ارشيف ل September, 2013

نحن أهل العقل!

 

كنا قد أشرنا في المقال السابق- (اي عقل واي عقلانية) -الى ضوابط وحدود العقل في الاسلام، في ظل الجدل العريض داخليا وخارجيا حول فقدان قيمة العقل لدى المسلمين، وبيّنا التناغم والتوافق، خصوصا فيما يتعلق بمجال العقائد، حيث يعتبر العقل دليلاً منتجاً منشئا.

ونكمل البيان بالقول إنه قد نجح المسلمون إلى حد كبير في وقت من الأوقات في إيجاد تساكن وتعايش بين العقل والفلسفة والدين والحياة الروحية.

وبعيداً عن هذا الجدل الفلسفي الذي قد لا يأتي بنتائج أو قد يتكلم به من يخالفه تطبيقاً وسلوكاً، فما هو موقف الإسلام من العقل؟

لقد كانت مسألة العقل من أهم القضايا الفلسفية التي شغلت المسلمين منذ القرن الثاني الهجري الى الثامن الميلادي، واشترك في الجدل حولها الفلاسفة والمتكلمون والأطباء والفقهاء، كما يقول الزركشي، ويمكن أن نضيف اللغويين المهتمين بالاشتقاق اللغوي وبالمعاني والمترادفات. وكل نظر إليه من زاوية الاستعمال الذي يخدم فيه.

وقد اختلفت الفرق في تعريفه إلى ألف قول كما يقول بعضهم. يمجد الإسلام العقل مرتبطاً بالفضيلة والأخلاق ويعطيه أكثر من اسم كلها تشير إلى حقيقته الراشدة وعلاقته بالحكمة.

فهو العقل والحجر والنُّهي وسمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه عن ارتكاب القبائح والرذائل؛ أي يمنعه من ذلك. وكذا سمي حجراً أيضا لأنه يحجر صاحبه أي يمنعه من ارتكاب الرذائل. ويفسر العقل أيضا بأنه نور روحاني به تدرك النفس الأمور أو العلوم الضرورية والنظرية. ويفسر العقل أيضا بأنه القوة التي بها يكون التمييز بين الحسن والقبح.

وعقل الشيء : فهمه، قال تعالى «مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُون» وقال تعالى «لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُون» «أَفَلَا تَعْقِلُون» «وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ » «وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُون» وأكثر معنى هذه الكلمة أي العقل في القرآن أن يكون الفهم والإدراك الصحيح أو ما في معناه «إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُون» «قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ». واستعمل اللب جمعاً وأراد به العقل «يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون»، وكذلك القلب «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ» والفؤاد «وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون» والنهى «إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى». وفي المقولة المشهورة: أول ما خلق الله العقل وقال: وعزَّتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم منك. بك آخذ وبك أعطي وبك أعاقب. وإن لم يثبت هذا القول عنه عليه الصلاة والسلام فإنه يشير إلى مكانة العقل عند المسلمين.

ـ الإسلام يجعل العقل مصدراً من مصادر المعرفة الأساسية. بل المصدر الأول المنتج في العقائد والإيمان وأحد المصادر الأربعة المؤسسة في التشريع الإسلامي، كما يقول حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في مستصفاه.

ـ والعقل أحد الضرورات الخمس التي يقوم التشريع الإسلامي عليها، إلى جانب الدين والنفس والنسل والمال؛ هذه هي الكليات التي تحكم منظومة التشريع في الإسلام.

والعقل مناط التكليف والأمانة التي حملها الباري جل وعلا للإنسان بعد أن عجزت السموات والأرض والجبال عن حملها. وحرم الدين الإسلامي المسكرات وكلما يؤدي إلى تغييب العقل.

ولا يمكن تعارض نقل صحيح مع عقل صريح، وإلا قدم العقل الصريح الصحيح وحمل النقل على التأويل أو عدم الثبوت.

ودعا القرآن إلى إعمال العقل والفكر. عندما دعا إلى التدبر والتفكر في آيات الكون وآيات الوحي، وهي دعوة إلى اكتناه أسرار الخلق وحكم الأمر «أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ»

لافتاً الى انتباه الإنسان إلى البرهان القائم في نفسه على نفسه من نفسه «وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُون».

وفي الكون من حوله «وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا» «مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ»،

وأمر بالتفكر في خلقه والتدبر في وحيه وأمره قال «أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ» وقال تعالى «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» وقال سبحانه وتعالى «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ» وقال جل وعلا «أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ» وقال تعالى «لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ». فالأمر بالتفكر والتدبر قد ورد بصيغة الخبر والاستفهام ليكون أبلغ في التقرير وأدعى إلى التفكير.

وإنما كان التفكير والتدبر وسيلة لاستكناه حكمة الخلق والمصلحة التي تتضمنها أحكام الحق.

إن هذه المميزات لا توجد في أي دين بهذا الوضوح والتماسك.

وانطلاقاً من هذا جاءت مقاصد الشريعة تمثل منظومة كاملة ترد الشريعة إلى أصول معقولة تصون مصالح الناس وتدرأ عنهم المفاسد، وذلك بعد أن استقرينا من الشريعة أنها وضعت لمصالح العباد استقراء لا ينازع فيه الرازي ولا غير الرازي. حسب عبارة الشاطبي.

وأما الاختلاف في التحسين والتقبيح العقليين والصلاح والأصلح بين الفرق الإسلامية، إلا دليل على مكانة العقل. وهو موضوع سنتحدث عنه لاحقاً.

فلا يوجد تعارض بين العقل والوحي؛ فالدين الإسلامي مثلاً لا يقبل الاستحالة العقلية المتمثلة في التثليث والتي تزعم أن الثلاثة واحد والواحد ثلاثة، وأن الإله يحل في البشر.

فأيهما أحق بالعقلانية التثليث أم التوحيد.

وكثير من علماء اللاهوت الغربيين الذين اعتنقوا الإسلام كان ذلك بسبب العقلانية التي وجدوها في الإسلام وما وجدوه في ديانتهم من أمور لا تتماشى مع العقل. إن الثورة الفرنسية 1793 عندما كانت تنظم طقوساً لتمجيد العقل والقضاء على العقائد والممارسات الكنسية، إنما كانت تعبر عن ضيقها بعقائد وممارسات غير عقلانية طبقاً لما كان يراه فلاسفة التنوير.

هكذا ولدت العلمانية.

فكيف يدعي بعد ذلك الانسجام بين الكنيسة الكاثوليكية والفلسفة الغربية العقلانية.

لنا عودة إلى الإرادة الإلهية ومذهب ابن حزم في المشيئة لإيضاح الحقائق.

 

 

*بالتعاون مع جريدة الشرق الأوسط (  الخميـس 24 شـوال 1427 هـ 16 نوفمبر 2006 العدد 10215 )


 

 

ما هي شروط العمل بالمصلحة المرسلة ؟

السؤال
 ما هي شروط العمل بالمصلحة المرسلة ؟
الجواب
أوّلا: أن تكون هذه المصلحة في خدمة مقصد من مقاصد الشريعة الثلاثة.

ثانيا: أن لا تكون ملغاة فإذا ثبت إلغاؤها فلا يُعتبر بها.

ثالثا: أن لا تخالف نصّا من الكتاب أوالسنّة أو إجماعاً أو قياساً.

فإذا خرجت المصلحة عن هذه الضوابط فإنّه لا يجوز العمل بها.

فإذا لم تكن المصلحة في خدمة المقاصد فإنّنا لن نميّز بين المصلحة التي يعتبرها الشرع والمصلحة التي لا يعتبرها الشرع فالمصلحة لا بدّ أن تخدم مقصداً وبخاصّة المقصد الضروري.

 

وفي هذه المسألة تفاصيل تراجع في كتب الفروع.

 

ابن بيه: عمل أهل المدينة حجة لدى الإمام مالك ومقدم على أحاديث الآحاد

شدد معالي الشيخ عبدالله بن بيه، على أن أصل سد الذرائع والمصالح المرسلة ليست مما يختص بمذهب الإمام مالك دون غيره، بل إنها لدى جميع الأئمة الأربعة، لكن على تفاوت في الاستدلال بها، معتبراً أن المالكية انفردوا بالأخذ بالعمل القُطري في تجديد مئات المسائل في المذهب بناء على الواقع المتغير .

 

وقال العلامة ابن بيه، خلال ندوة أقيمت مساء أمس الأول في المدينة المنورة بعنوان «الإمام مالك وأثره في الدراسات الفقهية»، متحدثاً عن أصول المذهب المالكي وخصائصها: إن أهم هذه الأصول -إضافة إلى الأصول المتفق عليها بين الأئمة الأربعة وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس- أصل سد الذرائع، وإن كان الإمام أحمد يشاركه في هذا الأصل مشاركة واسعة، مشيراً إلى أن بعض الباحثين ادَّعى اختصاص مالك بهذا الأصل، كما ادَّعى آخرون اختصاصه بالمصالح المرسلة مع عدم التسليم بهذه الدعوى، فنجد سد الذرائع كثيراً في مذهب الإمام أحمد، وكلهم يأخذ بسد الذرائع لأن منها ما هو مجمع عليه، مثل الذي جاء النصُّ عليه في الكتاب والسنة، أما المصالح المرسلة فإن كل الأئمة يصدرون حكماً دون ذكر مناسبة معينة وهذا هو المصلحة.

 

وأضاف: إن من أصول مالك أيضاً، عمل أهل المدينة، الذي يعتبره حجة ويقدمه على حديث الآحاد كما يقول المالكية، حيث اعتبر عمل أهل المدينة من باب التواتر خاصة في الأمور التي تعم فيها البلوى، لافتاً إلى أن حجية عمل أهل المدينة عند المالكية مجال واسع للبحث.


وأوضح العلامة ابن بيه  أن من أصول مذهب مالك أمراً دقيقاً وتوفيقياً وهو ما يسمى بمراعاة الخلاف، وهو ليس معروفاً لغير مالك، وقد يوجد عند بعض الأئمة حين يقولون: يُترك هذا مراعاة للاختلاف، وليس هو المقصود عند مالك، بل هو نوع من الاحتياط والورع، لكن مراعاة الخلاف عند مالك هي إعمال لازم دليل ذلك المذهب.

 

وبين أن مراعاة الخلاف فن من المرونة والتسامح في مذهب مالك، وهذا كله إعمال للمصلحة التي شهدت لها المقاصد، ولم يشهد لها أصل معين، مشيراً إلى أن مالكاً توسع في المصالح المرسلة، والاستحسان عنده من المصالح، حيث يُعرف الاستحسان عنده بأنه استثناء من قاعدة بناء على عُرف أو مصلحة.


وعرج العلامة ابن بيه على الحديث عن القياس عند مالك، وقال إنه يعمل به ويتوسع فيه، فيعمل مثلاً بقياس العكس، وقياس الشبه في حدود معينة، كما يعمل بالاستصحاب، ويتوسع في الاستحسان في حدود الدليل، ويأخذ بقول الصحابي كثيراً، بل يكاد يُخصص به عموم الكتاب والسنة، وكذلك له رأي ونقد في الحديث؛ فيأخذ بالبلاغات والمرسلات، منبهاً إلى أن مالكاً عندما يأخذ بالمرسل لا يأخذ به على العموم، بل ما ثبت عنده.

 

وشارك إلى جانب العلامة ابن بيه في الندوة، التي نظمتها الجامعة الإسلامية في مقرها ضمن فعاليات المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية وقدَّمها الدكتور عبدالسلام السحيمي، عضو هيئة كبار العلماء الدكتور قيس آل مبارك، الذي قال: يجب ألا يكون الحديث عن الإمام مالك مقتصراً عليه باعتباره إماماً من أئمة المسلمين فحسب، بل باعتباره أيضاً يمثل مدرسة فقهية من أربع مدارس بها قوام الفقه في الشريعة الإسلامية، «لأن فقه الكتاب والسنة هو فقه المدارس الأربعة».

حضر الندوة اللواء فيحان ناصر العتيبي والعميد صالح الغامدي والشيخ علي الحذيفي إمام الحرم النبوي الشريف ورعى الحفل معالي مدير الجامعة الإسلامية الدكتور محمد بن علي فراج العقلا وعدد من وكلاء الجامعة وحضر الحفل عدد من طلاب الجامعة الإسلامية.

 

 

 

العلامة ابن بيه يحاضر عن «الإمام مالك وأثره في الدراسات الفقهية» في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة

ضمن فعاليّات المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية 2013م، تنظّم الجامعة الإسلامية ندوة علميّة بعنوان «الإمام مالك وأثره في الدراسات الفقهية»، يشارك فيها كل من ومعالي العلامة عبدالله بن محفوظ بن بَيّة رئيس المركز العالمي للتجدي والترشيد,ومعالي الشيخ الدكتور قيس بن محمد آل مبارك عضو هيئة كبار العلماء ، وذلك في الحادي عشر من شهر ذي القعدة بقاعة الملك سعود بالجامعة. وتأتي الندوة ضمن سلسلة ندوات تعقدها الجامعة ضمن فعاليات المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية حول أئمة المذاهب الأربعة وأثرهم في الفقه الإسلامي.

خطاب استقالة العلامة عبد الله بن بيه من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله   وصحبه 

 

فضيلة أخي الدكتور / علي محي الدين قره داغي          حفظه الله تعالى

الامين العام للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين 

 

 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

وبعد، فإنني أجد من المناسب أن أحيط فضيلتكم علماً بأن ظروفي الخاصة والدور المتواضع الذي أحاول القيام به فى سبيل الاصلاح والمصالحة مما يقتضي خطاباً لايتلائم مع موقعي فى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين. وبناء عليه فإنني قررت الاستقالة من وظائفي فى الاتحاد راجياً إبلاغ الرئيس الموقر وأعضاء مجلس الأمناء المحترمين بهذا القرار شاكر لكم ولجميع إخواني فى هيئات الاتحاد ولأعضاء الجمعية العامة الثقة الغالية التى أقدرها حق قدرها.

راجياً منه تعالى أن يمن علينا وعليكم بالصحة والعافية والتوفيق والتسديد، وأن يصحبنا بلطفه إنه سبحانه وتعالى اللطيف الخبير، وأن يحسن عاقبتنا فى الأمور كلها إنه على كل شيء قدير وأن يرحم الأمة المحمدية برحماته المباركات الطيبات.

 

حفظكم الله ورعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

                                               أخوكم المحب

 

 عبدالله بن بيـّـه 

 

 

العلامة ابن بيه : مشروعي في الإصلاح والمصالحة يقتضي مني خطابا لا يلائم موقعي في الاتحاد ..واشكر أعضاء الهيئات القيادية لثقتهم

قدم  نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين  العلامة عبد الله بن بيه استقالته من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين . وقال العلامة ابن بيه في رسالته إلى الأمانة العامة ان ظروفه الخاصة وما سماه “مشروعه  في سبيل الإصلاح والمصالحة يقتضي منه خطابا لا يلائم موقعه في الإتحاد . الا ان العلامة ابن بيه وجه شكره لأعضاء الهيئات القيادية في الاتحاد على الثقة التي منحوه اياها خلال نيابته لرئيس الاتحاد عبر السنوات الماضية . كما توجه الى الله بالدعاء راجياً منه تعالى  “أن يصحب الجميع  بلطفه  وأن يرحم الأمة المحمدية برحماته المباركات الطيبات”

 

   **نص الخطاب** 

تعزية في الشيخ الكريم اعلي الشيخ ولد امم

بلغنا نبأ وفاة أحد الأعلام والشيوخ الكرام الشيخ اعلي الشيخ ولد امم ولد   ولد الشيخ محمد تقي الله رحمه الله تعالى، وهذا الشيخ الفاضل من الشجرة الفاضلية التى أثمرت أقطاباً فضلاء وأعلاماً علماء. ومن أبرز مكارم الشيخ الكثيرة أنه يجزل العطاء ويتحف بالبركة والدعاء كل مريديه ومرتاديه وهم كثر فنسأل الله تعالى أن ينزل البركة فى الخلف كما بارك فى السلف وأن ينزلنا واياه فسيح جناته  

 

عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه