتقسيم العالم

 

ابن بيه : يتحدث في الشريعة والحياة عن الفقهاء وتقسيم العالم

 

 

 

 
القاهرة: مي محمود
 
أكد  الدكتور عبد الله بن بيه ـ نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ـ أن التقسيمات الفقهية للعالم اجتهاد فقهي توصيفي،  يقوم على واقع وليس توقيفا من الشارع إلا بقدر ما يتعلق ببعض الأحكام الشرعية ،  موضحا أن هذا التقسيم يعتمد على ظواهر من الكتاب والسنة ، وهو تقسيم وظيفي ، بمعنى  أنه يراعي وظائف العالم في ذلك الوقت ، أي يصف واقع العالم ؛  لذلك فهو وظيفي توصيفي ؛ ولهذا فهي  ظواهر وليست نصوصا قطعية من الشارع،وهذه الظواهر منها أمر الله ـ سبحانه وتعالى ـ  بالهجرة {وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ..}[النساء:100] ترغيبه في الهجرة، ، والوعيد الذي كان في شأن المستضعفين الذين لم يهاجروا وبقوا مع الكفار ، واستثنى الله منهم أولئك الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا.
 
 
و في السنة بعض الأحاديث التي فيها “وليتحول وليتحولوا إلى دار المهاجرين”  وأن النبي “صلى الله عليه وسلم”  كان يأمر بذلك أمراء السرايا،و لكن القضية أساسا محتوى هذا المصطلح وبالتالي تطبيقات هذا المصطلح،  والتي  تظهر في قضية الإقامة في منطقة معينة من الأرض في مسألة الهجرة ، أي خروج من هذه المنطقة ، وفي معاملات أخرى يختلف العلماء في أحكامها، فهذا هو المضمون وهو مجال تطبيق هذا التقسيم.
 
 
مفهوم المصطلح  
وقال ابن بيه في  برنامج “الشريعة والحياة” الذي تعرضه قناة الجزيرة الفضائية بعنوان ” الفقهاء وتقسيم العالم ” : إن العلماء لهم اجتهادات متعددة حول مصطلح تقسيم العالم ، فبعضهم يقول:” دار حرب ودار إسلام ودار عهد” ، أي أن دور الكفر تنقسم إلى قسمين:  إلى دار حرب،  أهلها يحاربون،  وإلى دار عهد وأمان أو عهد وموادعة أو عهد وهدنة، يسمونها كل هذه الأسماء.  الأحناف عندهم الدار داران دار إسلام ودار حرب.
 
دار مركبة
وتابع : هناك دار مركبة عن الشيخ تقي الدين بن تيمية ، وهى دار لا دار حرب ولا دار إسلام،  فهي واسطة بين دار الحرب ودار الإسلام ، أو بين دار الكفر ودار الإسلام؛  لوجود جنود من التتار لم يكونوا مسلمين ، وإن كانت عبارة الفتوى قد يفهم منها غير ذلك،  ووجود شعب وجود ناس من المسلمين يقيمون في هذه الديار، فهذه الفتوى جعلت الدار مركبة.
 
و الدار المركبة وجهتها فريدة ؛ لأن العلماء جروا على دارين أو على ثلاث دور، والتقسيم سببه هو الأحكام المترتبة عليه ، هل تجب الهجرة من دار غير المسلمين إلى دار المسلمين؟ هل تجوز الإقامة في دار غير المسلمين؟ هل تجوز المعاملات الفاسدة التي لا تجوز شرعيا في هذه الديار كما هو مذهب الأحناف؟
 
 
طبيعة الحياة
وأوضح أن  هذه الأحكام الشرعية المتعلقة بالدور كرست لهذا الانقسام ،  لكن السبب التاريخي هو أنه لم يكن العالم محكوما بمعاهدات ، حيث  كانت العلاقة بين الدول بل بين القبائل عندما بعث رسول الله “صلى الله عليه وسلم”  كانت هذه العلاقة إما  عداء أو  حرب أو غلبة أو  أن تغلب دولة دولة أخرى كما بين الروم وفارس،  أو أنها تخضع لها ، بمعنى  لا تقبل منها غير ذلك،  حيث  لم تكن الصدور متسعة في ذلك الوقت للإمبراطوريات إلا للقتال أو لغلبة أحد الطرفين  التي لا بد أن يكون مغلوبا والآخر يكون غالبا، فهذا الواقع الذي كان في حياة القبائل في حياة الدول المنظمة مثل الفرس والروم.
 
 
تقسيم تاريخي
ونوه : أن  هذا الواقع انعكس على واقع الفقه عندما أراد الفقهاء النظر في العالم في هذا الوقت فهو عالم من جهة إما أن يكون محاربا وإما أن يكون مسالما داخلا تحت حكم الإسلام بما يسمى بالذمة أو معاهدا وهذا له أحكامه الخاصة فيه، فهو تقسيم تاريخي يعتمد على ظواهر من النصوص ويعتمد على بعض التطبيقات المتعلقة بالأحكام الشرعية
 
 
 
جوانب الخلل
ونوه أن هناك خللا كبيرا في فتوى الدار المركبة ، كما  ذكر  شيخ الإسلام أن هذه الدار فيها معنيان،  وأنه يجب أن يعامل المسلم بما يستحقه ، وأن يعامل الخارج عن الشريعة بما يستحقه ويقاتل، لذلك  فالخلل هو أن نسخا مطبوعة من فتاوى ابن تيمية فيها “ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه”،  
واستطرد قائلا : والحقيقة عندما قرأتها لم أستسغها ، وقلت:  إن الصياغة والسياق لا يقتضيانه، بل يقاتل هذه هي يعامل، لأنه كيف تقول يقاتل بما يستحقه؟ القتال ليس فيه درجات، يقاتل يقاتل، ثم إن السياق يدل على وجود مصانعة ومعايشة بين الطرفين،  وهذا سياق فتواه؛  ولأجل هذه قلنا : إنه يعامل ، ولكن لحسن الحظ ، وجدنا ابن مفلح في كتابه “الآداب الشرعية” ينص على هذه الفتوى،  ويقول:  إن شيخ الإسلام قال : ويعامل، ويعامل الخارج عن الشريعة بما يستحق؛ لأن يقاتل فيها خطورة كبيرة تلقفها بعض الناس وترجمت في اللغات الأجنبية مع الأسف ، وقال : يُقاتل !! من الذي يقاتل مبني للمجهول، ثم من يقاتل؟ ثم ما هي درجة الخروج عن الشريعة التي تؤدي إلى المقاتلة؟ ومما يستحقه ؟ وما هو هذا الاستحقاق؟ إشكالات كبيرة ، ووجدت ابن مفلح ساق الفتوىـ  وهو تلميذ ابن تيمية ـ صحيحة ، وكذلك محمد رشيد رضا قبل قريب من مائة سنة ، وكذلك الفتاوى الأجوبة النجدية،  وفيها أيضا على الصحة، لم يبق لنا إلا أن نحصل على المخطوطة الموجودة في المكتبة الظاهرية في دمشق التي يمكن أن تبين الحقيقة في هذه المسألة؛  لأن  في الحقيقة “يقاتل” فيها خطورة كبيرة جدا ، وهذه الخطورة أثرت في بداية السبعينيات ، وبخاصة في بعض الكتابات التي تتحدث عن الدار ككتابات محمد خير هيكل الذي يتحدث عن الدار ويقول: إن دور الإسلام الآن هي كلها دور كفر وليست دور إسلام.
 
 
آثار العولمة
وأشار إلى أن هذا التقسيم لم يعد صالحا بسبب  المواثيق الدولية و العولمة التي لم يبق بلد الآن إلا وفيه مجموعة من المسلمين،  قلت أو كثرت،  والعلاقات التي تحكمهم مع السلطات الموجودة هي علاقات إنسانية علاقات بشرية علاقات فضاء تسامح، ولأجل هذا وانطلاقا من الرسالة النبوية التي هي رسالة شاملة كاملة للعالم كله “إني رسول الله إليكم جميعا”، فالعالم المعمورة هي إما أن تكون من أمة الإجابة ، وإما أن تكون من أمة الدعوة ، وكل أمة رسول الله “صلى الله عليه وسلم”  على اختلاف في من استجاب لهذه الدعوة ومن لم يستجب لها.
 
 
 ثم إن هناك أحاديث تؤيد هذا فيما يتعلق بالهجرة في حديث فديك، وفديك هذا رجل أسلم ، ولكن قومه قالوا له “دن بما شئت وابق معنا”، أريد أن نهتم بكلمة “دن بما شئت”، الحرية الدينية، فلما توفرت له الحرية الدينية بقي مع قومه حتى وفد إلى النبي “صلى الله عليه وسلم”  فلما وفد إليه في سنة ست قال:  يا رسول .. يقال : إن المهاجر.. قال النبي “صلى الله عليه وسلم”:  “يا فديك أقم الصلاة وآت الزكاة واهجر السوء واسكن من أرض قومك حيث شئت”.
 
 
اختيار فقهي
وأوضح ابن بيه  أنه قال : من أرض قومك ، ولم يقل من دار قومك.  فالدار هي لغة تقال للأرض التي يسكنها الناس،  تقال للمنزل تقال للمسكن لكن الفقهاء أخذوها كمصطلح.  الشريعة لا تقول البلد،  وإنما تقول:  “البلاد” وتقول:” الدور” ، والدار لغة كل ما يسكن وكل ما ينزل به، لأن ً المصطلح نفسه هو اختيار فقهي، و لأن الدار سميت بها المدينة {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ..}[الحشر:9] ؛ لأنها كانت دار هجرة ، وهي ستظل ؛ ولذلك سماها عبد الرحمن بعد ذلك قال لعمر : “حتى ترجع لدار الهجرة” لكن هذا الاسم أو هذه العهدية التي ترجع إلى المدينة ليس لازما أن تعين بدار الإسلام، مكة سميت قرية {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}[محمد:13] سماها قرية، سمى مكة قرية وهي أم القرى إذاً هذا الإطلاق وكونها قرية هذا لا يعطي حكما شرعيا.

Comments are closed.