ارشيف ل July, 2010

المركز العالمي للتجديد والترشيد (GCRG) يختتم دورة “التجديد” في الأندلس

أقام المركز العالمي للتجديد والترشيد بالتعاون مع مؤسسة “دين انتنسف” دورة علمية استمرت 5 ايام لاكثر من 200 طالب من بريطانيا ونيوزلاند وامريكا وجنوب افريقيا وباكسان والسعودية وكندا والمانيا وايرلاندا. الدورة التي اقيمت في الأندلس بالجنوب الاسباني ركزت على علوم العقيدة والفقه واصول الفقه والسلوك. وقد القى العلامة عبد الله بن بيه 4 محاضرات وضع فيها الاسس الهيكلية للتجديد في العلوم الاربعة سابقة الذكر. كما حاضر في الدورة كل من الدكور عمر الفاروق واين مان والشيخ حمزة يوسف هانسن والامام زيد شاكروالاستاذ يحي رودس. يذكر ان المركز العالمي للتجديد والترشيد (GCRG) انشيء في لندن سنة 2007م من قبل مجموعة من العلماء بهدف تجديد الفكر وترشيد المسار ويرأسه العلامة عبد الله بن بيه ويرأس مجلس امنائه معالي الدكتور عبد الله نصيف.

Between Ignorance & Extremism ||2|| بين الجهل والتطرف

محاضرة القاها العلامة عبد الله بن بيه في لندن عن التطرف والجهل وبين انهما وجهان لعملة واحدة وحذر من ان دواعي التطرف كثيرة في عالمنا اليوم.

Between Ignorance & Extremism ||1|| بين الجهل والتطرف

محاضرة القاها العلامة عبد الله بن بيه في لندن عن التطرف والجهل وبين انهما وجهان لعملة واحدة وحذر من ان دواعي التطرف كثيرة في عالمنا اليوم.

رابطة العلماء الموريتانيين تختار العلامة عبد الله بن بيه رئيسا لها

وجهت رابطة العلماء الموريتانيين رسالة إلى العلامة عبد الله بن بيه تحيطه علما بقرار مكتبها الذي اتخذه بالإجماع في جلسته العادية بتاريخ 19يوليو2010 باختياره رئيسا لها .

وجاء في رسالة موقعة باسم الأمين العام للرابطةالشيخ حمدن ولد التاه، تنويه بجهود العلامة عبد الله بن بيه في خدمة الإسلام والمسلمين في انحاء العالم مما اعتبره علماء موريتانيا احياء لدور العلماء الشناقطة الذي كاد يان يختفي لولا العلامة عبد الله بن بيه – حسب عبارة الرسالة –

وهذا نص الرسالة :

إلي صاحب المعالي والفضيلة الدكتور \ الشيخ عبدالله بن بيه،

نائب رئيس الإ تحاد العالمي لعلماء المسلمين ـ المحترم حفظه الله،

السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

بعد كامل الشكر والتقدير على ما تقومون به من خدمة الإسلام والمسلمين وإحياء الدور الشنقيطي الذي كاد أن يختفي لولاكم.

أتشرف بأن أحيطكم علما بأن مكتب رابطة العلماء الموريتانيين قد قرر بالإجماع في جلسته العادية المنعقدة بتاريخ 07 شعبان 1431 هـ الموافق 19 يوليو 2010 م في مكاتب ابن عباس .

قرر أن يختاركم رئيسا شرفيا لرابطة علماء موريتانيا وفاء لكم بما قمتم وتقومون به من خدمة الإسلام والمسلمين في بلدكم و في العالم

أدامكم الله ذخرا للإ سلام والمسلمين .

الأمين العام

حمدا ولد التاه

al dw3an_0.jpg

العلامة ابن بيه.. عقل الفقيه وقلب الصوفي

 

لعل الجمع بين ما لا يمكن الجمع بينه هو كلمة السر في شخصية العلامة الفقيه الدكتور عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه.

هكذا هو العلامة الفقيه بن بيه.. صاحب الحافظة التي صارت بين فقهاء العصر مضرب الأمثال.. لكنه أبدا ما ركن إلى المتون والحواشي والشروح واكتفى بها.. وإنما وهبه الله مع ذلك موهبة التعامل مع الواقع، والقدرة على تنزيل الحكم على مستجدات هذا الواقع.. وتلك هي الميزة الحقيقية.

 

في بيت القاضي

هو عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، مولده في عام 1935م بمدينة تمبدغة جنوب شرق الجمهورية الإسلامية الموريتانية.

نشأته كانت في كنف والده القاضي العلامة المحفوظ بن بيه، وهي النشأة التي اختطت للصغير طريقه من البداية، حيث بدأ تلقي العلم منذ نعومة أظفاره على يد علماء عصره أمثال العلامة محمد سالم بن الشين، والعلامة الشيخ بيه بن السالك المسومي، وغيرهما من علماء شنقيط المعروفين بغزارة علمهم، وقوة حافظتهم.

وبعد أن استوى الشاب على عوده، سافر إلى تونس في بعثة لتكوين القضاة، وبعد عودته تنقل في عدة مناصب منها: رئيس مصلحة الشريعة في وزارة العدل، ثم نائبا لرئيس محكمة الاستئناف، ثم نائبا لرئيس المحكمة العليا ورئيسا لقسم الشريعة الإسلامية بهذه المحكمة.

ثم عين مفوضا ساميا للشؤون الدينية برئاسة الجمهورية؛ حيث اقترح إنشاء وزارة للشئون الإسلامية فكان أول وزير لها، ثم وزيرا للتعليم الأساسي والشؤون الدينية، ثم وزيرا للعدل والتشريع وحافظاً للخواتم، ثم وزيراً للمصادر البشرية – برتبة نائب الرئيس – ثم وزيراً للتوجيه الوطني والمنظمات الحزبية.. ثم انتهى به المطاف إلى جامعة الملك عبد العزيز في جدة.. حيث يعمل أستاذا بها إلى الآن.

وللعلامة بن بيه العديد من المؤلفات لعل أبرزها: توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال، حوار عن بعد حول حقوق الإنسان في الإسلام، خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التسامح والوئام، أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات، سد الذرائع وتطبيقاته في مجال المعاملات، فتاوى فكرية، صناعة الفتوى وفقه الأقليات، مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات، أثر المصلحة في الوقف، البرهــان، الإرهـاب: التشخيص والحلول، دليل المريض لما له عند الله من الأجر العريض.

 

صوفي النزعة

كلمة السر في هذه الشخصية هي الجمع بين ما يمكن أن يظنه كثيرون متناقضات.. فمع أن الرجل سلفي العقيدة، فإنك تراه صوفي النزعة، قادرا على الانفكاك عن محيطه الذي يحيا فيه، متوجها بكليات قلبه إلى ربه جل وعلا.

شاءت الأقدار أن أصحبه من مقر إقامته بأحد الفنادق بأطراف العاصمة المصرية أثناء مؤتمر رابطة خريجي الأزهر الأخير، إلى حفل على شرفه بوسط العاصمة، واستأذنته أن أغتنم الفرصة في حوار عن قضية كانت مثار جدل وقتها، وبكل حياء رد قائلا: “إن شاء الله.. لكن أستأذنك أولا أن أستكمل وردي ثم نبدأ بعدها”.

وهنا تبرز إشكالية اعتبار بعض العقول مثل تلك التصرفات خارج إطار السنة، أو خارج إطار المنهج السلفي، لكن العلامة بن بيه وأقرانه من أثبات العلماء لا يرون ذلك مطلقا، على اعتبار أن التصوف الحقيقي أصله هو الكتاب والسنة، وهذا ما أكده المتصوفة الأوائل مثل الإمام الجنيد الذي قال: “مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة”.

التصوف عند بن بيه وعلى حد تعريفه: “هو الإحسان، وهو البحث عن الكمال والحب والتشوق إلى لقاء الله..”.

ولكم دعا بن بيه إلى إحياء علم التصوف؛ لأنه بحسبه “إحياء لعلوم الدين”، وهذا يؤكد أنه يعتبره علما من العلوم الإسلامية، على أساس أن العلم إما أن يكون موضوعه الظاهر، كأعمال الجوارح وهو ما يسمى بالفقه، وإما أن يكون موضوعه الباطن، وهو ما يخص جانب تزكية النفوس، والرقائق، والزهد، وهو ما يسمى بالتصوف.

 

صناعة الفتوى

أما بن بيه الفقيه.. ولأنه فقيه فإن الفتوى عنده صناعة.. ألف فيها كتابا أسماه “صناعة الفتوى”، وهذا الكتاب على وجه التحديد يبرز قيمة العلامة بن بيه، ويحدد ملامح العبقرية في شخصيته.. من حيث الموضوع وأدوات فهمه، وقدرة التشبيك بين القواعد الكلية داخل منظومة الفقه والواقع بكل ما يحمله من مستجدات، والخروج في النهاية برؤية أصولية شاملة قادرة على استيعاب تلك المستجدات بلا إفراط أو تفريط.

فلقد اختار مصطلحا غريبا نسبيا على الأدبيات الفقهية والشرعية عموما، وهو مصطلح “الصناعة”، مما يدل على رؤية أوسع لعملية ربما بدت بدهية عند كثير من الممارسين لها، وهي عملية الإفتاء.

وسبب ذلك أن الصناعة عبارة عن ممارسة مستمرة لمراحل شتى، فهي ليست فعلا ساذجا ولا شكلا بسيطا على حد تعبيره، بل هي من نوع القضايا المركبة التي تقترن بمقدمات كبرى للوصول إلى نتيجة نهائية.  

ولعل هذا تحديدا هو ما أراده العلامة بن بيه من الفقيه الممارس لعملية الإفتاء، أن تمر فتواه بمجموعة من المراحل، تبدأ بالتشخيص الصحيح، ثم التكييف الشرعي للواقعة محل الفتوى، ثم تلمس الدليل لهذه الواقعة من مصادره، ثم المرحلة الأهم وهي تنزيل الدليل على الواقعة بحرفية الصانع – أعني الفقيه- الذي يدرك أبعاد الواقع وطبيعة الدليل، ويفقه أولويات فتواه ومآلاتها.

هذه العملية هي ما عبر عنها العلامة بن بيه في الكتاب قائلا: “الفتوى منتج صناعي ناتج عن عناصر عدة منها الدليل ومنها الواقع، والعلاقة بين الدليل بأطيافه المختلفة التي تدور حول النص وبين الواقع بتعقيداته”.

إن كتاب صناعة الفتوى يمثل قمة النضج لفقيه عالج المتون والحواشي والشروح، وعايشها معايشة وصلت لمرحلة الهضم والقدرة على إعادة إنتاجها، بأسلوب يتناغم مع عصر.

 

بن بيه وفقه الأقليات

اشتهر عن الفقيه الوزير بن بيه قدرته على إيجاد حلول شرعية لما تعانيه الأقليات المسلمة في الغرب؛ فالرجل بحق يعد أحد مؤسسي فقه الأقليات الذي كان له الفضل الأكبر في قدرة المسلمين داخل المجتمعات الغربية على الانصهار داخل تلك المجتمعات، مع الحفاظ على هويتهم، بل تحول معظمهم بما حواه هذا الفقه من نظرة وسطية إلى دعاة للإسلام بسلوكهم السوي، وبعدم انعزالهم وتقوقعهم.

وبن بيه حينما أراد التأصيل لفقه الأقليات قال في إجابة عن سؤال طرحه(لماذا فقه الأقليات؟): إن فقه الأقليات يبحث عن إيجاد مسطرة لسلوك الأقليات، فهو عبارة عن واجبات الأقلية في ثلاثة اتجاهات:

الأول: وهو ما يمكن أن نسميه واجب الهُوية، وهو ما عبر عنه بين بيه بقوله: اتجاه المحافظة على ممارسة إيمانها ودينها، ليس على مستوى الفرد فحسب، بل على مستوى المجموعة.

الثاني: واجب التواصل والاندماج، وهو بحسب تعبير بن بيه: تذكير الأقلية بواجبها تجاه المجموعات الأخرى التي يجب أن تتواصل معها، بحيث لا تصبح ديانة الأقلية جدار عزل وفصل، بل جسر تواصل ووصل، بمعنى أن يتم تفعيل المشترك الإنساني مع غيرهم من المجموعات التي لا تشاطرهم المعتقد.

الثالث: اكتشاف قاعدة الإسلام الكبرى.. وهي التيسير، وهو ما عبر عنه بن بيه حين قال: فقه الأقليات يسهل الحياة الدينية وييسرها، فهو يعلم المسلم أن له فسحة في دينه ويسرا في أمره.

إذن هي قواعد الحفاظ على الهوية، وتفعيل المشترك الإنساني، وإعادة اكتشاف يسر الدين بحسبانها القاعدة الكبرى، وهو ما ينتج اندماجا للأقلية بلا ذوبان، وهذا الاندماج قال عنه بن بيه: حالة من التفاعل الإيجابي تشير إلى تأثير وتأثر واع بذاته، تحتفظ فيه الأقلية بخصائصها وثوابتها وتستعير من الأكثرية مزاياها وإيجابياتها؛ لإيجاد فضاء من القيم المشتركة.

ففقه الأقليات عند بن بيه يمثل مرحلة هضم متون الفقه الإسلامي وقواعده الكبرى ومقاصده العليا، وإعادة إنتاجها بصورة تلائم الواقع، بل تتناغم معه لإنتاج صورة إسلامية أكثر إشراقا.. بعيدا عن الصورة الجامدة المتجمدة الثابتة، أو الصورة المفرطة التي تذوب في غيرها.

 

بن بيه والتراث

ولعل حديثا للعلامة بن بيه في إحدى حلقات برنامج الشريعة والحياة عن “الفقهاء وتقسيم العالم” يبرز قدرته على هضم التراث الفقهي وإعادة إنتاجه بصورة فريدة، دون افتئات عليه أو تزيد في التعلق به.

يقول: إن العلماء لهم اجتهادات متعددة حول مصطلح تقسيم العالم، فبعضهم يقول: “دار حرب ودار إسلام ودار عهد”، أي إن دور الكفر تنقسم إلى قسمين:  إلى دار حرب،  أهلها يحاربون،  وإلى دار عهد وأمان أو عهد وموادعة أو عهد وهدنة، يسمونها كل هذه الأسماء. 

ثم ينقل عن ابن تيمية أن هناك دارا مركبة، وهى دار لا دار حرب ولا دار إسلام،  فهي واسطة بين دار الحرب ودار الإسلام ، أو بين دار الكفر ودار الإسلام؛  لوجود جنود من التتار لم يكونوا مسلمين، وإن كانت عبارة الفتوى قد يفهم منها غير ذلك.

ويعلق قائلا: والدار المركبة وجهتها فريدة؛ لأن العلماء جروا على دارين أو على ثلاث دور، والتقسيم سببه هو الأحكام المترتبة عليه، هل تجب الهجرة من دار غير المسلمين إلى دار المسلمين؟ هل تجوز الإقامة في دار غير المسلمين؟ هل تجوز المعاملات الفاسدة التي لا تجوز شرعيا في هذه الديار كما هو مذهب الأحناف؟ 

ثم يحاول بن بيه فك الالتباس الذي لا يحسنه إلا هاضم للتراث مثله، فيقول: هذه الأحكام الشرعية المتعلقة بالدور كرست لهذا الانقسام، لكن السبب التاريخي هو أنه لم يكن العالم محكوما بمعاهدات، حيث لم تكن العلاقة بين الدول بل بين القبائل عندما بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كانت هذه العلاقة إما  عداء أو  حربا أو غلبة أو أن تغلب دولة دولة أخرى كما بين الروم وفارس، أو أنها تخضع لها، بمعنى لا تقبل منها غير ذلك،  حيث  لم تكن الصدور متسعة في ذلك الوقت إلا للقتال أو لغلبة أحد الطرفين، لا بد أن يكون مغلوبا والآخر يكون غالبا، فهذا الواقع الذي كان في حياة القبائل وفي حياة الدول المنظمة مثل الفرس والروم.

ثم يؤكد على تاريخية مثل هذه الاحكام قائلا: هذا الواقع انعكس على واقع الفقه عندما أراد الفقهاء النظر في العالم في هذا الوقت، فهو عالم من جهة إما أن يكون محاربا وإما أن يكون مسالما داخلا تحت حكم الإسلام، بما يسمى بالذمة، أو معاهدا وهذا له أحكامه الخاصة فيه، فهو تقسيم تاريخي يعتمد على ظواهر من النصوص، ويعتمد على بعض التطبيقات المتعلقة بالأحكام الشرعية. 

ويحلل بن بيه فتوى ابن تيمية قائلا: هناك خلل كبير في فتوى الدار المركبة، كما  ذكر  شيخ الإسلام أن هذه الدار فيها معنيان، وأنه يجب أن يعامل المسلم بما يستحقه، وأن يعامل الخارج عن الشريعة بما يستحقه ويقاتل؛ لذلك فالخلل هو أن نسخا مطبوعة من فتاوى ابن تيمية فيها “ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه”.

وتظهر ملكته الرجل الفقهية الأصولية حينما يقول: “والحقيقة عندما قرأتها لم أستسغها، وقلت: إن الصياغة والسياق لا يقتضيانه، بل يقاتل هذه هي يعامل؛ لأنه كيف تقول يقاتل بما يستحقه؟ القتال ليس فيه درجات، يقاتل يقاتل، ثم إن السياق يدل على وجود مصانعة ومعايشة بين الطرفين، وهذا سياق فتواه؛ ولأجل هذه قلنا: إنه يعامل.

ثم يستطرد بن بيه قائلا “ولكن لحسن الحظ، وجدنا ابن مفلح في كتابه (الآداب الشرعية) ينص على هذه الفتوى، ويقول: إن شيخ الإسلام قال: ويعامل الخارج عن الشريعة بما يستحق؛ لأن يقاتل فيها خطورة كبيرة تلقفها بعض الناس وترجمت في اللغات الأجنبية مع الأسف، وقال: يُقاتل!! من الذي يُقاتَل(مبني للمجهول)، ثم من يقاتل؟ ثم ما هي درجة الخروج عن الشريعة التي تؤدي إلى المقاتلة؟ ومما يستحقه؟ وما هو هذا الاستحقاق؟ إشكالات كبيرة، ووجدت ابن مفلح ساق الفتوى- وهو تلميذ ابن تيمية- صحيحة، وكذلك محمد رشيد رضا قبل قريب من مائة سنة”.

هكذا طبيعة العقلية الفقهية حينما تتكون ملكتها بفعل هضم التراث والقدرة على نقده من الداخل وصولا إلى حقيقة المقاصد العليا لهذه الشريعة.

 

حوار مع العلامة عبدالله بن بيه حول “الإجتهاد ومراجعة التراث”

حجية السنة، استقلالها بالتشريع، عودة المسيح وظهور المهدي. ( أجري هذا الحوار سنة 2010م )

ضيف هذا الحوار فقيه أصولي ثبت، له باع في الفقه والأصول والعلم الشرعي، عضو في العديد من المجامع الفقهية، وواحد من المجددين خاصة فيما يتعلق بفقه الأقليات.. إنه العلامة الشيخ عبد الله بن بيه الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة ووزير العدل الموريتاني السابق..

كان اللقاء بعد محاضرة لفضيلته في دورة المقاصد الشرعية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وقد تحدث فيها عن ضرورة الاجتهاد والتجديد في بعض مسائل المعاملات المستحدثة، وعدم الاكتفاء بما قرره الأقدمون.

فكان مناسبًا أن نسأله عن رؤيته لمراجعة التراث وضوابط تلك المراجعة، وهل تعتبر من باب الاجتهاد والتجديد أم لا.. 

* بداية فضيلة الشيخ.. نريد أن نتحدث عن موضوع مراجعة التراث من الأساس، بمعنى هل تدخل مراجعة العلوم الشرعية ضمن الاجتهاد أم لا؟

– المراجعة هي مجال من مجالات العمل الفكري التي يظل مفتوحة إذا لم تكن هذه المراجعات موضوعها الكتاب أو السنة الصحيحة الثابتة من جهة الورود ومن جهة الدلالة.. فالمراجعات للمنهج وللطرق وللوسائل التي تعامل بها العلماء مع الأصلين أمر وارد.

يبقى بعد ذلك السؤال الأهم: ما موضوع هذه المراجعات؟ وما الثمرة والنتيجة التي يمكن أن تصل إليها؟.. هذه الأسئلة يجب أن تكون محل بحث وتحقيق حتى تتميز المراجعات المقبولة من تلك التي تمس أصلاً أو من شأنها التطاول على ثابت لا يحتمل تغييره.

                            تعارض القرآن والسنة

* أستاذنا تبقى القضية من البداية هي تحديد الأصل.. بمعنى أننا نفهم جميعًا أن أصول التشريع عندنا هي القرآن والسنة الصحيحة.. لكن البعض يتحدث عن أن السنة إذا خالفت أو عارضت فهمًا للقرآن الكريم يسقط الاحتجاج بها، وبالتالي يسقط استقلالها بتشريع، ويستشهدون بأن أبا حنيفة رضي الله عنه فهم من قوله تعالى: “حتى تنكح زوجًا غيره…” أن المرأة يمكن أن تنكح بغير إذن وليها؛ ولذلك لم يعمل بحديث “لا نكاح إلا بولي..” كيف ترى فضيلتكم هذا التصور؟

– ما ينبغي أن يكون ظاهرًا هو أن المعارضة لا تعني بحال المناقضة، السنّة الثابتة لا يمكن أن تعارض قرآنًا ثابتًا.. القطعيات لا تتعارض، وإنما التعارض يكون على مستوى الدليل الظني، وهو تعارض يقوم فيه المجتهد، ولا حق له في الخارج “ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا”، فهو من عند الله إذن فلا اختلاف فيه..

أما بالنسبة للسنّة.. فالسنة إما أن تكون مخصصة لعام القرآن، وإما أن تكون مقيدة لمطلقه، وهنا لا إشكال، حيث نعمل بالتخصيص والتقييد، لكن السنة ينظر إليها من حيث الثبوت، هل ثبتت بالأدوات الحديثية للإثبات أو لم تثبت.

فهنا مسألة الثبوت في السنة كمسألة الاحتمال في دلالة القرآن والسنة معًا، الوجهان للظن، أي أن أساس الظن في الأدلة هو ثبوت الجهة بالنسبة للسنة والاحتمال الدلالي بالنسبة للسنة والقرآن معًا، خارج هذين الحقلين إذا ثبت الورود وكانت الدلالة قطعية بأن كانت نصًّا لا يحتمل التأويل فلا مجال لإنكار السنة ولا مجال للاعتراض عليها.

يمكن أن نقول إن خبر الآحاد إذا عارض ظاهر القرآن فتارة يأخذ به العلماء أي يخصصون به ظاهر القرآن أو يؤولونه على الأصح؛ لأن العدول عن ظاهره هو تأويل، وتارة يقدمون ظاهر القرآن.

وهذا ما دلت عليه أصول الشرع كثيرًا كما يقول صاحب كتاب المجتهد، العدول عن ظاهر القرآن، ومع ذلك فالشافعي وأحمد يريان العمل بخبر الآحاد، ومالك في غالب الأحيان يؤول ظاهر القرآن بخبر الآحاد، لكن مالكا أحيانًا يقدم عمل أهل المدينة على خبر الآحاد، وأبو حنيفة يقدم عمل الراوي على مرويّه، وأيضًا يعتبر أن التخصيص من باب النسخ فلا يعمل به في أحيان كثيرة.

المهم أن قضية خبر الآحاد -وهو أغلب الحديث- فيها بعض التفاصيل للعلماء، لكن هذه التفاصيل لا تصل أبدًا إلى إلغاء خبر الآحاد، هذه التفاصيل تعتمد مجالات معينة بين خبر الآحاد والقرآن الكريم، فخبر الآحاد هو ظني الورود عند الجمهور، وبعضهم قال إنه قطعي إذا ورد في الصحيحين، لكن الجمهور يقولون إنه ظني الدلالة، وهذه الظنية قد تتعامل مع ظني الدلالة في القرآن الكريم، وهذا مذهب الجمهور إليه، وقد لا تتعامل معه وهذا ما يذهب إليه أبو حنيفة أحيانًا.

* وهذا لا علاقة له بطبيعة الرواية وموضوع معالجتها، بمعنى هل يختلف الحكم إذا كانت الرواية تعالج شيئًا في العبادات عنه في العقائد مثلاً، وتعارض فهمها مع نص قرآني، ونحن نعلم أن النص في القرآن محتمل الدلالة وليس قطعيًّا في بعض النصوص؟

– نعم.. في العقائد يختلف عند مجموعة من العلماء، الإمام الجويني في كتابه البرهان يقول: “إن خبر الآحاد لا تثبت به العقائد؛ لأن العقائد لا تثبت إلا بقطعي”. لكن إذا كثرت الظواهر التي تدل على أمر معين وتواترت أفادت القطع، فهنا يكون خبر الآحاد إذا كان معضدًا من أخبار أخرى أو من روايات أخرى، أو من ظواهر من القرآن الكريم، أو تلقته الأمة بالقبول أو أجمعت عليه، فهنا يصبح حجة.

                            قواعد المحدثين

* عفوًا أستاذنا.. كلمة “تلقته الأمة بالقبول” كان صاحب إعلام الموقعين قالها عن حديث بَعْثِ معاذ إلى اليمن الذي رُوِيَ عن مجاهيل من أهل حمص، ولم يستطع هو أن يكذب كلام ابن حزم فيه في كتابه النبذ، لكن كلمة “تلقته الأمة بالقبول” البعض يقول إنها كلام غير علمي، فهل قبول الأمة وتعاملها مع النص بطريقة ما يدخل ضمن قواعد المحدثين أو يصلح حكمًا على الحديث، أم أن القواعد هي الأصل..؟

– يا أخي قبول الأمة من القرائن التي تجعل الحديث مقبولاً، ولا أقول صحيحًا؛ لأن الصحة لها طرق أخرى، لكن حديث معاذ رُوِي أيضًا بطرق أخرى موصولة، وما قاله ابن حزم من أنه روي عن مجاهيل ليس صحيحًا، فأنا أعرف كلام ابن حزم، لكن كلامه مردود من طرف كثير من العلماء؛ لأنه روي أيضًا بسند متصل وليس فقط عن طريق جماعة من أصحاب معاذ من أهل حمص كما هي الرواية المعروفة.

لكن حتى جماعة من أصحاب معاذ، هذه الجماعة لما روى عنها الراوي دلّ ذلك على أنها معروفة وأنها ليست مجهولة، ثم إن الحديث كما قلنا رُوي من طرق أخرى، هذه الطرق تعضد الحديث بحيث يرتفع إلى الحسن.

* لكن هناك اتجاهًا يرى أنه لا يمكن أن نثق بالرواة الذين نقلوا السنة لكون بعضهم كانوا يتحايلون على أهل الجرح والتعديل برواية الأحاديث الصحيحة حتى يحصلوا على أعلى درجة في التصحيح، وهم من يسمون بـ”السابرين”، ثم بعد ذلك يصنعون ما يشاءون، ويذكر هذا الاتجاه على أنه أسلوب معروف في مناهج النقد القديم، فما تعليقكم على هذا؟

– أنا أرى أن الحديث خدم خدمة لم يخدمها نص -طبعًا خارج القرآن الكريم- في التاريخ؛ لأن طرق التعديل والجرح وطرق الإسناد والشروط التي اشترطها العلماء في الراوي من الضبط والعدالة ومن اللقيا عند البخاري وليس فقط المعاصرة، الإمام مسلم يقبل المعاصرة في العنعنة، أما البخاري فلا بد له من اللقيا..

كل هذه الاحتياطات التي أخذ بها العلماء أعتقد أن الأحاديث التي تكون قد ثبتت بناء عليها لا يمكن أن يرقى إليها شك، وما يؤكد ذلك أن هؤلاء الأئمة الأعلام استبعدوا بناء على تلك الاحتياطات كثيرًا من الأحاديث التي كانت من الممكن أن تعيننا في عملية استخراج النوازل الحديثة والمستجدات.

هناك شيء آخر أريد أن أضيفه وهو أنه إذا تخلينا عن هذه المنهجية التي وضعت في عصور قريبة من عصر التلقي نصبح بلا منهجية، وبالتالي نخاف أن يضيع منا كثير مما بين أيدينا من المسلمات الفقهية والعملية والاعتقادية، وبالتالي نلغي منهجية دون أن نعتمد منهجية شاملة، وهذا الدين محفوظ، فلا يمكن للمنهجية التي سارت عليها الأمة أن تكون باطلة أو أن تكون غير فعّالة أو غير مقبولة.

* عودة إلى موضوع فهم النص القرآني وإمكان وجود تعارض بينه وبين نص من السنة.. نأخذ مثلاً قوله تعالى “مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ”، فخاتم النبيين هنا يفهم منها أنه لا نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر الأمة قد اجتمعت عليه، هذا الفهم هل تراه فضيلتكم يتعارض مع نزول عيسى مرة أخرى؟

– لا أبدًا.. عيسى لا يرجع رسولاً، لا يرجع مكلفًا برسالته، يرجع بين يدي الساعة وهي أحداث خارقة للعادة “وإنه لعَلَمٌ للساعة”، كما يقرأ في بعض القراءات “وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ”، فينزل في هذه الأحداث وينزل تابعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والأعمال التي سيقوم بها أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها قبل ذلك، فيضع الجزية ويكسر الصليب.

هذه الأعمال هي من شريعتنا، ليس الوقت وقت رسالة أبدًا.. رسالته انتهت، النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولا إشكال في ذلك، ولا أرى أبدًا أي إشكال بين نزول عيسى بين يدي الساعة وبين خاتم النبيين وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

                      فكرة المخلص

* ألا ترى فضيلتكم أن الترويج لرجوع عيسى عليه السلام يُعَدّ انتصارًا لفكرة “المخلص” التي تروج لها اليوم المسيحية الصهيونية ومعها معركة هرمجدون، وأنها انتقلت للأمة مع فكرة المهدي المنتظر عن طريق الثقافة الشفوية وتداخل الأديان؟

– نعود مرة أخرى لموضوع الاحتياط في النقل، ألا تعلم أن هذا الاحتياط قد وصل عندنا في الحديث أن الصحابي الذي يقرأ من كتب أهل الكتاب لا يقبل ما قاله من تلقاء نفسه خوفًا من أن يكون أخذه من كتبهم؛ لأن الصحابي إذا قال غيبًا لا يمكن أن يقول من نفسه إلا إذا كان يقرأ من كتب أهل الكتاب.

فالاحتياطات موجودة في هذه الشريعة، وبالتالي هذه الأحاديث لا غبار عليها، وهي أحاديث ثابتة، وراجع كتاب -أعتقد- “صدّيقي” من باكستان، فله كتاب فيما تواتر من نزول المسيح، ذكر كل الأحاديث التي وصلت إلى حد التواتر.

وبالتالي فلا يهمنا مسألة “المخلص” أو ما يعتقده الآخرون، والنبي صلى الله عليه وسلم كثير مما يقوله مكمل للرسالة وليس مكذبًا لها، والأهم أن رؤية اليهود أو النصارى لهذا الأمر ليست هي الرؤية التي نراها، وليست بالطريقة التي نتحدث بها، وأنا سبق لي فيما يسمى بالقمة الإسلامية المسيحية التي عقدت بعد 11 سبتمبر، في خطابي ذكرت حديث نزول عيسى، والنصارى تعجبوا كثيرًا وقالوا أين يوجد هذا الكلام؟!!

قلنا لهم نحن نعرف كيفية نزول عيسى وكيف ينزل وعندنا نصوص نبوية في هذا حددت المكان والزمان ولا تشبه النصوص الأخرى، والنصوص النبوية واضحة جدًّا وهي ليست رسالة لعيسى..

يجب أن نفهم هذا.. عيسى ينزل في أحداث خارقة للعادة، فيها الدجال.. فيها يأجوج ومأجوج، الدنيا تنقضي، ففي هذه الأحداث الله عز وجل ينزل أي شيء يريد أن ينزله، وعيسى ينزل في هذه الأحداث، ينزل ولم يبق في الدنيا ما يستطيع فيه عيسى أن يقدم رسالة للناس، فقط هو مطبق لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع المسلمين، والجماعة التي تكون حوله هي جماعة من المسلمين بدليل أنه يصلي خلف المهدي كما ورد في الحديث “أئمتكم منكم”.

* عفوًا مرة أخرى يا أستاذنا.. الآية التي قرأتها فضيلتكم دليلاً على نزول عيسى “وإنه لعلم للساعة” أو “وإنه لعَلَم للساعة” هناك من يؤكد أن الضمير فيها لا يعود على عيسى مطلقًا، ويثبت هذا بأن “وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ”، مؤكدًا أن هذه الآية فصل بين عيسى وبين هذا الضمير، والضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما أسماه الوحدة البنائية للقرآن الكريم.. فالسورة من بدايتها “الزخرف” تتحدث عن الوحي وجاء عيسى هنا لمهمة محددة يعني للإجابة عن سؤال محدد، وبعد هذا انتقل الحديث عن النبي مرة أخرى وعن الوحي “وإنه لعلم للساعة “، أي وإن الوحي والنبي صلى الله عليه وسلم لعلم للساعة فلا تمترنّ بها واتبعوني أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل توافق على هذه القراءة وهذا التفسير؟ هل له أصل في التراث؟

– في التفسير لا يستبعد هذا التفسير، لكن قال تعالى: “إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ” الأصل أن الضمير يرجع إلى الأقرب والأقرب هو عيسى عليه السلام، كما قال ابن مالك:

والأصل أن يؤخر المفسر *** وبسوى الأقرب لا يفسر

أي أن الضمير يفسر بأقرب مذكور إلا نادرًا، كما في قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: “فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ”. فرجع الضمير إلى إبراهيم، لكن مع ذلك لا يستبعد أن يوجد تفسير بالشكل الذي ذكرته، لكن هذا لا ينفي أصلاً عودة عيسى، فهذا من الأدلة الحافلة وهي أدلة كثيرة تتضامن لتؤكد نزول عيسى عليه السلام.

                      الوحدة البنائية للقرآن

* موضوع الوحدة البنائية للقرآن ومراعاتها في قراءة النص القرآني، البعض يؤكد أنها تغير كثيرًا مما ألفه الناس، فمثلاً قوله تعالى “مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا” هناك من يؤكد عدم وجود دليل على النسخ المعروف في هذه الآية، ويؤكد طبقًا للوحدة البنائية أن سورة البقرة من الآية 39 إلى الآية 106 تعالج الظاهرة الإسرائيلية بكل ما فيها من بدايتها إلى نهايتها، وفي النهاية أي في الآية 106 قال “ما ننسخ من آية..”، أي من آية بني إسرائيل، حيث إنهم لم يعودوا صالحين لحمل الرسالة، “نأت بخير منها..” أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا النسق يمكن قراءة القرآن قراءة صحيحة، فما رأيكم في موضوع الوحدة البنائية، وما معيارها من وجهة نظركم..؟

– الوحدة البنائية إن كان لها أساس فهي عبارة عن السياق، فالقرآن به سياقات في الكلام بصفة عامة، والسياق له دلالته لكنها دلالة لا تتغلب على البناء اللغوي والنحوي؛ لأن هناك اقتضاءات نحوية، هذه الاقتضاءات النحوية لا يمكن أن يتغلب عليها السياق..

* فضيلة الشيخ.. مكانة السنة في التشريع، وكونها مصدرًا ثانيًا كما نعلم جميعًا، البعض يقول إن مقولة (السنة هي المصدر الثاني للتشريع) خاطئة، ويؤكد أن هذا التفكير أوجد عقلية تراتبية، بمعنى أننا بحثنا عن شيء في القرآن فلم نجده فتوجهنا إلى السنة فوجدناه فيها، وهذا فيه انتقاص للقرآن.. فكيف ترى أن السنة مصدر ثان للتشريع، هل هذا تَعدٍّ على القرآن؟

– لا أبدًا.. الله سبحانه وتعالى يقول: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى”؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم سواء في القرآن أم في السنة هو مبلغ، فكل ما يقوله من القرآن أو من نفسه في مجال التشريع أو في مجال البلاغ، هذا عن الله سبحانه وتعالى؛ لذلك لا محيد عنه، لكن شريطة أن يثبت بالأدوات التي يثبت بها الحديث، والحديث معلوم كما أشرنا أنه يتطرق إليه الاحتمال من جهة الثبوت، وهذا لا يتطرق إليه القرآن، ثم من جهة الدلالة يشترك الاثنان معًا في تطرق الاحتمال إليهما.

* نفس الحديث يقال أيضًا على الإجماع والقياس، كمصادر للتشريع، ليس لهما مكان لأن القرآن أصل؟

– الإجماع له أصل قرآني، والشافعي لما قرر مسألة الإجماع قال: إنها مأخوذة من قوله تعالى: “وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا”، وجادل في ذلك بعض المعتزلة وقالوا إن هذا لا يدل على حجية الإجماع.

نعم قالوا هذا وقالوا إن سبيل المؤمنين الإسلام وهو لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأنه معطوف على مشاقة الرسول، لكن متابعة العلماء لهذا القول واعتبارهم للإجماع حجة، مع ما ورد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يجمع رؤوس الناس فيستشيرهم كما في الدارين، وكذلك عمر رضي الله عنه كان يفعل كما ذكر ابن القيم، كل هذا يدل على أن الإجماع بدأ يروّج كدليل بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: “ما رآه المسلمون حسنًا فهو حسن”، فهذا يدل على الإجماع.. فالإجماع عند كثير من العلماء ليس دليلاً مستقلاً.

* وماذا يعني كونه ليس دليلاً مستقلاً..؟

– يعنى أن الإجماع يؤكد ظاهرًا من قرآن أو سنة، ووجود الإجماع يرفع من مستوى السنة الأحادية إلى القطع.. فالإجماع لا بد أن يعتمد على شيء.. على دليل من كتاب أو سنة أو قياسًا على مذهب الجمهور، خلافًا للشافعي، فالشافعي يرى أن الإجماع يستقل بنفسه ولا حاجة إلى دليل؛ لأن بعض العلماء قالوا إذا لم يوجد دليل فمعناه أنه يقدر الدليل.

الشافعي يرى أنه لا حاجة إلى دليل، بل هو مقدر لأن السنة لا تعزوه عن الأمة جميعًا، وقال ذلك بصراحة في الرسالة، وهو مذهب لبعضهم قاله الآمدي وغيره، وبعض العلماء قالوا إن الإجماع لا يحتاج إلى ما يستند إليه، وبعضهم قال يحتاج إلى مستند، لكن المستند الذي كان خاملاً الإجماع جعله ظاهرًا والذي كان ضعيفًا إلى حد ما الإجماع قواه.

ثم إن أمرًا آخر لا بد أن يكون واضحًا.. نحن لسنا في حاجة إلى هذا أبدًا، لسنا في حاجة إلى إضعاف الإجماع، لسنا بحاجة إلى تكسير هذه الأدلة، نحن بحاجة إلى توسيع الأوعية، توسعة الاجتهاد وأوعيته، الاجتهاد متاح بوسائل أخرى من خلال المقاصد، ومن خلال القيم والأدلة الكبرى التي ترسي قيم الإسلام، فيمكن أن نوسع تمامًا أوعية الاجتهاد دون أن ننكر على هذه المسلَّمات بالبطلان، وبالتالي توجد بلبلة فكرية دون أن يوجد بناء ليوضع مكان هذا الذي أزيل.

* على ذكر الاجتهاد وتوسيع أوعيته.. موضوع الأقليات المسلمة في الغرب.. فضيلتك تعرف بأنكم أحد من أسهموا في تنظير فقه لهذه الأقليات، نحن نريد أن نعلم على أي مرتكز يقوم فقه الأقليات؟

– فقه الأقليات ليس فقهًا مستقلاً عن أصول الفقه، الأصول التي يستفيد منها الفقه، فهو مأخوذ من الكتاب والسنة ومن الإجماع ومن القياس، الأدلة الكبرى بالإضافة إلى الأدلة الأخرى كالمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف والاستصحاب، هذه كلها أدلة تتضامن وتستنفر في عملية نحاول من خلالها أن نوجد للمسلمين فقهًا هو من الفقه لا شك في ذلك وليس خارج الفقه.

لكنه اجتهادات ميسرة تجعل الفقه جماعيًّا في هذه الديار، نتجاوز الفردية إلى الجماعية من أجل توطين الفقه في هذه الديار من جهة، ومن جهة أخرى من أجل تيسير الحياة على المسلمين فيما يخص العبادات والمعاملات، وكذلك فيما يخص التعايش والعلاقات مع الآخر، فنحن نعتمد على ثلاثة أنواع من الاجتهادات:

  • الاجتهاد المطلق أحيانًا وهذا نادر.

  • الاجتهاد الترجيحي الانتقائي وهذا هو الغالب، أي نرجح مسألة كانت ضعيفة أو قولاً كان مرجوحًا ليس عاريًا عن الدليل، ولكن قد يكون الدليل الآخر أقوى، لكن ليس عاريًا عن الدليل، نرجحه لمصلحة راجحة بناء على ضوابط ذكرها العلماء في الترجيح، فهذا نسميه اجتهاد انتقائي أو ترجيحي.

  • الاجتهاد الثالث هو تحقيق مناط، وهو عبارة عن اكتشاف وضع يمكن أن تنطبق عليه قاعدة، فهذا في الأصل هو تحقيق المناط، إلحاق مسألة بأصل وليس بفرع بمعنى أن تقاس على أصل وليس فرعًا، وهذا هو الفرق، هو نوعان، وهناك النوع الذي ذكره الشاطبي وهو تحقيق المناط في الأشخاص والأنواع، بمعنى أن تطبق على هذه الحالة حكمًا لا تطبقه على حالة أخرى بناء على ضرورة أو حاجة، وسماه تحقيق المناط في الأشخاص والأنواع، وهذا مما اختص به الشاطبي ولم يذكره غيره من الأصوليين.

فنحن نتعاون على تسهيل الحياة على المسلمين وتوطين الفقه لجعله جماعيًّا، وجعل العبادة جماعية وليست فردية، توجهات فقهية جماعية وليست فردية.

* لكن دعنا ننقل لفضيلتكم ظن بعض الاتجاهات أن هذا باب واسع لدخول كثير من التسهيلات على بعض الأمور التي يظن الناس أنها من الثوابت والتي لا يجوز أن تلغى بحال، فمثلاً البعض اعترض على فتاوى بقاء الزوجة مع زوجها النصراني، وغيرها.. فما مساحة الثوابت إذن في هذه المنطقة؟

– مساحة الثوابت حاكمها هو الانضباط بأدوات الانضباط عند العلماء والثبوت، ثبوت قيام الاحتمال والترجيح من خلال التأويل، أو من خلال الترجيح من جهة النظر أو من الناحية المقاصدية..

فنحن لدينا أدوات نتعامل معها هي الأدوات المنضبطة التي أجمعت عليها الأمة، وهي أصول الفقه، نتعامل معها بكثير من الانتقاء والاهتمام، حيث إن القول الضعيف مثلاً لا نعمل به إلا إذا ثبتت فيه ثلاثة شروط:

  • الأول: أن تكون الحاجة ماسة فندرس أولاً الوضع بالنسبة لهذه القضية.

  • الثاني: أن يثبت قائل لهذا القول بحيث لا يكون عاريًا عن الدليل.

  • الثالث: أن يكون هذا القائل ممن يُقتدى به.

بهذه الشروط الثلاثة التي قال بها المالكية بشرط ألا يكون ضعيفًا جدًّا، وأن يعرف قائله وأن تثبت الضرورة هنا أي الحاجة، بهذه الشروط الثلاثة أخذنا وطبقناها، وبخاصة في قضية المرأة؛ لأن المقصد العام هو المحافظة على إسلامها، فأكثر النساء يدخلن الآن أفواجًا في ديار الغرب.

فإذا أغلقنا هذا الباب رجعت بعض النساء عن الإسلام، وكذلك تخاف النساء من دخول الإسلام؛ بسبب علمها بضياع أسرتها وتشتتها، وهذا ما انتبه إليه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: “يكفي تخويفًا لها أن تعلم بأنها ستطلق إذا أسلمت”. فانتبه رحمه الله لهذا المقصد.

فهذا المقصد بالإضافة لما ثبت عن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما يعضدان الأمر، ثم إن نص القرآن يقبل بذلك قال تعالى “لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ” وهذه واردة في الممتحنة، ولها وضعها الخاص حيث إنها جاءت من بلاد محاربة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وترك زينب في ذمة أبي العاص رضي الله عنه حتى ردها إليه بالعقد الأول فهذا مع هذا، وما ورد أيضًا عن بعض التابعين، كل هذا يدل على أن المسألة ليست عارية عن الدليل، وإنما فيها دليل، والحاجة قائمة للمسلمين في هذا المجال.

* يبقى السؤال أيضًا شيخنا.. من يصلح لهذا العمل، بمعنى من يصلح للاجتهاد، بعيدًا عن الضوابط الموجودة والمعلومة في كتب الفقهاء؛ لأن ادعاء العلم أصبح أمرًا سهلاً ميسورًا؟

– صحيح.. لكنني أؤكد أن هؤلاء العلماء الذين يدعون العلم لا بد أن يقتنعوا بهذه الأدوات التي وضعها الأولون، وأن هذه الأطر الثابتة منذ أربعة عشر قرنًا هي الأطر المناسبة والملائمة والتي يمكن من خلالها أن نقدم ثمرة استثمار الأدلة كما يسميها أبو حامد الغزالي، أن نستثمر هذه الأدلة، وأن تكون رؤيتنا واضحة بالنسبة لهذه الأدوات، أن نقول هذا رجح لكذا وهذا بسبب كذا، بالألقاب التي يعرفها العلماء، الألقاب الأصولية، أما أن نقول: هذا جائز لكذا يعني للقب ليس معروفًا عند الأصوليين بالتشهي والاستحسان هذا ليس مقبولاً أبدًا.

أنا أدعو إلى الانضباط، وأدعو إلى مراجعة أصول الفقه مراجعة جيدة، أي التعرف على أصول الفقه من جديد وليس مجاوزة أصول الفقه، نحن لسنا بحاجة لأدوات جديدة، الأدوات التي عندنا والأوعية التي عندنا أوعية جيدة جدًّا، فقط تحتاج إلى من يراجعها مراجعة منضبطة لننتج من خلالها أحكامًا.

* تقصد أن ننتج أحكامًا لا أن نهدم أحكامًا؟

– نعم ننتج لا أن نهدم، نستنبط ونستنبت، نستنبط مقاصد ونستنبت أحكامًا.. هذا هو الطريق الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم.

أوهام حول الإسلام

حوار مع قناة الجزيرة حول تطبيقات الفقه الإسلامي في الواقع الغربي


تطبيقات الفقه الإسلامي في الواقع الغربي
مقدم الحلقة: عثمان عثمان
ضيوف الحلقة:
– عبد الله بن بيه/ نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
– سلمان العودة/ عضو المجلس الأوروبي للإفتاء
– عبد المجيد النجار/ الأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء
تاريخ الحلقة: 4/7/2010

————
– تحديات الفقه الإسلامي في الغرب
– دور الالتزام بالفقه في تميز الشخصية الإسلامية
– فقه الأقليات وأثره على مسلمي الغرب


عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا ومرحبا بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة والتي تأتيكم من اسطنبول، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {..وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101] ويقول عز من قائل {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ..}[المائدة:49] يواجه المسلمون في الغرب تعقيدات متزايدة تتطلب اجتهادا فقهيا ملائما بحيث يحافظ على استمرار سلطان الدين والتدين حتى لا يتحول الفقه إلى آصار وأغلال تشل حركة المسلم الذي يعيش في الغرب ويواجه تحديات ومغريات كثيرة، فما ضرورات الوجود الإسلامي في الغرب؟ وكيف تجاوب العلماء مع المشكلات الفقهية التي تعترض مسلمي الغرب؟ وما حقيقة فقه الأقليات؟ “تطبيقات الفقه الإسلامي في الواقع الغربي” موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة والتي نستضيف فيها كل من فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه وفضيلة الدكتور عبد المجيد النجار وفضيلة الدكتور سلمان العودة وكلهم أعضاء في المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث، مرحبا بكم سيدي وضيوفنا الأفاضل. فضيلة الشيخ يعني لو نبدأ معكم، الفقه الإسلام نشأ محكوما إلى تصورات وواقع وسلطة إسلامية، يعني ما هي التحديات التي تواجه الفقه الإسلامي خارج أرضه إن صح التعبير؟

تحديات الفقه الإسلامي في الغرب

عبد الله بن بيه: بسم الله الرحمن الرحيم، الله صلي وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. التحديات يمكن أن نقول إن كل فقه وكل عمل وكل فكر يواجه دائما تحديات عندما يلتقي ببيئة أخرى وينتقل إلى مجالا آخر، خذ مثلا الفلسفة اليونانية عندما نزلت في ساحة العالم الإسلامي فإنها واجهت تحديات في علم الكلام، على أساس ملاءمته بين هذه الفلسفة وبين مقولات دينية، ثم لما انتقلت بعد ذلك الفلسفة الإسلامية إلى الغرب واجهة تحيدات أخرى لأنها انتقلت إلى بيئة لها معتقدات وخلفيات فكرية ليست هي كتلك المعتقدات والخلفيات. الفقه الإسلامي نشأ في بيئة مسلمة وبالتالي الظروف والشروط التي تحكم هذا الفقه لا شك أنها تختلف من بيئة إسلامية إلى بيئة غير إسلامية، لكن لحسن الحظ أن الفقه الإسلامي يشتمل على نوعين من الخطاب، على خطاب التكليف وخطاب الوضع، خطاب الوضع يقيد خطاب التكليف ويطلقه ويعممه ويخصصه لأنه عبارة عن الشروط والأسباب والموانع، هذه المرونة الحاصلة بمزج خطاب التكليف بخطاب الوضع تجعل الفقه الإسلامي قادرا على مواجهة كل البيئات لأن شروط تطبيق الأحكام في كل بيئة يستجيب لها الفقه، أو الموانع من التطبيق أو الأسباب الحاملة على التطبيق، لأوضح الفكرة أقول إن الأحكام معلقة حتى تجد واقعا مشخصا لتقع عليه، المهم هو مرونة الفقيه، كيف يستيطع الفقيه أن يطبق هذه الأحكام على هذا الواقع، هنا يختلف الأمر لأن الأحكام كانت تطبق في واقع آخر وبالتالي الموروث الذي يتلقاه الفقيه قد يربكه عندما يجد بيئة أخرى، لكن يبقى أن هذه الأحكام يمكن أن تطبق بشروط وأسباب وموانع، يلاحظها الفقيه عندما يجد بيئة معينة.

عثمان عثمان: في البيئة الغربية الآن هناك تحديات لا شك في موضوع تطبيقات الفقه الإسلامي، أبرز هذه التحديات.

عبد الله بن بيه: التحديات كبيرة، أولا هناك قوانين هي منافسة للفقه الإسلامي، لأن المجالات التي تنطبق فيها هذه القوانين هي نفس المجالات التي ينبغي أن ينطبق فيها الفقه، إذاً الفقه كقانون يطبقه المسلم في حياته وفي معاملاته يجد أمامه قانونا آخر ينطبق على نفس القضايا وهو يناقض أو ينافي أو لا يلائم تماما يعني بحسب درجة العلاقة بينه وبين الفقه الإسلامي، فهذا أكبر تحد، تحد ثان هو أن البيئة الغربية بيئة لا تعرف يعني فلسفتها هي أن الإنسان يشرع لنفسه وبالتالي لا يقطع في تشريعه لشيء، لما ورائي أي للتشريعات السماوية، التحدي الثالث هو الأعراف والتقاليد في هذه البلاد هي أعراف وتقاليد تختلف كليا أو جزئيا ولكن الغالب أنها تختلف بقوة عن الأعراف والتقليد في العالم الإسلامي.

عثمان عثمان: نعم، يعني هذه أبرز ثلاث تحديات تواجه الفقه الإسلامي في الواقع الغربي، فضيلة الدكتور سلمان العودة يعني لماذا الفقه الإسلامي؟ ما الوظائف المتوخاة من هذا الفقه هل هي نفسها مطلوبة في الغرب؟

سلمان العودة: بسم الله الرحمن الرحيم. هو الفقه كما هو معروف هو معركة الأحكام الشرعية من أدلتها من نصوصها، وحينما نقول الأحكام فإننا نقصد بذلك هو الموقف الشرعي من المجريات ومن الأحوال ومن النوازل ومن فعل الإسلام، فلذلك الفقه الإسلامي هو فرع عن الشريعة هو طبعا في الأصل يشمل كل المعارف الشرعية كانت فقها، ثم أصبح يطلق على الأحاكم التفصيلة على وجه الخصوص في قضية الحلال والحرام والفتوى واحتياج الناس إليها. المسلمون في الجملة عندهم قدر من الالتزام لأن كونه متدينا يعني أن عنده قدر من الالتزام بأحكام الله، لكن هناك قطاع عريض جدا من المسلمين ربما يلتزمون في قضايا تعبدية أو في كليات وكثير من التفاصيل ربما يفعلونها بمقتضى المزاج أو الذوق أو الثقافة السائدة عندهم أو الهوى أحيانا ويكون فيها الخطأ وفيها الصواب، ولذلك لا شك أن الحياة أوسع من الفقه بكثير، من حيث الفعل، وهذا الفعل الذي يعمله الناس سواء كان خطأ أو صواب له تأثير وله مردود في النهاية فمن هنا حتى في البيئات الإسلامية تجد آثارا لم يكن الفقه الإسلامي هو الذي صنعها ولكنه يحتاج إلى أن يعالجها، هي نتيجة بعض أخطاء من الناس سواء أخطاء من الحكام أو من العامة أو من التجار أو من الشباب أو من المرأة، ولكنها تحتاج إلى معالجة فإذا انتقلت إلى بيئة أخرى هي أصلا بيئة غير إسلامية وقامت على نظام غير النظام الإسلامي سواء في إدارتها السياسية أو في ثقافتها أو في الإعلام الذي أصبح يهيمن على..

عثمان عثمان: الحياة الاجتاعية والاقتصادية حتما.
سلمان العودة: الحياة الاجتماعية أيضا وطبيعة العلاقات والعقود، الحياة الاقتصادية أيضا والنظام الاقتصادي العام، فهذه البيئات الغربية سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأميركية أو في أي مكان في العالم هي مجتمعات لها قوة ولها تيار قوي جدا، المسلمون موجودن في أوروبا، وليسوا طارئين على أوروبا، وإنما كثير منهم هم مواطنون ومن أوروبا نفسها يعني من المسلمين الأوروبيين أو من الأتراك والعرب الذين..

عثمان عثمان: خاصة في كوسوفو والألبان..

سلمان العودة: أو من الأتراك والعرب والجنسيات التي هاجرت إلى أوروبا واستقرت هناك وأصبحت تنتمي إلى ذلك المجتمع، فمن هنا في طبيعة الحال هي تواجه وضعا مختلفا عما تواجهه في مجتمعاتها الأصلية، لأن المجتمع الأصلي حتى لو كان فيه بعض التفريط أو التقصير وهذا شيء طبيعي وأصبح مألوفا في أي مجتمع إلا أن المجتمع مثلما نجده نحن هنا في تركيا حيث تبث هذه الحلقة تسمع أصوات الآذان ترى المساجد ترى عددا من القيم الإسلامية، انتشار الحجاب إلى حد ما والقوانين تتساوق شيئا فشيئا مع رغبة الناس وطموحهم وإصرارهم وإرادتهم، لكن في الغرب قد يواجهوا مشكلات مختلفة، نجد في أوروبا قضية الحجاب، قضية النقاب، قضية أكل الحلال، في مسائل كثيرة جدا، طبعا على الصعيد الشخصي للمسلم العادي دعك من المسلم الذي لديه طموح أن يكون مؤثرا وفاعلا في تلك المجتمعات.

عثمان عثمان: وظيفة الفقه في التعامل مع مثل هذه الحالات هو ضبط هذه الحالات وفق شرع الله عز وجل.

سلمان العودة: هذا صحيح، يعني الفقه هنا سيكون هداية للمسلم الذي يريد أن يعرف الحلال والحرام لأنه في مجتمع آخر، مجتمع غير إسلامي، فهو يبحث عن الحلال في المأكل في المشرب في الدخول في الخروج في البيع في الشراء في اللباس، في أشياء كثيرة جدا يبحث عن الحلال والحرام فيها يعني.

عثمان عثمان: فضلة الدكتور عبد المجيد النجار يعني الإسلاميون بدوا حريصين في كل وقت على الانتشار الإسلامي في الدول الغربية، ما هي ضرورات هذا الانتشار، ما هي مقاصده؟

عبد المجيد النجار: بسم الله الرحمن الرحيم.يعني وجود المسلمين في البلاد الغربية وفي أوروبا خاصة لم يكن يعني وجودا مخططا بقصد مسبق، وإنما الظروف عبر سنوات وسنوات هي التي أدت إلى هذا الوجود الإسلامي سواء تمثل في المسلمين الأصيلين في البلاد مثل المسلمين الموجودين في أوروبا الشرقية أو في هجرات متتالية بأسباب مختلفة إلى أوروبا الغربية من قبل المسلمين، فهذا التراكم في وجود المسلمين في الغرب أفضى إلى حجم متزايد وربما حتى مستارع في تزايده في أوروبا فأصبح عدد المسلمين في أوروبا لا يقل عن خمسين أو ستين مليون من المسلمين.

عثمان عثمان: طبعا نتحدث أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية.

عبد المجيد النجار:  نعم. هذا الوجود كان في أول الأمر شبه وجود فردي يعيش المسلمون فرادا، ولكن بالتطور والتراكم أصبح هؤلاء المسلمون يعيشون جماعة، وأصبحت لهم حاجات جماعية سواء في عباداتهم أو في معاملاتهم، وهذا اقتضى لكي يكونوا مسلمين اقتضى منهم أن يكون لهم فقه يراعي هذه الأحوال الجديد وهذه الأوضاع التي هم فيها أقلية مسلمة كما تفضل الشيخان منذ حين باعتبار أنهم أصبحوا مسلمين يريدون أن يكونوا مسلمين في حياتهم ولكنهم يعيشون في مجتمع يحكمه سلطان القانون بل وسلطان اجتماعي وثقافي قد يختلف كثيرا أو قليلا بل قد يتناقض كثيرا أو قليلا مع مقتضيات الفقه الإسلامي والشرع الإسلامي.

عثمان عثمان: دكتور يعني حتى لا نخوض في تفاصيل هذا الموضوع إنما نؤخره لمرحلة لاحقة، ضرورة وجود الإسلام في الغرب، يعني في الأول كان الهجرة فردية أو وجود فردي الآن نتحدث عن وجود جماعات ومجتمعات يعني هل لهذا الوجود غايات ووظائف معينة؟

عبد المجيد النجار: بطبيعة الحال الوجود الإسلامي في الغرب وقد أصبح على هذه الحجم غايته أول ما تكون الغاية هو أن يكون هؤلاء المسلمون مسلمين يطبقون شريعة الله في حياتهم وفي معاملاتهم ثم بعد ذلك هؤلاء المسلمون بهذا الحجم وبهذا التمدد أصبحت لهم رسالة المسلم أينما كان فهو شاهد على الناس فما بالك إذا كان مثل هذا الحجم فهم ينبغي أن يكونوا ومن مقاصدهم التي ينبغي أن يأخذوها بعين الاعتبار أن يكونوا شهداء على الناس باعتبار وعلى معنى أن يقدموا للمجتمع الذي يعيشون فيه انموذجا حضاريا في مجالات حياتهم المختلفة يكون على مرأى ومسمع قريب من أهل البلاد الأوروبية ليعرف هؤلاء الأوروبيون هذا الإسلام عيان ومعاشرة وملاحظة قريبة عوضا أن يسمعوا به من خلال كتابات ومن خلال أقوال قد تكون ناقلة للإسلام على غير حقيقته.

عثمان عثمان: دكتور يعني أنتم في أوروبا لمدة أكثر من عقد ربما من الزمن، ما هي أبرز التحديات التي تواجه الوجود الإسلامي الآن في أوروبا؟

عبد المجيد النجار: تحديات كثيرة وكثيرة جدا، تحديات أسرية إذ الأسرة في المجتمع الغربي المجتمع الأوروبي تتعرض لتحديات في هذا المجتمع الذي قيمه وثقافته وطرقه في الحياة مخالفة لمقتضيات الأسرة الإسلامية هناك تحديات اقتصادية كبيرة إذا القانون الذين يحكم هذه الحياة الاقتصادية يقوم على الاقتصاد الغربي الذي يجد أو يكون فيه يعني تناقضات أو مناقضات كثيرة لمقتضيات الاقتصاد الإسلامي، فإينما التفت في حياة المسلم فإنك تجد تحديات ولكن بمرور الزمن كما قلت وبنضج المسلمين وبمؤسسات قامت إسلامية شرعية فقهية ترشدهم أصبحت هذه التحديات تعالج بمرور الزمن شيئا فشيئا.

دور الالتزام بالفقه في تميز الشخصية الإسلامية

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه يعني يبدو من حديث الدكتور النجار أن معظم المشكلات التي يواجهها المسلمون في الغرب هي ذات طابع فقهي، هل بالفقه وحده تحيا الجماعة، هل الشخصية الإسلامية تتميز عن غيرها بالالتزام بالأحكام الفقهية؟

عبد الله بن بيه:: بالتأكيد هي ذات طابع متشعب، هي شعب كثيرة، منها مشكلة البطالة، مثلا المسلمون قد لا يجدون عملا، منها مشكلات الاندماج في المجتمع والعلاقات مع المجتمع والتمييز العنصري في التوظيف، لكن الجانب الذي نتحدث عنه هنا هو الجانب الفقهي أو جانب الدين في حياة الإنسان، جانب الدين في حياة الإنسان هذا جانب له أهمية كبرى بالنسبة للمسلم وبينما في الغرب لا يقيموا وزنا لهذا الجانب، المسلم يستفتي عن كل شيء لأنه يرى أن المرء عليه ألا يعمل عملا حتى يعلم حكم الله فيه، وهو يستفتي في أحكام العبادات والصلاة والصوم والحج والزكاة لكنه يستفتي أيضا في أحكام الزواج والطلاق والعلاقة مع الأبناء والعلاقة مع الأصهار وكل هذ هالجوانب يسأل عنها كما يسأل أيضا عن المعاملات عن القضايا الربوية، كيف يتعامل مع البنوك كيف يتعامل بقضايا فيها غرر وجهالة، مفسدات العقود التي لا تقيم لها القوانين الوضعية وزنا، طبعا المشكلات كثيرة، طبعا الفقهية معناها الأحكام الشرعية، يعني الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية التي ترجع إلى الاجتهاد، هذا التعريف الذي رسا عليه الفقه متأخرا لأن الفقه نشأ في نهاية القرن كمدونات، يعني بعد القرن الأول بدأ تدوين الفقه مستقلا عن الحديث وعن القرآن، فهذا الفقه لحسن الحظ هو اجتهاديات، أكثره اجتهاديات القطعيات أو القواطع قليلة والاجتهاديات هذه تسمعه بتبييئه –إذا صح التعبير- في بيئات مختلفة، التكيف مع هذه البيئات، يقول ابن رشد رحمه الله تعالى إن لله أحكاما لم تكن أسبابها قائمة فإذا وجدت هذه الأسباب نزلت الأحكام عليها، ويقول كذلك عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية بحسب ما أحدثوا من الفجور، إذاً هذه القضايا على الفقيه أن يوجد حكما لها، ليس بالشرط أن يكون على الحكم في طريق التيسيير، الحكم قد يكون تيسييرا لكنه قد يكون أيضا ضد التيسيير، التيسيير يجب أن يكون منضبطا.

عثمان عثمان: الالتزام بالأحكام الفقهية فضيلة الشيخ ما دوره في إبراز الشخصية الإسلامية سواء للفرد أو للجماعة؟

عبد الله بن بيه: هو مهم جدا أن الإنسان تكون له خصائص ومقومات وقيم يؤمن بها لأنه بدون هذه القيم يفقد هويته الأصلية وبالتالي يذوب ويندمج في المجتمع اندماجا عشوائيا إذا صح التعبير، اندماجا أعمى وبالتالي الآن هناك المشكلة الاقتصادية الآن في الغرب بعض الغربيين وأظن سمعتها من الدكتور عبد المجيد الذي هو معي وقد يصحح، قال لهم أيها المسلمون احتفظوا بخصائصكم في المعاملات المالية لأن هذه أفضل، عليكم ألا تتنازلوا عنها لأن الغرب الآن مقبل على المصرفية الإسلامية على المالية الإسلامية بسبب الفلس الذي وقع في الأزمة الاقتصادية الكبرى والتي مردها إلى بيع الديون ومردها إلى الغرر والجهالة، القمار، ومردها إلى الربا، هذه كلها هي المفسدات التي وضعها الشارع وقال هذه لا يجوز التعامل بها، الغربيون الآن أفاقوا ووجدوا أنفسهم في اقتصاد لا يمكن أن يكون بسبب هذه العيوب وبسبب هذه الأمراض، فبدأ بعضهم عقلاء أو رجال فكر أو رجال اقتصاد بدؤوا يلجؤون إلى الاقتصاد الإسلامي، محل الشاهد أن الخصائص هذه يجب ألا يتنازل عنها الإنسان، بمعنى كلما هبت ريح لا يجوز لنا أن نرمي أوراق الشجرة أو نرمي الريش إذا كان عندنا ريش، علينا أن نحاول أن نقف أمام هذه الريح ولكن بشيء من المرونة أن نميس مع هذه الرياح بشيء من المرونة، فقه الأقليات..

سلمان العودة:: أصلها ثابت وفرها في السماء.

عثمان عثمان: نعم. فقه الأقليات يوفر هذه المرونة، يوفر المخارج لهذا كان فقه الأقليات حدثا هاما جدا لأنه هو فرع هذه المخارج للمسلمين وعلمهم كيف يسيرون وكيف يتعاملون فيما بينهم وكيف يتعاملون مع الآخر وبالتالي أبان لهم السبل وأوضح لهم الطريق.

سلمان العودة: أحب بس أستاذ عثمان أولا مسألة التحديات قبل ما أنسى.

عثمان عثمان: تفضل.

سلمان العودة:  أعتقد أن هذا لون من التحديات ولكن في لون آخر وهي التحديات التي حملها المسلمون معهم إذا كانوا قادمين من بلاد أخرى وهذه لا تقل خطورة فأنت تجد أن كل العيوب الموجودة في البلاد الإسلامية والمجموعات الإسلامية سواء كانوا من البلاد العربية أو من الهند أو بنغلاديش أو من تركيا أو من إيران أنهم حملوا معهم عيوبهم وحملوا معهم جوانب من الثقافة السلبية الموجودة هناك، ولذلك تجد مثلا من أكثر التحديدات قضية الخلاف بين المسلمين، لما ننظر مثلا في قضية الهلال دخول رمضان وخروج رمضان، أحيانا في البلد الواحد يعني يصومون على فترات ثلاثة أيام، أو يعيدون عيد الفطر في أيام مختلفة، حتى العيد كيف يفرحون به أو العبادة كيف يؤدونها لم يصل المسلمون إلى نوع من الاتفاق بينهم، هذا فقط نموذج وطبعا في جوانب أخرى مثلا لو نظرنا في قضية الزواج، الزواج تحدي صعب جدا في الغرب، كيف يتزوج الإنسان الشباب والبنات الذين أمامهم المغيرات يعني تقول هيت لك في كل مكان، مع ذلك فكرة التزويج كيف يمكن أن تتم، يا أخي بعض المسلمين تجد أنه يخطط أنه إذا البنت بلغت يحاول أن يرجع بها إلى بلدها حتى يزوجها هناك.

عثمان عثمان: وهذه تحصل كثيرا.

سلمان العودة: أو إذا أراد الولد أن يتزوج يقول له ترجع إلى بلدك لتتزوج من بلدك. وخلال هذا يقع الكثير من الانحرافات وكثيرا من الأخطاء، فهذه نقطة، قضية التحديات التي حملها المسلمون معهم من بلادهم وربما حتى لم يستفيدوا من البيئة الأوروبية، أوروبا هنا طورت نظاما راقيا في قضية التعامل مع التعدد والاختلاف ولذلك نجحت في ضبط هذه الخلافات ولجمها وتحويلها إلى مصلحة.

عثمان عثمان: هذه النقطة الأولى فضيلة الدكتور، النقطة الثانية ربما نتابعها بعد الفاصل. فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام أهلا وسهلا بكم من جديد إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة والتي تأتيكم من اسطنبول وعنوانها تطبيقات الفقه الإسلامي في الواقع الغربي. فضيلة الدكتور كنتم تتحدثون عن تحديات تواجه المسلمين في الغرب، تحديات حملوها معهم. النقطة الأخرى؟

سلمان العودة: نعم. كان عندي نقطة أخرى وهي أن سماحة الشيخ عبد الله بن بيه ذكر كلمة عمر بن عبد العزيز الذي يقول يجد للناس من الأقضية بقدر ما يجد لهم من الفجور، وهذا كأنه يشير إلى عملية الردع أحيان أو المنع، منع الناس من الحمى أو الكلأ المسموم بسبب وجود الدوافع والمغريات لهم، ولكن في الوجه الآخر الذي أيضا ذكره الشيخ..

عبد الله بن بيه: كما تحدث لهم ترغيبات بحسب ما أحدثوا من الفتور.

سلمان العودة: من الفتور، أي أبو سعيد بن لب الذي هو شيخ الشاطبي

عبد الله بن بيه: نعم تمام.

سلمان العودة: يقول يحدث للناس ترغيبات بقدر ما يحدث لهم من الفتور، وهذا حقيقة ممكن أن يكون فتح في الفقه الإسلامي، أن الفقه ليس فقط ملاحقة أحوال الناس في القضايا التفصيلية بل الفقه ممكن أن يصنع دافعية للناس، الغرب عالم يضج بالابتكارات عالم الثورات التقنية المتلاحقة التي شهدتها أوروبا ثم انتقلت إلى أميركا ثم انتقلت إلى اليابان وفي الماضي تجد عبر مثلا سبعة آلاف سنة ربما يمر الناس بقرون متطاولة دون أن يكون عندهم جديد، لكن الآن كل بضع سنوات ربما يكون هناك ثورة تقنية جديدة يشهدها العالم وتغير وجه التاريخ ووجه الحياة الإنسانية في كل بلاد العالم، فالحق يقال إنني أعتقد أن مهمة الفقه لا يجب حصرها في جزئيات معينة بل ينبغي أن تتطور من أجل تصنع دافعية عند المسلم خاصة في الغرب أن يشعر بالتحدي، لا ينظر، لأن الواقع كثيرا من المسلمين ينظرون إلى الغرب على أنه ذلك الغرب الكافر، بينما في الواقع أن هذه الحضارة هي ليست حضارة كافرة، هي تراكم إنساني، هي إنتاج رائع لإبداع الإنسان عبر عصور متطاولة والعرب الفراعنة المصريون المسلمون اليونان الكل ساهم في إبداع هذه الحضارة وإنجازها فليست هي محمدة لفرد دون آخر أو شعب دون غيره، ومن هنا النظر إلى الجوانب الإيجابية في تلك الحضارة والدخول في ميدان المنافسة أعتقد أنه مهمة جسيمة من مهمات الفقه.

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني كان الحديث وما زال عن الأقليات الإسلامية في الغرب طبعا هذا المصطلح ربما يثير إشكالات مع الأنظمة الحاكمة في الغرب، الحديث عن فقه الأقليات والذي بشكل أو بآخر يميز المسلمين في الغرب عن غيرهم ويعكر المواطنة إذ كيف يكون المسلمون جزءا من أمة إسلامية كبيرة وفي نفس الوقت يعني هؤلاء المسلمون جزء من الدولة التي يعيشون فيها؟

سلمان العودة: هو هذه مشكلة فعلا أنا أعتقد أن الإعلام الغربي مسؤول جزئيا عن هذه القضية، في الأسبوع الماضي أو هذا الأسبوع الذي نحن فيه في أميركا في زوبعة شديدة حول فتوى تتعلق بتعامل المسلمين ومواقفهم في قضايا شخصية، بينما ربما القانون القانون نفسه يضمنها لهم من حيث الأصل لكن الإعلام أحيانا وخاصة إذا كان إعلام هوليودي أو إعلام يسيطر عليه بعض الصهاينة يحاول أن يبدو المسلمون كما لو كانوا جزيرة مستقلة في وسط هذا البحر المحيط بهم، وإلا هذه أشياء حقوق لهم تتعلق مثلا بجوان شخصية جوانب تعبدية جوانب مهمة ودينية للمسلمين يفترض أن القانون يحفظ لهم تلك الحقوق وأظن أننا حينما نتكلم عن فقه الأقليات لا يجب أن يذهب بنا الظن بعيدا أن فقه الأقليات يعني فعلا صناعة أسوار للمسلمين، بالعكس فقه الأقليات هو ذلك الفقه الذي يساعد المسلمين على التكيف وعلى الاندماج والتعايش في المجتمعات الغربية دون أن يفقدوا هويتهم الإسلامية ودون أيضا أن يتحولوا إلى حالة من الجمود والانكفاء على الذات.

فقه الأقليات وأثره على مسلمي الغرب

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني هناك كما ذكرتم تحديات كثيرة تواجه المسلمين تثير مشكلات حتى مع الآخرين بفضل الخصوصيات الإسلامية يعني نتحدث عن إظهار الشعائر والرموز الإسلامية كالمآذن والخمار، نتحدث مثلا عن ازوداجية الشريعة والقانون، العمل في محلات بيع الخمور وغيره والبنوك الربوية، يعني هناك مسائل كثيرة كيف تتعاملون من خلال وجودكم في الغرب مع مثل هذه الإشكالات والمسائل؟

عبد المجيد النجار:  نتعامل معها بهذا الفقه الذي نتحدث عنه والذي سميناه وسمي بفقه الأقليات فهذه أوضاع قد يجد المسلم فيها فردا أو جماعة في حرج أو في ضرورات وأحيانا في مخالفات لما تقتضيه أحكام الشرع فبالتالي لا بد من أن تكون له أحكام شرعية تعالج هذه الأوضاع وهذه الحالات ومن هنا حدث منذ بعض الزمن هذا المصطلح الذي هو مصطلح فقه الأقليات، ولا مشاحة في المصطلحات، هذا الفقه أمر ضروري وأمر مشروع بالرغم من أن البعض له احترازات من هذا المصطلح.

عثمان عثمان: هناك من سماه دينا جديدا.

عبد المجيد النجار:  نعم. إلا أن هذا الفقه ينبغي أن نتصور -فقه الأقليات- أنه ليس فقها معزولا أو مبتوتا عن الفقه الإسلامي بل هو ضمن الفقه الإسلامي في مقاصده في أصوله في قواعده، ولكنه فصل من فصول هذا الفقه، كما نجد فقه المسافر وفقه المرأة الذي يعتبر ويأخذ بعين الاعتبار لحالات تتعلق بهذه الأصناف من المسلمين فإننا نجد فقه الأقليات الذي يتعلق بهؤلاء المسلمين من ذوي الخصوصيات في أوضاعهم الحياتية إلا أننا نحن الآن وربما نتحدث بعد قليل عن المجلس الأوروبي للافتاء أصبحنا نفهم ونعمل في فقه الأقليات على أنه ليس فقها يقتصر فقط على الفتوى الجزئية المتعلقة بتفاصيل صغيرة من حياة المسلمين وهي مهمة، كتفاصيل بعض العبادات أو بعض أحكام الأسرة، بل مع هذا وهو أمر ضرورية أصبحنا نفهم وندعوا ونتجه في فقه الأقليات إلى وجهة كان منذ حين يتكلم عنها فضيلة الدكتور سلمان وهي ما سميناه أحيانا بالفقه الحضاري، بمعنى أننا نريد أن نوجه المسلمين في أوروبا بفقه وبفتاوى تدفعهم لأن يكونوا شركاء حضاريين في هذا المجتمع الذي يعيشون فيه بحيث يوائموا حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مواءمة إسلامية فينتجون، فيصبحون بهذا التوجيه الافتائي أو الفقهي يصبحون منتجين ومعمرين ومشتركين مع دولة المجتمع في التنمية الحضارية والتنمية الإنسانية بأبعادها المختلفة.

عثمان عثمان: ولكن ألا ترون أن فقه الأقليات فضيلة الدكتور ربما يؤثر على عالمية الإسلام؟

عبد المجيد النجار:  لا، لا يؤثر على عالمية الإسلام، الإسلام هو عالمي والفقه الإسلامي يشمل هذه العالمية بأبعادها المختلفة ولكن هذا الفقه ضمنه فروع وفصول تراعي الأوضاع التي يكون عليها المسلمون في هذا المكان أو ذاك في هذا الوضع أو في ذاك، فالعالمية قائمة ولكن بمقتضى تنوع العالمية يكون تنوع هذه الفصول من الفقه في نطاق الفقه الإسلامي العام في مقاصده في قواعده في أصوله.

عثمان عثمان: يعني فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه طبعا نعرف أن فقه الأقليات تعرض لسهام هناك انتقادات من البعض لهذا الفقه، لو أردنا أن نؤصل المسألة علام تأسس فقه الأقليات؟ ماهي الأسس التي قام عليها والقواعد؟

عبد الله بن بيه: فقه الأقليات كما قال الإخوة هو جزء من الفقه الإسلامي لكن بناء على الإكراهات أو الضرورات الخاصة بهذه الأقليات هناك جملة من القواعد تنطبق على هذا، خذ مثلا قاعدة المشقات تجلب التيسير، خذ قاعدة الضرورات تبيح المحظورات خذ قاعدة الحاجات تنزل منزلة الضرورات، خذ قاعدة النظر في المآلات، خذ قاعدة تحقيق المناط في الأشخاص والأحوال، جملة من القواعد هذه القواعد تنطبق في كل الفقه في الأقليات والأكثريات، ولكن مساسها بحالة الأقليات إذا أردنا نجعلها تأصيلا لفقه الأقليات بمعنى أن هذه الإضافة ليست إضافة تؤدي إلى تخصيص كامل بل هي إضافة الشيء إلى ما له به علاقة، العرب يقولون

وقد يضيفون لأجلها ملتبس
ككوكب الخرقاء لاح بقبس

شاعر يقول

يا كوكب الخرقاء لاح بسحره
سهيل أذاعت غزلها بالقرائب

سهيل نجم في السماء نسبه إلى زوجته الخرقاء التي لا تعرف الغزل، فسماه كوكب الخرقاء. ما هي العلاقة بين هذه المرأة.. وفي القرآن الكريم {..عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا..}[النازعات:46] أضاف العشية إلى الضحى، فلا يوجد إشكال، علينا أن نفهم أن هذا الفقه هو عبارة عن فقه إسلامي له مساس بحالات الضرورة والاضطرار وبحالات الحاجات وبحالات المشقات وهو ينقسم إلى فرقين كبيرين، فرق يتعلق بقضايا جزئية وفرق يتعلق بقضايا كلية، وبقضايا أحيانا استصلاحية، بمعنى أن تأصيل هذا الفقه يرجع إلى الأصول المعروفة التي هي الأخذ من الكتاب والسنة مقتضيات الألفاظ أو القياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان والنظر في المآلات كل هذه أدلة عامة للفقه الإسلامي ولكن لها جوانب نطبقها في مجالات فقه الأقليات عندما نريد تطبيقها، والفرق الآخر أو الجانب الآخر هو فقه انتقائي بمعنى أننا ننظر إلى أقول العلماء السابقين وآراء السلف لنأخذ منها ما يناسب أحوال هؤلاء، مثلا خذ عندك المرأة تسلم وزوجها نصراني، يعني المذاهب الأربعة يقولون هذا النكاح يبطل سواء فورا أو بعد انقضاء العدة، لكن وجدنا أقوالا بما فيها أقوالا لاثنين من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعمر وعلي بن أبي طالب يقولون ببقاء هذا النكاح وأنه أصبح نكاحا جائزا وليس لازما، معنى جائزا معناه أنه يجوز لها هي أن تقطع هذا النكاح إذا شاءت، هذا هو معنى الجواز هنا، فنحن أخذنا بهذا بفقه الأقليات، إذا هذا الجانب الانتقائي أي اختيار بعض الأقوال بناء على حاجات وضرورات أقوال قد تكون في وقت من الأوقات مرجوحة ولكنها أصبحت الآن راجحة، كانت مرجوحة لا بسبب عدم الدليل لأنها ليست عالية عن الدليل ولكن بسبب توازن بين الأدلة أو ضعف في جانب من الأدلة.

عثمان عثمان: فعلا يعني هذه مسألة البعض يرى أنها تناقض فقه الدليل والراجح من الأقوال.

عبد الله بن بيه: لا، يجب، القضية هي قضية صناعة، هذا سببه الضيق، ضيق المعرفة وعدم القدرة على رؤية الخارطة الشرعية بكمالها. إذا كان الإنسان يعرف كيف يرجح، نحن عندنا ترجيح القول الضعيف بثلاثة شروط، ألا يكون ضعيفا جدا وأن تعرف نسبته إلى قائله وأن تدعو إليه حاجة، هذا عند المالكية. يعني عندنا جملة من القضايا من الصعب جدا أن أجملها لك، يعني ممكن أن ترجع إلى كتابي صناعة الفتوى وفقه الأقليات لترى هذا التأصيل الذي نعيش عليه في فقه الأقليات من سنوات منذ أنشأنا هذا المجلس ولله الحمد قمنا والضمير هنا للجميع وليس لي شخصيا، قمنا جميعا بإيجاد كثير من الآليات للتعامل مع النصوص الشرعية، سواء كانت نصوصا من الكتاب والسنة مثلا الشفق ما هو الشفق، البيضا والحمرة، الحديث كيف نفسر هذ الحديث؟ بالتعامل مع أقوال الفقهاء بالتعامل مع الأصول التي هي أوعية الاستنباط التي تستنبط منها الأحكام، هذا العمل يحتاج إلى صنعة إلى تعمد إلى أن يكون الفقيه قادرا على الاستثمار، كما يسميه أبو حامد الغزالي استثمار الأصول المثمرة، أن يكون قادرا على الاستنباط أن يكون قادرا على استخراج المسائل بدون هذا لا يستطيع هو سينكر لأنه لا يعرف هذه القضية لأنه يجهلها، هذا هو السبب الذي جعل بعضهم يرى أن هذا الفقه خارج عن الشرع ولما ناقشنا بعضهم سكتوا..

عثمان عثمان (مقاطعا): فضيلة الشيخ يعني يبدو أن الموضوع طويل وكبير جدا والوقت ضاق لم يتبق مع إلا سبعة دقائق ولذلك أريد أن أمر على المحاور والأسئلة بشكل إيجابات مختصرة.

سلمان العودة: أنا نصيبي من الوقت سأدعه لتعليق سريع في قضية نشأة فقه الأقليات، يمكن أن نقول سماحة الشيخ والدكتور أن فقه الأقليات هو أسبق من غيره في الوجود، بمعنى أن الفقه هذا مرتبط بالتمكين ومرتبط بفقه التمكين في بعض جوانبه، فقه الاستطاعة. المسلمون في مكة قبل الهجرة كانوا قلة ولذلك كان في بعض الأحكام التي نسخت ولكن في أحكام أخرى لم تنسخ وإنما يعتمد الأمر على القول بها أو القول بغيرها على وجود اعتبارات واقعية وقدرات وإمكانيات عند المسلمين وهكذا المسلمون في الحبشة كمثال حتى بعض الهجرة إلى المدينة، في أحكام كثيرة لم تبلغهم وفي أحاكم لم يكلفوا بها بحكم أنهم يعيشون في مجتمعات مختلفة، فأنا أعتقد أن فقه الأقليات هو من أعظم الأدلة على عظمة الإسلام وعلى خلود الإسلام وعلى حيوية الفقه الإسلامي وقدرته على إنتاج الحلول للمشكلات الطارئة.

عثمان عثمان: يعني نتحدث هنا بشكل موجز فضيلة الدكتور البعض يرى أن فقه الأقليات دليل على أن المسلمين غير قادرين على الاندماج في الواقع المعاصر، غير قادرين على التعايش مع غيرهم من غير المسلمين.

سلمان العودة: هو قد يكون بعض المسلمين لأن كثيرا ممن ذهبوا إلى أوروبا ذهبوا عمال في البداية، تخيل مثلا الأتراك في ألمانيا أو المغاربة في فرنسا يعني كثيرا من هؤلاء ذهبوا قبل أجيال وهم عبارة عن عمال ثم توالدوا هناك ولكن الأولاد أصبحوا أطباء وأصبحوا مهندسين وأصبح منهم مثقفون ومفكرون ولذلك أعتقد أن واقع المسلمين نحن لا نريد أن نقول إن المسلمين هم استثناء من السنن الربانية في أن الشعوب تعيش حالات من الضعف في مجتمعاتها ولما تنتقل تنقل معها هذا الضعف ولكن في تحولات إيجابية في واقع المسلمين فقه الأقليات هو يساعدهم على النهوض.

عثمان عثمان: نعم. فضيلة الدكتور لماذا الإصرار على أن المسلمين أقلية منعزلة في الغرب وفقه أقلية لهذه الفئة القليلة مع العلم أن المسلمين كما ذكر في سياق الحلقة أصبحوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع الغربي، أصبحوا مساهمين إلى حد كبير، يعني لم يعودوا مهاجرين فارين بقدر ما أصبحوا يعني مواطنين مستقرين، لماذا الإصرار على أن هناك أقلية مسلمة في الغرب؟

عبد المجيد النجار:  كون هناك أقليلة مسلمة في الغرب هذا واقع، هذا وصف لواقع، ولكن بالنسبة لفقه الأقليات هو وجد من أجل أن تكون هذه الأقليات مندمجة في المجتمع وليس العكس كما أشرت أنت منذ حين، هو فقه الأقليات هو الذي يوجد الأحكام الشرعية التي تجعل هؤلاء المسلمين يتعايشون مع المجتمع ولكن وفق حلول شرعية مقبولة مبنية على أصول وعلى أدلة، فتحل لهم هذه المشاكل التي يعانون منها أفرادا وجماعات في علاقتهم بهذا المجتمع، ففقه الأقليات دوره هو هذا، وليس دور الفقه أن يكون فقها للمسلمين فقط بل هناك خطوة أكثر من هذا، نحن نريد من فقه الأقليات في بعض الأبواب وفي بعض القضايا أن يكون فقها للمجتمع بأكمله الذي يعيش فيه المسلمون ليس للمسلمين فقط، هو نريد أن نقدم حلولا فقهية إسلامية تحل مشاكل المجتمع وأكبر دليل على هذا ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية الآن، الفقه الإسلامي فيه أحكام كثيرة تتعلق بالاقتصاد وبالمصرفية الإسلامية فنحن الآن نريد أن يكون من هذا الفقه الاقتصادي والمصرفي أن نجعل منه حلولا للمجتمع الذي نعيش فيه في فرنسا أو في أوروبا بصفة عامة ونسهم في حل هذه المشكلة المشكلة الاقتصادية بهذا الفقه، إذاً الخلاصة هو أن هذا الفقه يساعد على اندماج المسلمين في المجتمع ولكن بحيث يكونون مسلمين ولا يذوبون ولا تذوب هويتهم في هذا الخضم الاجتماعي الذي يعيشون فيه.

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه في دقيقة المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث جاء تأسيسا على فكرة فقه الأقليات، يعني ما الوظائف التي يؤديها هذا المجلس اليوم.

عبد الله بن بيه: هو كما قال الأخ، هو جاء للتوسعة عن المسلمين يعني المسلم أحيانا يكون في ضيق في دينه ويشعر بهذا الضيق وقد يأتيه مفتي من البلاد الإسلامية ويقول لا تشارك في الانتخابات لا تستوطن هذا حرام، فهو في ضيق، فقه الأقليات والمجلس يعطيه سعة لدينه يعطيه قدرة على التكيف قدرة على التوطن لأن المسلم هو إنسان عالمي جاء بالحديث الذي يرويه الإمام أحمد “البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيرا فأقم” إذا ينظر إلى العالم كأنه كله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الآخر “جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل” كل الأرض، فالمسلم هو عالمي بطبيعته ودينه دين عالمي ولا يجوز له أن يتقوقع، هو أخرج للناس هو شاهد وليس مشاهد، يعني ليس فقط يشاهد هذه الحضارة ولكنه يشترك فيها، هذا الذي نريد من فقه الأقليات ليس هو الحرج والضق وإنما هي السعة، ولكنها سعة الإسلام وليست سعة الهوى.

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور في دقيقة، هل ترون أن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ساهم في معالجة الكثير من قضايا المسلمين في الغرب وإشكالاتم وساهم في تيسير حياتهم أيضا.

سلمان العودة: هو الحق إن المجلس يعتبر من التجارب الناجحة بشهادة كل الناس الذي اقتربوا منه، بل حتى بعض الجامعات في أوروبا أصبحت تكل إلى طلابها رسائل ماجستير ودكتوراه في بعض إنتاجات وبحوث وفتاوى هذا المجلس، فالمجلس يعتبر من المشاريع والتجارب الناجحة عبر فترة طويلة يعني، ونموذج جيد وهذا لا يعني أنه ليس قابلا للتطوير، بل القائمون عليه كلهم يحلمون بأن يحقق قفزات في المستقبل أكبر وأن يصل إلى المستوى اللي ذكرناه قبل قليل في مسألة تحفيز المسلمين على الشهود الحضاري يعني.

عثمان عثمان: طبعا الموضوع بحاجة إلى بحث طويل، أشكركم فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه، الدكتور عبد المجيد النجار -وإن كنت قد ظلمتك بالوقت بعض الشيء اعذرني- وفضيلة الشيخ الدكتور سلمان العودة على حضوركم معنا في هذه الحلقة. كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة أنقل لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب وسائر فريق العمل دمتم بأمان الله.

نظرات في منهج الأشعري3

محاضرة القاها الإمام العلامة عبد الله بن بيه في جامعة الأزهر الشريف بدعوة من الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر .وذلك بتاريخ 5 \5\2010م.

نظرات في منهج الأشعري2

محاضرة القاها الإمام العلامة عبد الله بن بيه في جامعة الأزهر الشريف بدعوة من الدكتور احمد الطيب شيخ الأزهر . وذلك بتاريخ 5 \5\2010م

الاشتراك في الأرض والعمارة

السؤال
قبل خمس وعشرين سنة اتفق أخوان على شراء أرض لبناء شقق سكنية مناصفة، تم شراء الأرض بمبلغ 1000دينار (500 لكل منهما) دون تحديد الجزء الخاص بكل منهما، وجاء وقت البناء فقال أحدهما لا أملك المال للبناء، فطلب من أخيه البناء على أن يتحاسبا في نهايته، فبنى عشر شقق (خمس في كل جزء)، وبعد الانتهاء من البناء كان الأول يملك ثمن شقتين فقط، فتم تسجيلهما باسمه، كما تم تسجيل ثماني شقق باسم أخيه وبالتراضي.

سكن كل منهما في شقة، وتم تأجير الشقق الأخرى. الآن وبعد مرور خمس وعشرين سنة يطلب الأخ صاحب الشقتين من أخيه تعويضًا لاستغلاله الأرض والانتفاع من تأجير الشقق، لكن أخاه يرفض دفع أي مبلغ بحجة أن هذا يعتبر زيادة في رأس المال، ولكل منهما على قدر رأس ماله ما الحل؟ وفي حالة أن اتفقا على بيع العقار بالكامل فما حصة كل منهما؟

علما أن سطح المبنى قابل للبناء.. أفتونا مأجورين.

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…

هذا السؤال يدل على أن الأرض مملوكة مناصفة بين الأخوين، وأن البناء الذي عليها كان من قبل أحدهما، إلا أن أخاه في النهاية كان يملك ثمن شقتين، ولم يبين السائل كيف تسلم هذا الثمن، هل تسلمه من أخيه أو أنه أتى بثمن ودفعه إلى أخيه الذي بنى، هناك شيء مجهول في هذا، بأي شيء دفع هذا الثمن؟ وهل أخذ الشقتين في مقابل التنازل عن ملكية الأرض، ففي هذه الحال ليس له رجوع على أخيه، وإذا كان أخوه قد دفع ثمن الشقتين فملكية الأرض ما زالت بينهما، والشقق الأخرى على ما اتفقا عليه، فإذا كانا قد اتفقا على أنه يبني، وأن ما بني يكون مناصفة بينهما فهو كذلك، لكن له ماله، أي له ما دفعه في هذه البناية، فالحقيقة أن السؤال فيه غموض في بعض أجزائه، حيث لم يبين بقاءهما على الاتفاق، لأن السؤال في أوله يدل على أنهما اتفقا على أن البناء بينهما، لكن الواقع أن أحد الأخوين هو الذي بنى…. الخ.

أما إذا بيع العقار فحصة كل منهما على حسب ما اتفقا عليه أولا، فإذا كانا قد اتفقا على أن الأرض بينهما فالأرض بينهما والبناء لمالكه.

العمل في سلسلة المطاعم الأمريكية

السؤال
أريد أن أعمل في مطاعم (ماكدونالدز)، ولكن أحاول أن أقاطع أكثر ما أستطيع من البضائع.

علماً بأنني بعد عملي فيها سوف أحث الناس بألا يأكلوا هناك.. فسؤالي هو: هل يجوز أن أعمل في هذه المطاعم؟

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…

أيها الأخ الكريم.. يجوز لك أن تعمل إذا كنت محتاجاً؛ لأن تضررك من عدم عملك لا يساوي النفع الذي سيصل إليك من خلال عملك. والمفاسد البعيدة تلغى إذا عارضتها مصالح محققة كما قال العلماء، فإذا كنت محتاجاً إلى أن تعمل معهم فهذا من الذرائع البعيدة لا تترتب عليها أحكام نافذة.

أما مقاطعتك لهم وأنت تعمل معهم ففيه تناقض لا يليق بالمسلم، فيمكنك أن تعمل ما دام في ذلك مصلحة، فإذا أُفتيت بأن هذه الشركة تزود العدو، وتعمل كذا وكذا فهذا يترتب عليه أحكام أخرى.

كتم الشهادة إذا كان هناك ضرر

السؤال
ما حكم كتم الشهادة إذا كان في إظهارها ضرر عليَّ، علما أن الشيء حدث أمامي؟..
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد…
الشهادة يختلف حكمها، ففي حقوق الله تعالى التي يستتاب انتهاكها تجب المبادرة بالشهادة بدون طلب، وفي حقوق لا يستتاب انتهاكها -كشرب الخمر أو فعل الفاحشة أو نحو ذلك- فهذه الحقوق لا تجب المبادرة فيها إذا كانت لا يستتاب انتهاكها، فلو زل الإنسان زلة فإن الستر هنا أولى على الصحيح من أقوال العلماء.أما إذا كانت الشهادة في حق آدميين فإنه يشهد إذا طلب منه ذلك، كما قال تعالى:”ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا…” وإن كان هناك خوف مؤكد من حصول ضرر عليك بهذه الشهادة فلا حرج عليك.

 

هل هذه الفائدة إداريَّة أم ربويَّة؟

السؤال
أخي يريد عمل مشروع صغير بعد تخرجه من الدراسة، ولا يريد أن يقترض من بنك اجتنابا للربا، ووجد مؤخرًا جمعية تنموية في مدينتنا تقدم قروضًا صغيرة للعائلات الفقيرة، وللأشخاص الذين يتقنون مهنة أو حرفة أو نشاطاً في الفلاحة أو الخدمات، والذين ليس لهم عمل،أو المتحصلون على شهادات عليا، وتقدم هذه القروض الصغيرة بنسبة فائدة سنوية أقصاها 5%.

وقد سمعت من أحد الشيوخ الأجلاء أن بعض الفوائد الصغيرة لبعض القروض تعتبر فقط معاملات إدارية، وأنها ليست ربا، فهل تعتبر هذه الفائدة ربا، أو فقط معاملات إدارية؟

الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: أولاً: نقول إن امتناع أخيك من الاقتراض الربوي دليل على صدق نيته وديانته. ثانياً: تعامله مع جمعية التنمية في القرية، والتي تقدم قروضًا مع فائدة سنوية قد تصل إلى 5% بدعوى أنها خدمة، أو أن هذه الفائدة في مقابل الخدمة، أو أنها من باب المصاريف الإدارية، فإن ذلك لا يجوز إلا بشرطين:

1- أن تكون هذه الجمعية غير ربحية، أي أن أهدافها ليست تجارية، وإنما هي لمساعدة أهل القرية.

2- أن تكون هذه الفائدة أو الزيادة فعلاً لسد النفقات الإدارية، أو المصاريف الإدارية من رواتب الموظفين والمستخدمين ونحو ذلك. فإذا كان الأمر كذلك فإنه يجوز الاقتراض، وللتعرف على موافقة هذه الفائدة للمصاريف، لابد من رأي أهل الخبرة، ليقولوا هل هي فعلاً مصاريف أم أنها زيادات أو فوائد ربوية تجريها هذه الجمعية تحت غطاء مساعدة أهل القرية.

فعليك أن تتأكد من الأمر. والله أعلم.