ارشيف ل December, 2012

فقه تغيير المنكر – حوار مع العلامة عبد الله بن بيه في برنامج الشريعة والحياة

 

فقه تغيير المنكر – حوار مع العلامة عبد الله بن بيه في برنامج الشريعة والحياة

– تغيير المنكر.. مفهوم وضوابط
– الأسس الشرعية لإنكار المنكر
– تغيير المنكر في حدود الاستطاعة
– سلطة تغيير المنكر
– خصوصية التصور الإسلامي للأقليات
– وسائل تغيير المنكر وسبل استخدامها
 

 

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم وحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة يقول الله سبحانه وتعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110] يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى (إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ هُوَ الْقُطْبُ الْأَعْظَمُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ الْمُهِمُّ الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّهُ له النَّبِيِّينَ أَجْمَعِينَ، وَلَوْ طُوِيَ بِسَاطُهُ، وَأُهْمِلَ عَمَلُهُ وَعِلْمُهُ لَتَعَطَّلَتْ النُّبُوَّةُ، وَاضْمَحَلَّتْ الدِّيَانَةُ، وَعَمَّتْ الْفَتْرَةُ، وَفَشَتْ الضَّلَالَةُ، وَشَاعَتْ الْجَهَالَةُ، واسْتَشْرى الْفَسَادُ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ، وَخَرِبَتْ الْبِلَادُ، وَهَلَكَ الْعِبَادُ) هذا فيما يخص الأمر والإنكار، ولكن ماذا عن تغيير المنكر، ما المنكر الذي يجب تغييره ومن يملك سلطة تغييره؟ وكيف يكون التغيير؟ وكيف يمكن لتغيير المنكر أن لا يتحول إلى منكر أكبر؟ فقه تغيير المنكر موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مرحبا بكم فضيلة الشيخ.

عبد الله بن بيه : مرحبا بكم الله يحييكم.

تغيير المنكر.. مفهوم وضوابط

عثمان عثمان: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[آل عمران:110] بداية ما المقصود بالمنكر الذي يجب تغييره؟

عبد الله بن بيه: الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، المنكرُ الذي يجب تغييره دعني أولا أقول إن المنكر هو الشيء الفظيع الشنيع، وقد يستعمل باللغة لمعانٍ عده كلها ترجع إلى الشناعة والفظاعة والغرابة، الله سبحانه وتعالى يقول {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}[الحج:72] إنكار شديد يظهر على وجوه هؤلاء، وفي شأن سيدنا إبراهيم لما جاءه الملائكة أوجس منهم خيفة نكرهم وأوجس منهم خيفة لم يعرفهم؛ والشاعر يقول:

أنكرتني وما كان الذي نكِرتْ          من الحوادثِ إلا الشيبَ والصلَعا

أما المنكر الذين نتحدث عنه هنا فهو ما خالف الشرع والطبع، ما خالف الشرع بمعنى خالف القواطع: الكتاب والسنة والإجماع، الكتاب واضح الدلالة أما السنة فيجب أن تكون متواترة أو قريبة من التواتر، وأن تكون واضحة الدلالة أيضا، أما الإجماع فيجب أن يكون قطعيا وليس إجماعا سكوتا ظنيا هذه هي الناحية الشرعية، أما ناحيته العقلية الطبع فهو ما أدى إلى مفسدة وهذا يكون منكرا، الثاني يندرج بالأول ما أدى إلى مفسدة هو مخالف للشرع.

عثمان عثمان: هل تعريف المنكر هو مصطلح ثابت أم أنه مرن يتغير بتغير المجتمعات تغير العادات تغير الثقافات؟

عبد الله بن بيه: المنكر هو كل يوم يشكك كما نستعمله في المناطق في استعمال المناطق، كل يوم يشكك يعني لا يستوي في أحواله ولا في محله ولا في أزمنته ولا  أمكنته بمعنى أنه متفاوت الدرجات، وبالتالي الذي تفضلتم به فالمنكر الذي يرجع إلى العادات ويرجع إلى الأعراف ويرجع إلى الاستحسان والاستقباح فلا يتغير بتغير الزمان والمكان، لكن هناك ثوابت منكرة في الشرع ستظل منكرة إلى يوم القيامة.

عثمان عثمان: يعني كما يقول المشاهد زينب الصديق، ما يكون منكرا في مجتمع قد لا يكون منكرا في مجتمع آخر، الدكتور أبو اليسر رشيد يقول قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله (لوْ سَكَتَ مَنْ لا يَعْلَمُ سَقَطَ الاخْتِلافُ) هل كل رأي نختلف معه يعتبر منكرا يجب تغييره؟

عبد الله بن بيه: لا العلماء أصلوا قاعدة وهي أن الاجتهاد لا ينقضي بالاجتهاد وأنه لا إنكار في الاجتهاد لا إنكار في الاجتهاديات، الإنكار إنما يكون في مخالفة القواطع، والقواطع كما أسلفت كتاب وسنة وتواتر وإجماع، الاجتهاديات لا إنكار فيها وقد أشار بها العز بن عبد السلام وكذلك أشار القيم وكذلك أشار ابن تيمية إلى شيء قريب من هذا حيث سئل عن مسألة فقال هذه المسألة هي فرق مختلف فيه، والألفة والجماعة أصل متفق عليه، فيجب أن لا يقر الفرع المختلف فيه على الأصل بالبطلان إذا قارنا بين المختلف فيه وبين قاطع كالألفة والجماعة، فالإنكار لا يصوغ في مختلف فيه إلا إذا كان اختلافا ضعيفا جدا وكان المنكر من أهل العلم الذين يفرقون بين القواطع وبين الاجتهاديات وبين مراتب الضعف ومراتب القوة في النصوص.

عثمان عثمان: البعض فضيلة الشيخ يرى اليوم أن الدين هو مسألة شخصية فردية لا تتعدى إلى المجتمع مبدأ إنكار المنكر مبدأ شرعي أصيل، لكن ما هي الأسس والثوابت التي يقوم عليها مبدأ إنكار المنكر؟

عبد الله بن بيه: أولا دعنا نقول أن الدين ليس مسألة فردية، الدين هو فرضي وهو أيضا اجتماعي عندنا ما نسميه بفروض الأعيان وبفروض الكفاية، فروض الكفاية هي فروض جماعية أي أن الفرض موجه إلى جماعة فإذا قام به بعضهم  سقط عن الآخر، فالدين ليس مسألة فرضية أنانية إلا بالنسبة للمفهوم الغربي، أما بالنسبة لنا فالدين قضية تهم المجتمع كله وبالتالي هناك الجوانب الاجتماعية والمجتمعية من الدين التي لا تخص فردا دون فرد وبالتالي فإن عمل الجماعة فهو من باب التضامن والتعاون والتواصي على الحق وعلى الصبر، فالتواصي دليل على نوع من التضامن في إقامة الحياة الصالحة في المجتمع.

عثمان عثمان: البعض ربما يقول إذا رأى منكرا يقول: “أنا مالي ومال الذي يفعل المنكر” كما يقال في المثل “الحيط الحيط يا رب البيت” وكأن الأمر لا يعنيه ماذا يترتب على مثل هذا من خطورة اجتماعية؟

عبد الله بن بيه: يترتب عليه أن قلب القائل مات وبالتالي إذا انتشر هذا في المجتمع قد تجده ببعض المجتمعات وقد رأيت ذلك في بعض المناطق في ديار الغرب أن يأخذ الرجل يجيء اللص ويأخذ مالا والآخرون ينظرون لا يهتمون بهذا، هذه حالة من العجز وحالة من شيوع التخاذل بين الجماعات لا يوجد تضامن، (المسلمون كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) (المسلمون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا) فالبنيان المرصوص لا بد أن تعتلي أجزاءه ببعضها وكذلك الجسد الواحد وبالتالي فيجب أن ننظر من هذه الزاوية أن المنكر هو عبارة عن آفة وعبارة عن مرض وعبارة عن مفسدة يمكن أن تضر بالمجتمع كله وبالتالي علينا أن نعالجها جميعا لكن من يعالج المنكر هذا هو الإشكال..http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

الأسس الشرعية لإنكار المنكر

عثمان عثمان: سنتحدث إن شاء لله في هذه الأمور لكن نريد أن نعرج على الأسس والثوابت التي قام عليها، الأسس الشرعية التي قام عليها مبدأ إنكار المنكر.

عبد الله بن بيه: الأسس الشرعية كثيرة أولا الله سبحانه وتعالى يأمر بالإصلاح، والإصلاح هو ضد الفساد والمنكر فساد في الأرض، والله سبحانه وتعالى يجعل تغيير المنكر أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص الأمة الفاضلة، كما قرأت قبل قليل {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[آل عمران:110] {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَر}[الحج:41] وكذلك الله سبحانه وتعالى يحكي لنا عن لقمان {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[لقمان:17] فالمنكر وجود المنكر وشيوعه بالناس يؤدي إلى ميتة القلوب وبالتالي أن تصبح الأمة عرضة لكثير من الأمراض الاجتماعية التي لا يمكن أن تعالجها إلا بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

عثمان عثمان: هناك إنكار المنكر وهناك تغيير المنكر يعني كيف تتبين الفرق بين هذين المصطلحين؟

عبد الله بن بيه: الفرق بينهم هو أن الإنكار وسيلة وأن التغيير مقصد، فالمراد من الإنكار أن نصل إلى التغيير، والاجتهاد عندما لا يكون الإنكار مجديا للوصول إلى  التغيير ألا يكون مطلوبا، فالوسيلة يجب أن يترتب عليها  مقصد لم تشرع ليست مطلوبة إلا مع ظن أن ذلك سيؤدي إلى الخير، أن الإنكار هو حالة نفسية أولا ولأجل هذا جاءت التراتب في الحديث ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أدنى الإيمان)) أو ليس وراء ذلك مثقال حبة خردل من إيمان، التغيير هنا هو الإنكار يعني التغيير بالقلب لأن القلب هنا لا يغير شيئا القلب فقط يجعل صاحبه حيا بمعنى أنه لا يقر منكرا وبالتالي هذه دائرة الإيمان، دائرة الإيمان هو أن ينكر المناكر أن الحرام هو حرام إلى يوم القيامة وأن القبيح هو قبيح إلى يوم القيامة وبالتالي تبقى النفوس حية ويبقى المجتمع متمسكا بشجرة الحقيقة والحق.

عثمان عثمان: لكن هل الإنكار مطلوب شرعا حتى وإن لم يؤد هذا الإنكار إلى تغيير المنكر؟

عبد الله بن بيه: الإنكار كما قلت هو وسيلة وليس مطلوبا طلبا أكيدا إذا لم يؤد إلى تغيير، لكن الإنكار قد يؤدي إلى تغيير، {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الأعراف:164] {مَعْذِرَةٌ} قراءة نافع و{مَعْذِرَةً} قراءة عاصم بن أبي النجود لأن المشاهدين الكثير منهم يقرأ {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} فيجب أن نوضح، فهؤلاء أنكروا المنكر مع قول الآخر انه لن يجدي شيئا {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الأعراف:164] هنا لعلهم يتقون، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} هم يظنون أو يقدرون أنه يمكن لهؤلاء أن يرجعوا ويعودوا إلى رشدهم وينهوا عن المنكر فهنا يكون مشروعا لكنه ليس محتما إلى أن يؤدي إلى نتيجة فيكون الإنكار بالقلب ضرورة، أما الإنكار باللسان أو باليد في حالات لا يجدي فيها أو في حالات يؤدي إلى مفسدة فإن لا يكون مشروعا، لأن الإنكار المراد به أن يؤدي إلى تغير، ولذلك هنالك المراتب الأربع التي ذكرها ابن القيّم: إنكار يؤدي إلى تغيير المنكر بدون مفسدة وهذا هو المطلوب، وإنكار يؤدي إلى تقليل المنكر دون مفسدة وهذا أيضا مطلوب، وإنكار يؤدي إلى إزالة المنكر لكن مع مفسدة تساويه وهذا محل نوال واجتهاد، وإنكار يؤدي إلى منكر اكبر وهذا ليس مشروعا هذا حرام بمعنى أن المطلوب هنا هو عدم الإنكار وليس الإنكار وأن تطبيق الشريعة هنا هو ترك تطبيق الجزئية لوجود كلية تعارضها..http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

تغيير المنكر في حدود الاستطاعة

عثمان عثمان: أين مفهوم الاستطاعة في تغيير منكرٍ ربما أن البعض يرى منكرا ينكره بقلبه يسعي إلى التغيير لكن هذا السعي محفوف بالمخاطر يعني كيف هنا نوازن بين المخاطر المحدقة في السير نحو تغيير المنكر وبين الانكماش والعودة إلى الوراء والاكتفاء فقط بالإنكار القلبي؟

عبد الله بن بيه: أولا دعنا نقول أن الإنكار العملي إنما هو لمن يستطيع أن يفعل ذلك ولأجل ذلك من لا يستطيع أن يؤدي واجب الإنكار فلا يجب عليه الإنكار {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغبن:16] فالاستطاعة هي شرط في كل ذلك، طبعا هناك إنكار المنكر وهناك البلاغ هناك فرق، واجب البلاغ هو درجة من إنكار المنكر أكبر من الإنكار مثلا ما قال به المالكي رحمه الله تعالى وأحمد بن حنبل هذا كان بسبب وجوب البلاغ لأنهم أنكروا منكرا وأدى ذلك إلى أن يعذبوا وأن يقمعوا ويسجنوا لكن مع ذلك غلبوا جانب مصلحة القيام بإنكار المنكر لأنه من باب البلاغ حتى يبلغوا الأمة ما يرونه في مسألة خلق القران وبالنسبة لأحمد أو الطلاق المكره أي معنى البيعة بالنسبة للمالكي رحمه الله تعالى، هنا أنا افرق بين حالتين بين ترك إنكار يؤدي إلى مفسدة كبرى كمسألة البلاغ بالنسبة للعلماء مع أو ترك إنكار منكر لا يؤدي إلى مفسدة كبرى كحالة عوام الناس الذين قد يؤدي الإنكار إلى أن يضرب أحدهم أو أن يعتدي عليه فلا يكون واجبا عليه لكنه يكون مستحبا فقط إذا لم يؤد إلى منكر أكبر..

عثمان عثمان: في حالة الأئمة أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة عندما مارسوا موضوع البلاغ، البلاغ في تغيير المنكر كيف يمكن أن ننزل هذه الصورة على واقع علماء اليوم؟

عبد الله بن بيه: أعتقد أن هذا الأمر لازم دائما لكن بشرط أن لا يؤدي إلى منكر أكبر، وهنا تقدير المنكر أو تحقيق المناط في تقدير المفسدة التي يؤدي إليها أمر مطلوب ومهم جدا لأن كثيرا من الناس وكثيرا من الدعاة ينكرون أمورا أحيانا هم لا يحققون عدم الخلاف فيها ثم بعد ذلك لا يحققون مآلات هذا الإنكار وبالتالي يكون الإنكار في حقهم منكرا أي لا يجوز لهم أن ينكروا في حالة لا تقدر فيها الحقيقة الشرعية حق قدرها بمعنى أنه لا يحسن تفسير النص أو لا يحسن تعليل النص أو لا يحسن تنزيله على الحالة، هذه المراحل أو هذه المنهجية من لا يتقنها فالأولى له أن يسكت، من يتقن المنهجية ويعرف وزن المصالح والمفاسد هذا ينبغي أن يُنكر ينبغي أن يتكلم لا أن يعتدي بيده فهذا ليس مطلوبا منه لكن إذا كان..

عثمان عثمان: يعني أن لا يغير بيده.

عبد الله بن بيه: لا يغير بيده، الذي يغير بيده هو من له السلطان، فلذلك في باب المعصية يقول اللجين يقول إذا فاتت إذا فرغ منها فالأمر إلى السلطان هو الذي يوقع العقوبة، العقوبة لا ينزلها الأفراد، خطاب الشرع منه موجه إلى السلطان ومنه موجه إلى الأفراد، وبالتالي من لا يعرف مستويات الخطاب لا يمكن أن يتعامل مع الخطاب الشرعي يعني المجموعات التي تقوم بأنفسها بتغيير ما تراه منكرا هذا ليس من شأنها هذا الأمر من شأن السلطان وليس من شأن الأفراد، الخطاب الشرعي مثلا لله سبحانه وتعالى يخاطب أقيموا الصلاة وأتوا الزكاة لكل إنسان، {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}[الأنفال:58] من ينبذ العهود ومن يبرم اتفاقيات السلام والحرب هذا هو السلطان الأكبر طيب سمه الآن رئيسا أو برلمانا أو ما شئت لكن هناك من يحقق المناط نسميه محقق المناط أو من له أهلية في اتخاذ القرارات في باب ولاية التطبيق الشرعي من يطبق الشرع يقول إمام الحرمين إن الحدود مرجعها إلى السلطان ونائبه وكذلك يتكلم أيضا ابن القيم في كتابه في “إعلام الواقعين” في قضية التجاوز عن الحدود لظروف معينة كل هذا يرجع إلى تقدير سلطاني إلى تقدير جهة تقدر المصالح والمفاسد والمآلات.

عثمان عثمان: إذن من هنا نتحدث عن مستوى أو القضايا الكبرى كإبرام العهود أو العقود أو نقضها أو مسائل تختص بالسلطان لكن ماذا عن المنكرات التي تسود المجتمع سواء في البيت في الأسرة في الحياة العامة في التربية في التعليم وغير ذلك من المعني هنا بتغيير المنكر؟

عبد الله بن بيه: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) فمستويات الخطاب ما يتعلق بالأفراد منها وما يتعلق بالعائلات وما يتعلق بالأسر، فكل إنسان له رعايته في هذا فهو يغير المنكر في حوزته وفي حدود إمكاناته فهو يغير المنكر وجوبا عليه، الله سبحانه وتعالى يقول عن سيدنا إسماعيل {اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}[مريم:54-55] يأمر أهله بالصلاة والزكاة، فأمر الأهل بالصلاة والزكاة ونهيهم عن المنكر هذا من صميم الدين، فلا يمكن للإنسان أن يكون سلبيا في هذا مع أن روح العصر اليوم أصبحت فردانية ولكن مع ذلك علينا أن نحيي في قلوب الناس الاهتمام بتغيير المنكر على المستويات المختلفة لكن علينا أن نضع حدودا ومستويات معينة لنعرف الناس أن هذه المستويات لا يمكن أن يقدم عليها إلا من له سلطان شرعي مهما كان هذا السلطان الشرعي.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

سلطة تغيير المنكر

عثمان عثمان: مولانا هناك صورة نمطية في أذهان البعض يعني هذه الصورة تتحدث عن أن من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم فقط العلماء والدعاة والمشايخ يعني حقيقة من يملك حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

عبد الله بن بيه: هو هذه الصورة لها ربما ما يبررها بمعنى أن المنكر هو درجات هناك الأمور الواضحة الضرورية التي يقوم بها كل أحد بحدود إمكاناته لكن هناك أمور خفية اختلف العلماء فيها فهذا النوع من القضايا لا يقوم به إلا أهل العلم فلا يمكن لجاهل أن يقوم بهذا العمل أو بشخص قل علمه وضاق فهمه أن يتكلم في أمور لا يحسنها فهذا أيضا يؤدي إلى بلية أخرى وإلى فتنة للناس وشغب عليهم لا ينبغي أن يسمح به.

عثمان عثمان: البعض فضيلة الشيخ يعني قرأ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه تعبير عن المواطنة المعاصرة التي تقول بالمسؤولية وبحق الجميع في المشاركة والإسهام في تحقيق الخير العام والتدخل من اجل التصحيح والتغيير ما رأيكم أسمعه إن شاء لله بعد أن نذهب إلى فاصل قصير، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل..

 

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان “فقه تغيير المنكر” مع فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مولانا اليوم نتحدث في ظل الدولة الحديثة عن مصطلح المواطنة المعاصرة أو المعاصرة وانطلاقا من هذا المصطلح وهذا الواجب يرى البعض هنا مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب المشاركة في الشأن العام وإصلاح الوضع العام كيف تقولون بمثل هذا الرأي؟

عبد الله بن بيه: على كل حال المواطنة قد لا تتضمن أمرا ونهياً المواطنة هي عبارة عن علاقة تبادلية بين أفراد المجتمع يعيشون في بلد واحد لهم حقوق متساوية وواجبات أيضا في مقابل هذه الحقوق هذه المواطنة بصفه عامة، فمن ضمن هذه الواجبات قد نقول في بلد مسلم، من ضمن هذه الواجبات أن يبذل النصحة للآخرين وأن يوصيهم بالخير وأن يقدم له الخير قد نفهمها هكذا قد نفهمها أيضا أن الجهات المخولة كالأحزاب مثلا تقوم بالحسبة تقوم بتغيير المنكر بإنكار المنكر لأنها تحتج على الكثير من القضايا، هذه قضايا قد يكون فيها من المناكر التي تراها هذه الأحزاب أنها ليست ملائمة فهذا أيضا نوع من تغيير المنكر، كذلك النقابات عندما تطالب بحقوق العمال وهي حين إذن تريد أن تغير حالة من الفقر قد يكون هذا باب التغيير بالمعني الواسع للمنكر، لكن كما قلنا المنكر هو أمر يخالف الشرع أو يخالف المصلحة أو يؤدي إلى مفسدة فهذا المعنى الواسع للمنكر يجعلنا نحتاج إلى نوعين من الفقه إلى فقه بالشريعة معرفة الأحكام الشرعية وهو ما يسمى بالواجب الواقع وإلى معرفة الواقع أيضا، معرفة الواقع هذا من يعرف الواقع لا يمكن أن ينكر منكر في بلد يعيشوا بما يسمى بالحريات الفردية إذا قام الإنسان وأراد أن ينكر على الجميع فإنه يعرض نفسه ويعرض البلد إلى الفتنة.

عثمان عثمان: ماذا يفعل هنا؟

عبد الله بن بيه: يفعل أن يدعو دعوة طويلة لتخليق المجتمع لإعادة المجتمع للأخلاق لا يمكن أن تعيد بعض المجتمعات بالقوة والقهر بسلطان القهر، هناك طريقة جديدة هو أن نبحث في برامج الأخلاق لنخلق المجتمع من جديد كذلك أيضا لنفرض بعض العقوبات الجذرية حتى ولو لم تكن العقوبات العصرية، شيئا فشيئا ينمو الضمير ويعرف ويتعلم الناس أمر دينهم وبالتالي يصبح على المجتمع رقيباً من نفسه هذا الذي نحن ننصح به  بعض الجهات أو بعض المناطق الثورية التي لم تستقر بعد على قرار والتي ما زال فيها المجتمع منقسم إلى فئتين فإن تغير المنكر جملة واحدة يخرج الناس منه جملة كما قال عمر بن عبد العزيز، فعليك أن تحاول بالنفس الطويل أن تعطي القدوة من نفسك وأن تقدم البرامج التربوية الإعلامية حتى توصل الناس إلى مرحلتين هم أنفسهم يكونون حراساً للمجتمع ويغير كل واحد المنكر.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

خصوصية التصور الإسلامي للأقليات

عثمان عثمان: انطلاقاً من مبدأ المواطنة التي تساوي بين الحقوق والواجبات بالنسبة لكل المواطنين ماذا عن غير المسلمين سواء كانوا مأمورين أو آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر أو منهيين عنه؟

عبد الله بن بيه: غير المسلم لا يلزم بكثير من الأخلاق التي يلزم بها المسلم، إذا المنكر في دائرة المفاسد هنا المسلم وغير المسلم سواء فيه، أما في غير دائرة المفاسد أي في دائرة الأخلاق فغير المسلم ليس مسؤولاً بهذه الدائرة بمعنى أن الدولة المسلمة لا تفرض عليه شأن، أنت ربما تعرف وثيقة المدينة أو صحيفة المدينة، اليهود وبني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم هذه الوثيقة هي التي تنطبق على العقد الجديد في البلاد الإسلامية مع الأقليات غير المسلمة، هناك عقد جديد، ليس العقد القديم الذي يقوم على الجزية وإنما هو عقد جديد تنطبق عليه صحيفة المدينة ليهود بني عوف لليهود دينهم وللمسلمين دينهم لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، هنا احترام ديانة كل فرد مع الواجبات التي رتبتها الصحيفة وهي واجبات المواطنة نحن نعتبر أن هذه الصحيفة يمكن أن تكون أساسا للدساتير الجديدة التي يمكن أن تحكم دولة فيها أقليات تمتع بحقوق وعليها واجبات أيضا هذه الأقليات تجاه مجتمعها وبالتالي يكون التعايش ليس فقط تعايشاً سلمياً وإنما تعايشاً سعيداً بين كل مكونات المجتمع.

عثمان عثمان: لكن هذه الأقليات التي تتحدث عنها فضيلة الشيخ تتخوف من دساتير أو من نظام إسلامي ما يطالب به المسلم لا يطالب به غير المسلم، هناك خصوصيات لغير المسلمين كيف يمكن أن يتم الفرز هنا وأن تقدم النصائح ربما لولاة الأمر وتقدم تطمينات لهذه الأقليات؟

عبد الله بن بيه: أولا نقول للأقليات أول مبدأ قلته في الأزهر في محاضرة لي هناك مع شيوخ الأزهر أولا مبدأ من مبادئ الإسلام هو الوئام هو السلام كل ما يؤدي إلى احتراب ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) كما جاء بالحديث الصحيح وصية النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فكل ما يؤدي إلى حرب فهذا منهي شرعاً وهذا له أولوية على غيره من الأوليات وبالتالي هذا المبدأ وحده يمكن أن يكون مطمئناً لهذه الأقليات، بالإضافة إلى ما ذكرته من وثيقة المدينة صحيفة المدينة التي تسمح للأقلية بأن تمارس شعائرها وأن تقوم بواجب التضامن مع بقية السكان، واجب النصرة المتبادل، واجب دفع الغرامات والديات أي الواجب الاقتصادي أيضا واجب متبادل، فهذه الواجبات التي يحددها الدستور الذي يعتبر العقد الجديد الوثيقة الجديدة والإسلام يأمر بالوفاء بالعقود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[المائدة:1] فالدستور هو الوثيقة ما سماه هابرماس سماه المواطنة الدستورية أي أن الدستور أصبحت مواطنة جديدة لا ترجع إلى العرق ولا إلى الدين كما كان قديماً في أوروبا ولكنها ترجع إلى وثيقة إلى دستور يحدد الواجبات ويحدد الحقوق وبالتالي هذا الدستور هو أساس المواطنة الجديدة سماه هذا الفيلسوف الألماني هابرماس سماه بالمواطنة الدستورية فنحن نعيش عصر المواطنة الدستورية وليس بها ما يخالف الإسلام إذا نحن أحسنا الفهم وأحسنا التطبيق أيضا.

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ  يعني الأخ جمال الطواب يسأل هل تشترط الاستقامة فيمن يسعى إلى تغير المنكر؟

عبد الله بن بيه: هو ورد في القرآن الكريم قول الله جل وعلا من يأمر بالمعروف ولا يأتيه ومن ينهى عن الشر ويأتيه أيضا وهذا ملموم.

عثمان عثمان: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}[البقرة:44]

عبد الله بن بيه: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] لكن مع ذلك قالوا فليأمر بالمعروف ولينهى عن المنكر حتى ولو لم يفعله، هذا إظهار لجانب الذم مع ذلك يبقى الواجب واجبا حتى ولو لم يملك نفسه فإن عليه أن يأمر بالمعروف، قلت أمري لسواي وأمري لنفسي ولكي الصحيح يبرئ الأعر كما قال احد علمائنا في هذه المسألة بالذات قال إذا أمرتموه كأني أمرت نفسي وهناك مثل يقول لكي الصحيح يبرى الأعر.  

عثمان عثمان: نعم عندما نتحدث عن المنكرات هل هناك منكرات واجبة التغيير والإنكار هناك منكرات قد عمت بها البلوى هناك منكرات لا يمكن أن نقترب منها نعتبرها أنه لا قيمة لها هل هناك مستويات في المنكرات التي يجب التعامل معها؟

عبد الله بن بيه: هناك مستويات لكن نحن لا نحظر شيئا من المنكر، طبعا أنا لا اتفق مع بعض العلماء الذين يقولون المنكر يشمل المكروهات فعل المكروهات وترك المستحبات، أنا أعتقد أن رفض المنكر لا يوحي بذلك، المنكر هو شيء سيئ وبالتالي لابد أن يكون حراماً أو ترك واجباً لحتى يسمى منكرا في الشرع أو مفسدة قد تضر بشخص ((لا ضرر ولا ضرار)) فهذا هو المنكر وبالتالي المنكرات طبعا ليست على درجة واحدة ليست على ميزان واحد كما يقول الشاطبي بل هي درجات، هذه الدرجات نتعامل معها بمقدارها، من الذي يحدد الدرجة؟ هو قوة النهي و قوة المفسدة، درجة المفسدة ودرجة النهي هذا الميزان هو الذي يمكن به أن تعليه درجات المنكر عندما يقول الله سبحانه وتعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة:275] ويقول عن آكل الربا أيضا  أنه يحارب الله ورسوله {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة:279] فهنا ندرك أن الربا أن تحريم الربا شديد جدا عندما ننظر إلى المفسدة بمفسدة الربا لكونه يكبل الفقراء ويثري الأغنياء ويخل بالتوازن المجتمعي حينها يمكن أن نزن المنكر هنا، كذلك الفواحش التي من شأنها أن تؤدي إلى مجموعة من اللقطاء لا تنتسب إلى أباء هذا أيضا منكر يضر بالمجتمع ضرار شديد هذا ليس كمنكر آخر كالقرار والشهادة والبيع مثلاً فالمنكرات كما قلنا ليست على ميزان واحد لكن الميزان كيف نعرف الميزان؟ الميزان يرجع إلى شدة النهي من جهة أي النصوص الحاكمة وإلى درجة المفسدة أو حمولة المفسدة التي تكون في العقل أو في الفكر.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

وسائل تغيير المنكر وسبل استخدامها

عثمان عثمان: إذن نحن هنا نتحدث عن مستويات لهذا المنكر بالمقابل هناك وسائل لتغيير هذه المنكرات ما هي هذه الوسائل؟ كيف نستخدمها؟

عبد الله بن بيه: النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن ثلاث وسائل اليد اللسان القلب، القلب لا يُغير ولكنه يُنكر، لكن ما كان الإنكار وسيلة إلى تغيير عبر عنه به مجازاً لأنه يؤول إليه، لكن اليد تُغير فهذه وسيلة لتغيير المنكر لكن في وسائل الآن متنوعة وسيلة الإعلام أن نغير المنكر من خلال البرامج الإعلامية، أن نبين للناس شناعة  المنكر وقبح المنكر، كذلك وسائل التعليم، كذلك في البيوت أن نثقف الناس في بيوتهم، كذلك القدوة الحسنة لتغيير المنكر، هناك وسائل كثيرة علينا أن نستكشف هذه الوسائل وعلينا أن نستوعب كل ما في العصر من وسائل لنجعله في قنوات تغيير المنكر.

عثمان عثمان: ما أهمية  فضيلة الشيخ استخدام الحكمة في تغيير المنكر عندما نتحدث عن منكر يقوم به شخص ما قد يواجه به على الملأ أمام الناس وتتحول النصيحة هنا إلى فضيحة، ما أهمية الحكمة في توجيه النصيحة في إنكار المنكر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

عبد الله بن بيه: الله سبحانه وتعالى يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل:125] الحكمة هي الصواب في القول والعمل بمعنى أن الإنسان إذا غيّر المنكر بطريقة غير مصيبة فليس حكيماً أن نستعمل الحكمة وأن نسلك سلوك النبي صلى الله عليه وسلم أن نقتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم لتغيير المنكر كان يقول ((ما بال أقوامي)) حتى لا يصرح بشخص الذي يعنيه بذلك يقول ((ما بال أقوامي يفعلون كذا)) أو ((ما بال أقوامي يقولون كذا)) حتى لا يكسف الشخص أو يشعر بالمهانة فهذا من شأنه أن يجعله يُصر ويستمر في هذا وبالتالي..

قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ

كما قال ابن رزيق، إذا قلت للإنسان أو شتمته فإن هذا يولعه يجعله يستمر في هذا العمل قد تقول الحق لكنه لا يسمع نصحك، فعلينا أن نحاول دائما أن نبذل جهدا حتى نصل إلى قلوب الناس، ولا نهتم بشتم الناس أو كما يفعله بعض الدعاة أو مهانة الناس هذا لا يجوز، هذا يدل على نوع الرياء أيضا وعلى نوع من الحالة النفسية للداعية لأنه يريد أن يظهر نفسه بشتم الآخرين أو بتحقير الآخرين.

عثمان عثمان: البعض يعني بعض المصلين يقول لك أنا اذهب إلى المسجد وأتلقى موعظة لكن أجد خطيب المسجد يهاجمني وكأنني المجرم وكأنني الفاسد وكأنني يجب أن يقام علي الحد من هذا المنطلق يعني تغيب الحكمة في تبليغ الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

عبد الله بن بيه: أنا أعتقد أن ذلك يُنفر وبالتالي يجب أن لا نكون منفرين يجب أن نبشر وأن لا ننفر كما جاء بالحديث ((بشروا ولا تنفروا يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)) فعلينا أن نبشر الناس وأن نبذل جهدا في هذا العصر الذي أصبح الإنسان فيه أنانيا وغربياً وأصبح عصياً على الكسر وعلى القهر وأصبح عصياً على ذلك بأن نجد وسائل جديدة للتعامل مع قلوب هؤلاء الناس حتى نصل إلى بغيتنا وهي إشاعة الأخلاق الفاضلة في المجتمع.

عثمان عثمان: بعض الأشخاص قد يغضبون غضبا شديداً فتعمى أبصارهم وربما تعمى قلوبهم فيرتكبون منكرات ما، هل من الحكمة هنا أن نأتي لهذا الإنسان لنذكره بالله أو لنأمره بالمعروف أو ننهاه عن المنكر أم نتركه حتى يبرد غضبه ويعود إلى طبعه الأصيل؟

عبد الله بن بيه: هو الغضب حالة من ثوران النفس التي لا يسمع صاحبها شيئا، النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تغضب)) لما طلب منه الرجل أن يوصيه قال له: لا تغضب ثلاثة، لماذا؟ أي لا تعمل بموجبات الغضب أي لا تعمل بما يؤدي إليه الغضب من القتل أو من الإساءة على الآخرين لأن الغضب حالة نفسية فيها ثوران وفيها فوران وبالتالي على الداعية أن يكون كالطبيب أن يرى ما هي حالة الشخص النفسية وما الذي يمكن أن يفعل ليصل إلى مبتغاه وهو هداية الناس، النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قال ما أحسنت علي قال لهم: دعوه دعوه وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه حتى رضي هذا الشخص وخرج بإيمانه بعد أن كاد أن ينسلخ من الأيمان لأنه يريد لعاعة من الدنيا.

عثمان عثمان: وذلك الذي كان يبول بالمسجد قال دعوه..

عبد الله بن بيه: نعم قال لا تُزْرِمُوه أي لا تقطعوا بوله، البول في المسجد لا يجوز ولكن مع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يُعاجله فهذا كثيرا في..

عثمان عثمان: أمثلة كثيرة من سيرة النبي علية الصلاة والسلام، الأخ محمد عبد الماجد يقول كيف نواجه المنكر الذي يرتكبه ولي الأمر كيف نتصرف؟

عبد الله بن بيه: نصيحة ولي الأمر ليست كنصيحة غيره يجب أن نعالج بالمضادات الحيوية كما يقولون، أن نبحث عن وسيلة لمعالجته أولا أن تخاطبه بلين إذا كان ذلك نافعاً، الله سبحانه وتعالى يقول لموسى وأخيه أن يخاطب فرعون {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:44] فإذا كان هذا حال فرعون وإذا كان هذا خطابه موجه إلى فرعون فما ظنك بغيره؟ كما قال هارون الرشيد قال له: أنت ليس خيرا من موسى وأنا لست شرا من فرعون، فانظر إلى الحالة طبعا هناك الآن ما يسمى بالديمقراطيات، والديمقراطيات أحدثت وضعا جديداً يحقق فيه المناط فرئيس الدولة في هذه الديمقراطيات جاء بعقد معين وبطريقة خاصة لا يمكن للناس أن يخاطبوه كما يخاطب غيره من خلال الصحف ومن خلال التلفزة على أن يكون ذلك بحسن أدب على أن يكون ذلك بأسلوب إسلامي، أسلوب التشهير والتشنيع لا ينفع ونرجو من أمتنا أن تتجاوز هذه المرحلة من الشتم التي أصبحت لو أخذنا قاموس شتم لوجدنا أن الأمة الإسلامية الآن هي أكثر الأمة شتماً مع أن ديننا ينهى عن ذلك، وبالتالي علينا أن نجد وسائل جديدة لخطاب بعضنا، لمواجهة بعضنا للبحث مع بعضنا للحوار حتى تسير أمتنا على دروب الخير في الدنيا وفي الآخرة.

عثمان عثمان: سؤال ربما تحدثتم أو أجبتم عنه لكن أرى أهمية أن نعيد التأكيد عليه موضوع تغيير المنكر إذا كان يؤدي إلى منكر أكبر وأفظع.

عبد الله بن بيه: هذا أمر في غاية الأهمية لأن كثيرا من الناس لا يهتمون بالمآلات ومن يريد أن يفتي أو يغير منكراً عليه أن يسأل نفسه عن مآل هذا التغير، إذا كان هذا التغير يؤدي إلى منكر أكبر إلى مفسدة فهذا حرام، فقد رجع إليه ما كان يريد أن يفعله، لهذا قصة شيخ الإسلام ابن تيمية يقول كان يمر ببعض الجنود وترى ذلك من ابن القيم قال لنا أنه كان يمر بجنود من التتار وهم يشربون فنهاهم احد أصحابه فقال له: لا تفعل إن الخمر ما نهي عنها لما تؤدي  إليه من البغضاء بين الناس وهؤلاء إذا لم يشربوا فإنهم ينطلقون إلى الناس وإلى البيوت ويقتلون الناس وبالتالي النهي هنا ليس في محله لأنه يؤدي إلى قتل النفر بالنظر هنا إلى المآلات الله سبحانه وتعالى يقول {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }[الأنعام:108] منع سب الصنم لأنه يؤدي في مآله إلى سب الله سبحانه وتعالى هذا الذي نسميه سد الذراع والنظر في المآلات فالآمر في المعروف والناهي عن المنكر عليه دائما أن يستحضر المآلات، ولهذا الكثير من الناس لا يحسنون التنزيل لأن المنهجية هي تفسير النصوص الشرعية التثبت من النصوص ثم مرحلة التفسير والتأويل ثم مرحلة التعليل ثم مرحلة التنزيل، مرحلة التنزيل هي عبارة عن النظر إلى الواقع بكل تضاريسه وبكل تفاصيله، هل هذا الواقع يمكن أن يقبل هذا الحكم المنزل عليه؟ الحكم لا يمكنه أن يقبله، ما هي مآلات هذا الفعل لو فعلته؟ ما هي مآلات لو أعلنت إني سأطبق الشرع في مكان ما سأطبق الحدود في مكان ما، يعني العلماء رضاء الله عليهم ذكروا جملة من الشروط والأسباب والموانع هذا يسمى خطاب الوضع كل عمل من الشرع يرجع إلى دائرة العمل وكل حكم يرجع إلى دائرة العمل فهو محاط بما يسمى بخطاب الوضع قيام الأسباب توفر الشروط انتفاء الموانع، فإذا لم يكن ذلك فلا يجوز تطبيقه وبالتالي نرجو للجميع أن ينظروا إلى مآلات أفعالهم وأن يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن لا يرتكبوا منكرا ونسأل الله سبحانه وتعالى..

عثمان عثمان: نحن بدورنا  فضيلة الشيخ نشكركم في ختام هذه الحلقة على حضوركم معنا وعلى هذا الكلام الطيب كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج  منصور الطلافيح وفي الإنتاج عبير العنيزي، وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

اضغط لمشاهدة الحلقة 

حكم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم

السؤال
ما موقف المسلم من هؤلاء (غير المسلمين) المسالمين لهم، الذين لا يعادون المسلمين، ولا يقاتلونهم في دينهم، ولم يخرجوهم من ديارهم أو يظاهروا على إخراجهم؟ هل يجوز له ان يهنئهم في أعيادهم ومناسباتهم ويعزيهم في اتراحهم ومآسيهم؟
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلّ على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين

إن مسألة تهنئة غير المسلمين بأعيادهم الدينية من النوازل القديمة بالجنس ولكنها جديدة بالنوع، حيث غدت أكثر إلحاحا في ظل واقع العولمة ومتغيرات العقود الاجتماعية المعاصرة.

وهي مسألة اجتهادية عرية عن النّص، ومع ذلك فقد رام بعض المنتسبين إلى العلم رفعها إلى مرتبة القضايا القطعية بل نحا بها منحى الأمور العقدية. وذلك مظهر من مظاهر الخلل المنهجي الحاصل في بعض الفتاوى المعاصرة، حيث لا تولي اعتبارا لمراتب الأحكام وتحصر النهي في الحرمة وتغفل مرتبة الكراهة التي هي حكم جلّ المسائل المشتبهات.

وقضية تهنئة غير المسلمين من هذه المسائل الواقعة في دائرة الاشباه، قال ابن بطال في شرحه لحديث الحلال بين والحرام بين (المشتبهات كل ما تنازعته الأدلة من الكتاب والسنة وتجاذبته المعاني فوجه منه يعضده دليل الحرام ووجه منه يعضده دليل الحلال). قال في مراقي السعود: “وما فيه اشتباه للكراهة انتمى”.

وقد قصدت في هذه الفتوى رفع الحرج عن المسلمين وبيان أن الأمر واسع، إعْمالا لقاعدة التيسير التي اعتبرها الإمام الشاطبي من المقاصد الكُلّية للشريعة، وسأُبَيّن بإذن الله عزّ وجلّ أن هذه المسألة فرعية اجتهادية لا ترقى إلى الحرام البيّن بل مدارها بين الإباحة والكراهة للاشتباه, فالقول بأنها من قضايا الاعتقاد والحرام القطعي تقوّل على الشارع.

ويكفي دليلا جازما على أن التهنئة مسألة في محل الاجتهاد، لم يرد نص بخصوصها، أن نذكر أن الإمام أحمد رُوي عنه فيها ثلاث روايات: بالتحريم والكراهة والجواز. قال المرداوي في الإنصاف ما نصه : ( قول الأصل: وفي تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم: روايتان:

وأطلقهمـا في «الهداية»، و«المذهب»، و«مسبوك الذهب»، و«المستوعب»، و«الخلاصة»، و«الكافي»، و«المغني»، و«الشرح»، و«المحرر»، و«النظم»، و«شرح» ابن منجا.

إحداهمـا: يحرم وهو المذهب، صححه في «التصحيح»، وجزم به في «الوجيز» وقدمه في الفروع.

والرواية الثانية: لا يحرم، فيكره، وقدمه في «الرعاية» و«الحاويين» في باب الجنائز ولم يذكر التحريم.

وذكر في «الرعايتين»، و«الحاويين» رواية بعدم الكراهة فيباح، وجزم به ابن عبدوس في «تذكرته».

وعنه: يجوز لمصلحة راجحة كرجاء إسلامه، اختاره الشيخ تقي الدين، ومعناه: اختيار الآجري وأن قول العلمـاء يعاد ويعرض عليه الإسلام.

قلت: هذا هو الصواب، وقد عاد النبي صلى الله عليه وسلّم صبياً يهودياً كان يخدمه وعرض عليه الإسلام فأسلم([1]).

نقل أبو داود: أنه إن كان يريد أن يدعوه إلى الإسلام فنعم.)([2]).

ولا وجه للدعوى أن التهنئة بالأعياد الدينية مستثناة من أصل المسألة، إذ لم يرد عن الإمام النص بهذا الاستثناء، والقاعدة الأصولية أن عدم الاستفصال منزل منزلة العموم، قال في “مراقي السعود”:

ونَزِّلَنَّ تركَ الاسْتفصالِ منزلةَ العمومِ في الأقْوالِ

ومن ثمَّ فإن هذه المسألة غامضة الانتماء لأصل معين، حيث تتجاذبها جملة من العمومات وتتردد بين جملة من الأشباه، فهي مضطربة بين نصوص محذرة مثل تلك النصوص النّاهية عن التولّي والموالاة، وبين نصوص أخرى مرغّبة مثل النصوص الآمرة بالبر والقسط والإقساط، والمخالقة بالخلق الحسن. كما أنها من حيث القواعد متجاذبة بين قواعد عديدة كقاعدة سدّ الذرائع وقاعدة المصالح المرسلة وقاعدة تحكيم النيات وقاعدة مخاطبة الكفار بالفروع. وتجد نظير هذا التجاذب في كثير من المسائل المشابهة في دائرة الاشتباه.

ينبغي التنبه أولا إلى كون هذه الأعياد الدينية أمرها أمر دور العبادة وسائر طقوس غير المسلمين المسالمين، في إقرار الإسلام أهلها عليها، حيث لم يلزمهم بالتخلي عنها ونهى المسلمين عن التعرض لها، كما جاء في العهدة العمرية، بل أكثرُ من ذلك أمَرهم بحمايتها والدفاع عنها، كما نصّ عليه ابنُ القَيِّم ورَجَّحَهُ في “أحكام أهل الذمة”، عند تفسير قوله تعالى (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز)، فقال : ( وَقَالَ الْحَسَنُ: ” يُدْفَعُ عَنْ مُصَلَّيَاتِ أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالْمُؤْمِنِينَ “.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُحْتَاجُ إِلَى التَّقْدِيرِ الَّذِي قَدَّرَهُ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهَذَا ظَاهِرُ اللَّفْظِ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ بِوَجْهٍ، فَإِنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى الْوَاقِعِ، لَمْ تَدُلَّ عَلَى كَوْنِ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ – غَيْرَ الْمَسَاجِدِ – مَحْبُوبَةً مَرْضِيَّةً لَهُ، لَكِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْلَا دَفْعُهُ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ هَذِهِ الْأَمْكِنَةُ الَّتِي كَانَتْ مَحْبُوبَةً لَهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَأَقَرَّ مِنْهَا مَا أَقَرَّ بَعْدَهُ، وَإِنْ كَانَتْ مَسْخُوطَةً لَهُ كَمَا أَقَرَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ، وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُهُمْ وَيَمْقُتُهُمْ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ مَعَ بُغْضِهِ لَهُمْ.

وَهَكَذَا يَدْفَعُ عَنْ مَوَاضِعِ مُتَعَبَّدَاتِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُهَا، وَهُوَ سُبْحَانُهُ يَدْفَعُ عَنْ مُتَعَبَّدَاتِهِمُ الَّتِي أُقِرُّوا عَلَيْهَا شَرْعًا وَقَدَرًا، فَهُوَ يُحِبُّ الدَّفْعَ عَنْهَا وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُهَا، كَمَا يُحِبُّ الدَّفْعَ عَنْ أَرْبَابِهَا وَإِنْ كَانَ يُبْغِضُهُمْ.

وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الرَّاجِحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْآيَةِ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ فِي ” تَفْسِيرِهِ “: حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ الْأَشَجُّ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ – هُوَ ابْنُ مُوسَى – عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ} [الحج: 40] قَالَ: الصَّوَامِعُ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا الرُّهْبَانُ، وَالْبِيَعُ مَسَاجِدُ الْيَهُودِ، وَالصَّلَوَاتُ كَنَائِسُ النَّصَارَى، وَالْمَسَاجِدُ مَسَاجِدُ الْمُسْلِمِينَ.

قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَأَخْبَرَنَا الْأَشَجُّ، ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ} [الحج: 40] قَالَ: صَوَامِعُ وَإِنْ كَانَ يُشْرَكُ بِهِ! وَفِي لَفْظٍ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُذْكَرَ وَلَوْ مِنْ كَافِرٍ.) ( أحكام أهل الذمة، ص 1169).

وإلى هذا القول ذهب ابن عاشور في تفسيره حيث قال إن في الآية (تنويها بهذا الدفاع والمتولين له بأنه دفاع عن الحق والدين ينتفع به جميع أهل أديان التوحيد من اليهود والنصارى والمسلمين وليس هو دفاعا لنفع المسلمين خاصة). (التحرير والتنوير ج 17 ص 200).

ونظرا لكون دور عبادتهم مما أقرهم الإسلام عليه، رجّح القاضي أبو يعلى في المجرّد جواز الوصية ب”بحُصر للبِيَعِ أو قناديل وما شاكل ذلك، إذا لم يقصد إعظامها بذلك، لأن الوصية لأهل الذمة فإن النفع يعود إليهم والوصية لهم صحيحة” (أحكام أهل الذمة ص 610).

ومن هنا ندرك الفرق بين التهنئة في أعيادهم التي أقرهم الشارع على الاحتفال بها، وبين ما جاء في كلام ابن القيم، وهو كلام قد يكون يشير إلى وضع خاص، وإلا كيف يتأتى أن نشَبّه شيئا أذن الشارع به للمُهَنَّإِ بقتل النفس وارتكاب الفاحشة وهي أمور لا يؤذن بها في شرعنا ولا في شرعهم.

وقد نُقل عن الإمام مالك روايتين بالكراهة والجواز في مسألة كراء المراكب للنصارى وبيع الذبائح لهم في أعيادهم. وصحّح ابن رشد عنه وعن تلميذه ابن القاسم الكراهة نافيا رواية التحريم معلّلا هذا القول بعلتين: الأولى أن الشريعة أقرتهم على شرائعهم والثانية أنهم ليسوا مخاطبين بالفروع، جاء في البيان والتحصيل : (وسُئل مالكٌ في بيع الجَزْرَة([3]) من النصراني وهو يعلمُ أنّه يريدها للذبح لأعيادهم في كنائسهم، فكره ذلك، فقيل له: أيُكرَوْنَ الدوابَّ والسفن إلى أعيادهم. فقال: يتجنبه أحب إليَّ، وسُئل ابن القاسم عن الكراء فقال: ما أعلمه حراماً وتركه أحبّ إليَّ.

قال محمد بن رشد: وهذا كما قالا: إن ذلك مكروه وليس بحرام؛ لأن الشرع أباح البيع والاشتراء منهم والتجارة معهم وإقرارَهم ذمّةً للمسلمين على ما يتشرعون به في دينهم في الإقامة لأعيادهم، إلاّ أنه يكره للمسلم أن يكون عوناً لهم على ذلك، فرأى مالك هذا على هذه الرواية من العَوْن لهم على أعيادهم، فكرهه، وقد رُوي عنه إجازةُ ذلك، وهو على القول بأنهم غيرُ مخاطبين بالشرائع([4])).

وتخريج ابن رشد للمسالة على القاعدة الأصلية الخلافية بعدم مخاطبة الكفار بفروع الشريعة، تبعه عليه الزقاق في المنهج المنتخب قائلا:

هل خوطبَ الكفار بالفروع     عليه كالوطء لذي الرجوع

والغسل والكرا وإحداد طلاق    وغرم كالخمر وتحليل عتاق

يعني بقوله ” والكرا” كراء الدّابة لكافر في عيده ليركبها ([5]).

وذكر الونشريسي في قواعده الخلاف في أنهم مخاطبون بالفروع وذلك في القاعدة (68)، وأصلها للقرافي في الفروق والمقري في القواعد: وذكر مِنْ فروع هذه القاعدة إكراء الدابّة للنصارى ليركبوها لأعيادهم، وبيع الشاة لعيدهم.

ونقل الونشريسي عن ابن العربي: أنه لا خلاف في مذهب مالك أنهم مخاطبون، إلاّ أنّ أبا بكر بن العربي قال: والصحيح جوازُ معاملتهم، مع رباهم، واقتحام ما حرَّم الله سبحانه عليهم، فقد قام الدليل القاطع في ذلك قرآناً وسُنَّةً، فقد قال الله تعالى( وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ) وهذا نص. وقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود. ومات ودرعه مرهونة عند يهودي في شعير أخذه لعياله.([6]).

وقد قال ابن رشد في (البيان والتحصيل) عند تعليله قول مالك بأن معاملة المرابي المسلم أعظمُ من معاملة المرابي النصراني: وذلك من أجل أنه غيرُ مخاطب بالشرائع على الصحيح من الأقوال ([7]).

ولعل من ما يرجّح القول بعدم مخاطبتهم بالفروع ما صحَّ في البخاري عن عبد اللَّه بن عمر أنَّ عمر بن الخطَّاب رأَى حُلَّةً سيراءَ عنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اشْتَرَيْتَ هَذِهِ فَلَبِسْتَهَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلِلْوَفْدِ إِذَا قَدِمُوا عَلَيْكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لا خَلاقَ لَهُ فِي الآخِرَةِ ثُمَّ جَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهَا حُلَلٌ فَأَعْطَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهَا حُلَّةً فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِيهَا وَقَدْ قُلْتَ فِي حُلَّةِ عُطَارِدٍ (اسم البائع) مَا قُلْتَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنِّي لَمْ أَكْسُكَهَا لِتَلْبَسَهَا فَكَسَاهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَخًا لَهُ بِمَكَّةَ مُشْرِكًا “.

ومما يشبه مسألة كراء الدواب لهم، ما ذهب إليه الشافعية من جواز إيجار الذمي على كنس المسجد، وما ذهب إليه أبو حنيفة من جواز إجارة العقارات إليهم في السواد لاتخاذها أماكن للعبادة.

وجاء في الحطاب عند قول خليل” وكذا ما ذبح لعيده أو عيده أو لجبريل”: ( قال في التوضيح عن ابن الموّاز: كرهه مالك، أنه خاف أن يكون داخلا في عموم قوله تعالى: (وما أهلَّ لغير الله به) ولم يُحَرّمه لعموم قوله تعالى : (وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم)، وأما الذبح للأصنام فلا خلاف في تحريمه لأنه مما أهل به لغير الله به…وهذا والله أعلمُ هو الفرق بين ما ذبح للأصنام وبين ما ذبح لعيسى لأن ما يذبحونه للأصنام يقصدون به التقرّب إليها، وما ذبح لعيسى أو لصليب أو نحوهما إنما يقصدون به انتفاعها بذلك، والله أعلم).[8]

ومن القواعد الحاكمة في المسألة قاعدة المصالح والمفاسد، وبها رجّح ابن تيمية – كما تقدّم – جواز تهئنتهم وتعزيتهم عيادة مرضاهم ، وقال: يجوز أن يقول لغير المسلم أهلا وسهلا([9]).

قال التتائي المالكي: ويجوز تكنية الكافر والفاسق إذا لم يعرف إلا بها أو خيف من ذكره باسمه فتنة. وذكر العوفي أنه لا تحرم مخاطبة الذمي بمعلم ونحوه إذا لم يقصد تعظيمه وخالفه الشيخ يس قائلا: لا يجوز تعظيمه إلا لضرورة([10]).

وقد أسس على قاعدة المصالح الراجحة ابنُ تيمية ضوابط ومعايير في المعاملة مع الكفار في دارهم بجواز موافقتهم في سلوكهم الظاهر مما ليس مخالفا للدين ولا هادما لركن من أركانه.

فبعد أن قرر أن المخالفة لهم  ـــــ للكفار ـــــ لا تكون إلا بعد ظهور الدين وعلوه، قال: (ومثل ذلك اليوم: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مـأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر لمـا فيه من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والإطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين، ونحو ذلك من المقاصد الصالحة)([11]).

على أن قاعدة المخالفة التي أفاض فيها ابن تيمية ليست أصلا من أصول الاعتقاد، ولم يقره عليها العلماء، وإنما الضابط في جميع معاملتهم هو عدم منافاة الشرع، فقد

نبه الزرقاني على أن وجوب ترك شعار الكفر إنمـا هو فيمـا يحرم علينا. ونقل عازياً للعز بن عبدالسلام أنّ: زيّ الفقهاء إذا صار شعاراً لهم ينبغي أن يلتزموه، وليس كل ما فعلته الجاهلية منهياً عن ملابسته؛ بل ما خالف فيه شرعنا بالنهي عنه. قال بعضهم: ومن هذا المعنى –أي ما وافق الجاهلية ولم يرد نهي شرعنا عنه: صلة الناس أرحامهم في المباحات في النيروز والمهرجان.[12]

قلت: يوضح ذلك أن أموراً كانت في الجاهلية وأصبحت مطلوبة في الإسلام؛ كالعقيقة وأموراً كان أهل الجاهلية لا يجيزونها؛ ككسر عظام العقيقة، وأجازها الإسلام ولم يوجب كسرها، وكذلك فإن العتيرة ـــ وهي الرجبية الشاة التي كان أهل الجاهلية يذبحونها لأصنامهم في أول رجب ــــ جائزة عند أحمد مكروهة عند مـالك إذا ذبحها الإنسان لنفسه دون التقرب إلى صنم([13]). وكذلك الفرع أول نتاج الإبل والغنم كانوا يذبحونها لآلهتهم إذا عرت عن التقرب إلى الآلهة جائزة.

والنكتة في كل ذلك: أن المشابهة غير التشبه المنهي عنه، ففي «حاشية» ابن عابدين: (قال هشام: رأيت على أبي يوسف نعلين مخصوفين بمسامير، فقلت: أترى بهذا الحديد بأسا، قال لا، قلتُ سفيانُ وثور بن يزيد كرها ذلك لأن فيه تشبها بالرهبان، فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يلبس النعالَ التي لها شعر، وإنها من لباس الرهبان، قال ابن عابدين: فقد أشار إلى أن صورة المشابهة فيما تعلّق به صلاح العباد لا يَضُرُّ)([14]).

وأغلب المحرمين للتهنئة إنما أجاءهم إلى ذلك سدُّ الذريعة دون تعظيم شعائر الشرك، وقد اتفق أهل العلم على أن محرمات الوسائل تبيحها الحاجة، قال ابن القيم (وما حرّم سدا للذريعة أبيح للمصلحة الراجحة)، وكرّر ابن رشد في مسائل من ممنوعات الذرائع أن الفاعل ليس بآثم.

لا سيما أن التعظيم المحترز منه أمر قلبيٌّ، موكول إلى صاحبه، فالنية لصاحبها، وعندما يعلم المرءُ من نفسه أنه لا يقصد تعظيم الكفر، لا يكون آثما، ولا يجوز التقوّل عليه، فالأصل في الإنسان المكلّف أن يحمل في نيته على السلامة، قال الزقاق في المنهج: (والإذن لا العدا) قال شارحه نقلا عن التبصرة: (قال ابن لبابة : والمسلمون في دعوى الغصب والعداءِ محمولون على العافية حتى يثبت خلافها).

فلا بدّ من مراعاة “تحكيم النيات”، فإنما لكل امرئ ما نوى، وحمل المسلمين على أحسن المخارج خير من اتهام النيات واختراع اللوازم التي لا تلزم، ومعلوم أن ليس من شأن المسلمين الذين يهنئون غير المسلمين من جيرانهم وزملائهم أنهم لا يقصدون إلى تعظيم معتقداتهم الكفرية وإنما هي كلمات مجاملة من باب التآلف والتوادد المشروعين الجاريين على قاعدة البر والقسط والإقساط مع المسالمين وهي قاعدة حاكمة في باب العلاقات الإنسانية وحسن التعامل، أصلته آية سورة الممتحنة الممتحنة ﴿ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾([15])، والبر والقسط همـا غاية حسن التعامل، ففي مسند الطيالسي عن هشام بن عروة عن أبيه أن أسمـاء بنت أبي بكر قالت: «يا رسول الله إِنَّ أُمي أَتَتْنِي فِي عَهْدِ قُرَيْشِ وهْيَ رَاغِبَةٌ مُشْرِكَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ صِلِى أُمكِ»([16]).

وحديث الترمذي عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قالَ لِي رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: «اتَّقِ اللهَ حَيْثُ مـا كُنْتَ وَأَتْبعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَــمْحُهَا وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ». بل قد تكون التهنئة أحيانا من باب الرد بأحسن، وهو من أصول المعاملات الإسلامية، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله برد التحية كاملة على غير المسلم مع اشتمالها على اسمه تعالى السلام، مخالفا بذلك المذاهب الأربعة.

فالأمر واسع في التهنئة، من رأى التهنئة لقصد محمود، فإنه لم يرتكب محرما ولم يخرج على دينه، كما أنه لا تثريب على من سلك مهيع الورع، على أن لا يحمل الناس بالإنكار على ما اختار لنفسه، ولا يدخل عليهم حرجا ولا عنتا في دينهم. ومقصد الألفة بين المسلمين والأخوة مقدم على الخلاف في أمر جزئيّ لا نص فيه ولا إجماع، وللاجتهاد فيه مساغ.   

([1])  أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمـات، هل يُصَلَّى عليه، وهل يعرض على الصبي الإسلام، ح(1356)، (2/94) عن أنسI.

([2]) المرداوي في الإنصاف (4/221).

([3]) الجزرة هي: الواحدة من الإبل ـ انظر المصباح المنير (جزر).

([4]) البيان والتحصيل 3 /276، دار الغرب الإسلامي، بيروت، سنة 1406هـ.

([5]) المنجور  شرح المنهج  ص 261.

([6]) إيضاح السالك  ص283- 285.

([7]) انظر: البيان والتحصيل 18/514، دار الغرب الإسلامي، بيروت، سنة 1406هـ.

[8] الحطاب في مواهب الجليل ( 3/ 213-214).

([9])  المرداوي في الإنصاف (4/221).

([10])  يراجع الزرقاني (3/146).

([11])  ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم(176-177).

[12] – الزرقاني      شرح مختصر خليل   1/180

([13])  يراجع الزرقاني (3/47)، والتوضيح الجامع بين المقنع والتنقيح.

([14])  ابن عابدين في رد المحتار(1/419).

([15])  سبق توثيقها.

([16]) – اللفظ له، وهو في الصحيحين، البخاري: كتاب الهبة وفضلها، باب “الهدية للمشركين” (ح2620) ومسلم، كتاب الزكاة، باب “فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد والوالدين ولو كانوا مشركين” (ح1003)، (2/696).

….

* ارجع لكتاب : صناعة الفتوى وفقه الأقليات

تعزية في الشيخ العلامة : محمد ولد الشيخ محمدالمختار ولد امبالة

 

اعزي الشيخ محمد ولدامبالة رئيس هيئة الفتوى في موريتانيا  واخوته وأسرته الكريمة والموريتانيين جميعا والمسلمين في مصابهم بشيخنا العالم العامل الورع الشيخ محمد ولد الشيخ محمدالمختار ولد امبالة.لقد كان العلامة الراحل مرجعا في الفقه واصوله والقران وعلومه والنحو والبلاغة وعلوم مصطلح الحديث محققا للمسائل ومرجعا للنوازل. وكان مع ذلك متحليا بالأخلاق السنية .مؤثرا للعزلة في غير انقباض.والبساطة في غير تصنع ولا تكلف. رحم الله شيخنا محمد ولد امبالة فقد كان بقية السلف وشيخ الخلف وهو من خاصة الخاصة وخلاصة الخلاصة لوالدنا وشيخنا الشيخ المحفوظ بن بيه رحمه الله. 

فقه تغيير المنكر

https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=NTLXds3r0fQ

مقدمة لكتاب هذا رسول الله

بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين وعلى آله الأكرمين الطيبين، وأزواجه الطاهرات الطيبات أمهات المؤمنين، وعلى صحابته الغر الميامين



وبعد، فإن هذا الكتاب يحاول أن يقدم تعريفًا عنه عليه الصلاة والسلام ليكون حجة على المكابر وبرهانًا ((ويزداد الذين آمنوا إيمان))


ولكن من لا مثل له لا يمثل إلا به ((مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار)) فلما كانت لا مثل لها كان المثل عينها.


والمعرف –كما تقول القاعدة النحوية- لا يعرف، فالتعريف كعدمه
كالفضل والحارث والنعمان *** فذكر ذي وحذفها سيان.


وهو عليه الصلاة والسلام أعرف المعارف البشرية، وإنسان عين الإنسانية “.
وكيف يصح في الأذهان شيء*** إذا احتاج النهار إلى دليل“.


فأمام عيِّ الواصفين وعجز العارفين وجد مؤلفوه بتوفيقه عز وجل الوسيلة المثلى والطريقة الفضلى أن يحيلوا المتوسمين على أحواله الزكية، ومحاسنه البهية، وأقواله الحكمية، وأخلاقه العظيمة دون تدخل ولا تعمل، فكان هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ برهانًا صادقًا وبيانًا ناطقًا يكفي المشاهد عن كل واصف وشاهد


خذ ما شهدت ودع شيئا سمعت به *** في طلعة الشمس ما يكفيك عن زحل
ذلك هو السراج المنير، والشاهد المبشر والنذير، ذلك صاحب البراق واللواء الخفاق
ذلك النبي الخاتم أبو الزهراء وأبو القاسم، ذلك المنعوت في الوحي والتنزيل الموصوف في التوراة والإنجيل.
لقد أُخذ العهد على الأنبياء في سابق الأزل بالإيمان به ونصره تعظيمًا لمكانته وقدره.
فكيف بمن منَّ الله تعالى عليهم باتباعه، وأكرمهم بالانخراط في زمرة أتباعه.
هذا الكتاب إنما هو – بمشيئته تعالى- حلقة في سلسلة كتب وأعمال متواصلة ما تواصل الليل بالنهار في نصرة الحبيب المختار عليه صلاة الله وسلامه ما أشرقت الأنوار، وتفتقت الأزهار، وتلاطمت أمواج البحار. وهطلت وأكفأت الأمطار، وهملت الأودية والأنهار
اللهم ارحمنا برحمتك، واجعلنا من الصادقين بجودك وإحسانك يا كريم يا غفار

معالي الشيخ: عبد الله بن بيَّه

ابن بيه في تصريح “الرسالة”: لدينا ظاهرية واختزال في فهم النصوص..

 

 

تقرير غازي كشميم- جدة

الجمعة 14/12/2012

 

قال العلامة عبدالله بن بيه في تصريح لـ”الرسالة”: إن معوقات تحقيق المواطنة تختلف من مجتمع إلى آخر، لأن المجتمعات ليست على شاكلة واحدة؛ فهناك مجتمعات فيها تنوع عرقي وأخرى ديني، وبالتالي يطرح الإشكال بناءً على هذا التنوع، كما أشار ابن بيه إلى أنه في بعض الدول قد تكون المشكلة قانونية بتمييز بعض العرقيات أو الديانات عن بعض في القانون، وأحيانًا تكون نفسية واجتماعية وأحيانًا اقتصادية  . 


وعن وضع الأقليات الإسلامية في المجتمعات الغربية أكد ابن بيه أن هناك تخوفات لدى هذه الأقليات بعضها حقيقي وبعضها مختلق؛ ومن هذا المنطلق جاء المؤتمر حول إمكانية التعايش، ووسائل التعايش والأصول الشرعية للتعايش، وبين ابن بيه أن المواطنة تكون بمساواة جميع المواطنين على مستوى قانوني واحد؛ مما يعني أن الحقوق والواجبات متساوية بالنسبة للجميع، كما أوضح ابن بيه أن هذه المجتمعات بإمكانها أن تتعامل شرعيًا في إطار صحيفة المدينة  .
وأشار ابن بيه إلى أن الأقليات الإسلامية في المجتمعات الغربية حديثة النشأة وهي تعاني من إشكاليات تهميشية اجتماعيًا واقتصاديًا، وأحيانًا تواجه تمييزًا دينيًا وعنصريًا لدى بعض الفئات من الغرب، كما أشار ابن بيه إلى أن الغالب في القوانين الغربية عدم التمييز وإنما التمييز على المستوى الاجتماعي  . 


وفي تعليقه على سؤال “الرسالة” حول التمييز في الخطاب الشرعي بين المسلم واليهودي والنصراني وغير المسلم بالعموم وإمكانية فهم هذه النصوص على أنها عدائية تجاه الآخر، قال ابن بيه: إن الخطوة الأولى للمجتهد عندما يتعامل مع النصوص التي في ظاهرها تناقض أو تضاد أن يجمع بين النصوص بدلًا من النسخ أو الترجيح، وأضاف أن هذه عملية أصولية تقتضي أن ننظر في جميع النصوص التي وردت في التعامل مع الآخر وأن نتدبر المحيط والقرائن والبيئة التي نزلت فيها هذه النصوص، هل هي في بيئة حرب أم بيئة سلام؟ هل هي في بيئة عدوان على المسلم أم في بيئة مصافاة له وتعاون معه؟ مشيرًا إلى أهمية فهم البيئة التي وردت فيها النصوص وتحقيق المناط فيها لنعرف التعليل ثم ننزل الحكم على الواقع. داعيًا العلماء والفقهاء إلى أن يقتحموا عقبة الفقه ليس في هذه القضية بل في كل القضايا، وأشار ابن بيه إلى أن هناك نوعا من الظاهرية والاختزال وسرعة الإفتاء.


..
وفي مؤتمر دولي يعقد من أجل الأقليات والمواطنة في العالم الإسلامي
هل مفهوم المواطنة يلتقي مع الإسلام في مفهوم التعايش البشري؟


في ورقته البحثية المقدمة للمؤتمر الدولي الأول والذي جاء بعنوان: “الأقليات والمواطنة في العالم الإسلامي.. نظر فقهي” والذي نظمه المركز العالمي للتجديد والترشيد بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية بالجمهورية التونسية والاتحاد الإسلامي في أمريكا الشمالية ناقش رئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين العلامة الدكتور عبدالله بن بيه مصطلح (الأقليات) حيث ذكر أنه مصطلح حديث لم يكن معروفًا في التـاريخ، وقد نشأ في أوروبا، حيث استعملت كلمة الأقلية التي تعني مجموعة بشرية ذات خصوصيات، تقع ضمن مجموعة بشرية متجانسة أكثر منها عددًا، وأندى منها صوتًا، تملك السلطان أو معظمه. ويشير ابن بيه الى أن العرف الدولي يستعمل لفظ (الأقليات) كمصطلح سياسي يقصد به: مجموعات أو فئات من رعايا دولة تنتمي من حيث العرق أو اللغة أو الدين إلى غير مـا تنتمي إليه الأغلبية، ويذكر ابن بيه أن التاريخ شهد مآسي كثيرة للأقليات بسبب الخصومة بين الأقليات وبين الأكثرية إلا أنه وفي العصر الحديث حصل تطور مهم في العالم حيث أصبح نظام حقوق الإنسان وسيلة لعيش الأقليات بين ظهراني الأكثرية، وبخاصة في ديار الغرب التي تبنت حقوق الإنسان، وكان في الأصل وسيلة للتعايش بين أتباع الكنيستين؛ البروتستانتية، والكاثولوكية؛ إلا أنه سمح مع الزمن بوجود أقليات أفريقية وآسيوية بالإضافة إلى الأقلية اليهودية، كما أشار ابن بيه في بحثه إلى أنه في فترة من التاريخ كانت الحضارة الإسلامية الوحيدة بين الحضارات البشرية التي تنظم حقوق الأقليات في مـمـارسة شعائرها والتحاكم إلى مـحاكمها، واستشهد ابن بيه بالأقلية القبطية التي عاشت في مصر 14 قرنًا محمية بحمـاية الإسلام، كمـا هي حال الأقلية اليهودية في المغرب، ثم انتقل العلامة ابن بيه إلى مفهوم المواطنة والتي عرفها بأنها علاقة متبادلة بين أفراد مجموعة بشرية تقيم على أرض واحدة، وليست بالضرورة منتمية إلى جد واحد، ولا إلى ذاكرة تاريخية موحدة، أو دين واحد، إطارها دستور ونظم وقوانين تحدد واجبات وحقوق أفرادها، كما أوضح ابن بيه في بحثه أن المواطنة تتسامى على الفئوية لكنها لا تلغيها، وطالب ابن بيه بأن تتواءم المواطنة مع الفئوية وتتعايش معها تعايشًا سعيدًا، وأشار ابن بيه الى أن تحول مفهوم المواطنة في العصر الحديث أهم جسر لتكون القيم الدينية لكل مجموعة بشرية محترمة ومقبولة، كما أكد أن هذا يلتقي مع مفهوم الإسلام للتعايش البشري، والمسلم لا يجد حرجًا في ذلك بل قد يكون متعاونًا في سبيل تحقيقها.


منعطف تاريخي


وطالب ابن بيه الفقهاء -وخاصة هذا المنعطف التاريخي لتشكل المجتمع العربي الذي يكون غير مسلمين كغيرهم- بأن يشاركوا في تحقيق مفهوم المواطنة الذي يستوعب مختلف الانتمـاءات، وذلك عن طريق فهم صحيح وتقويم سليم للموروث الفقهي والممارسات التاريخية والمتغيرات التي حدثت في العالم؛ ليكونوا مدركين لمشكلات أوطانهم، وعلى دراية بأسبابها وطبيعتها حتى يتفاعلوا مع الجميع ويصوغوا معًا المعايير الجديدة للمواطنة، وذلك مـا لا يكون إلا بنوع من تجاوز الذات لتحديد أبعاد المواطنة، التي سيكون من أهمها بالنسبة للأقليات احترام الآخر، والاعتراف بوجود ديانات وثقافات مختلفة، وتحقيق الحريات، والاشتراك في إدارة الحياة السياسية والاقتصادية والاجتمـاعية بعيدا عن العنف لتكون المواطنة -كما يرى ابن بيه- بوتقة تنصهر فيها كل الانتمـاءات، وبقدر الانسجام والانتظام بين هذه العناصر والجمـاعة يجد المواطن نفسه والجمـاعة مكانتها.


ومن زاوية فقهية تساءل ابن بيه في بحثه قال: هل من سبيل إلى تنزيل كلي الشرائع والإيمان على كلي العصر والزمان؟ وإيجاد مشتركات ومعايير تخفف من غلواء الاختلاف، وتسهِّل الائتلاف، من خلال تحقيقِ مناطِ كليِّ العدل والإحسان؟.


النظر الكلي


وأضاف ابن بيه أن كثيرًا من القضايا الذي ينظر إليها من خلال الأدلة الفرعية بنظر جزئي، وهي قضايا تتعلق بكليِّ الأمة؛ كمسألة جهاد الطلب، وتصنيف الدار والعلاقات الدولية المالية، ويشير ابن بيه إلى أن الواقع الجديد يقترح صورة مغايرة للصورة التي نزلت فيها الأحكام الجزئية، ويفسر قوله بـ(الجزئية) أن الأحكام الكلية التي يستند إليها التنزيل تشمل الصورة القديمة والحديثة، فجهاد الطلب كان في وقت لا توجد فيه معاهدات دولية، ولا حدود إلا تلك الثابتة بقوة السلاح أو بعد المسافة، ولم تكن فيه إمكانية إيصال الدعوة لأكثر الأقاليم دون إسناد حربي، ولم تكن أسلحة نووية فتاكة يمكن أن تقضي على الجنس البشري.


وأكد ابن بيه أن الواقع اليوم يختلف عن الواقع القديم، والحكم الكلي يحكم على الجزئي دون مناقشة أصل وجوب جهاد الطلب، وفي قضية تقسيم الديار (دار إسلام ودار حرب، ودار معاهدة) قال ابن بيه: كان كل قطر يدين أهله بديانة معينة لا يسمحون للغرباء أن يكونوا بينهم ولا أن يمارسوا ديانتهم؛ لكن الواقع اليوم مختلف لا يوجد قطر إلا وفيه مختلف الديانات، فالأقليات لم تكن لها حقوق، والمعاهدات لم تكن موجودة؛ الواقع اليوم مختلفٌ.
وأكد كذلك في هذه القضية أن الحكم الكلي يحكم على الجزئي، كما أشار ابن بيه في بحثه إلى أنّ واقع الحريات في عالم أصبحت فيه السيادة شبه ناقصة، والمعاهدات والمواثيق الدولية شبه حاكمة يمثل واقعًا مؤثرًا في مسألة الحدود الشرعية، وبخاصة في قضايا المعتقد وجرائم الأخلاق ومسألة التعددية الدينية.


وتحدث ابن بيه عن حالة العولمة التي -من وجهة نظره- لا يبدو أنها حالة عابرة؛ بل هي حضور للآخر الذي هو في ظاهره اختياري وفي حقيقته إجباري، والدول الصغيرة فيها لا تتمتع بسيادة كاملة مهما كان الوضع القانوني لها، إنه واقع يؤثر في النظم والقوانين ومدى ملاءمتها للنصوص الشرعية مجردة عن مقاصد التعليل وقواعد التنزيل.

العلامة ابن بيه في حديث عن “فقه تغيير المنكر”..الاحد القادم 16/12/2012

يستضيف برنامج “الشريعة والحياة” العلامة عبد الله بن بيّه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ليتحدث عن فقه تغيير المنكر، في ظل حديث البعض عن “تغيير المنكر”. ما المنكرُ الذي يجب تغييره؟ ومن يملك سلطة تغييره؟ وكيف يكون التغيير؟ وكيف يمكن لتغيير المنكر ألا يتحول إلى منكر؟

علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه

12691634

مركز الفرقان للتراث الاسلامي لندن
12/02/2006 – 12:58
1
169
1
حجم متوسط
أصول الفقه,مقاصد الشريعة

هذا الكتيب يحتوي على نص المحاضرة التي ألقاها الشيخ الدكتور عبدالله بن بيه في يوم 3/4/2006م – 5 ربيع الأول 1427هـ

المحتويات

تقديم بقلم معالي الشيخ أحمد زكي يماني

أولاً : تعريف المقاصد

المقاصد فى تصنيف الأصوليين

ثانيًا : إستكشاف المقاصد وإستشفاف الحكم والفوائد

فى السياق الأول الدعوة الى النظر فى الحكمة من الخلق والأمر

السياق الثانى المقاصد عند أئمة المذاهب

ثالثًا : إستنباط المقاصد وإستخراجها

رابعًا : الإستنجاد بالمقاصد واستثمارها

محائر أو مدارك أو أكنسة المقاصد

خلاصة القول

فى المجال الإقتصادى

فقه الأقليات

المركز العالمي للتجديد والترشيد – افتتاح فرع نواكشوط

ماذا قال العلامة ابن بيه عن تونس والشعب التونسي؟

الرئيس التونسي يستقبل العلامة عبد الله بن بيه

https://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=S10vKxvlT4s

تقرير عن زيارة العلامة عبد الله بن بيه لجامعة الزيتونة – تونس