بعض من ثمار الإيمان – العلامة عبدالله بن بيه
أيها السادة الكرام، إن أول ثمار الإيمان وأعظمَها هي السّعادةُ الأخروية بتنعيم الأرواح في القبور والأجساد يومَ النشور بالنزول في دار الأفراح والسرور، حيث النعيم المقيم الذي لا يحول ولا يزول. ومن ثمار الإيمان أيضا، أنه به يرتقي الانسان في إنسانيته، اتّصافا وتحقُّقا، بالكمالات الإنسانية، من صحة الاعتقاد، وحسن معاشرة العباد، وتزكية النفس وتهذيب غرائزها، فبالإيمان يهتدي الإنسان إلى فعل الخير وينقاد إلى الخير باطناً وظاهراً. كما أن من ثمار الإيمان الحياة الطيبة، قال تعالى “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً” والحياة الطيبة هي السّعادة والطمأنينة ويمكن أن نعبر عنها بالمصطلح المعاصر “جودة الحياة”. إن قيمة الإيمان تؤدّي الى الاطمئنان، فيكون الانسان مطمئناً إلى رؤية لهذا الكون العجيب والكوكب الفريد الذي يعيش عليه، رؤية تجيب عن سؤال من أين أتيتُ وإلى أين أصيرُ؟ وممّ خلقتُ ولم خلقتُ؟ تجيب على سؤال الأخلاق بربطها بالجزاء الأخروي فلا تستوي الحسنة والسيئة ولذلك فهو يقيم في النفس وازعاً وفي الضمير رادعاً، فكلّ أخلاق لم تستنبت في أرض الإيمان، ولم تسق بسحب الوحي الفياضة بالإحسان، تظلُّ معرّضة لزعازع الهوى، ضعيفة التّأثير، تتلاشى أمام الأزمات، وهذا ما تفتقر إليه النظريات الفلسفية الأخلاقية، كالتي في النظام الكانتي، حيث لا جزاء، فلا المجرم معاقب ولا المحسن مثاب إذا لم تنله يد القانون، فيستوي في هذا النظام البارُّ بوالدَيْه والعاقّ لهما، والمحسن على جاره والمسيء. أما الأخلاق الإيمانية فتعزّز السلام مع العالم في دوائر متصلة، مع النّفس والوالدين ومع الأقربين، والجيران والناس أجمعين، “والمؤمنُ من أمنَهُ النَّاسُ علَى دمائِهِم وأموالِهِم“. فمجتمع الإيمان مجتمع آمن، ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ﴾ مجتمع يُمتَثل فيه للحقوق، وتؤدّى فيه الواجبات طواعية: “الذين آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ”، فالإيمان بالله والجزاء الآخروي يجعل الإنسان أكثر شفقة على الناس ورحمة بهم وأقل عدوانية وظلما، وأكثر مسئولية في علاقته مع الناس والمخلوقات ومع البيئة من حوله. إن الإيمان يربط الإنسان بالكون من حوله في سلسلة علائق متكاملة، تمنح صاحبها ثباتا نفسيا، وتقيه من الضياع والتشتت، وتعيد انتماءه إلى العالم، إلى الكون الذي تشترك فيه البشرية بالوجود والوجدان، وهذا الذي تشير إليه الآيات: ﴿ مَّا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ و﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾، و كما في الحديث الشريف “يا أيُّها النَّاسُ، ألَا إنَّ ربَّكم واحدٌ، وإنَّ أباكم واحدٌ، ألَا لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على أعجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عرَبيٍّ، ولا أحمَرَ على أسوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ إلَّا بالتَّقْوى”. ومن ثمار الرؤية الإيمانية أنها تفتح آذان الإنسان ليسمع أصوات الكون الناطقة بحقائقه من حولنا، وترفع الغشاوة عن البصيرة لتدرك الإشارات البينات التي تدله من ذاته على ذاته. الصمت المطبق للكون، إنما هو شعور الإنسان المحجوب بالغمرة والسمود عن فهم لغة الآيات، التي استنطقها ذاتَ يوم ابن عطاء الله السكندري، فنطقت له بأسرارها العجيبة: أيا صاح هذا الركب قد سار مسرعًا * ونحن قعود ما الذي أنت صانع أترضى بأن تبقى المخلف بعدهم * صريع الأماني والغرامُ ينازع وهذا لسان الكون ينطق جهرة *بأن جميع الكائنات قواطع وألَّا يرى وجه السبيل سوى امرئ * رمى بالسِّوى لم تختدعه المطامع.
… للاطلاع على النص كاملا : https://binbayyah.net/arabic/archives/5443
|