ارشيف ل March, 2009

جمع العشاءين في البلاد الاسكندنافية

السؤال
لدينا مشكلة نعاني منها في البلاد الاسكندنافية في فصل الصيف، وهي وقت صلاة العشاء، حيث إننا في البلاد الاسكندنافية عندنا مواقيت للصلوات تم تحديدها مسبقاً للمسلمين، تشير إلى أوقات الصلوات،

لكن في الصيف يتأخر وقت العشاء في هذه المواقيت، وهذا يسِّبب مشكلة كبيرة،

فمثلاً: صلاة المغرب: (21:50) وصلاة العشاء (1:00) صباحاً، وكل مسجد يطبق ذلك على طريقته!

في بعض المساجد يقومون بجمع المغرب مع العشاء. وفي البعض الآخر يصلون العشاء، بعد المغرب بساعة ونصف، وبعضهم ينتظرون هذا التوقيت (يعني 1:00) صباحاً، فهل من بيان حول ما هو أحسن؟ بارك الله فيكم.

الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…
فنحن نعرف أن مسألة الشفق في شمال أوروبا مشكلة؛ لأن الشفق في بعض الأحيان لا يغيب، والأمر في هذا واسع –إن شاء الله-،وتتلخص سعته في بعض النقاط، منها:

(1) للمسلمين هناك أن يصلوا العشاء مع المغرب.

(2) كما لهم أن يدعوا فرصة بين المغرب وبين الفجر ليصلوا فيها العشاء، وهذا أولى.

(3) وإذا كانت المشقة قائمة فإنه يجوز لهم الجمع؛ لأن الجمع للحاضر أجازه جمع من العلماء،

فأجازه الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- للمرضع إذا كان يشق عليها أن تصلي كل صلاة بمفردها، وأجازه جماعة من العلماء مثل ابن سيرين، وهو أحد قولي أشهب، وهو كذلك قول ابن حبيب من المالكية، كل هؤلاء أجازوا الجمع من غير عذر، وكذلك يقول العلامة ابن عرفة من علماء المذهب المالكي في القرن الثامن، يقول: كان بعض أشياخنا يجمع إذا أراد أن يدخل الحمام، والأصل في ذلك الحديث الصحيح الذي في صحيح مسلم (705)

وغيره وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غير خوف ولا سفر، وفي لفظ: في غير خوف ولا مطر، وقد قيل لابن عباس لم فعل ذلك؟ فقال: كي لا يحرج أمته.

فهذا أصل في جواز الجمع، فالمهم أن لا يكون الجمع عادة، أما إذا جمع الناس لمثل هذه المشقات والضرورات، خاصة أولئك الذين لهم أعمال في الصباح، فهذا إن شاء الله جائز ولا شيء فيه على من فعله، لكن بشرط أن لا يكون عادة، بمعنى أنه من وقت لآخر يصلون هذه الصلوات في أوقاتها. والله أعلم.

تأخير الحج لمن استطاع إليه سبيلاً

السؤال
أنا موظف كبير ومرتبي جيد -ولله الحمد-. الآن لا أملك سكناً خاصاً إنما مستأجر، وأملك من المال مبلغاً لا يكفيني لشراء سكن، لكنه يكفي لأداء فريضة الحج. هل أقوم بأداء فريضة الحج، مع أنني مستأجر السكن،

هل يجوز لي تأجيل الحج إلى ما بعد شراء مسكن؟علماً أن ذلك قد يستغرق سنوات كثيرة.

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…
فعليك أيها الأخ أن تقدم فريضة الحج؛لأنه واجب على الفور كما ذهب إليه جمهور العلماء، فما دمت تملك مالاً كافياً لأداء فريضة الحج، ولم تترك أهلك في ضيعة وإعسار فعليك أن تذهب إلى الحج وألا تؤخره، فالحج على الفور كما ذهب إليه مالك والإمام أحمد، وأيضاً قول قوي عند الأحناف.

 

لماذا لم تتحد الدول الإسلامية؟

السؤال
في هذه الأيام تعاني الأمة الإسلامية انعدام الأمن، حيث نستدعي الدول الكافرة لحل مشاكلنا، ورفع الظلم عنا.

فإذا كانت الدول الأوروبية لها جيوشها الخاصة، ومع ذلك دخلت في حلف الأطلسي العسكري، فلماذا لا تلجأ الأمة الإسلامية لإنشاء جيش واحد قوي لتحمي شعوبها من أي عدوان خارجي، وفي الوقت نفسه توقف الخطر الذي يأتيها من قِبَل الآخرين، وعندها لا يكون هناك حاجة لاستدعاء أمريكا أو أي قوة عظمى.

فهل هذه الفكرة صائبة؟

الجواب

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسو الله، وبعد…
فالموضوع الذي تكلمتَ عنه موضوع حيوي، ونرى أنك سألت هذا السؤال وطرحت هذه الأفكار انطلاقاً من إيمان عميق بأهمية التضامن بين مكونات الأمة الإسلامية، ولكن نود أن نقول لك: إن التضامن بين مكونات الأمة الإسلامية والدول الإسلامية مصاب بخلل، وهو خلل يشاهد بالعين المجردة،

وأسبابه عديدة ومتنوعة منها:

أولاً: ابتعاد المسلمين عن تعاليم دينهم، وبخاصة التعاليم المتعلقة بالنظام الاجتماعي الذي يدعو له الدين الإسلامي، كما في الآية: (ولا تنازعو فتفشلوا وتذهب ريحكم) [الأنفال: 46]،

وفي الحديث إخبار عن المسلمين أنهم ” كالبنيان يشد بعضه بعضاً”. صحيح البخاري (481)، وصحيح مسلم (2585).

هذا التضامن أصله يقوم بشكل رئاسة واحدة وسيادة واحدة للأمة الإسلامية، وهو ما كان معروفاً بالخلافة قبل أن تنقسم الأمة بسبب إرثها أو نسبها أو موقعها الجغرافي، فالأصل أن الأمة تكون تحت لواء واحد ورئاسة واحدة، هذا هو الأصل الذي يدعو إليه الدين الإسلامي، لكن الواقع أن الأمة قد انفرط عقد وحدتها منذ أمد بعيد، فتكاثر عليها الأعداء وزالت هيبتها.

ثانياً: التأخر في الصناعات، وفي مختلف وجوه التقدم المادي.

السبب الثالث: الحملة الشرسة المتواصلة لأعداء الأمة، وبخاصة الحلفاء الغربيين، تلك الحملة التي جاءت تحت أسماء مختلفة، فتارة تحت اسم استرداد القدس من العالم الإسلامي بما يعرف بالحروب الصليبية، وتارة تحت اسم الحروب الاستعمارية، وتارة تحت شعار تمرين الأمة وفرض الديمقراطية عليها. ويجب أن نعي ذلك، ومع ذلك يجب أن نقول لك -أخي السائل-: إنه في لحظة من لحظات يقظة الضمير، وإثر نشوب حريق الأقصى في عام 1969م تشكلت منظمة المؤتمر الإسلامي، وهي مظهر من مظاهر هذا التضامن الذي تدعو إليه أنت، وندعو نحن إليه جميعاً، لكن القوى العالمية كانت لها بالمرصاد، فأضعفت من فعاليتها ومن اندفاعها نحو تكوين وحدة إسلامية قوية، فضعفت هذه المنظمة وتغلبت المصالح الإقليمية عليها،لكن تبقى هذه المنظمة أمل نوع من الوحدة ونوع من التكتل الذي تدعو إليه. واقتراحك وجيه،

وهو أن تكون الأمة لها قوة تحميها، وليست بحاجة إلى الجيوش الأجنبية، ولا إلى تدخل بشكل أو بآخر.

لكن آسف أن أقول لك: إن هذا التكتل القوي بعيد المنال في هذه الظروف التي نعيشها، ولكن لا نيأس من روح الله (إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) [يوسف: 87]،

(ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون) [الحجر: 56].

كما قال سبحانه وتعالى. فالأمل قائم على أبناء الأمة أن يعمل كل منهم على مستواه الذي يعيشه، ويحاول أن يحقق هذا التضامن ولو بكلمة طيبة، ولو بمشروع اقتصادي ينفع الأمة، ولو بفكرة يمكن أن تساعد وتخلص الأمة من الاحتلال، وهذا ما أريد أن أقوله.

 

زنى بها ويريد أن يتزوجها ستراً لها!

السؤال
لي أخ أصغر غير متزوج زنى بفتاة غير متزوجة، وأراد أن يتزوجها لمدة شهر ثم يطلقها، ويعطيها حقنة تمنع الحمل لمدة سنة حتى لا يفتضح أمره، ويترتب على ذلك ما لا تحمد عقباه، وعرفت أن حكم الزواج بالمزني بها مختلف فيه، كما أن حكم الزواج بنية الطلاق مختلف فيه، فهل نرجح حسب المصلحة والمفسدة في هذا الأمر، لأن الأهل جميعا متفقون على أن من المصلحة -حتى يستر عليها،

وحتى لا تقع مشكلة فيما بعد- أن يتزوجها مدة معينة خارج بيت الأسرة، ثم يطلقها. فبماذا ترشدوني؟

الجواب
أالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…

فالمسألة فيها خلاف، لكن الأصل هو أنه يجوز تزوج المرأة الزانية على خلاف العلماء في اعتبار التوبة.

الخلاف الآخر هو في مسألة الاستبراء: هل يجوز أن يتزوجها قبل استبراء رحمها بحيضة أو بعده، في هذا خلاف، فذهب الشافعي وأبو حنيفة إلى أنه يجوز أن يتزوجها قبل الاستبراء، وذهب الإمام أحمد ومالك إلى أنه لابد من الاستبراء، على خلاف هل الاستبراء يكون بحيضة أو بثلاث حيضات؛ لحديث: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقي ماءه زرع غيره”. أخرجه أبو داود (2158)، والترمذي (1131).

لكن في هذه الحالة فإن الزرع زرعه هو، فما دام أنّ الماء ماؤه فإنه يجوز أن يتزوج بها، ولو أخرها حتى تحيض حيضة لكان ذلك مناسباً؛ لأن عمر -رضي الله عنه- أراد أن يزوج امرأة من رجل زنا بها بعد أن أوقع عليهما الحد، وهذا الأثر صحيح. انظر مصنف ابن أبي شيبة (3/52)، وسنن البيهقي (7/155)، والمحلى (10/28)، وموسوعة فقه عمر بن الخطاب (ص649-650).

فلهذا أرى أنه لا مانع من أن يتزوج هذه المرأة ستراً، لها وأن يطلب منها أن تتوب إلى الله -تبارك وتعالى- وأما نية الطلاق فإذا لم يتلفظ بها في العقد ولم يتواطأ عليها فإنها عليه لا تضر على قول جمهور العلماء، فيمكن أن يتزوجها بنية الطلاق على ألاّ يكون ذلك في صلب العقد بأن يقول: تزوجتك لفترة كذا، فهذا من زواج المتعة المحرم.

لكن عليه قبل أن يتزوجها أن يطلب منها أن تتوب فإذا ظهرت له توبتها فله أن يتزوجها كما يحب ألا يتلفظ بتوقيت النكاح عند العقد، وبعد ذلك ليطلقها متى شاء أن يطلقها، فلا عبرة بما يمكن أن يفعله فيما بعد، فهذا أمر مرده إلى المستقبل. ونصح هذه المرأة متعين على أهلها، وعليه هو أن ينصحها بأن تتقي الله سبحانه، ولو أبقى النكاح مع هذا كان أولى أن يتزوجها زواجاً مستمراً؛ لعل الله -سبحانه وتعالى- أن يصلح أمرهما ويوفقهما لاتباع الخير، وأن يرأب ما أفسدا في الماضي بتوبة نصوح إلى الله تبارك وتعالى، و”التائب من الذنب كمن لا ذنب له” كما جاء في الحديث. أخرجه ابن ماجه (4250) بسند حسن.

قبول معلم القرآن للهدايا!

السؤال
لدي أخت تعمل في مجال الدعوة، وبالأخص في تعليم التجويد وتصحيح التلاوة،

لكنها تقيم في بلد عربي يظهرون الجميل لأي مدرس، ويعتبرون أنها أفضل من كل المعلمين؛ لأنها تعطيهم علمًا للآخرة،

وفي يوم أقيم فيه حفل تكريم قدموا لها هدية فرفضت وبشدة قاسية، فهل هي على صواب في تصرفها؟

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…

فإن هذه الأخت يبدو أنها شديدة الورع، فقبول هذه الهدية التي تقدمها هيئة وليست من شخص معين أمر سائغ شرعاً؛

للحديث الصحيح: “إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله” صحيح البخاري (5737)،

وهذا الحديث يستشهد به الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد على جواز أخذ أجرة على تعليم القرآن. ومن المعلوم أنه ورد حديث يشدد في أخذ شيء على تعليم القرآن،

وأصرح شيء ورد في التحريم حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه- قال: “علَّمت رجلاً القرآن، فأهدى إليَّ قوساً، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: “إن أخذتها أخذت قوساً من نار”. فرددتها. رواه ابن ماجه (2158)،

وقال عنه البيهقي وابن عبد البر: منقطع. وخالفهم بعض الحفاظ، ولكن الحديث فيه مقال، وقد صرح العلماء بأنه إما أن يكون منسوخا، أو يكون مؤولاً باعتبار أن هذا الرجل لم يكن له معلم، وإن كان كذلك فهذا من باب فرض العين، وليس من باب فرض الكفاية. ومما يؤيد هذا ما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى لعمر –رضي الله عنه- وقال له: “ما آتاك الله من هذا المال من غير مسألة ولا إشراف فخذه” صحيح البخاري (1473)، وصحيح مسلم (1045)، وسنن النسائي (2605)

وفي الحديث: “تهادوا تحابوا” أخرجه البخاري في الأدب المفرد (594)، وأبو يعلى (6013)، والبيهقي في الشعب (8693) أي إن الهدية تؤدي إلى المحبة؛ ولهذا فإننا نرى أنه قد يكون من الأفضل أن تقبل هذه الهدية، ويمكنها أن تتصدق بها إذا كان في نفسها شيء منها، وعليها أن تعامل زميلاتها بلطف، فالدين يحث على الرفق وعلى حسن الخلق ولا يحث على الغلظة.

وجزاها الله خيراً لورعها ولخوفها من أن تقع في الشبهات، لكن مع ذلك عليها أن تكون متبصرة في أمر دينها. والله أعلم.

 

يمنعوننا من الصلاة فهل تسقط عنّا؟!

السؤال
في ظل الظروف الراهنة في بلدنا التي تحكمها الأغلبية العَلمانية الموالين للنهج الفكري الغربي نعيش حالة من الغربة حتى لا نستطيع إجابة المؤذن للصلاة. فهل نحن آثمون؟

ولو صلينا الجمعة لكان عقابنا السجن أو ما شابهه! ما الحل في هذه الظروف؟

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…

فهذه مصيبة كبرى، أن يوجد في بلد إسلامي من يمنع المسلمين من أداء صلاتهم في المساجد، وأنصح الأخ وغيره من المسلمين المقيمين في هذه البلدة أن يفاوضوا هؤلاء الحكام ليقنعوهم بضرورة السماح للناس بصلاة الجماعة، إذ إن الغرب نفسه يدعو إلى حرية التدين وحرية التفكير، فلا يجوز بحال من الأحوال أن يبقى المسلم في هذا الوضع، إذا لم يستطع إقناعهم بالوسائل السلمية فليحاول أن ينتقل إلى مكان آخر تقام فيه صلاة الجماعه، ذلك هو الواجب عليه، وإذا لم يستطع الانتقال، ولا التفاهم مع هؤلاء بالوسائل السلمية فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها، وليصل في بيته (بعد دخول الوقت، وليجعل له جماعة من أهل بيته أو زواره)،وكذلك يصلي الجمعة أربعا في بيته وذلك مقدار وسعه وطاقته،

والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: “وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم”. أخرجه البخاري (7288)، ومسلم (1337).

هل الاستهزاء بالرسول إشارة لنصر قريب!

السؤال
لقد سمعت مرات عديدة أنه إذا استهزئ بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك يعد إشارة لنصر قريب للمسلمين.

هل هناك أي دليل على هذا؟

الجواب
لا يوجد نص قاطع في هذه المسألة، إنما هناك إشارات والإشارة -إشارة النص- قد يعمل بها العلماء إذا لم تعارض صريحه، من هذه الإشارات قوله جل وعلا: “إنا كفيناك المستهزئين” [الحجرك95].
وهؤلاء أناس استهزؤوا بالنبي صلى الله عليه وسلم، فدعا عليهم فأهلكهم الله جميعاً.
ومن هذه الإشارات “إن شانئك هو الأبتر” [الكوثر:3].أي المقطوع والمبتور، وهو مبتور البركة، مقطوع النسب، ومن هذه الإشارات “فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم”[البقرة:137].
هذه إشارات تدل على أن المستهزئ بالنبي صلى الله عليه وسلم سيهزم، وأنه يكفى شره وهمه، وبالتالي فالمسألة فيها إشارات وليست فيها نصوص، ومع ذلك -والحمد لله- نشاهد أن هؤلاء الذين استهزؤوا أدوا إلى تجمع المسلمين وإلى توحيد صفوفهم من الشرق إلى الغرب، ومن الجنوب إلى الشمال، وهذه ظاهرة من بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم،
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتوجها بالنصر المؤزر والفتح المبين.

 

الدراسة في كلية الطب المختلطة لسدالحاجة

السؤال
تعلمون حاجتنا للطبيبات المسلمات المتحجِّبات، وأمتنا تحتاج لمن يطبِّبها وخصوصاً من النساء، ونحن نعلم أنه لا أنا، ولا أنت يحبُّ أن يكشف الرجال الأطباء على زوجاتنا، وأمهاتنا، وأخواتنا حين الولادة، أو عند الحاجة للكشف على العورة المغلظة، إن ذلك يصيبنا -حقيقة- بنوع من الحرج البالغ، ولكنَّ المشكلة أنَّ كليات الطب في البلدان الإسلامية مختلطة بنسبة 95%، فهل ندخل أخواتنا كليات الطب المختلطة إن لم نجد كليات طب خاصة بالنساء؟

وكيف السبيل إذا أردنا أن تكون هناك طبيبات متخصصات للنساء، وأطباء متخصصون للرجال،

هل المنع هو الحل الوحيد لمن أرادت أن تدرس الطب ولم تجد إلا كليات مختلطة؟

أو وجدت كلية غير مختلطة ولكنها بعيدة عن مكان إقامتها؟

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…
فأقول للسائل: سددوا وقاربوا، وأقول لـه: إن الأمر يختلف من شخص إلى شخص، ومن بيئة إلى أخرى، فإذا كانت الطالبة في جو من الصيانة، والعفة، وعدم الخلوة بالأجانب، وكانت أنظمة الجامعة لا تسمح بالتلاعب، ولا الخروج على الأخلاق، وغلب عليها ذلك، سواء في العلاقة بين الطالبات والطلاب، أو بين الطالبات والأساتذة، في هذه الحالة لا مانع أن تدرس الطالبة بناء على الأسباب التي ذكرها السائل من ضرورة إيجاد ممرضات، ومولدات وطبيبات لأمراض النساء. أما إذا لم يكن الأمر كذلك، وغلب الفساد فيختلف الحكم في ذلك،والعبرة في الشريعة بالغالب، دون النادر، فلو ضاعت وانفلتت طالبة أو طالبتان، أو وقع في إحدى الجامعات ما ينكر وكان نادراً، فهذا لا عبرة به، إنما العبرة بالغالب الأعم، إذ الغالب كما يقول أهل القواعد الفقهية مقدم على النادر، والله أعلم.

 

لا ننجب ونرغب في التبني!

السؤال
أنا مقيم في فرنسا ومتزوّج من امرأة فرنسيّة مسلمة إلا أنها لا تنجب، ونريد أن نتبنى ولدًا، ليعوضنا عن ألم عدم الإنجاب، مع العلم أن إدخال الأطفال إلى فرنسا لهذا الغرض غير ممكن،

فهل يجوز لنا أن نأخذ ولدا هنا من فرنسا ونتبنّاه ونسمّيه باسمنا ويكون ذلك بمعرفة أهلنا، وبمعرفة الولد نفسه أنّه ليس من صلبنا؟

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…

فنأسف لحال هذا السائل، ونعلمه أن التبني حرام بنص القرآن الكريم، قال سبحانه وتعالى: (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) [الأحزاب:5] وقال سبحانه وتعالى: (وما جعل أدعياء كم أبناءكم ذلك قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل) [الأحزاب:4].

فالتبني كان مؤسسة جاهلية نسخت بالإسلام، وذلك لما يؤدي إليه التبني من اختلاط في الأنساب وانتشار لكثير من المفاسد، بالإضافة إلى إنشاء رابطة نسب لا يمكن إنشاؤها إلا من قبل الشارع الذي حدد وسائل النسب، ووسائل القربى، وعرف المقاصد. فأنا أدعو السائل إلى أن يوطن نفسه، وزوجته، على الاستسلام لأمر الشرع الذي لا خلاف فيه، فإن الإسلام هو الاستسلام، (إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين) [البقرة:131].

وأنبه إلى أن الكفالة الشرعية فيها مَخْلَص له ولأهله بضوابطها ويمكن أن يوصي للمكفول بجزء من ثروته، وأن يعامله كمكفول وليس كولد، يعامله بالإحسان والبر، ينفق عليه، يربيه، ينشئه تنشئة طيبة، كل هذا فيه غنىً للسائل ولأهله عن التبني الذي هو محظور شرعاً، وبشكل لا رجعة فيه. والله أعلم.

هل يجوز العمل في هذه المنظمة ؟

السؤال
عرض علي عمل بمنظمة غير حكومية كموثق ومحرر لبرامج الكمبيوتر، هذه المنظمة من أهدافها ترسيخ قيم الديمقراطية، والتعاون الدولي، ومكافحة الظلم، والفقر في العالم.

هل يجوز لي أن أعمل كاتبا أو محرراً لبرامج الكمبيوتر الخاصة بهذه المنظمة،مع العلم أنني لن أروج لأفكار هذه المنظمة؟

الجواب
أالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…

فإذا كنت بحاجة إلى العمل يسعك أن تعمل في هذا البرنامج، وبخاصة في مكافحة الظلم، والفقر، وترسيخ قيم الديمقراطية التي تعني الحوار، والتعاون، والشورى، والعدل، والبعد عن التعصب الأعمى، والعنصرية، والاستعلاء، إلى غير ذلك من القيم التي يزكيها ديننا الحنيف، وكل الرسالات السماوية،

كما تستجيب لها العقول السوية، والفطر السليمة، هذا الجانب من القيم هو الذي ينبغي التعاون فيه، ولكن هناك الجوانب الأخرى السلبية التي تُصَدَّر إلى العالم الثالث من مثل المبالغة في المطالبة بحقوق المرأة وحرية السب والتشهير، والصراع الدائم بين الحاكم والمحكوم، واعتبار صراع المغالبة أساساً لفلسفة الحياة دون سقف لخلق أو دين.

لذا لا مانع من العمل، مع شيء من الذكاء والديانة، والتمييز بين الخبيث والطيب، والله أعلم.

ابن بيّه يزور مقر مؤسسة “الإسلام اليوم” ويشيد بدورها الإعلامي

زار رئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد، ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الشيخ الدكتور عبد الله بن بيّه، مقرّ مؤسسة الإسلام اليوم بالعاصمة الرياض مساء اليوم، بحضور المشرف العام على الموقع الشيخ الدكتور سلمان بن فهد العودة، ونائب المشرف الشيخ الدكتور عبد الوهاب بن ناصر الطريري، واطلعوا على أقسام المؤسسة في جولة شملت جميع أقسام الموقع، والتقوْا بالعاملين فيها، حيث استمعوا إلى عرضٍ موجزٍ عن مهام كل قسم.

بعد ذلك عُقد لقاء مفتوح قدّم من خلاله مدير موقع الإسلام اليوم صالح بن حمود الفوزان عرضًا تعريفيًا للموقع بلباسه الجديد، وتحدّث عن المشروعات الجديدة، ذاكرًا إنجازات الموقع بالأرقام.

ثم أعطيت الكلمة للشيخ عبد الله بن بيّه، حيث شكر العاملين في الموقع على جهودهم، وعلى رأسهم المشرف العام ونائبه. وأشاد بتجربة الموقع وتأثيره في الرأي العام المحلي والدولي، موضحًا أن موقع الإسلام اليوم من المواقع المتطورة والمواكبة للجديد في عالم التقنية والميديا. وطرح بعض الأفكار الجديدة التي يمكن أن يتولى الموقع تنفيذها، وإضافتها إلى سلسلة نجاحاته.

بعد ذلك شكر الشيخ الدكتور سلمان العودة الشيخ ابن بيّه على زيارته للمؤسسة، وأشار إلى انتقال الموقع لمقره الجديد خلال الأشهر القريبة القادمة، وأشاد بجهود العاملين في الموقع، وأوضح أن الموقع ينمو ويَشرف بزيارة الشيخ عبد الله بن بيّه وأمثاله من رجال العلم والفكر والدعوة والجهاد.

بعد ذلك ألقى نائب المشرف العام كلمة ترحيبية بالشيخ ابن بيّه، وأثنى فيها على جهوده في العلم والدعوة، مؤكدًا أن هذه الزيارات تنمّي العمل وتزيد منه. وفي الختام قدّم درعًا تذكاريًّا للشيخ عبد الله بن بيّه، وأهديت له ولمرافقيه هدايا تذكاريه من الموقع.

الدكتور علي العمري

سماحة العلامة الشيخ عبدالله بن بيه أنموذج لعلماء الأمة الأكابر، وأستاذ قدوة، ومفكر مرشد، وأحد أعمدة النهضة العلمية في البلاد العربية والأوروبية.

وسماحة الشيخ عبدالله -حفظه الله- يرغم كل من جالسه إلى الإنصات إليه، واحترام رأيه، والأنس بتوجيهه، والوقوف ملياً عند زهده وورعه.

وكم للشيخ من أيادٍ بيضاء، وتوجيهات سديدة أوقفت العمل الإسلامي في أوروبا على وجه الخصوص وغيرها على قاعدة متزنة، ولا يكاد يمر شهر إلا وللشيخ صولات وجولات عبر قارات العالم كلها، داعياً لحماية بيضة الإسلام، وتصحيح صورة المسلمين، وتعميق فكر البناء والتسامح.

وهو رغم كل ما يُقال عنه مدرسة خاصة في علم الأصول واللغة، ودقائق الفقه والمقاصد، وبحر في الفكر والسياسة! وفوق هذا إمام في الزهد والورع والتواضع، وممن يشهد له الليل والمحراب بوقوفه يحتسب أجره على الله.

لا يعرف الشكوى لأحد من الناس، ويتفانى لخدمة المحتاجين، والرد على أسئلة السائلين، والسعي لتوجيههم بما يجلب لهم السعادة.

وفي المقابل ينتفض أمام تلاميذه وأقرانه إن رأى تهويناً في مسائل الدين، وتمريراً لحرمات الشريعة.

وهو من نوادر العلماء الذين يكسبون احترام الرؤساء والساسة والقادة والعلماء والأدباء، في كل قارات العالم.

إن الشيخ -يحفظه الله- يتمتع بحافظة وقّادة، وقدرة على التأثير في قضايا الأمة، ويستنطق تراث السلف بكل دقة وأمانة ووعي.

وبعد، فإن هذه الكلمات ليست للتعريف به، ولا للتنويه بشأنه، إذ لو كان كذلك لخاب السعي، وكسرت الأقلام!

إنما هي نفثات محب لتحريك جيل الأمة كي يكسبوا ثرواتهم، ويحافظوا على كنوزهم.

فإنني أقدّر أن الشيخ وأمثاله من أكابر علمائنا لم ينالوا الحظ من الاهتمام والرعاية واستخراج خبرات طواها الزمان، ومكنوزات تعمّقت وتجذّرت.

إن ما أنعم الله به على الشيخ عبدالله يندر اجتماعه في غيره، وما لديه هو كنز محفوظ، بل هو جامعة متكاملة في اللغة العربية والإنجليزية والفرنسية، وفي الفلسفة والمنطق، وفي الاجتماع والاقتصاد، وفي السيرة والدعوة، وفي الآداب والشعر، وفي الفقه والأصول، وفي الفكر والسياسة، وسلوا عنه المجامع والجامعات، ومنصات المناقشات، وجلسات المؤتمرات. 


ثم سلوا عن أدب الحوار والنقاش، وأخلاق العلماء!

ولا شك أن عدداً لا يزال يستفيد من مدرسته بل “جامعته”، ولكنهم لا يمثلون ما ينبغي أن يكون عليه الحريصون.

وإنني لأدرك أن الشيخ كغيره من علماء الأمة لا يدعون الكمال، ولا يتحيّزون لرأيهم في كل مسألة، بل كثيراً ما يتوقف عند عدد من المسائل والنوازل الواقعة.

ولذا نحن بحاجة إلى التذكير والتنويه بشأنهم.


هذه كلمات صغتها وأنا في الطائرة متذكِّراً وقوفه الأبوي الحاني معي في رحلة الدراسة الأكاديمية، والحياة الدعوية.

والحديث عن الشيخ يطول، إذ تربطني به وبأهل بيته صلة المودة والمحبة والأسرة الواحدة، وما هي إلا ذكرى محبة ووفاء.

متَّع الله شيخنا بموفور الصحة والعافية، ومتَّع الله به أبناءه الفضلاء، وجمعنا الله وإياهم على ما يرضيه

لماذا لستُ مسلماً معتدلاً؟

أفضل أن يتم اعتباري “أصولياً” على أن اعتبر “معتدلاً”. إن الأصولية الحقيقية تعني الالتزام الحقيقي بتعاليم الدين

كامبردج-بريطانيا-

في الشهر الماضي تم اعتقال ثلاثة رجال مسلمين في بريطانيا لصلتهم بتفجيرات لندن عام 2005. في ضوء مثل هذه الحالات, فان هناك العديد من المسلمين وغير المسلمين يتطلعون إلى المسلمين المعتدلين ومحبي السلام للوقوف ضد مثل هذه الهجمات العنيفة التي بتم تنفيذها  باسم الإسلام. ولتفادي أي صلات مع الإرهاب, يتبنى بعض المسلمين شعار “الاعتدال” لوصف أنفسهم.

أنا مسلمة محبة ومعتنقة لمبدأ السلام. و لكن إذا كان علينا أن نحدد موقعنا في الصورة النمطية, فانا أفضل أن يتم اعتباري “أصولية” على أن أعتبر “معتدلة”.

ان كلمة “معتدل” تعطي تصوراً بان المسلمين الأكثر أصولية هم أكثر عنفاً و رجعية. و في الجو الثقافي الحالي الذي نعايشه, فان التقدم والسلام محصوران في المسلمين “المعتدلين”. أن تكون مسلماً “معتدلاً” يعني أن تكون “جيداً”, و طيعاً ليناً في نظر المجتمع الغربي.

لقد حضرت مؤخراً نقاشاً حول الليبرالية الغربية و الإسلام في جامعة كامبردج حيث أواصل دراستي لنيل درجة الماجستير. وقد توقعت أن يقدم  المناقشون من جهة لائحة تتضمن مجموعة من الشكاوى حول العنف في الإسلام وادعاءات حول عدم توافق الإسلام و الليبرالية, وقد كان ذلك.

و لكن الأمر المزعج كان في أن أولئك الموجودين على الطرف الآخر حيث قاموا بتقديم نظريات تتبنى انسجام الإسلام مع الليبرالية الغربية, ولكنهم اعتمدوا في نقاشهم على حجج زائفة وباطلة. و بينما كان المحاورون في هذا الطرف – و من ضمنهم شخصية حكومية سابقة معروفة و آخر حائز على جائزة نوبل – طيبو النوايا, فإنهم في الحقيقة قد أضروا أكثر مما نفعوا. فمن خلال إشاراتهم الضمنية إلى المسلمين المعتدلين قاموا بتقديم خطاب بسيط و أبوي مفاده أن المسلمين سيلتحقون يوماً ما بركب الحضارة الغربية.

وبعد أحداث 11 سبتمبر كثر الحديث حول الحاجة إلى وجود “مسلمين معتدلين” , ولكن أن تكون “معتدلاً” يعني أن أسامة بن لادن وشركاه يمثلون ذروة “الأصولية”, إن هذا المعيار للإسلام الأصولي يتضمن بشكل من الأشكال “العنف”؛ وعلى هذا فإنني اذا كنت مؤمنة بالسلام و معتنقة له فان ذلك يعني عدم التزامي بواجباتي الدينية.   

ولكني أرفض أن أعيش “كمسلم معتدل” اذا كانت أحد الآثار الجانبية لذلك أن القبول بهذه التفجيرات الانتحارية والقيام بها هو من العقيدة الأصولية للمسلمين.إن الأصولية الحقيقية تعني محاولة الالتزام الحقيقي والصحيح بخيمة الدين و التقوى. 

إن حملة العلاقات العامة حول “الإسلام المعتدل” تضر بالمجتمع الدولي ككل. فقد تؤدي الى مسح الألم بصورة مؤقتة عندما ينسب العنف الى المتطرفين الإسلاميين. و لكنها ستؤدي إلى خلق جروح أعمق ستحتاج الى ضمادات أقوى لأنها تصف الدين الإسلامي  ككل بشكل غير مباشر بالعنف.

ان مصطلح المسلم المعتدل مصطلح فضفاض. في التعاليم الإسلامية فان مصطلح “الوسطية” مصطلح مركزي. ان المسلمون مؤمنون بأن الإسلام هو الطريق الى الاعتدال, و “الوسطية” هي  جزء من اسم لمنظمة إسلامية بريطانية  وهذه المنظمة تقدم مبادرة لمواجهة السمعة غير الجيدة حول العنف في الإسلام بطريقة علمية حقيقية. 

وقد تم عرض كل ذلك في مؤتمر تحت رعاية هذه المنظمة في فبراير الماضي. وكان أفضل المتكلمين هو الشيخ عبدالله بن بيه, وهو رجل موريتاني مسن يلبس اللباس العربي الأبيض التقليدي ولديه لحية كثة.

ان الكلمات التي كانت تخرج من فم الرجل –وكلها بالعربية- كانت تقدمية بشكل ملفت للنظر. وقد واجه الافتراضات غير الصحيحة حول الإسلام, و تكلم عن التسامح و قام بإخبار زملائه من المسلمين حقيقة غير سارة و هي أنه :” أن كثيراً مما يحدث حولنا نحن تسببنا به”. و هذا نوع من التقريع و العتاب المؤدب. وقد لام المسلمين بسبب عدم شرحهم لتعاليم الإسلام بشكل صحيح وإعطائهم الفرصة لليبراليين للحديث باسم الإسلام.

لقد صدمت بشكل عنيف بكلامه و نقده اللاذع, بالنظر الى منظره التقليدي و الديني. وقد اضطربت بسبب هذه الصدمة فيما بعد. الى أي مدى وصلت الأمور معي كامرأة محجبة مسلمة مختصة في الدراسات الإسلامية والشرق أوسطية؟ لقد غذيت ولفترة طويلة بمعلومات غير صحيحة عما تعنيه حقيقة الاسلام الأصولي.

ويكمل الشيخ كلامه متحدياً  تفسير بن لادن العنيف لمفهوم الجهاد, مستشهداً بآيات قرآنية وأحاديث نبوية. وأحال مصطلح الجهاد الى كل عمل جيد.  وقام بسرد محادثة جرت بينه وبين محامي غير مسلم سأله ما إذا كان التصويت لأشخاص جيدين في الانتخابات يعتبر جهاداً. فأجاب الشيخ “نعم لأن التصويت لشخص يدعم الحقيقة ويؤيد العدالة يصنف ضمن الأعمال الجيدة”. 

ان الشيخ, وليس ابن لادن هو الذي يصور و يجسد الاسلام الأصولي. ان الشيخ لا ابن لادن هو الذي تدرب في حقل الشريعة والقانون الإسلامي, و الشيخ و ليس ابن لادن هو العالم المسلم الحقيقي الذي يعتمد عليه. و لكن إطلاق صفة “مسلم معتدل” على الشيخ عبدالله  فيها مغالطة كبيرة. 

ابن بيه موسوعة علمية عملية أصيلة عصرية

 

لعل من العلماء والفقهاء القلائل الذين عرفتهم بالجمع بين الفقه بالنص الشرعي وحفظه وفهمه واستيعابه ، وفقه واقعه وتنزيله على ظروف الزمان والمكان ، فضيلة الشيخ العلامة عبد الله بن بية عرفته وعرفته الساحات الإسلامية بآرائه الفذّة واجتهاداته الواسعة في شتى أبواب الشريعة الإسلامية وشتى قضايا الأمة ومشكلاتها العويصة ، وهو من العلماء القلائل كذلك فيما أحسب الذين جمع الله لهم بين العلم والحكمة وعلم الحفظ وعلم الفقه وعلم الدين وعلم الدنيا ، فلم يعش الرجل بين بطون الكتب وحسب ، بل خاض غمار الحياة بمختلف جوانبها العلمية والعملية ، فقد عيّن رئيسا لمصلحة الشريعة في وزارة العدل الموريتانية ثم نائبا لرئيس محكمة الاستئناف ثم نائباً لرئيس المحكمة العليا ورئيسا لقسم الشريعة الإسلامية بهذه المحكمة . 

   ثم عيّن مفوضاً سامياً للشؤون الدينية برئاسة الجمهورية حيث اقترح إنشاء وزارة للشئون الإسلامية فكان أول وزير لهذه الوزارة ، ثم وزيراً للتعليم الأساسي والشؤون الدينية ، ثم وزيراً للعدل والتشريع وحافظاً للخواتم ، ثم وزيراً للمصادر البشرية – برتبة نائب رئيس الوزراء- ثم وزيراً للتوجيه الوطني والمنظمات الحزبية والتي كانت تضم وزارات الإعلام والثقافة والشباب والرياضة والبريد والبرق والشؤون الإسلامية.

 وأمينا دائما لحزب الشعب الموريتاني الحزب الوحيد الحاكم الذي كان عضواً في مكتبه السياسي ولجنته الدائمة من سنة 1970-1978م.

ويشغل حالياً منصب نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين .

 لم يمنعه العلم الشرعي الذي يحمله أن يترقى في دروب الحياة المختلفة ، كما يزعم البعض من أنه لا يمكن للعالم والفقيه أن يتولى المناصب والإدارات والوزارات ، وأن هذا يتعارض مع التفرغ لطلب العلم ، كلا ، لقد نقل العلامة بن بيه محفوظا ته وعلومه واجتهاداته ليس فقط إلى الكتب وصفحات المجلات وشاشات الفضائيات بل تجاوزها إلى تقلبات الحياة بمختلف شؤونها .

 وما أحوج الأمة إلى هذا النوع من العلماء والفقهاء الأفذاذ الذين يحملون العلم للعمل لا للحفظ ، والشيخ حفظه الله يجمع بين الاستظهار للفروع والجزئيات والرسوخ في علم المقاصد والأصول والقواعد ، وهو شأن قلّ رجاله في هذا الزمان .

لن أتحدث عن الرجل من جهة الجوائز والمنح التي حصل عليها ، وإن كانت هذه أيضاً تعد جانباً مهماً من حياة الرجل ، فقد حظي بالحب والرضى والقبول العام في الأمة ، وإنما أود أن أتحدث عن بعض نظرياته العصرية التي – فيما أحسب- أن الأمة في أمس الحاجة إليها .

دعوته إلى التقارب بين الشرق والغرب وأهمية تكامل الحضارات وليس صدامها كما يروج لذلك البعض وأهمية التفاهم مع الآخر , ومن هذا المنطلق كانت زيارات الشيخ بن بية للعالم الأوربي ومنها المملكة المتحدة ، حيث التقى الشيخ ” عبد الله بن بيه ” مع وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط و الكومنولث و الخارجية ” كيم هاولس ” و رئيس شرطة بريطانيا و العديد من الشخصيات المؤثرة في المجتمع البريطاني بالإضافة إلى محاضرات في ” مجلس اللوردات البريطانى ” و “وزارة الخارجية البريطانية ” و لقاءات تشاورية مع قيادات المسلمين في بريطانيا ..

الأمر الذي يعكس سعة الأفق لدى فضيلته حفظه الله ، فما أحوج الأمة هذه الأيام لأن تعكس ثقافة التعاون لا التصارع والتعايش لا الاقتتال في ظل هدى رب العالمين وشريعته التي جاءت بمبدأ “لكم دينكم ولي دين” الذي لا يعني القطيعة بين الحضارات والتقوقع على الذات والفصام بين الحضارات فهناك جوامع كثيرة بين الحضارات ينبغي أن تكون محل اجتماع وتعاون عليها .

وينبغي لعامة الغرب والسواد الأعظم منه أن يفهم هذه الحقيقة عن الإسلام إنه لا يقوم على سفك الدماء والقتل والإبادة والبغي بغير الحق التي ينتهجها ساسة الغرب وجنرالاته ، إنه دين الرحمة للعالمين ، والسلام والخير ، على خلاف ما يصوره الإعلام الغربي ، وأن الإسلام كذلك لا يرضى بالظلم والبغي والعدوان بل يقاومه ويجاهده أياً كان مصدره ومنبعه .

وهذا ما نادى وينادي به العلامة بن بية فقد ألقى محاضرة هي الأولى من نوعها في البرلمان البريطاني على ضرورة التفاهم بين الشرق والغرب ، وكذلك إسهامات الحضارتين ومدى التكامل الذي يجمع بينهما ، وأن العلاقة بين الإسلام والغرب يجب أن تكون علاقة تعايش ودعوة بالتي هي أحسن ، وليست علاقة صراع .

هذه الحقيقة كررها العلامة بن بية كلما سنحت له الفرصة ، كان آخرها رده على البابا بيندكت في جريدة الشرق الأوسط ، ورأينا هذا واضحاً جلياً في كتابه “معالم وضوابط التواصل مع الآخر ووسائله وآلياته”.

ولا شك أن هذا يعد نقلة كبيرة في الفكر الإسلامي المعاصر وبالأخص بين المتخصصين في علوم الشريعة ، وهذا يعدّ جانباً من جوانب التميز والسعة في العلم والفقه لدى العلامة بن بيه.

 كذلك عناية الشيخ بن بيه بمشكلات الأمة وحاجياتها ، فثمة قضايا ومشكلات معاصرة تحتاج إلى دراسة وتمحيص وإيجاد حلول جذرية لها ، وذلك واجب العلماء الربانيين ، وللشيخ بن بية من هذا نصيب الأسد ، فلم يخرج الشيخ عن عصره ليناقش قضايا عصر آخر تجاوزها الزمن بقرون كثيرة وحقب متباعدة ، بل غاص في مشكلات الأمة الحقيقية ليوجد لها الحلول الشرعية المناسبة لها ، ومن ذلك قضايا فقه الأقليات ، وقضايا التطرف وقضايا الفتيا ، وقضايا المرأة ، والعلاقة مع الآخر ، وكثير من المشكلات الاقتصادية والطبية والسياسية والاجتماعية ..، الأمر الذي جعل من الشيخ بن بيه موسوعة علمية عملية أصيلة عصرية .

ختاماً: هذا غيض من فيض عن جهود وأعمال الشيخ بن بيه حفظه الله ونفع به أمته ودينه ، أسأل الله الكريم أن يجعلها في موازين حسناته ، وأن يبارك للأمة فيه وفي علمه .

 

سعادة الدكتور عبدالمحسن فراج القحطاني – الأستاذ بجامعة الملك عبدالعزيز

بسم الله الرحمن الرحيم…

السلام عليكم – أيها الحاضرون – ورحمة الله وبركاته.


كم أنا سعيد هذه الليلة أن أكون في الركب مع المحتفين بالشيخ عبدالله بن بيه, وأقول: إنني محظوظ هذه الليلة وهو محظوظ ثلاث مرات, لأن الله (سبحانه وتعالى) أعطاه درجة فوق العلم وهي الحكمة, ثم أعطاه التي تليها وهي الموهبة, ثم وطن نفسه – ثالثة – على اجتلاب العلم والجثي على الركب, حتى نال شهادته العالية – كما سمعتم – وهي ليست ورقة مكتوبة, وإنما شهادة مشافهة, بمثل ما كان يشافه به آخذ الحديث ؛ فكان لا يكتفي بأن يقرأه في كتاب, وإنما يرحل إلى الشيخ ليستمع منه الحديث مرسلاً ومتواتراً بالرواية ؛ وكنت أظن أنه لا يوجد نص شفهي سمع حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ النص القرآني, فإذا بي أكتشف أن الحديث الشريف وصل إلينا مشافهة بالرواية وليس بالكتابة ؛ وهذا هو ما كان يفعله الشيخ عبدالله بن بيه.


رجل أعطاه الله الحكمة والموهبة وهما نبعان من الداخل, ثم حصن نفسه بأخذ العلم ؛ وكنت أعجب لهذا الرجل لأنه لا يحفظ المعلومة وإنما يحسن توظيفها, ولعل الدكتور حامد جاء على قضية أسباب الاختلاف, وكيف كان لشيخنا موقف من ذلك.


قبل عشر سنوات خلت, كنت وكيلاً لكلية الآداب, وذهبت إلى مدير الجامعة – آنذاك – الدكتور عبدالله نصيف, وكان بشخصيته وهدوئه يطرح القضية تقرب تبعد عن الهزل ولا تلامس الجد, فينتزع منك الإجابة بأسهل ما يكون ؛ فقال: إن رجلاً قادماً من موريتانيا سنتعاقد معه ؛ قلت: من هو؟ قال: الشيخ عبدالله بن بيه ؛ وكان أول مرة أسمع بهذا الاسم ؛ أخبرني عن سيرته, فقال: كان وزيراً ؛ فقلت ببساطتي وصراحتي: ألا تعتقد يا دكتور عبدالله أن مكوث الرجل في دهاليز الإدارة وفي الأوراق الرسمية, تبعده عن فصاحة الكتاب والتعمق في بطون الكتب؟ وتذكرت حماقتي وقول الشاعر:


لا تمدحنّ امـرأ حتى تجربـه           ولا تذمنه من غير تجريـب


و لكن لا أريد أن أمدح أو أذم – آنذاك – وإنما أردت أن نختار لأبنائنا الرجل الكفء, وعدو الإنسان الجهل بالشيء فكنت أجهل ذلك.

فقال أنا أعرف الرجل ؛ فقلت أنت الذي تعرفه؟ وبعد ساعات قليلة وإذا بالرجل يقدم إليَّ في مكتبي عربي السحنة بثياب نقلتني إلى قرون بعيدة ؛ هذا الرجل العربي شممت فيه أجدادنا وأجداد أجدادنا, وعلماءنا الأوائل ؛ وتذكرت حينما قال الأستاذ عبدالله نور, حينما كنا نجثو على الركب ونقرأ القاعدة البغدادية, التي حفظها الموريتانيون خمسة عشر جزءاً ؛ كنا نأخذها بالتهجي, يقرؤون المتن ثم الحاشية ثم التوريكة.

و جاء إلى قسم الدراسات الإسلامية رجلاً يصح لي أن أقول عنه: إنه في وطنه, غير أنه ما زال يحتاج إلى جس نبضه, وقسم الدراسات الإسلامية والأقسام العلمية تضع لقاءات ودوريات ومناقشات – وإذا بالرجل في محاضرة يقول, فيلتهم كل شيء ؛ قلت سبحان الله… ازددت شوقاً لأن أسبر أغوار هذا الرجل, ليس في الفقه المالكي, بل في اللغة, في متون اللغة, ألفية ابن مالك, الآجرومية, والبلاغة. فوجدته لم يكن حافظاً فقط وإنما يحسن متى يوظف المعلومة ؛ وهذه هي الميزة الحقيقية.

ثم رأيته بعد سنتين في محاضرة المسلم رجاء جارودي, فجاء المترجم وأصبح يترجم ترجمة سطحية, وإذا بالشيخ يقوم من مقعده مسرعاً ويعلو المنصة, ويستأذن المترجم ويقول له: اسمح لي لأنني لا أريد أن أترجم, وإنما أريد أن أصل إلى أغوار فكر الرجل ؛ فأخذ يتولى الترجمة وكأنه يقول للدكتور رجاء جارودي: أنا الذي أنقل فكرك من لغتك الأصلية إلى اللغة العربية.

هذا هو عبدالله بن بيه, ثم قبل شهر وهو يشتغل على موضوع, قد لا أقول يفجر فيه قضية, وإنما يضع خصومة بين علماء اللغة والفقهاء ؛ وهذه ستكون موضوع محاضرة – إن شاء الله – أو كتاب.


لا أريد أن أطيل عليكم, فأنا سعيد هذه الليلة بأن أمثل أمامكم لأتكلم عن رجل أشم فيه رائحتنا

, وأجد فيه أرومتنا, فبارك الله فيه, والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


 


*القيت هذه الكلمة في حفل اقيم احتفاء بالعلامة عبدالله بن بيه أقامته إثنينية الشيخ عبدالمقصود خوجة