ارشيف ل
ابن بيه: إعداد مفتين يوائمون بين النصوص والمقاصد أولوية
ترأس العلامة الشيخ عبدالله بن بيه – رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، الثلاثاء الاجتماع الرابع للمجلس للعام 2022 وذلك عبر تقنية الاتصال المرئي.
وفي بداية الاجتماع رفع رئيس المجلس أسمى آيات التهاني والتبريكات بمناسبة العام الهجري الجديد إلى مقام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس
الدولة “حفظه الله”، وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” وإخوانهما أصحاب السمو حكام الإمارات وشعب دولة الإمارات والعالمين العربي والإسلامي والإنسانية جمعاء بهذه المناسبة السعيدة سائلا الله العلي القدير أن يعيدها على الجميع بموفور الصحة والعافية.
وأكد أن من أولويات مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي الإسهام في تكوين الكفاءات المتميزة في مجال الفتوى في الدولة.. مشيرا إلى أن ذلك سيتم من خلال استحداث برامج تكوينية وورش تدريبية في مجالات الفتيا والبحث الشرعي تهدف إلى إعداد كوكبة من المفتيين مؤهلين للمواءمة بين النصوص والمقاصد والقواعد والواقع.
وقال إن المجلس يسعى كذلك إلى مواصلة التجديد والترشيد كما تم في مؤتمر “فقه الطوارئ” الذي عقده أثناء الأزمة الصحية للتصدي للإشكالات التي طرحتها جائحة كورونا.. مؤكداً في الإطار نفسه أهمية طرح المبادرات الإبداعية التي تسهم في نشر العلم الشرعي الصحيح وتيسير الحصول على الفتاوى للمستفتيين والباحثين على حد سواء.
وفي هذا السياق، كشف أن من أهم المبادرات التي يعتزم المجلس العمل عليها في الفترة القادمة مشروع (موسوعة الإمارات للإفتاء الشرعي) التي يرجى أن تكون دليلا ومرجعا للفتيا بصحة استنباطاتها، وتحقيق مناطاتها، ومتانة استشهاداتها، وحسن صياغاتها.
وعبر عن حرص المجلس على مواكبة توجهات الدولة في مجالات نشر السلم والتسامح في المنطقة والعالم وذلك عبر توسيع دائرة الشراكات مع الجهات الدولية ذات الاهتمام المشترك ليضطلع المجلس بدوره الاستشاري والتوجيهي في إبداء الرأي الشرعي المؤصل وترشيد وتجديد الخطاب الديني، ونشر قيم التيسير والتعايش السعيد في المجتمعات.
واستعرض المجلس خلال الاجتماع المسائل المعروضة على جدول أعماله من الاستفسارات الشرعية المستجدة الواردة إليه من الجهات المختلفة وقرر بشأنها التوصيات اللازمة. (وام)
حكم إهداء ثواب العمل للميت – العلامة عبدالله بن بيه
السؤال:* |
سائلة تقول: إن أمها توفيت، وهي تسأل عن أنها تصلي بعد كل فرض فرضا آخر وتهب ثواب هذا الفرض لأمها فما الحكم وهل يصلها الثواب ؟ |
الجواب |
ببسم الله الرحمن الرحيم مسألة هبة الثواب في غير الصدقة والحج والصوم أيضا على خلاف ، هذه يعني اختلف العلماء فيها . لكن القول الذي نميل اليه والذي تدل عليه الاحاديث ، والذي ذهب اليه الإمام أحمد بعد أن رجع عن القول الأول(01) في مسألة قراءة القران، هو أن كل عمل صالح يمكن أن يقدم إلى الميت، بشرط أن يهبه له الإنسان بنيته وينبغي أن يكون بلفظه أيضا ، كما جاز في الحج أن يحج عن غيره ؛ ( لبيك عن شبرمة) (02) -كما جاء في الحديث -والمرأة التي قالت : إن أبي أدركته فريضة الحج ولم يحج أفأحج عنه؟ . قال: نعم حجي عن أبيك(03). وكذلك ..المرأة التي قالت : إن أمي نذرت أن تحج ولم تحج ..فقال : أريت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته فدين الله أحق بالوفاء(04) .. كل هذه الأدلة تدل على أن أعمال البر تصل . يمكن أن تصل في شكل نافلة ، أنتِ في الحقيقة عندما صليتِ المغرب مثلاً صليت بعده ثلاثة ركعات، النافلة لا تكون ثلاث ركعات .. فكان المفروض أن تصلي ركعتين ..ركعتين ، لتهبي ثواب هذه النافلة أوثواب الأعمال التي تقومين بها أو تلاوة القران أو الصدقة – والصدقة إجماعا- لأمك فهذا إن شاء الله يصلها ، ولا تتركيها لا تنسي أمك هذا أمر مهم جدا ، وجزاك الله خيرا . لكن أنصح بتنويع الأعمال فذلك أولى وأجدر وأكثر ملاءمة وموافقة لأقوال العلماء.
>>> |
*ملاحظة : هذا النص مفرغ من الفيديو التالي :
ماحكم افراد الجمعة بالصيام اذا وافق يوم عرفة؟
![]() |
||
مجلس الإمارات للإفتاء: لا حرج شرعاً في إفراد يوم الجمعة بالصيام إذا صادف يوم عرفة |
أبوظبي في 7 يوليو / وام / أصدرت إدارة الخدمات الإفتائية التابعة لمجلس الإمارات للإفتاء الشرعي فتوى شرعية أوضَّحت من خلالها حكم إفراد يوم الجمعة بالصيام إذا وافق يوم عرفة وذلك تفاعلاً مع أسئلة الجمهور واستفساراتهم .
وبينت الفتوى: ” أنَّ العلماء اتفقوا على مشروعية إفراد يوم الجمعة إذا وجد سببٌ شرعي لصيامه”.
وفيما يتعلق بصيام يوم عرفة .. أوضحت الفتوى أنَّ صوم هذا اليوم مستحبٌّ – لغير الحاج – وذلك لما صحَّ عن أبي قتادة رضي الله عنه: ” أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة ؟ فقال: ” يكفر السنة الماضية والباقية” .
وأمَّا ما يتعلق بالنهي الوارد عن إفراد يوم الجمعة بالصيام .. ذكرت الفتوى: ” أنَّ جماهير أهل العلم أجمعوا على استحباب صيام يوم عرفة ولو وافق يوم الجمعة وأما من قال بكراهة إفراد يوم الجمعة بالصيام فإنهم قد استثنوا هذه الصورة؛ وعللوا ذلك: بأن المقصود هنا هو صوم عرفة، وليس إفراد يوم الجمعة .. وبناءً على ذلك فإنه يستحب صيام يوم عرفة الموافق ليوم الجمعة هذا العام؛ لما في هذا اليوم من الأجر العظيم والثواب الجزيل، تقبل الله من الحجاج حجهم، ومن الصائمين صيامهم” .
الواقع المعاصر وأثره في الأحكام الشرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الخاتم، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدّين
كلمة في المؤتمر الدولي
الواقع المعاصر وأثره في الأحكام الشرعية
معالي الشيخ عبد الله بن بيه
رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي
رئيس منتدى أبوظبي للسلم
![]() |
سعادة الأستاذ الدكتور جمال بن سالم الطريفي رئيس الجامعة القاسمية
صاحب السعادة الدكتور عواد الخلف مدير الجامعة القاسمية
أصحاب السعادة، أصحاب السماحة والفضيلة،
أيها المشاركون كل باسمه وجميل وسمه،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
يطيب لي بادئ ذي بدء أن أتوجّه إلى القائمين على تنظيم هذا المؤتمر بجزيل الشكر على دعوتهم الكريمة الذي تمنيت أن تكون مشاركتي فيه حضورية ولكن لعل اللقاء عن بعد يغني ويثري. واسمحوا لي بين يدي هذه الجلسة أن أسهم بكلمات قليلة حول موضوع هذا اللقاء.
أيها الأخوة والأخوات،
لقد ظل الواقع مؤثرا دائما في الأحكام الشرعية باعتباره شريك النص في استنباطها. فهو داخل في دائرة النصوص ويتمثل ذلك في عمومات كليات الشرع وإن لم يكن منصوصا في الجزئيات المتناهية فهو مقبول في الكليات المشتملة على جزئيات لا متناهية. سواء عُبّر عنها بالقواعد الأصولية المؤصلة لقوانين الاستنباط كالقياس الذي يواجه مالايتناهى من الحوادث، أو عبر عنها بالمقاصد العامة كالعدل والمصلحة العرية عن الاعتبار الخاص. وواقعُ العصر مادام يمثل ضرورات الانسان وحاجياته وأحواله وأفعاله لا يشذ عن هذه القاعدة العامة.
هذه الدعوى نحتاج في اثباتها إلى الأدلة الشرعية المعتبرة من نصوص الشارع وعمل السلف بعد عصر الوحي أي بعد فترة حياة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلّم بالإضافة إلى القواعد المؤصّلة للعلاقة بين الواقع وبين النصوص في استنباط الأحكام.
ولكن قبل ذلك سنحاول أن نعرف الواقع المعاصر ليكون البحث كالتالي:
– تعريف الواقع وبشكل خاص الواقع المعاصر
– أدلة الشرع (النصوص) وعمل السلف والمقاصد والقواعد
– أمثلة وتطبيقات فقه الواقع في القضايا المعاصرة
– وخاتمة: حول ضوابط التعامل مع هذه القضايا
أولاً: تعريف الواقع:
ما هو الواقع الذي يجب فهمه والفقه فيه واستنباط علم حقيقته؟
يقول ابن القيم: ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه، واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والأمارات والعلامات حتى يحيط به علماً.
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع، وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه أو على لسان رسوله في هذا الواقع. ثم يطبق أحدهما على الآخر؛ فمن بذل جهده، واستفرغ وسعه في ذلك لم يَعدَم أجرين أو أجراً.
وبالتالي فإن الواقع حسب عبارة ابن القيم- يعني الإحاطة بحقيقة ما يحكم عليه من فعل أو ذات أو علاقة أو نسبة ليكون المحكوم به وهو الحكم الشرعي المشار إليه بالواجب في الواقع مطابقاً لتفاصيل هذا الواقع ومنطبقاً عليه.
والواقع لغة اسم فاعل من وقع الشيء وجب، ووقع القول ثبت {فَوَقَعَ الْحَق}،
فالوقوع هو الوجوب والثبوت، فالوجوب يدل على الوجود المؤكد، والثبوت يقابل النفي والعدم، الواقع إذاً هو وجود ثابت، فهو قريب من الحق والحقيقة؛ لأن الحق وجود ثابت وبمعنى من المعاني دائم لا يفنى، ولهذا فمن أسمائه سبحانه وتعالى “الحق”. والفعل الواقع هو المتعدي في اصطلاح النحاة.
أما الغربيون فلهم جولات مع الواقع تعريفاً وتدقيقاً وتشذيباً وتشقيقاً، وبخاصة في التخصصات الفلسفية؛ فمنهم من يرى أنه واضح وضوحاً يكون التعريف فيه مدعاةً للغموض والتحريف، فقد جعله “ديكارت”: ضمن “المفاهيم الشديدة الوضوح في ذاتها؛ لدرجة أن كل محاولة لتوضيحها أكثر تقود بالضرورة إلى إغراقها في الغموض”.
ومنهم من يشك في وجوده أصلا وهم المسمون بفلاسفة الشك.
ومنهم من يقول: إنه التطابق بين مقتضيات الوعي من جهة والواقع أو “الشيء في ذاته” la chose en soi كما يقول “كانت”، وهو تعريف غير سديد لأنه يُحِيلُ الشيءَ على نفسه، فلا جنس ولا فصل.
و”كانت” في هذا يريد أن يرفض النظرة الأفلاطونية للواقع، والتي ترى أنه لا وجود له في ذاته بل وجوده في الأفكار باعتبار أن المظاهر المحسوسة للأشياء خداعة ومتغيرة. فالفكر هو الذي يؤسس في النهاية لما هو حقيقي منها،،
ونذكر هنا النظريات الخمس للغزالي لإدراك الواقع. حيث يدرك عن طريق الحس، والعقل، واللغة، والعرف والطبيعة كما ذكر في أساس القياس.
والواقع هو الإنسان فرداً ومجتمعاً، ولهذا فإنَّ المناط لا يتحقق إلا بالإنسان ومن خلال الإنسان نفسه فهو المحقق الأول والأخير، لأنه الفاعل والمحل.
ونحن اليوم بحاجة إلى قراءة جديدة للشرع على ضوء الواقع للتذكير بالكليات التي مثلت لبنات الاستنباط بربط العلاقة بين الكليات وبين الجزئيات، وهي جزئيات تنتظر الإلحاق بكلي أو استنتاج كلي جديد من تعاملات الزمان وإكراهات المكان والأوان، أو توضيح علاقة كلي كان غائماً أو غائبا في ركام العصور وغابر الدهور.
وإنَّ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة يظلان النبراس الدائم، والينبوع الدافق، بهما يستضاء في ظلمة الدياجير، ومنهما يستقى في ظمإ الهواجر، بأدوات أصولية مجربة، وعيون معاصرة مستبصرة.
فالاستنباطات الفقهية القديمة كانت في زمانها مصيبةً، ولا يزال بعضها كذلك، والاستنباطات الجديدة المبنية على أساس سليم من تحقيق المناط هي صواب؛ -أيضا- فهي إلى حَدِّ ما كالرياضيات القديمة التي كانت تقدم حلولا صحيحة، والرياضيات الحديثة التي تقدم حلولا سليمة ومناسبة للعصر.
فالتطور الزماني والواقع الإنساني يقترحان صوراً مغايرة للصور التي نزلت فيها الأحكام الجزئية، فالواقع مقدمة لتحقيق المناط. وواقعنا اليوم يفرض قراءة جديدة في ضوء الشرع للتذكير بالكليات التي مثلت لبنات الاستنباط، تحت تأثير ما يمكن أن نسميه بكلي الزمان أو العصر أو الواقع سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وعلمياً وتكنولوجيا؛ فهو واقع فيه اليوم معاهدات دولية، وحدود، وأسلحة دمار شامل، وتعددية دينية وثقافية وإثنية داخل البلاد الإسلامية وخارجها، وتغيرت فيه الولاءات القبلية والدينية إلى أخرى تعاقدية، وصارت السيادة في الواقع الدولي للاعتماد المتبادل بين الدول، والمعاهدات والمواثيق الدولية شبه حاكمة، وأصبحت العولمة سيدة العالم وليست حالة عابرة يحضر فيها الآخر حضورا اختياريا أما اليوم فحضوره وإن كان اختيارياً في ظاهره فإنه في عمقه إجباري. إنه واقع يؤثر في النظم والقوانين ومدى ملاءمتها للنصوص الشرعية مجردة عن مقاصد التعليل وقواعد التنزيل.
ثانيا: برهان تأثير الواقع في الأحكام من الكتاب والسنة وعمل السلف
أيها السادة الأجلاء،
لقد راعى القرآن الكريم الواقع ورتب الأحكام عليه، فراعى واقع الإنسان فشرَّع التخفيفَ في التكليف {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا}، {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} وراعى ردّ فعل عبدة الأصنام فنهى عن سَبِّ الآلهة، قال تعالى{وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْم}
وذلك يمثل أصلاً لرعاية الأحوال والعاقبة والمئال والأعراض والأمراض التي تَتَعاورُ الإنسان، وما أنواع التسهيلات والتيسيرات والرخص إلا مؤسِّسةً لاعتبار المقدمة الصغرى المعرِّفةِ لطبيعة الواقع والمحققةِ للمناط.
فقد حقق النبي صلى الله عليه وسلم المناط في مسألة هدم الكعبة لإعادة بنائها: “لولا أنَّ قومك حديثو عهدٍ بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم”. وقوله عليه الصلاة والسلام-في بيع الرطب بالتمر-: “أينقص إذا يبِس؟ قيل: نعم، قال: إذاً فلا”. وهو تحقيق يتعلق بطبيعة الذات المحكوم عليها.
كل ذلك يدل على مراعاته عليه الصلاة والسلام لحال الوقت وواقع الزمان والمكان وحقائق الأشياء. ويوجد الكثير من القضايا من هذا القبيل في السنة النبوية. وأهم دليل على ذلك اختلاف أوصاف تصرفاته صلى الله عليه وسلم عندما يتصرف بالبلاغ أو الإمامة أو القضاء أو بالأفعال الجبلية، كل ذلك من باب “تحقيق المناط”
كيف كان الصحابة يتعاملون مع الواقع؟
ويندرج في هذا كثير من عمل الخلفاء الراشدين والصحابة رضي الله عنهم من العدول عن بعض الظواهر الجزئية لواقع تجدد أو مصلحة برزت.
ونكفتي هنا بالإشارة إلى أمثلة معروفة تبرهن على المراد وتدل على المقصود.
1- من ذلك جمع الصديق المصحف مع تردد بعض الصحابة في ذلك حيث سأل زيد رضي الله عنه: “كيف نفعله ولم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم”. فرد الصديق هو خير. فهذهذه الخيرية هي المصلحة، وكذلك أيصاؤه بالخلافة لعمر، وهي تصرفات لم تكن مفهومة على البديهة، لكن سرعان ما التزم الجميع بها.
2- في أيام عمر رضي الله عنه نزلت مسألة الأراضي الخراجية، وعقدت ثلاثة مجالس للشورى، -كما يقول ابن كثير في “البداية والنهاية”-، وكان رأي الإمام فيها راجحاً، وهو رأي الأكثرية، وظلت أقلية على مخالفة رأيه، من هذه الأقلية عبدالرحمن بن عوف وبلال وغيرهما، معتمدين على آية الغنائم في سورة الأنفال، والعمل السابق من تقسيم الغنائم، ولكن المصلحةَ الراجحة وتغيُّرَ موضوع الغنيمة كلُّ ذلك دعا إلى تحقيق المناط في الواقع الجديد.
وجعل الديوان عاقلة، بناء على تغير واقع العصبية. ووضع الزكاة على الخيل، مع علمه بأنه عليه الصلاة والسلام وأبا بكر لم يفعلاه ، وجعل الخلافة من بعده شورى، كل ذلك كان تحقيقاً للمناط وملاحظةً لواقع تغير.
وكان رضي الله عنه كثيراً ما يلاحظ الواقع المتجدد فَيعدِلُ عن رأي سابق له، فيختلف العلماء أحياناً بسبب ذلك، فيعتمد بعضهم الرأي القديم ويعتمد بعضهم الرأي الأخير.
3- في أيام الخليفة الثالث سيدنا عثمان رضي الله عنه حج بالمسلمين فصلى الصلاة الرباعية كاملة دون قصر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم والخليفتان من بعده يقصرون الصلاة في الحج فهي سنة متواترة، فأنكر بعض الناس ومنهم ابن مسعود ولكنه لما وصل إلى مكة أتم الصلاة مع الخليفة، فقيل له في ذلك، فقال: الخلاف شر .
وهكذا كان الفقه عاصماً للصحابة، فصلى الناس مع إمامهم.
وكان عثمان رضي الله عنه ينزل الحكم على وضع فيه عناصر جديدة هي كثرة الداخلين الجدد في الإسلام، ويخاف أن يظنوا أن الصلاة الرباعية أصبحت مقصورة أبدا فقطع الشك باليقين تنزيلا لا نسخاً. وورَّثَ المطلقة في المرض “تماضر زوج عبدالرحمن بن عوف”. وأمر بالتقاط الضوالِّ. وجمع الناس على مصحف، وأحرق ما سواه، على رواية. وأحدث الأذان الأول يوم الجمعة قبل دخول وقت الظهر، لكثرة الناس. ولم يأخذ الزكاة من المال الصامت، الباطن كالتجارة والنقود ووكل زكاتها إلى أمانة أهل المال ليدفعوها للفقراء خلافاً للخليفتين من قبله، واكتفى بجباية زكاة الأموال الظاهرة الناطقة، كالحيوان والزروع والثمار.
ولم ينكر عليه أحدٌ من الصحابة، ولعل ذلك كان تحقيقا للمناط في زمنه، وهو زمنُ تَوسُّع الفتوح الإسلامية والرخاء فلم يكن بحاجة إلى مزيد من الأموال، أو أنه خاف عليها من خيانة الجُبَاة، فترك أمرها إلى أهلها، كما تأول أبوحنيفة أنه أناب أصحاب الأموال عنه في دفعها للمستحقين.
وكل ما مضى من عمل أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه كان من قبيل تحقيق المناط في الأنواع أحيانا وفي الأشخاص أحيانا أخرى نظرا للظروف الزمكانية.
4- وفي أيام الخليفة الرابع سيدنا علي رضي الله عنه -وقد قل الفقه وعظم الخطب- بعد اغتيال الخليفة الثالث قال علي: لا يُقتصُّ من القاتل حتى يجتمع المسلمون على إمام، كما ذكر القرطبي وغيره.
وعلق القرطبي بقوله: ولا خلاف بين الأمة أنه يجوز للإمام تأخيرُ القصاص إذا أدى إلى إثارة الفتنة أو تشتيت الكلمة .
ولكن بعض الناس لم يطع الإمام المبايع فبدلا من بيعته شنوا الحرب عليه فاعتبر ذلك خروجاً عليه. ولما قبل أمير المؤمنين عليٌّ التحكيم ثار الخوارج الذين لا فقه لهم، وقالوا: لا حكم إلا لله، فقال رضوان الله عليه: كلمةُ حقٍّ أريدَ بها باطلٌ. وقد حاور الخوارج وقاتلهم بعد أن هيّجوا.
وضمَّن الصناعَ بعد أن كانت يدُ الصانع يدَ أمانةٍ، وقال: لا يصلح الناس إلا ذلك. بناء على واقع الناس وضعف حملهم للأمانة.
وذلك هو البرهان على أن الخلفاء الراشدين كانوا يحققون المناط بناء على واقع تجدد، وتبعاً لظروفٍ تغيرت وأحوالٍ تطورت، وأن الفقه في الدين كان عاصماً من الفتنة بُرهةً من الزمن وكان مفهوم الطاعة حاضراً في الأذهان.
ولهذا حاول العلماء في القرن الثاني والثالث تَقْنينَ اجتهاد الصحابة وضبطَه بآليات اجتهادية، وبعناوينَ كبيرةٍ ومتداخلةٍ، منها: القياس والمصالح المرسلة والاستحسان وسد الذرائع، والاستصحاب، وتندرج السياسة الشرعية في الاستصلاح، وسد الذرائع، بالإضافة إلى دلالات الألفاظ.
وبعبارة أخرى، فإنَّ جدلية النصوص والواقع إذا كانت مؤطرة بالمقاصد الكلية تنتج الإصابة في الأحكام والصواب في الاستنباط.
ثالثاً: الواقع يفرض نفسه (تطبيقات وأمثلة معاصرة)
لا يخفى على الجميع مقدار التغيير الذي شهدته البشرية في هذا العصر والمسائل المستجدة التي ظهرت، في عالم متغير من الذرة الى المجرة، مما يستدعي من العلماء استعدادا واجتهادا، لمواكبة المسيرة البشرية في عصر تمازجت فيه الحضارات وتزاوجت فيه الثقافات واشتبكت فيه المصالح والعلاقات وأصبح مصير البشرية مشتركا وضرورة لا يخطؤها البصر ولا تنبو عنها البصيرة.
ومن أمثلة هذه النوزال والمستجدات، تقنيات الجينوم البشري وما اجترحت من معضلاتٍ أخلاقيةٍ، إذ أتاح العلمُ لنفوس عطشى إلى الاكتشاف التدخلَ في خلايا الأجنة واقتحام شفرة النطفة الأمشاج لتعديل الجنين بزيادة الهرمونات، وقضايا الاستنساخ وما تنطوي عليه من مئالات لا تزال وراء أستار الغيب التي لا يعلمها إلا من {يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْض} سبحانه وتعالى.
فالمجامع الفقهية أمام التلقيح الصناعي والرحم المستعارة والتهجين وشهادة الجينات في تناكر الأزواج وتغيير الجنس في حيرة. بله القضايا الاقتصادية وتحديات المضاربات وتسليع النقود وتسييل العروض وسرعة المداولات والرواج في الأسواق وإبرام الصفقات في المراكز العالمية للاقتصاد التي لا تحترم الوضوح “الشفافية ” التي تدرأ خطر الغرر وغائلة الجهالة.
والواقع يفرض نفسه في قضايا شرعية بلا استئذان. كمشكلة بداية أشهر العبادة ونهايتها كل سنة، وإن كنت ممن يقول: بتقديم الرؤية مع التأكيد على العدالة والاستكثار من الشهود، والواقع فرض قبول الناس بإرسال المركبات إلى الكواكب بعد أن كان البعض يعتبره كفرا انطلاقاً من مفهوم الصعود إلى السماء المذكور في نواقض الإيمان. قال خليل: “أو ادعى أنه يصعد السماء أو يعانق الحور”.
فهل سنعرض عن الحكم بشهادة القافة لتحقيق المناط بـDNA قال خليل: “وإذا ولدت زوجة رجل وأمة آخر واختلطا عينته القافة وعن ابن القاسم فيمن وجدت مع ابنتها أخرى لا تلحق به واحدة منهما، وإنما تعتمد القافة على أب لم يدفن وإن أقرّ عدلان بثالث ثبت النسب، وعدل يحلف معه، ويرث ولا نسب”.
لكنْ هناك حالةُ التناكُرِ التي فرض الشرع فيها اللعان لوجود مقصد آخر هو الستر ومع صراحة النص فلا تصح فيها الوسائل العلمية.
لكن يمكن أن يحقق المناط بالوسائل العلمية لتعليق العمل بمقتضى القيافة في فروع اختلاط الأولاد في المستشفيات أو في الأحوال الطارئة، أما الشهادة في الاستلحاق والإقرار به فمحل نظر واجتهاد.
والواقع فرض قبول الصلاة في الطائرة، وتغيير مفهوم السجود على الأرض أو ما اتصل بها، على حد حد ابن عرفة.
والواقع فرض على المجامع الفقهية الاعتراف بالموت الدماغي بعد أن كان الفقهاء مطبقين على أن الموت هو موت القلب. والواقع جعل الحامل لم تَعُد بعد ستة أشهر مريضةً مرضاً مخوفاً، محجوراً عليها كما هو مذهب مالك.
إن كثيراً من القضايا ينظر إليها من خلال الأدلة الفرعية بنظر جزئي، وهي قضايا تتعلق بكليِّ الأمة؛ كمسألة جهاد الطلب، وتصنيف الدار والعلاقات الدولية المالية، التي لا تحترم أحياناً من ماهية العقد إلا ركن التراضي الذي حصر فيه إمام الحرمين صحة العقد في حال تصور خلو العصر والقطر عن عالم.
فالواقع الجديد يقترح صورة مغايرة للصورة التي نزلت فيها الأحكام الجزئية، ومعنى قولنا الجزئية أنَّ الأحكامَ الكليةَ التي يستند إليها التنزيل تشمل الصورة القديمة والحديثة.
إنَّ الظروف الواقعيةَ والمصالحَ الإنسانية هي المعيار الذي -بالاستقراء- كان حاكما في التصرفات مندرجاً في المقاصد الكلية.
ولنأخذ أمثلة من مجال المعاملات، فمن الضروري مراجعة جملة من المفاهيم في البيئة الحديثة وتحليل العقود الجديدة وتفكيكها لسبر ملاءمتها للشروط والضوابط الشرعية.
فمن هذه المفاهيم:
الغرر في العقود: الكثير من العقود تتم في غَيْبة المعقود عليه, دون أن تكون سلَماً بشروطه، فهل هي من بيع الغائب، أو من بيع غاب فيه البدلان؟
وبهذا الخصوص يمكن الإستفادة من بعض مفردات مذهب مالك بن أنس الذي وسّع البيع بمعنى من المعاني فجعل مفهوم البيع هو العقد دون القبض على المشهور من المذهب وضمّر الربا في تعامله مع قوله تعالى (وأحل الله البيع وحرّم الربا) مع الاستدراك على مسائل سد الذرائع التي تمثل الممنوع من الدرجة الثانية، ليكون ذلك منبها على ما تختزنه المذاهب الإسلامية المتعددة من إمكانات هائلة ومرونة عالية تسمح بالتعامل مع العصر.
وفي هذا السياق، يمكن العمل على معيار لبيع الديون يراعي الانضباط المطلوب ويسهم في مواجهة التحديات التي تطرحها السوق مثل عقود البترول والسلع المختلفة في الأسواق الدولية وذلك وفقا لمذهب مالك الذي يجيز ذلك مع شيء من الانضباط تمثله الشروط الخمسة لبيع الدين ومنها ثبوت الدين وإمكانية الحصول عليه في وقته لأنه يعتبر الدين مالاً موجوداً ويقدر المعدوم موجوداً.
وابتداء الدين بالدين الذي نعني هنا ليس هو بيع الكالئ بالكالئ، فبيع الكالئ بالكالئ عند مالك هو فسخ دين في دين، وأما ابتداء الدين بالدين فهو جائز عنده بشروط معلومة في السلم ومذهب سعيد بن المسيب جواز ذلك مطلقا. حيث نقل عنه ابن يونس في كتابه “الجامع لمسائل المدونة” جواز تأجيل البدلين، وسعيد بن المسيب كما يقول الشيخ ابن تيمية أفقه الناس في البيوع، وهو عند أحمد بن حنبل أفضل التابعين.
كما يمكن الأخذ ببيع الغائب الذي يجيزه مالك ببعض الشروط، باعتبار أنَّ الخبر بمنزلة النظر، وهي قاعدة نادرة ذكرها الحافظ أبوبكر بن العربي في كتابه “القبس”، أي الإكتفاء بالخبر عن النظر، وبالتالي أجاز بيع الغائب بالوصف، والمغيب في الأرض من الثمار.
ولهذه الآراء الواردة في مذهب مالك أدلتها وأصلها في عمل أهل المدينة وليس هذا محل إيرادها. لكن المراد أنَّ هناك أسساً يمكن البناء عليها لتطوير معايير جديدة تخدم التمويل الإسلامي مع الإبتعاد عن المحاذير التي تتنافى مع التعاملات الاسلامية وهي الربا والغرر والجهالة وأكل أموال الناس بالباطل أو الثلاثي النكد كما نسميه، والتي ذكرها الحافظ أبوبكر بن العربي وسبقه إليها القاضي عبدالوهاب في كتابه التلقين.
ولاشك أنَّ مثل هذه المقترحات قد تحتاج إلى ورش ولجان عمل لتطويرها وتعميق النظر فيها، لكن ذكرناها هنا للتنبيه على مكنونات الشريعة السمحة وإمكانات الفقه الواسعة.
أيها الحضور الكريم،
رابعاً وأخيرا: ضوابط التعامل مع هذه القضايا (محددات المنهج):
وهنا سنشير سريعا إلى بعض القواعد والضوابط التي ينبغي للمتعامل مع النوازل والمستجدات الأخذ بها وذلك بالتعامل مع النصوص من خلال المقاصد والقواعد والواقع والوقائع، فيفرق بين العبادات التي مبناها على التسليم وبين المعاملات التي مدارها على التعليل المعقول، والتصرف وفق روح القيم الناظمة للشريعة المطهرة وهي: الحكمة، والمصلحة، والعدل، والرحمة. ومن هذه الضوابط:
1- النظرة الشمولية التي تعتبر الشريعة كلها بمنزلة النص الواحد: ونحن هنا ننطلق من مسلمة أن نصوص الشريعة بمنزلة نص واحد في نظام الاستدلال والاستنباط.
وقد نبه الشاطبي على ذلك بقوله: وإنما يكون متشابها عند عدم بيانه، والبرهان قائم على البيان وأن الدين قد كمل قبل موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك لا يقتصر ذو الاجتهاد على التمسك بالعام مثلا حتى يبحث عن مخصِّصه، وعلى المطلق حتى ينظر هل له مقيد أم لا؛ إذ كان حقيقة البيان مع الجمع بينهما؛ فالعام مع خاصه هو الدليل، فإن فقد الخاص؛ صار العام مع إرادة الخصوص فيه من قبيل المتشابه، وصار ارتفاعه زيغا وانحرافا عن الصواب.
2- الجمع بين النصوص التي يوحي ظاهرها بالتعارض.
3- الموازنة بين الجزئي والكلي: وهذه الموازنة ضرورية لتفادي صورة أخرى من صور الاجتزاء أي: الاكتفاء بالجزئي والإعراض عن الكلي، وعدم فهم التجاذب الدقيق بين الكلي والجزئي، فالشريعة ليست على وزان واحد، فلا هي مجموع الأدلة الجزئية، ولا هي مجرد كليات عائمة، أو قيم مجردة، وبالتالي لا ينظر إلى الجزئي إلا من خلال الكلي، كما لا قوام للكلي إلا بجزئياته، مع مراعاة أنه حال التعارض بينهما لا الكلي يقدم بإطلاق، ولا الجزئي كذلك، وذلك راجع إلى ميزان المجتهد الذي يستخدمه في كل موضوع.
4- عرض الخطاب الآمر “التكليف” على بيئة التطبيق “خطاب الوضع“:
وهذا ضمن البيئة الأصولية لعملية تحقيق المناط والمجال الناظم للدلالة التي تحوطها فالخطاب الشرعي قسمان: خطاب تكليف، وخطاب وضع. فالقسم الأول أحكام معلقة بعد النزول على وجود مشخص، هو الوجود الخارجي المركب تركيب الكينونة البشرية في سعتها وضيقها، ورخائها وقترها، وضروراتها وحاجاتها، وتطور سيروراتها، فإطلاق الأحكام مقيد بقيودها وعمومها مخصوص بخصائصها، ولذلك كان خطاب الوضع -الذي هو الأسباب والشروط والموانع والرخص والعزائم والتقديرات- ناظما للعلاقة بين خطاب التكليف بأصنافه: طلبُ إيقاع وطلبُ امتناع، وإباحة، وبين الواقع بسلاسته وإكراهاته.
وبعبارة أخرى، خطاب الوضع هو البيئة الأصولية لإنزال الحكم، وهو الذي يحوط خطاب التكليف ويكلؤه، ولهذا كان خطاب الوضع بالمرصاد لخطاب التكليف، ليقيد إطلاقه، ويخصص عمومه، فقيام الأسباب لا يكفي دون انتفاء الموانع، ولن تُنتج صحة أو إجزاء دون توفر الشروط سواء كانت للوجوب، أو شروط الأداء أو الصحة، فلا بد من تحقيق المناط للتدقيق في ثبوت التلازم طرداً وعكساً.
5- مراجعة سياقات النصوص
6- اعتبار العلاقة بين الأوامر والنواهي ومنظومة المصالح والمفاسد.
7- مراعاة التطور الزماني والواقع الإنساني.
8- النظر في المئالات والعواقب: فالمآلات مسلك من مسالك معرفة الواقع والأدوات التي بإمكانها أن تكتشف المستقبل، بعد أن يكون الناظر قد عرف الواقع بكل تضاريسه ومتوقعاته ليضمن التوازن في تنزيل الحكم عليه ومعرفة توجه المستقبل من خلال معطيات الحاضر التي أفرزها الماضي، إنه توقع عقلاني بعيد عن التوهم أو عن معنى الاستباق وإن تقاطع معه، يتأسس على واقع يحقق ويثبت العلاقة بين الأحكام وبين الوجود المشخص، ولا يهمل فيه أي عنصر من عناصر العلاقة بينه وبين الدليل الشرعي الذي يقع التدقيق في شقيه: الكلي والجزئي، كما يدقق في تقلبات وغلبات الواقع والأثر المحتمل للحكم في صلاحه وفساده، بحيث لو تنزل بالفعل لكان محمود الغب جار على مقاصد الشريعة، والمقاصد قبلة المجتهد كما يقول الغزالي في تحصين المآخذ.
9- استحضار البعد الإنساني والإنتماء إلى الكون.
10- استغلال الإمكان المتاح في الشريعة.من خلال المصالح أو المقاصد أو من خلال مراعاة اختلاف العلماء.
11- التعامل مع مقصد التيسير مرجحاً عند تعارض الأدلة كما ذكر بعض الأصوليين. وكما فصلنا في كتابنا (صناعة الفتوى)- فاستعمال الرخص عند قيام الأسباب، مؤصل من الأصلين، ومن قاعدة إشفاق المفتي على أهل ملته، كما يقول الخطيب البغدادي لأن الإعنات مخالف لتيسير الشرع.
هذه المنهجية التي ندعو إليها، هي منهجية من رحم الشريعة، كانت موجودة وممارسة في واقع الحياة، وإن كانت اليوم غائبة عن الذاكرة الجمعية فإننا نريدها أن تعود مرجعية للعلماء كما كانت من قبل، ولم يكن يشذ عنها إلا المنشقون الخارجون عن المجتمع وعن الأمة الذين لهم في الشرع وضع محدد وصفات معينة يتحقق بها المسلم من أمرهم كما بينتها نصوص الشريعة.
العنوان الأصولي لفقه الواقع هو تحقيق المناط:
تحقيق المناط يمثل التحقق من مناط معين وهو العلة لتنزيل الحكم عليه فتحقيق المناط بوصفه الاجتهاد الثالث كما يقول الشاطبي، لا ينقطع فيه الاجتهاد لانه مسايرة للزمان والمكان.
وفي ختام هذه الكلمة كان لنا في مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي جهد واجتهاد معتبر في إصدار مجموعة من الفتاوى والبيانات خلال جائحة كورونا التي لم يكن منحى من مناحي الحياة بمنأى عن تبعاتها وآثارها لتوضيح الموقف الشرعيّ من عدد من القضايا المستجدة التي أثارتها الجائحة: كقضايا صلاة الجماعة والتروايح والعيدين، وكقضايا صوم الممرضين ومصابي كورونا، وتقديم الزكاة أو تأخيرها والحج، وأصدرنا فتوى حول استخدام اللقاح المضاد لفيروس كورونا، وغير ذلك من الفتاوى التي اعتبر فيها المجلس تغيّر الواقع مؤثرا ومرجحا، وأعمل الاستحسان وهو العدول عن القياس إلى ما هو أرفق بالناس على حد عبارة بعض الأحناف. كما نظم المجلس بالتعاون مع رابطة العالم الإسلامي مؤتمرا دوليا حول “فقه الطوارئ” جمع فيه العلماء من مختلف القارات لتحقيق المناط في واقع الجائحة ومناقشة ما أثارته من أسئلة فقهية في جميع المجالات من عقائد وعبادات ومعاملات، موضحين يسر الإسلام وسعة الشريعة وقدرتها على استيعاب مصالح الناس في مواجهة الجوائح والأزمات.
ولعلنا نهدي إلى جامعتكم الموقرة الكتاب الذي سيصدر متضمنا أعمال ذلك المؤتمر.
وختاماً، أشكركم جميعاً وأدعو الله أن يبقي بلدنا بلد خير ونماء وعطاء ونفع للناس، وأن يحفظه ويحفظ قيادتنا الرشيدة من كل ضر وبأس، وأن يصلح أعمالنا وأن يجعل اجتماعنا اجتماع خير وأن يكلّله بالنجاح إنّه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الله بن بيه في زيارة لمعرض السيرة النبوية بالمدينة المنورة
أدىى معالي الشيخ عبد الله بن بيه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء ؛ زيارة لمتحف ومعرض السيرة النبوية والحضارة الإسلامية في المدينة المنورة بالمملكة العربية السعودية.
وتابع فضيلة الشيخ بن بيه، شرحا مفصلا حول مجمل التقنيات المبتكرة التي تم اعتمادها في المتحف والمعرض؛ باعتبارها النواة الأولى لانطلاق سلسلة المتاحف الإسلامية المقرر تدشينها بإشراف رابطة العالم الإسلامي على مستوى عدد من عواصم العالم.
وكان الشيخ عبد الله بن بيه قد وجد في مقدمة مستقبليه عند مدخل المتحف والمعرض بجوار المسجد النبوي الشريف، وكيل العلاقات والتواصل الدولي برابطة العالم الإسلامي معالي الدكتور محمد سعيد المجدوعي رفقة جمع من القائمين على هذا المتحف.




الشيخ عبد الله بن بيه وعوامل بناء الشعوب

إستوقفتني كثيرا ردود العلامة الشيخ عبد الله ولد بي حفظه الله و بارك فيه، على أسئلة رئيس وزراء دولة باكستان، و مما خطف عقلي و قلبي قوله أن التغيير الكبير الذي جاء بالعرب البدو الأميين المتخلفين لقيادة الحضارة البشرية، بفعل إيمانهم بما جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن بفعل خَلْقِ مهن جديد أو التوجه إلى حرف معينة أو إبتكار تكنولوجي تُقَلًلُ من مدخلات الإنتاج و تُكَثًرُ المنتوج….. إنما أقر ما كان من حرف و مِهَنِِ و تجارة و زراعة… ولكنه صلى الله عليه و سلم أحدث ثورة لم يشهد التاريخ لها مِثالا، و ذلك بإعتراف مفكري و فلاسفة الغرب أنفسهم و ذلك من خلال:
١- تحرير الطاقات الكامنة في الفرد من أغلال الوثنية و التخلف و التبعية، وجعله مرتبط بالله وحده، في أفعاله و أقواله، مدرك بأن لا معبود بحق إلا الله وحده لا شريك له، يعلم علم اليقين بأن الله يراه و يسمعه و أنه سبحانه و تعالى جعل عليه حفظة كراما يكتبون أفعاله و أقواله و أنه محاسب عليها، هذا الرقيب الذي أصبح كل فرد يستشعره، فجر الطاقات الكامنة و جعل المسلم يعمل بكفاءة و إخلاص؛
٢- العامل الثاني الذي ساهم في الإنجاز الحضاري العظيم الذي حققه رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو الدعوة إلى مكارم الأخلاق و التحلًي بها و ملازمتها( الصبر، الأخوة في الله، الصدق، الإنفاق، الإثار، التعفف، ترك الغيبة… ) فكان مجتمع المدينة مثالا على كل معاني مكارم الإخلاق، و أصبح أكثر وحدة و تماسكا و إستقلالا، و أكثر إنتاجا و إنتاجية؛
٣- العامل الثالث من عوامل البناء الحضاري الذي ساهم في بناء الحضارة الإسلامية التي ملأت الدنيا، فهو عامل الطاعة، فمجتمع مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا جميعا يتنافسون في طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم و خدمته، و كان لهذا العامل الدور الكبير في توحيد العمل و توحيد الهدف، مما يمنع تشتت الجهد و الفرقة، و يستوجب الحصول على أكبر عائد معنوي و مادي.
يمكن القول بأن العوامل الثلاثة السابقة( الرقيب الرباني، التحلًي بمكارم الأخلاق، طاعة أولي الأمر )، هي عوامل البناء الحضاري السليم، و بالرجوع إليها يعم العدل و تتجسد الوحدة و تتعاظم الإنتاجية المادية و المعنوية.
عليكم بسنة رسول الله فيها الخلاص من التخلف و التبعية و النجاة من عذاب القبر و الفوز بالجنة.
بأبي و أمي أنت يا رسول الله صلى الله عليك وسلم.
حفظ الله شيخنا العلامة عبد الله بن بي.و نفع الله الأمة بفهمه الواضح لنصوص الشرع و أفكاره العظيمة.
د محمد الأمين شريف أحمد.
البيان الختامي للملتقى الثامن لمنتدى تعزيز السلم
نص كلمة العلامة عبدالله بن بيه في إكسبو2020
العلامة عبدالله بن بيه في إكسبو2020 : على التمويل الإسلامي أن يحقق التنافسية ويبقى وفيا لمنبعه الأصيل وقيمه العليا.
![]() |
||
أشاد رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي الشيخ عبدالله بن بيّه، بالطموح الكبير والتطلع الدائم للأفضل الذي يطبع عمل دولة الإمارات ورؤية قيادتها الرشيدة، والمتمثل في نجاحها في تنظيم معرض إكسبو 2020 الدولي الكبير، الذي تشارك فيه أكثر من 190 دولة من مختلف أنحاء العالم. وتحدث خلال مشاركته في أعمال مؤتمر «مستقبل النظام المالي» عن النظام المالي من المنظور الفكري والشرعي وأن أهم العوامل المؤثرة في مستقبل النظام المالي، هو التطور التكنولوجي الذي جاء نتيجة لإدماج التقنية في قطاع المال على مدى العقود الماضية، مشيراً إلى السرعة المذهلة التي تنمو بها المعاملات الرقمية اليوم، إضافة إلى صعود توجه التمويل غير المركزي الذي بدأ ينافس في بعض القطاعات التمويل التقليدي، مبيناً الحاجة إلى الاستثمار بالقطاعات البيئية الخضراء.
وأوضح معالي الشيخ ابن بيّه أن النظرة السليمة لمستقبل التمويل الإسلامي يجب أن تنطلق من الوعي بأهمية التجديد والاجتهاد في الأحكام والنوازل المستجدة في الواقع المعاصر، وتسترشد بالمقاصد الشرعية وروح القيم الناظمة للشريعة المطهرة.
وبيّن أن السؤال الملّح في ظل المتغيرات والتحديات التي يفرضها الواقع، هو كيف يمكن للتمويل الإسلامي أن يحقق أهدافه التنافسية ويبقى وفياً لمنبعه الأصيل وقيمه العليا وفي جاذبية المقاصد والنصوص الشرعية، مشيراً إلى أن مستقبل التمويل الإسلامي يكمن في التركيز على ثلاثة عوامل هي المواءمة والملاءمة والابتكار، ومن خلال ذلك يمكن للاقتصاد الإسلامي تلبية الحاجات الحقيقية للاقتصاد والتعامل مع الواقع الجديد للحركة الاقتصادية.
وأكد معالي الشيخ ابن بيّه أنه من الضروري التعامل مع المذاهب الإسلامية جميعاً كمجموعة واحدة، وبالتالي الاستفادة من الثروة الفقهية الكبيرة التي تزخر بها هذه المذاهب، وتطرق إلى مقترح لتطوير معيار التوازن والتوسط الذي يقوم على المواءمة بين الثبات والتغير.
ودعا الهيئات الشرعية بالمؤسسات المالية إلى الانفتاح على الأقوال في المذاهب الإسلامية المتنوعة، والوعي بالحاجة الملحة لنظرة جدية ورؤية متجددة في المعاملات الاقتصادية المعاصرة، والعمل على تحديث الأدوات الاجتهادية والمعايير التنظيمية في الاقتصاد الإسلامي، بما يراعي الحفاظ على قيمه الأساسية التي منها الانضباط والشفافية وصيانة حقوق المتعاملين. |
“منتدى تعزيز السلم” يدعو الأفغان لبذل السلام والعالم لمساعدة أفغانستان
منتدى تعزيز السلم” يدعو الأفغان لبذل السلام والعالم لمساعدة أفغانستان
![]() |
||
دعا منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الأطراف الافغانية إلى تغليب السلام والجنوح إلى المصالحة والوئام امتثالا للنصوص الشرعية الصريحة وتطبيقا للتجربة الإنسانية الراشدة كما دعا العالم إلى مساعدة أفغنستان في الوقت الصعب في التنمية وجهود الاعمار.
جاء ذلك في بيان شامل أصدره المنتدى اليوم الأحد بعنوان “دعوة لبذل السلام والتعاون من أجل الوئام” وذكّر البيان بجملة من الوصايا في هذا السياق من بينها:
- أفشوا السلامَ بينَكم، أهمية السلم والمحافظة عليه كما دلت على ذلك النصوص الشرعية الصريحة وزكته التجربة الإنسانية الراشدة.
- بذْلُ السَّلاَمِ لِلْعَالَمِ، إن هذه العبارة الواردة في قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة عظيمة تستحق التوقف عند مفرداتها الكثيفة، فما الذي يعنيه بذل السلام للعالم؟
- نقدر أنَّ العالم ينتظر من أفغانستان تسهيل الحركة للخروج الآمن لكل من أراد من المقيمين في تلك الديار غير مضار بأفغانستان ولا بأمن أفغانستان،
- العالم ينتظر من أفغانستان أن تكون موطنا للسلام ومن عرف الحرب أحب السلام،
- العالم ينتظر من أفغانستان سلاما في القلوب وسلاما في الكلام والأعمال.
- فما الذي تنتظره أفغانستان من العالم؟ نقدر أنَّ أفغانستان تنتظر من العالم سلاماً واحتراماً، تنتظر مساعدة في التنمية وجهود الاعمار. كل ذلك لن يكون الا في جو من السلام الشامل.
- إبراز الصورة الحسنة للإسلام، إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على الصورة الحسنة للإسلام عندما أجاب من طلب أنْ يقتل من يُتهم بممالأة العدو فقال: “لا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ”. إنَّ ذلك يُوضح حرصه الشديد عليه الصلاة والسّلام على نقاء صورة الإسلام.
- أهمية التواصل مع العصر مع التمسك بالأصل
- الحاجة إلى تفعيل الأدوات الفقهية الاجتهادية التي تزخر بها المذاهب الإسلامية
- إدراك تأثير الزمان وتغير الواقع الذي جعل الصّاحبَيْنِ يخالفان الإمام أبا حنيفة في بعض النوازل وجعل المشايخ بعد ذلك يخالفون الأئمة في بعض الأحكام.
- الأخذ بمقصد التيسير في الشريعة الغراء، والذي هو من خصائص هذا الدين، كما ورد في النصوص الشرعية ، وهو قاعدة فقهية كما عبر عنها الفقهاء بقولهم: «المشقة تجلب التيسير»، كما أنه مقصد أعلى من مقاصد الشريعة كما يقول الشاطبي.
- لقد أظهرت جائجة كورونا-كوفيد 19 هشاشة الجنس البشري والحاجة إلى التعاون والتضامن بين البشرية، فساكنة هذا الكوكب كركاب السفينة الواحدة على حدّ تعبير الحديث الصحيح، محكومين بمسار واحد ومحكوم عليها بمصير واحد، فلانجاة للبعض دون الآخرين.
وختم البيان بإبداء استعداد منتدى تعزيز السلم لمشاركة تجربته مع الأخوة العلماء في أفغانستان والمساعدة في كل ما من شأنه أنْ يعود بالنفع والأمن ومزيد الإستقرار.
يذكر أن منتدى تعزيز السلم ومقره أبوظبي تأسس في عام 2014 وقد جعل منذ تأسيسه مركز اهتمامه العمل على السلم تأصيلاً وتوصيلاً انطلاقاً من قناعة راسخة بأهمية السلم بصفته مقصداً أعلى يحمي الكليات الخمس الواجب حفظها. كما اشتغل في السنوات الماضية على دوائر متعددة، بدءا من الدائرة الإسلامية ثم دائرة الأديان السماوية وصولا إلى الدائرة الانسانية المشتركة في حلف الفضول الجديد في برامج ومبادرات لا تجافي الإسلام ولاتنافي حقائق الواقع الكوني الراهن.
كلمة العلامة ابن بيّه في افتتاح مسابقة “التحبير للقرآن الكريم وعلومه”
![]() |
|||
كلمة العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي |
|||
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
الفريق سمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، حفظه الله تعالى ورعاه، الحضور الكريم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إنه لمن دواعي السرور أن أتشرف بأن أكون معكم في هذه المناسبة المباركة في ليلة مباركة لهدف مبارك. الزمن: هو العشر الأواخر من رمضان، والموضوع: هو الاحتفاء بالقرآن. ليلة الخامس والعشرين من رمضان من الليالي التي يرجى أن تكون ليلة القدر كما في الحديث عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (التَمِسُوها في العَشرِ الأواخِرِ مِن رمضانَ، ليلةُ القَدْرِ في تاسعةٍ تبقى، في سابعةٍ تبقى، في خامسةٍ تبقى).[1]
إن رعايتكم وعنايتكم بأهل القرآن من أعظم الأعمال وأهمها فالقرآن حبل الله الممدود، ففي الحديث (كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض)[2]. و(أهل القرآن هم أهل الله وخاصته)[3]، فضلهم يتعدى ليعم الجميع. يرفع الله به والديهم درجات، ويلبسون بهم حلل الكرامات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن وتعلَّم وعمل به أُلبس والداه يوم القيامة تاجاً من نور ضوؤه مثل ضوء الشمس، ويكسى والداه حلتين لا تقوم لهما الدنيا فيقولان: بم كسينا هذا؟ فيقال: بأخذ ولدكما القرآن)[4]. وقد نظم معناه الإمام الشاطبي رحمه الله في ألفيته حيث قال مخاطباً طالب القرآن:
هَنِيئاً مَرِيئاً وَالِدَاكَ عَلَيْهِما مَلاَبِسُ أَنْوَارٍ مِنَ التَّاجِ وَالحُلاْ
فَما ظَنُّكُمْ بالنَّجْلِ عِنْدَ جَزَائِهِ أُولَئِكَ أَهْلُ اللهِ والصَّفَوَةُ المَلَا
أُولُو الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ وَالصَّبْرِ وَالتُّقَى حُلاَهُمُ بِهَا جَاءَ الْقُرَانُ مُفَصَّلَا
إن نهج الاهتمام بالقرآن وأهله وتقدير العلماء هو نهج راسخ ولله الحمد في دولتنا وهو امتداد لإرث المغفور له الشيخ زايد الذي لا زالت آثار أياديه البيضاء على العلماء تستجلب له الدعوات الصالحة.
سمو الشيخ، إن القرآن الكريم مزهرٌ بستانُه، معجزٌ بيانُه وبرهانُه، ينير الدروب ويشرح القلوب، ولعلي في هذه الكلمة المختصرة أتطرق إلى القيم العظيمة الإنسانية التي تضمنتها الوصايا العشر في سورة الأنعام فصارت منهجاً أخذ به الأنام.
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ مِّنْ إمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ* وَأَنَّ هَـذَا صِراطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.
يمكن تقسيم منظومة القيم التي تضمنتها هذه الآيات، كما أشار إلى ذلك الطاهر بن عاشور، إلى ثلاثة أقسام: قسم هو أحكام بها إصلاح الحالة الاجتماعية، وقسم فيه حفظ نظام تعامل الناس، وقسم ثالث فيه صيانة العقيدة، وقد ذيل الله ذلك كله بقوله: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ}، مرة للتعقل ومرة للذكرى ومرة للتقوى. فهي بحق أهم الوصايا الأخلاقية للإنسان: تحفظ الكليات الخمس: الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
بعبارة أخرى فهذه الآيات تعطي خطوطاً عامة لعلاقة الإنسان مع ربه التي يحكمها التوحيد، وعلاقته مع مجتمعه القريب والإنساني والتي يحكمها البر والإحسان وحفظ العهد. وقد ورد عن ابن مسعود: (من أراد أن ينظر إلى وصية محمد ﷺ التي عليها خاتمه فليقرأ هذه الآيات).[5]
ومن لطف الله سبحانه وتعالى بعباده أن جعل هذه الوصايا متعلقة بقدرة الإنسان واستطاعته: {لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۖ}. ولذا نقول دائماً لأبنائنا وطلابنا: “شريعتك استطاعتك”، فديننا دين يسر لا دين عسر، ودين رحمة لا دين غلو وقسوة.
إن هذه الآيات تحتوي قيماً من قيم القرآن الكريم، وقيمه كثيرة لا تفنى ولا تبلى.
ومن أهم القيم القرآنية، المشتركة بين الأديان بعد الإيمان بالله سبحانه وعبادته، قيمة إعلاء كرامة الإنسان واحترام عصمته: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا}[6].
ومن القيم كذلك قيمة السلام، فالسلام اسم من أسماء الله تعالى وفي القرآن الكريم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}[7]. والسلام طريق يوصل لقيمة قرآنية أخرى ألا وهي قيمة الحب التي وردت في مواضع كثيرة، قال تعالى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[8]، {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ}[9]. وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحب من شروط الإيمان، ففي الحديث: (لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم)[10]. وإفشاء السلام يتضمن كل الأفعال والأقوال التي تؤدي إلى المحبة والألفة كما نبه عليه الحافظ بن حجر.
إلى غير ذلك من قيم القرآن الكثيرة التي تحتاجها البشرية اليوم مثل قيم الرحمة والتضامن والتعارف.
وفي الختام أدعو الله أن ينفعنا ويرفعنا بالقرآن الكريم وأن يجعل هذه الرعاية الكريمة في موازين حسناتكم، وأن يرحم الشيخ زايد، وأن يحفظ قيادتنا وبلدنا وأمننا، وأن يرفع الغمّة عن البشرية جمعاء، وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله.
[1] رواه البخاري.
[2] أخرجه غير واحد من حديث أبوسعيد الخدري.
[3] أخرجه ابن ماجة، وأحمد من حديث أنس بن مالك.
[4] أخرجه الحاكم من حديث بريدة.
[5] أخرجه الترمذي.
[6] سورة الإسراء، الآية 70.
[7] سورة البقرة، الآية 208.
[8] المائدة، الآية 54.
[9] البقرة، الآية 165.
[10] أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة.
حكم أخذ تطعيم كورونا في نهار رمضان للصائم.
![]() |
||
أخذ لقاح كورونا المستجد (كوفيد – 19) عبر الحقن (الإبر) في نهار رمضان لا يفسد الصوم ولا يؤثر على صحته ولا ينقص أجر الصائم إن شاء الله لأنه ليس من المفطرات المنصوصة ولا في معناها، وإذا وجد متلقي التطعيم ألمًا أو مشقةً معتبرة بسبب الحقنة فلا بأس أن يفطر وعليه القضاء، وإنَّ مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي يدعو الجميع للتعاون مع الجهود التي تبذلها حكومتنا الرشيدة وذلك: من خلال الإسراع لأخذ جرعات التطعيم في موعدها المحدد، مع المحافظة على الالتزام التامِّ بجميع الإجراءات الوقائية والاحترازية التي وجَّهت بها الجهات الصحية، وإنَّ التهاون في استخدام اللقاح لمن هو مهيَّأٌ لذلك قد يعرض صاحبه للإثم؛ نظرًا لأنَّه قد يتسبب في تعدي ضرر المرض للآخرين مع القدرة على منعه أو تقليل أضراره.”
مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي رئيس المجلس معالي العلامة الشيخ/ عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيه |
||
فتنة التكفير حرب على الامة
![]() |
||
العلامة عبدالله بن بيه | ||
لقد ابتليت الأمة بحروب يشنها عليها أعداؤها متذرعين بمختلف الذرائع ومتوسلين بشتى الوسائل، تارة بسبب جريمة سفيه ـ لم تثبت ـ يهلك من أجلها فئات من الناس، وتارة من أجل دعوة أسلحة دمار لم توجد، وتارة من أجل إيجاد ديمقراطية بالإكراه تشن حرب يحرق فيها الأخضر واليابس. إنها حرب أو حروب تفتقر إلى حد أدنى من المنطق لكن الذي يهمنا اليوم هو حرب أخرى تشنها طوائف من هذه الأمة على الأمة الإسلامية لتخريب بيوتها من الداخل ليست أقل ضراوة ولا أقل منطقية من تلك التي تأتي من وراء البحار، تارة تحت عنوان الاختلاف في المذهب، وتارة تحت عنوان الولاء والبراء والعلاقة مع الكفار إلى غير ذلك من العناوين التي لا تقيم وزناً للمصالح والمفاسد ومآلات الأفعال ولا تدرك خطورة التكفير في الشرع الحنيف. بعض النصوص في خطورة التكفير: قال تعالى: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)[النساء: 94]. وفي الأحاديث الصحيحة النهي الشديد والوعيد لمن يرمي غيره بالكفر، فقد روى البخاري وأحمد: من رمي مؤمنًا بكفر فهو كقتله . إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما . والأحاديث بمثل هذا المعني كثيرة، وما ذلك إلا لما يستلزمه الكفر من النتائج الخطيرة التي من جملتها إباحة الدم، والمال، وفسخ عصمة الزوجية، وامتناع التوارث، وعدم الصلاة عليه، ومنع دفنه في مقابر المسلمين، وغيرها من البلايا والرزايا نعوذ بالله تعالى منها. هذا وقد اختلف العلماء في مسائل التكفير وتبادلت الطوائف تهمته بحق أو بغير حق، إلا أنه بسبب ما ورد فيه من الوعيد حذّر أشد التحذير من التكفير جماعة من العلماء حتى قال الإمام السبكي: ما دام الإنسان يعتقد شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فتكفيره صعب . وقال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني: لا أكفر إلا من كفرني . قال الشيخ: وربما خفي لسبب ما هذا القول على بعض الناس وحمله على غير محمله الصحيح، والذي ينبغي أن يحمل عليه أنه لمح هذا الحديث الذي يقتضي أن من دعا رجلاً بالكفر وليس كذلك، رجع عليه الكفر، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من قال لأخيه كافر فقد باء بها أحدهما ، وكأن هذا المتكلّم يقول: الحديث دلّ على أنه يحصل الكفر لأحد الشخصين إما المكفِّر أو المكفَّر، فإذا كفرني بعض الناس فالكفر واقع بأحدنا، وأنا قاطع بأني لست بكافر فالكفر راجع إليه. وقد بالغ الإمام أبو حامد الغزالي حتى نفى الكفر عن كل الطوائف فقال: هؤلاء أمرهم في محل الاجتهاد، والذي ينبغي الاحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلاً، فإن استباحة الدماء والأموال من المصلين إلى القبلة المصرحين بالتوحيد خطأ، والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم. من هذه التعريفات تبرز العناصر التالية: أولها: وهو أساس التعريف وحقيقة الحد المتمثل في الجنس والفصل هو ما عرف به ابن عرفة المالكي، فإن قوله: كفر هو جنس للردة، ويدخل فيه الكفر الأصلي والطارئ، وقوله: بعد إسلام تقرر هو الفصل أخرج به الكفر الأصلي، وما إذا لم يتقرر الإسلام أي لم يثبت. أما تعريف صاحب تنوير الأبصار وصاحب المغنى فهو تعريف لاسم الفاعل وهو المرتد أي الراجع، فالرجوع هو الجنس وكونه عن دين الإسلام إلى الكفر ، هو الفصل، وهذه التعريفات متقاربة إلا أنها لا توضح كيفية الخروج، غير أن ملحقات الحد بينت ذلك. فقال تنوير الأبصار: وركنها إجراء كلمة الكفر على اللسان بعد الإيمان ، ويجعل التعريف مركبًا إذ كونه ركنًا يدل على أنه جزء لماهية، ولكن ابن عابدين قال: هذا بالنسبة للظاهر الذي يحكم به الحاكم وإلا فقد تكون بدونه، كما لو عرض له اعتقاد باطل أو نوي أن يكفر بعد حين . وهذا الكلام يجعل الاعتقاد ركنًا إلى جانب الكلام. أما ابن عرفة فقد جعل الكلام ونحوه وسيلة فقط لظهور الردة وليس جزءًا من الماهية فقال: عن ابن شاش: ظهور الردة إما بتصريح بالكفر أو بلفظ يقتضيه أو فعل يتضمنه . وهكذا فإن هذه الثلاثة هي مظاهر الردة، وقد نقل ابن عرفة كلام ابن شاش في عقد الجواهر الثمينة فيما تظهر به الردة ولكنه لم يتبعه في التعريف، فابن شاش عرّف الردة بأنها: عبارة عن قطع الإسلام من مكلف ، وبهذا تكون الردة أمرًا قلبيًا مظهرها الخارجي الذي يحكم به قول صريح أو مقتض أو فعل متضمن.وقد اقتصرت الأحناف على القول فيما مر إلا أنهم أضافوا الفعل، فقد قال ابن عابدين في الحاشية: وكما لو سجد لصنم ووضع مصحفًا في قاذورة فإنه يكفر وإن كان مصدقًا؛ لأن ذلك في حكم التكذيب، كما أفاده في شرح العقائد . أما تعريف الزركشي الذي نقلنا فهو تعريف للكفر وهو أعلم من الردة وجعل الجنس فيه الإنكار والفصل فيه هو ما عظم من الدين ضرورة، وهذا التعريف للرازي وهو مثل تعريف الأحناف الذي يعتبر إجراء كلمة الكفر عن اللسان ركنًا للردة، وقد ناقشه الزنجاني قائلا: إن الإنكار يختص بالقول والفكر قد يقع بالفعل . ولكن الزركشي بعد نقله لاعتراض الزنجاني على الرازي ناقشة قائلاً: وما أورده من التكفير بالأفعال كلبس الزنار ونحوه على الضابط فجوابه أنه ليس على الحقيقية كفرًا لكن لما كان عدم التصديق باطنًا جعل الشرع له معروفات يدور الحكم الشرعي عليها. والظاهر أن من صدق الرسول صلى الله عليه وسلم لا يأتي بهذا ونحوه فلم يخرج الكفر عن أول التصديق . بعد هذه المناقشات يبدو أن الردة مردها إلى القلب وأن وسيلته هي اللسان، أما الأفعال فقد تعطي حكم التصريح إذا كانت واضحة، وقد بالغ بعض العلماء بالتمسك بالعقد القلبي كأساس فريد للكفر، فقال الشوكاني: فلا بد من شرح الصدر بالكفر وطمأنينة القلب به وسكون النفس إليه، فلا اعتبار بما يقع من طوارق عقائد الشر، لا سيما مع الجهل بمخالفتها لطريقة الإسلام، ولا اعتبار بصدور فعل كفري لم يرد به فاعله الخروج عن الإسلام إلى ملة الكفر، ولا اعتبار بلفظ تلفظ به المسلم يدل على الكفر وهو لا يعتقد معناه . وإذا كان الأمر مردودًا إلى القلب لأن الكفر نقيض الإيمان، والإيمان محله القلب، فإن العلامات التي تترجم عن القلب يجب أن تكون واضحة شارحة غير غامضة ولا مشتبهة ولا محتملة لخطورة أمر الردة. لما تقدم نرى أن ترسيخ ثقافة التسامح وقبول الاختلاف أمر ضروري لإطفاء نار فتنة التكفير التي تحرق الأخضر واليابس وتصيب القائم والجالس. |
العلامةعبدالله بن بيه يتلقى لقاح «كورونا»
![]() |
![]() |
||
تلقى رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي العلامة عبدالله بن بيه، الجرعة الأولى من اللقاح المضاد لفيروس كورونا «كوفيد-19» الذي يتم تقديمه على جرعتين، في إطار جهود الدولة لمكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد. وكان العلامة عبدالله بن بيه قد أصدر فتوى بجواز استخدام لقاح كورونا المستجد (كوفيد19) : حكم استخدام لقاح كورونا المستجد (كوفيد 19) |