فقه تغيير المنكر – حوار مع العلامة عبد الله بن بيه في برنامج الشريعة والحياة
فقه تغيير المنكر – حوار مع العلامة عبد الله بن بيه في برنامج الشريعة والحياة
– تغيير المنكر.. مفهوم وضوابط
– الأسس الشرعية لإنكار المنكر
– تغيير المنكر في حدود الاستطاعة
– سلطة تغيير المنكر
– خصوصية التصور الإسلامي للأقليات
– وسائل تغيير المنكر وسبل استخدامها
عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم وحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة يقول الله سبحانه وتعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110] يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى (إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ هُوَ الْقُطْبُ الْأَعْظَمُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ الْمُهِمُّ الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّهُ له النَّبِيِّينَ أَجْمَعِينَ، وَلَوْ طُوِيَ بِسَاطُهُ، وَأُهْمِلَ عَمَلُهُ وَعِلْمُهُ لَتَعَطَّلَتْ النُّبُوَّةُ، وَاضْمَحَلَّتْ الدِّيَانَةُ، وَعَمَّتْ الْفَتْرَةُ، وَفَشَتْ الضَّلَالَةُ، وَشَاعَتْ الْجَهَالَةُ، واسْتَشْرى الْفَسَادُ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ، وَخَرِبَتْ الْبِلَادُ، وَهَلَكَ الْعِبَادُ) هذا فيما يخص الأمر والإنكار، ولكن ماذا عن تغيير المنكر، ما المنكر الذي يجب تغييره ومن يملك سلطة تغييره؟ وكيف يكون التغيير؟ وكيف يمكن لتغيير المنكر أن لا يتحول إلى منكر أكبر؟ فقه تغيير المنكر موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مرحبا بكم فضيلة الشيخ.
عبد الله بن بيه : مرحبا بكم الله يحييكم.
تغيير المنكر.. مفهوم وضوابط
عثمان عثمان: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[آل عمران:110] بداية ما المقصود بالمنكر الذي يجب تغييره؟
عبد الله بن بيه: الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، المنكرُ الذي يجب تغييره دعني أولا أقول إن المنكر هو الشيء الفظيع الشنيع، وقد يستعمل باللغة لمعانٍ عده كلها ترجع إلى الشناعة والفظاعة والغرابة، الله سبحانه وتعالى يقول {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}[الحج:72] إنكار شديد يظهر على وجوه هؤلاء، وفي شأن سيدنا إبراهيم لما جاءه الملائكة أوجس منهم خيفة نكرهم وأوجس منهم خيفة لم يعرفهم؛ والشاعر يقول:
أنكرتني وما كان الذي نكِرتْ من الحوادثِ إلا الشيبَ والصلَعا
أما المنكر الذين نتحدث عنه هنا فهو ما خالف الشرع والطبع، ما خالف الشرع بمعنى خالف القواطع: الكتاب والسنة والإجماع، الكتاب واضح الدلالة أما السنة فيجب أن تكون متواترة أو قريبة من التواتر، وأن تكون واضحة الدلالة أيضا، أما الإجماع فيجب أن يكون قطعيا وليس إجماعا سكوتا ظنيا هذه هي الناحية الشرعية، أما ناحيته العقلية الطبع فهو ما أدى إلى مفسدة وهذا يكون منكرا، الثاني يندرج بالأول ما أدى إلى مفسدة هو مخالف للشرع.
عثمان عثمان: هل تعريف المنكر هو مصطلح ثابت أم أنه مرن يتغير بتغير المجتمعات تغير العادات تغير الثقافات؟
عبد الله بن بيه: المنكر هو كل يوم يشكك كما نستعمله في المناطق في استعمال المناطق، كل يوم يشكك يعني لا يستوي في أحواله ولا في محله ولا في أزمنته ولا أمكنته بمعنى أنه متفاوت الدرجات، وبالتالي الذي تفضلتم به فالمنكر الذي يرجع إلى العادات ويرجع إلى الأعراف ويرجع إلى الاستحسان والاستقباح فلا يتغير بتغير الزمان والمكان، لكن هناك ثوابت منكرة في الشرع ستظل منكرة إلى يوم القيامة.
عثمان عثمان: يعني كما يقول المشاهد زينب الصديق، ما يكون منكرا في مجتمع قد لا يكون منكرا في مجتمع آخر، الدكتور أبو اليسر رشيد يقول قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله (لوْ سَكَتَ مَنْ لا يَعْلَمُ سَقَطَ الاخْتِلافُ) هل كل رأي نختلف معه يعتبر منكرا يجب تغييره؟
عبد الله بن بيه: لا العلماء أصلوا قاعدة وهي أن الاجتهاد لا ينقضي بالاجتهاد وأنه لا إنكار في الاجتهاد لا إنكار في الاجتهاديات، الإنكار إنما يكون في مخالفة القواطع، والقواطع كما أسلفت كتاب وسنة وتواتر وإجماع، الاجتهاديات لا إنكار فيها وقد أشار بها العز بن عبد السلام وكذلك أشار القيم وكذلك أشار ابن تيمية إلى شيء قريب من هذا حيث سئل عن مسألة فقال هذه المسألة هي فرق مختلف فيه، والألفة والجماعة أصل متفق عليه، فيجب أن لا يقر الفرع المختلف فيه على الأصل بالبطلان إذا قارنا بين المختلف فيه وبين قاطع كالألفة والجماعة، فالإنكار لا يصوغ في مختلف فيه إلا إذا كان اختلافا ضعيفا جدا وكان المنكر من أهل العلم الذين يفرقون بين القواطع وبين الاجتهاديات وبين مراتب الضعف ومراتب القوة في النصوص.
عثمان عثمان: البعض فضيلة الشيخ يرى اليوم أن الدين هو مسألة شخصية فردية لا تتعدى إلى المجتمع مبدأ إنكار المنكر مبدأ شرعي أصيل، لكن ما هي الأسس والثوابت التي يقوم عليها مبدأ إنكار المنكر؟
عبد الله بن بيه: أولا دعنا نقول أن الدين ليس مسألة فردية، الدين هو فرضي وهو أيضا اجتماعي عندنا ما نسميه بفروض الأعيان وبفروض الكفاية، فروض الكفاية هي فروض جماعية أي أن الفرض موجه إلى جماعة فإذا قام به بعضهم سقط عن الآخر، فالدين ليس مسألة فرضية أنانية إلا بالنسبة للمفهوم الغربي، أما بالنسبة لنا فالدين قضية تهم المجتمع كله وبالتالي هناك الجوانب الاجتماعية والمجتمعية من الدين التي لا تخص فردا دون فرد وبالتالي فإن عمل الجماعة فهو من باب التضامن والتعاون والتواصي على الحق وعلى الصبر، فالتواصي دليل على نوع من التضامن في إقامة الحياة الصالحة في المجتمع.
عثمان عثمان: البعض ربما يقول إذا رأى منكرا يقول: “أنا مالي ومال الذي يفعل المنكر” كما يقال في المثل “الحيط الحيط يا رب البيت” وكأن الأمر لا يعنيه ماذا يترتب على مثل هذا من خطورة اجتماعية؟
عبد الله بن بيه: يترتب عليه أن قلب القائل مات وبالتالي إذا انتشر هذا في المجتمع قد تجده ببعض المجتمعات وقد رأيت ذلك في بعض المناطق في ديار الغرب أن يأخذ الرجل يجيء اللص ويأخذ مالا والآخرون ينظرون لا يهتمون بهذا، هذه حالة من العجز وحالة من شيوع التخاذل بين الجماعات لا يوجد تضامن، (المسلمون كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) (المسلمون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا) فالبنيان المرصوص لا بد أن تعتلي أجزاءه ببعضها وكذلك الجسد الواحد وبالتالي فيجب أن ننظر من هذه الزاوية أن المنكر هو عبارة عن آفة وعبارة عن مرض وعبارة عن مفسدة يمكن أن تضر بالمجتمع كله وبالتالي علينا أن نعالجها جميعا لكن من يعالج المنكر هذا هو الإشكال..
الأسس الشرعية لإنكار المنكر
عثمان عثمان: سنتحدث إن شاء لله في هذه الأمور لكن نريد أن نعرج على الأسس والثوابت التي قام عليها، الأسس الشرعية التي قام عليها مبدأ إنكار المنكر.
عبد الله بن بيه: الأسس الشرعية كثيرة أولا الله سبحانه وتعالى يأمر بالإصلاح، والإصلاح هو ضد الفساد والمنكر فساد في الأرض، والله سبحانه وتعالى يجعل تغيير المنكر أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص الأمة الفاضلة، كما قرأت قبل قليل {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[آل عمران:110] {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَر}[الحج:41] وكذلك الله سبحانه وتعالى يحكي لنا عن لقمان {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[لقمان:17] فالمنكر وجود المنكر وشيوعه بالناس يؤدي إلى ميتة القلوب وبالتالي أن تصبح الأمة عرضة لكثير من الأمراض الاجتماعية التي لا يمكن أن تعالجها إلا بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
عثمان عثمان: هناك إنكار المنكر وهناك تغيير المنكر يعني كيف تتبين الفرق بين هذين المصطلحين؟
عبد الله بن بيه: الفرق بينهم هو أن الإنكار وسيلة وأن التغيير مقصد، فالمراد من الإنكار أن نصل إلى التغيير، والاجتهاد عندما لا يكون الإنكار مجديا للوصول إلى التغيير ألا يكون مطلوبا، فالوسيلة يجب أن يترتب عليها مقصد لم تشرع ليست مطلوبة إلا مع ظن أن ذلك سيؤدي إلى الخير، أن الإنكار هو حالة نفسية أولا ولأجل هذا جاءت التراتب في الحديث ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أدنى الإيمان)) أو ليس وراء ذلك مثقال حبة خردل من إيمان، التغيير هنا هو الإنكار يعني التغيير بالقلب لأن القلب هنا لا يغير شيئا القلب فقط يجعل صاحبه حيا بمعنى أنه لا يقر منكرا وبالتالي هذه دائرة الإيمان، دائرة الإيمان هو أن ينكر المناكر أن الحرام هو حرام إلى يوم القيامة وأن القبيح هو قبيح إلى يوم القيامة وبالتالي تبقى النفوس حية ويبقى المجتمع متمسكا بشجرة الحقيقة والحق.
عثمان عثمان: لكن هل الإنكار مطلوب شرعا حتى وإن لم يؤد هذا الإنكار إلى تغيير المنكر؟
عبد الله بن بيه: الإنكار كما قلت هو وسيلة وليس مطلوبا طلبا أكيدا إذا لم يؤد إلى تغيير، لكن الإنكار قد يؤدي إلى تغيير، {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الأعراف:164] {مَعْذِرَةٌ} قراءة نافع و{مَعْذِرَةً} قراءة عاصم بن أبي النجود لأن المشاهدين الكثير منهم يقرأ {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} فيجب أن نوضح، فهؤلاء أنكروا المنكر مع قول الآخر انه لن يجدي شيئا {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الأعراف:164] هنا لعلهم يتقون، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} هم يظنون أو يقدرون أنه يمكن لهؤلاء أن يرجعوا ويعودوا إلى رشدهم وينهوا عن المنكر فهنا يكون مشروعا لكنه ليس محتما إلى أن يؤدي إلى نتيجة فيكون الإنكار بالقلب ضرورة، أما الإنكار باللسان أو باليد في حالات لا يجدي فيها أو في حالات يؤدي إلى مفسدة فإن لا يكون مشروعا، لأن الإنكار المراد به أن يؤدي إلى تغير، ولذلك هنالك المراتب الأربع التي ذكرها ابن القيّم: إنكار يؤدي إلى تغيير المنكر بدون مفسدة وهذا هو المطلوب، وإنكار يؤدي إلى تقليل المنكر دون مفسدة وهذا أيضا مطلوب، وإنكار يؤدي إلى إزالة المنكر لكن مع مفسدة تساويه وهذا محل نوال واجتهاد، وإنكار يؤدي إلى منكر اكبر وهذا ليس مشروعا هذا حرام بمعنى أن المطلوب هنا هو عدم الإنكار وليس الإنكار وأن تطبيق الشريعة هنا هو ترك تطبيق الجزئية لوجود كلية تعارضها..
تغيير المنكر في حدود الاستطاعة
عثمان عثمان: أين مفهوم الاستطاعة في تغيير منكرٍ ربما أن البعض يرى منكرا ينكره بقلبه يسعي إلى التغيير لكن هذا السعي محفوف بالمخاطر يعني كيف هنا نوازن بين المخاطر المحدقة في السير نحو تغيير المنكر وبين الانكماش والعودة إلى الوراء والاكتفاء فقط بالإنكار القلبي؟
عبد الله بن بيه: أولا دعنا نقول أن الإنكار العملي إنما هو لمن يستطيع أن يفعل ذلك ولأجل ذلك من لا يستطيع أن يؤدي واجب الإنكار فلا يجب عليه الإنكار {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغبن:16] فالاستطاعة هي شرط في كل ذلك، طبعا هناك إنكار المنكر وهناك البلاغ هناك فرق، واجب البلاغ هو درجة من إنكار المنكر أكبر من الإنكار مثلا ما قال به المالكي رحمه الله تعالى وأحمد بن حنبل هذا كان بسبب وجوب البلاغ لأنهم أنكروا منكرا وأدى ذلك إلى أن يعذبوا وأن يقمعوا ويسجنوا لكن مع ذلك غلبوا جانب مصلحة القيام بإنكار المنكر لأنه من باب البلاغ حتى يبلغوا الأمة ما يرونه في مسألة خلق القران وبالنسبة لأحمد أو الطلاق المكره أي معنى البيعة بالنسبة للمالكي رحمه الله تعالى، هنا أنا افرق بين حالتين بين ترك إنكار يؤدي إلى مفسدة كبرى كمسألة البلاغ بالنسبة للعلماء مع أو ترك إنكار منكر لا يؤدي إلى مفسدة كبرى كحالة عوام الناس الذين قد يؤدي الإنكار إلى أن يضرب أحدهم أو أن يعتدي عليه فلا يكون واجبا عليه لكنه يكون مستحبا فقط إذا لم يؤد إلى منكر أكبر..
عثمان عثمان: في حالة الأئمة أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة عندما مارسوا موضوع البلاغ، البلاغ في تغيير المنكر كيف يمكن أن ننزل هذه الصورة على واقع علماء اليوم؟
عبد الله بن بيه: أعتقد أن هذا الأمر لازم دائما لكن بشرط أن لا يؤدي إلى منكر أكبر، وهنا تقدير المنكر أو تحقيق المناط في تقدير المفسدة التي يؤدي إليها أمر مطلوب ومهم جدا لأن كثيرا من الناس وكثيرا من الدعاة ينكرون أمورا أحيانا هم لا يحققون عدم الخلاف فيها ثم بعد ذلك لا يحققون مآلات هذا الإنكار وبالتالي يكون الإنكار في حقهم منكرا أي لا يجوز لهم أن ينكروا في حالة لا تقدر فيها الحقيقة الشرعية حق قدرها بمعنى أنه لا يحسن تفسير النص أو لا يحسن تعليل النص أو لا يحسن تنزيله على الحالة، هذه المراحل أو هذه المنهجية من لا يتقنها فالأولى له أن يسكت، من يتقن المنهجية ويعرف وزن المصالح والمفاسد هذا ينبغي أن يُنكر ينبغي أن يتكلم لا أن يعتدي بيده فهذا ليس مطلوبا منه لكن إذا كان..
عثمان عثمان: يعني أن لا يغير بيده.
عبد الله بن بيه: لا يغير بيده، الذي يغير بيده هو من له السلطان، فلذلك في باب المعصية يقول اللجين يقول إذا فاتت إذا فرغ منها فالأمر إلى السلطان هو الذي يوقع العقوبة، العقوبة لا ينزلها الأفراد، خطاب الشرع منه موجه إلى السلطان ومنه موجه إلى الأفراد، وبالتالي من لا يعرف مستويات الخطاب لا يمكن أن يتعامل مع الخطاب الشرعي يعني المجموعات التي تقوم بأنفسها بتغيير ما تراه منكرا هذا ليس من شأنها هذا الأمر من شأن السلطان وليس من شأن الأفراد، الخطاب الشرعي مثلا لله سبحانه وتعالى يخاطب أقيموا الصلاة وأتوا الزكاة لكل إنسان، {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}[الأنفال:58] من ينبذ العهود ومن يبرم اتفاقيات السلام والحرب هذا هو السلطان الأكبر طيب سمه الآن رئيسا أو برلمانا أو ما شئت لكن هناك من يحقق المناط نسميه محقق المناط أو من له أهلية في اتخاذ القرارات في باب ولاية التطبيق الشرعي من يطبق الشرع يقول إمام الحرمين إن الحدود مرجعها إلى السلطان ونائبه وكذلك يتكلم أيضا ابن القيم في كتابه في “إعلام الواقعين” في قضية التجاوز عن الحدود لظروف معينة كل هذا يرجع إلى تقدير سلطاني إلى تقدير جهة تقدر المصالح والمفاسد والمآلات.
عثمان عثمان: إذن من هنا نتحدث عن مستوى أو القضايا الكبرى كإبرام العهود أو العقود أو نقضها أو مسائل تختص بالسلطان لكن ماذا عن المنكرات التي تسود المجتمع سواء في البيت في الأسرة في الحياة العامة في التربية في التعليم وغير ذلك من المعني هنا بتغيير المنكر؟
عبد الله بن بيه: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) فمستويات الخطاب ما يتعلق بالأفراد منها وما يتعلق بالعائلات وما يتعلق بالأسر، فكل إنسان له رعايته في هذا فهو يغير المنكر في حوزته وفي حدود إمكاناته فهو يغير المنكر وجوبا عليه، الله سبحانه وتعالى يقول عن سيدنا إسماعيل {اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}[مريم:54-55] يأمر أهله بالصلاة والزكاة، فأمر الأهل بالصلاة والزكاة ونهيهم عن المنكر هذا من صميم الدين، فلا يمكن للإنسان أن يكون سلبيا في هذا مع أن روح العصر اليوم أصبحت فردانية ولكن مع ذلك علينا أن نحيي في قلوب الناس الاهتمام بتغيير المنكر على المستويات المختلفة لكن علينا أن نضع حدودا ومستويات معينة لنعرف الناس أن هذه المستويات لا يمكن أن يقدم عليها إلا من له سلطان شرعي مهما كان هذا السلطان الشرعي.
سلطة تغيير المنكر
عثمان عثمان: مولانا هناك صورة نمطية في أذهان البعض يعني هذه الصورة تتحدث عن أن من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم فقط العلماء والدعاة والمشايخ يعني حقيقة من يملك حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
عبد الله بن بيه: هو هذه الصورة لها ربما ما يبررها بمعنى أن المنكر هو درجات هناك الأمور الواضحة الضرورية التي يقوم بها كل أحد بحدود إمكاناته لكن هناك أمور خفية اختلف العلماء فيها فهذا النوع من القضايا لا يقوم به إلا أهل العلم فلا يمكن لجاهل أن يقوم بهذا العمل أو بشخص قل علمه وضاق فهمه أن يتكلم في أمور لا يحسنها فهذا أيضا يؤدي إلى بلية أخرى وإلى فتنة للناس وشغب عليهم لا ينبغي أن يسمح به.
عثمان عثمان: البعض فضيلة الشيخ يعني قرأ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه تعبير عن المواطنة المعاصرة التي تقول بالمسؤولية وبحق الجميع في المشاركة والإسهام في تحقيق الخير العام والتدخل من اجل التصحيح والتغيير ما رأيكم أسمعه إن شاء لله بعد أن نذهب إلى فاصل قصير، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل..
عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان “فقه تغيير المنكر” مع فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مولانا اليوم نتحدث في ظل الدولة الحديثة عن مصطلح المواطنة المعاصرة أو المعاصرة وانطلاقا من هذا المصطلح وهذا الواجب يرى البعض هنا مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب المشاركة في الشأن العام وإصلاح الوضع العام كيف تقولون بمثل هذا الرأي؟
عبد الله بن بيه: على كل حال المواطنة قد لا تتضمن أمرا ونهياً المواطنة هي عبارة عن علاقة تبادلية بين أفراد المجتمع يعيشون في بلد واحد لهم حقوق متساوية وواجبات أيضا في مقابل هذه الحقوق هذه المواطنة بصفه عامة، فمن ضمن هذه الواجبات قد نقول في بلد مسلم، من ضمن هذه الواجبات أن يبذل النصحة للآخرين وأن يوصيهم بالخير وأن يقدم له الخير قد نفهمها هكذا قد نفهمها أيضا أن الجهات المخولة كالأحزاب مثلا تقوم بالحسبة تقوم بتغيير المنكر بإنكار المنكر لأنها تحتج على الكثير من القضايا، هذه قضايا قد يكون فيها من المناكر التي تراها هذه الأحزاب أنها ليست ملائمة فهذا أيضا نوع من تغيير المنكر، كذلك النقابات عندما تطالب بحقوق العمال وهي حين إذن تريد أن تغير حالة من الفقر قد يكون هذا باب التغيير بالمعني الواسع للمنكر، لكن كما قلنا المنكر هو أمر يخالف الشرع أو يخالف المصلحة أو يؤدي إلى مفسدة فهذا المعنى الواسع للمنكر يجعلنا نحتاج إلى نوعين من الفقه إلى فقه بالشريعة معرفة الأحكام الشرعية وهو ما يسمى بالواجب الواقع وإلى معرفة الواقع أيضا، معرفة الواقع هذا من يعرف الواقع لا يمكن أن ينكر منكر في بلد يعيشوا بما يسمى بالحريات الفردية إذا قام الإنسان وأراد أن ينكر على الجميع فإنه يعرض نفسه ويعرض البلد إلى الفتنة.
عثمان عثمان: ماذا يفعل هنا؟
عبد الله بن بيه: يفعل أن يدعو دعوة طويلة لتخليق المجتمع لإعادة المجتمع للأخلاق لا يمكن أن تعيد بعض المجتمعات بالقوة والقهر بسلطان القهر، هناك طريقة جديدة هو أن نبحث في برامج الأخلاق لنخلق المجتمع من جديد كذلك أيضا لنفرض بعض العقوبات الجذرية حتى ولو لم تكن العقوبات العصرية، شيئا فشيئا ينمو الضمير ويعرف ويتعلم الناس أمر دينهم وبالتالي يصبح على المجتمع رقيباً من نفسه هذا الذي نحن ننصح به بعض الجهات أو بعض المناطق الثورية التي لم تستقر بعد على قرار والتي ما زال فيها المجتمع منقسم إلى فئتين فإن تغير المنكر جملة واحدة يخرج الناس منه جملة كما قال عمر بن عبد العزيز، فعليك أن تحاول بالنفس الطويل أن تعطي القدوة من نفسك وأن تقدم البرامج التربوية الإعلامية حتى توصل الناس إلى مرحلتين هم أنفسهم يكونون حراساً للمجتمع ويغير كل واحد المنكر.
خصوصية التصور الإسلامي للأقليات
عثمان عثمان: انطلاقاً من مبدأ المواطنة التي تساوي بين الحقوق والواجبات بالنسبة لكل المواطنين ماذا عن غير المسلمين سواء كانوا مأمورين أو آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر أو منهيين عنه؟
عبد الله بن بيه: غير المسلم لا يلزم بكثير من الأخلاق التي يلزم بها المسلم، إذا المنكر في دائرة المفاسد هنا المسلم وغير المسلم سواء فيه، أما في غير دائرة المفاسد أي في دائرة الأخلاق فغير المسلم ليس مسؤولاً بهذه الدائرة بمعنى أن الدولة المسلمة لا تفرض عليه شأن، أنت ربما تعرف وثيقة المدينة أو صحيفة المدينة، اليهود وبني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم هذه الوثيقة هي التي تنطبق على العقد الجديد في البلاد الإسلامية مع الأقليات غير المسلمة، هناك عقد جديد، ليس العقد القديم الذي يقوم على الجزية وإنما هو عقد جديد تنطبق عليه صحيفة المدينة ليهود بني عوف لليهود دينهم وللمسلمين دينهم لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، هنا احترام ديانة كل فرد مع الواجبات التي رتبتها الصحيفة وهي واجبات المواطنة نحن نعتبر أن هذه الصحيفة يمكن أن تكون أساسا للدساتير الجديدة التي يمكن أن تحكم دولة فيها أقليات تمتع بحقوق وعليها واجبات أيضا هذه الأقليات تجاه مجتمعها وبالتالي يكون التعايش ليس فقط تعايشاً سلمياً وإنما تعايشاً سعيداً بين كل مكونات المجتمع.
عثمان عثمان: لكن هذه الأقليات التي تتحدث عنها فضيلة الشيخ تتخوف من دساتير أو من نظام إسلامي ما يطالب به المسلم لا يطالب به غير المسلم، هناك خصوصيات لغير المسلمين كيف يمكن أن يتم الفرز هنا وأن تقدم النصائح ربما لولاة الأمر وتقدم تطمينات لهذه الأقليات؟
عبد الله بن بيه: أولا نقول للأقليات أول مبدأ قلته في الأزهر في محاضرة لي هناك مع شيوخ الأزهر أولا مبدأ من مبادئ الإسلام هو الوئام هو السلام كل ما يؤدي إلى احتراب ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) كما جاء بالحديث الصحيح وصية النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فكل ما يؤدي إلى حرب فهذا منهي شرعاً وهذا له أولوية على غيره من الأوليات وبالتالي هذا المبدأ وحده يمكن أن يكون مطمئناً لهذه الأقليات، بالإضافة إلى ما ذكرته من وثيقة المدينة صحيفة المدينة التي تسمح للأقلية بأن تمارس شعائرها وأن تقوم بواجب التضامن مع بقية السكان، واجب النصرة المتبادل، واجب دفع الغرامات والديات أي الواجب الاقتصادي أيضا واجب متبادل، فهذه الواجبات التي يحددها الدستور الذي يعتبر العقد الجديد الوثيقة الجديدة والإسلام يأمر بالوفاء بالعقود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[المائدة:1] فالدستور هو الوثيقة ما سماه هابرماس سماه المواطنة الدستورية أي أن الدستور أصبحت مواطنة جديدة لا ترجع إلى العرق ولا إلى الدين كما كان قديماً في أوروبا ولكنها ترجع إلى وثيقة إلى دستور يحدد الواجبات ويحدد الحقوق وبالتالي هذا الدستور هو أساس المواطنة الجديدة سماه هذا الفيلسوف الألماني هابرماس سماه بالمواطنة الدستورية فنحن نعيش عصر المواطنة الدستورية وليس بها ما يخالف الإسلام إذا نحن أحسنا الفهم وأحسنا التطبيق أيضا.
عثمان عثمان: فضيلة الشيخ يعني الأخ جمال الطواب يسأل هل تشترط الاستقامة فيمن يسعى إلى تغير المنكر؟
عبد الله بن بيه: هو ورد في القرآن الكريم قول الله جل وعلا من يأمر بالمعروف ولا يأتيه ومن ينهى عن الشر ويأتيه أيضا وهذا ملموم.
عثمان عثمان: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}[البقرة:44]
عبد الله بن بيه: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] لكن مع ذلك قالوا فليأمر بالمعروف ولينهى عن المنكر حتى ولو لم يفعله، هذا إظهار لجانب الذم مع ذلك يبقى الواجب واجبا حتى ولو لم يملك نفسه فإن عليه أن يأمر بالمعروف، قلت أمري لسواي وأمري لنفسي ولكي الصحيح يبرئ الأعر كما قال احد علمائنا في هذه المسألة بالذات قال إذا أمرتموه كأني أمرت نفسي وهناك مثل يقول لكي الصحيح يبرى الأعر.
عثمان عثمان: نعم عندما نتحدث عن المنكرات هل هناك منكرات واجبة التغيير والإنكار هناك منكرات قد عمت بها البلوى هناك منكرات لا يمكن أن نقترب منها نعتبرها أنه لا قيمة لها هل هناك مستويات في المنكرات التي يجب التعامل معها؟
عبد الله بن بيه: هناك مستويات لكن نحن لا نحظر شيئا من المنكر، طبعا أنا لا اتفق مع بعض العلماء الذين يقولون المنكر يشمل المكروهات فعل المكروهات وترك المستحبات، أنا أعتقد أن رفض المنكر لا يوحي بذلك، المنكر هو شيء سيئ وبالتالي لابد أن يكون حراماً أو ترك واجباً لحتى يسمى منكرا في الشرع أو مفسدة قد تضر بشخص ((لا ضرر ولا ضرار)) فهذا هو المنكر وبالتالي المنكرات طبعا ليست على درجة واحدة ليست على ميزان واحد كما يقول الشاطبي بل هي درجات، هذه الدرجات نتعامل معها بمقدارها، من الذي يحدد الدرجة؟ هو قوة النهي و قوة المفسدة، درجة المفسدة ودرجة النهي هذا الميزان هو الذي يمكن به أن تعليه درجات المنكر عندما يقول الله سبحانه وتعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة:275] ويقول عن آكل الربا أيضا أنه يحارب الله ورسوله {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة:279] فهنا ندرك أن الربا أن تحريم الربا شديد جدا عندما ننظر إلى المفسدة بمفسدة الربا لكونه يكبل الفقراء ويثري الأغنياء ويخل بالتوازن المجتمعي حينها يمكن أن نزن المنكر هنا، كذلك الفواحش التي من شأنها أن تؤدي إلى مجموعة من اللقطاء لا تنتسب إلى أباء هذا أيضا منكر يضر بالمجتمع ضرار شديد هذا ليس كمنكر آخر كالقرار والشهادة والبيع مثلاً فالمنكرات كما قلنا ليست على ميزان واحد لكن الميزان كيف نعرف الميزان؟ الميزان يرجع إلى شدة النهي من جهة أي النصوص الحاكمة وإلى درجة المفسدة أو حمولة المفسدة التي تكون في العقل أو في الفكر.
وسائل تغيير المنكر وسبل استخدامها
عثمان عثمان: إذن نحن هنا نتحدث عن مستويات لهذا المنكر بالمقابل هناك وسائل لتغيير هذه المنكرات ما هي هذه الوسائل؟ كيف نستخدمها؟
عبد الله بن بيه: النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن ثلاث وسائل اليد اللسان القلب، القلب لا يُغير ولكنه يُنكر، لكن ما كان الإنكار وسيلة إلى تغيير عبر عنه به مجازاً لأنه يؤول إليه، لكن اليد تُغير فهذه وسيلة لتغيير المنكر لكن في وسائل الآن متنوعة وسيلة الإعلام أن نغير المنكر من خلال البرامج الإعلامية، أن نبين للناس شناعة المنكر وقبح المنكر، كذلك وسائل التعليم، كذلك في البيوت أن نثقف الناس في بيوتهم، كذلك القدوة الحسنة لتغيير المنكر، هناك وسائل كثيرة علينا أن نستكشف هذه الوسائل وعلينا أن نستوعب كل ما في العصر من وسائل لنجعله في قنوات تغيير المنكر.
عثمان عثمان: ما أهمية فضيلة الشيخ استخدام الحكمة في تغيير المنكر عندما نتحدث عن منكر يقوم به شخص ما قد يواجه به على الملأ أمام الناس وتتحول النصيحة هنا إلى فضيحة، ما أهمية الحكمة في توجيه النصيحة في إنكار المنكر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
عبد الله بن بيه: الله سبحانه وتعالى يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل:125] الحكمة هي الصواب في القول والعمل بمعنى أن الإنسان إذا غيّر المنكر بطريقة غير مصيبة فليس حكيماً أن نستعمل الحكمة وأن نسلك سلوك النبي صلى الله عليه وسلم أن نقتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم لتغيير المنكر كان يقول ((ما بال أقوامي)) حتى لا يصرح بشخص الذي يعنيه بذلك يقول ((ما بال أقوامي يفعلون كذا)) أو ((ما بال أقوامي يقولون كذا)) حتى لا يكسف الشخص أو يشعر بالمهانة فهذا من شأنه أن يجعله يُصر ويستمر في هذا وبالتالي..
قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ
كما قال ابن رزيق، إذا قلت للإنسان أو شتمته فإن هذا يولعه يجعله يستمر في هذا العمل قد تقول الحق لكنه لا يسمع نصحك، فعلينا أن نحاول دائما أن نبذل جهدا حتى نصل إلى قلوب الناس، ولا نهتم بشتم الناس أو كما يفعله بعض الدعاة أو مهانة الناس هذا لا يجوز، هذا يدل على نوع الرياء أيضا وعلى نوع من الحالة النفسية للداعية لأنه يريد أن يظهر نفسه بشتم الآخرين أو بتحقير الآخرين.
عثمان عثمان: البعض يعني بعض المصلين يقول لك أنا اذهب إلى المسجد وأتلقى موعظة لكن أجد خطيب المسجد يهاجمني وكأنني المجرم وكأنني الفاسد وكأنني يجب أن يقام علي الحد من هذا المنطلق يعني تغيب الحكمة في تبليغ الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
عبد الله بن بيه: أنا أعتقد أن ذلك يُنفر وبالتالي يجب أن لا نكون منفرين يجب أن نبشر وأن لا ننفر كما جاء بالحديث ((بشروا ولا تنفروا يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)) فعلينا أن نبشر الناس وأن نبذل جهدا في هذا العصر الذي أصبح الإنسان فيه أنانيا وغربياً وأصبح عصياً على الكسر وعلى القهر وأصبح عصياً على ذلك بأن نجد وسائل جديدة للتعامل مع قلوب هؤلاء الناس حتى نصل إلى بغيتنا وهي إشاعة الأخلاق الفاضلة في المجتمع.
عثمان عثمان: بعض الأشخاص قد يغضبون غضبا شديداً فتعمى أبصارهم وربما تعمى قلوبهم فيرتكبون منكرات ما، هل من الحكمة هنا أن نأتي لهذا الإنسان لنذكره بالله أو لنأمره بالمعروف أو ننهاه عن المنكر أم نتركه حتى يبرد غضبه ويعود إلى طبعه الأصيل؟
عبد الله بن بيه: هو الغضب حالة من ثوران النفس التي لا يسمع صاحبها شيئا، النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تغضب)) لما طلب منه الرجل أن يوصيه قال له: لا تغضب ثلاثة، لماذا؟ أي لا تعمل بموجبات الغضب أي لا تعمل بما يؤدي إليه الغضب من القتل أو من الإساءة على الآخرين لأن الغضب حالة نفسية فيها ثوران وفيها فوران وبالتالي على الداعية أن يكون كالطبيب أن يرى ما هي حالة الشخص النفسية وما الذي يمكن أن يفعل ليصل إلى مبتغاه وهو هداية الناس، النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قال ما أحسنت علي قال لهم: دعوه دعوه وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه حتى رضي هذا الشخص وخرج بإيمانه بعد أن كاد أن ينسلخ من الأيمان لأنه يريد لعاعة من الدنيا.
عثمان عثمان: وذلك الذي كان يبول بالمسجد قال دعوه..
عبد الله بن بيه: نعم قال لا تُزْرِمُوه أي لا تقطعوا بوله، البول في المسجد لا يجوز ولكن مع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يُعاجله فهذا كثيرا في..
عثمان عثمان: أمثلة كثيرة من سيرة النبي علية الصلاة والسلام، الأخ محمد عبد الماجد يقول كيف نواجه المنكر الذي يرتكبه ولي الأمر كيف نتصرف؟
عبد الله بن بيه: نصيحة ولي الأمر ليست كنصيحة غيره يجب أن نعالج بالمضادات الحيوية كما يقولون، أن نبحث عن وسيلة لمعالجته أولا أن تخاطبه بلين إذا كان ذلك نافعاً، الله سبحانه وتعالى يقول لموسى وأخيه أن يخاطب فرعون {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:44] فإذا كان هذا حال فرعون وإذا كان هذا خطابه موجه إلى فرعون فما ظنك بغيره؟ كما قال هارون الرشيد قال له: أنت ليس خيرا من موسى وأنا لست شرا من فرعون، فانظر إلى الحالة طبعا هناك الآن ما يسمى بالديمقراطيات، والديمقراطيات أحدثت وضعا جديداً يحقق فيه المناط فرئيس الدولة في هذه الديمقراطيات جاء بعقد معين وبطريقة خاصة لا يمكن للناس أن يخاطبوه كما يخاطب غيره من خلال الصحف ومن خلال التلفزة على أن يكون ذلك بحسن أدب على أن يكون ذلك بأسلوب إسلامي، أسلوب التشهير والتشنيع لا ينفع ونرجو من أمتنا أن تتجاوز هذه المرحلة من الشتم التي أصبحت لو أخذنا قاموس شتم لوجدنا أن الأمة الإسلامية الآن هي أكثر الأمة شتماً مع أن ديننا ينهى عن ذلك، وبالتالي علينا أن نجد وسائل جديدة لخطاب بعضنا، لمواجهة بعضنا للبحث مع بعضنا للحوار حتى تسير أمتنا على دروب الخير في الدنيا وفي الآخرة.
عثمان عثمان: سؤال ربما تحدثتم أو أجبتم عنه لكن أرى أهمية أن نعيد التأكيد عليه موضوع تغيير المنكر إذا كان يؤدي إلى منكر أكبر وأفظع.
عبد الله بن بيه: هذا أمر في غاية الأهمية لأن كثيرا من الناس لا يهتمون بالمآلات ومن يريد أن يفتي أو يغير منكراً عليه أن يسأل نفسه عن مآل هذا التغير، إذا كان هذا التغير يؤدي إلى منكر أكبر إلى مفسدة فهذا حرام، فقد رجع إليه ما كان يريد أن يفعله، لهذا قصة شيخ الإسلام ابن تيمية يقول كان يمر ببعض الجنود وترى ذلك من ابن القيم قال لنا أنه كان يمر بجنود من التتار وهم يشربون فنهاهم احد أصحابه فقال له: لا تفعل إن الخمر ما نهي عنها لما تؤدي إليه من البغضاء بين الناس وهؤلاء إذا لم يشربوا فإنهم ينطلقون إلى الناس وإلى البيوت ويقتلون الناس وبالتالي النهي هنا ليس في محله لأنه يؤدي إلى قتل النفر بالنظر هنا إلى المآلات الله سبحانه وتعالى يقول {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }[الأنعام:108] منع سب الصنم لأنه يؤدي في مآله إلى سب الله سبحانه وتعالى هذا الذي نسميه سد الذراع والنظر في المآلات فالآمر في المعروف والناهي عن المنكر عليه دائما أن يستحضر المآلات، ولهذا الكثير من الناس لا يحسنون التنزيل لأن المنهجية هي تفسير النصوص الشرعية التثبت من النصوص ثم مرحلة التفسير والتأويل ثم مرحلة التعليل ثم مرحلة التنزيل، مرحلة التنزيل هي عبارة عن النظر إلى الواقع بكل تضاريسه وبكل تفاصيله، هل هذا الواقع يمكن أن يقبل هذا الحكم المنزل عليه؟ الحكم لا يمكنه أن يقبله، ما هي مآلات هذا الفعل لو فعلته؟ ما هي مآلات لو أعلنت إني سأطبق الشرع في مكان ما سأطبق الحدود في مكان ما، يعني العلماء رضاء الله عليهم ذكروا جملة من الشروط والأسباب والموانع هذا يسمى خطاب الوضع كل عمل من الشرع يرجع إلى دائرة العمل وكل حكم يرجع إلى دائرة العمل فهو محاط بما يسمى بخطاب الوضع قيام الأسباب توفر الشروط انتفاء الموانع، فإذا لم يكن ذلك فلا يجوز تطبيقه وبالتالي نرجو للجميع أن ينظروا إلى مآلات أفعالهم وأن يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن لا يرتكبوا منكرا ونسأل الله سبحانه وتعالى..
عثمان عثمان: نحن بدورنا فضيلة الشيخ نشكركم في ختام هذه الحلقة على حضوركم معنا وعلى هذا الكلام الطيب كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وفي الإنتاج عبير العنيزي، وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.