العلامة عبدالله بن بيه “يشخص حال الأمة ” – تقرير مفصل
قال العلامة الشيخ عبدالله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، ورئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد، إن العنوان الذي ينطبق على حال الأمة اليوم هو “أمة تنتحر”.
وأضاف الشيخ ابن بيه في مقابلة أجرتها معه قناة “دبي الأولى” الإماراتية في العاصمة المغربية الرباط إن “الأمة تعيش حالة من الفتنة والاحتراب الداخلي والظلمة الحالكة، دون أن نفقد الأمل أو نيأس من رحمة الله وأن ننقذ الأمة”.
وقال العلامة ابن بيه في برنامج قابل للنقاش الذي تناولت حلقته تشخيص واقع الأمة إن “تعيين علة حالة الأمة اليوم أمر صعب لأن هذه العلل كثيرة والعوامل متعددة، فإذا كثرت العلل أصبح من الصعب أن نعين العامل الحقيقي أوالوحيد الذي أدى إلى الوضع الذي فيه الأمة الآن، فالعلل كثيرة والسهام التي ترشق الأمة وتراشق بها كثيرة”.
وأرجع الشيخ ابن بيه “الأوضاع التي تعيشها الأمة إلى التراكمات التاريخية” ومنها الاستعمار والفرقة والحروب وعدم الرؤية الثقافية، وإلى حاضر غير مشرق، وإذا لم نغير هذا الواقع لم يكن المستقبل أكثر إشراقا”.
وشدد ابن بيه على ضرورة “أن نعود إلى أنفسنا ونسائل أنفسنا (قل هو من عند أنفسكم)، بدلا من إلقاء اللوم على الخارج”.
وقال العلامة ابن بيه: “أنا لا أبرئ الخارج فالخارج له مسئوليته الكبرى، وله جرائمه وجرائره، ومع ذلك فالخارج ليس مسئولا بالكلية عن ما نحن فيه، فمسئوليتنا هي مسئولية الأمة تجاه نفسها”.
واعتبر العلامة ابن بيه أن “السبب الأكبر هو الجهل أمة جاهلة، ليس فقط لأن أغلبية الأمة لم تمح فيها الأمية، بل لأن هذا الجهل يشمل جهل الواقع، والجهل بقاصد الشريعة والكليات التي تحكم الحياة، لأن الأمة لا تعرف واقعها الذي تعيش فيه”.
أسباب الإرهاب:
كما اعتبر ابن بيه أن “الإرهاب هو ظاهرة ناشئة عن ما ذكرنا من الجهل، وهو ظاهرة معقدة مركبة؛ فهناك هناك الفقر وهناك التهميش وهناك عدم وجود الرؤية الحياتية الشاملة”.
ورأى ابن بيه أن الانهيار الذي تقف الأمة على حافته اليوم “قد يشمل الأمة كلها” معتبرا أن “استمرار الإرهاب يرجع إلى فشل في المقاربات الأمنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي تفرز وتبرز حالة الاشمئزاز والتشنج، وحتى المقاربات الأمنية والاستخباراتية”.
ما الحل؟
وعن الحلول قال العلامة ابن بيه إنه لا بد من “مراجعة الاستراتيجيات الفكرية والثقافية والعسكرية والأمنية والبينية أي العلاقات مع الآخرين، لأن الآخرين أيضا لهم كلمتهم ولهم وضعهم في هذه الاستراتيجية” مضيفا أنه “علينا أن نرجع إلى النقطة التي أصابنا فيها الداء، وأن ننظر متى أصابنا هذا الداء وكيف أصابنا”.
وبين ابن بيه أن العودة إلى تلك النقطة لا تعني “أن ننتج الماضي ولكن علينا أن نهيئ أنفسنا لمستقبل نافع”.
وقال ابن بيه إنه من “أهم المقاربات على المدى القريب زرع الأمل لدى الشباب وأن الآفاق ليست مسدودة حتى تنضموا إلى موكب الانتحار وهذه المسئولية ليت على الحكام فقط وإنما تقع على المجتمعات كذلك، فهناك مجتمعات بحاجة إلى أن تشعر بالتحدي والخطر الذي يهدد وجود الدول ويهدد حياة الناس ويهدد الحياة المعتادة، ويهدد الكل: الأمل والجمال والشعر، ويهدد الدين والدنيا”، يقول العلامة ابن بيه.
وأوضح الشيخ ابن بيه أنه إلى جانب مجموعة من الحلول “لا بد من صياغة المناهج والبرامج وإعادة النظر في القضايا الفكرية والثقافية بشكل جاد، ليس قطيعة مع الماضي وإنما استحضارا للنافع من هذا الماضي في وضع آخر أو في زمن آخر”.
من المسئول عن استشراء الطائفية:
قال العلامة ابن بيه إن المجتمع والطائفة مسئولية عن ذلك والعرق المعين والقبيلة المعينة مسئولة عنها لكن كيف؟.
وأضاف أن “الطائفة في حد ذاتها ليست مذمومة، فهي من طبيعة الكون، ولكن مذمومة عندما تتحول إلى أداة هدم، عندما تتحول إلى إيديولوجية إقصاء، بمعنى من ليس معنا فهو ضدنا، فهنا تبدأ العوامل السلبية”.
وأردف الشيخ ابن بيه القول إنه “يمكن أن تكون الطوائف والقبائل إيجابية جدا في تكوين محاضن للانتماء للوطن الكبير لأن هؤلاء الشباب لو كانت لهم محاضن قبلية وحتى أسرية لما انضموا إلى موكب الفناء والعبثية والعدم”.
وشخص ابن بيه الحالة السلبية لاستغلال الطائفية قائلا: “عندما نشأت بعض الدول وبعض التجمعات على أساس خاص أي على الخصوصية سواء كانت خصوصية مذهبية دينية أو خصوصية عرقية حينئذ يبدأ الخطر، لأن هذه الخصوصية طاردة، ولو لم تكن طاردة لما وجد إشكال”.
وتطرق ابن بيه لوجود الطوائف “في التاريخ الإسلامي كما وجدت المذاهب ووجد اختلاف الفهوم من عهد الصحابة وما كان مشكلة لأن الاختلاف سائغ لكن عندما يتحول هذا الاختلاف إلى بغي فالبغي هو المذموم”.
وحول الاقتتال الطائفي في العراق وسوريا قال الشيخ إن “المسار المباشر الذي أدى إلى ذلك هو الأخطاء التي ارتكبت مثل غزو العراق وتدخل الجيران”.
ودعا الشيخ “حكماء هذه الطوائف أن يدركوا إدراكا كاملا أن استئصال الآخر لن يؤدي إلى نتيجة، وعليهم أن يجلسوا في يوم على طاولة المفاوضات وأن يدكوا أن الوطن يسعهم جميعا، وأن مسألة الاستئصال ليست ممكنة، وأن تنازع البقاء يؤدي إلى الفناء، هذه حكم لا بد أن يدركها الجميع حتى يستظلوا بظل الوطن، وإذا لم يتصالح هؤلاء ويتصافحوا فلن ينقذهم أحد” يقول الشيخ ابن بيه.
ورد العلامة ابن بيه حالة الفوضى التي تعيشها الأمة اليوم إلى ما وصفه بـ”النار التي شبت في العراق” معتبرة إياها “هي التي أضرمت النار في المنطقة ولم تنته بعد، فلا بد من عقلاء وحكماء لإيقاف لهيب هذه النار”.
لابد من مراجعة النصوص:
وقال العلامة ابن بيه إن الدين الإسلامي لا ينافي العقل، وأنه “دين عدل ومصلحة ورحمة وحكمة، وبدون هذه الأربعة لا يمكن أن يعيش الناس”.
الأقليات وصورة الإسلام لدى الآخر:
وقال العلامة ابن بيه: “الحقيقة أن أفعال وأقوال بعض المنتسبين إلى الإٍسلام وبخصوص بعض الشباب الذين جاؤوا إلى المهجر هي أعمال مشينة، معيبة ولا علاقة لها بالدين، لأنها لا تتصف بالقيم الأربعة التي كنا نتحدث عنها، والتي هي أساس ولب ديننا، وهي تشوه الإسلام في العالم كله وليس في الغرب فقط”.
وأضاف أنه “يجب أن لا يكون المسلمون مصدر قلق وإنما مصدر طمأنينة”.
وبين ابن بيه أن “الغرب ليس على حد سواء فهناك العقلاء والحكماء الذين يفرقون بين الإسلام وبين بعض المسلمين ويرون أن هذه الظاهرة لا تمثل الإسلام وأسميهم: أولو بقية من الغرب، من الفلاسفة والعلماء الاجتماعيين، والعمل مع هؤلاء في غاية الأهمية لإيضاح صورة الإسلام”.
وأضاف ابن بيه “يجب أن أنقدم للمسلمين حقيقة دينهم ليقدموا النموذج والمثال الصالح للغرب لأن الدعوة بالمثال أولى من الدعوة بالمقال”.
وقال: “يجب ان نتعامل مع الغربيين كمجموعة إنقاذ ومجموعة إطفاء، والإطفائي لا يسأل عن من اشعل الحريق وإنما يسأل كيف يطفئ الحريق، فعلينا أن نتعامل مع هؤلاء الإطفائيين الغربيين تعاملا إنسانيا لنطفئ جميعا الحريق، لأننا جميعا في سفينة واحدة”.
وأضاف الشيخ ابن بيه أنه “يمكن أن تقوم النخبة المثقفة بعمل كبير عبر وسائل الاتصال التي تشكل التي هي الآن أصبحت المشكلة يمكن أن تكون حلا، غير أن عدم التنسيق وتشتيت الجهود هي مشكلة جوهرية تكاد أن تكون عضوية في العالم الإسلامي”.
الحريات في الإسلام:
وبرهن الشيخ ابن بيه على أن “الإسلام هو دين الحرية لأنه لا يقبل أن يدخله أحد في حالة إكراه، فالحرية أساس كبير من أسس الدين الإسلامي، ويمكن للإسلام أن يلتقي مع الكثير من الحريات الموجودة في الغرب”.
وأوضح أن “السلطة هي المسؤولة عن تغيير المنكر وحفظ النظام العام باليد، لأن من شأن من قام بذلك من الأفراد أن يقع في منكر أعظم أو يثير فتنة أكبر”.
السلم والتعايش:
وعن السلم والتعايش داخل بلاد الإسلام وخرجها قال ابن بيه أنه “لابد من الانسجام بين الضمير الفردي للشخص وبين المجتمع الذي يعيش فيه، وهذا الانسجام يحتاج إلى فقه، وقد قمت مع بعض العلماء بجهد كبير في هذا الصدد، فيحتاج الشخص إلى فهم للشريعة حتى ينسجم مع المجتمع، فهناك إشكالية الانسجام بين ضمير الفرد وبينما يشاهده في المجتمع، وهذا الانسجام ضروري جدا”.
وقال ابن بيه “إن درجة السلم أعلى من كل شيء، علينا أن نحمل الأمة على أن تدرك قيمة السلام وقيمة العافية والأمن قبل كل شيء”.
الخروج من المأزق:
وأعرب العلامة بيه عن أمله في “الخروج من هذا المأزق” واصفا إياه بأنه “أمر صعب لكن نريد أن نبث رسالة أمل ورسالة بشرى، وأن المآسي تولد من رحمها الحلول، والخير يولد من رحم الشر”.
ومع ذلك يرى الشيخ ابن بيه أن “الإنسان مسئول عن تغيير هذه المرحلة وأن يبذل جهدا مضاعفا حتى ينقذ السفينة… كل شرائح الأمة وعلماؤها واقادتها وسياسيوها… لهم حظ من المسئولية. من الخطأ أن نقول إن شريحة معينة مسئولة عن ما يجري وأن شريحة معينة بإمكانها أن تنقذ الأمة مما هي فيه”.
وفي ذلك الصدد يرى من الضروري أن “تضامن الجهود وتوحيد المقاربات الاستخباراتية والأمنية والاجتماعية والثقافية” معتبرا أن الاقتصار على بعضها غير مجد.
ورد الشيخ ابن بيه على السؤال المتعلق بتلقي بعض المتطرفين لفتاوى من بعض المشايخ بالقول: إن “الشريعة ليست عبثية ليقتل بعض الناس بعضا، وفي هذا الصدد لابد من مراجعة النصوص على ضوء المقاصد، وذلك في الجملة وليس في التجزئة، فالنظرة المجزأة للأدلة هي التي أدت إلى كثير من المشكلات، والنظرة الخاطئة لفهم النص هي التي أدت إلى هذه المشكلات أيضا.
وأضاف ابن بيه أن كل “العلماء مطالبون إلى تقديم هذه البراهين للناس ولأولئك الذين لم يصابوا بفيروس التطرف لحمايتهم ووقايتهم، ولأولئك الذين أصيبوا لعلاجهم ايضا، ولردهم إلى الجادة.
ودعا الشيخ “جميع العلماء من الطوائف والمذاهب إلى توحيد كلمتهم على كلمة واحدة هي كلمة “سلام” وأن ينقذوا الأمة أن يوقفوا نزيف الأمة وأن لا يتركوا لتسييس المذاهب فرصة حتى لا يضيع على الأمة مستقبلها، بعد أن ضاع حاضرها، فالمستقبل مهم، وعلينا أن لا نقبى حبيسي سجن الحاضر” يقول العلامة ابن بيه.