عبدالله بن بيه: الفتوى في زماننا همّ عالمي خطرها عظيم وأجرها عظيم
17 سبتمبر 2008 ، 17 رمضان 1429هـ،
شهد الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في قصر سموه بمنطقة البطين في أبوظبي الليلة قبل الماضية محاضرة بعنوان «الفتوى في عصر العولمة» ألقاها الشيخ العلامة عبدالله بن بيه رئيس المركز العالمي للترشيد والتجديد في بريطانيا وذلك في إطار برنامج المحاضرات والأمسيات الفكرية التي ينظمها مجلس سموه طوال شهر رمضان المبارك وقدم لها الدكتور محمد مطر الكعبي مدير عام الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف.
وأكد المحاضر أن ما أنجزته دولة الإمارات العربية المتحدة في إنشاء مركز متخصص للإفتاء يعد خطوة في الطريق الصحيح لرد الأمة إلى معين الدين «معين الفتوى» وتجنب مخاطر الفتاوى التي تطل علينا عبر بعض الفضائيات وممن يتجرؤون على الفتوى في غير وجه حق ومشيدا بتعاقد الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف مع عدد من المفتين لمدة عشرين عاما لما في ذلك من خير للأمة الإسلامية. وذكر أن الأمة وقادتها يهتمون بالهم الديني ويستنطقون العلماء من خلال توجيه الأسئلة لهم وينتظرون منهم تقديم الحلول وخاصة في عصر العولمة وما يحمل من تقدم علمي في كافة المجالات مشيرا إلى أن الفتوى تصنف بأنها إخبار أو ترجمة أو توقيع عن الله سبحانه وتعالى والمسلم بحاجة ماسة لمن يفتيه في دينه وينور طريقه لا يسدها في وجهه.
ودعا الحكومات إلى إنشاء مراكز متخصصة للإفتاء وتدريب المفتين الأخيار والتعاقد مع بعض المفتين المتميزين لسنوات لحين تأسيس جيل قادر على الفتوى والتعاون مع المراكز المرموقة في العالم والمشهود لها بذلك الأمر.
واستشهد بعدد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة التي تؤكد مكانة الفتوى والمفتي قال تعالى «وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ اللاَّتِي لاَ تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الوِلْدَانِ وَأَن تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِهِ عَلِيماً» وقال تعالي «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ».
وقال المحاضر الفتوى في هذا الزمان أصبحت هما عالميا ويربط بينها وبين الإرهاب ويقال وراء كل عمل إرهابي فتوى ويشاع في بعض الدوائر الأمنية في العالم ومنها بالتحديد الفرنسية قول «قل لي من يفتيك أحدد من أنت». وذكر العلامة الموريتاني أن العولمة أدخلت للعلماء إشكاليات عدة للاجتهاد ومنها: الاستنساخ ، موت الدماغ ، تغير الجنس ، أطفال الأنابيب ، الرحم المستعار ، زراعة الأعضاء وبطاقات الائتمان والتأمين على الحياة وغيرها من الموضوعات التي يخبيها الزمن للمفتين مشيرا إلى أن الفتوى التي قد تصلح للغرب لا تصلح للشرق.
وعدد بعضا من حالات الفتوى ومنها مسألة ولاية المرأة وزواجها من غير المسلم والتضخم والأسهم والسندات وبيوع البترول والانتخابات والمعاهدات الدولية وشار الطائرات وما يلزمها من تأمين وأعمال صيانة والجهاد والمحطات الفضائية وما تبث مشيرا إلى أن بعض هذه القضايا لم تكن تطرح على الفقهاء في زمن الصحابة والتابعين. وحذر من مخاطر الفتاوى التي تبث على الفضائيات رافضا ما أفتي به مؤخرا حول جواز قتل أصحاب الفضائيات التي تبث المجون واللهو ولا تخدم الأمة وقال لو فتحنا باب القتل لن نستطيع إغلاقه وسوف ندخل الأمة في أمور جدلية نحن في غنى عنها.
وأشار إلى أن الفتاوى غالبا ما تحظى بالرواج والأهمية وخاصة في مناطق التوتر من العالم كما هو الحال في كل: من فلسطين ، العراق ، لبنان ، أفغانستان ، باكستان داعيا إلى إعادة الهيبة للمفتين من خلال مؤسسة الحكم لضمان سلامة المفتي وصحة الفتوى وتقديم المفتي للعدالة والقضاء في حال تسببت فتواه في إزهاق أرواح الأبرياء.
ودعا العلماء والمفتين للتوسع في فهم العلوم الشرعية واللغة العربية وأصول الفقه ومختلف العلوم الأخرى وتبادل الخبرات والفتاوى بين المختصين قبل بثها للجمهور داعيا للتدرج في الفتوى على أن ترجع الفتاوى المتعلقة بالأمة إلى المراجع الفقهية في العالم الإسلامي مع الإلمام بفقه الأقليات وتقدير حال الناس وخاصة المسلمين الذين يقيمون في دول الغرب ومنها وسائل الولاء والمشاركة في الانتخابات وزواج المسلمات من غير المسلمين والطلاق وحقوق الأطفال والسفر دون المحرم.
وأكد المحاضر على أهمية تقديم الفقه الميسر الذي يراعي أحول الأمة مستشهدا بإيقاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعقوبة إقامة الحد مؤكدا على أهمية توحيد مراكز الفتوى وأن يمارسها أشخاص ضمن مستويات وتخصصات لا تقل عن ثلاثة مستويات ومنها ما يتعلق بشؤون الدولة كالحرب والسلم والمعاهدات الدولية والأخرى بشؤون المجتمع ومنها الاقتصاد والبنوك والمعاملات المالية والشركات الجانبية والثالثة ما يتعلق بشؤون الأسرة مثل قضايا الزواج والطلاق وحضانة الأطفال وخلاف ذلك من فقه النساء.
واختتم المحاضر حديثه بالرد على أسئلة واستفسارات الحضور وتقديم نبذة عن مؤلفه «الإرهاب: التشخيص والحلول» مشيرا إلى عدم التوصل إلى تعريف محدد بالإرهاب مما يفتح المجال لتقيد حرية أشخاص أبرياء ويحاكم آخرين دون توجيه الاتهام لهم من قبل بعض دوائر الأمن العالمية.
حضر المحاضرة الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد وزير الداخلية والشيخ سرور بن محمد آل نهيان وسمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم ومعالي الشيخ أحمد بن حامد المستشار الخاص لصاحب السمو رئيس الدولة ومعالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي والبحث العلمي ومعالي الشيخ حمدان بن مبارك آل نهيان وزير الأشغال العامة والشيخ سلطان بن طحنون رئيس هيئة السياحة في أبوظبي وعدد من الشيوخ والوزراء ورجال الأعمال وسيدات المجتمع والمدعوين من ضيوف صاحب السمو رئيس الدولة العلماء والعاملين في الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف وحضور المجلس.