ارشيف ل July, 2017

ماذا يعني العلامة ابن بيه بهذه الجملة في كتابه الإرهاب

طالب علم من دولة ماليزيا يسأل :

ماذا يقصد العلامة عبدالله بن بيه بماذكره في كتابه “الارهاب التشخيص والحلول ” حيث يقول :

الوسطية هي أن “تفرق بين المتماثلات وتجمع بين المتباينات،”؟
..

يجيب شيخنا العلامة عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه

معنى ذلك أن الفقيه في نظره إلى الفروق يفرق بين فروع متماثلة في الصور للمح اختلاف في القصود، فهو يفرق بين عاصى بسفر وعاصى في سفره، مع أن صورة العصيان واحدة؛ إلا أن الصورة الأولى روعي فيها القصد الأول فمنع من الترخص، والصورة الثانية روعي فيها القصد الحادث فأجازوا فيها الترخص، وذلك على قول المفرق، ومن هذا القبيل فصل النتيجة عن المقدمة واللازم عن الملزوم في قضية الحكم بميراث مدعي النسب بالشاهد واليمين مع الحكم بعدم اللحوق، والأصل أن الميراث هو نتيجة النسب، والنسب لم يثبت. فالتلازم الشرعي ليس كالتلازم المنطقي.
فهذا معنى التفريق بين المتلازمات بالجملة، وقس على ذلك نظر الفقيه في المصالح والمفاسد الذي يرجح فيه فرعاً على الفرع وموقفاً على آخر.
أما المتباينات التي يجمع بينها الفقيه مع اختلاف في الأصول فهي كالجمع بين أحكام الصداق وأحكام الثمن في البيع مع تباين ماهية العقدين. قال خليل: “الصداق كالثمن،،،”. وكذلك قياس الإجارة على البيع مع تعلق الثاني بالذات والأول بالمنفعة، قال ابن عاصم:

فالحاصل أن الفقيه بنظره الدقيق واستعماله لأداة الاستحسان وآليات الاستصلاح لا ينصاع للتصور الأول، و لا يستجيب لفطير الرأي.

النص الكامل لكلمة العلامة عبدالله بن بيه في الأمم المتحدة 14\07\2017

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صلِّ على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى إخوانه من المرسلين.

السيد الأمين العام للأمم المتحدة،

السيد آداما ديانغ،

السيد فيصل بن معمر،

أيها السيدات والسادة،

إن هذا الموضوع الذي اجتمعنا اليوم للتذاكر فيه مهم في حياة الأمم منذ وضع بنو آدم أقدامهم على هذه الأرض في رحلة الاستخلاف، فمنذ قصّة ابْنَي آدم قابيل وهابيل لم تزل قضية العنف الشغل الشاغل للأنبياء والمصلحين والفلاسفة ورجال السياسة والقانونيين.

ومع ذلك لا يزال العنف بمحرضاته الباطنة والظاهرة والداخلة والخارجة يشكِّل أهمَّ داء لا يوجد له دواء وأهم خلل بل أهمّ فشل للحضارة الإنسانية المعاصرة التي وضعت لأول مرة مصير البشرية بين يدي مخترع إنساني يتمثل في أسلحة الدمار الشامل التي تتحكم بها نزعات الانسان ونزواته، تلك نتيجة تغييب، سؤال الأخلاق: لماذا!

وإنّكم أيها السادة تجتمعون اليوم لمعالجة أحد جذوره الراسخة وتقارعون أحد حصونه الشامخة ألا وهو التحريض على العنف. فالتحريض هو الدعوة المباشرة أو غير المباشرة إلى إعمال القوة بغير وجه حقّ ضد شخص أو مجموعة، لدينها أو لونها أو عرقها أو مستواها الاجتماعي أو أي شيء من ما يميزها.

ورغم تعدّد المقاربات التي تم تناول هذا المفهوم منها – قانونيا وأخلاقيا وفلسفيا– لا يزال مفهوما غائما يثير من الإشكالات ما يستوجب من أهل الاختصاص أن يعيدوا فيه النظر لبيان حدوده وضبط متعلقاته وجلاء الغموض الذي يشوبه باعتبار المعيارية الأخلاقية من جهة والقانونية من جهة أخرى.

انطلاقا من دور رجال الدين، سأتكلم هنا عن المقاربة اللاهوتية الثيولوجية التي تبنى على فلسفة الدين العميقة ومقاصده السامية لتقدّم للإنسانية خطابا يبحث عن مسوغات السلم والعافية بدلا من مبررات الفتن والحروب، ويعمل على تحييد محرضات العنف والكراهية وعوامل الاستفزاز والتوتر.

خصص منتدى تعزيز السلم منذ تأسيسه في مطلع سنة 2014، جهوده للقيام بعملية حفر معرفي في الأصول الإسلامية والإنسانية للكشف عن نصوص السلم المنسية ومقاصده المعطلة والتذكير بقيمه المضمرة وفقهه المطمور، ولتفكيك خطاب العنف قضية قضية ومفهوما مفهوما ببيان عواره والكشف عن أخلاله المنهجية والتصدي لعملية التحويل التي أخضعت لها المفاهيم خارج الضبط العلمي بتفكيك مركبها وإعادة بناءها، فاستطاع بهذا أن يسهم في نزع اللبوس الأخلاقي الذي يستقوي به الخطاب التحريضي ويسلبه الشرعية الدينية التي تلبّس بها.

ومن أهمّ المبادرات التي قام بها المنتدى المندرجة في هذا المسعى إصداره مطلع سنة 2016 إعلان مراكش التاريخي لحقوق الأقليات في الديار الإسلامية الذي يعتمد على صحيفة المدينة النبوية، لذا نرجو أن يشكل إعلان مراكش إضاءة في الثقافة العربية والإسلامية وأن يسهم في التأسيس لمرحلة جديدة من محاولات الفهم العميق للتراث الديني لبناء تعايش في الحاضر والمستقبل، فإعلان مراكش كان وقفة مع النص الديني ومع التراث بأدوات الاستنباط المنضبطة،، في تجلياته في التسامح والوئام والتعايش، وقد جسد دور رجل الدين تجاه تراثه ونصوصه الدينية وتجربته التاريخية بالبحث عن الأسس السليمة للتعايش ونبذ العنف والكراهية.

بيد أنه بالمقارنة مع السّياق الذي نشأ فيه التكييف القانوني لجريمة التحريض على العنف في القرن التاسع عشر في فرنسا، أصبح هذا التحريض أكثر تركيبا وتعقيدا، مما يجعلنا ندعو إلى ربط مبدأ حرية التعبير الذي أصبح مبدأ مقدسا في الحضارة السائدة بمبدإ المسؤولية عن نتائج التعبير. فرغم ما قد يكون له من إيجابية في بعض البيئات المختلفة، فنحن نعتقد أن من أهم محرضات العنف ومؤججات الكراهية ما تمارسه بعض وسائل الإعلام الحديث حيث تتفنّن في عرض النزاعات، فما ينشب نزاع حتى تصنف أطرافه، لتدفع لكل منهم لقباً، يدافع عنه، وتبثّ ليلا ونهارا على جمهور لم يكن محصّنا ولم يكتسب مناعة تجعله يمتنع عن التفاعل مع دعوة الحروب والتدمير الذاتي، وقديماً قيل: إنّ الحربَ أوّلها كلامُ.

ولهذا فقد يكون من المجدي أن يراجع العقلاء والحكماء والساسة والقانونيون مبدأ حرية التعبير بشكل براغماتي نفعي ينظر إلى التأثير الميداني له وخاصة في دول العالم الثالث حيث يموت مئات الآلاف ضحايا للتضليل الإعلامي، يبحثون عن حرية لم ينالوها وعن سعادة لم يدركوها، فآل الأمر إلى تدمير شاملٍ للدول والشعوب، بالإضافة إلى العوامل الأخرى الطائفية والدينية والعرقية التي لا ينكر تأثيرها ولا يستبعد حضورها وتحضيرها.

فلهذا أنا أدعو رجال الدين من كل الديانات أن يقوموا بخطوات حاسمة لعزل العناصر المحرّضة وإبعاد التأويل المحرّض عن مجال الممارسة الدينية، وذلك ما قام به المنتدى في ضبطه للمبدأ الإسلامي في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعية.

على أصحاب الديانات أن يعتبروا كل تحريض أو هجوم على واحدة منها هجوما موجها للجميع، ويمكن أن نأخذ الإسلامفوبيا كمثال على ذلك.

إن التصالح بين الديانات الذي لا يتحقق السلام بدونه حسب هانز كوينج، لا يكفي بل لا بد من تحقيق التضامن.

وإن إنشاء المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف (اعتدال) في الرياض سيمثل رافدا كبيرا لمواجهة خطاب الكراهية.

ومن الملائم العمل على أن تكون القوانين ناشئة لمعالجة البيئة التي تراد لها، بعيدا عن القوانين المستنسخة التي تلغي الخصوصيات والتفاوت بين المجتمعات وتغفل التراكمات التاريخية والمجتمعية. ولهذا فإن الدعوة إلى حرية تدنيس المقدَّس وشتم رموز الإنسانية الذين نؤمن بأن معنى الوجود وصل إلينا من خلالهم، هي من هذا الصنف من حرية التعبير المحرّضة على العنف والكراهية والمؤذنة بخراب النظام العام للمجتمعات.  وفي هذا الصدد فإني أنوّه بتجربة بعض الدول العربية والإسلامية في وضع الأطر القانونية والتشريعية لحماية التعايش ومكافحة خطابات الكراهية والعنف، وبخاصة القانون الذي سنته دولة الإمارات العربية المتحدة لمكافحة التمييز وخطاب الكراهية وازدراء الأديان، لأنّه يتسم بالواقعية ووضوح الهدف، فهو من جهة ينظر إلى واقع المجتمع الذي سيطبّق فيه، ومن جهة أخرى فهو يهدف إلى حماية المجتمع وتحصينه ضد خطابات الكراهية والتحريض على العنف.

وفي الختام أتمنى للقائكم هذا النجاح وأدعو له بالتوفيق.

المحاظر مكانتها التاريخية ودورها المستقبلي المطلوب

 

*ملاحظة (هذا النص هو تفريغ لكلمة مسموعة)

الأخ الأستاذ / محمد سعيد ولد همدي

      أشكر لكم دعوتكم الكريمة إلى المهرجان الثقافي الكبير الذي يشكل منطلقاً بتقويم جاد للتراث الموريتاني الأصيل ومسحاً شاملاً لمختلف جوانبه وبانورما (مشهداً) تنعكس عليه ألوانه وأطيافه ، ممثلا مختلف مكوناته .

      إن الموضوع الذي سأتناوله- المحاظر- موضوع هام  في ظروف العولمة المتمثلة في شقها الثقافي في الإذاعات و التلفاز والانترنت ،إلى جانب وسائل المواصلات التي جعلت الشرق غربا والغرب شرقاُ ، إن الاتصال والمواصلات جعلا البشرية تعيش في الفضاء واحد أو قرية كونيه واحدة ، مما نشا عنه وضع ثقافي لا يعترف بالخصائص ولا الخصوصيات كاد أن يغير الإنسان بله ويلغي المسلمات ، إننا بحاجه لبث روح المقاومة في الجسم الثقافي لشعبنا وتحصين ناشئتنا .

  وأعترف أن التحصين الكامل قد يكون متعذراً في جو يصدق فيه قول الشاعر :

على أنها الأيام قد صرن كلها ** عجائب حتى ليس فيها العجائب

 

إن المحاظر كما هو معروف إسم أطلقه الموريتانيون الشناقطة على  مدارس العلم وهو إسم تميز به هذا البلد ، كما تميز إلى حد ما بمضمونه وشكله .

إنه اسم عربي أصيل قد يرى البعض أنه مفعل من الحضور مالت فيه الضاد ألمستطيله إلى ظاء مشالة والمحاظر القوم يحضرون على المياه ومنه قول لبيد: والوديان وكل مغنى منهم وعلى المياه محاظر وخيام .

كما يمكن أن تكون مفعلة من الحظيرة بالظاء المعجمة الماشية من حظر يحظر إذا اتخذه حظيرة ، لأن المحاظر إذا كانت متنقلة فقد يكون مقرها عبارة عن حظيرة ترتب على عجل من أغصان أو من الحشيش المتوفر في المنطقة (الأسباط) أو الأذخر ، لكنها تحمل بين دفتيها علم الجامعات ، فالعبرة بالمعنى لا بالمبنى . تحير فيها أهل المشرق العربي فسموها مره مجالس ، وتحير فيها الأوروبيون فسموها مدارس قرآنية ، لكن عدلوا فيما بعد عن هذا الاسم فسموها (التعليم ما بعد القرآن) ، ( كريستان لقرعن مدارس شنقيط العليا ) كما يقول بول مرتى عن محظرة والدي الشيخ المحفوظ : لقد أنشأ مدرسة للحقوق .

ومهما يكن من أمر فالمحظرة هي المحظرة ، لم يكن شكلها الخارجي يحكم مغزاها وإنما يتبادر إلى الذهن مضمونها العلمي ومنهجها المتميز ، إنها رمز المحافظة على الهوية ، إنها رمز التميز ، إنها رمز المقاومة السلبية – الايجابية ضد المستعمر ، إنها رمز البر والجلد .

وبعد : فأن المحاظر أنواع منها ما هو مخصص في القرآن الكريم ، وهذه لا يخلو منها حي ولا قرية في الغالب ولا أدباي ، مرابط يعلم الأطفال القرآن ، ومنها ما تضم إليه مبادئ الفقه والعقيدة ، ومنها تلك المحاظر الكبيرة التي هي جامعات إسلامية كبيرة تدرس فيها العقيدة والقرآن وعلومه من رسم وتجويد وقراءات وتفسير ، والسيرة والحديث النبوي وعلومه وعلوم افقه وقواعده وأصوله ، واللغة والنحو والصرف والبلاغة ، من معان وبيان وبديع والشعر والعروض ومنطق أرسطو والفرابي ، والحساب ، والجبر التي تخدم علم المواريث ، مما توصلت له جامعات بغداد وقرطبة في القرون الوسطى ، كذلك بعض العلوم الفكية التي تخدم معرفة الأوقات والفصول السنوية ، وهناك المحاظر ذات البعد الصوفي .

مميزات المحظرة :

الحرية : طلاب المحاظره أحرار في اختيار العلم والفن الذي يدرسونه والمنهج الذي يفضلونه والشيخ الذي يتلقون على يديه (حيث يوجد عدة أشياخ)، والفترة التي يقضونها.

الديمقراطية والمساواة :

المحظرة لا يسال فيها الإنسان عن نسبه ولا عن حسبه لكل احد الحق في الانتماء إليه كل بحسب مقدرته وموهبته، كذلك فان الفوارق الطبقية تمحي في المحظرة ولا مجامله في هذا، فالذي يتفوق تصبح له مكانته المتميزة فلا طبقات اجتماعية، كما أن فوارق السن لا تأثير لها فالشيخ الكبير قد يجلس مع الغلام الصغير يدرسان نفس الدرس كما يتصدر الشاب الحدث الذي شهد له بالكفاءة.

المجانية :

المحاضره لا تأخذ رسوما من منتسبيها فالموسر من الطلبة ينفق على نفسه والمقتر (الغريب )ينفق عليه الشيخ أو زملاؤه  أو أهل الحي .

منهج المحظره :

منهج متميز في ترتيب العلوم ،  حيث يبدأ الطالب بالقرآن والسيرة ويتدرج في العلوم من فقه ونحو، وقد تختلف المناطق الموريتانية في ترتيب العلوم والأولويات لكن أمرا مهما يجمع هذه المحاظرهو ضرورة الحفظ وهو خصية للثقافة الاسلاميه تمتاز بها عن الثقافة اليونانية والرومانية  التي كانت سائدة على حدود الفضاء الثقافي الإسلامي ، فنعلم إن القرن الأول من الهجرة كانت العلوم فيه بالرواية /وفي نهايته أمر الخليفة عمر بن عبد العزيز ، ابن شهاب الزهري بكتابة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم  وبدأ تدوين العلوم الأخرى من نحو ولغة متزامنا مع انتشار الإسلام على فضاء الحضارات الأخرى، حيث دون المسلمون المنطق والفلسفة والأصول .

وظاهرة الحفظ والرواية والحكاية هي ظاهرة افريقية أيضا كما هومعروف يسمى بالأخبار الشفاهية .

ولقد ضرب شيخ محدثي المغرب العربي الشيخ عبدالله الكتاني بالشناقطة المثل قائلا : لايستغرب حفظ الصحابة فهولاء الشناقطة يمتازون بالحفظ.

إلا إن الحفظ ليس مناقضا للفهم كما يحلو للبعض، بل إن الحفظ مقدمة الفهم وبعض علماء الحديث ما كانوا يأخذون عن من يرجع إلى أوراقه فلا  بد إن يكون حافظا. قال الشافعي رحمه الله :

علمـــي معــي حيثما يمــمــت يــتــبعــنـي      صـــدري وعـــاء له لاجــــوف صـنــدـوق

إن كنت في البيت كان العلم فيه معي      أو كنت في السوق كان العلم في السـوق

 

    هذه حالة الموريتانيين فولد التلاميد ، ومحمد الأمين ، وسيدي عبدالله ، والشيخ محمد الأمين بن محمد المختار، وغيرهم كانوا مضرب المثل في الحفظ.

    وأود أن أضيف هنا أنه في بعض البلاد العربية أعجب الناس بهذا المنهج من خلال تعرفهم على بعض العلماء فطلبوا إنشاء محاظر في ديارهم ، فالشيخ عبدالرحمن بن بلال وقد استدعي من طرف جامعة الإيمان في اليمن ، طلبوا منه أن ينشئ محظرة ، والشيخ بومي ولد بياه في الكويت .  وقد التقيت ببعض أهل تلك البلاد وقد حمدوا النتائج التي حصل عليها أبناؤهم الذين استقامت ألسنتهم ، وفي أمريكا فان تلاميذ العلامة البركة الشيخ الحاج ولد فحفو  وهم من الأمريكان  قد أسسوا محظرة بولاية كاليفورنيا باسم الزيتونة يديرها الأخ الشيخ حمزة يوسف تدرس على الطريقة الموريتانية المتون والشروح ، وفيها بعض أبناء وتلاميذ الشيخ الحاج يدرسون.

    إنه مما يثلج الصدر إن ترى أبناء المحاضر يدرسون ويقضون في دول المشرق العربي جنبا إلى جنب مع حملة الدكتوراه من اكبر الجامعات الاسلاميه في المشرق ، وفي كثير من الأحوال يبزونهم. وهناك حكاية خريج محظرة متوسطة ليست من الوزن الكبير اختبر مع دكتور في الشريعة من إحدى الدول الإسلامية اختبارا شفهيا سريعا فلم يستطع الدكتور الإجابة بينما بادر خريج المحظرة بالإجابة فنجح بالوظيفة.

إنهم يتفوقون دائما في الشرطة وبعض وظائف الإدارة ، إنهم أبناء المحاظر ، اتهم عمله موريتانيه الصعبة إنهم رمز.

      إن ظاهرة المحظرة كانت عامه في الأراضي الموريتانية ، وبين جميع المكونات الوطنية ، وقد يكون المرء في حرج أن يذكر أمثلة محددة لكثرة الأمثلة ، ولأن المحاظر متفاوتة في عمرها وكثرة طلابها وتنوع علومها ، ولأضرب مثلا بمحظرتي التي تربيت فيها بفرعيها (الغويركة وغازة) والتي أعرف الكثير عما قيل فيها شعرا ونثرا، ليس لأنها أفضل المحاظر ولكن لأني اعرف عنها أكثر من غيرها.  قد يكون من المناسب أن أضرب مثلا بولاية واحدة “ولاية قيدماغا” ، ففيها كما يقول الفرنسيون اثنتان وأربعون محظرة ،يقودها اثنان وأربعون أستاذا من الأساتذة من علماء المنطقة ، ومنهم على سبيل المثال : عبده كيتا 1845م  وديوقتورو وعمار يس وآمادي خونا كمرا.الخ. .

تلك هي الاحصائيه التي سجلها الفرنسيون ففي هذه المذكرات التي سجلت بين سنتي 1906-1908 وكتبت في باريس بتاريخ يونيو أغسطس 1908يسجل الفرنسيون اثنتين وأربعين محظرة موزعه بين سيليبابي 6محاظر و 16 في جاقيلي و9في جوقيتور و 3 في صولو و4 في كومبا انضاو،وقابو ،وبعض القرى الأخرى. وهذي المحاظر في مرجعيتها تدل أن التعليم المحظري كان موكدآ للحظه متماسكة بين المكونات الوطنية ،حيث نجد أنا بعض هولاء اخذ عن إخوانه في تكانت كالشيخ باب بن بوكه المسمومي،ومحمد عبدا لله بن الطيب ألطالبي ، إلا أنا هذه الولاية تضرب المحاظربها في المثال لمقاومه الاحتلال الاستعماري لقد كان مشاييخها في غاية الحضور مما استوجب من المحتل إنا يضرب مثلا في عدم احترام الثقافات الاخرى،حيث أحرق المكتبات. وهذه الشهادات ليست من أهل قيديماغا الذين خضعوا للاستعمار كبقية الوطن الموريتاني ،ولكنهن كانت من طرف المستعمر نفسه والذي يكتب هذه المذكرات والشهادات عن ضابط فرنسي اسمه العقيد فوري ،الذي كان يحرق المكتبات ،انه مثال ضربته محاظر كيديماغا المقاومة.

   إن المحاظر جعلت من هذا البلد منارة يهتدي بها ونبراسا يستضاء به  فلم يكن في شمال أفريقيا ولا في غربها  من له قدم راسخة في اللغة العربية   وإجادة الشعر منذ ثلاثة قرون كالموريتانيين .

      المحاظر والمستقبل   :

        إن هذا هو السؤال المهم الذي يجب أن نركز عليه في عملنا في هذا الاجتماع  : إن البيئة التي انشأت المحاظر هي بيئة متدينة ذلك هو العمال الأول ، وفي بيئة تقوم على توازن طبقي معين ، وفي بيئة تضامنها تقليدي، كل كذلك يسمح للمحظرة أن تنمو نموا طبيعيا وذاتيا  بلا داع و ضرورة لتدخل سلطه أو غيرها .

   وعلى العكس من تلك  العوامل  ففي نطاق العولمة فان البيئة يفترض أن تتعرض للعلمنة بفعل الوسيط الإعلامية والاتصال ، مما يحمل على الاعتقاد أنها ستكون  اقل  التزما ، مع أنه افترض ليس أكيد. كما أن التوازن الاجتماعي الوظيفي يختل مع الوقت لصالح مجتمع تتغير وظائف أعضائه،حيث تنشأ طبقات على أساس جديد هو أساس الثروة والغنا من جهة والفقر والملق من جهة أخرى.

        كما أن التوازن التقليدي الذي كان يسمح باستيعاب أبناء المحظرة في سوق العمل لم يعد قائما في ظل طلبات ملحة لسوق العمل عن تخصصات أخرى.

     كما أن التضامن الاجتماعي الطوعي الذي كان أساسا من أسس المحظرة يسمح للشيخ أن يدرس ويتلقى الهدية والمساعدات حتى ينفق على طلبتها ، سيشح هو الآخر ،حيث أنا الطبقة الوسطى التي كانت تعيش عليها تضمحل ليصبح المجتمع بين طبقتين أحداهما ثرية والأخرى مملقة. ذلك قانون العولمة الذي يهجم على دول العالم الثالث دون عدة ولا استعداد ، فلا زراعتها ولا صناعتها تتحمل المنافسة في محاولة للنمو في ظروف يتعثر فيها النمو …ذلك شان آخر .

      الذي يعنينا ألان هو المحظرة  : في هذه البيئة الجديدة لابد من التفكير في المحاظر من خلال المؤسسات  ،وليس من خلال النظرة الفردية،

إن الأفراد والأسر الفاضلة هي التي أنشأت المحاضر ولا يمكن استبعادها. لكن يجب إيجاد صيغ تعاون بينها وبين المؤسسات ،سواء الحكومية كالوزارة الشؤون الإسلامية ، و وزارة محو ألاميه أو الأهلية كجمعية المحاظر والمساجد ، وحتى مع الجهات الممولة كالبنك الدولي الذي نهنئه لاهتمامه بالشأن الثقافي وكالبنك الإسلامي للتنمية في جده … لابد إذن أن نهتم بهذا الجانب.

      والهيئات السالفة الذكر قد قامت بمجهود يشكر. نذكر منه بنسبه لي وزارة محو الأمية تفريغ العشرات من المعلمين لفائدة المحاظر كم أنها  ومنذ استقلال بلدنا والمحاظر تشكل الرافد الأساسي لاكتتاب المعلمين والقضاء الشرعي وهذا مجهود استمر و يجب الإبقاء على هذا المجهود.

لقد كان أبناء المحاظر هم الذين عربوا البلد بعد الاستقلال ونزلوا في المحكم يشتغلون ونزلوا في المدارس يدرسون…

نحن لم نكن بحاجه إلي المشرق لتدريس الغه العربية بل أن ابنائنا كانوا أساسا لأكتفائنا .ولما نكن كغيرنا من الدول الأخرى التي التجأت إلي الدول الأخرى.

إن توسيع حلقه التفكير بين الجهات المعنية والمؤسسات سيقود حتماً الى البحت في ثلاثة محاور :

– كيف نحافظ على المحاظر بمميزاتها الاساسية ، حرية المنهج ، المساواة في طلب العلم ومجانيته،موسوعيته،أصالته مع ضرورة الانفتاح على العصر والاندماج في سوق العمل .

كيف نضمن تمويلاً يسد الخلة والثغرة التي أشرنا إليها  سابقاً بإنشاء أوقاف استثماريه يشترك فيها رأس المال العام والخاص يمكن للبنك الدولي ولبنك التنمية الاسلاميه أن يتداخلا مع اليونسكو والإيسيسكو …تشرف عليها هيئات غير مركزيه بعيده عن روح الزبونية ، تزدهر المحظرة فيها وتوائم بين الاصاله والمعاصرة وتجعلها أداة من أدوات التنمية ، ووسيلة من وسائل تثبيت المجمع والمحافظة على قيم الإسلام الحنيف ، قيم الوسطية والاعتدال بعيداً عن التطرف والغلو.

 

 إن تعاليم المحظرة وحدها كفيلة بإيجاد تلك الروح لا في بلادنا العزيزة فقط ولكن في كل شمال وغرب إفريقيا ، والإسهام بنصيب وافر في صياغة فكر مستنير أصيل ومنفتح مسالم ومسلم.

         خلاصة القول :

         إن المحظرة يمكن أن تساهم في الإجابة على الإشكال الكبير الذي تواجهه بلادنا وكل البلاد الإسلامية  والعربية، وهي كيف نحافظ على خصائصنا الثقافية وقيمنا في مواجهة عولمة عاتية،تحاول اختزال الزمان والمكان لتجعل من العالم قبيلة واحدة، تنصهر فيها القيم والأعراف في بوتقة واحدة.  إنها عولمة تملك الإدارة والتخطيط والوسائل .

 إن السؤال الملح لم يعد كيف نواجه ؟ ولكن كيف نتعامل مع هذه العولمة لنستفيد من ثمارها ولكن أيضا لنؤثر فيها بدلا من أن نتأثر بها فقط ؟ ذلك هو التحدي الذي تحاول شعوب الأمة الإسلامية أن ترفعه .

        إن المحظرة يمكن أن تسهم في رفع هذا التحدي ، لكن بشرط أن تحتضن من جديد ، وان تطور أيضا تطويرا يضمن لها الانفتاح والاستفادة من التجارب التربوية الإنسانية والاندماج في مسار التنمية.

 

 إن ذلك لا يتم ألا عن طريق جامعة مجهزة بالوسائل والخبرات لا تكتفي باستقبال أبناء المحاظر في مراحل التكوين الجامعي، ولكن تكون بمثابة المشرف على المحاظر والموجه الذي يقترح البرنامج والمناهج التطويرية ويقدم وسائل تطبيقها على أساس دراسات علمية ميدانية تتعامل مع الوقت وتنفتح لآفاق المستقبل ، فعلى الجهات التي اقترحناها أن تقوم بذلك العمل . وأنا تحت تصرفكم للمساعدة في أقامة هذه المؤسسة. إن مثل تلك الجامعة ممكن وضروري .

 

وفقكم الله وأيدنا وإياكم بروحه والسلام عليكم ورحمة الله

معالي الدكتور / عبد الله ولد الشيخ المحفوظ ولد بيه