الكلمة التأطيرية للملتقى الرابع لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة
بعنوان : السلم العالمي و الخوف من الاسلام
تمهيد :
- المنتدى ومنجزاته
- سياق الملتقى الرابع
المحور الأول : معالجة ظاهرة الخوف من الإسلام: الصورة والعوامل
المحور الثاني: رؤية علاجية لمواجهة ظاهرة الخوف من الإسلام
خاتمة: مبادرة حلف الفضول
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على النبي الأمين،
وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين
أصحاب المعالي،
أصحاب السعادة،
أصحاب السماحة والفضيلة
الأخوات الكريمات، الإخوة الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا تزال منن الله سبحانه وتعالى علينا تتوالى، فيشاء الله جل في علاه أن يمن علينا بعقد لقائنا الرابع، وكما عودنا جميل فضله دائما، أن يجمعنا في أبوظبي بدولة الإمارات العربية، أرض المغفور له الشيخ زايد في عام زايد الخير، برعاية أبناء زايد الخير، والخير لا يأتي إلا بخير، وقديما قيل:
فما كان من خير أتوه فإنما
وهل ينبتُ الخطيَّ إلا وشيجه |
*
* |
توارثهم آباء آبائهم قبلُ
وتُغرس إلا في منابتها النخلُ |
أيها السادة والسيدات:
نذكر بأن الموضوع الدائم للمنتدى هو “السلم” والمبادئ التي ينطلق منها، والأهداف التي يضعها نصب عينيه، وقد عبرنا في مناسبات سابقة أننا غرسنا شجرة السلم منذ سنوات أربع، ولم ننقطع عن سقيها على مدار السنوات، ليقوى جذعها ويمتد فرعها، وتثمر أقناؤها وأغصانها السلم والسلام، وأملنا أن تستثمرها البشرية كلها، وتستظل بها الإنسانية كلها.
عند كل لقاء نتساءل: ماذا أنجزنا بين كل لقاء وآخر؟ وماذا سيضيف ملتقانا الرابع هذا للملتقيات الثلاث التي سبقته؟ والسؤال الأهم: لماذا اجتماعنا اليوم؟
منجزات المنتدى بين 2016 و2017
أما السؤال الأول، فبين الملتقى الثالث وملتقانا هذا بدأت لجان موسوعة السلم في عقد ورشاتها تنفيذا لتوصياتكم في الملتقيات السابقة، ومجلة السلم يصدر عددها الثاني، وسلاسل السلم أخذت مسارها.
هذا في ما يتعلق بالجانب الفكري والتنظيري، أما العمل الميداني فبحمد الله كان المنتدى حاضرا في ملتقيات عالمية فقد شارك بدعوة كريمة من رابطة العالم الإسلامي في مؤتمر نيويورك حول “التواصل الحضاري بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي”، وقد أظهر هذا اللقاء كغيره من المناشط مدى الحضور والقبول الدولي الذي تتمتع به الرابطة بقيادة معالي الدكتور محمد عبد الكريم العيسى، كما شارك المنتدى في اجتماع دافوس لمكافحة الاتجار بالبشر بنيورك ، وبدعوة من الأمم المتحدة شارك المنتدى في مؤتمر مواجهة التحريض على العنف وخطاب الكراهية، كما لبّينا الدعوة التي وجهها إلينا رئيس أساقفة الكنيسة الأنجليكانية ببريطانيا حيث أجرينا محادثات مفيدة لخدمة السلام، ولعل من أهم ما ميّز سنتنا هذه استقبال المنتدى بأبوظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة لأول قافلة أمريكية للسلام في محتطها الأولى، وفي محطتها الثانية بالرباط عاصمة المملكة المغربية.
وسنتحدّث عن هذه القافلة والدروس المستفادة لاحقاً.
أما ما سيضيفه ملتقانا الرابع، فهذا منوط بكم، ونعول عليكم أن تمدونا بآرائكم النيرة وتوصياتكم القيمة لنشترك جميعا في هذه المهمة، ولنتعامل مع هذه المرحلة التي تشتد أزماتها وتضيق حلقاتها، ولكن لا نيأس من روح الله، فهناك ما يدل على أن الشعوب سئمت من الحروب، ولم تعد الدعوات الأيديولوجية تحركها، ولا وعود الرفاهية المزعومة تغريها، إن الناس يحبون السلام. وهذا ما سيسعى ملتقانا هذا إلى الإسهام فيه.
وبخصوص لماذا نجتمع؟ فإن اجتماعنا يأتي في سياق البحث الدؤوب عن السلام، من خلال معالجة أمرين:
– الأول: المفاصلة الدينية التي اتسعت دائرتها في المجتمعات المسلمة، وقد تعامل المنتدى مع جانب منها في مؤتمر مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي في يناير 2016.
– الثاني: ظاهرة الخوف والتخويف من الإسلام التي أصبحت واقعا يطرح أسئلة قلقة ومقلقة في الآن ذاته.
وقد خلصنا في اجتماعات مجلس أمناء منتدى تعزيز السلم إلى ضرورة أن نستكمل العمل في ما يخص الدائرة الأولى، وأن نبدأ التعامل المباشر مع الدائرة الثانية، وفي هذا الصدد رأى مجلس الأمناء أن الأوضاع العالمية تدعو إلى الربط بين السلام الذي ندعو له وبين ظاهرة الخوف من الإسلام، فاخترنا أن يكون موضوع الملتقى الرابع هو: “السلم العالمي والخوف من الإسلام: قطع الطريق أمام التطرف”، فنرجو من الله تعالى التوفيق والسداد.
سياق الملتقى الرابع:
نحاول اليوم في هذا الملتقى الرابع أن نقف وقفة تأمل مع العالم من حولنا، وقفة لن تلفتنا عن بحثنا الواصب، وحراكنا الدائب في سبيل السلم، وقفة تتمثل في العنوان الذي اختير هذه السنة “السلم العالمي والخوف من الإسلام: قطع الطريق أمام المتطرفين”.
ومما يرشح هذا الموضوع الوعيُ بدرجة الاهتمام بالعلاقة بين السلم العالمي والإسلام، والتي أصبحت إلى حد ما ملموسة ومحسوسة في أوربا وأمريكا. كما أننا في المنتدى نؤمن بأنه في سياق العالم المعولم الذي انتظمته ديناميكة واحدة، هي ديناميكية العولمة في أبعادها وتمظهراتها المختلفة، من حركة رؤوس الأموال والبضائع، وعملية التثاقف، وتيارات الهجرة الدؤوبة في عالمنا الذي تقاربت أركانه وصار كالقرية الواحدة، لم يعد بوسع أي مجتمع أن يبقى خالصا نقيا دينا أو عرقا، وهذا التنوع في المنطق الديني والإنساني يحتم الوعي بوحدة المصير والمسار، وبضرورة العمل الإيجابي والتعارف والتعايش بدل التنافر والتنابذ والكراهية والتمييز.
وعلى صعيد آخر، يمكن القولُ إن تنامي خطابات الكراهية وسياسات التمييز، يرفد التطرُّف في الضفة الأخرى بأسباب يتمسَّك بها في اكتساب نوع من الشرعية الموهومة ويمدُّه بأوعية متجدّدة لتجنيد المزيد من الأتباع والدماء الجديدة.
ولهذا، فإننا عندما نتحدث عن خطاب “الخوف من الإسلام”، لسنا نُعنى به لمجرد ما فيه من البعد عن الميزان العقلي والميزان الأخلاقي؛ أو ما يؤدي إليه من الأضرار العظيمة والشروخ الجسيمة داخلَ نسيج المجتمعات المركّبة، وما يحتويه من مجانفة لمبادئ نموذج العقد الاجتماعي القائم على أسس المواطنة المتساوية، كل ذلك مهم ولكن مقصدنا الأصلي في تناول هذه القضية هو قطع الطريق على التطرف بتجفيف أحد منابعه وفك الارتباط بينه وبين أحد روافده المتمثل في إعلان المفاصلة النهائية بين المسلمين والعالم كله، لإشعال الحرب الأبدية واللانهائية والعبثية حرب الجميع ضد الجميع، تلك هي المأساة التي تتخادم فيها الإسلاموفبيا والمتطرفون.
ومنتدى تعزيز السلم وإن اختص في توصيفه بالمجتمعات المسلمة، إلا أنه يرى علاقة المسلمين بغيرهم في المجتمعات ذات الأغلبية غير المسلمة باعتبارها موضوعا داخلة في اهتماماته وصميم انشغالاته، لما لهذه العلاقة المتوترة من انعكاسات سَلبية على السلم الاجتماعي في المجتمعات المسلمة وغير المسلمة على حد سواء، لأننا نعتقد أن وسائل تعزيز السلم التي نتبناها في المجتمعات المسلمة هي نفسُ الوسائل التي تنشر السلام في كل المجتمعات الإنسانية، لأن منغصات السلم وعوائقه السلم واحدة في كل مكان، وهي جزء من ظاهرة الرهاب والخوف من الإسلام.
المحور الأول
معالجة ظاهرة الخوف من الإسلام: الصورة والعوامل
ينبغي بادئ ذي بدء أن نؤكد أننا لسنا هنا في مقام محاكمة أو سياق مرافعة قانونية ولا حتى حقوقية حول ما يمسى بالإسلامفوبيا، لأننا -كما اخترنا منذ أول ملتقى- إطفائيون يبحثون عن وسائل السلام والعافية للمجتمعات المسلمة والإنسانية العالمية، فذكر أسباب الظاهرة لا يعني أننا نحاكم أناسا آخرين قانونيا وأخلاقيا، ولا نريد أن نجعل من الملتقى منصة اتهام أو تبرئة، وإنما نبحث عن المقاربة الإيجابية التي تعيد الثقة بين المسلمين وغيرهم، والتي تجلي الصورة الحقيقية والصحيحة للإسلام.
ومع ذلك فإننا لا ندعي الوصاية على مواطني الدول الأخرى فيما يلجئون إليه من الوسائل القانوينة المتاحة لهم للتصدي لخطاب العنف والكراهية ولنيل حقوقهم، فلكل سياق خصوصيته ولكل مجتمع تنزيلاته الملائمة لأطر نظامه العام.
إن بحثنا ليس بحثا تقليديا، وإنما هو تشخيص لتلمس العلاج لهذه الظاهرة، من خلال رصد تمظهراتها، وسبر عواملها. فما هي هذه التمظهرات؟ وما هي هذه العوامل والأسباب؟
1- التمظهرات:
التمظهرات لا تخطئها العين، ولا يحتاج إبرازها إلى كبير عناء، فهي معروفة ليس فقط من خلال ما يكشفه الإعلام، بل بحسب الباحث أن يجدها بارزة وجلية على أعلى مستويات التصريحات الرسمية العالمية.
فتمظهرات الظاهرة تتمثَّل في نمو خطابات الكراهية والتمييز التي بدأت تغزو المشهد العمومي في المجتمعات الغربية من أطرافه، من خلال تنامي حركات كانت إلى وقت قريب هامشية، كأحزاب اليمين المتطرف والأحزاب النازية الجديدة، والتي تبني خطابها الإيديولوجي على فرض التناقض بينها وبين الغير. مع الإشارة إلى أن الكراهية لم تعد خصيصة غريبة بل إن مناطق في العالم الشرقي أصيبت بلوثة الكراهية الإسلام والعنصرية ضد المسلمين من طرف بعض البوذيين وغيرهم.
لا شكّ أن هذه الأفكار قديمة بالجنس في الخطاب التقليدي للحركات الوطنية أو الشعوبية، ولكنها جديدة بالنوع في تشكلاتها الراهنة، حيث إن عنصر الجدة ومظهر الأزمة هو تمكُّن الخطابات الإقصائية ذات النبرة العالية والتعابير الساخطة من جذب قطاعات واسعة من الجمهور في دول كبرى لها إمكاناتها ومكانتها في العالم؛ فأصبحت هذه الخطابات تسهم في صناعة السياسات الكبرى في هذه الدول، فيما يتعلق بالهجرة، وبتحديد الموقف من الأقليات المسلمة، بل وحتّى في توجيه السياسة الخارجية أحيانا.
على أنَّ هذا المشهد المتفاقم لا يمكن أن ينسينا المواقف الحكيمة لحكومات غربية ولأحزاب لها وزنها وثقلها، ولغالبية هيئات المجتمع المدني التي تصدَّت لخطاب العنف والكراهية ضد المسلمين بالمبادرات القانونية وحملات التوعية والتضامن.
2– ما هي الأسباب والعوامل؟
إن من شأن الظواهر البشرية أنها ترجع إلى شبكة عوامل متعددة متداخلة ومتضامنة، وهذه العوامل منها ما هو موضوعي، ومنها ما هو ذاتي، ومنها الحقيقي، ومنها الوهمي، وهذا التعدد هو ما يجعل البحث في الظاهرة متشعبا، ويلزم الباحث حينما يعالج الظاهرة أن يسبُر شبكة الأسباب، ويفحص قوة تأثيرها ليخلص إلى انتقاء العامل المهيمن الذي ينبغي أن يُخص بمعظم المعالجة.
وقد أحصى الدارسون عدة عوامل لكل واحد منها نصيب في تشكيل بناء الظاهرة وتكوين الإشكالية المؤسسة لمفهوم الإسلاموفومبيا.
فمن الباحثين من أناط المشكل بأبعاده النفسية التي يوحي بها استعمال كلمة رهاب phobia، بما تحمله من دلالات وجدانية.
ومنهم من أبرز العوامل الاقتصادية، مشدِّدا على سياق الكساد الذي تمر به الاقتصادات العالمية، ودور المنافسة الأجنبية في سوق العمل في تأزيم وضع البطالة وتدني مستويات الأجور.
ويفضل آخرون الحفر والكشف عن الجذور التاريخية للظاهرة، من خلال إبراز دور الذاكرة في صناعة التصوّرات النمطية السلبية، التي ما تزال موجودة في الذهنيات والوعي العمومي، وتؤطّر البنية الاستباقية للبحث لدى بعض المستشرقين والباحثين.
باعتبار هذا الفكر من رواسب مرحلة تاريخية خلت، حيث نشأ في سياقات تاريخية تتعلّق بالحروب الصليبية وحروب استعادة شبه الجزيرة الإيبرية، أو في سياق بسط أوروبا نفوذها الاستعماري على العوالم الأخرى، وتهيؤها لاحتلال شمال افريقيا، ولنذكر خطاب أرنست رينان الذي ألقاه في كوليج دي فرانس في 23فبراير1862حيث يقول: (في هذا الوقت المناسب، إن الشرط الأساسي لتمكين الحضارة الأوربية من الإنشاء هو تدمير كل ماله علاقة بالسامية الحقة، بتدمير سلطة الإسلام التيوقراطية، لأن الإسلام لا يستطيع أن يعتبر إلا كدين رسمي، وعندما يختزل إلى وضع دين فردي فإنه سينقرض، هذه الحرب الدائمة الحرب التي لن تتوقف إلا عند ما يموت آخر أولاد إسماعيل بؤسا أو يرغمه الإرهاب على أن ينتبذ في الصحراء مكانا قصيا…إن الإسلام هو التعصب، إن الإسلام هو احتقار العلم، هو القضاء على المجتمع المدني، إنه سذاجة الفكر السامي المرعبة، إنه يضيق الفكر الإنساني، يغلقه دون كل فكرة دقيقة، دون كل عاطفة لطيفة، ودون كل بحث عقلاني…إلى آخر كلامه).
إنه تصريح لا يحتاج إلى تفسير، وإن كل تعقيب من شأنه إضعاف النص كما يقول المستشرق الفرنسي المنصف فنسان مونتاي.
ولكن الإنصاف يقتضي أن نؤكّد أن هذا الخطاب كان يمثل فقط أفكار بعض النخبة في تلك الحقبة، ولا يمكن أن نعمّمه، ففي المقابل فالكثير من المستشرقين والباحثين المنصفين عارضوا هذا التناقض بين الإسلام والغرب، ومن أكثرهم إنصافا المستشرق توماس أنرولد في كتابه دعوة الإسلام، فكما أن الإرهاب لا يمثل رأي المسلمين أجمعين، فكذلك خطاب الكراهية لا يمثل رأي الغرب أجمعه.
بدون أن ننفي العوامل الأخرى، نقول إن العامل المسيطر والسبب المهيمن هو العلاقة المزعومة بين الإسلام والإرهاب وبما أن البعد التاريخي الذي يختزل الذاكرة التاريخية في البعد الصدامي ويحاول البعض أن يؤسس عليه حتمية الصدام الحضاري، قد أصبح رغم فعاليته يتوارى وراء العامل المسيطر وهو مسألة الإرهاب، حيث انضاف خلال العقود الأخيرة إلى السخيمة التاريخية ركام حوادث تحولت إلى أحداث مدوية، افتات فيها أفراد على الغالبية العظمى من المسلمين، فصدَّق كهانُ صدام الحضارة ظنهم وتحولت الكهانة إلى كارثة.
ومن المفارقات أن المسلمين في الإرهاب ضحايا من جهتين، فإن أكثر ضحايا الإرهاب من جهة هم المسلمون أنفسُهم، ومن جهة أخرى يظل المسلمون هم المتهمين الدائمين في جميع قضايا الإرهاب.
تلك التهمة الناشئة عن جهل بالإسلام وتحريف للمفاهيم.
ولا يزال المنتدى على عهده ووعده، سائرا في دربه في التصدي لدعوى الربط بين الدين والعنف، والاضطلاع بدوره في تفكيك منظومة المفاهيم التي يتوسل بها المتطرفون في تبرير العنف بالدين.
تحدث فرنسيس فوكوياما عن الأيديولوجيات المجنونة، وعن الديانات المجنونة، وخلص إلى أنه كما ماتت الأيديولوجيات المجنونة ستموت الأديان المجنونة كذلك، وإذا اتفقنا معه في إمكانية أن تكون هناك أيديولوجيات مجنونة، فإننا لا نسلم له بوجود ديانات مجنونة، لكن ينبغي أن نقر أن صناعة التدين التي هي صناعة بشرية، أحالت الدين هو في أصله طاقة تصنع السلام إلى طاقة تصنع منها القنابل المميتة المبيدة للبشرية المهلكة للحرث والنسل، حين جعلت الدين وقودا لنزاعات في أصلها دنيوية وسياسية، وجعلته يتفاعل كيميائيا مع تاريخ متخيل معسكر، وهذا ما يعني أن صناعة التدين إذا لم نحسن إتقانها، ولم ندرك أبعادها، فإنها يمكن أن تنفرط، وتتحول من رحمة إلى عذاب.
وقد عانت المجتمعات المسلمة من صناع هذا النوع من التدين من أهل الثقافة المأزومة الذين حكموا بالجزئي على الكلي، وتجاهلوا الواقع وعاشوا في القواقع، فقدموا فتاوى تتضمن فروعا بلا قواعد، وجزئيات بل مقاصد، تجانب المصالح وتجلب المفاسد، فخلقوا فوضى فكرية سرعان ما استحالت دماء مسفوكة رغم عصمتها، وأعراضا منتهكة رغم حرمتها، وعمدوا إلى مجموعة من المفاهيم كالجهاد ، وكالولاء والبراء، وكتقسيم الدار، وكالجزية وأهل الذمة، فانحرفوا بها عن سياقاتها اللغوية والشرعية والتاريخية، وخرجوا بها عن مقاصدها، ونسفوا كل شروط النظر الفقهي فيها، ولبَّسوا على المُغرَّر بهم مضامينها، وقفزوا على كل عناصر منهجية التعامل مع المفاهيم والنصوص الشرعية، وقد كان هذا الفكر ومنهجه ومخرجاته مادة عمل المنتدى في ملتقياته السابقة، حيث صححنا كثيرا من هاته المفاهيم، وبينا عناصر المنهجية التي تموقع نصوص الشريعة ومفاهيمها وتموضعها بتأويل تقره الأدلة ومقاصد الشرع.
أما في المجتمعات ذات الأغلبية غير المسلمة، فقد طفت على السطح ظاهرة الخوف من الإسلام أو على الأصح التخويف من الإسلام، اعتمادا على أحداث سيئة، أو اعتمادا على الواقع المستشري في الكثير من المجتمعات المسلمة، تنمط صورة الإسلام والمسلمين، خاصة بعد تمكن الجماعات المتطرفة والمأزومة من استقطاب شباب ولدوا في الغرب، ونشأوا في الغرب، ولم يعرفوا لهم وطنا إلا بلدان الغرب، وإقحام هؤلاء الشباب في أتون الحروب التدميرية في منطقة الشرق الأوسط وغيرها، وإقدامهم على ارتكاب أعمال إجرامية في البلدان التي ينتمون إليها سواء كانوا أصليين في تلك البلاد، أو كانوا من الأجيال الثالثة والرابعة من المهاجرين الذين هاجروا إليها.
وتنميط صورة الإسلام والمسلمين مرده في تصورنا إلى مجموعة من العناصر من بينها:
– التصورات الزائفة عن الإسلام النابعة من الجهل به، والقاعدة تقول: من جهل شيئا عاداه، فمن يعادي الإسلام ينطلق من نفس المفاهيم التي تنطلق منها الفئة المتطرفة كالجهاد، والولاء والبراء…
وهذا التصور الزائف مؤسس على مفاهيم اجتثت من سياقاتها اللغوية والشرعية والتاريخية، وبتنزيلها المنحرف أحدثت أذى وإضرارا بالإسلام والمسلمين قبل غيرهم، وقبل الديانات الأخرى، وما تفجير المساجد والمعابد إلا دليل على ذلك. وهذا هو سبب الأسباب، وأس الأساس، الفكر المشوه، والثقافة المألوسة المأزومة. ولا يعدو الأمر أن يكون فهماً خاطئاً، وتصوراً منحرفاً لأفراد، ومجموعات لا تمثل السواد الأعظم، ولا الرأي المعتمد.
– فكرة صدام الحضارات وصراع الأديان، واعتبار قيم الحياة الاجتماعية الإسلامية غير قابلة للتواؤم والتعايش مع غير المسلمين، وينظّر لها مفكرون وخبراء استراتيجيون، وفاعلون سياسيون، ومؤسسات إعلامية وفنانون، وهى قاعدة “صدام الحضارات” التي أعلنها هانتغتون والتي ألح فيها على أن الصدام قائم منذ قرون وأنه لن ينحسر، وبذلك اكتملت الصورة التي دشنها فوكوياما بنهاية التاريخ وأعلن فيها انتصار الحضارة الغربية.
إن الإيحاء بحتمية الصدام نتيجة تنوع الحضارات، إنما هو دليل على فشل كل حضارة في أن تدرك أهمية الاعتراف بحق التنوع، وهو الحق الذي سنبني عليه رؤيتنا في العلاج باعتباره أساسا للحوار ووسيلة للتعارف.
– سلبية بعض المجموعات المسلمة في المجتمعات ذات الأغلبية غير المسلمة، وتخوفها من الاندماج في المجتمعات المحتضنة لها، إما كرد فعل على واقع التمييز والكراهية، وإما لاعتبارات ترجع إلى فهم ضبابي لمسألة الولاء للدين والوطن الأم، دون إدراك لأن الولاءات لم تعد دينية، بل صارت ولاءات مركبة ومعقدة تتحكم فيها عوامل متداخلة لا تنفصل عن بعضها، وينظر إليها باعتبارها دوائر ومراتب بإمكانها أن تتواصل وتتفاعل بدلا من أن تتصادم وتتقاتل.
إن المرعب في هذا الواقع، سواء تعلق بالتطرف الديني والمذهبي العقائدي، أو تعلق بظاهرة الخوف من الإسلام أنه يواكب فترة زمنية تمتلك فيها البشرية أسلحة دمار شامل في إطار نظام عالمي قائم على توازن الرعب مع غياب الضمانات الكافية لعدم استعمالها؛ وخروج بعضها عن مراقبة الدول وسلطتها. وقد كنا من عهد قريب نسعى إلى إطفاء حرائق جسد المجتمعات المسلمة، لكن يبدو أننا في حاجة إلى العمل الشاق على إطفاء حرائق جسد العالم وخفض حرارته التي يزيد منها التنازع على السيادة في بعض المناطق أو على الثروات الطبيعية والمياه، والمطالب الانفصالية، والجريمة المنظمة، والمجاعات، والهجرات الجماعية غير المقننة، دون أن ننسى مخاطر التلوث البيئي على المستوى العالمي، والحديث عن الهويات الدينية والمذهبية والعرقية التي انتفخت، وعن ذاكرة السوء التاريخية التي استيقظت تجر موكباً من المتعصبين والإيديولوجيات المتحاربة في الشرق والغرب، في عالم معولم تشيع فيه الأفكار والثقافات المختلفة، وتروج فيه المبادلات الاقتصادية والابتكارات التكنولوجية، ومن المفارقات أن وسائل التواصل والمواصلات زادت الهوّة اتساعاً بين البشر بدلا من أن تقرب العقول والأفكار.
كل ذلك يقدم أسئلة ويستدعي بحثا عن الأجوبة.
هل يجوز للأديان أن تكون طرفا في هذه الصراعات، تحش نيرانها حينا، وتكون أداة فيها حينا، وتخوف من بعضها البعض، أم ينبغي أن تجعل من نفسها المخلص المنقذ للإنسان والأوطان، فتكون عامل بناء لا هدم، عامل وقاية لا عدوى؟
هل من الضروري أن يخلق كل عصر “إسلاموفوبيا” خاصة به؟
هل من الضروري أن تنطبق على الواقع مقولة هيجل: “إن كل ما نتعلمه من درس التاريخ أنه لا أحد تعلم من هذا التاريخ” أم إنه ينبغي أن نتعلم من هذا التاريخ حتى يستقر السلم العالمي؟
أليس من الواجب تفعيل مقولة هانس كيونج: لا سلام بين الأمم ما لم يكن هناك سلام بين الأديان؟
المحور الثاني
رؤية علاجية لمواجهة ظاهرة الخوف من الإسلام حفظا للسلم العالمي
تَتَرَتُّب رؤيتنا العلاجية على طبيعة المعالجة الآنفة وعلى ما جلّيناه من هيمنة العامل المتعلّق بالإشكال الحضاري والديني، والذي يستبطن في عمقه سؤال الاختلاف والعلاقة مع الآخر، فيكون العلاج من جنس المضادات الحيوية التي ترتكز على المقاربات التالية:
- مبادئ العلاقة الإنسانية في بالإسلام
- تنمية المشتركات وتعزيز ثقافة الحوار
- ختام
مبادئ العلاقة الإنسانية في الإسلام
من عناصر الرواية الصحيحة للإسلام أن نعلم:
أولا : أن الإسلام يعتبر البشر جميعا إخوة، فيسد الباب أمام الحروب الكثيرة التي عرفها التاريخ الإنساني بسبب الاختلاف العرقي.
والإسلام يعترف للبشر بحقهم في الاختلاف، ﴿ولا يزالون مختلفين﴾.
ثانياً: اعترف الإسلام للآخرين بحقهم في ممارسة دينهم، فسد الباب أمام الحروب الدينية التي كاد التاريخ البشري أن يكون مجرد سجل لها.
ثالثاً: اعتبر الإسلام الحوار والإقناع الوسيلة المثلى﴿وجادلهم بالتي هي أحسن﴾.
رابعاً: اعتبر الإسلام أصل العلاقة مع الآخرين المسالمة التي تقدم على بساط البرّ والقسط والإقساط.
إننا نؤمن أن الاختلاف من نتائجه التعددية الدينية، ونؤمن أن التعددية الدينية في كل الأوطان اليوم صارت واقعا عالميا، والقبول بهذه التعددية من خلال تنزيل مقصد التعارف، وتفعيل المشترك هو أمر تشهد له نصوص الدين الإسلامي، فإننا نزعم أنه لم يعرف التاريخ دينا ولا أمة قبلت بالتعددية الدينية واحتوتها كالدين الإسلامي والأمة المنتسبة إليه، ولقد كانت “صحيفة المدينة” التي تأسس عليها إعلان مراكش لحقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي إطارا ناظما لترسيخ ثقافة قبول الاختلاف والتعددية الدينية والعرقية في المجتمع الواحد، كتاب يصرح بالتعددية الاختيارية، ويبني العقد على أساسها متجاوزا ما يمكن أن تسببه من عوائق بتقديم مصالح التضامن والتعاون في شكل حقوق وواجبات.
وكان من أهم ملامح حقوق الإنسان في الصحيفة الاعتراف بالتعددية، وإقرار حرية العقيدة بإقرار أهل كل معتقد على ما يعتقدونه، وأسست لقاعدة المساواة في الحقوق والواجبات، ضمن بنية المجتمع المدني حين نصت على مكونات الأنساق البشرية والقبلية والمساواة بينها ضمن الإطار الذي تستقيم به سيرورة المجتمع؛ بحيث كل جزء منها مساو للأجزاء الأخرى ومكافئ لها في ما يقبل التكافؤ، لا مكان فيها لمنطق التابع والمتبوع، وبينت واجبات كل جزء تجاه مكوناته أولا، وثانيا تجاه باقي المكونات المشكلة لعموم المجتمع ضمن نسق العدل والمصلحة سلما وحربا، ثم ثالثا تجاه المكونات المحيطة به، استيعابا من الصحيفة للتعدد الديني والعرقي والقبلي ضمن سياقين مرتبطين هما: سياق العدل كأدنى حد مطلوب، وسياق البر الذي هو أعلى المراتب المطلوبة في التعامل مع الإنسان، والذي يقتضي مع مقام العدل ألا يكون هناك حديث عن أقلية وسط وطن، وإنما الحديث عن أمة واحدة.
وقد انطلقت موسوعة السلم التي أنشأها منتداكم بإصدار الجزء المتعلق بالتصور لتكون سياجا للسلم دون العنف، وذلك لاستعادة منهجية الخطاب الإسلامي، انطلاقا من الفهم الصحيح والمقاربة الأصيلة المبنية على المنهج الأصولي المجمع عليه في الجملة.
وكذلك صدر العدد الثاني من مجلة السلم التي تعنى بنشر الرواية الصحيحة للإسلام وإبراز الرؤية العملية للسلم، من خلال البحث في الإمكانات المتاحة في الثقافة الإسلامية والتراث البشري جميعه لتجديد الخطاب، ومن خلال التأكيد على مشروعية الاختلاف السائغ، وقيم التعارف والحوار والتعاون المؤطرة له، وكذلك من خلال الاستفادة من المنظور التكاملي بين المعارف والثقافات لتأكيد مبادئ السلم وضرورة التعايش السعيد.
تنمية المشتركات وتعزيز ثقافة الحوار:
إن لدى الإنسانية مشتركات كثيرة أدَّى تجاهلها وإذكاء الخصوصيات بدلها إلى كثير من الحروب والدمار، وإلى ابتعاد البشرية عن القيم التي أرسى الأنبياء، قيم الخير والمحبة والتراحم.
المشتركات على مستويات مختلفة، منها المشتركات على مستوى الدين الواحد ومنمها أخرى على مستوى الديانات ومشتركات عليا يجتمع فيها جميع البشر تتجسد في القيم الإنسانية التي تجمع عليها البشرية بدياناتها المختلفة وفلسفاتها الكونية المتنوعة. إن تفعيل هذه الدوائر والوصل بينها في تناغم وانسجام، هو الذي من شأنه أن يرأب الصدع ويزيل سوء الفهم ويخفِّف من غلواء الاختلاف.
إننا أمام فشل حضاري، يحطُّ من قيمة الإنسان، فما جدوى أن يغزو الإنسان الفضاء ويبلغ أقصى الكواكب، بينما يظلُّ عاجزا عن التفاهم مع أخيه ونظيره ومثيله.
في الإسلام ليس الآخر هو اللاوجود أو المعدوم كما لدى أرسطو، إذ هو المقابل الفلسفي للموجود etre / autre، كما أنه ليس -كما لدى هيغل- النقيض الذي ينبغي الهيمنة عليه لتستكمل “الذات” وعيها بنفسها في صراع حتمي لإثبات الذات، ولا هو قطعا – كما لدى سارتر – الجحيم الذي يسلب الذات كمالها الأصلي.
إن الآخر في رؤية الإسلام قد أجمل التعبير عنه الإمام علي رضي الله عنه بقوله ” الناس صنفان: أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق”، فالآخر هو الأخُ الذي يشترك معك في المعتقد أو يجتمع معك في الإنسانية.
ويتجلى هذا بسُمُوٍّ في تقديم الإسلام الكرامة الإنسانية بوصفها أول مشترك إنساني، لأن البشر جميعا على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم كرمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم عليه السلام ، ولقد كرمنا بني آدم. إن الكرامة الإنسانية سابقة على الكرامة الإيمانية.
وهكذا ، يُشَدِّد الإسلام في التصور الكلي للآخر على وحدة النوع والمساواة في الكرامة الإنسانية، والبحث عن تنمية المشتركات ونبذ معايير التفاضل إلا بالخير والتقوى، وهو ما عبّر عنه الإمام علي أيضا بقوله: “قيمة كل امرء ما يحسنه”.
المشترك الإنساني هو القيم الكونية التي لا تختلف فيها العقول، ولا تتأثر بتغير الزمان، أو محددات المكان، أو نوازع الإنسان، لأن لها منابت وأصولا تحفظها من عوادي الدهر وتعسفات البشر.
اختلف الفلاسفة في وجود هذه القيم المتشركة، فذهب ألفريد نورث وايت هيد ALFRED NORTH WHITE HIDE إلى القول بأنه: لا توجد قيم مشتركة، وإن القيم ليست مطلقة وإنما هي نسبية، وإن لكل عصر قيمه، والقيم التي تعتبر راقية سامية في زمان ، هي منحطة في زمن آخر، وكذلك يقول إن المبدأ الذي يقول إنه يوجد أصل واحد للكمال الكوني أو نمط واحد هو مبدأ جدير بالإهمال.
أما أكثر الفلاسفة تحت قيادة “كانت” رئيس المذهب المطلق يرون أن الحق والخير والجمال هي قيم أزلية، لا علاقة لها بالزمان ولا بالمكان، فما كان قيمة في الماضي هو قيمة في الحاضر، وسيظل قيمة في المستقبل، وأن هذه القيمة بالنسبة للصيني بالنسبة للأوروبي وبالنسبة للعربي هي قيمة واحدة ولو كانوا يجهلون ذلك.
وهذا المذهب المطلق أرى أنه هو الذي تؤيده الديانات السماوية وتقدمه أوعية اللغة ومفاهيمها، فالعدل في كل لغة وفي كل مكان كلمة جميلة، وعندما ننطق كلمة الوفاء فإنها كلمة جميلة. عندما ننطق بالظلم وبالغدر نجدها في كل اللغات والثقافات كلمات ممقوتة. بل حتى الظالم والغادر لا يريد أن يكون كذلك، ويود لو كان عادلا وفيا صادقا.
هذه القيم مشتركة تجب إعادتها في حياة الناس، وهي مبثوثة في كل رسائل ودعوات الأنبياء، والإنسانية كلها اليوم محتاجة إليها حاجة الفطيم إلى الحنو والحنان والعطف بعد أن أحال السفهاء والمجانين مجالات حركتها إلى حقول ألغام؛ إنها قيم السلم الثابتة التي لا تتغير، وهي الأمر الكلي الذي لا تتخلف جزئياته، ولا تخص جنسا دون جنس، أو دينا دون دين.
لقد شهدت القيم في الحضارة الغربية تطورين في غاية الأهمية والتأثير على مسار البشرية. التطور الأول وقع خلال عصر الأنوار، حيث كانت القيم سماوية، فأنزلتها فلسفة الأنوار إلى الأرض فانقطعت أوروبا عن نور الوحي – بشكل مختلف من منطقة إلى أخرى، فجاءت قيم حقوق الإنسان، والحريات، والديمقراطية، وأصبح الإنسان مرجع نفسه.
بلغت هذه القيم الإنسانية أوجها بعد الحرب العالمية الثانية، في لحظة صحوة من الضمير البشري المصدوم بهول الكارثة، فجاء إعلان حقوق الإنسان. لكن اللجنة التي كانت تحرر هذا الإعلان اتفقت على استبعاد الله سبحانه وتعالى، واستبعاد الخلق وما يشتق منه، كما يقول شارل مالك الذي كان العضو العربي الوحيد مع رينيه كاسان وجون همفري. يقول استبعدوا الله سبحانه وتعالى حتى كأن الإنسان هو الله- تعالى الله عن ما يقولون علوا كبيرا-.
أما التطور الثاني، فهو في العصر الذي نعيشه وهو ما بعد الحداثة حيث أعلنوا في سياق فلاسفة الشك الثلاثة (ماركس -نيتشه -فرويد)، أعلنوا موت الإنسان أيضا، فأصبحت هذه القيم لا وجود لها، واستعيض منها بتكنولوجيا بلا روح، وجمع للثروات بلا رائحة. أصبح العنف سائدا، وأصبحت الأنانية سيدة. هذا العصر الجديد الذي أصبحت فيه التكنولوجيا تحرك الإنسان في اتجاهات لا يحسب لها حسابا.
وهنا دق الفلاسفة والسياسيون أجراس الخطر، فلأذكر بعض العناوين التي توحي بهذا البعد،فقد عنون الفيلسوف الإيطالي جياني فاتيمو Gianni Vattimo أحد أهم بحوثه بعنوان: Crépuscule des valeurs شفق القيم أو غروب القيم، -بحسب الترجمة التي نراها في هذه المسألة-، وهو في ذلك يومئُ إلى عنوان الفيلسوف الألماني أوزوالد شبنغلر Oswald Spengler في كتاب سماه Le déclin de l’occident ” أي: أفول الغرب أو دلوك الغرب، وكذلك كتب المرشح للرئاسة الأمريكية باتريك جيه بوكانن Patrick J. Buchanan كتابا بعنوان موت الغرب The Death of the West.
إنها عناوين متشائمة، تدل على أن القيم وصلت إلى الحضيض وأن الناس في حاجة إلى أن يعودوا إلى السماء، وأن هذه القيم التي استنبتوها في الأرض ثم تخلوا عنها أصبحت تدعوهم إلى أن أن يرفعوا رؤوسهم إلى السماء، ليروا ضياء من نور، أو يروا بارقة في أفق رحمة الله سبحانه وتعالى.
لقد أصبح من الضروري المستعجل أن نتجاوز الشجب والتحذير لنبادر إلى الفعل في الوقت المناسب، فلن يكون للأجيال الآتية أي وقت للفعل، ويخشى أن تصبح هذه الأجيال أسيرة سيرورات ليس لها عليها سلطانٌ كالنمو السكاني وتدهور البيئي والتفاوت بين الشمال والجنوب أو المييز الاجتماعي.
أن ننتظر إلى الغد، يعني أن نصل دائما متأخرين، فثمة شيء في غاية الهشاشة نحن مؤتمنون عليه: إنه الحياة في هذا الكوكب الأرضي.
على هذا الشعور بالمأزق تتأسس المسؤولية المشتركة التي ضرب لها النبي صلى الله عليه وسلم مثال السفينة، قال عليه الصلاة والسلام: (مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها، كَمثل قَومٍ اسْتَهَموا على سَفِينَةٍ، فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا، وبعضُهم أَسْفلَهَا، فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ، فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا، وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا).
إن البشرية الآن في سفينة واحدة، على وشك الجنوح، فلا بد لأهل القيم أن يأخذوا على أيدي الذين يريدون خرق السفينة،
ينبغي الانطلاق من الرغبة المشتركة النابعة عن المسؤولية المشتركة في إحلال السلم محل الحرب والمحبة مكان الكراهية والوئام بدل الاختصام، إذ من شأن ذلك أن يعبئ طاقات رجال الدين والمثقفين والأكادميين -من أولي بقية من كل الأديان والثقافات، للتحالف في حلف فضول لإزالة هذا الخطر الحضاري.
يقوم هذا الحلف على تعزيز قيمة الحوار، فالحوار واجب ديني وضرورة إنسانية، وليس أمرا موسميا، الحوار من أصل الدين ومن مقتضيات العلاقات البشرية، ولذا أمر به الباري عز وجل فقال وجادلهم باللتي هي أحسن، وقال :ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم.
بالحوار يتحقَق التعارف والتعريف، والحوار يشهد للاستعداد الحاصل لدى جميع الأطراف لتقديم وجهات النظر النافعة والصالحة لحل مشاكل الكوكب الأرضي الذي نعيش عليه،
الحوار قيمة والحوار مفتاح لحل مشاكل العالم، الحوار احترام الاختلاف، فصاحب الحوار يحترم الاختلاف بل يحب الاختلاف، بحيث ينظر إليه كإثراء، كجمال كأساس لتكوين المركب الإنساني.
الحوار يدخل في قوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم، فهل لنا أن نأمل بالحوار اليوم في تنمية جوانب الخير والقيم الإنسانية الخيرة المشتركة؟.
الأصل في الحوار هو الاختلاف: إننا لا ندخل في الحوار إلا ونحن مختلفان بل إننا لا نتحاور إلا ونحن ضدان؛ لأن الضدين هما المختلفان المتقابلان، والحوار لا يكون إلا بين مختلفين متقابلين أحدهما يُطلق عليه اسم “المُدَّعِي” وهو الذي يقول برأي مخصوص ويعتقده. والثاني يُطلق عليه اسم “المعترض” وهو الذي لا يقول بهذا الرأي ولا يعتقده”.
وأساليب الحوار عديدة، وصيغه متنوعة، فالحوار في الصحافة والقنوات وداخل الأندية والمؤتمرات ومجالس الشورى والبرلمانات، والمفاوضات التجارية في المنظمات الدولية للتجارة وبين الأفراد في الأسواق والبرصات وخصومات الأزواج في البيوت.
وكل نوع من هذه الأنواع له طرقه وأساليبه.
ويكون داخل الشعب الواحد حيث تتسع دائرة المشترك، وبين الشعوب المختلفة كالحوار بين الشرق والغرب، وبين الأديان والملل المختلفة، فيكون المنظور الإنساني يشكل آفاق الحوار.
والحوار يقدم كما يقول أفلاطون البدائل عن العنف؛ لأنه بالحوار يُبحث عن المشترك وعن الحل الوسط الذي يضمن مصالح الطرفين، وعن تأجيل الحسم العنيف، وعن الملائمات والمواءمات، التي هي من طبيعة الوجود، ولهذا أقرها الإسلام، وأتاح الحلول التوفيقية التي تراعي السياقات، وفق موازين لمصالح والمفاسد المعتبرة.
إن اعتماد وسيلة الحوار لحل المشكلات القائمة يوصل إلى إدراك أن الكثير منها وهمي لا تنبني عليه مصالح حقيقية، وبهذه الحلول التوفيقية التي يثمرها الحوار، تفقد كثير من القطائع والمفاصلات والأسئلة الحدّية مغزاها.
ويبنغي أن يكون الحوار عميقا عمق الإشكال الذي يعالجه، حوارا يطول جميع المستويات ويتجسد في كافة القطاعات، ينطلق من أبسط مستويات الحياة المجتمعية إلى أكثرها تعقيدا وتركيبا، من البيت إلى الجامعة. فلنغرس ثقافة التسامح في النفوس، يجب اتخاذ السبل بكل الوسائل التثقيفية، وفي مقدتمها التعليم والتربية، والإعلام الجماهيري، لإيجاد تلك القيم والتصوُّرات، لضبط وكبح جماح النفوس الميالة إلى العنف، وترجيح كفَّة التسامح وحسن تقبُّل الآخر، وباختصار إيجاد الروح الاجتماعية، والتعايش البناء بين أفراد المجتمع.
ومعنى ذلك أنَّ المثل والقيم التي يتلقّاها، ويلقنها أفراد المجتمع، عن طريق القنوات والأدوات التثقيفية، في مختلف مراحل التعليم، ووسائل الإعلام بشتّى أشكالها، وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيري ذات مضمون رصين متسامح، ومتعقّل، لا يخرج على النّهج العام السائد، والأعراف المقبولة، لشحن العواطف، وإلهاب المشاعر، دون وزن للعواقب، ولا مبالاة بالنتائج.
وباختصار فلا بدّ من علاج بالمضادّات، ونعني بالمضادّات الحيوية ذلك الخطاب الحيّ الواعي الذي يقوم على نبذ العنف وزرع ثقافة السّلام والتّسامح والمحبّة، وتقديم البدائل أمام الشباب اقتصاديّاً واجتماعيّاً وثقافيّاً، ومحاولة صرف جهودهم ونشاطهم في قنوات لصالح المجتمع ولصالح التنمية وجَسر العلاقة بين مختلف الفئات وتجديد الفكر التوفيقي والمنهج الوسطي في النّفوس وحشد جهود الطبقة المثقفة في الجامعات والمدارس ووسائل الإعلام لذلك.
سادتي سيداتي،
إننا في منتدى تعزيز السلم نؤمن بأنه على الرغم مما يلاحظ ببادي النظر من فشو الإسلامفوبيا وكافة أنواع التمييز والعنصرية وجنوح المشهد السياسي في الديمقراطيات الغربية نحو النزعات اليمينية المتطرفة المنابذة لقيم التعاون والحرية والاعتراف بالآخر، ما يزال هنالك لحسن حظ الإنسانية أغلبية من أولي بقية من محبي السّلم ترنو إلى الخير وتحكِّم العقل والمصلحة والقيم المشتركة وروح البحث عن التعايش السعيد بين الديانات والحرص على مبادئ التسامح والتعارف.
وفي هذا السياق كان من التوفيق أن احتضن المنتدى مبادرة قافلة السلام الأمريكية، التي يقودها رجال آمنوا بضرورة التعاون الإيجابي بين أتباع الديانات الكبرى، من أجل التخفيف من النبرة العدمية وإبعاد شبح الكراهية والعنصرية الذي أصبح يلقي بظلاله القاتمة على مجتمعاتهم، القس بوب روبرت والإمام محمد ماجد والحاخام بروس لستق، والعشرات من الحاخامات والقسس والأئمة من مختلف الولايات الأمريكية انخرطوا في هذه المبادرة ليكوّنوا تيارا للسلام والوئام والأخوة باعتبار أن ذلك يمثل الروح الحقيقية للرسالات السماوية، وهكذا فإننا نطمح إلى أن تنتهي هذه المسيرة بتجمع كبير لرجال الدين يمثل حلف فضول.
إن نموذج قوافل السلام يمكن أن يكون نموذجا لنوع جديد من الحوار التعارفي، إنَّه حضور الذوات في الحيّز المكاني والزماني، ولو لمدّة محدودة، حضور يتمثل في التشارك في العيش في الحركة معا والأكل معا والنوم معا والسفر معا – والسفر سمي لأنه يُسْفِرُ عن أخلاق الرجال -كما يقول بعضهم، وكلُّهم يقوم بشعائر دينه التي هي جزء من حياته اليومية بمرأى ومسمع من الآخر… إنهم يتكلمون ويبحثون، ولكِنَّ الأهم أنهم يشاهدون ويشهدون، ويكتشفون في النهاية إنهم إخوة، يشتركون في أكثر مما كانوا يتصورون.
ولهذا سعينا باحتضاننا لها ومواكبتنا لجميع مراحله إلى ترسيخ هذا النموذج ليصبح آلية عملية ناجعة للتعاون والتعايش وجعلها أكثر عملية ونجاعة، وتقليدا ينبغي العمل على تعميمه والاستفادة منه.
نعتقد أنه سيبقى نموذجا للتعارف لعملية الحوار بل لعملية التعارف الإيجابي والتعاون على البر في حركة نرجو أن تكون فاتحة عهد جديد في العلاقات بين ديانات العائلة الإبراهيمية وبالتالي أن تكون فاتحة عهد في التعاون بين أصحاب العقول النيرة وذوي النهى لتصحيح مسيرة الانسانية.
وترتكز قوافل السلام ،من حيث الإطار المرجعي على إعلان مراكش لحقوق الأقليات باعتبار أن إعلان مراكش قد وضع الأسس المعرفية والشرعية لإمكانية خطاب التعايش المؤصل في أفق المواطنة بين مختلف الديانات داخل المجتمعات المسلمة.
وتنطلق المبادرة من الوعي العميق بالحاجة الماسة إلى تبني مقاربة السلم واضطلاع عقلاء العالم من القيادات الدينية بدورهم في صناعة جبهة فكرية موحّدة وصياغة تحالف إنساني يقوم على تفعيل دوائر المشتركات، التي أدَّى تجاهلها وإذكاء الخصوصيات عوضها إلى ما هو مشاهد من الحروب والاقتتال.
وأهم هذه الدوائر وأولاها بالاهتمام هي دائرة المشترك الديني بين أتباع ديانات العائلة الإبراهيمة، بحيث يمكن أن تشكل منطلقا سليما ديانة وعقلا ومصلحة، فإنّ اليوم الذي يجتمع فيه أبناء هذه العائلة الإبراهيمية على المشترك الذي بينهم، وينبذون التصورات النمطية ومشاعر الكره لتجمعهم مشاعر الأخوة الإنسانية وحب الخير والصداقة، سيكون يوما مشرقا في تاريخ الإنسانية.
فعندما تتصالح الأديان وتتصافح فإن من شأن ذلك أن يعزز روح السلام في العالم ويسهِّل الولوج إلى طريق العدالة والخير ومعالجة المظالم والمظلوميات. وكما قال اللاهوتي السويسري هنس كونج لا يمكن للسلام العالمي أن يتحقق بدون أن يتحقق السلام بين الأديان.
لقد آن لقادة الديانات أن يبرهنوا على فعالية أفضل وانخراط أكبر لهموم اللمجتمعات البشرية لإعادة الرشد وإبعاد شبح الحروب والفتن المهلكة إذا كان البعض ينظر إلى الدين كعامل تفرقة وتمزيق لنسبج الشعوب فنحن في المبادرة القوافل نريد أن نبرهن عمليا على أن الدين يمكن ويجب أن يكون سبيلا للالتئتام الامجتمعات البشرية والقضاء على أمراض الحقد والكراهية المستحكمة، تلك هي العبرة والدعوة والرسالة التي نوجهها من خلال هذه القوافل \إن جهودا كبيرة تبذل في نطاق كل الديانات من أجل السلام تقام الصلوات وترفع الدعوات من أجل ذلك لكن تيار التضامن والتعاون يجب في النهاية أن يبرز وأن ينجز أعمالا ميدانية تبرهن للعالم كله أن الدين في أصله هو عامل خلاص ورحمة للعالمين
إن ذلك يحمِّل رجال الدين عبءا في ما يتعلق بكل ديانة لمعالجة التطرف والغلو وطرد النعاج الجرب كما يقول المثل من القطيع وإعادة التوازن في نطاق كل ديانة لبناء الجسور بين الديانات عغلىى أسس صلبة ودعائم قوية قابلة للاستمرار والاستقرار بل للازدهار والانتشار لإعلان الانتصار على الشر وعلى جيش الشيطان (إنَّ الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا).
وفي الختام، فإنه يتعيّن:
أن تحملوا جميعا رسالة السلام، ومعنى ذلك:
- أن تدركوا حقائق المفاهيم المؤطرة للسلام وأن تدركوا في نفس الوقت زيف تأويل المتطرفين وتحريف الغالين
- أن تنشروا هذا الفهم من خلال كل الوسائل المتاحة في الصحافة والتعليم
- أن تقدموا مبادرات ميدانية لإفشاء السلام في المجتمعات التي تعيشون فيها.
- أن نشجع برامج التسامح والتعايش
- أن نقدم القراءة الصحيحة للشريعة, وأن نؤطر الأحكام التكليفية بخطاب الوضع ومعنى ذلك أن ننزل النصوص في بيئة الواقع ليكون التنزيل متوخيا لمقاصد الشريعة.
- أن تتضامن مع أولي بقية في كل مكان لنشر قيم السلام.
السير في ثلاثة اتجاهات :
أولاً: ترتيب البيت الإسلام من خلال تفكيك منظومة الفكر المتطرف وإظهار عوار طرق الاستدلال لدى هؤلاء وضحالة منازعهم في الاستنباط بإبراز المناهج الصحيحة والمئاخذ السليمة في التعامل مع نصوص الكتاب والسنة، وهكذا فيكون الكلي حاكماً على الجزئي، وسيكون الجمع بين الأدلة بديلاً عن التجزئة، وتصبح المقاصد مترجمة لمغزى النصوص ومبينة مدى تطبيقها ومبرزة سبيل انسجامها وتنسيقها.
لنبين بحق أن الشريعة إنما جاءت لمصالح العباد في عاجلهم وآجلهم، وأن الرسالة الخاتمة إنما جاءت رحمة للعالمين، وأنه لا تعارض بين العقل والنقل إلى غير ذلك حتى يقضى على أفكار التطرف وآراء المتطرفين بالحجة والبرهان.
وهذا الجهد داخل البيت الإسلامي ضروري لهزيمة الفكر المتطرف الذي يشوه الإسلام ويقدم الذرائع للكراهية والبغضاء، لأن العلاقة بين متطرفي الإرهاب ومروجي الكراهية علاقة تلازمية، فكل منهما يمد الآخر، ويؤثر كلاهما على الآخر تأثيراً طردياً وعكسياً.
أما الاتجاه الثاني: فإنه نقل الحوار إلى الدائرة الثانية، وهي الدخول في حوار على مستوى عالمي لتقديم الرواية الصحيحة عن الإسلام والتعايش مع المسلمين من خلال التأكيد على الصورة المنفتحة والمتسامحة للإسلام، والمصالح المتبادلة والمتداخلة بين المسلمين وغيرهم في المجتمعات، وتأكيد قيمة المواطنة والقيم الإنسانية النبيلة.
أما الاتجاه الثالث: فالانتقال إلى مرحلة التضامن مع أولي بقية يلتزمون بالقيم والمثل المشتركة للأخوة الإنسانية، ل، لتكوين “حلف فضول” ينبذ التمييز والكراهية، ولا يحمل ديناً ولا حضارة جريرة السفهاء، على قاعدة ]وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى[، حلف يدعو إلى السلام والإخاء بين أبناء البشر كافة، ذلك هو التيار الذي يجب أن تشكله النخبة من رجال الدين والفلسفة ورجال الفكر والأكاديميين من كل الديانات ومن كل الفلسفات، ذلك ما يسعي إليه منتداكم، ذلك ما نسعى إليه جميعاً.