ارشيف ل November, 2010

في احتفالها بيوبيلها الذهبي : موريتانيا توشح العلامة عبد الله بن بيه بأعلى اوسمتها

منحت موريتانيا العلامة عبد الله بن بيه أعلى أوسمتها الوطنية وهو وسام “الكوندور” تكريمًا له على جهوده في تأسيس وتوجيه الدولة والمساهمة في تقديمها للعالم لقرابة الخمسين سنة. 

وجاء هذا خلال احتفالات الجمهورية الإسلامية الموريتانية بيوبيلها الذهبي حيث استقلت سنة 1960 م.


والعلامة عبد الله بن بيه من مواليد 1935م وأحد المعاصرين لتأسيس الدولة الموريتانية في عهد أول رؤسائها المختار ولد داداه.


وقد برز دور ابن بيه في تلك الحقبة من خلال عنايته بتعريب الإدارة الموريتانية وإعلانه شخصيًا تطبيق الشريعة واقتراحه وترؤسه أول وزارة للشؤون الإسلامية.


وقد اختاره الرئيس الموريتاني الأول المختار ولد داداه ضمن 3 شخصيات أفرد لها حديثًا خاصًا في مذكراته واصفًا إياه بـ”الوطني الشجاع والجاد”.

العلامة ابن بيه من بين 50 شخصية اسلامية الأكثر تأثيرا في العالم

أصدّر باحثون ومتخصصون دوليون تقريرهم السنوي لـ500 شخصية الأكثر تأثيرًا في العالم لعام 2010م. وقد حلّ على رأس القائمة سياسيون مسلمون، كالعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ورئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوجان، وعدد من كبار العلماء أمثال العلامة يوسف القرضاوي، وفضيلة العلامة عبد الله بن بيه، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والشيخ الدكتور سلمان العودة المشرف العام على مؤسسة “الإسلام اليوم”.

وقد ذكر التقرير أنّ العلامة عبد الله بن بيه يُعد أحد أبرز العلماء في العصر الحالي، وأنه يستمد تأثيره من علمه وجهوده في التعليم والدعوة، كما يتفرد باحترام جميع المدارس الإسلامية له، ودللت على ذلك بأنّ الحكومة السعودية تنشر فتاويه بصفتها فتاوى يوثق بها.

ويتولى فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي رئاسة الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بينما يشرف الدكتور العودة على مؤسسة “الإسلام اليوم”، ويقدم حلقة أسبوعية على فضائية “إم بي سي”، ويُعَد من أبرز العلماء في العالم الإسلامي.

وفي تعليقه على هذا الإنجاز قال فضيلة الشيخ ابن بيه: لقد جرت عوائد في الغرب لدى مراكز الأبحاث أن ينشروا بعض الاستطلاعات وبعض الدراسات عن شخصيات في بلادهم، سواء علميّة أو سياسية أو أدبية أو فنانين ونحو ذلك، ولكن يبدو أن البعض من الغربيين أصبح يهتم بما يجري في العالم الإسلامي، وبالتالي أصبحوا ينشرون هذه الاستطلاعات المتعلقة بتأثير العلماء في العالم الإسلامي، وهذا شيء ربما له إيجابيته، وأن يكون هناك نوع من الاهتمام والتركيز على بعض الإيجابيات التي تصير في العالم الإسلامي.

وتابع: ولهذا فإنّ ما نُشر أعتبر أنه من هذا الجانب، وبخاصة أن هذه القائمة التي يتصدرها خادم الحرمين الشريفين ضمت علماء أعلامًا مثل الشيخ سلمان العودة، والشيخ يوسف القرضاوي، والشيخ مفتي المملكة، وغيرهم من العلماء الأعلام، ونهنئهم بهذا ونسأل الله لهم التوفيق، ونرجو أن تقوم مراكز العالم الإسلامي بخدمات في هذا الجانب بالتعريف والتأكيد ببعض المرجعيات في العالم الإسلامي، ومن شأن ذلك أنّ يثبت الرمال المتهدلة؛ رمال الفتوى ورمال المرجعيات التي تحتاج إلى تثبيت.. ومثل هذه الدراسات تلفت الاهتمام إلى مثل هؤلاء.

ويهدف الكتاب، الذي حمل عنوان “أكثر 500 شخصية مسلمة لعام 2010م”، إلى التعريف بأهمية الأسماء المتداولة في العالم الإسلامي، حيث يقوم برصدها في مختلف مجالات “السياسة، والدين، والمرأة، والإعلام

(2)”L’intégration de la finance islamique : solutions concrètes

,”La charia et l’intégration de la finance islamique”
Sheikh Abdullah Bin Bayyah”
Vice-Président, Union Internationale des savants musulmans

العلامة ابن بيه : لابد من وضع حدود معينة لبعض المسائل الفقهية الجدلية في الحج

جريدة المدينة – جدة

– أيد الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه  رئيس مجلس الإمارات للإفتاء وعضو المجمع الفقهي الإسلامي الرأي القائل بأن هناك تخبطا حقيقيا للفتوى في الحج بحاجة للتنظيم دون إشعار الحاج بالاختلافات فيها قائلا: «لابد من وضع حدود معينة لبعض المسائل الفقهية الجدلية في الحج من خلال التنسيق بين مفتيي البعثات وحملات الحج وبين الجهات القائمة على الفتوى في الحج كوزارة الشؤون الإسلامية، وأيضا المجامع الفقهية خصوصا في القضايا الكبرى، التي فيها شحنة من الاختلافات، مثل رمي الجمار والمبيت في منى ومزدلفة وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى حرج وصعوبات وتضر بأمن وسلامة الحجاج»،

فلابد من وضع حد للفتاوى المتشددة وتنظيم قضية الفتاوى من خلال ترك كل شخص يسير على مذهبه دون إلزامه برأي فقهي معين، لأن المذاهب الأربعة متكاملة، وكلها على صواب وخير، فمن أراد المبيت فلا بأس من ذلك ومن أراد أن يطوف قبل طلوع الشمس كما هو في صحيح الإمام أحمد فلا بأس، لأن مثل هذه التوسعة في الفتوى تؤدي إلى عدم الاضطراب مطالبا العلماء بالسير على منهج التيسير في بعض القضايا الفقهية حماية للحجاج حتى ولو خالف هذا الرأي إجماع الفقهاء».

حوار مع جريدة الحياة حول الحج :رمي الجمرات 24 ساعة “رأي قوي جدا”


 

الرياض – مصطفى الأنصاري    –  الحياة    –

 

منذ أهل على مهبط الوحي شهر ذي الحجة، والديار المقدسة، باتت أشبه بخلية النحل التي ينشط كل أفرادها في مجالات مهمة. ففي الوقت الذي تنظم فيه وزارة الحج ندوة عن الأثر الثقافي لمكة والقيم السلوكية في الحج، تنظم رابطة العالم الإسلامي ندوة أخرى عن مناهج التعليم الإسلامي، مثلما يفعل الأمر نفسه معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج، إذ كان للفقهاء والباحثين معه يوم سنوي لمناقشة القضايا النازلة والحساسة في الحج. 


أحد الشخصيات الإسلامية التي تنشط في هذه الندوات وتلقى آراؤها اهتماماً بالغاً في الميدان الفقهي والفكري الدكتور عبدالله بن بيه، الذي تحدث إلى «الحياة» عن بعض القضايا التي تشغل الرأي العام في الحج، ويتحاور فيها المثقفون من العالم الإسلامي في مكة هذه الأيام، مثل المناهج، والجمرات، والحوار مع الآخر، والتيسير في الحج، فإلى الحوار: 

  

 

> تقام في مكة هذه الأيام ندوة عن مناهج التعليم الإسلامي، هل بعض المسلمين يشارك الغرب في التشكيك في المناهج الدينية؟
 
 

 

 

– مراجعة المناهج من جانب المسلمين ليس للتشكيك فيها وانتقادها، ولكن من باب تنقيتها وتطويرها… الذي لا يتحسن ولا يترقى هو الجماد، وكل عمل الناس معرض للتجربة والخطأ والصواب… طبعاً الحديث هنا ليس عن الثوابت التي لا تتبدل ولا تتغير، وإنما عن الأساليب والكيفيات في العلوم الإنسانية والتكنولوجية. 


 

  

 

  

> إذاً لا ترى تواطؤاً غربياً مع بعض الليبراليين العرب مثلاً في نبذ المناهج الإسلامية بتفريخ الإرهاب؟
  

 

– الأمر يحتاج إلى تفصيل فالأمر ليس مطلقاً… مناهج التعليم ليست براء، بمعنى الكيفيات والأساليب التي تدرس بها الوسائل التي من خلالها نقدم المعلومة معرضة للنظر والمراجعة، مع أن مناهج التعليم تعاني انكماشاً واضحاً في الاجتهاد الفقهي ما نتج عنه عجز في مواكبة مستجدات العصر، كما أننا يجب أن ننظر إلى مناهجنا بعين الآخرين، كما لو أننا ننظر في مرآتنا حتى نرى صورتنا وكيف تكون عند الآخر أيضا، إلا أن هذا الأمر لا يجوز أن يدفع  إلى تجاوز المسلمات الدينية، فإن ذلك يعني التنازل. 

 

 

> على رغم كل هذا الحديث عن المراجعة والتغيرات منذ سنين لا يزال الصوت الغربي مرتفعاً، هل هذه المناهج مجرد قميص عثمان آخر؟
 
 

 

– هذا أمر مؤكد، أعتقد أن الصوت الغربي لا يجوز لنا أن نمضي في الإنصات إليه، قبل أسبوعين كنت في كندا، كانوا يتهمونني بأشياء تتحدث عنها صحفهم، فقلت لهم أثبتوا أنني قلت ما لا يتناسب مع القوانين، فأقدم اعتذاراً لكم… قصدي من ذلك أننا إذا تركنا العالم يستهتر بنا ونحن فقط مجرد منفذين لمطالبه، فإن ذلك يوقعنا نحن المسلمين في هوة لا نهاية لها.
في المقابل، لا بد أن يكون لدينا قدر من الشجاعة يجعلنا نعترف بسلبياتنا ونقوم بمعالجتها، والتوفيق بين ما نرفضه من الضغط الغربي وما نأخذ به من نقده وملاحظاته، مسألة تحتاج إلى دقة ووعي، بحيث نقول: «نعم» في مكانها، و«لا» أيضا في الوقت المناسب.
 


 

فتوى الأزهر وجيهة 

 

> قبل أسابيع اجتمع المسلمون لتطوير آليات العمل الإسلامي المشترك، ومن بين ذلك مجمع الفقه، ونحن الآن أمام مناسبة كبرى على الأبواب، هي الحج. أليست النظرة الواحدة في مسائل الحج الفقهية يجب أن تتطور إلى مفهوم عالمي وإسلامي أشمل؟
 
 

 

– في المنظور الفقهي قضايا الحج فيها سعة كبيرة من الاختلاف، وهذا الأخير واقع ولا إشكال فيه، وهو ما سماه ابن القيم «الاختلاف بالحق»، وهذا الاختلاف يجب أن نفعله، والرأي الواحد في قضايا الحج من الأساس كان خطأ… النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن شيء في الحج إلا قال افعل ولا حرج، في التقديم وفي التأخير هنالك  خيارات عدة مفتوحة أمام المرء، والإسلام ترك للمكلفين مساحة واسعة في ذلك.

 

> الآن هنالك مسائل نازلة في الحج، فنحن نرى الأزهر مثلاً أفتى بجواز رمي الجمار على مدى 24 ساعة باعتبار أيام وليالي التشريق كلها أوقات للرمي، فكيف تنظرون إلى مثل هذه الآراء ومبدأ التيسير فيها؟

 


– هذه الآراء لها احترامها، لأنها مستندة إلى أقوال بعض العلماء المعتبرين، والحج عبادة مبنية على رفع الحرج، ولم يرد في أي عبادة في القرآن الكريم شرط الاستطاعة نصاً إلا في الحج، وإن كانت الاستطاعة شرطاً في كل العبادات، فقضية الاستطاعة في غاية الأهمية، ولا بأس أن نختلف هل الأيام كلها وقت واحد، أم أنه فقط الليل والنهار، وجواز الرمي في الليل والنهار أقوال قوية جداً، من المفروض أن لا نختلف فيها أصلاً، أعني بعد الظهر إلى الفجر، فكل يوم يلد الليلة التي بعده، فالمسلمون إذا رتبوا أنفسهم باستغلال هذا الوقت الذي ليس فيه إلا خلاف يسير، تحل المشكلة.
 الأمر فيه سعة، والعلماء جميعاً مع الوقت وضغط الواقع أظنهم سيقدمون كليات الشريعة على جزئياتها، والمقصود بالكليات: مقاصد الشريعة، التي من بينها التيسير، «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر».

 

> هنالك حديث عن حملات تقدم خدمات «خمس نجوم» في الحج، كيف ترى هذا النوع من الحج الفخم، هل يفقد الحج مساواته بين البشر؟
 

 

– الله لا يظلم أحداً، ولذلك توسعة الإنسان على نفسه في الحج لا حرج فيها، ولكن لا يجوز أن يكون ذلك على حساب الآخرين.

 

> تعني الترف والتوسع في المباحات أثناء الحج كما في غيره لا ترى فيه بأساً؟
 

 

– لا أرى فيه مانعاً، كل المــباحات لا مـانع منها، الله يقول: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق»، نحن لا نحرم ما أحل الله، وهذا غلو، ونحن لا نريد أن نكون غلاة.

 

السلامة من مفسدات الحج

السلامة من مفسدات الحج 

 كلمة بطلب من وزارة الحج السعودية – ضمن ندوة الحج السنوية الكبرى

بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه 

  

 إن الحج عبادة من أشرف العبادات فهو خامس أركان الإسلام ومحطة للذنوب والآثام ومنجاة من سخط الرحمن ووسيلة لرضا الملك المنان، وطريق إلى ديار الأفراح في فراديس الجنان، “وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةَ ” جعلنا الله ووالدينا والمسلمين من أهل هذا الوعد الكريم بلا سابقة عذاب. 

والحج فرض مرة واحدة في العمر إلا أن يطوع المرء { فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ} ولذلك فإن المسلم وهو يؤدي هذه العبادة يجب أن يكون حريصاً على سلامتها من الشوائب والمنغصات بله المفسدات والمبطلات. 

والمفسدات على نوعين: مفسدات تفسد الحج وتبطله؛ لأنها منافية للصحة. ومفسدات لا تنافي الصحة لكنها تنافي القبول لأن الصحة لا تستلزم دائماً القبول. 

فبالنسبة للقسم الأول: من المعلوم أن مفسدات الحج منها تروك ومنها أفعال، أما التروك فهي تتمثل : 1- في ترك الأركان كلها أو ترك ركن منها وهي: الإحرام وطواف الزيارة والسعي بين الصفا والمروة والوقوف بعرفة؛ على اختلاف نقصاً أو زيادة، فالأحناف جعلوا السعي واجباً وليس ركناً، والشافعية زادوا الترتيب في معظم الأركان. 

أما الأفعال المفسدة فهي: الجماع بالتفاصيل المعروفة. 

أما النوع الثاني من المفسدات فينقسم إلى قسمين: محظورات تجبر بدم أو فدية أو صيام منها: أفعال ومنها تروك. 

فمن الأفعال: قتل الصيد، والطيب، واللباس المنافي للإحرام بالنسبة للرجال، ودواعي الجماع، وإزالة الشعر والأظافر. 

أما التروك فهي: ترك واجب من الواجبات كترك المبيت بمنى أو بمزدلفة أو طواف الوداع عند الجمهور بلا عذر حيض أو طواف القدوم عند مالك. 

أما النوع الثاني: فهو مؤثر في سلامة الحج من حيث القبول وهذا النوع من الجنايات التي لم يرتب الشارع عليها فداء ولا هدياً ولكنها منافية لحرمة الحج وقبوله.           

قال تعالى{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ}.

وقال عليه الصلاة والسلام:” مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ”.

وإذا أردنا أن نعمق فهمنا لعلاقة ذلك بالحج فعلينا أن نضيف حديث البخاري: “الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِه”.

ونرى سلامة الحج من خلال السلامة من لسانه ويده، وبذلك ندرك أنَّ الخصومات والمنازلات تكتسي طابعاً تنافسياً وتظاهرياً قد لا يكون بعيداً عن المفاخرات التي كانت في الجاهلية والتي قضى عليها الإسلام، وجعل مكانها ذكر الله تعالى.

قال تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ}

فكل ما من شأنه أن يعرض السكينة للقلق والأمن للاضطراب فهو مناف لسلامة الحج ومظنة لمنافاة القبول.

فمن هذا ندرك أنّ الحج عبادة لا تمكن ممارستها إلا في ظل السلطة الشرعية. والحكمة من ذلك واضحة؛ فإن الحج يحتاج في تعيين يومه لثبوتٍ شرعي، هذا الثبوت يصدره الإمام بعد إعلان العلماء له، ويلزم الناس بالوقوف في يوم واحد؛ حتى لا تتفرق بهم الأهواء، وتختلف أيام نسكهم.

ثم إن الحج مناسبة يجتمع فيها أعداد كبيرة من الناس الذين يأتون من كل فج وعميق ومن كل حدب وصوب؛ يريد خيارهم العبادة، ويبحث الأشرار عن الغنيمة. وفي كل زمن خيار وأشرار. فإذا لم توجد سلطة مهيبة وولاية معتبرة لذهب الأخيار ضحايا الأشرار، وذهبت العبادة بالكلية؛ لأنها لم تعد مطلوبة شرعاً، وهذا ما كان يقع في فترات من التاريخ.

إن الحج يحتاج إلى طمأنينة وسكينة بنص الشارع ففي حديث جابر الطويل الذي وصف فيه حج النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه مسلم في صحيحه وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم دفع وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى « أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ ».

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت بالدعاء في الحج، وقال: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا بَصِيرًاً”.

ونهى عن رجز وحث الركاب في النفرة. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَفَاضَ مِنْ عَرَفَةَ فَسَارَعَ قَوْمٌ فَقَالَ امْتَدُّوا وَسُدُّوا لَيْسَ الْبِرُّ بِإِيضَاعِ الْخَيْلِ وَلَا الرِّكَابِ قَالَ فَمَا رَأَيْتُ رَافِعَةً يَدَهَا تَعْدُو حَتَّى أَتَيْنَا جَمْعًا.( رواه أحمد)    

والحج عبادة منضبطة في أقوالها وأفعالها، حتى أن عمر بن عبد العزيز الإمام العادل كان إذا سمع الناس يكبرون بمنى أرسل إليهم الحرس لإسكاتهم.. قائلا: إنما هي التلبية، كما رواه مالك في الموطأ.

فهذا الخليفة لم يسمح حتى برفع الصوت بالتكبير في هذا الوقت؛ لأنه ليس وقته، فأين هذا من أولئك الذين يقومون بمسيرات، ويعلقون براءة كانت بلاغاً قد تم في سنة تسع، ولم يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خلفاؤه ولا علماء الأمة وأمراؤها.

فأمن الحرمين وضبط الحجيج كل ذلك لا يتم دون سلطة شرعية، هي سلطة هذه البلاد المباركة وفقها الله تعالى وأعانها على هذه المهمة العظيمة وعلى المسلمين أن يساعدوها في ذلك فقد قال ابن مسعود رضي الله عنه “الخلاف شر”.

لذلك فإن شعار البراءة الذي قد يظن بعض الأخوة أنه مشروع! نود أن نقول له إن الأمر ليس كذلك.

ولشرح ذلك يجب أن نبين أن البراءة تمثلت في قراءة فواتح سورة التوبة سنة تسع للهجرة من طرف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه مبعوثاً من قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم لينظم إلى الصديق عليه رضوان الله الذي كان أمير الحج لإبلاغ المشركين الذين يحضرون موسم الحج بأن لا سماح لهم بعد الآن وأن لهم عهدا لمدة أربعة أشهر يدخلون فيه ويخرجون. وأن من كان له عهد من أهل المسجد الحرام فهو على عهده وأن لا يطوف بالبيت بعد هذا العام مشرك وأن لا يطوف بالبيت عريان.

كان بياناً وبلاغاً إلى هؤلاء القوم وقد أديت المهمة وتوقف المشركون عن الحج إلى بيت الله الحرام وحج رسول الله صلى الله وسلم حجة الوداع وما نادي فيهم وحج خلفاؤه من بعده وهلمجرا، وما نادي أحد به فهو قرآن يتلى تم تنزيله وقد وقع تأويله.

فلا ينبغي أن نضع الأمور في غير نصابها، وندخل إلى هذه القضية من غير بابها.

 

خلاصة القول:

إن مفسدات السلامة أعم من مفسدات الحج لأن السلامة أعم من الصحة سواء فسرنا الصحة بأنها موافقة الفعل ذي الوجهين للوجه المشروع أو فسرناها بأنها سقوط طلب القضاء لتكون مرادفة للإجزاء وهو أخص لأنه خاص بالعبادات؛ لأن الموافقة للوجه المطلوب في الجملة وسقوط طلب القضاء هي أحد أفراد السلامة أما الجزء الثاني فهو قبول العبادة.

ولهذا فمفسدات السلامة هي: المبطلات الكبرى من ترك الأركان وجماع النسوان، وهي المفسدات الصغرى من ترك واجبات وإتيان منهيات منجبرة لغير عذر، إما مع العذر المبيح أو الموجب. فترك الرخص مناف للسلامة، فما أمر الشارع الذي يشكو هوام الرأس بالحلق، وما قدم ضعفة العيال قبل الفجر إلا لأن ذلك أولى في حقهم.

ومن مفسدات السلامة منافيات القبول، فالزحام الذي يضر بالآخرين مناف للسلامة، فما نهي عمر عن الزحام حتى لا يؤذي الناس إلا لأن ذلك أولى.

وقل مثل ذلك في كل ما يضر بالآخرين من توقيف مركبة في غير محلها أو شغل مرفق بلا حاجة أو سد طريق أو رفع صوت.

وختاماً:

فعلى الحاج ليضمن السلامة من المفسدات أن يبتعد عن الشبهات في المأكل والمشرب وأن يلمح جوانب المفسدات العامة في كل الأحوال والأمكنة والأزمنة “المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالمُؤْمِنُ مَنْ أمِنَهُ النّاسُ عَلى أمْوَالِهِمْ وَأنْفُسِهِمْ، وَالمُهَاجِرُ مَنْ هَاجَرَ الخَطَايَا وَالذَنُوبَ وَالمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ في طَاعَةِ اللهِ تَعَالى”.

وأن يعظم الشعائر والحرمات وذلك (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ)

(ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ)

وأصل التقوى اجتناب وامتثال في الظاهر والباطن.

رزقنا الله وإياكم التقوى وتقبل حجنا وحجكم وشكر سعينا وسعيكم.

ولمعالي وزير الحج والمشرفين على هذه الندوة كل الشكر وخالص الدعاء.       

عبدالله بن بيه

العلامة بن بيه: التفسير الحرفي للنصوص لا يصمد في وجه المتغيرات

جمال عمر – نواكشوط

حفلت موريتانيا نهاية شهر أكتوبر بجلسات الحوار الوطني حول ما يسمى بـ”الإرهاب والتطرف” التي احتضنته العاصمة نواكشوط في الفترة ما بين 24-28 أكتوبر، إضافة إلى ندوة بعنوان “الجيش والصحافة: أي علاقة”.

وفي جلسة الحوار الوطني أجمع المشاركون على ضرورة تأسيس ميثاق وطني بين الأحزاب السياسية في موريتانيا للتصدي لظاهرة ما يسمى ب”الإرهاب والتطرف” وإنشاء مركز للدراسات والبحوث يعني بدراسة ظاهرة الإرهاب والتطرف من جميع جوانبها، وتعزيز القوافل العلمية والدعوية لنشر الثقافة الإسلامية المعتدلة والصحيحة.

وطالبوا بإشراك مختلف الفعاليات الدينية والسياسية والتربوية والأمنية بصورة تضمن انتشار ثقافة الاعتدال والتعقل والحوار، والتركيز على الأبعاد التربوية حتى تكون الرسالة التي تقدمها في مستوى التحديات التي تواجه المجتمع إلى جانب تجفيف المنابع التي يمكن أن يعشش فيها “الإرهاب” كالجهل والفقر والظلم والحرمان مع الاحتفاظ بسياسة الحوار مع المتشددين ودمج التائبين منهم في الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

وكانت الأيام الخمسة التي احتضنها قصر المؤتمرات بالعاصمة الموريتانية نواكشوط قد خصصت لمناقشة خمسة محاور تضمنتها عدة مقاربات لمواجه الإرهاب والتطرف تناولت الجوانب الشرعية والتربوية والإعلامية والقضائية والأمنية.

التفسير الحرفي للنصوص قدم العلامة الشيخ عبد الله ولد بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في اليوم الأول من أيام الحوار حول الإرهاب والتطرف عرضا ركز فيها على موقف الإسلام من التطرف والغلو وقضية الجهاد التي قال بأنها تدخل في اختصاص الدولة بدل الجماعات والأفراد.

وقال ولد بيه إن التفسير الحرفي للنصوص الذي اعتمده المتشددون والغلاة لم يعد قادرا على الصمود في وجه المتغيرات التي يعيشها عالم اليوم داعيا المؤتمرين إلى وضع مقاربات فكرية لمحاربة الفكر الدخيل والسرطان العالمي الذي انتشر بشكل مذهل مطالبا كذلك بأبعاده من منظومتنا القيمية.

وأكد الشيخ أن الإسلام واع بتقلبات ومستجدات العصر، والمسلمون مطالبون بخلق مناخ ديني ملائم وكفيل بتقديم بدائل مقنعة لتلك الظاهرة. الهم المحلي جزء من الهم العام وفي الندوة الفكرية التي نظمت بمقر رابطة الصحفيين الموريتانيين تحت عنوان “الجيش والصحافة: أي علاقة” في 26 أكتوبر أكد العلامة الشيخ عبد الله ولد بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ورئيس مركز التجديد والترشيد إن العالم الإسلامي اليوم أصبح في حاجة ماسة إلى “صحافة الإنارة” وهي الصحافة الرصينة التي تتحدث بعمق عن الحقائق التي تؤدي إلى إنارة الرأي العام في الأمة الإسلامية، وهو نمط من الصحافة يقدم الحلول ويجيب على التساؤلات التي يطرحها العصر، خاصة وأن المسلمون اليوم يعيشون بين كماشتي الشرق والغرب، وهو ما جعل منهم موضع اهتمام ومطامح ومطامع للآخرين سواء في الشرق أو في الغرب.

وقال “هذا يجعلنا أمام أحد خيارين؛ إما أن نكون سادة أنفسنا نسير أمورنا بكل حرية أو تابعين للآخرين يستغلون ضعفنا ويتخذون منا مكانا للصراعات”.

وأضاف “عليكم أن تعوا هذا الوضع وأن تدركوا أن الهم المحلي جزء من الهم العام للأمة الإسلامية وعليكم كذلك أن تمارسوا صحافة الإنارة التي ينبغي أن تكون بديلا عن صحافة الإثارة التي أصبحت منتشرة اليوم في الكثير من بلدان العالم بما فيها الدول الإسلامية حتى أصبحت ظاهرة عالمية، وهذا النمط من الصحافة يرتكز على الإثارة ولو على حساب الحقيقة”.

ودعا بن بيه إلى عدم تصنيف الغرب أو الحكم عليه كعالم من الشياطين، يضيف “فالغرب ليس شرا مطلقا ولا خيرا مطلقا، لكنه ينبغي علينا كمسلمين أن تكون لدينا رؤية واضحة للتعامل معه باعتباره آخر، ومن هنا يجب على الصحفيين أن يفهموا جيدا الطريقة المثلى للتعامل، فالصحافة محصن من محاصن التربية وعليها أن تقوم بدورها التوجيهي وأن تتجاوز في ذلك الحزبية والقبلية والجهوية كي تبعد المجتمعات عن شبح الحروب والصراعات الطائفية، ويجب عليها توجيه الشباب إلى سمو الهمة، وأن تتمسك دائما بشعار المصداقية،لأنها اليوم تضطلع بنفس الدور الذي كان يلعبه الشعر لدى العرب قديما”.

وحول التأصيل اللغوي لكلمة الصحافة يقول العلامة ولد بيه إن كلمة الصحافة تتغير بتغير الصيغة اللغوية فإذا فتحت الصحافة كانت خصلة حميدة وإذا كسرت كانت مهنة وضيعة.

وطالب الشيخ ولد بيه في نفس الوقت من القائمين على الشأن العام في موريتانيا والعالم الإسلامي ككل تسهيل مهمة الصحفيين الشاقة بمنحهم الحرية الكاملة كي يمارسوا دورهم بكل كرامة، لكنه في المقابل حذر من ممارسة الحرية غير المسؤولة التي قد تؤدي بصاحبها إلى المزالق الخطرة.