ارشيف ل March, 2009

قراءة الفاتحة في الاجتماع

السؤال
ما حكم قراءة سورة الفاتحة قبل عقد الاجتماعات العامة؟

أرجو تفصيل الحكم، مع التكرم ببيان الدليل؛ حتى يكون معنا حجة شرعية.

الجواب
عليكم السلام ورحمة الله وبركاته…

تستحب القراءة مطلقاً بشكل مطلق لا بقيد مكاني معين، ولا زماني، والله – سبحانه وتعالى- يقول: “فاقرأوا ما تيسر من القرآن” وفي نفس الآية: “فاقرأوا ما تيسر منه” [المزمل: 20]،

فقراءة القرآن فيها ثواب عظيم؛ لأن الله – سبحانه وتعالى- يعطيك مقابل كل حرف عشر حسنات ولا أقول (ألم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف” أو كما قال – عليه الصلاة والسلام- فيما رواه الترمذي(2910)

من حديث ابن مسعود –رضي الله عنه- وفي الحديث الذي يرويه الترمذي(2926) عن أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- قال: “من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين”،

إذاً قراءة القرآن هي من فضائل الأعمال ومستحباتها، أما كون ذلك قبل الاجتماعات، أو بعد الاجتماعات، أو أثناءها فهذا لم يرد فيه النص، فإذا فعله الإنسان، وهو يعتقد أنه سنة من السنن، أو فريضة من الفرائض فهذا خالف الشرع، وإذا كان يقرأه تبركاً بالقرآن الكريم فهذا لا بأس به – إن شاء الله- على الصحيح الذي نختاره، والمسألة فيها الخلاف الوارد على ما يسمى بالبدعة الإضافية، وكثير من المالكية يكرهون البدعة الإضافية، وعند بعض العلماء المسألة ترجع إلى الدليل العام، فما شمله الدليل العام من الإباحة، أو الاستحباب، كما يرى الشافعية والعز بن عبد السلام، وكذلك القرافي من المالكية، فالمسألة – إن شاء الله- لا بأس بها، بمعنى أنه لا ينبغي أن توجد خلافاً بين المسلمين، “لا تباغضوا ولا تحاسدوا، ولا تدابروا…” الحديث رواه البخاري(6065)، ومسلم(2559)

عن أنس –رضي الله عنه- فمن أراد أن يقرأ فلا نمنعه أن يقرأ الفاتحة. لكن لا تقول: إنها من السنن أو أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يبدأ بها، هذا ليس صحيحاً، لكن مع ذلك إذا قرأت الفاتحة تبركاً بها، وطلباً لما عند الله من الأجر والثواب،

فهذا أمر لا بأس به -إن شاء الله-.

هل اختلاف الأمة رحمة؟

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كثر الحديث بين الخطباء والمحدثين بأن اختلاف الأمة رحمة، واختلاف العلماء والفقهاء رحمة لأمة محمد -عليه الصلاة والسلام-،

والسؤال هو: كيف يستقيم ذلك إن كان الإسلام يدعو دائماً للوحدة ونبذ الاختلاف؟،

كما أن الفطرة تبين لكل ذي لب بأن الاختلاف ليس دائماً ممدوحاً ومفيداً، فما الموقف الصحيح في هذه المسألة من حيث الشرع والدين والفتيا واتباع الحق؟

وفقنا الله وإياكم للطريق المستقيم، وجعلنا وإياكم من عباده الصالحين، والحمد لله رب العالمين.

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

هذه المسألة مهمة، فإن مسألة اختلاف الأمة وكونه رحمة، قد وردت في حديث غير ثابت، رواه البيهقي بسند منقطع عن ابن عباس – رضي الله عنهما- بلفظ: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به، لا عذر لأحدكم في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله، فسنة مني ماضية، فإن لم يكن سنة مني ماضية، فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء، فأيها أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة” وخرجه الألباني في الضعيفة(59)

وقال: إنه موضوع. وكذلك أورد هذا الحديث ابن الحاجب بلفظ: “اختلاف أمتي رحمة”،

وكذلك الملا علي القاري الذي قال: إن السيوطي قال: أخرجه نصر المقدسي في الحجة، والبيهقي في الرسالة بغير سند، ورواه القاضي حسين، وإمام الحرمين وغيرهم، ولعله خُرج في بعض كتب الحفاظ التي لم تصل إلينا، ونقل السيوطي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يقول: “ما سرني أن أصحاب النبي محمد – صلى الله عليه وسلم- لم يختلفوا؛ لأنهم لو لم يختلفوا لم تكن رخصة”،

وكذلك أخرج الخطيب أن هارون الرشيد قال لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله نكتب هذا الكتاب – يعني الموطأ-، ونحمل الناس عليه، ونفرقه في آفاق الإسلام لنحمل عليه الأمة، فقال يا أمير المؤمنين: إن اختلاف العلماء رحمة من الله –تعالى- على هذه الأمة، كل يتبع ما صح عنده، وكلهم على هدى، وكل يريد الله –تعالى-.فهذه الأقوال تدل على أن حديث: “اختلاف الأمة رحمة” ليس ثابتاً، ولكن مع ذلك هناك ما يدل على أن المسألة لها أصل، فكلام عمر بن عبد العزيز، وكلام مالك – رحمهما الله تعالى- يدل على أن المسألة لها أصل، ومعنى ذلك: أن الاختلاف الحميد الذي تكون له أسباب وجيهة من دلالات الألفاظ، ومن معقول النص، هي اختلافات حميدة وسائغة،

ولهذا سماها ابن القيم – رحمه الله-: الخلاف السائغ بين أهل الحق، فهذا النوع من الاختلاف لا حرج فيه، ويجب على المسلم أن يوسع صدره لتلك الحكمة التي كتبها العالم يوصى بها ابنه: اعرف الخلاف يتسع صدرك، فإذا عرف اختلاف العلماء ، وأسباب هذا الاختلاف لوجود دلالات الألفاظ المختلفة، ولوجود مسائل معقول النص، فالاختلاف في الاجتهاد -كما يقول ابن القيم – رحمه الله- إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع، وللاجتهاد فيها مساغ لم ينكر على من عمل به مجتهداً ومقلداً، ويقول العز بن عبد السلام: من أتى شيئاً مختلفاً في تحريمه اعتقد تحليله، فلا ينكر عليه إلا أن يكون قول المحلل ضعيفاً جداً.

إذاً الاختلاف بهذه المثابة يكون توسعة على الناس في الفروع، فمن عمل بشيء من أقوال العلماء في ذلك يكون إن شاء الله مصيباً، وحتى لو كان مخطئاً فإنه معفو عنه، ومن اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد وأخطأ فله أجر كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري(7352)، ومسلم(1716) عن عمرو بن العاص –رضي الله عنه-، فحينئذ لا ينكر هذا الاختلاف، وهذا هو الاختلاف الذي يمثل الرحمة؛ لأنه يمثل سعة واتساعاً لحل قضايا الأمة ومشاكلها، وكذلك يحمل الناس على التعايش مع بعضهم دون وجود ضغن وأحقاد لا مبرر لها. أما الاختلاف المنهي عنه، والذي يمثله قوله تعالى: “وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ” [الأنفال: من الآية46]، هذا الاختلاف الذي يؤدي إلى التباغض والتدابر،

وقد نهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: “لا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا تناجشوا، وكونوا عباد الله إخواناً” رواه البخاري(6066)، ومسلم(2563) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، هذا الاختلاف الذي يؤدي إلى التباغض والتدابر هو الاختلاف الذي يمس العقائد الكبرى، وهو أمر يتجاوز -على حد التعبير المعاصر- الخطوط الحمراء، وبمعنى أنه يتجاوز الاختلاف المقبول إلى التناحر وإلى أن يضرب بعض الأمة بعضها، وألا تتحد سياساتها، وألا تواجه عدوها معاً، هذا الاختلاف مذموم.

إذاً الاختلاف منه حميد، ويكون علامة صحية، هو اختلاف عرفت أسبابه وظهرت آثاره الطيبة على الأمة، وأحدث يسراً، وهناك اختلاف ظهرت آثاره السيئة على الأمة وهو الاختلاف المذموم، فعلى المجتهد العالم أن يعرف ذلك ببصيرته، وأن يكون بصيراً بأنواع الخلاف التي يتسامح بها، وخبيراً بأنواع الخلاف التي تؤدي إلى تدمير وحدة الأمة، وتؤدي إلى التباغض والتدابر الذي نهى الشرع عنه. أرجو أن يكون قد فهم ذلك السائل، والله – سبحانه وتعالى- أعلم.

Bookmark/Search this post with

العمل في مجال السياحة

السؤال
أعمل منذ ثلاث سنوات في مجال السياحة، الواضح جداً أن هذا المجال به شبه كبيرة من الحرام، أريد أن أترك العمل،

لكنني لا أجد عملا آخر، والمال العائد من هذا المجال ما حكمه بعد ترك العمل؟ وجزاكم الله كل خير.

الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…

في الحقيقة هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل: إذا كان السائل يريد من السياحة ما يسمى بالفندقة- أي العمل في الفنادق- ونحو ذلك، أو العمل في منتزهات عامة، أو ما يسمى بالاستراحات في هذه البلاد الطاهرة، فهذا ليس باطلاً إذا لم يلتبس بإثم، فهو عمل – إن شاء الله- لا بأس به، ولكن إذا كانت هذه السياحة هي عبارة عن ممارسة السوء، وتهيئة الظروف للمحرمات، وشرب المسكرات، فهذا هو المحرم،

فأنا لا أستطيع أن أطلق حكماً دون أن أعرف الموضوع بخصوصه، يعني إذا كان العمل بصفة عامة، وفي خدمات عامة للزوار الذين يزورون المنطقة، سواء كانوا مسلمين أو كانوا غير مسلمين لا فرق في ذلك إذا كان العمل مباحاً، فالراتب والأجرة التي يأخذها هي مباحة – إن شاء الله-، أما إذا كان العمل محرماً، ويغلب عليه الحرام فهذا لا يجوز،

وبالتالي فإنه يمكن أن يتمسك بهذه الأجرة إذا كان محتاجاً أو فقيراً، ولكن عليه أن يبحث عن عمل آخر، وبخاصة إذا كان في بلد إسلامي، فهذه الأمور لا تطيب له، طبعاً نحن نظراً لمذهب أبي حنيفة نفرق بين العمل في بعض الأشياء في البلاد الإسلامية، والعمل في غيرها، إذاً الأمر يحتاج إلى تفصيل، وننصح السائل أن يتجنب المآثم والمحرمات التي قد تكون في ما يسمى بصناعة السياحة، وأن يأخذ الجانب الطيب، وجانب الترفيه والراحة البريء، وهو جانب – إن شاء الله – لا بأس به إذا لم يلتبس بإثم أو عمل غير مشروع. والله أعلم.

 

دعوة الزملاء غير المسلمين

السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

فضيلة الشيخ: أنا موظف في شركة كبيرة، ولدي معرفة بكثير من الأشخاص، ومن ديانات وطوائف مختلفة (شيعة، نصارى…)، وتربطني معهم علاقة عمل محترمة وجيدة، وأنا مقبل على الزواج،

وسؤالي ما حكم دعوتي لهم لحفل الزواج؟ وهل فيه موالاة لهم؟ وأريد مخرجاً لهذه المشكلة المحرجة بما يتوافق مع الشريعة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد…

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. بالنسبة لوليمة الزواج، هل يجوز له أن يدعو من يعتبرهم زائغين عن الحق، أو من ليسوا على دين الإسلام؟ الأمر واسع – إن شاء الله- إذا وجدت حاجة وضرورة تدعو إلى دعوة هؤلاء لمثل عدم القطيعة، وعدم البغضاء والتباغض، وجلب المحبة التي من شأنها أن تصلح الحال، وأن تقوم الأمور، والدليل على ذلك ما ذكره ابن هشام وابن سعد وغيرهما من علماء السيرة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- في عمرة القضية لما انتهت ثلاثة الأيام التي أقام بها في مكة حسب الاتفاق مع قريش أتاه رجال من قريش يستعجلونه في السفر عنهم، ويطلبون منه أن يخرج حسب الاتفاق، (ابن عامر، وابن عبدالعزى)

فلما جاءوا إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- قال لهم: “وما عليكم لو تركتموني فأعرست بين أظهركم فصنعت لكم طعاماً فحضرتموه” رواه الحاكم في المستدرك (6796) من حديث ابن عباس –رضي الله عنهما-،

وهذا يعتبر دعوة من النبي –صلى الله عليه وسلم- لمشركي قريش للوليمة التي كان يعدها لميمونة – رضي الله عنها-، فهذا أصل إذا وجدت مصلحة ووجدت حاجة أن يتعامل الإنسان مع غير المسلمين تعامله مع المسلمين، أو مع جهات إسلامية قد يكون له رأيه فيها أو موقفه منها. فأقول: إن الأمر واسع – إن شاء الله- والمستند ما ذكرناه، وهو الرواية الثالثة عن أحمد بجواز التهنئة والتعزية للكفار، وجواز العيادة؛ لأن الإمام أحمد روى روى عنه ثلاث روايات ذكرها في الإنصاف،

والرواية الثالثة هي التي اختارها تقي الدين ابن تيمية للمصلحة، وهي التعزية والتهنئة وعيادة المرضى للمصلحة، فالمصلحة إذا قامت فمن شأن ذلك أن يسهل هذه الأمور ويجيز له ويبيح له أن يدعو هؤلاء إلى وليمة النكاح بلا حرج – إن شاء الله-. والله أعلم.

 

اختلاف المفسرين هل هو اختلاف في القرآن؟

السؤال
السلام عليكم . سؤالي عن شبهة حول القرآن، وهو من مكائد النصارى للإسلام وقد انتشر بين الناس عندنا، أرجو أن تجيبوا عليه قبل أن تحدث فتنة لا تبقي ولا تذر، وهو كما يلي: يقول الله -تعالى- : ” ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا”

والمعروف لدى المسلمين أن القرآن قد اختلف في تفسير كثير من آياته.

وهذا معناه (حسب المشكّك) دليل من القرآن على أنه من عند غير الله. فما هو الجواب لمثل ذلك؟

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد…
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أولاً هذه الآية يجب أن تفهم فهماً آخر غير الفهم الذي فهمها هذا المشكك، فالمسألة لا تتعلق باختلاف عموم الناس في آيات القرآن ودلالاته،بل إنها تفسر على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: الاختلاف هو التناقض، فالقرآن لا تناقض فيه، فهو يأمر بالعدل أبداً وبالإحسان أبداً، فلا يوجد فيه حيف ولا ظلم، إذاً المبادئ الأساسية والكبرى التي يدعو إليها القرآن لا تختلف أبداً ، بينما لو كان من عند غير الله لغلب الهوى على الإنسان، فمرة يأمر بالمعروف ومرة يأمر بالمنكر، فهذا هو التفسير الأول.

الوجه الثاني: أن القرآن لو كان من عند غير الله لاختلف عما يخبر به، بمعنى أن الخبر لا يكون موافقاً للمخبر عنه، والقرآن لا يخبر عن شيء إلا كان كذلك، فهو يحدثهم عما في أنفسهم من الكفر والنفاق، وهم يعلمون ذلك بديهة، وأن ما يحذرهم به القرآن هو حق فأخبار القرآن هي أخبار صحيحة، سواء كانت تتعلق بالأحوال الكونية، أو الناس وبما يقومون به، فالواقع دائماً والتجارب والمستقبل والحاضر دائماً يصدق القرآن الكريم، وهذا ما ظهر جلياً في الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.

الوجه الثالث: لو كان من عند غير الله لوجدتموه مختلفاً عما هو عليه، فلما لم يكن مختلفاً عما هو عليه علمنا أنه من عند الله، وهذا يحتاج إلى شيء من الروية والفهم، بمعنى : أنه لو كان كتاباً من عند غير الله لاختلف هذا الكتاب، ولكان مختلفاً عن الحالة التي عليها القرآن الكريم. فهذه الأوجه الثلاثة هي الأوجه التي فسر بها المفسرون هذه الآية:                                                              “ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً” [النساء: 82]،

ولكنه من عند الله فلا اختلاف فيه، وليس الأمر متعلقاً باختلاف الناس في القرآن ، أو اختلاف دلالات الألفاظ، أو اختلاف السور في طولها وقصرها، هذا ليس مراداً في الآية الكريمة، فهذا هو الجواب عن هذه الآية، والله أعلم.

الانتفاع بعوائد التأمين الإجباري

السؤال
أنا شخص مسافر إلى بلد أوروبي، ويلزم علي أن أقوم بالتأمين، وهو إجباري وليس اختيارياً، وأنا ذاهب لغرض الدراسة.

هل يجوز أن أنتفع بنتائج هذا التأمين؟.

الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد…

أولاً: الأصل في التأمين التجاري الذي يمارس في أوروبا الأصل فيه التحريم؛ لما فيه من الغرر والجهالة، وهو عقد يقوم على الغرر؛ لأنه لا يدرى هل المؤمن يقع عليه خطر، أو لا يقع عليه، وبالتالي فهو عقد غرر، فإذا وقع عليه خطر استفاد من التأمين أضعافاً مضاعفة، وإذا لم يقع عليه خطر خسر نقوده التي صرفها في التأمين – هذا هو الأصل، وهو أصل قرارات مجمع الفقه-، حيث لا يوجد تأمين تعاوني، فإذا وجد تأمين تعاوني، وهو التأمين الذي يقوم على أساس التعاون المنظم بين المستأمنين، فهذا هو الأصل. لكن بناء على أنه في أوروبا لا يوجد التأمين التكافلي أو التعاوني، أو البديل الإسلامي ليس موجوداً، فيجوز للسائلأن يستفيد من التأمين لرفع الحرج والمشقة، ولأن الغرر يجوز إذا اشتدت الحاجة -كما في الكثير من المسائل التي نص عليها العلماء، ونصوا على جواز الغرر فيها لوجود المشقة والحاجة-،

وعليه: فيجوز له أن يستفيد من هذا التأمين الإجباري وأن يستفيد من نتائجه، ولا حرج عليه – إن شاء الله- في ذلك، على أنه إذا وجد تأميناً تعاونياً أو تكافلياً يستجيب لمتطلبات الشريعة يجب أن يلتزم به، ويترك التأمين التجاري. والله أعلم.

 

التبرع لجمعيات غير إسلامية

السؤال
فضيلة الشيخ: نحن طلبة مبتعثون إلى إحدى الدول الغربية، وقائمون على جمعية إسلامية في الجامعة التي ندرس بها، ويتوفر لدى عدد من المسلمين الموجودين في المدينة (عددهم محدود) ملابس وحاجيات مختلفة للتبرع،

ولا يوجد في مدينتنا من هو مستحق لها من المسلمين، وقد اتصلنا بعدد من الجمعيات الإسلامية في المدن الأخرى، ولم يتمكنوا من الحضور إلينا، وأيضًا من تجربة سابقة فإن إرسال هذه الملابس والحاجيات إلى المدن التي فيها تجمعات إسلامية مكلف جدًّا، ولاتوفي بقيمتها المادية، والإخوة هنا يسألون فضيلتكم: هل يجوز التبرع بها للجمعيات غير الإسلامية، وبالأخص جمعية مرض السرطان بالمدينة؟

وذلك لتعذر توصيلها لمن هو يستحقها من المسلمين. أفتونا مأجورين.

الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…
يجوز أن تدفع هذه الأشياء إلى من يحتاجها من غير المسلمين؛ فقد جاء في الحديث: “في كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ”. أخرجه البخاري (2466) ومسلم (2244).والأجر في كل مخلوقات الله سبحانه وتعالى، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه، بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًاوَيَتِيمًا وَأَسِيرًا)(الإنسان:8).

ومعلوم أن الأسير في هذه الآية هو الأسير غير المسلم، ومع ذلك فالله سبحانه وتعالى امتدح هؤلاء بأنهم يطعمون الأسير، حتى وإن كان غير مسلم، وقد قال أبو حنيفة –رحمه الله تعالى: (إن الزكاة تجوز على غير المسلمين).

طبعًا في عهد المسلمين وذمتهم، فالصدقة على غير المسلمين من المحتاجين والمرضى هي صدقة مقبولة – إن شاء الله سبحانه وتعالى- ولا مانع منها، وجاء في الحديث الصحيح أن أسماء، رضي الله عنها، قد جاءتها أمها – والكلام هنا عن أسماء بنت أبي بكر، رضي الله عنهما- قدمت عليها أمها، وكانت مشركة، فقالت أسماء، رضي الله عنها، للنبي صلى الله عليه وسلم: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وهي راغِبةٌ، أَفَأَصِلُهَا؟ قال صلى الله عليه وسلم: “نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ”. أخرجه البخاري (2620) ومسلم (1003).

فأمرها بصلتها مع أنها كافرة، فالكفر ليس مانعًا من الصدقة على الناس المحتاجين والمرضى، فإذا كان الأمر على ما ذكر السائل من أنهم لا يستطيعون إيصالها، ولا يستطيعون بيعها لإيصال مالها إلى المحتاجين المستحقين، فإنهم يعطونها إلى هذه الجمعيات، وذلك أمر حسن مرغوب فيه، وأيضًا من شأنه أن يصلح العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وأن يظهر للناس سماحة الإسلام وفضله، وأن المسلمين يواسون كل المحتاجين، حتى ولو كانوا غير مسلمين. والله أعلم.

 

اريد الهجرة إلى بلد مسلم

السؤال
نريد أن نهاجر لدولة مسلمة،كيف نستطيع الخروج من بلد كافر إلى بلد مسلم، والبلد المسلم لا يقبل بنا، والأسوأ أنهم يفضلون الكفار في العمل لديهم، مع أن لدينا شهادات أفضل من الكفار، نريد أن نتوقف عن دفع الضرائب لهم، فهم يستخدمون هذه الأموال لضرب المسلمين، وتبقى معهم في بلدهم، في نفس الوقت نريد من يقف معنا في هذه الشدائد ويساعدنا في التوجه لبلد مسلم، ونهاجر في سبيل الله.
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…
هذا السؤال ذو شعب مختلفة:
أولاً: السائل يسأل عن كيفية الخروج من بلد غير مسلم إلى بلد مسلم، وهذه الكيفية كما هو معروف تحكمها أنظمة وقوانين وأعراف تخضع لتأشيرة، وتخضع لطلب عمل، وتخضع لأشياء قد لا يكون موقعنا هذا (موقع الإسلام اليوم)، قادرًا على توفيرها لكل مسلم يريد أن يخرج من بلد كفر إلى بلد إسلام؛ لأن الدول الإسلامية لها أنظمتها ولها جهات مختصة بهذا.
الأمر الآخر هو: أن السائل يقول: إنه لا يريد أن يقيم في دار الكفر، وهذا شعور طيب، لكن مع ذلك نقول له: (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا){البقرة:من الآية286}.
وإذا كان يستطيع إقامة شعائره، ويستطيع أن يعبد الله سبحانه وتعالى، في هذه الديار – ديار الكفر- فلا يجب عليه أن يخرج منها؛ لحديث فديك، رضي الله عنه، وهو حديث رواه ابن حبان (4861) ورجاله ثقات، وفيه يقول عليه الصلاة والسلام: “يا فُدَيْكُ أَقِمْ الصَّلاةَ،واهْجُرِ السُّوءَ، واسْكُنْ مِن أرضِ قَوْمِكَ حَيْثُ شِئْتَ”.

وظن الراوي أنه قال: “تَكُنْ مُهَاجِرًا”. وكانت قبيلة فديك كافرةً، وكان يسكن معهم، وكان يسأل ويستفتي عن الهجرة، لهذا بنى ثلاثة من الأئمة، وفي أغلب المذاهب الثلاثة مذهب الشافعي والحنبلي والحنفي بأن الخروج إذا كان الإنسان قادرًا على إقامة شعائره ليس واجبًا، وأن الهجرة ليست واجبة، ورأى مالك – رحمه الله تعالى- وأهل الظاهر وجوبها، فالمسألة فيها سعة، و (لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا).

فإذا استطاع أن يذهب إلى بلد مسلم يقيم الدين، فهذا شيء حسن، لكن إذا لم يستطع ذلك – أيضًا- فليعلم أنه في سعة من أمره، ويرى بعض العلماء كالماوردي والشافعية أنه إذا كان يستطيع أن يؤدي شعائر دينه فلا يجوز له الخروج أصلاً، بل يجب البقاء في ذلك البلد؛ لأن البلد بخروجه ستخلو من المسلمين، أي لا يبقى فيها مسلم، والمسألة فيها سعة، ونسأل الله أن يوفقنا ويوفقه، ويوفق ديار المسلمين على أن تستقبل أبناء المسلمين بدلاً من أن تستقبل غيرهم، وأن تستعملهم بدلاً من استعمال غيرهم، وبخاصة إذا كانوا يتمتعون بالكفاءات التي أشار إليها السائل. أما قضية أنه يدفع الضرائب لهم، فهذا عليه أن يدفع ضرائبه لحماية نفسه وحماية ممتلكاته، وهذا أمر لا بأس به– إن شاء الله تعالى. والله أعلم.

 

إعطاء ولي الأمر عهد الأمان للكفار

السؤال
هل يجوز لولي الأمر إعطاء الكفار عهد الذمة، وأن يدخلوا تحت حماية المسلمين، مع أنهم قدِموا لبلادنا ونيتُهم قتلُ مسلمين آخرين؟

وجزاكم الله خيرًا.

الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
هذا السؤال يحتاج إلى تفصيل:أولاً: ينبغي أن نقرر من باب النصح للمسلمين أمورًا، منها أن الأمان والعهد يجوز للإمام – أي ولي أمر المسلمين- أن يعطيه لجميع الكفار أو بعضهم؛ لأن الإمام هو المسؤول عن النظر والمصلحة، وهو نائب عن الجميع في جلب المنافع ودفع المضار، وهذا ما لا خلاف فيه، يمكن أن يراجع في هذا كتاب المغني لابن قدامة، وتفسير القرطبي، وغيرهما، والإمام هنا هو ولي أمر المسلمين، ولا يشترط أن يكون قائمًا صائمًا؛ بل يكفي أن يكون حاكمًا ببيعة أو ولاية عهد أو تغلُّب، هذا هو مذهب أهل السنة، فمثل هذا الإمام يمكن أن يعطي أمانًا، ولا حد لهذا الأمان بوقت، بل يرجع إلى اجتهاده وما يرى أنه مصلحة، هذا هو الإيضاح الأول الذي أردنا أن نوضحه.

الأمر الآخر هو: أن ولي أمر المسلمين عندما يعطي أمانًا فإنه ينبغي أن نحمله على أنه إنما أعطاه لمصلحة؛ لأن الناس محمولون على السلامة وعلى الأمانة، وليسوا محمولين على العدوان، فينبغي أن نظن بهم أنهم إنما فعلوا ذلك لمصلحة قد تخفى على الناس، قد لا تكون متاحة أو متضحة لكل الناس، فهي إما مصلحة تُجلب أو مفسدة تُدرأ، فلنحمل إذًا فِعْلَ ذلك على هذا.

الأمر الثالث: إذا افترض أن ما ذكره السائل لم يقل: يقتلون. وإنما قال: ينوون قتل مسلمين آخرين. فهذا لا يجوز لولي الأمر، لكنه في نفس الوقت لا يبيح للسائل أن يخرج على ولي الأمر، ويعلنها حربًا على المسلمين وعلى غير المسلمين، ولهذا نتساءل: ما نتيجة الأمان؟ هو منع القتل والقتال، فنصيحتنا لهذا السائل أن يشتغل فيما يعنيه، في عبادة الله سبحانه وتعالى، والسعي في أمور دينه ودنياه، وألا يُدخل نفسه أو غيره بمسلسل أو في دوامة لا تجر إلا إلى خراب الدين والدنيا، وضياع الآخرة والدنيا، هذه نصيحتنا له،

ونرجو أن تكون لوجه الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ). و”مَن رأَى مِنكم مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسانِهِ….” أخرجه مسلم (49).

ما معنى: لم يستطع؟ معناها: إذا كنت عندما تغير الأشياء بيدك تجر إلى ويلات فغيره بلسانك، وإذا كان – أيضًا- لسانك سيجر إلى فساد وإلى ضياع فعليك أن تغير بقلبك، بخاصة الأمور التي قد لا تطلع عليها، وأنت قلت: ينون قتل المسلمين، فمن خبَّرك بأنهم ينوون؟، فهذه أمور ننصح شبابنا، وننصح المسلمين جميعًا بأن يتريثوا فيها، وألا يركبوا رؤوسهم، وألا يظنوا فيها الظنون، وألا يُدخلوا أنفسهم في مسلسل العنف ودوامة الخراب الذي يخرب بيوت المسلمين، وقد لا يضر الكافرين كثيرًا؛ لأن المسلمين يقتل بعضهم بعضًا، ويقتلون المستأمنين الذين حرم الله قتلهم، وعصم الله دماءهم، وحرمها على المسلمين.

هذه نصيحتنا. والله سبحانه وتعالى أعلم. .

استخدام المسلم للعنف

السؤال
متى يجوز للمسلم استعمال العنف؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد…
العنف ليس مطلوباً ولا مرغوباً في الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم: “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده” رواه البخاري (10)، ومسلم (40)من حديث عبد الله بن عمرو –رضي الله عنهما-، وقال – صلى الله عليه وسلم -: “المسلم من سلم ا لناس من لسانه ويده، والمؤمن من أمِنَهُ الناسُ على دمائهم وأموالهم” رواه النسائي (4995)، والترمذي (2627)

وغيرهما من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-، فثقافة الإسلام هي ثقافة سلام وليست ثقافة عنف واعتداء على الآخرين، ومع ذلك فإن العنف قد يستعمل، ففي حالة الاعتداء على الشخص يمكنه أن يرد، فالله سبحانه –وتعالى- يقول: “وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ” [الشورى:41-43]،

فيجوز في حدود رد الظلم، لكن مع ذلك فإن الصابر الذي يصبر على أذى الآخر ولا يرد عليه وصفه الله –سبحانه وتعالى- بأن ذلك من عزم الأمور. فالعنف ليس أصلاً في هذا الدين، والأصل أن دعوة الدين هي دعوة بالحسنى: “ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” [النحل:125].

وهنا أمر آخر أريد أن أنبه عليه وهو أن أسأل السائل العنف مع من؟ وضد من؟ وفي أي سياق؟ هذه أمور في غاية الأهمية، أي الموازنة بين المصالح والمفاسد عند استعمال العنف ضرورة، فكم من عنف أدى إلى عنف أشد، وبالتالي يتشكل العنف إلى مالا نهاية له، ويكون الإثم على هذا العنف، والإثم بدون أن يلغي عن الآخرين شيئاً، والآخرون أيضاً لهم نصيبهم ولهم قسطهم وبخاصة العنف الموجه إلى الحاكم لا يجوز، فقد جاء في صحيح مسلم (1847)

أن حذيفة بن اليمان –رضي الله عنه- قال له رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: “تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك، فاسمع وأطع”، لأن هذا العنف من شأنه أن يؤدي إلى عنف وإلى فوضى، وبالتالي.. فالعنف إذًا قد يجوز في حالات محددة ومنضبطة في الإسلام، ولكنه ليس أصلاً في الإسلام، بل إن ثقافة التسامح هي الأصل.

 

صلاة المرأة خلف الرجال بلا حائل

 

السؤال
بسم الله، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

سؤالي: أعيش في دولة غربية مع جالية لا بأس بها من المسلمين، ولنا مسجد -والحمد لله- وفيه كذلك مكان مخصص للنساء، ولكن في بعض الأحيان تأتي امرأة أو اثنتان وتصليان معنا في مسجد الرجال، هل يجوز ذلك؟

مع العلم أنه ليس بيننا وبينهما أي حاجز، ما حكم ذلك؟ جزاكم الله خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الأصل أن المرأة تصلي في صفوف النساء، أما الحاجز فليس بشرط، فإذا وجد الحاجز والساتر فهذا أولى، وإذا لم يوجد فليس بشرط؛ قد كان النساء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلين خلف الرجال؛ كما جاء في الأحاديث الصحيحة، بدون حاجز ولا ساتر، وفي بعض الأحيان إذا لم تكن ملابس الرجال سابغة فإنه يؤمر النساء ألا يرفعن رؤوسهن من السجود حتى يرفع الرجال، وهذا جاء في الأحاديث الصحيحة التي لا مطعن فيها.

انظر مسند أحمد (22911) وصحيح البخاري (362) وصحيح مسلم (441)، وكذلك في الحرمين الشريفين،

فإن النساء يصلين في صفوف النساء خلف الرجال، أما إذا صلت في صفوف الرجال مع الرجال فهذا لا يجوز، والعبرة في صلاة النساء خلف الرجال بلا ساتر أن الأمر يرجع إلى طهارة النفوس والابتعاد عن الريبة، ونحو ذلك، فالمكان المخصص للنساء يجب أن يصلين فيه سواء وجد ساتر أو لم يوجد، ولو صلت المرأة معتزلة عن صفوف الرجال لكانت صلاتها صحيحة، لكن لا ينبغي أن تختلط بصفوف الرجال ولا يسمح لها بذلك. والله أعلم.

التشهير بالعلماء

السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم…
إلى المشايخ العلماء: لقد كثرت فتنة التشهير بين الشباب، فما من عالم أو طالب علم إلا انتقصوه و تكلموا فيه، ثم هم يدعون السلفية, كيف التعامل مع هؤلاء الأدعياء الذين تلبسوا بمرط من السلفية ينسبونه ظلمًا و عدوانًا لها؟ ثم هل هناك تعريف شامل لمعنى السلفية؟ و ما رأيكم في منهج الموازنات؟
الجواب
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. السؤال يشتمل على عدة شعب أو فروع، وقد يكون من المناسب أن نتكلم عن كل واحدة منها:الشعبة الأولى: هي تشهير الشباب بالعلماء، وهذا كما هو معروف لا يجوز، والعلماء من المؤمنين والعلماء العاملون هم قمة المؤمنين، والله سبحانه وتعالى يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا)[الأحزاب:58].

فهم مؤمنون لا يجوز إيذاؤهم، ولا يجوز قذفهم، وهو من باب البهتان والإثم العظيم، والإثم المبين، فهذا التشهير في غير محله، وبخاصة إذا كان صادرًا عن صغار السن، قليلي العلم، ضعيفي المعرفة، فحري بهؤلاء ألا يشهروا بالعلماء، وأن يتبعوا العلماء في أقوالهم وأفعالهم؛ حتى يصلوا إلى درجة من العلم والتبصر تسمح لهم بتمييز الطيب من الخبيث، والغث من السمين، والصحيح من السقيم، والتعامل مع هؤلاء هو تبصيرهم، وأن نطلب منهم أن يدرسوا الفقه، أن يتعلموا، أن يتفقهوا؛ لأن الإنسان إذا لم يتفقه فهو أعمى يخبط خبط عشواء، ويخبط في ليلة ظلماء، فالذي أوصي به جميع إخواننا وشبابنا أن يتعلموا؛ لأن العلم لا بديل عنه، فإنك إذا تعلمت عرفت الحق، وكما قال أمير المؤمنين علي، رضي الله عنه: (اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال).

حينما قال له رجل: أتظن أن طلحة والزبير، رضي الله عنهما، كانا على باطل؟ قال له: (إنك رجل ملبوس عليك).

فهذا سببه هو الجهل، فعلى الإنسان أن يتعلم الكتاب والسنة، واختلاف العلماء وأقوالهم، ومواضع الخلاف ومواضع الإجماع، وحينئذ سيكون متبصرًا، وبالتالي يستطيع أن يعرف صدق القائل أو كذبه، أو أن كل الأقوال هي أقوال مقبولة، وكثير من الأقوال في الشريعة، وكثير من الاختلاف بين العلماء هو اختلاف حميد كما يقول الشيخ العلامة ابن القيم- رحمه الله تعالى، فالاختلاف سنة من سنن الحياة، يعني لابد أن نوسع صدورهم للاختلاف، ولابد أن نعلمهم الفقه، أن يتفقهوا، فإذا عرفوا الفقه وعرفوا اختلاف العلماء ومواضع الاختلاف ومواضع الإجماع، وأسباب اختلاف العلماء فعسى أن يكونوا على بصيرة، وأن يعالج جهلهم وغلوهم، وتنطعهم في بعض الأحيان.

الشعبة الثانية: وهي ما يتعلق بالسلفية، السلفية هي نسبة إلى السلف، وطبعًا لا يوجد تعريف على الأقل بالنسبة لي كامل شامل متفق عليه، ومجمع عليه، بل يمكن أن نقول: إن السلفية توجه فكري، أو مدرسة فكرية عقدية، ترى الالتزام بما كان عليه السلف من عدم التأويل في الصفات، والوقوف مع نصوص القرآن والسنة، مع الاحتراز والابتعاد من البدع، هذه تقريبًا الخطوط العريضة للسلفية دون دخول في تفاصيل قد تؤدي إلى شيء من الأمور المختلف فيها، فالسلفي يتميز بالابتعاد من البدعة، طبعًا بعدم القول بانقسام البدعة إلى حسنة وقبيحة، بل يستقبح كل البدع، وتقول بعدم التأويل فيما ورد في القرآن والسنة من الصفات، طبعًا في أصلها تمنع الخوض، تمرها كما هي، كما جاء عن الإمام أحمد- رحمه الله تعالى- مع تفاوت في هذه المدرسة بين من يتشدقون بالتمسك بالظواهر وبين من يكون دون ذلك، المهم هذه الخطوط العريضة في ذلك.

الشعبة الثالثة: الموازنة أصل في كتاب الله، يقول الله سبحانه وتعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)[البقرة:219].

هذا أصل في التوازن بين المصالح والمفاسد، بين الإثم والنفع، فالتوازن أصل وبنى العلماء على قاعدة التوازن بين الشرين فيرتكب أخف الشرين، وأخف الضررين، وأخف الحرامين، وأخف المكروهين،

كما يقول ابن تيمية في منهجه: أخف المكروهين أو أخف الضرين إن لم يكن بد من الضرين قُدِّم.

فهذه قاعدة شرعية اتفق عليها العلماء، وكذلك شرحها ابن القيم شرحًا طويلاً، وكذلك الشاطبي في الموافقات، وهي قاعدة لا يختلف العلماء في أصلها، ولو اختلفوا في تفاصيلها وفي أمثلتها، ولهذا لابد من معرفة المصالح والمفاسد، وما من مسألة، وما من قضية في هذه الدنيا، أو عمل في هذه الدنيا إلا وفيه مصلحة ومفسدة، كما يقول الشاطبي: لا توجد مصلحة عَرِيَّةٌ عن المفسدة في هذه الدنيا. يعني: المصالح العارية عن المفاسد في الحياة، في حياة الناس، ما يسمى بالعادات والمعاملات، ولا توجد مفسدة عارية عن مصلحة، ولكن العبرة بالغالب من المصلحة أو المفسدة، من الإثم أو النفع، كما جاء في الآية الكريمة، فالموازنات لها قيمتها ولا يكون الفقيه فقيهًا إلا بمعرفة أن المحرمات ليست على وزان واحد، وهي عبارة الشاطبي- يرحمه الله تعالى- والواجبات- أيضًا- ليست على وزان واحد، فقد تترك بعض الواجبات لمصلحة، وقد تترك بعض المحرمات لمصلحة أخرى، وهذا أمثلته كثيرة، عدم الخروج على ولاة الأمور حتى لو اتسموا بالجور والظلم،

وهذا مذهب أهل السنة- رحمهم الله تعالى- لماذا؟ لما يؤدي إليه من المفسدة، فلا يمكن أن ننظر إلى مصلحة قد تكون المفسدة في الأمر أرجح من المصلحة، ونعتبر أن هذه المصلحة، هناك ما يسمى بالمصالح الملغاة؛ لأن المصالح إما أن تكون معتبرة وإما أن تكون ملغاة، والاعتبار في المصالح متفاوت، فهناك المناسب المعتبر بالنص، وهذا يسمى بالمناسب المؤثر، وهناك المناسب الملائم، وهناك المناسب المرسل، الذي لم يشهد له الشرع باعتبار ولا إلغاء،

فهذه توازنات فيما يسمى بالمناسب، وهو يقوم على المصلحة، وهو الحكم الذي إذا رتب على الوصف نشأت عقبه مصلحة من نوع المصالح التي يهتم الشارع بجلبها، أو درئت من نوع المفاسد التي يهتم الشارع بدرئها، وهو أمر طويل في أصول الفقه، على صاحبه أن يراجع ما كتبه العلماء، وما كتبناه أيضًا في بحث عن المصلحة المرسلة. والله أعلم.

 

تهريب اللحم الحلال

لسؤال
نحن جماعة نقوم بتهريب اللحم الحلال من أحد البلدان عبر حدود البلد الذي نقيم فيه في أوربا، وذلك لأن اللحم الحلال فيه مشكوك في كونه حلالاً،كما أن كمية اللحم في هذا البلد قليلة وغالية الثمن،

فهل يجوز العمل في هذا الأمر، علماً أن الجالية المسلمة ترغب في هذا اللحم الحلال. أفتونا مأجورين.

الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله…

التهريب أيًّا كان موضوعه وأيًّا كان محله ومصدره لا يمكن أن نقول بجوازه، لأنه يعتبر مخالفاً لنظام البلد الذي يعيش فيه المسلمون، والمسلمون أخذ عليهم العهد أن يوفوا بالعهود والوعود، فلا ينبغي أن يخالفوا هذا العهد (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) [المائدة: 1]،

و(أوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً) [النحل: 91]،

مع ذلك لو وجدت طريقة مناسبة لإيصال هذه اللحوم من غير مخالفة صريحة للنظام فإن ذلك قد يكون مناسباً؛ كأن يخرج الإخوة المقيمون في هذا البلد لشراء هذه اللحوم من بلد آخر مجاور، ونحو ذلك من الوسائل التي من شأنها ألا تشوه سمعة المسلمين؛ لأن أحدهم لو ألقي عليه القبض وهو يمارس هذا العمل، فنشرت ذلك وسائل الإعلام فإن من شأن ذلك أن يشوه سمعة المسلمين، والمحافظة على سمعة الإسلام تعتبر مقصداً من مقاصد الشريعة، والله أعلم.

 

الأكل في مطعم يبيع الخمر

السؤال
دُعيتُ إلى مطعم للأكل، والمشكلة أن المطعم يقدم المشروبات الكحولية.

فهل يجوز أن يذهب المسلمون إلى تلك المطاعم للأكل؟.

الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وبعد…
الأصل أن المسلم لا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر، كما ورد في الحديث الصحيح النهي عن ذلك، انظر مسند أحمد (14124)، وجامع الترمذي (2801).لكن إذا كانت فيه فهذا من محرمات الوسائل التي يقول عنها العلامة ابن القيم إنها تجيزها الحاجة، يقول: إن محرمات الوسائل ليست كمحرمات المقاصد؛ فمحرمات الوسائل تجيزها الحاجة، ومحرمات المقاصد لا تجيزها إلا الضرورة.

فهذا من هذا النوع ولهذا عبر بعض العلماء عن محرمات الوسائل بأنها من باب المكروهات.

فإذا كان يحتاج إلى أن يجلس في مثل هذا المطعم فلا يجلس على المائدة التي يدار عليها الخمر، وإذا جلس عليها لا يجلس بأبنائه الصغار الذين قد يتأثرون من ذلك المشهد، فإذا هو احتاج وكان لا يجد مكاناً ليأخذ فيه وجبة طعامه إلا في هذه الأمكنة فالأمر يدور على المشقة وعلى الحاجة، مع أن النهي وارد، وقد يحمل على الكراهة ويحمل على التحريم لكنه من باب تحريم الحاجات، ومن باب تحريم الوسائل والضرائر، وما كان كذلك فإنه يرتفع بالحاجة، كما يقول العلامة ابن القيم –رحمه الله-.

صداقة المسلم للنصراني

السؤال
ما رأي الشرع في صداقة المسلم للنصراني؟ مع العلم أنها من غير موالاة وليست في معصية الله.

كما أني دائمة الحديث عن الإسلام، فتتجاوب و تتأثر صديقتي النصرانية، لكن لا أعتقد أن إسلامها سيكون سهلاً، والله وحده أعلم

الجواب
الحمد لله، وبعد: لا بأس بذلك إن شاء الله،

فالله -سبحانه وتعالى- يقول: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) [الممتحنة:8]، وهذه الآية -كما صححه جمهور العلماء- آية محكمة غير منسوخة،

وبالتالي فإن من البر تقديم البر والقسط والإقساط، كل هذا يدل على أنه تجوز الصداقة إذا لم تكن هذه الصداقة في العقيدة، بمعنى أن الإنسان يحبهم من أجل عقيدتهم.

أما المعاشرة في الدنيا فالله -سبحانه وتعالى- يقول في بر الوالدين الكافرين: (وصاحبهما في الدنيا معروفا) [لقمان:15].

وفي الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأسماء لما قدمت عليها أمها وهي كافرة، قال لها: “صلي أمك”. أخرجه البخاري (2620)، ومسلم (1003). فالعلاقة والصداقة إذا لم تكن من باب العقيدة فإنها ليست من الموالاة التي نهى الله -سبحانه وتعالى- عنها، فالأمر -إن شاء الله- لا بأس به على أن تنوي خيراً، وتحاولي أن تهديها وتساعدهيا على الهداية بالقدوة الحسنة وبالخلق، وذلك -إن شاء الله- من باب الدعوة إلى الإسلام، والله أعلم.