ارشيف ل

مشروع دولة اسلامية حديثة قابلة للاستمرار ومستدامة

 

ورقة مقدمة لمؤتمر : “مشروع دولة اسلامية حديثة قابلة للاستمرار ومستدامة ” المقام في المملكة الأردنية الهاشمية 

الدولة الإسلامية:

أما الدولة الإسلامية فمن حيث الأصل فهي ناشئة عن ضرورة عقلية وممارسة شرعية، وهي من نوع المصالح التي يوجبها الشرع لإدارة شئون الخلق والقيام بالخلافة في الأرض. وجماهير العلماء على وجوب قيام دولة، وهذا أصل لم يخالف فيه إلا قلة كابن كيسان الأصم وبعض المعتزلة وفي العصر الحديثة علي عبدالرزاق وبعض المعاصرين.

وأصل وجود الدولة راجع في الجملة إلى نصوص من الكتاب والسنة معروفة للخاصة والعامة قال تعالى  ]لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ  [

للقيام بالقسط لا بد من جهة حاكمة وسلطة نافذة، وهذا ما وردت فيه أحاديث وآثار كثيرة معروفة.

وضرورة سلطان يتولى القيام على مهماتٍ ووظائف لا يمكن للأفراد أن يتعاطوها أمرٌ معلومٌ من الدين بالضرورة، ومسلَّم من العقلاء في كل الملل والنِّحل.

ولهذا تناول الأولون موضوع الدولة الإسلامية تحت اسم الإمامة – الخلافة ووظائفها باعتباره أمر لا مرية فيه. ولقد أجمل إمام الحرمين معنى الإمامة ووجوب نَصْب الأئمة وقادة الأمة بقوله: “الإمامةُ رياسةٌ تامة، وزعامةٌ عامّة، تتعلق بالخاصة والعامة، في مهمات الدين والدنيا، مهمتها حفظُ الحوزة، ورعاية الرعية، وإقامةُ الدعوة بالحجة والسيف، وكفُّ الخيف والحيف، والانتصافُ للمظلومين من الظالمين، واستيفاءُ الحقوق من الممتنعين، وإيفاؤها على المستحقين”.

وفصل بين إمامة الاختيار والسعة وإمامة الضرورة والغَلَبة في كتابه “الغياثي”، إلا أنَّ إمام الحرمين يرى أنَّ معظم ما يتعلق بالإمامة يقبل الاجتهاد لأنها عَرِيَةٌ من مسالك القطع خَلِيَّةٌ عن مدارك اليقين.

وهذه الجملة تعتبر المفتاحَ الذهبيَّ لباب الاجتهاد بتحقيق المناط في الأحكام السلطانية أو الفقه السياسي.

فما هو مفهوم الدولة الدينية أو الإسلامية؟

 إن تفكيك العنوان ضروري لإدراك المعنى المركب ومدى مدلوله.

فالدولة في الأصل اللغوي هي مصدر على وزن فعلة التي تكون للمرة، فالمفهوم العربي يلاحظ معنى النوبة ومعنى التداول الذي يشير إلى النصر أو الهزيمة. ولهذا فأكثر ما تذكر مضافة إلى معنى غيرها، كدولة بني العباس، وفي معنى التداول قوله تعالى{وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاس} {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُم} قال الشاعر فروة بن مسيك المرادي:

               كَذَاكَ الدَّهْرُ دَوْلَتُهُ سِجَالٌ … تَكُرُّ صُرُوفُهُ حِينًا فَحِينًا

أما المفهوم الحديث فهي: “مجموعة بشرية تقيم على أرض محددة تخضع لسلطة واحدة، يمكن أنْ تعتبر شخصية معنوية، قد تكون إمبراطورية، أمة، بلداً، قوة، جمهورية، مملكة”.

ويمكن أن تعرف بأنها: السلطة السيادية السياسية التي تتمتع بالشخصية القانونية وتخضع لها مجموعة بشرية.

ولاعتبارات عملية يعتبر التعريف الثاني كافياً؛ لأنّ الاشكالات السياسية والفلسفية والقانونية مردها إلى السلطة أصلها وشكلها، من أين نالت مشروعيتها وما هي أرومتها وهل تورث أو تنتخب؟ ومن أي صورة تركب؟ ثم كيف تتصرف وتدبر وتؤلف؟

إنّ هذا النزاع هو مثل ما يتحدث عنه الغربيون في العلاقة بين الديني والدولة، أو ما تطور ليكون بين الروحي وبين الديمقراطية، أو بين المطلق والنسبي.

باعتبار أن الدين ينتمي إلى فضاء المطلق والسياسة -وهي هنا الديمقراطية- تنتمي إلى فضاء النسبي.

إنَّ التاريخ الأوروبي -الذي شهد الكوارث الطبيعية والبشرية مع طاعون القرنين السادس عشر والسابع عشر ومع الحروب الدينية- أصبح أكثر تذمراً من الدين وأكثر تركيزاً على الإنساني مع جملة من الفلاسفة كميكافيلى وهوبس ومونتسكيه وجان جاك روسو وغيرهم ممن أعاد الأمر إلى الشعب أو إلى الإنسان لإيجاد عقد اجتماعي مصدره الشعب كل الشعب، يمثله قول روسو في كتابه “العقد الاجتماعي” كل قانون لم يصادق عليه الشعب فهو باطل؛ إنه ليس بقانون.   

ومن هنا كان الواقع المعاصر في جيراننا الغربيين هو عزل الدين عن الشأن العام السياسي رسمياً، ومع ذلك فهناك بعض الدول كالاتحاد السويسري ينُصُّ دستورها على أنها دولةٌ دينية وكنيستها هي كنيسة دولةٍ مع ما يترتب على ذلك من التزامات الدولة تجاه المؤسسة الدينية.

ومع ذلك فإن الكثير من السويسريين غير مقتنعين إلى حد أنّ ألقى مستشارا فدراليا سويسريا محاضرة بعنوان استفزازي “هل الإله ضرورة للدولة؟” وذلك في محاضرة في جامعة لوزان في 2 فبراير 2005م 

أما الإسلامية: وهو القيد الأول أو الفصل الأول في التعريف، -كما يقول المناطقة في الحد الذي يكون بالجنس والفصل- فإذا كان هذا اللفظ وضعاً لا يكلف عناء فهو نسبة إلى الإسلام الدين الذي اختاره سبحانه وتعالى لأنبيائه وبعث به خاتم الأنبياء والرسل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

إلا أنّ الاستعمال التداولي عرفاً يحمل ظلالاً مشككة ومربكة، فما معنى كون الشيء إسلامياً؟ وما هي حمولة هذه النسبة الدلالية؟ وما هو الفرق بين الدعوى والحقيقة وبين الاسم والمسمى؟  ذلك ما سنراه.

 

إسلامية الدولة مفهوم واسع مشكك وليس متوطئا

فيمكن أنْ نعتبر إسلامية الدولة بناء على أنَّ أكثر سكانها يدينون بالإسلام؛ لتكون تابعة للسكان وليس للأحكام، كما تشير إليه فتوى الشيخ ابن تيمية الماردينية في وصف الدار.

ويمكن اعتبارها بوجود إقامة الشعائر الدينية ولو من قلة، كما يشير إليه موقف بعض الشافعية، كالماوردي والنووي في مسألة دار الإسلام، ولو كان بيتاً واحداً يستطيع أهله أن يؤدوا فيها شعائرهم.

أو باعتبار الأمن للمسلم فيها كما عند الحنفية، حيث أضاف إليه بعضهم والخوف للآخر، في مسألة الدار، وهي إضافة لا مبرر لها، فالمهم هو الأمن، وإن كان للجميع كان أكمل وأشمل.

ويمكن أعتبار الوصف بـ”الإسلامية” بناء على النصوص والنظم التي تحكمها، باعتبار أنَّ الدولة أصبحت شخصية اعتبارية لا عبرة فيها بالأشخاص الطبيعيين إلا بقدر ما يؤدونه من الأدوار، ولكن العبرة بالقوانين والنظم وبخاصة بالدستور، الذي يعتبر وثيقة التعريف. ولكن يعكر على هذا الوصف:1- أنَّ الإسلام والكفر وصفان للأشخاص الطبيعيين وليس للشخصية الاعتبارية؛ إلا إذا افترضنا قيام صفة الإسلام أو ضده بكل فرد.        

2- إنه لو فرضنا أنَّ الوثيقة تثبت صفة الدولة فما هو المقدار الذي يجب أنْ تشتمل عليه الوثيقة لتكون الدولة إسلامية.

يمكن أن نتصور ذلك في ثلاثة مستويات:  

المستوى الأول: اندماجٌ كاملٌ بمعنى أنَّ نظامَ الدولة يَعتمِدُ على النصوص الدينية، وتمارسه سلطةٌ مفوَّضةٌ من الإله، معصومةٌ، هذا هو مفهوم الثيوقراسية.

هذا أصل المفهوم الغربي، وهذا لا يتصور في الإسلام إلا بوجود نبي معصوم أو على الأقل بالنسبة لأهل السنة الذين لا يرون عصمة لغير الأنبياء.

المستوى الثاني: نظامٌ يقوم على نصوصٍ دينيةٍ يمارسُ السلطةَ فيه علماءُ دينٍ لكنهم ليس لهم تفويض إلهي، فهم لا يمارسون أعمالهم باسم الإله ولا نيابة عنه، ولكنهم يسعون ليكونوا أقرب ما يمكن لروح التعليمات الإلهية، يُمثِّل حالهم قول عمر: هذا ما رأى عمر. نافياً أن ينسب رأيه للباري جل وعلا.

المستوى الثالث: أنْ يكون التشريعُ مستمداً من روح الشريعة، ولكن الذين يمارسون السلطةَ فيه ليسوا علماء دينٍ، ولا رجال دينٍ، بل مدنيون ملوك أو رؤساء، مع اختلاف في مرجعية الوصول إلى الحكم.

خلاصة القول: إنَّ الدولةَ في الإسلام هي آلة من آليات العدل وإقامة الدين، وليست دولةً تيوكراسية بل مدنيةً بمعنى من المعاني، لكنها بالتأكيد ليست دولةً علمانية، إنها دولة يكون للدين فيها مكانُه ومكانتُه في مزاوجة مع المصالح واتساع من التأويل لا يقوم عليها رجال دين، ولكنْ رجالٌ مدنيون بمختلف الطرق التي يصل بها الحكام إلى الحكم، قد تكون بعض الطرق مفضلة بقدر ما تحقق من المصلحة والسِّلم الاجتماعي والاقتراب من روح الشرع ونصوصه.

إنَّ الأصلَ في النظام الإسلامي أنه يقوم على البيعة والشورى، وبتفسير هذين المفهومين نجد أنهما أحيانا يلتقيان في نتائجهما كثيراً مع ما وصلت إليه الأنظمة “الحديثة” مع التحفظ على بعض الممارسات التي تتم باسم الدين أو باسم الديمقراطية.

إنَّ الديمقراطيةَ التي يرى البعضُ أنها نهاية المطاف أو نهاية التاريخ، قد تمارس بطريقة غير ديمقراطية حتى ولو احترمت الشكلَ فإنَّ المضمونَ قد يكون مُختلاً، وفي بعض الأحيان مأساوياً، فإنَّ “أدولف هتلر” وصل إلى الحكم بطرق ديمقراطية، والنتائج معروفة.

إن ديمقراطية نصف المصوتين زايد واحد قد لا تكفي بل تحتاج إلى مقاربة أخرى لضمان السلم والوئام والاستقرار، وهما الشرطان الضروريان للاستثمار والازدهار لصالح الدين والدنيا.

إن أكثر علماء المسلمين على أنه لا تلازم بين الحاكم والفقيه، وإن كان يوجد نظرياً من يُلزم الحاكم بأن يكون مجتهداً، ولكن سرعان ما وقع فصل تام بين الاثنين منذ الدولة الأموية بعد الخلافة الراشدة، فانفصلت طبقة الفقهاء عن طبقة الحكام؛ إلا أنَّ الفقهاء ظلوا يمارسون السلطة القضائية وسلطة الإفتاء والتعليم.

والإشكال في العلاقة بين الدين والدولة كان قائماً في كل العالم ليمنح شرعية لقول “هيجل”: لا يكفي أنْ يقول لنا الدين: “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله”. لأنه يبقى علينا بعد ذلك أنْ نعلم على وجه الدِّقة ما هي الأشياء التي لقيصر.

وإذا كان هناك إشكال لعصر العولمة بالنسبة للعلاقة بين الدين والدولة، فإنَّ الإشكال لن يكون حله – حسب رأينا- بالدفع إلى القطيعة والحلول الحادة والرؤية الآحادية، وإنما بالبحث عن إبداع الحلول الذكية التي تحافظ على الصِّلات النافعة، وتقيم الموازنة السعيدة بين مستلزمات المعاصرة ومنتجاتها الفكرية والمادية، وبين القيم الروحية وميراث النبوات والأخلاق الفاضلة للتوفيق البارع بين المتناقضات التي تتجاذب حياتنا.

يجب الاعتراف بأنَّ الدولة الحديثة تختلف في نظامها السياسي وعلاقات الفرد مع السلطة والعلاقات بين السُّلَط، مع ما كان سائدا منذ قرون، وهذا يعني أن واقعاً حديثاً له متطلباتُه واضطراراتُه يقتضي فقهاً جديداً يقولب مفاهيمه ويجيب على استفهاماته.

إنّ أولئك الذين اعتبروا إيجاد الدولة أمراً يرجع إلى المجتمع، لا علاقة له بالدين تعلقوا ببعض الوقائع التاريخية حيث إنه عليه الصلاة والسلام لم يعين خليفة مكتفياً بالإنابة في الصلاة وورود نصوص ترد الأمر للاجتهاد البشري كقول عمر رضي الله عنه هذا ما رأى عمر.      

وقول علي رضي الله عنه للمحكمة الذين قالوا: لا حكم إلا لله. قال: كلمة حق أريد بها باطل. وقال: الحكم لله، وفي الأرض حكامٌ، ولكنهم يقولون: لا إمارة، ولا بُدَّ للنَّاس من إمارةٍ يعملُ فيها المؤمن، ويستمتع فيها الفاجر والكافر، وَيُبَلِّغُ الله فيها الأجل.    

إلى غير ذلك من الممارسات والآثار، واعتماد الخلفاء على المصالح في تعاملهم مع الشأن العام بما يخالف ظاهر النصوص، مما يوحي لغير البصير بمخارج الشريعة وموالجها بأنّ إدارة الدولة لا تعتمد على الوحي. وذلك كقتال مانعي الزكاة من طرف الصديق، واستخلافه لعمر، وتصرفات عمر الكثيرة.

وبالنسبة للفقيه فإنَّ هذه التصرفات ترجع إلى الأصول الكلية للشريعة التي تقدم على النصوص الجزئية، وهي معادلة تسمح بالتعامل مع الواقع المتجدد المتمثل في ضرورات الحياة وحاجياتها واكراهاتها، دون اغتراب عن بيئة الشريعة ولا خروج عن مظلتها، انطلاقاً من مبدأين أو كليين؛ هما: كليّ العدل المنصوص عليه في أكثر من نص. وكليّ السلم الاجتماعي المقرر في عشرات النصوص؛ ولهذا فإن تصرفات الخلفاء الراشدين -التي قد يلحظ فيها المستشرق ما يحسبه ملوكية محضة أو علمانية على حد وصف بعضهم لبعض ملوك الدولة الإسلامية- إنما ترجع إلى مقاصد الشريعة، وإلى أنَّ المكانة المتاحة للعقل البشري في رعاية مصالح الناس من صميم الشريعة، ومن هنا يكون ملتقى بحري الإسلامية والحداثة وتتهيأ الأرضية المناسبة لإقامة دولة إسلامية حديثة لتكون مستدامة ومستمرة ؛ لأن أي دولة في العالم الإسلامي تضرب صفحاً عن موروثها الإسلامي وعن مقتضيات العصر الحديث لا يمكن أن تكون مستدامة ولا مستمرة.

وذلك هو التحدي الذي تجب مواجهته لاقتراح الحلول الإبداعية في السياق التاريخي والمساق الاجتماعي والنفسي، واستغلال مشتركات العدل والتنمية الاقتصادية والسلام الاجتماعي في أقصى الحدود، وهي متطلبات إسلامية وحداثية؛ لجعلها في أعلى السلم: مع سعة في التأويل ووضوح في الرؤية يبعد شبح الحروب العبثية، ويستعمل وسائل الدعوة والتربية الشفافة، في عصر أصبح فيه “حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي” –وهي عبارة ابن خلدون مجملا فيها دور الدولة- لا يمكن أن يكون بوسائل قسرية دون أن يؤدي إلى مفاسد لا يقبلها الشرع ولا العقل إلا في حدود ضيقة.       

لقد كانت الدولة في الماضي والحاضر -ويجب أن تكون كذلك في المستقبل- هي التي تمتلك وتحتكر الحقَّ في استخدام القهر والقوة وإلا كانت الفوضى. ومما يجعل هذا الاحتكارَ مشروعاً وشرعياً العدالةُ في استعمال هذا الحق والشفافيةُ في ممارسته ووضوحُ القواعد والمبادئ والأنظمة التي تحكم استعمال القوة، وحيادُ السلطة القضائية واستقلالها النفسي والمادي. والوصول إلى قدرٍ معتبرٍ من الرضا العام عن النظام، ومقدارٍ من الثقة والاقتناع بالنظام والأحكام، مع صعوبةٍ تحقيق مبدأ الرضا العام في ظل ارتفاع سقف مَطلبية يجعل الفرد حريصاً على التدقيق في كيفية استعمال هذا الحق، كما أنه حريص على التأكد من أنّ حقوقه مصونةٌ مما يقتضي أنْ تكون معلومة، أي أنَّ تعريفَ المواطن حقوقَه وواجباتِه أصبح مطلباً مُلحاً تُدبَّجُ به الدساتير، ومن هنا تُعرَّفُ المواطنة بأنها حقوقٌ وواجباتٌ متبادلة. ومن هنا تنشأ دعوى العدالة الاجتماعية والعدالة في التوزيع بفضاءاتها المختلفة، كما سماها بعضهم. إن فقهنا يملك أُسساً متينةً وقيماً أصيلةً، لكن ذلك لا يغني عن تحقيق المناط في الواقع.

وذلك ما نسعى إليه من خلال طرح أسئلة في المفاهيم التالية:

السُّلطُ والعلاقة بينها، مكانة الدين، صلاحيات الحاكم. والتفاصيل كثيرة تحتاج صياغة مفاهيم أو إعادة تعريف بعض المبادئ في ضوء واقع الثورات والجدل الفقهي والدستوري الدائر في مختلف الدوائر والمنتديات: فما هو مفهوم الطاعة؟ وما هو مفهوم الخروج؟ وما هو مفهوم عقد البيعة؟ كيف يكون العقد الجديد؟ ومن هو السلطان؟ الرئيس أو البرلمان؟

هل ولي الأمر هو كل من وَلِي أمراً من أمور الناس، كما يفهم من اللغة، وكما يشير إليه الحديث: من ولي من أمر المسلمين”؟

هل ولي الأمر هو الحاكم خاصة، أم الحاكم والعالم؟ وفسرت الآية بالمعنيين.

هل يتعدد السلطان، وهل يكون غير قرشي؟ لقد تجاوزَ الواقع هاتين المسألتين في بعض البلاد وقد كانتا في محل شبه الإجماع برهة من الزمن. فأصبح تجاوز القرشية، وكذلك التعدد واقعاً، وقد نص الفقهاء عليه على استحياء عند تناءي الأقطار.

وأَلَحَّ إمام الحرمين على الكفاية، فقال في “الغياثي”: قلنا: لا نقدم إلا الكافي التقي العالم، ومن لا كفاية فيه فلا احتفال به، ولا اعتداد بمكانه أصلاً. ثم قال: وكأنَّ المقصودَ الأوضحَ الكفايةُ، وما عداها في حكم الاستكمال والتتمة لها.                                                                                             

مسألة الطاعة: وردت الأحاديث الكثيرة بالأمر بها مطلقة، وبعضها بالمعروف مقرونة ومقيدة.

وهكذا اختلف الفقهاء: هل الطاعة هي: امتثال الشرع إذا أمر به الحاكم (امتثال القانون) أم الطاعة هي لشخص الحاكم؟ هل الطاعة توجب أمره في الجائزات باعتباره المصلحة، وتحرم مخالفته؟ ما هي حقيقتها واستحقاقاتها؟ أم هناك طاعة أخرى من أجل سد ذريعة الفتنة والاحتراب لتقدير الإسلام لدماء الناس؟ أم أنها طاعة سلبية: طاعةُ انكفافٍ وليست طاعةَ امتثالٍ؟ أم أنّ الأمر يرجع إلى الوضع الزماني؛ ليُحَقَّق فيه المناط من خلال الوثائق الدستورية في هذا الزمان.

الخروج: هل ما زال مخالفةَ الحاكم لمنع حق أو لخلعه؟ –الباغية طائفة خالفت الإمام-

 والذي يظهر لي -والعلم عند العليم الحكيم- بعد مراجعة الأحاديث الآمرة بالطاعة الناهية عن نزع اليد منها، وتلك المقيدة بالمعروف الناهية عن الطاعة في المنكر- أنّ الطاعة لها معنيان يدل عليهما السياق، المعنى الأول، الطاعة التي تعني عدم الخروج على الحاكم، وعدم استهداف النظام العام، وهذه هي التي لا يجوز الخروج عليها إلا بعد خروج الإمام خروجاً لا شك فيه ولا ريب من الإسلام، وهي طاعة الجمهور، التي تعني لزوم الجماعة وهي الطاعة السلبية أو طاعة الانكفاف وعدم الاعتراض.

والمعنى الثاني: الطاعة الشخصية للقيام بعملٍ؛ تجب إذا كان مشروعاً ولا تجوز إذا كان غير جائز، ولكنه لا يُسمح بالخروج.

وبعبارة أخرى فإنّ الطاعة طاعتان: طاعة احتمال وطاعة امتثال.

ولا ينافي ما ذكر في الطاعة القاعدةَ الشرعية المعروفة وهي: أنّ تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة”. وأصلها للشافعي كما يقول السيوطي في “الأشباه”. وقد ذكرها العز بن عبد السلام وتلميذه القرافي وابن نجيم وغيرهم. وهي مستنبطة من الكتاب{وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن} والسنة ففي الصحيحين: مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً، فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ، إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الجَنَّةِ».

ولكن من يحدد المصلحة؟ ويحقق المناط؟ الظاهر من النصوص أن الجهة الولائية هي المرجحة؛ لأن المختلف فيه بإمضاء الإمام يصير متفقاً عليه، كما يقول السرخسي في “شرح السير الكبير”.

ويقول ابن قدامة إنَّ فعل الإمام كحكم الحاكم في نفاذه في الأمور المجتهد فيها. ويقول السرخسي في “شرح السير الكبير” وكذلك إنْ أمروهم بشيءٍ لا يدرون أينتفعون به أَمْ لا، فعليهم أنْ يُطيعوه، لأنَّ فرْضيَّةَ الطَّاعة ثابتةٌ بنصٍّ مقطوعٍ به. وما تردَّد لهم من الرَّأي في أنَّ ما أُمر به مُنتفعٌ أو غير مُنتفعٍ به لا يصلح مُعارضًا للنَّصِّ المقطوع.

فطاعة الامتثال تصير الجائزات واجبة، كما يقول ابن عابدين في “باب الاستسقاء”. كل هذا في طاعة الامتثال.

أما طاعة الاحتمال والتي تعني أنْ تصبر عليه وتتحمل أذاه على غمط حقك والجور والظلم، فإنها كما يظهر من النصوص السالفة ليست مقيدة بالمعروف بل هي أساساً في عدم الخروج على الحاكم ولو جار وظلم.

وهي موقف سلبي يكتفي فيه بالإنكار بالقلب، كما في صحيح مسلم في حديث أم سلمة رضي الله عنها،  وذكر أبو داود أن الكراهية بالقلب والإنكار به من تفسير قتادة.

وقال القاضي عياض قوله “لا ما صلوا” أي ما داموا على الإسلام، فهو تعبير باللازم وإرادة الملزوم. وهذا الموقف من طاعة الاحتمال هو الذي عليه جمهور علماء أهل السنة، قال الحافظ ابن حجر في “الفتح”: قال ابن بطال في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلّب والجهاد معه؛ لأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح”.

فاستعمال الطاعة في المعنى الأول -أي عدم الخروج- هو من ذكر الملزوم وإراداة اللازم، وفي الثاني -أي الامتثال- في حقيقتها وذلك جمعاً بين الأحاديث، والجمع كما هو معروف واجب، قبل اللجؤ إلى دعوى الترجيح أو النسخ، وبخاصة أنها على درجة واحدة من القوة.   

وما ذكرناه هنا باختصار شديد هو التأصيل الشرعي لمذهب أهل السنة.

من هو الإمام في الجمهوريات؟ هل هو حارس الدنيا والدين أم أنه حارس الوثيقة الدستورية إلى جانب البرلمان. تلك الوثيقة الميثاق الذي لا يسمح بمخالفته ومعارضته.     

– صلاحيات الحاكم بين التجميع والتوزيع.

دور الأمة فيما سبق، ومن هي الأمة: أهل الحل والعقد.- النقباء المنتخبون – شرط العدالة أو الاكتفاء بالشعبية؟          

وفي العصر الحديث يحتاج الأمر إلى دراسة مسألة التنزيل في قضايا الأمة ودور المجالس التشريعية والهيئات المنتخبة في تقدير الضرورات والإكراهات وعلاقة ذلك بالنصوص الشرعية؛ فقد أصبح لهذه المجالس جزءٌ من صلاحيات السلطان أو السيادة كما سماها جان جاك روسو في مقابل الحكومة التنفيذية.

وهل ينطبق على المجالس في بلاد البيعة وصفُ وزارة التفويض عند الماوردي.  

وما هي صلاحيات السلطة في تعطيل بعض الأحكام ؟ ما الذي يمليه الواقع والتوقع؟

المطلوب أيضا تحقيق المناط في جملة من القضايا وذلك بتحرير محل النزاع أي بتحديد المفهوم:

إنّ تحديد المفهوم يُراد منه إيجادُ كليٍّ تُرَّدُ إليه الجزئيات، يشترك في تحديده وضبط عناصره: النصوصُ الحاكمة -السوابق الفقهية المبثوثة في الكتب السلطانية- الواقع الذي تمثله المصالح والمفاسد، وتطور الأمة والبيئة العالمية. فعلى ضوئها جميعاً يصاغ المفهوم.

– مجال العلاقات الدولية

المواثيق الدولية والقوانين الوطنية، أيهما له الأولوية على الآخر ومضاعفات ذلك ونتائجه، والتعاون والاستعانة في الحروب العالمية والمحلية بناء على مواثيقَ دوليةٍ.

مسألة الدار الخاصة بأصحاب الديانة في الموروث الفقهي كيف يكون تحقيق المناط مقاربة الدار المركبة أو ذات الوجهين عند الشيخ تقي الدين ابن تيمية.

العلاقة بالغير أصلها السلام أو الحرب – التحالف – مفهوم الجهاد ومفهوم الدفاع المشروع في المواثيق الدولية.

 

 


– علق الفيلسوف برتراند رسل على هذه الكلمة بقوله: فعلى الرغم من أنها كانت في ظاهرها حلا وسطا، فقد كانت مع ذلك رفضاً للاعتراف بألوهية الإمبراطور،{حكمة الغرب 1/219}

– {تنوع أشكال الدولة وبنياتها وأنماط ممارستها المتعددة. وهي عبارة عن مستويات متنوعة في التخصص والتمايز الوظيفي لهيئة إدارية وتوزيعات متنوعة للسلطة الحكومية وأشكال وتطوير متنوعين للمؤسسات النيابية والتمثيلية؛ وعن نمو ودرجة احتكار متنوعين للمؤسسات القانونية والضريبية والعسكرية والبوليسية والقضائية والعقابية؛ وأخيراً عن مستويات متنوعة لتركيز ومركزة هذه الآليات المختلفة التي تربط كيفيات متنوعة جداً للأفعال المتبادلة بالحقل الاجتماعي الذي تندرج في إطاره. فهل يكفي القول إن الحضور المترابط لهذه الهيئات المختلفة (إدارة حكومية، موسسات قانونية، أجهزة إكراهية وقمعية..إلخ) يجب أنْ يكون متحققاً، كي نتعرف على الدولة حقاً وحقيقة؟ إن هذا الأمر في الواقع، نتاج لعملية تنسيق بين التنظيمات السياسية في التاريخ الحديث والمعاصر.{غيوم بلان “الفلسفة السياسية” ص24}

– الجويني             الغياثي   ص314-315

– وهذه جملة من أحاديث الطاعة، من “صحيح مسلم” مختصرة:  عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللهr: «عَلَيْكَ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ فِي عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ، وَأَثَرَةٍ عَلَيْكَ». عن ابن عمر، عن النَّبِيِّr، أنَّه قال: «عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، إِلَّا أَنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِنْ أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ، فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ». عن عليٍّ، قال: بعث رسول اللهr سَرِيَّةً، وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا، فَأَغْضَبُوهُ فِي شَيْءٍ، فَقَالَ: اجْمَعُوا لِي حَطَبًا، فَجَمَعُوا لَهُ، ثُمَّ قَالَ: أَوْقِدُوا نَارًا، فَأَوْقَدُوا، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللهِr أَنْ تَسْمَعُوا لِي وَتُطِيعُوا؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: فَادْخُلُوهَا، قَالَ: فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ، فَقَالُوا: إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللهِr مِنَ النَّارِ، فَكَانُوا كَذَلِكَ، وَسَكَنَ غَضَبُهُ، وَطُفِئَتِ النَّارُ، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّr، فَقَالَ: «لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا، إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ». عنْ أبي حازِمٍ، قال: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّr، قَالَ: «كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الْأَنْبِيَاءُ، كُلَّمَا هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وَإِنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ» ، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: «فُوا بِبَيْعَةِ الْأَوَّلِ، فَالْأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ». عن أُسَيْدِ بن حُضَيْرٍ، قَال لرجل من الأنصار: «إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ» .

سأَل سلمة بن يزيد الجُعفِيُّ رسول اللهِr، فقال: يا نبِيَّ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا، فَمَا تَأْمُرُنَا؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، فَجَذَبَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَقَالَ-r-: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ».

قال حذيفة بن اليمان: قلتُ: يا رسول الله، إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ، فَجَاءَ اللهُ بِخَيْرٍ، فَنَحْنُ فِيهِ، فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قُلْتُ: هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قُلْتُ: فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ؟ قَالَ: «نَعَمْ» ، قُلْتُ: كَيْفَ؟ قَالَ: «يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ» ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ؟ قَالَ: «تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ، فَاسْمَعْ وَأَطِعْ».

عن ابن عبَّاسٍ، يرويه، قَال: قال رسول اللهr: «مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ، فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا، فَمَاتَ، فَمِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ».

عن أُمِّ سلمة، زوج النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، عن النَّبِيِّr أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لَا، مَا صَلَّوْا» ، أَيْ مَنْ كَرِهَ بِقَلْبِهِ وَأَنْكَرَ بِقَلْبِهِ.

سَمِعْتُ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِr يَقُولُ: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» ، قَالُوا: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَلَا نُنَابِذُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، لَا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصَّلَاةَ، أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ، فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللهِ، وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ». فكان فيما أخذ علينا: أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله. قال: إلا أن تروا كفراً بواحاً، عندكم من الله فيه برهان”. زاد أحمد عن طريق عمير بن هانئ عن جنادة وإن رأيت أن لك في الأمر حقاً فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة.

وزاد في رواية حبان ابن النضر عند أبي حبان وأحمد “وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك”. 

قلت: ولهذا امتنع الكثير من الصحابة ممن أدرك زمن الحجاج من الخروج كأنس بن  مالك وعبدالله بن عمر، وكبار التابعين كالحسن البصري الذي قال: -في ثورة ابن الأشعث لما عرضوا عليه الخروج- إنّ الحجاج بلاء بسبب الذنوب، ودواؤه الاستغفار.-كما ذكر أبو عمر في الاستذكار-.

نحن أهل العقل!

 

كنا قد أشرنا في المقال السابق- (اي عقل واي عقلانية) -الى ضوابط وحدود العقل في الاسلام، في ظل الجدل العريض داخليا وخارجيا حول فقدان قيمة العقل لدى المسلمين، وبيّنا التناغم والتوافق، خصوصا فيما يتعلق بمجال العقائد، حيث يعتبر العقل دليلاً منتجاً منشئا.

ونكمل البيان بالقول إنه قد نجح المسلمون إلى حد كبير في وقت من الأوقات في إيجاد تساكن وتعايش بين العقل والفلسفة والدين والحياة الروحية.

وبعيداً عن هذا الجدل الفلسفي الذي قد لا يأتي بنتائج أو قد يتكلم به من يخالفه تطبيقاً وسلوكاً، فما هو موقف الإسلام من العقل؟

لقد كانت مسألة العقل من أهم القضايا الفلسفية التي شغلت المسلمين منذ القرن الثاني الهجري الى الثامن الميلادي، واشترك في الجدل حولها الفلاسفة والمتكلمون والأطباء والفقهاء، كما يقول الزركشي، ويمكن أن نضيف اللغويين المهتمين بالاشتقاق اللغوي وبالمعاني والمترادفات. وكل نظر إليه من زاوية الاستعمال الذي يخدم فيه.

وقد اختلفت الفرق في تعريفه إلى ألف قول كما يقول بعضهم. يمجد الإسلام العقل مرتبطاً بالفضيلة والأخلاق ويعطيه أكثر من اسم كلها تشير إلى حقيقته الراشدة وعلاقته بالحكمة.

فهو العقل والحجر والنُّهي وسمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن ارتكاب القبائح والرذائل؛ أي يمنعه من ذلك. وكذا سمي حجراً أيضا لأنه يحجر صاحبه أي يمنعه من ارتكاب الرذائل. ويفسر العقل أيضا بأنه نور روحاني به تدرك النفس الأمور أو العلوم الضرورية والنظرية. ويفسر العقل أيضا بأنه القوة التي بها يكون التمييز بين الحسن والقبح.

وعقل الشيء : فهمه، قال تعالى «مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون» وقال تعالى «لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون» «أَفَلَا تَعْقِلُون» «وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ » «وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُون» وأكثر معنى هذه الكلمة أي العقل في القرآن أن يكون الفهم والإدراك الصحيح أو ما في معناه «إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون» «قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ». واستعمل اللب جمعاً وأراد به العقل «يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون»، وكذلك القلب «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» والفؤاد «وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون» والنهى «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى». وفي المقولة المشهورة: أول ما خلق الله العقل وقال: وعزَّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم منك. بك آخذ وبك أعطي وبك أعاقب. وإن لم يثبت هذا القول عنه عليه الصلاة والسلام فإنه يشير إلى مكانة العقل عند المسلمين.

ـ الإسلام يجعل العقل مصدراً من مصادر المعرفة الأساسية. بل المصدر الأول المنتج في العقائد والإيمان وأحد المصادر الأربعة المؤسسة في التشريع الإسلامي، كما يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في مستصفاه.

ـ والعقل أحد الضرورات الخمس التي يقوم التشريع الإسلامي عليها، إلى جانب الدين والنفس والنسل والمال؛ هذه هي الكليات التي تحكم منظومة التشريع في الإسلام.

والعقل مناط التكليف والأمانة التي حملها الباري جل وعلا للإنسان بعد أن عجزت السموات والأرض والجبال عن حملها. وحرم الدين الإسلامي المسكرات وكلما يؤدي إلى تغييب العقل.

ولا يمكن تعارض نقل صحيح مع عقل صريح، وإلا قدم العقل الصريح الصحيح وحمل النقل على التأويل أو عدم الثبوت.

ودعا القرآن إلى إعمال العقل والفكر. عندما دعا إلى التدبر والتفكر في آيات الكون وآيات الوحي، وهي دعوة إلى اكتناه أسرار الخلق وحكم الأمر «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ»

لافتاً الى انتباه الإنسان إلى البرهان القائم في نفسه على نفسه من نفسه «وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون».

وفي الكون من حوله «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا» «مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ»،

وأمر بالتفكر في خلقه والتدبر في وحيه وأمره قال «أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ» وقال تعالى «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» وقال سبحانه وتعالى «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ» وقال جل وعلا «أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ» وقال تعالى «لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ». فالأمر بالتفكر والتدبر قد ورد بصيغة الخبر والاستفهام ليكون أبلغ في التقرير وأدعى إلى التفكير.

وإنما كان التفكير والتدبر وسيلة لاستكناه حكمة الخلق والمصلحة التي تتضمنها أحكام الحق.

إن هذه المميزات لا توجد في أي دين بهذا الوضوح والتماسك.

وانطلاقاً من هذا جاءت مقاصد الشريعة تمثل منظومة كاملة ترد الشريعة إلى أصول معقولة تصون مصالح الناس وتدرأ عنهم المفاسد، وذلك بعد أن استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غير الرازي. حسب عبارة الشاطبي.

وأما الاختلاف في التحسين والتقبيح العقليين والصلاح والأصلح بين الفرق الإسلامية، إلا دليل على مكانة العقل. وهو موضوع سنتحدث عنه لاحقاً.

فلا يوجد تعارض بين العقل والوحي؛ فالدين الإسلامي مثلاً لا يقبل الاستحالة العقلية المتمثلة في التثليث والتي تزعم أن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة، وأن الإله يحل في البشر.

فأيهما أحق بالعقلانية التثليث أم التوحيد.

وكثير من علماء اللاهوت الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام كان ذلك بسبب العقلانية التي وجدوها في الإسلام وما وجدوه في ديانتهم من أمور لا تتماشى مع العقل. إن الثورة الفرنسية 1793 عندما كانت تنظم طقوساً لتمجيد العقل والقضاء على العقائد والممارسات الكنسية، إنما كانت تعبر عن ضيقها بعقائد وممارسات غير عقلانية طبقاً لما كان يراه فلاسفة التنوير.

هكذا ولدت العلمانية.

فكيف يدعي بعد ذلك الانسجام بين الكنيسة الكاثوليكية والفلسفة الغربية العقلانية.

لنا عودة إلى الإرادة الإلهية ومذهب ابن حزم في المشيئة لإيضاح الحقائق.

 

 

*بالتعاون مع جريدة الشرق الأوسط (  الخميـس 24 شـوال 1427 هـ 16 نوفمبر 2006 العدد 10215 )


 

 

ما هي شروط العمل بالمصلحة المرسلة ؟

السؤال
 ما هي شروط العمل بالمصلحة المرسلة ؟
الجواب
أوّلا: أن تكون هذه المصلحة في خدمة مقصد من مقاصد الشريعة الثلاثة.

ثانيا: أن لا تكون ملغاة فإذا ثبت إلغاؤها فلا يُعتبر بها.

ثالثا: أن لا تخالف نصّا من الكتاب أوالسنّة أو إجماعاً أو قياساً.

فإذا خرجت المصلحة عن هذه الضوابط فإنّه لا يجوز العمل بها.

فإذا لم تكن المصلحة في خدمة المقاصد فإنّنا لن نميّز بين المصلحة التي يعتبرها الشرع والمصلحة التي لا يعتبرها الشرع فالمصلحة لا بدّ أن تخدم مقصداً وبخاصّة المقصد الضروري.

 

وفي هذه المسألة تفاصيل تراجع في كتب الفروع.

 

ابن بيه: عمل أهل المدينة حجة لدى الإمام مالك ومقدم على أحاديث الآحاد

شدد معالي الشيخ عبدالله بن بيه، على أن أصل سد الذرائع والمصالح المرسلة ليست مما يختص بمذهب الإمام مالك دون غيره، بل إنها لدى جميع الأئمة الأربعة، لكن على تفاوت في الاستدلال بها، معتبراً أن المالكية انفردوا بالأخذ بالعمل القُطري في تجديد مئات المسائل في المذهب بناء على الواقع المتغير .

 

وقال العلامة ابن بيه، خلال ندوة أقيمت مساء أمس الأول في المدينة المنورة بعنوان «الإمام مالك وأثره في الدراسات الفقهية»، متحدثاً عن أصول المذهب المالكي وخصائصها: إن أهم هذه الأصول -إضافة إلى الأصول المتفق عليها بين الأئمة الأربعة وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس- أصل سد الذرائع، وإن كان الإمام أحمد يشاركه في هذا الأصل مشاركة واسعة، مشيراً إلى أن بعض الباحثين ادَّعى اختصاص مالك بهذا الأصل، كما ادَّعى آخرون اختصاصه بالمصالح المرسلة مع عدم التسليم بهذه الدعوى، فنجد سد الذرائع كثيراً في مذهب الإمام أحمد، وكلهم يأخذ بسد الذرائع لأن منها ما هو مجمع عليه، مثل الذي جاء النصُّ عليه في الكتاب والسنة، أما المصالح المرسلة فإن كل الأئمة يصدرون حكماً دون ذكر مناسبة معينة وهذا هو المصلحة.

 

وأضاف: إن من أصول مالك أيضاً، عمل أهل المدينة، الذي يعتبره حجة ويقدمه على حديث الآحاد كما يقول المالكية، حيث اعتبر عمل أهل المدينة من باب التواتر خاصة في الأمور التي تعم فيها البلوى، لافتاً إلى أن حجية عمل أهل المدينة عند المالكية مجال واسع للبحث.


وأوضح العلامة ابن بيه  أن من أصول مذهب مالك أمراً دقيقاً وتوفيقياً وهو ما يسمى بمراعاة الخلاف، وهو ليس معروفاً لغير مالك، وقد يوجد عند بعض الأئمة حين يقولون: يُترك هذا مراعاة للاختلاف، وليس هو المقصود عند مالك، بل هو نوع من الاحتياط والورع، لكن مراعاة الخلاف عند مالك هي إعمال لازم دليل ذلك المذهب.

 

وبين أن مراعاة الخلاف فن من المرونة والتسامح في مذهب مالك، وهذا كله إعمال للمصلحة التي شهدت لها المقاصد، ولم يشهد لها أصل معين، مشيراً إلى أن مالكاً توسع في المصالح المرسلة، والاستحسان عنده من المصالح، حيث يُعرف الاستحسان عنده بأنه استثناء من قاعدة بناء على عُرف أو مصلحة.


وعرج العلامة ابن بيه على الحديث عن القياس عند مالك، وقال إنه يعمل به ويتوسع فيه، فيعمل مثلاً بقياس العكس، وقياس الشبه في حدود معينة، كما يعمل بالاستصحاب، ويتوسع في الاستحسان في حدود الدليل، ويأخذ بقول الصحابي كثيراً، بل يكاد يُخصص به عموم الكتاب والسنة، وكذلك له رأي ونقد في الحديث؛ فيأخذ بالبلاغات والمرسلات، منبهاً إلى أن مالكاً عندما يأخذ بالمرسل لا يأخذ به على العموم، بل ما ثبت عنده.

 

وشارك إلى جانب العلامة ابن بيه في الندوة، التي نظمتها الجامعة الإسلامية في مقرها ضمن فعاليات المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية وقدَّمها الدكتور عبدالسلام السحيمي، عضو هيئة كبار العلماء الدكتور قيس آل مبارك، الذي قال: يجب ألا يكون الحديث عن الإمام مالك مقتصراً عليه باعتباره إماماً من أئمة المسلمين فحسب، بل باعتباره أيضاً يمثل مدرسة فقهية من أربع مدارس بها قوام الفقه في الشريعة الإسلامية، «لأن فقه الكتاب والسنة هو فقه المدارس الأربعة».

حضر الندوة اللواء فيحان ناصر العتيبي والعميد صالح الغامدي والشيخ علي الحذيفي إمام الحرم النبوي الشريف ورعى الحفل معالي مدير الجامعة الإسلامية الدكتور محمد بن علي فراج العقلا وعدد من وكلاء الجامعة وحضر الحفل عدد من طلاب الجامعة الإسلامية.

 

 

 

العلامة ابن بيه يحاضر عن «الإمام مالك وأثره في الدراسات الفقهية» في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

ضمن فعاليّات المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية 2013م، تنظّم الجامعة الإسلامية ندوة علميّة بعنوان «الإمام مالك وأثره في الدراسات الفقهية»، يشارك فيها كل من ومعالي العلامة عبدالله بن محفوظ بن بَيّة رئيس المركز العالمي للتجدي والترشيد,ومعالي الشيخ الدكتور قيس بن محمد آل مبارك عضو هيئة كبار العلماء ، وذلك في الحادي عشر من شهر ذي القعدة بقاعة الملك سعود بالجامعة. وتأتي الندوة ضمن سلسلة ندوات تعقدها الجامعة ضمن فعاليات المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية حول أئمة المذاهب الأربعة وأثرهم في الفقه الإسلامي.

خطاب استقالة العلامة عبد الله بن بيه من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله   وصحبه 

 

فضيلة أخي الدكتور / علي محي الدين قره داغي          حفظه الله تعالى

الامين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين 

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

وبعد، فإنني أجد من المناسب أن أحيط فضيلتكم علماً بأن ظروفي الخاصة والدور المتواضع الذي أحاول القيام به فى سبيل الاصلاح والمصالحة مما يقتضي خطاباً لايتلائم مع موقعي فى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وبناء عليه فإنني قررت الاستقالة من وظائفي فى الاتحاد راجياً إبلاغ الرئيس الموقر وأعضاء مجلس الأمناء المحترمين بهذا القرار شاكر لكم ولجميع إخواني فى هيئات الاتحاد ولأعضاء الجمعية العامة الثقة الغالية التى أقدرها حق قدرها.

راجياً منه تعالى أن يمن علينا وعليكم بالصحة والعافية والتوفيق والتسديد، وأن يصحبنا بلطفه إنه سبحانه وتعالى اللطيف الخبير، وأن يحسن عاقبتنا فى الأمور كلها إنه على كل شيء قدير وأن يرحم الأمة المحمدية برحماته المباركات الطيبات.

 

حفظكم الله ورعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

                                               أخوكم المحب

 

 عبدالله بن بيـّـه 

 

 

العلامة ابن بيه : مشروعي في الإصلاح والمصالحة يقتضي مني خطابا لا يلائم موقعي في الاتحاد ..واشكر أعضاء الهيئات القيادية لثقتهم

قدم  نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين  العلامة عبد الله بن بيه استقالته من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين . وقال العلامة ابن بيه في رسالته إلى الأمانة العامة ان ظروفه الخاصة وما سماه “مشروعه  في سبيل الإصلاح والمصالحة يقتضي منه خطابا لا يلائم موقعه في الإتحاد . الا ان العلامة ابن بيه وجه شكره لأعضاء الهيئات القيادية في الاتحاد على الثقة التي منحوه اياها خلال نيابته لرئيس الاتحاد عبر السنوات الماضية . كما توجه الى الله بالدعاء راجياً منه تعالى  “أن يصحب الجميع  بلطفه  وأن يرحم الأمة المحمدية برحماته المباركات الطيبات”

 

   **نص الخطاب** 

تعزية في الشيخ الكريم اعلي الشيخ ولد امم

بلغنا نبأ وفاة أحد الأعلام والشيوخ الكرام الشيخ اعلي الشيخ ولد امم ولد   ولد الشيخ محمد تقي الله رحمه الله تعالى، وهذا الشيخ الفاضل من الشجرة الفاضلية التى أثمرت أقطاباً فضلاء وأعلاماً علماء. ومن أبرز مكارم الشيخ الكثيرة أنه يجزل العطاء ويتحف بالبركة والدعاء كل مريديه ومرتاديه وهم كثر فنسأل الله تعالى أن ينزل البركة فى الخلف كما بارك فى السلف وأن ينزلنا واياه فسيح جناته  

 

عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

العلامة ابن بيه يعزي في الغياثي الكويتي عبد الرحمن السميط ويقول : كان مثالا للإخلاص والتفاني

قدم  العلامة عبد الله بن بيه تعزيته في رحيل الداعية الشهير ورجل الإغاثة المعروف الدكتور الكويتي عبد الرحمن السميط . حيث صرح الشيخ ابن بيه عبر حسابه في تويتر وفيس بك  قائلا : رحم الله الكتور عبد الرحمن السميط كان مثالاً للإخلاص والتفاني . وعرفناه منذ ٣٠ سنة داعياً لا يكل و غياثياً لا يمل، يدعو بأفعاله قبل أقواله على رأس هيئة الإغاثة الإفريقية التي أنشأها. وذكر العلامة ابن بيه ان الفقيد “كان يطوف إفريقيا من شرقها لغربها يطعم الجوعى و يداوي المرضى ولا يفرق بين مسلم و غيره”

العلامة ابن بيه يشارك في المؤتمر 16 لمؤسسة آل البيت ويبحث مع العاهل الأردني الظرف الراهن في العالم الاسلامي

شارك الدكتور عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه ، رئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد –جي سي ار جي- في المؤتمر العام السادس عشر لمؤسسة آل البيت الملكية للفكر الإسلامي، الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان، خلال الفترة من 19 إلى 22 أغسطس الجاري، تحت عنوان “مشروع دولة اسلامية معاصرة قابلة للاستمرار ومستدامة ” وشارك فيه العشرات من كبار العلماء من انحاء العالم الاسلامي.

هذا وقد رأس سماحته الجلسة الأولى من المؤتمر والتقي بالعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وكبير مستشاري جلالة الملك للشؤون الدينية والثقافية والمبعوث الشخصي لجلالته سمو الأمير غازي بن محمد حيث جرى التشاور في أحوال العالم الاسلامي والظروف الراهنة.

الشيخ عبد الله بن بيه مفخرة موريتانيا والمسلمين

 لقد كتب على البلاد الصغيرة أن تكون مجهولة في الخارج حتى من بعض النخب سيما إن كانت تلك البلاد في الأطراف وغير منتسبة إلى نادي مصدري البترول والغاز. لذا وجب على أهلها تدبير سياسة تواصل مع محيطها الطبيعي. وقد يساهم في تلك السياسة فوز الفريق الوطني في كرة القدم، أوالمشاركة في مسابقة أمير الشعراء، أوسياسة إعلامية هادفة عبر القنوات الفضائية المتعددة، الخ  .

ولكن يبقى أن هناك كنوز من العلم والعلماء في أرض المنارة والرباط لم نحسن بعد استغلالها وهي كفيلة برفع علم البلاد خفاقا في ركب الحضارة والمعرفة  !

فمن هذه الكنوز-علي سبيل المثال – العلامة الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، مفخرة موريتانيا وكل المسلمين.

إن الشيخ غني عن التعريف فهو نشأ في أحضان والده العالم الشيخ المحفوظ في بيت عريق في العلم والصلاح حيث تعلم القرآن والمتون الفقهية واللغة العربية حتى نهل من كل ما كان متداولا في الجامعات الشنقيطية، ويكفيه تعلما أن يحضر مجالس والده التي كانت عامرة بالعلم والمذاكرة والفتيا.

ومن أساتذة الشيخ في اللغة العربية محمد سالم بن الشين الحسني واصله من الغرب الموريتاني هاجر إلى منطقة الحوض فأحبه العلماء والوجهاء هناك وأقبلوا على الاستفادة منه.

كان رحمه الله آية في حفظ اللغة و النحو؛ له تأليف على الفعل الثلاثي وتكملة لاحمرار الحسن بن زين ومن شعره :

حين خلت من أهلها الأطلال

وقعدت تنشد فيها الحال

أمربع الغصن أذى أعلامه؟

لا هو هو لا ولا أيامه .

وكان يحث طلبته على العلم كقيمة أساسية :

ولوحك إن لوحك خير إلف

يزينك في المحافل والخطوب

في هذا الجو الذي اجتمعت فيه العلوم الشنقيطية من غربها إلي شرقيها، نشأ الشيخ وكل الآمال معلقة على أن يخلف والده في العلم و الصلاح,  لذا كانت تربيته محاطة بقدر كبير من الاهتمام.

سمعت والدي – رحمه الله – يقول إن للشيخ عبد الله في صباه محاولات شعرية كان الطلاب يعرضونها على الشيخ المحفوظ فينتقدها حتى جيء إليه يوما بأبيات قالها الفتى فاستحسنها الشيخ و اعترف: “الآن قال صاحبكم الشعر“.

وهل ينبت الخطي إلا وشيجه

وتغرس إلا في منابتها النخل !

وتنال البلاد استقلالها ثم يذهب الشيخ في بعثة إلى تونس للتكوين مع قضاة الدولة الفتية.

ولاشك أن هذا المقام الناجح كان فرصة للإلمام بعلوم الزيتونة والانفتاح على جديد الساحة الثقافية الإسلامية.

وبعد رجوعه من هذا التكوين، بدأ الرجل مشوارا طويلا في الخدمة المتفانية في مصلحة البلاد متدرجا من رئاسة مصلحة الشريعة في وزارة العدل إلى عدة مناصب وزارية وسياسية جعلته الشخص الثاني أو الثالث في قمة الهرم.

وخلال هذه الفترة شارك الشيخ مع الرعيل الأول في إنشاء دولة حديثة، فما قصروا جزاهم الله خيرا. ولقد كان من إسهاماته البارزة إنشاء وزارة الشؤون الإسلامية والمشاركة في تعريب التعليم وإصلاح النظام القضائي وجعله يتماشى مع الشريعة الإسلامية.

وبعد عقد من التقلب في الوظائف السامية خرج الشيخ من الحكومة ولم يحصل من هذه التجربة على ثراء مادي وإنما على عزة واحترام ومحبة من القاصي والداني وهنا نكتفي بشاهدين عدلين عرفاه عن قرب.

لقد شهد المرحوم الرئيس المختار ولد داداه في مذكراته على أنه “في جميع الوزارات التي قادها برهن عبد الله ولد بيه على الوطنية والجدية والفاعلية و الشجاعة”. ما أجملها من شهادة !

أما صديقه المرحوم لمرابط محمد سالم بن عبد الودود – وما أدراك من هو ! – فيقول فيه :

يا مرحبا بالشيخ عبد الله

من لا نزال به الشيوخ نباهي

من ذا يضاهي الشيخ في تقواه، في إحسانه، في بذله للجاه

في فهمه، في فقهه، في عمقه،

في أفقه، في عرفه بالله

فرد يجول الفردبين صفاته

فيحار بين نظائر أشباه

إن جئت تحصي ما حواه من العلا

ألفيت ذاك ليس بالمتناهي !

لقد تعرف الشيخ خلال وزارته على المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز حيث رافقه خلال زيارته الرسمية إلى موريتانيا عام 1972م فنشأت بين الرجلين علاقة مودة واحترام .

والشيخ عبدالله حائز على وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الممتازة. وللتذكير فإنه كان للملك فيصل رحمه الله عطف خاص على شنقيط وعلمائها تجسد في مواقف تاريخية لاتنسى ،جعلها الله في ميزان حسناته .

لقد كان من حسن حظ العلم وأهله أن خرج الشيخ عبد الله من العمل الحكومي فتفرغ لكتبه وطلابه وبحوثه، فحضر الندوات والمؤتمرات، وحصد الأوسمة والجوائز، وشارك في المجامع الفقهية وعشرات المنظمات والجمعيات الإسلامية، وألف الكتب والبحوث في شتى المجالات .

وهنا يضيق المقام عن سرد كل مؤلفات الشيخ ، غير أنا سنقتصر في الإشارة إلى بعضها في الأصول والفتيا: مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات، صناعة الفتوى وفقه الأقليات، مشاهد من المقاصد، علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه، وإثارات تجديدية في حقول الأصول.

إن الله وهب للشيخ أن يسره لتجديد أصول الدين وهو عمل بدأه منذ سنين ومازال متواصلا. عسى الله أن يمده في عمره وأن يرزقه الصحة حتى يتم مشروعه.

وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائلإن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها )رواه أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة(.

وأنت إذا سمعت الشيخ عبد الله يحاضر في الأصول انبهرت لسعة علمه. فالرجل يأخذك في جولة بين علماء هذا الفن متجاوزا كل الفوارق المذهبية من الإمام الشافعي -مؤلف الرسالة- وحتى محمد الطاهر بن عاشور، مرورا بالأبهري، والباقلاني، وإمام الحرمين، والآمدي، والرازي، والباجي، وابن الحاجب، والقرافي، ومدرسة الأحناف)الشاشي، والجصاص، والدبوسي،والبزدوي(، و ابن القيم، وشيخه ابن تيمية، وغيرهم .

غير أنك تشعر بعلاقة خاصة بين الشيخ عبد الله وأبي حامد الغزالي إذيأخذك من المستصفى إلى شفاء الغليل في القياس والتعليل إلى المنخول إلى الإحياء. لايعادل ذلك إلا استحضاره واستشهاده من الموافقات والاعتصام. وكيف لا وهو شيخ المقاصد وتحقيق المناط بلا منازع على خطى أبي إسحاق الشاطبي. فكثيرا مايقول: -بكل تواضع – ” أنا شاطبي”. لكن المصادر الحقيقية للشيخ إنما هي بالأساس كتاب الله الذي يعرف ناسخه ومنسوخه ويورد شروحه حسب مختلف القراءات، والسنة النبوية التي يعرف تفاصيلها، وتفاصيل إجماع الصحابة واجتهادهم بالرأي عالما بأسباب الاختلاف بين الصحابة والتابعين وتابعي التابعين رضي الله عنهم أجمعين؛ وهذا الفقه مهم جدا في الاجتهاد واستنباط الأحكام في النوازل المعاصرة استنادا إلى فتاوى الصحابة والأئمة سيما لمجتهد ورع مثل الشيخ الذى دائما ما يقول إن تجديدنا محكوم بضوابط النقل وليس كتجديدهم الذي لا رقيب عليه. ومن ذلك قوله:”إن المراجعة ليست مرادفة للتراجع، وإن التسهيل ليس مرادفا للتساهل، وإن التنزيل ليس مرادفا للتنازل “فالعملية دقيقة لابد لها من عالم رباني مؤتمن على دينه لا تأخذه في الله لومة لائم، لايفتى بالأهواء ولا حسب الطلب،عالم رباني يساعد المسلمين على مواكبة العصر بدون أن يكون ذلك على حساب دينهم.

ووعيا لهذه المخاطر فقد اختط الشيخ للإصلاح”منهجا فريدا جامعا بين إرشاد الوحي وسداد العقل، أصيلا في منطلقاته، حديثا في تناولاته، مستوعبا أصول التعاطي مع الكتاب والسنة في منطوقهما ومفهومهما، في معانيهما ومعقولهما”، واضعا نصب عينيه أهمية الكليات المؤسسة على نصوص الشريعة ومقاصدها ، وعلى مصالح الناس والظروف الزمكانية؛ إنه تحقيق المناط الذي هو “عبارة عن البحث عن الواقع، وملاحظة هذا الواقع حتى نطبق عليه حكم الأصل” أو قل هو “تشخيص القضية من حيث الواقع فإذا كانت عقدا يكون ذلك بالتعرف على مكوناته وعناصره وشروطه”، وهوبكل بساطة”وسيلة تنزيل الأحكام الشرعية على الوقائع“.

إن هذا المشروع التجديدي ساعد فيه إنشاء المركز العالمي للتجديد والترشيد في لندن الذي قام بعدة أنشطة من أجل “صياغة المفاهيم الفقهية الجديدة على ضوء الواقع المتغير من الذرة إلى المجرة” حسب تعبير الشيخ.

وهذا يدخل في إطار الاجتهاد بتحقيق المناط (فقه الواقع والتوقع ) الذي يدور حول ثلاثية :البيان (حقيقة الواقع ) والبرهان (الكتاب والسنة وعمل سلف الأمة ) والعنوان(المنهجية الأصولية) إذ لا بد من تخريج العلة قبل الحكم ولا بد من الاستعانة في تشخيص الواقع بالخبراء من جميع المجالات : الطب، الاقتصاد، علم الاجتماع، الخ.

وبهذه المنهجية يمكن للمجتهد أن يبعث روحا جديدة في كل مجالات الفقه سواء المتعلقة بقضايا الأمة أو قضايا المال والاقتصاد أو الحياة الشخصية للأفراد، ومن أكبر الانجازات فتاوى الشيخ في فقه الأقليات حيث أنه نبه جزاه الله خيرا إلي ضرورة تبيين الأحكام للأقليات المسلمة النازحة ،المعرضة لخطر طمس الهوية والذوبان في مجتمعات غير إسلامية.

لقد أصل العلامة لقواعد فقه الأقليات : قاعدة التيسير، تغير الفتوى بتغير الزمان، تنزيل الحاجة منزلة الضرورة، العرف وتحقيق المناط، النظر في المآلات، وتنزيل جماعة المسلمين منزلة القاضي .. اسمعه يعلل قاعدة التيسير فيقول:”إنما ذلك شفقة على هؤلاء المسلمين الذين تدعو حالهم العلماء ليبحثوا لهم عن مخارج، حتى لا يرتكبوا الحرام المحض بلا بردعة، أو يتجشموا مشقة الحرمان من معايشهم في أمر لهم من الشرع فيه سعة“.

وخيرمعين على فهم مقاربة الشيخ هو قراءة كتابه الأخير “إثارات تجديدية في حقول الأصول”إذ يعطيك المادة (القرآن والسنة وفتاوى الصحابة واجتهاداتهم واللغة والعقل والفقه وعلم الكلام)، والصورة (مجيبا على الأسئلة : ماذا ؟ لماذا ؟ وكيف ؟)،والغاية (الاستنباط والانضباط )،والعنصر الفاعل أي المجدد أو المجتهد.

أما في قضايا الأمة، فللشيخ نظرة تجديدية رائدة في مجال حقوق الإنسان والعلاقات الدولية وقد ألف كتاب “حوار عن بعد حول حقوق الإنسان في الإسلام” وكان الشيخ من المنظرين لحقوق الإنسان في الإسلام انطلاقا من النظرة المقاصدية الشاطبية (الموافقات في أصول الشريعة )؛ وما المقاصد الضرورية الخمس ســـوى حفظ الدين والنفس والنسل والمال والعقل.

وقد أصدر الشيخ سنة 2000م كتاب “فتاوى فكرية” يشتمل على بحوث و مساهمات عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والقيم الإنسانية المشتركة.

أما في العلاقات الدولية بمفهومها العام فيمكن أن ندرج تحتها كتابي : “الارهاب، التشخيص و الحلول”، و”خطاب الأمن في الاسلام و ثقافة التسامح والوئام“.

وهنا يجب ان نشيد بدور الشيخ في ” إطفاء حرائق العالم ” وذلك بإعطاء صورة معتدلة وحكيمة عن الإسلام في زمن الإرهاب و التكفيريين.

وفي هذا المضمار قام الشيخ بإبطال فتوى ماردين التي أساء التكفيريون فهمها فقسموا العالم إلي دارين وبنوا نظرية الولاء والبراء علي أسس خاطئة.

فالولاء لم يعد علي أساس ديني وإنما علي أساس المواطنة، كما أظهر الشيخ أيضا أن تأويلهم لآيات الحكم بما أنزل الله (ومن لم يحكم بماأنزل الله فأولئك هم الكافرون…) هو تأويل فاسد، فمقدمتهم الكبرى غير صحيحة فليس كل كافر يجب قتاله وليس كل من والى الكفار يجب قتاله.

ومن حكمة الشيخ أنه يعطي دورا أساسيا للحوار وأخلاقه سواء بين الفرق الإسلامية المتصارعة أو بين المسلمين وغير المسلمين وهذا مايسميه ضرورة “أدب الحوار”. و”تحالف القيم” هناك قيم مشتركة سماوية وإنسانية يجب على “أولي بقية”من كل فريق أن يبحثوا عنها مثل : قيمة العدل، الإحسان، الوفاء، الصدق، منطق التعاون بدل تنازع البقاء، التسامح

و لقد أصبح الالتفاف حول القيم المشتركة ضرورة نظرا للشعور بالخطر أمام القدرة التدميرية التي أتى بها التطور التكنولوجي المذهل و الناس في “سفينة واحدة” تتلقفها أمواج عولمة أذابت الحواجز و الحدود و المسافات.

فبالرجوع إلى الفهم الصحيح لشريعتنا نتصالح مع أنفسنا و مع العالم لأن الشريعة “تغرس شجرة القيم التي تثمر الحكم على الأشياء و على التصرفات بالحسن و القبيح، وبأنها حق أو باطل”، ولأن الإنسان سواء كان مسلما أو غير مسلم هو أخوك كماهو المقصود في “أن تحب لأخيك ما تحب لنفسك“.

هذا، و لم يكف الشيخ عن “دعوة الغربيين إلى إعادة النظر في العلاقة بالعالم الإسلامي على ضوء القيم لإيجاد تعايش أكثر إسعادا للجميع لأنه أكثر أخلاقية و أكثر ذكاء و سخاء“.

و لم تقتصر جهود الشيخ التجديدية على القضايا السياسية والاجتماعية بل له عدة بحوث في المعاملات المالية مع انتقاده للشطط في الفتاوى المصرفية، فهناك كتاباه : “سد الذرائع و تطبيقاته في مجال المعاملات”، و”توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال“.

هذه نبذة مختصرة عن فكر الشيخ و إسهاماته الغنية التي لا يمكن أن يحيط بها مقال وجيز .

لقد انبهر الغربيون لما اكتشفوا هذا العالم الرباني يحاورهم بالتي هي أحسن، بالحكمة و الموعظة الحسنة، وهو الشخصية المحورية في منتديات حوار الأديان، فاهتم به الإعلام و اهتمت به الدوائر الرسمية، تابعوا بكل احترام دعوته لاتخاذ قرار من الأمم المتحدة يجرم المس بالمقدسات الدينية و يحرم إثارة مشاعر الناس، تابعوا فتاواه في المجامع الفقهية، ومواقفه كنائب رئيس للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، و تابعوا بكل اهتمام الحركة الإصلاحية التي يقودها الشيخ من خلال أنشطة المركز العالمي للتجديد و الترشيد .

قاموا بالبحث عن مدى تأثيره فوجدوه من الشخصيات الإسلامية الأكثر حضورا في العالم، ولما قاسوا ذلك على سلم العولمة وجدوا له أكثر من 100 ألف متابع على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” يتوزعون على أكثر من تسعين دولة، إذ ذاك فتحت أمامه الأبواب العصية و لقد كان حدثا تاريخيا حقا أن يحاضر عالم موريتاني عن العدل و يحمل هموم الأمة الإسلامية بأكملها في داخل البيت الأبيض الأمريكي، قلعة أولى القوى العالمية .

و ليس الغربيون وحدهم من يحترم الشيخ و يعترف بقدره، فهذا الجامع الأزهر يستضيفه لإلقاء المحاضرات فيجلس شيخ الجامع في صفوف الطلاب تواضعا و إكراما للضيف، وهاهم المالكيون في المغرب العربي يهرعون إليه في كل نازلة فقهية، وهاهم السلفيون فهموا أن تصوفه إنما هو “البحث عن الكمال و الحب و التشوق إلى الله”-كما كان سيدي أحمد زروق-، يقول عنه عادل بن عبد القادر قوته : هو “العلامة الكبير، عيلم العلم الزاخر و بدر العلماء الزاهر، مرجع المشكلات المحقق الموفق، من لا يسبر غوره، و لا ينال دركه“.

و نظرا لكل ما تقدم فإننا نعتبر الشيخ بحق مفخرة لموريتانيا و لكل المسلمين و كيف لا نفخر به ونحتفل بعلمه وهو من هووالعلماء ورثة الأنبياء.

إننا ندعوا الأساتذة إلى الاهتمام بتدريس فكر الشيخ و توجيه بحوث الطلاب إلى ذلك، فهم جيل الغد، كما نرجو من أقلام الإعلام أن تبرز هذا الإسهام الوطني المتميز.

و قد يكون من المفيد أن تجتمع عندنا الثقافة و الشؤون الإسلامية تحت مظلة واحدة فالثقافة بدون بعدها الإسلامي تظل ناقصة و الشؤون الإسلامية هي الثقافة أو لا تكون؛ و ربما كان في ذلك عقلنة و عدم تبديد في الجهود .

و لم لا نقوم بمبادرة دولية يحملها الشباب على الشبكة من اجل ترشيح الشيخ لجائزة نوبل للسلام؟؟؟

إنه أهل لذلك و كل تكريم له هو تكريم لموريتانيا و شعبها وعلمائها.

 

 

 

العلامة ابن بيه متحدثا في احتفالية “يوم زايد للعمل الإنساني”: كان الشيخ زايد يتصف بالسماحة والتسامح وعدم التعصب

شهد العلامة عبد الله بن بيه مساء الأحد الموافق 19 من رمضان ، احتفالية ” يوم زايد للعمل الإنساني” التي أحيتها الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف

وقال فضيلة الشيخ عبدالله بن بيه إن  ذكرى رحيل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان هي ذكرى عبرة ووقوف مع الذات والتاريخ، وهذه العبرة قد تكون وقفة مع النفس حتى تتعلم الأجيال من الأخلاق العطرة والحكمة العظيمة التي كان يتصف بها الزعماء والمؤسس المغفور له الشيخ زايد .

وأضاف: وكان المغفور له الشيخ زايد محترما من طرف الرؤساء والزعماء جميعا ومحبة الناس وكان يتمتع بهيبة ووقار والتواضع المتسامي ويتصف بالسماحة والتسامح وعدم التعصب، مشيرا الى انه خلال زيارة المغفور له  عام 1975 الى موريتانيا حل ازمة الطريق الذي يصل بين مناطق موريتانيا الممتدة على مساحة مليون كيلو متر مربع والمعروف بطريق الأمل .

وأشار إلى حرص واهتمام المغفور له الشيخ زايد بمذهب الإمام مالك، وطلب لذلك الأمر علماء وشيوخ من موريتانيا لتأصيل المذهب المالكي وبدأ في المشروع ليكمله أبناؤه حيث خرجت مؤخرا معلمة زايد في الفقة الإسلامي في 40 جزءاً .

وخاطب أبناؤه قائلاً: “أنتم أثره والشجرة المثمرة والطيبة لا يخرج منها إلا شجر طيب، فأنتم تواصلون العمل الإنساني وتواصلون فيه في أفريقيا وآسيا وغيرها، وورثتم عنه الشجاعة والسماحة والتسامح”.

العلامة عبد الله بن بيه متحدثا عبر قناة ابوظبي: الاختلاف الذي ينشا عنه البغي هو الاختلاف المذموم.

أبوظبي – خاص

استضاف برنامج “وذكر” العلامة عبد الله بن بيه  ليتحدث عن موضوع ” أدب الاختلاف كما يقرره الاسلام ” عبر قناتي ابو ظبي الاولى و ابوظبي الامارات. في بدأ الحلقة  عرف  العلامة عبد الله بن بيه الاختلاف بأنه  التباين والتغاير في وجهات النظر. كما فرق معالي الشيخ ابن بيه بينه وبين الخلاف قائلا : الخلاف ينصب على الشخص والاختلاف على الفكرة والرأي.  وأكد الدكتور ابن بيه أن الاختلاف في حقيقته وجوهره قد لا يكون سيئا . الا أن أضاف : أن الاختلاف الذي ينشا عنه البغي هو الاختلاف المذموم. وفي اثناء الحلقة اجاب معالي الشيخ على استفسارات جمهور المتصلين المتعلقة بشهر رمضان والصيام.

معالي العلامة ابن بيه يزور الامارات ويحيي مجموعة من المناشط العلمية

قادما من المملكة المغربية وصل  العلامة عبد الله بن بيه  اليوم الخميس الموافق 16 رمضان 1434 ه إلى دولة الامارات العربية المتحدة للمشاركة في البرنامج الرمضاني للعلماء ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة، حيث كان في استقباله في مطار أبوظبي الدولي الدكتور محمد مطر الكعبي، مدير عام الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف وعدد من العلماء والمفتين في الهيئة والمركز الرسمي للإفتاء. ورحب الدكتور الكعبي بالعلامة بن بية، مقدراً استجابته لدعوة وزارة شؤون الرئاسة ليحل ضيفاً على مجتمع دولة الإمارات العربية المتحدة، ويشارك في برنامج العلماء ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة خلال شهر رمضان المبارك، جرياً على السنة الحميدة التي أرساها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه ، ومن المناشط التي سيحيها فضيلته مايلي 

يوم الجمعة: 17رمضان

الساعة 4:45 عصرا   – برنامج  ” وذكر ” على قناة الامارات  

بعنوان  : أدب الإختلاف : ضوابط واحكام

 

 

العلامة ابن بيه يصل الرباط لحضور مجلس الدروس الحسنية

وصل العلامة عبد الله بن بيه الى الرباط  لحضور مجلس الدروس الحسنية بدعوة من المملكة المغربية. وكان العلامة عبد الله بن بيه قد القى في سنة ماضية احد هذه الدروس بين يدي العاهل المغربي محمد السادس بعنوان “تحالف القيم بين الشعوب”