ارشيف ل February, 2009

عرض لمحاضرة المقاصد في الشريعة

 

عرض لمحاضرة المقاصد في الشريعة 

    التي القاها العلامة عبدالله بن بيه في مركز المقاصد بمكة المكرمة الاسبوع المنصرم

 

بقلم : الاستاذ محمدو بن عبدالله بن بيه

استهل مولانا الشيخ المحاضر برصد ما لقصد من معان مذكورة في كتب اللغة كالمقاييس لابن فارس واللسان لابن منظور والقاموس المحيط للفيروزابادي.

وبعد وعي الحاضرين لدلالتها اللغوية افرغ لهم في وعائها المعنى الاصطلاحي الذي استعمل في كلام الفقهاء والأصوليين تارة لمقاصد الشريعة أي ما يقصد الشارع بشرع الحكم وبعبارة أخرى :” مراد الحق سبحانه وتعالى من الخلق”.

وهو الذي تجليه العقول من نصوص الشرع فيتداخل مع العلل والأسباب والحكم مع اختلاف في بعض الشيات وبخاصة عند من يرى كالرازي العلل مجرد أمارات وعلامات وليست حكماً وغايات.

ونبه الشيخ إلى أن العلماء قد عبروا بعبارات مختلفة عن هذا المعنى واختار أن يبدأ بعبارات المتأخرين الذين نضجت لديهم نظرية المقاصد وتدرج بعد ذلك إلى عبارات المتقدمين التي تشكل جذور هذه التعريفات وأصولها.

وبعد جولة في التعريفات أدرك السامعون أن المقاصد تارة تكون حِكماً وغايات وتارة تكون أحكاماً تُحقِّق تلك الحكم وتارة تكون نوايا المكلفين وغايتهم.

وأوضح الشيخ للحضور كيف أن المقاصد هي فلسفة التشريع الإسلامي معللاً ذلك بتقديمها الإجابة لثلاثة أسئلة أساسية تواجه كل تشريع:

السؤال الأول: ما مدا استجابة التشريع للقضايا البشرية المتجددة وهو ما سماه بعض القدماء بالقضايا اللامتناهية كابن رشد:

السؤال الثاني: ما مدا ملاءمة التشريع للمصالح الإنسانية وضرورات الحياة.

السؤال الثالث: ما هي المكانة الممنوحة للاجتهاد البشري المؤطر بالوحي الالهي.

مذكراً بأن للغربيين ما يسمى بروح القوانين وعلى ضوئها يفسر القضاة والمحامون القوانين ويتأولونها فإن فلسفة التشريع في الغرب قد لا تبدو شمولية مستوعبة للزمان والمكان إذا قيست بنظرية المقاصد في الشريعة الإسلامية.

ثم وقف مولانا الشيخ مع ابتداء تصنيف الأصوليين للمقاصد الثلاثة فذكر أنها تبلورت إلى حد ما مع الجويني حيث رد الشريعة إلى مقاصد كبرى هي المقاصد الثلاثة، الضروري والحاجي والتحسيني في مبحث تقاسيم العلل والأصول.

وبعد ميز لما هو مقصد أصلي ومقصد تابع خطى مولانا الشيخ إلى استكشاف المقاصد واستشفاف الحكم والفوائد فذكر أن البحث عن المقاصد مطلب شرعي فهم من القرآن الكريم في سياقين أولهما صريح وثانيهما بالتلميح من خلال تضافر النصوص.

وأورد جملة أدلة كانت له الحجة البالغة على ما ذكر.

وهذه الدعوة إلى كشف مقاصد الشريعة واستشفاف الحكم فهمها السلف فتجلت في فقه الراسخين في العلم وظهرت في قضاياهم وفتاويهم رضي الله عنهم في أمور لم يسبق فيها حكم أو أمر منه عليه الصلاة والسلام أو سبق فيها حكم أو عموم فخصصوه في الزمان.

ويفتون فيما تجدد من قضايا اعتماداً على ما حفظوه من الوحيين وتارة اعتماداً ما فهموه من دلالة المقاصد.

وامتد هذا الفقه في عصر التابعين بنسب متفاوتة ﴿ فسالت أودية بقدرها ﴾ وأخذت كل مدرسة بنصيب ومع ذلك كانت الإشارة إلى مدرسة أهل المدينة بأنها مدرسة المقاصد إذ منها الفقهاء السبعة واستمر عمل أهلها على منهج ما ورثوه من تراث النبوة فوجد أوقافهم قائمة دليل على جواز الوقف.

وإذا كانت مراعاة المقاصد ظلت ماثلة في فقه الأئمة فإن التباين ظهر مبكراً في اجتهادهم اتساعاً وضيقاً لصوقاً بالنص وبعداً منه ويصف الشاطبي هذه الاتجاهات المتعارضة في موقفها من التعامل مع النص: فأولاً: الاتجاه الظاهري الذي لا يهتم بالمعاني وإنما يقتصر على ظواهر النصوص وهم يحصرون مظان العلم بمقاصد الشارع في الظواهر والنصوص.

 

 

والاتجاه الثاني: يرى أن مقصد الشارع ليس في الظواهر ويطرد هذا في جميع الشريعة فلا يبقى في ظاهر متمسك وهؤلاء هم الباطنة وألحق بهؤلاء من يغرق في طلب المعنى بحيث لو خالفت النصوص المعنى النظري كانت مطرحة.

والذي ارتضاه هو الاتجاه الثالث الذي شرحه بقوله:

والثالث: أن يقال باعتبار الأمرين جميعاً، على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص، ولا بالعكس؛ لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض، وهو الذي أمّه أكثر العلماء الراسخين؛ فعليه الاعتماد.

إن تقسيم الشاطبي تقسيم دقيق إلا أنه يحتاج إلى تجلية وقد اختلفت المدارس الفقهية بين متمسك بظاهر النصوص مع دليل واحد هو الاستصحاب، وهؤلاء هم أهل الظاهر.

بينما قال الشافعية مع الظاهرية بظاهرها وزادوا بالقياس مع اضطراب في مذهبهم حول الاستصلاح.

وهؤلاء أقرب إلى حرفية النص.

وزادت المدارس المالكية والحنبلية والحنفية على الظاهر والقياس فقالت بالاستدلال وهو لغة طلب الدليل. قال الشوكاني: ” وهو في اصطلاحهم ما ليس بنص ولا إجماع ولا قياس “.

وفي آخر القرن الثاني بدأت تتبلور صورة المشهد المتباين والمتساكن والمتداخل والمتقابل وإن كان أئمة المذاهب الثلاثة الحنفية والمالكية والحنبلية لم يعلنوا عن هويتهم إلا من خلال اجتهاداتهم المتناثرة في المسائل التي تجسدت فيما بعد في قواعد فإن الإمام الشافعي رحمه الله سطر أصوله التي كان لدلالات الألفاظ فيها النصيب الأوفر والحظ الأوفى ولم يكتف بذلك فقد أوضح موقفه من الآخرين وبذلك قدم لنا مواقفهم كما يراها فتحدث عن الاستحسان وعن الذرائع معلنا موقفه المبدئي الحاسم منها.

وهكذا تميزت اتجاهات داخل المذاهب الأربعة التي تجمع بينها روابط نسب العلم بالأخذ المباشر بين أئمتها.

وخرجت من عباءة هذا الجدل المقاصد ومن المفارقات أن يكون الشافعية في طليعة مؤسسي الفكر المقاصدي من خلال مقولات إمام الحرمين الجويني وردوده اللاذعة على مذهب مالك وأبي حنيفة فعندما يلج النزاع ويحتدم الجدال وتلتك البراهين على حياض الاجتهاد في محاولة لضبط أوجهه خارج نصوص الكتاب والسنة والإجماع والقياس فيما سمى لاحقاً بالاستدلال كانت المقاصد الوسيلة والمعيار لهذا الضبط لأنها كلية مشككة وإن كانت قطعية بتفاريق أدلة شتى حسب عبارة الغزالي تقريباً.

وقد بدأ البحث عن المقاصد انطلاقاً من الرسالة ورد الفعل عليها والجدل حولها الذي اشترك فيه علماء من مختلف المذاهب أرسخهم القاضي أبو بكر الباقلاني إلا أن الفلسفة المقاصدية كانت مع الجويني سنة478 وتلميذه أبي حامد الغزالي سنة 505 وتلميذه أبي بكر ابن العربي سنة543 والعز بن عبدالسلام سنة660وتلميذه القرافي سنة 682هـ

مع آخرين كالرازي وأبي الخطاب وأبي الحسين البصري وغيرهم من الأصوليين والمتكلمين.

وإن تأخر رد فعل الأحناف ليكون في القرن الثالث فإنهم انخرطوا في جدل مع الشافعية وغيرهم في مختلف قضايا الخلاف التي يرجع بعضها إلى دلالات الألفاظ وبعضها إلى معقول النص أي المقاصد إلا أن تدخل المدارس الكلامية كالأشعرية والماتريدية والمعتزلة والشيعة أثرى الفكر المقاصدي وأوجد أسساً جديدة للحوار الدائر حول المسألة المقاصدية من خلال طرح إشكالية التحسين والتقبيح العقليين ووجوب الصلاح والأصلح أساساً لتعليل أحكام الباري جل وعلا وأفعاله ومسألة الباعث في التعليل فكان الفقيه الأصولي مدفوعاً لخوض غمار علم الكلام وأحياناً السباحة في بحر الفلسفة الأرسطية دون أن يكون قد أعد لها زورقها.

 

ويعد نثره لتلك الورود أطلعهم مولانا الشيخ على كيفية استنباط المقاصد وسبل استخراجها.

وزاد على ما ذكر الشاطبي وابن عاشور جهة خامسة هي: جهة الترك. وليس الترك مرادفاً للسكوت، فالترك هو فعل متعمد من الشارع.

 

الاستنجاد بالمقاصد واستثمارها

نعني بهذا أن المقاصد بعد استنباطها واستخراجها من مكامنها كيف نجنى ثمرتها وكيف .تنجدنا. وترفدنا وتسعفنا وتتحفنا بفوائد تشريعية فأول استثمار لها هو ترشيح المستثمر الذي هو المجتهد ليكون مجتهداً موصوفاً بهذا الوصف لا بد من اتصافه بمعرفة المقاصد لقد بني الشاطبي اجتهاد المجتهدين على دعامتين من المعرفة هما: أولاً: معرفة اللغة العربية فيما يتعلق بدلالات الألفاظ ومقتضيات النصوص.

ثانياً: معرفة مقاصد الشريعة جملة وتفصيلاً إذا تعلق الاجتهاد بالمعاني من المصالح والمفاسد.

 

ولهذا فيمكن أن نقرر وجود مقاصد كبرى قطعية ثابتة بأكثر من دليل في حكم التواتر ومقاصد ثانوية ثبوتها كثبوت العلل ومقاصد عامة تنتشر في كل باب من أبواب الشريعة ومقاصد خاصة تخص باباً واحداً أو طائفة من أحكام أحد الأبواب.

وبهذا يتضح توالد المقاصد وترابطها وتضامنها وتسلسلها وتراتبها في سلم العموم والخصوص تتدرج بين العام و الخاص وبين الأعم و الأخص. وهناك أيضا مقاصد المقاصد ومقاصد الوسائل.

وتعرض ابن عاشور لاحتياج الفقيه إلى معرفة مقاصد الشريعة فقال: إن تصرف المجتهدين بفقههم في الشريعة يقع على خمسة أنحاء.

ولبيان ما دندن حوله أبو المقاصد أبو إسحاق الشاطبي والعلامة الشيخ الطاهر بن عاشور رحمهما الله تعالى نقول: إنه يستنجد بالمقاصد في أكثر من ثلاثين منحى من مسائل الأصول يمكن أن نستعير لها كلمة المحائر والأكنسة لأنها مكامن لؤلؤ الحكم ومكانس ظباء المقاصد وجذور أرومتها وأقناس أجناسها.

خلاصة القول: إن المقاصد روح الشريعة وحكمها وغاياتها ومراميها ومغازيها.

وقد تباينت آراء الباحثين حول المقاصد من مبالغ في اعتبارها متجاوز لحدود عمومها حيث جعله قطعياً وجعل شمولها مطرداً غافلاً أو متجاهلاً ما يعترى العموم من التخصيص وما ينبرى للشمول من معوقات التنصيص.

فألغوا أحكام الجزئيات التي لها معان تخصها بدعوى انضوائها تحت مقصد شامل.

ومن مجانب للمقاصد متعلقاً بالنصوص الجزئية إلى غاية تلغى المقاصد والمعاني والحكم التي تعترض النص الجزئي وتحد من مدى تطبيقه وتشير إلى ظرفيته فهي كالمقيد له والمخصص لمدى اعتباره إلى حد المناداة بإبطال المصالح.

والمنهج الصحيح وسط بين هذا وذاك يعطى الكلي نصيبه ويضع الجزئي في نصابه. وقد انتبه لهذه المزالق الشاطبي رحمه الله تعالى حيث حذر من تغييب الجزئي عند مراعاة الكلي ومن الإعراض عن الكلي في التعامل مع الجزئي.

وبما قدمنا نكون قد رمينا نظرية استقلال المقاصد عن أصول الفقه بالفند وأبنَّا الاندماج بينهما اندماج الروح في الجسد والمعدود في العدد.

فَإِن لا يَكُنها أَو تَكُنهُ فَإِنَّهُ       أَخٌ أَرضَعَتهُ أُمُّها بِلِبانِها

والقول الفصل إن للمقاصد أصولاً كبرى فوق علم الأصول وأصولاً عامة مشتبكة بمباحث الأصول وأخرى أخص من ذلك إلا أنها في خدمتها مفصلة لها مبينة تارة ومكملة تارة أخرى.

فمنظومة الشريعة لا يعزب عنها حكم ولا تغيب عنها حكمة وقد تفطن الأصوليون للمقاصد الكبرى وهي مقصد العبادة ومقصد الابتلاء والامتثال في مبحث التكليف.

لكن بحر المقاصد لا يزال زاخراً يتجدد عطاؤه وبخاصة في القضايا المتجددة وذلك في اتجاهين: قضايا لم يقم موجبها في الزمن الماضي ولم تظهر الحاجة إليها: فقام في هذا الزمان كما أشار إليه الشاطبي في احداث الصحابة أحكاماً في قضايا لم يكن مقتضاها قائماً في زمنه عليه الصلاة والسلام ولم يكن من نوازل زمانه كما يقول الشاطبي كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع. حسب عبارته.

ولأطبق هذه المعايير سأضرب أمثلة من عدة أبواب لأبدأ بالعبادات”. كذا قال الشيخ . وبعد ان ضرب الامثال وقدم البراهين ختم الشيخ المحاضرة قائلا:

“وبهذا نختم هذه المحاضرة التي أردنا أن تكون وجيزة حسب الإمكان ومُلمعة إلى ما وراءها من بيان نرجو أن تكون مقدمة لدراسات معمقة سيقوم بها هذا المركز المبارك إن شاء الله تعالى.

مع تنبيه الحضور إلى أننا لم نرد تكرير الشاطبي ولا ترديد ابن عاشور مع أننا اقتنصنا من شواردهما واستقينا من مواردهما معترفين لهما بالجميل إذ ليس المقلد كالأصيل منشداً قول الأنصاري:

لَيسَ قَطا مِثلَ قُطَيٍّ وَلا الــــمَرعِيُّ في الأَقوامِ كَالراعي

فهم الرعاة ونحن المرعيون ونحن التابعون وهم المتبعون والله المستعان.

وفقنا الله وإياكم إلى مقاصد الخير وخير المقاصد.

 

 

لخصه في عرض سريع

الاستاذ: محمدو بن عبدالله بن بيه

 

جلب المصالح ودرء المفاسد في التعاون الإقليمي والدولي

 

جلب المصالح ودرء المفاسد 

في التعاون الإقليمي والدولي

الشيخ/ عبد الله بن بيه

وزير العدل الموريتاني ـ سابقا ـ

أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز  ـ جدة

 

 1.     اعتبار المصلحة في الشريعة.

2.  التعاون الإقليمي ضرورة لولوج التعاون العالمي من موقع أقل سلبية من دخول كل دولة منفردة ـ مفهوم التكتل الإقليمي.

3.     التعددية الحضارية والاعتراف بالآخر.……

4.     الشراكة المعرفية بين الحضارات: موقف الإسلام من الآخر.

5.     مفهوم الجهاد.

6.     المعاهدات والاتفاقات.

7.     النتائج: جواز دخول المنظمات والتوازن بين المصالح والضوابط.

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه

 

مقدمة

لقد وجدنا الشريعة الإسلامية المطهّرة تحث على المصالح وتحذر من المفاسد قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم} (الأنفال: من الآية1) {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ} (الأعراف:170) {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} (الأعراف: من الآية56) {وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِح} (البقرة: من الآية220). ويقول موسى عليه السلام لأخيه هارون عليه السلام (اخلفني في قومي وأصلح).

قال الشاطبي: لما انبنت الشريعة على قصد المحافظة على المراتب الثلاث من الضروريات والحاجيات والتحسينات وكانت هذه الوجوه مبثوثة في أبواب الشريعة وأدلتها غير مختصة بمحل دون محل ولا بباب دون دون باب ولا بقاعدة دون قاعدة كان النظر الشرعي فيها أيضاً عاماً لا يختص بجزئية دون أخرى لأنها كليات تقضي على كل جزئي تحتها وسواءً علينا أكان جزئيا إضافياً، أم حقيقياً إذ ليس فوق هذه الكليات كلي تنتهي إليه، بل هي أصول الشريعة، وقد تمت فلا يصح أن يفقد بعضها حتى يفتقر إلى إثباتها بقياس أو غيره فهي الكافية في مصالح الخلق عموماً وخصوصاً لأن الله تعالى قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (المائدة: من الآية3) وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام: من الآية38) وفي الحديث: (تركتكم على الجادة). وقوله: (لا يزيغ عنها إلا هالك).

ونحو ذلك من الأدلة الدالة على تمام الأمر وإيضاح السبيل.

وإذا كان كذلك وكانت الجزئيات وهي أصول الشريعة فما تحتها مستمدة من تلك الأصول الكلية شأن الجزئيات مع كلياتها في كل نوع من أنواع الموجودات فمن الواجب اعتبار تلك الجزئيات بهذه الكليات عند إجراء الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة والإجماع والقياس إذ محال أن تكون الجزئيات مستغنية عن كلياتها فمن أخذ بنص مثلا في جزئي معرضاً عن كليه فقد أخطأ.

وكما أن من أخذ بالجزئي معرضاً عن كليه فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي معرضاً عن جزئيه.

وبيان ذلك أن تلقي العلم الكلي إنما هو من عرض الجزئيات واستقرائها وإلا فالكلي من حيث هو كلي غير معلوم لنا قبل العلم بالجزئيات ولأنه ليس بموجود في الخارج وإنما هو مضمَّن في الجزئيات حسبما تقرر في المعقولات فإذاً الوقوف مع الكلي مع الإعراض عن الجزئي وقوف مع شيء لم يتقرر العلم به بعد دون العلم بالجزئي والجزئي هو مظهر العلم به.

قال الرازي: كل حكم يُفرض: فإما أن يستلزم مصلحة خالية عن المفسدة أو مفسدة خالية عن المصلحة أو يكون خالياً عن المصلحة والمفسدة بالكلية أو يكون مشتملا عليهما معاً.

وهذا على ثلاثة أقسام: لأنهما إما أن يكونا متعادلين وإما أن تكون المصلحة راجحة وإما أن تكون المفسدة راجحة فهذه أقسام ستة:

أحدها:      أن يستلزم مصلحة خالية عن المفسدة وهذا لا بدّ وأن يكون مشروعاً لأن المقصود من الشرائع رعاية المصالح.

وثانيها:     أن يستلزم مصلحة راجحة وهذا أيضا لا بدّ وأن يكون مشروعاً لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير.

وثالثها:     أن يستوي الأمران فهذا يكون عبثاً فوجب ألا يشرع.

ورابعها:    أن يخلو عن الأمرين وهذا أيضا يكون عبثاً فوجب ألا يكون مشروعاً.

وخامسها:   أن تكون مفسدة خالصة ولا شك أنها لا تكون مشروعة.

وسادسها:   أن يكون ما فيه من المفسدة راجحاً على ما فيه من المصلحة وهو أيضا غير مشروع لأن المفسدة الراجحة واجبة الدفع بالضرورة.

وهذه الأحكام المذكورة في هذه الأقسام الستة: كالمعلوم من الدين بالضرورة أنها دين الأنبياء وهي المقصود من وضع الشرائع والكتاب والسنة دالان على أن الأمر كذلك تارة بحسب التصريح وأخرى بحسب الأحكام المشروعة على وفق هذا الذي ذكرناه.  غاية ما في الباب: أنا نجد واقعة داخلة تحت قسم من هذه الأقسام ولا يوجد لها في الشرع ما يشهد لها بحسب جنسها القريب لكن لا بد وأن يشهد الشرع بحسب جنسها البعيد على كونه خالص المصلحة أو المفسدة أو غالب المصلحة أو المفسدة فظهر أنه لا توجد مناسبة إلا ويوجد في الشرع ما يشهد لها بالاعتبار: إما بحسب جنسه القريب أو بحسب جنسه البعيد.

وإذا ثبت هذا وجب القطع بكونه حجة للمعقول والمنقول:

أما المعقول: فلأنا إذا قطعنا بأن المصلحة الغالبة على المفسدة – معتبرة قطعاً عند الشرع ثم غلب على ظننا أن هذا الحكم مصلحته غالبة على مفسدته – تولد من هاتين المقدمتين ظن أن هذه المصلحة معتبرة شرعاً والعمل بالظن واجب لقوله عليه الصلاة والسلام: ” أقضى بالظاهر”. ولما ذكرنا أنَّ ترجح الراجح على المرجوح من مقتضيات العقول وهذا يقتضى القطع بكونه حجة.

أما النص فقوله تعالى( فاعتبروا) أمر بالمجاوزة والاستدلال بكونه مصلحة على كونه مشروعاً مجاوزة فوجب دخوله تحت النص.

وأما الإجماع: فهو أن من تتبع أحوال مباحثات الصحابة علم قطعاً أن هذه الشرائط التي يعتبرها فقهاء الزمان في تحرير الأقيسة والشرائط المعتبرة في العلة والأصل والفرع ما كانوا يلتفتون إليها بل كانوا يراعون المصالح لعلمهم بأن المقصد من الشرائع رعاية المصالح فدل مجموع ما ذكرنا على جواز التمسك بالمصالح المرسلة.    

 

التعاون الإقليمي مقدمة ضرورية للتعاون العالمي

أولا: ما هو مفهوم التعاون وبشكل أدق التكتل الإقليمي.

ثانياً: ما هي فوائده

التكتل الإقليمي هو عمل مؤسساتي منظم في شكل اتفاقيات يضم عدداً محدوداً من دول تجمع بينها روابط مشتركة، أبرزها الجغرافية والاقتصادية والثقافية والتاريخية وقد تجمعها رؤى سياسية مشتركة.

ومن جهة أخرى يشير إلى مصالح مشتركة تربط بين دول الإقليم في مجالات الأمن والاقتصاد والثقافة، وهو ينشأ عن شعور هذه الدول بالتميز.

وأما الفوائد فإن التكتلات الإقليمية توفر قوة تفاوضية مع المنظمات الدولية كمنظمة التجارة العالمية وتوفر فرصة لتنمية متجانسة ومشتركة في مجالات كثيرة والاستفادة من القوة العاملة.

التي تكون أقرب ثقافيا ودينياً لها وكذلك إيجاد مراكز البحث العلمي المشترك.

ولهذا نجد أشد الدول تحمساً للعالمية والعولمة تحرص على تكوين تكتلات إقليمية تتيح لها فضاءً جغرافياً مباشراً للتبادل.

فالولايات المتحدة الأمريكية تنشئ مع كندا والمكسيك منظمة نافتا وتحاول أن تضم إليها دول أمريكا الجنوبية لتكون آفتا.

 

التعددية

إن التعددية أمر معهود لا يضيق به ديننا الإسلامي ذرعاً على المستويين العام والخاص أو في الفضائين الداخلي والخارجي ذاك أن هذا الدين الكريم هو موازنة أو قل مواءمة بين متعددين المطلق والزمني وعالم الغيب وعالم الشهادة وبين الروح والبدن.

تظهر التعددية بالنسبة للفضاء الخاص أو داخل الأمة في فتح آفاق الاجتهاد تحت مظلة التوحيد وفي إطار الثابت في مجال المتغير فيأخذ الاجتهاد الذي يرادف الاختلاف المقبول حظه في عالم المتغيرات والمصالح بحيث لم يسلم باب من أبواب الفقه من اختلاف العلماء بما فيها أبواب العبادات وهو اختلاف ناشئ عن اختلاف الفهوم في لغة الخطاب في معانيها وظلالها وفي الأسباب التي وردت فيها فهل يخصص السبب أو أن خصوص السبب لا يمنع عموم الحكم. خلاف أصولي يراجع له.

وفي مجملاتها ومبيناتها وفي مطلقاتها ومقيداتها ومنسوخها وناسخها وهو اختلاف في دلالات الألفاظ.

قال ابن سيده أن الأسباب ثمانية.

وهناك اختلاف آخر فيما يسمى بمعقول النص يرجع إلى الأقيسة والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان.

وهي اختلافات حميدة ولهذا سماها ابن القيم بالاختلاف السائغ بين أهل الحق.

وقال الإمام أحمد عن إسحاق بن راهويه: إنه أعلم من عبر الجسر وإن كنا نختلف معه فما زال الناس يختلفون.

وقد بلغ قبول الرأي الآخر أن بعضهم جعل مراعاة خلاف الآخر دليلا يعتمد عليه – وهو مالك رحمه الله – الذي رفض رفضاً باتاً أن يحمل الخليفة هارون الرشيد الناس على مذهبه في الموطأ.

وقد فسر الفخر الرازي في تفسيره حكمة الله تعالى في جعل القرآن الكريم حمَّال وجوه بقوله: لو كان القرآن محكما- واضحا- بالكلية لما كان مطابقاً إلا لمذهب واحد وكان تصريحه مبطلا لكل ما سواه من المذاهب وذلك ما ينفر أرباب المذاهب من قبوله والنظر فيه (2/117)

أما المستوى الثاني من الاختلاف الذي أقره الإسلام وقننه ووضع له أسس التعايش وميزان العدل فهو الاختلاف مع الفضاء الخارجي في نطاق أمة الدعوة وهو ما سميناه بالفضاء العام أو الخارجي وهو يمثل الموقف من الآخر فقد مثله قوله تعالى {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} (هود: من الآية118)

ووضع الحوار القرآني مبدأ الاعتراف بالغير مدخلا للحوار {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} (الكافرون:6) مع الدعوة إلى كلمة سواء.

ولهذا كانت الحضارة الإسلامية سباقة إلى الاعتراف بالحضارات الأخرى والتفاعل معها أخذاً وعطاءً حيث يعتبر الاختلاف آية من آيات الله تعالى {مِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَاَلْوَانِكُمْ (الروم: من الآية22). {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ} (فاطر: من الآية27)

 

الشراكة المعرفية بين الحضارات و موقف الإسلام من الآخر:

وانطلاقاً من ذلك كونت الشراكة المعرفية منذ العصر العباسي مع الحضارة اليونانية والهندية والفارسية وأخيراً مع الغرب الذي كان متلقياً وقتها عن الحضارة الإسلامية كما يقوله المنصفون من الغربيين فيقول رانيلا على سبيل المثال في كتابه “الماضي المشترك أصول الآداب الشعبية الغربية”: إن الجزء الأكبر من المعارف الإغريقية في العلم والفلسفة عن طريق البيزنطيين من خلال الترجمة العربية التي نمّت المعارف، وانتقلت في العصور الوسطى إلى الغرب حيث كانت إسبانيا وصقلية جسرين للمشروعات الضخمة للترجمة.

وقد كانت هناك شراكات اقتصادية وسياسية.

إن الدين الإسلامي ليس دعوة إلى الحرب وليس سبيلا للكراهية وإنما هو دعوة إلى الحب والوئام والعدل والتعاون ويظهر ذلك في نقطتين أولاهما: الإسلام دعوة إلى البر والقسط.

والثانية: مفهوم الجهاد.

وسنقدم ذلك في آيات حاكمة – محكمة بمعنى أن المتشابه يرد إليها (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان) (المائدة: من الآية2). وقال سبحانه وتعالى: (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8). وهذه الآية  كما يقول القاضي أبو بكر بن العربي الأندلسي في أحكامه ويقول المفسر عبد الحق بن عطية في تفسيره الوجيز محكمة أي أن حكمها باق إلى الأبد و لأن بعض الآيات تكون مؤقتة الحكم وهذا ما يسمى بالنسخ فإن هذه الآية ليست من الأحكام المؤقتة.

وهذا يعني أن العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين محكومة بهذه الآية فدعونا نتأمل في معانيها إنها تبدأ بنفي النهي وهو بمنزلة رد على من يتوهم ويظن أنه لا يجوز أن يقيم علاقة طيبة مع غير المسلمين وتذكر وصفين لغير المسلم الذي لم يقاتلنى من أجل أني مسلم وهذا معنى الذين لم يقاتلوكم في الدين فحرف “في” للسببية من أجل دينكم.

أما الوصف الثاني فهو غير المسلم الذي لم يجبرني على النزوح من أرضي ووطني وهذا معنى “ولم يخرجوكم من دياركم ”

 فما هو جزاء هذا الرجل أو الأمة التي لم تشن عليّ الحرب من أجل الدين ولم تهجرني من بلادي ؟

 جزاؤها هو البر والقسط والإقساط ومعناه إعطاء قسط من أموالنا لهم كما يقول أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن.

 

مفهوم الجهاد

لم يكن الجهاد والحروب المتبادلة عائقاً دون التبادل الثقافي والاقتصادي.

ومفهوم الجهاد له إطلاقات متعددة تتمثل أولاً في:

1.     مجاهدة العدو الظاهر.

2.     مجاهدة الشيطان. 

3.     مجاهدة النفس.

والمعنيان الأخيران وردا في أحاديث منها ما رواه الأمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن فضالة بن عبيد أنه صلى الله عليه وسلم قال: والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل.” وهو حديث حسن.

 وقد جاء في حديث ضعيف رواه البيهقي عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال- عند عودته من آخر غزوة له “تبوك”: رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.

 وفسره بمجاهدة الهوى. وخدمة الوالدين جهاد قال عليه السلام: ففيهما فجاهد.”

وكثير من العلماء يعتبر مجاهدة النفس أساس الجهاد قال أبو الوليد الباجي الأندلسي: وجاهد عن اللذات نفسك جاهداً فإن جهاد النفس خير جهاد، فما هذه الدنيا بدار إقامة فيعتد في أغراضها بعتاد.  

أما المعنى الأول وهو جهاد الناس فهو المعنى الأكثر انتشارا وهو جهاد غير المسلمين الذي يعني عمليات القتال والحرب والذي وردت فيه آيات كثيرة وأحاديث في فضله وشروطه وضوابطه وكانت  له ممارسات في التاريخ بين المسلمين وغيرهم لا تزال أصداؤها تتردد في أسماع التاريخ ومازالت إلى يومنا هذا موضوع أخذ ورد إفراطاً وتفريطاً وإعجاباً وشجباً فكم من أناس برروا حروبا عدوانية ومطامع دنيوية بدعوى الجهاد وكم آخرون فرطوا في الجهاد فتقاعسوا عن ردِّ العدو ونكصوا عن مقارعة العدو فكانت النتائج وخيمة وكم حركات غير منضبطة بضوابط الجهاد شوهت سمعة الإسلام وأورثت المسلمين عنتاً وضياعاً.

 وكم متجنٍ على الإسلام معتبرا أن الجهاد لا ينتظر مبرراً وأنه دعوة إلى القتال الدائم ضد غير المسلمين كما يقول القس هانز فوكنج في مقاله المنشور بجريدة ألمانية في فرانكفورت 1991م كما يحكيه مراد هوفمان.

وأمثال هذا في المقالات الاستشراقية كثير وهم بذلك يبررون حرباً عدوانية ضد المسلمين لتمدينهم وجعلهم مسالمين.

 والحق أن مفهوم الجهاد في الإسلام ليس مرادفا دائما للقتال فالجهاد مفهوم واسع فهو سعي إلى الحق ودعوة إليه باللسان وهذا هو المعنى الأول قال تعالى: {وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً} (الفرقان: من الآية52) في سورة الفرقان أي بالقرآن الكريم أقم عليهم الحجة وقدم لهم البرهان تلو البرهان ومعلوم أن تلاوة القرآن لا تتضمن أعمالا حربية فليس كل جهاد قتالاً وليس كل قتال جهاداً.

 إلا أن الجهاد قد يكون أعمالاً حربية كما أن هناك أعمالاً حربية وليست جهادا ولهذا قسم ابن خلدون الحرب إلى أربعة أنواع وذلك حسب دوافعها قائلا: إن أصل جميع الحروب إرادة الانتقام. نوعان منها حروب بغي وفتنة: حرب المنافسة (التوسع) وحرب العدوان التي تقوم بها الأمم المتوحشة.

 ونوعان عادلان: حرب غضب لله تعالى ودينه وهي جهاد.

وحرب على الخارجين عن السلطان وهي حرب للعناية بالملك كما سماها.

 

البحث حول الرؤية والحساب لإثبات الصوم والإفطار

فتوى العلامة عبد الله بيه في هذا الخصوص والتي لها ارتباط وثيق بمثل ما حدث في هذا العام من الاختلاف حول هذه المسألة يقول حفظه الله   :

 

فالمسألة واسعة أن شاء الله, فيمكنهم ان يصوموا أذا شاؤوا مع السعودية أو مع أي بلد آخر إذا ثبتت الرؤية فيه ثبوتاً شرعياً, كما يمكنهم أن يتحروا الهلال في بلدتهم أو في مكان قريب من بلدهم, حيث قلنا إن تنائي الأقطار يمنع من اعتبار الرؤية في مكان آخر, مع الاستعانة بالفلك وبالمرصاد أيضاً, ففي هذا الزمان تطور هذا العلم تطوراً كبيراً, بحيث كما يقول البعض : إن الأبرة اذا ارسلت في الجو يمكن الاهتداء اليها, فكيف القمر الذي يكون قد ولد أو خرج من الاقتران, وخرج من شعاع الشمس, أي: بعد ساعتين أو ثلاث ساعات من خروجه من شعاع الشمس فإنه يرى, إذا كان خرج في وقت يمكن أن يرى في ذلك المكان إذاً فالمسألة واسعة, نرجو من المسلمين ألا يختلفوا, فمن منهم قلد من يقول: إن تنائي الأقطار مانع من الاتباع فإنه قد قلد قولاً قوياً, ومن قلد كذلك القول الذي يقول بأن رؤية أي بلد تنسحب على البلد الآخر فهو قول أيضاً جيد, ومن استأنس وبحث عن الحساب الفلكي ليثبت به أو ليؤكد به رؤيته فهذا ايضاً دليل جديد قد يساعد كثيراً على الترجيح. إلا أنه إذا رئي الهلال قطعاً وقال الحساب الفلكي إنه لا يرى فحينئذ لا نعتمد على الحساب الفلكي, خلافاً للمجلس الأوربي الذي قال بالاعتماد على الفلك حينئذ, إذا رأته مستفيضة أي جماعة كبيرة فإننا نقدم الرؤية على الحساب الفلكي. هذا باختصار ما نراه في هذه المسألة, ونوصي بعدم الافتراق وعدم الاختلاف, وأن يتباحثوا فيما بينهم, ويتفقوا على إحدى الطرق التي ذكرناها, فكلها منصوصة في كتب أهل العلم.

رمي الجمار


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد 
فإن رمي الجمار من شعائر الحج الظاهر ، والمراقب لحال المسلمين اليوم عند أداء هذه الشعيرة يرى مالا يحمد ، وسأشارك في هذا الموضوع من خلال النقاط التالية:
 

النقطة الأولى : حكم الرمي . 
حكم الرمي الوجوب من تركه أو ترك بعضه وجب عليه دم .


النقطة الثانية
الوقت في رمي جمرة العقبة وقتان : وقت فضيلة ،ووقت صحة كما هو مذهب الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله تعالى ، فمن رمى بعد منتصف الليل فذلك وقت صحة . ومن رمى بعد طلوع الفجر فذلك وقت فضيلة ، وأما بعد طلوع الشمس فذلك الأولى ، ويستمر الوقت حتى غروب الشمس ،ومن العلماء من مدده بالليل الذي بعده وهو مذهب أبي حنيفة، ومنهم من قال إذا لم يرمي في اليوم الأول رمى في اليوم الثاني عند زوال الشمس ، والوقت في الأيام الباقية هو من الزوال إلى غروب الشمس ،واختلف العلماء في الرمي في الليل فذهب بعضهم إلى أن الليل تابع للنهار ،وذهب بعضهم إلى أنه لا يرمي حتى يكون نهاراً أي في اليوم الثاني ، وذهب بعض العلماء إلى أن الأيام الثلاثة هي وقت أدى فمن رمى في اليوم الثالث عشر يكون قد أدى ، وبالتالي لا يجب عليه دم على أن يرتب الرمي بالنية أي أن يرمي في اليوم الأول والثاني ….إلخ هذا هو وقت الرمي.


النقطة الثالثة : الرمي قبل الزوال 
من رمى قبل الزوال في اليوم الثالث عشر لينفر فإنه لا بأس في ذلك على مذهب أبي حنيفة . أما في اليوم الثاني عشر إذا كان يريد النفرة فهو قوله أيضاً ،لكن في اليوم الأول أي اليوم الحادي عشر فإن القول ضعيف جدا ً، فمن دعته حاجته إلى الرمي في اليوم الثاني عشر قبل الظهر . فعسى أن لا يكون بذلك بئس . لكن الأولى هو الذي عليه جمهور العلماء أن يرمي بعد الزوال ولو ليلاً ، وهذا هو الأولى وهو الذي يجب المصير إليه إلا لضرورة أو حاجة تلامس الضرورة.


النقطة الرابعة : توسيع الحوض والرمي قريباً منه 
الظاهر أنه لا ينبغي أن يرمى خارج الحوض هذا مذهب جماهير العلماء ، فإذا وقع الرمي خارج المرمى فإنه يكون باطلاً . وبالتالي فإن هذا الأمر من التعبديات التي لا بأس بها . 
وقريب الحوض لم أرى من العلماء من قال أنه كالرمي في الحوض ، وإن كان العلماء يذكرون قاعدة في غير هذا المحل وهي قريب الشيء كهو . وهي قاعدة خلافية فرعت عليها كثير من الفروع جاءت بها كثير من أحكام الفرائض كما قال الزقاق في قواعده ( قريب الشيء كهو ) ، فهي قاعدة معروفة وضعت عليها أقوال كثيرة لكن لا أعرف تفريع هذه المسألة عليها .


النقطة الخامسة : توكيل الضعفة ونحوهما 
المريض والضعيف يوكل على اختلاف بين العلماء هل يجب عليه دم مع التوكيل كما هو في مذهب مالك ، ويسقط عنه الإثم ،أو لا يجب عليه دم ،وهو الأولى ،وبخاصة في الزحمة في هذا الزمان . والأولى للضعفة أن يوكلوا. 
وأما الرمي في الليل ذكرنا أنه يجوز على مذهب بعض العلماء وأن الأمر واسع إن شاء الله لقوة الخلاف ،ولأن رجلاً قال رميت حين أمسيت فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا حرج . الحديث . 
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

التسامح في عصر العولمة – العلامة الشيخ عبدالله بن بيه

محاضرة هامة عن مسألة التسامح بين المسلمين ومع غيرهم

أدب الاختلاف(نسخة منقحة)

              الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ،

 

أدب الاخـتـلاف

تشتملُ هذه الورقةُ على مقدمةٍ عن معنى الاختلافِ والخلافِ ، والباعثِ على تقديم هذه الورقةِ، نتعرضُ فيها للعناوين التالية :

1 – تأصيلُ الألفةِ والجماعةِ.

2- تأصيلُ الاختلافِ بين أهلِ الحقِ وتسويغه.

3- أقوالُ العلماءِ في الاختلافِ.

4- آدابُ الاختلافِ.

5- أسبابُ الاختلافِ .

– خاتـمةٌ .


مقدمـة:

الاختلافُ هو التباينُ في الرأي، والمغايرةُ في الطرحِ، وقد ورد فعلُ الاختلافِ كثيراً في القرآن الكريم قال تعالى:}فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِنْ بَيْنِهِمْ{(مريم الآية 37) ،وقال تعالى:}فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ{(البقرة113) ،وقال تعالى: }وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ{(البقرة 213) ،وقال تعالى:} وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ{ (الشورى 10).

والاختلافُ قد يُوحي بشيءِ من التكاملِ والتناغمِ، كما في قوله تعالى } فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ{ (فاطر27).

وأما الخلافُ فإنَّه لا يُوحي بذلك، ويَنصبُّ الاختلافُ غالباً على الرأي، اختلفَ فلانِ مع فلان في كذا والخلافُ يَنصبُّ على الشَّخصِ.

ثم إنَّ الاختلافَ لا يَدُلُّ على القطيعةِ، بلْ قد يدلُّ على بدايةِ الحوارِ، فإنَّ ابنَ مسعود اختلفَ مع أميرِ المؤمنين عثمانَ في مسألةِ إتمامِ الصلاةِ في سفرِ الحجِّ ؛ ولكنَّه لم يُخالف بلْ أتمَّ معه وقال : الخِلافُ شَرٌّ.

هذه الإيحاءاتُ والظِلالُ جعلتنا نُرشح كلمةَ الاختلافِ لكيْ تكونَ مقدمةً للتفاهم والتكاملِ على كلمةِ الخلافِ ، وإنْ كان العلماءُ يستعملون كلتا الكلمتين لتأديةِ نفسِ المعنى؛ باعتبارِهما من المُترادفِ فتتعاورانِ وتتعاقبان .

 الكلماتُ ذات العلاقة :

هناك كلماتٌ قويةٌ في دلالتِها على اشتدادِ الخلافِ كالنِّزاع والشِّقاقِ، وهو الوقوفُ في شق أي في جانبٍ يقابلُ ويضادُّ الجانبَ الآخرَ.

الاختلافُ ظاهرةٌ لا يمكن تحاشيها؛ باعتبارِها مظهراً من مظاهر الإرادةِ التي رُكبت في الإنسانِ ، إذ الإرادةُ بالضرورةِ تُؤدى إلى وقوعِ الاختلافِ والتفاوتِ في الرَّأي.

وقد انتبه لذلك العلامةُ ابنُ القيم عندما يقول:” وقوعُ الاختلافِ بين الناس أمرٌ ضروري لا بُد منه لتفاوتِ أغراضِهم وأفهامِهم وقوى إدراكهم؛ ولكنَّ المذمومَ بغيُ بعضِهم على بعضِ وعدوانُه” ( إعلام الموقعين)

فإنَّ الشِّقاق يُمكن تفاديه بالحوارِ، الذي من شأنه أنْ يُقدمَ البدائلَ العديدةَ لتجنبِ مأزقِ الاصطدامِ في زاويةِ الشِّقاقِ.

ونحنُ في ورقتنا هذه إنما نبحثُ عن البدائلِ ، انطلاقاً من الشَّريعةِ الإسلاميةِ نصوصاً ومقاصدَ وأصولاً وفروعاً وتطبيقاتٍ بنماذجَ تاريخيةٍ.

الباعثُ : إنَّ الباعثَ على هذه الورقةِ هو ملاحظةٌ لا تَعزبُ عن بالِ أحدٍ بل لا تَغربُ عن حواسِه تتمثلُ في اختلافٍ كثيرٍ تصديقا لقوله عليه الصلاة والسلام: وإنَّه منْ يَعش منكم بَعدي فسيرى اختلافاً كثيراً ” .

وهو اختلافُ انتشرَ في الأمةِ أفقيًا وعمودياً ، في كل الفئاتِ وعلى مختلفِ المُستوياتِ. تعددتْ أسبابُه وتنوعتْ ألوانُه ، واستُعلمتْ فيه كلُ الوسائلِ من تكفير وتفسيق وتبديع وتشويه وتسفيه، وما شِئتَ من مَصدرٍ على وزن تفعيلِ.

واستعملَ فيه الخصومُ كلَّ أدواتِ الدِّفاعِ والهجومِ، وضاقتْ بالحيادِ فيه الأرضُ بما رَحُبتْ، فالكلُّ مُتهمُ والكلُّ بَراءٌ ، وأعجزَ داءَ الأمةِ الدَّواءُ ، فحضرَ الشهودُ إلا شاهدَ العقلِ، واستُحضرتْ الحججُ إلا حُجةَ الإنصافِ، }وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي{.

ونحن هنا لا نحاولُ إصدارَ فتاوى في مسائلِ الاختلافِ، ولا تحضيرَ بلسمٍ سحريٍّ يُبرءُ الأوصابَ؛ لأنَّ ذلك ليس في مَقدورنا ولا في طاقتنا ، فقد نَتكلفُ شططاً ونكلِفُكم عناءً وعنتاً لو حاولنا ذلك ، وقد يكونُ منَ المُفارقاتِ أنْ أطلُبَ منَ الآخرينَ التواضعَ والنسبيةَ في الحكمِ وفي الوقتِ نفسِه أُصدرُ أحكاماً باتةً في قضاياهم.

إنَّ مُحاولتنا تعنى بحثاً عن كيفيةِ تَعقيلِ أو عقلنةِ جدلِنا ، وتنظيم اختلافاتِنا وتَرتيبِ درجاتٍ سُلمِ أولوياتِنا ، وتحسينِ نياتِنا وإرادتِنا ، على ضوءِ ما يُستخلصُ منْ نُصوص شَرعيةٍ حاكمةٍ وآثارٍ عن السَّلفِ شَارحةً ومُمارساتٍ رشيدةٍ هاديةً.

إذْ مِنْ شَأنِ ذلك أنْ يُقلل منْ الخِلافِ، أو يَنزعَ فَتيلَ نارِه لتُصبحَ بردًا وسلاماً.

يقولُ العلامةُ ابنُ القيم: ” فإذا كان الاختلافُ على وجهِ لا يُؤدي إلى التَّباينِ والتَّحزُبِ وكلُّ من المختلفين قصدُه طاعةَ الله ورسولِه لم يَضرَّ ذلك الاختلافُ فإنَّه أمرٌ لا بُد منه في النشأةِ الإنسانيةِ؛ لأنَّه إذا كان الأصلُ واحداً والغايةُ المطلوبةُ واحدةً والطريقةُ المسلوكةُ واحدةً لم يَكد يقع اختلافٌ ، وإنْ وقعَ كان اختلافًا لا يضرُّ كما تقدمَ من اختلافِ الصحابةِ.

كيف نجعلُ اختلافنا منْ هذا النوعِ الذي أشارَ إليه ابنُ القيم ؟

فإذا كان ذلك غرضُنا فلننتقل إلى تأصيلِ أهميةِ الألفةِ وإصلاحِ ذات البين.


تأصيلُ الألفةِ والاعتصامُ بحبلِ الجماعةِ :

إنَّه من المعلومِ ضرورةً تأصيلُ الألفةِ من الدِّين قال تعالى }وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا{ ، } وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم{  قوتكم وجماعتكم ونصركم.

}وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ{

}أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيه{

هذه أوامرُ بالاعتصام بحبلِ الله تعالى، وإقامةِ دينِه مقرونةً بنواهٍ عن التَّّفرُقِ والنِّزاعِ، مع التنبيه إلى النتائجِ الحتميةِ المتمثلةِ في الفشلِ؛ الذي يعنى العجزَ عن الوصولِ إلى غايةٍ مُعينةٍ ، وهنا فشلُ الأمةِ وعجزِها عن القيامِ بوظيفتِها في هدايةِ البشر والخلافةِ الراشدة في الأرضِ}وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا{

وقد بينَ عليه الصلاةُ والسلام ذلك خيرَ بيانٍ ، وهو المُبينُ للذكرِ المُبلغُ للوحي في نَهي صَريحٍ “ لَا تَقَاطَعُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَكُونُوا إِخْوَانًا كَمَا أَمَرَكُمْ اللَّهُ”.(اللفظ لمسلم)

 

 

الأمر بإصلاح ذات البين :

} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ { ،  } لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا { }وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ { ،  }وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا { وفي حديث أبي هريرة ” لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ” وخرج أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أبي الدرداء عنه عليه السلام { ألا أنبئكم بأفضل من درجة الصلاة والصيام والصدقة ؟ قالوا بلى يا رسول الله قال : إصلاح ذات البين فإن فساد ذات البين هي الحالقة: “والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا”.

وفي ثاني خطبة له بالمدينة بعد الهجرة كما يروى ابن إسحاق دعا إلى حب الله تعالى قائلاً : أحبوا ما أحب الله أحبوا الله من كل قلوبكم ” ثم دعا المسلمين إلى الحب فيما بينهم قائلاً : وتحابوا بروح الله بينكم “

استخلصَ العلماءُ رحمهم الله تعالى من ذلك أنَّ الجماعةَ والألفةَ أصلٌ من أصولِ الدِّين يُضحى في سبيلِه بالفروعِ.

وعبرَ عنه خيرَ تعبيرٍ ابنُ تيميةَ حيث يقول : “فَإِنَّ الِاعْتِصَامَ بِالْجَمَاعَةِ والائتلاف مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَالْفَرْعُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ مِنْ الْفُرُوعِ الْخَفِيَّةِ فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي الْأَصْلِ بِحِفْظِ الْفَرْعِ”.(مجموع الفتاوى 22 / 254 ).

وهو كلامٌ صحيحٌ فيه فقهٌ وبصرٌ بأحكامِ الشَّرعِ، ولقد اعتذرَ نبيُّ الله هارونُ لأخيه موسى عليهما السلام في عدم اتِّبَاعِه له، عندما عبد بنو إسرائيل العجلَ بالمحافظة على وحدة بني إسرائيل، فلو تفرقوا لحملتني مسئولية ذلك:}{ قَالَ يَا هَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي {.


 ومن هنا نفهم ترتيب الأوليات ووزن المصالح لنصل إلى قبول الاختلاف وتفعيله .

تسويغ الاختلاف :

إن الاختلاف بين أهل الحق سائغ وواقع ، وما دام في حدود الشريعة وضوابطها فإنه لا يكون مذموماً ؛ بل يكون ممدوحاً ومصدراً من مصادر الإثراء الفكري، ووسيلةً للوصول إلى القرار الصائب ، وما مبدأ الشورى الذي قرره الإسلام إلا تشريعاً لهذا الاختلاف الحميد } وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ{ فكم كان النبي صلى الله عليه وسلم يستشير أصحابَه، ويستمع إلى آرائهم، وتختلف وجهاتُ نظرهم في تقرير المُضي في حملة بدر ونتائج المعركة، وكان الاختلاف من الموقف من الأسرى.

فعندما استشارهم في المضي قدماً لنزالِ المشركين بعد أن تبين كثرة جيوشهم بالنسبة للمسلمين كان النبي  صلى الله عليه وسلم ينصت إليهم وما ليمَ أحدٌ على رأي أبداه أو موقف تبناه وما تعصب منهم أحد ولا تحزب، بل كان الحقُّ غايتَهم والمصلحةُ رائدَهم.

وقد يقرُّ النبي  صلى الله عليه وسلم كلاً من المختلفين على رأيه الخاص ، وبدون أن يبدي أي اعتراض أو ترجيح ، كما في مسألة أمره عليه الصلاة والسلام بصلاة العصر في بني قريظة، فقد صلاها بعضهم بالمدينة ولم يصلها البعض الآخر إلا وقت صلاة العشاء ، ولم يُعنف أحداً منهم كما جاء في الصحيحين.

وفي السفر كان منهم المفطر والصائم . وما عابَ أحدٌ على أحدِ كما جاء في الصحيح.  

والاختلاف في القراءة في حديث ابن مسعود وحديث عمر وأبي بن كعب.

إنها التربيةُ النبوية للصحابة؛ ليتصرفوا داخل دائرة الشريعة حسب جهدهم طبقاً لاجتهادهم. 
وبعده عليه الصلاة والسلام كانت بينهم اختلافات حسمت أحياناً كثيرة بالاتفاق، كما في اختلافهم حول الخليفة بعده 
صلى الله عليه وسلم.

وكما في اختلافهم حول قتال مانعي الزكاة، وحول جمع القرآن الكريم، ورجوع عمر إلى قول عليّ في مسألة المنكوحة في العدة.

 وتارة يظل الطرفان على موقفهما وهما في غاية الاحترام لبعضهما البعض ، كقصة عمر مع ربيعة بن عياش في التفضيل بين مكة والمدينة.

وقصة الأراضي المفتوحة هل تصير خراجية أم توزع على الغانمين.

وقصة عائشة وابن عباس في رؤيته عليه الصلاة والسلام للباري جل وعلا. 
وبين عائشة وبين الصحابة في سماع الموتى.

وبين عمر وبين فاطمة بنت قيس في مسألة سُكنى المبتوتة ونفقتها.

وابن مسعود وأبي موسى الأشعري في مسألة إرضاع الكبير.

 وأبي هريرة وابن عباس في الوضوء مما مست النار.

واختلاف عمر مع أبي عبيدة في دخول الأرض التي بها وباء.

ويدخل التابعون في بعض الأحيان في حلبة الخلاف كأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف مع ابن عباس في عدة الحامل المتوفى عنها.

وتقف عائشة إلى جانب ابن عباس قائلة لأبي سلمة إنما أنت فروج – رأى الديكة تصيح فصاح– معتبرةً أنه لم يبلغ بعد درجة الاجتهاد، ولكنَّ الأمر لا يتجاوز ذلك.

وموضوعات الاختلاف كثيرة جداً ، ولكنها تحسم بالتراضي إما بالرجوع إلى رأي البعض، ويسجل لعمر رضي الله عنه كثرة رجوعه إلى آراء إخوته من الصحابة واعترافه أمام الملأ بذلك قائلاً: امرأةٌ أصابت ورجلٌ أخطأ. وتأصيله للقاعدة الذهبية وهي:” أن الاجتهادَ لا يُنقض بالاجتهاد ” وهي قاعدة تبناها العلماءُ فيما بعد ، فأمضوا أحكام القضاة التي تخالف رأيهم واجتهادهم، حرصاً على مصلحة إنهاء الخصومات وحسم المنازعات، وهي مصلحة مقدمة في سلم الأوليات على الرأي المخالف، الذي قد يكون صاحبه مقتنعا به.

أقوال العلماء في الاختلاف :

يقول الحافظ بن رجب: ولما كثر اختلافُ الناس في مسائل الدين وكثر تفرقهم كثر بسبب ذلك تباغضهم وتلاعنهم ، وكل منهم يظنُّ أنه يُبغض لله وقد يكون في نفس الأمر معذوراً وقد لا يكون معذوراً ، بل يكون متبعاً لهواه مقصراً في البحث عن معرفة ما يبغض، فإنَّ كثيراً كذلك إنما يقع لمخالفة متبوع يظنُّ أنه لا يقول إلا الحقَّ، وهذا الظنُّ قد يخطئ ويصيب، وقد يكون الحاملُ على الميل إليه مجرد الهوى والألفة أو العادة، وكل هذا يقدح في أن يكون هذا البغض لله، فالواجب على المسلم أن ينصح لنفسه ويتحرز في هذا غاية التحرز، وما أشكل منه فلا يدخل نفسه فيه خشية أن يقع فيما نهى عنه من البغض المحرم.

وها هنا أمر خفي ينبغي التفطن له وهو أن كثيراً من أئمة الدِّين قد يقول قولاً مرجوحاً ويكون فيه مجتهداً مأجوراً على اجتهاده فيه، موضوعاً عنه خطؤه فيه، ولا يكون المنتصر لمقالته تلك بمنزلته في هذه الدرجة؛ لأنه قد لا ينتصر لهذا القول إلا لكون متبوعه قد قاله، بحيث لو أنه قد قاله غيره من أئمة الدين لما قبله ولا انتصر له ولا والى من يوافقه ولا عادى من خالفه، وهو مع هذا يظنُّ أنه إنما انتصر للحق بمنزلة متبوعه، وليس كذلك فإن متبوعه إنما كان قصد الانتصار للحق وإن أخطأ في اجتهاده.

وأما هذا التابعُ فقد شاب انتصارَه لما يظنُّ أنَّه الحق إرادة علو متبوعه وظهور كلمته وأنه لا ينسب إلى الخطأ، وهذه دسيسة تقدح في قصده الانتصار للحق، فافهم هذا فإنَّه مهم عظيم والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. )

 انتهى كلام الحافظ وهو كلام في غاية الفضل.

وقال الشافعي : ” ألا يستقيم أنْ نكون إخواناً وإنْ لم نتفق في مسألة “

وقال : “ما ناظرتُ أحداً إلا قلتُ: اللهم أجر الحقَّ على قلبه ولسانه فإنْ كان الحقُّ معي اتبعني وإذا كان الحق معه اتبعته” – قواعد الأحكام.

رفض مالك حمل الناس على الموطأ !

فقال مالك للخليفة العباسي – حينما أراد حمل الناس على الموطأ وهو كتاب مالك وخلاصة اختياره في الحديث والفقه – لا تفعل يا أمير المؤمنين معتبراً أنَّ لكل قطر علماءه وآراءه الفقهيةِ، فرجع الخليفةُ عن موقفه بسبب هذا الموقف الرفيع من مالك في احترام رأي المخالف وإفساح المجال له.

وعدم التجريح في المختلف فيه كما قالت عائشة عن بعض الصحابة وقد اختلفت معه : أما إنه لم يكذب ولكنه نسي أو أخطأ.

كان الذهبي مثال العالم المتفتح المنصف الذي لا يتعصب لأتباع مذهبه.

فقد قال الذهبي عن الشيخ عبد الستار المقدسي الحنبلي رحمه الله تعالى: “إنه قل من سمع منه لأنَّه كان فيه زَعارةٌ وكان فيه غلو في السنة ” وقال عنه : “وعُني بالسنة وجمعَ فيها وناظرَ الخصوم وكفرهم، وكان صاحبَ حزبية وتحرق على الأشعرية فرموه بالتجسيم، ثم كان منابذاً لأصحابه الحنابلة وفيه شراسة أخلاق مع صلاح ودين يابس.”اعتبر الذهبي ذلك حزبية.

والذهبي يدعو إلى الإنصاف فقد قال عن القاضي أبي بكر بن العربي : “لم ينصف القاضي أبو بكر رحمه الله شيخ أبيه في العلم ولا تكلم فيه بالقسط وبالغ في الاستخفاف به وأبو بكر على عظمته في العلم لا يبلغ رتبة أبي محمد ولا يكاد فرحمهما الله وغفر لهما”. 
وكان الذهبي يثني ثناء عاطراً على تقي الدين السبكي مع أنه شيخ الأشاعرة الذي كان بينه وبين شيخه الشيخ تقي الدين بن تيمية من الخلاف ما هو معروف.

ويعتذر الذهبي عن الظاهرية قائلاً: ” ثم ما تفردوا به هو شيء من قبيل مخالفة الإجماع الظنّي وتندرُ مخالفتهم الإجماعَ القطعي”.

ثم ذكر أنهم ليسوا خارجين عن الدِّين.

وقال عنهم: “وفي الجملة فداود بن علي بصيرٌ بالفقه عالمٌ بالقرآن حافظ للأثر، رأس في المعرفة من أوعية العلم له ذكاء خارق وفيه دين متين ، وكذلك فقهاء الظاهرية جماعة لهم علم باهر وذكاء قوي فالكمال عزيز والله الموفق”.

ويقول الذهبي :”ونحن نحكي قول ابن عباس في المتعة وفي الصرف وفي إنكار العول، وقول طائفة من الصحابة في ترك الغسل من الإيلاج بغير إنزال وأشباه ذلك ولا يجوز تقليدهم في ذلك “.

وقال: ” كل فرقة تتعجب من الأخرى ونرجو لكل من بذل جهده في تطلب الحق أن يغفر له من هذه الأمة المرحومة “.

ويقول ابن تيمية : ” وأمرنا بالعدل والقسط فلا يجوز لنا إذا قال يهودي أو نصراني فضلاً عن الرافضي قولاً فيه حق أن نتركه أو نرده كله “.

المعاداة بين المختلفين في الاجتهاد اتباع للهوى :

يدخل الخلل في الموالاة والمعاداة ، حين يكون الاتباع للهوى، وحيثما وجد التفرق كان مبعثه الهوى؛ لأن أصل الاختلاف الاجتهادي لا يقتضي الفرقة والعداوة، وقد جعل الشاطبي هذا الأصل مقياساً لضبط ما هو من أمر الدين وما ليس منه فقال: ( فكل مسألة حدثت في الإسلام فاختلفت الناس فيها ولم يورث ذلك الاختلاف بينهم عداوة ولا بغضاء ولا فرقة علمنا أنها من مسائل الإسلام، وكل مسألة طرأت فأوجبت العداوة والتنافر والتنابز والقطيعة علمنا أنها ليست من أمر الدين في شيء ، وأنها التي عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفسير الآية وهي قوله تعالى } إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا { فيجب على كل ذي دين وعقل أن يجتنبها.. فإذا اختلفوا وتقاطعوا كان ذلك بحدث أحدثوه من اتباع الهوى، وهو ظاهرٌ في أنَّ الإسلام يدعو إلى الألفة والتحاب والتراحم والتعاطف فكلُّ رأي أدى إلى خلاف ذلك فخارج عن الدين ).

ووصف الشيخ تقي الدين بن تيمية من يوالى موافقه ويعادي مخالفه ويكفر ويفسق مخالفه دون موافقة في مسائل الآراء والاجتهادات ويستحل قتال مخالفه بأنه من أهل التفرق والاختلاف. ( الفتاوى 7- 349 )

ويرى ابن تيمية ترك بعض المستحبات تأليفاً قائلاً : ” لأن مصلحة التأليف في الدِّين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا كما ترك النبي  صلى الله عليه وسلمتغيير بناء البيت لما في إبقائه من تأليف القلوب “.

وأنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ثم صلى خلفه متماً وقال الخلاف شر. ( الفتاوى 22 – 407 )

رأي النووي في الطائفة المنصورة : ” ويحتمل أنَّ هذه الطائفةَ تفرقت بين أنواع المؤمنين منهم شجعان مقاتلون ومنهم فقهاء ومنهم محدثون ومنهم زهاد وآمرون بالمعروف وناهون عن المنكر ومنهم أهل أنواع أخرى من أهل الخير، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون متفرقين في أقطار الأرض “.

ويقول الذهبي في ميزان الاعتدال من ترجمة الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ” قلت: كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به، لا سيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد، ما ينجو منه إلا من عصم الله، وما علمت أن عصراً من الأعصار سلم أهله من ذلك، سوى الأنبياء والصديقين، ولو شئت لسردت من ذلك كراريس، اللهم فلا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم “.


 آداب عامة ينبغي للمختلفين أن يراعوها ليعذر بعضهم بعضاً :

1– العذر بالجهل !

يقول ابن تيمية : وكثير من المؤمنين قد يجهل هذا فلا يكون كافرا.( 11-411 ) 
وفي حديث ابن ماجة عن حذيفة ” يدرس الإسلامُ كما يَدرس وشي الثوب، حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز يقولون أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله فنحن نقولها. فيقول: صلة بن زفر لحذيفة راوي الحديث ما تغنى عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة ؟ فأعرض عنه حذيفة ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة تنجيهم من النار. ثلاثاً” رواه الحاكم.

وقد وقع في الديار الشيوعية وأيام سقوط الأندلس أشياء من هذا القبيل والله المستعان.

2 – العذر بالاجتهاد :

يقول ابن تيمية أعذار الأئمة في الاجتهاد، فليس أحد منهم يخالف حديثاً صح عن النبي  صلى الله عليه وسلم عمدا فلا بد له من عذر في تركه مضيفا : وجميع الأعذار ثلاثة أصناف أحدها : عدم اعتقاده أن النبي  صلى الله عليه وسلم قاله والثاني : عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك والثالث : اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ ( 20- 232 )

وعذر المقلد من نوع عذر الجاهل يقول ابن عبد البر : ولم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها. ( جامع بيان العلم وفضله )

ويقول ابن تيمية : وتقليد العاجز عن الاستدلال للعالم يجوز عند الجمهور. (19 – 262 ) 
ويقول ابن القيم : فالعامي لا مذهب له؛ لأن المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال.

3- العذر باختلاف العلماء :

عدم الإنكار في مسائل الاختلاف ومسائل الاجتهاد يقول ابن القيم : إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل فيها مجتهداً أو مقلدا.( إعلام الموقعين 3 – 365 )

ويقول العز بن عبد السلام : من أتى شيئاً مختلفاً في تحريمه إن اعتقد تحليله لم يجز الإنكار عليه؛ إلا أن يكون مأخذ المحلل ضعيفاً ( قواعد الأحكام 1-109 )

قال إمام الحرمين : ثم ليس للمجتهد أن يعترض بالردع والزجر على مجتهد آخر في موقع الخلاف؛ إذ كل مجتهد في الفروع مصيب عندنا ، ومن قال إنَّ المصيب واحدٌ فهو غيرُ متعين عنده، فيمتنع زجر أحد المجتهدين الآخر على المذهبين. ( الإرشاد ص 312)

4- الرفق في التعامل :-

والرفق أصل من أصول الدعوة ومبدأ من مبادئ الشريعة ففي حديث الرجل الذي بال في المسجد وزجره أصحابُ النبي  صلى الله عليه وسلم فنهاهم عليه الصلاة والسلام قائلاً : لاتزرموه – أي لا تقطعوا بولَه – وأتبعوه ذنوباً من ماء، وقال للرجل: إنَّ هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذه القاذورات.

وحديث خوات بن جبير رضي الله عنه حين رءاه مع نسوة فقال ماذا تبغي هاهنا قال التمس بعيراً لي شارداً . ثم حسنَ إسلامُه وخلصتْ توبته، فمازحه عليه الصلاة والسلام قائلاً: ماذا فعل بعيرُك الشاردُ قال : قيده الإسلامُ يا رسول الله .

وحديث الأعرابي الذي أعطاه فقال له أحسنت عليك ، فقال كلاماً غير لائق فهم به الصحابة فنهاهم عليه الصلاة والسلام وأدخله في البيت، فأعطاه ثم خرج به وقال هل أحسنت ؟ فقال أحسنت علي وفعلت وفعلت، فضحك عليه الصلاة والسلام وضرب مثلاً بصاحب الراحلة الشاردة.

5- أن لا يتكلم بغير علم، قال تعالى { ولا تقف ما ليس لك به علم } لا بد من الإحاطة بما في المسألة قبل أن تخالف .

قل للذي يدعى علمـــــا ومعــرفة ***علمت شيئـا وغـابت عنك أشـيـاء 
فالعلم ذو كثــرة في الصحف منتشر  *** وأنت يا خل لم تستكمـــل الصحفـــا

6- أدب مراعاة المصالح الشرعية في الإنكار، فإذا كان النهي سيؤدي إلى مفسدة أكبر أو سيضيع مصلحة أعظم فلا نهي ولا أمر، ويفصل ابن تيمية ذلك في الفتاوى (20/58)
وإذا كَانَ قَوْمٌ عَلَى بِدْعَةٍ أَوْ فُجُورٍ وَلَوْ نُهُوا عَنْ ذَلِكَ وَقَعَ بِسَبَبِ ذَلِكَ شَرٌّ أَعْظَمُ مِمَّا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يُمْكِنْ مَنْعُهُمْ مِنْهُ وَلَمْ يَحْصُلْ بِالنَّهْيِ مَصْلَحَةٌ رَاجِحَةٌ لَمْ يُنْهَوْا عَنْهُ.(14/472)
فحيث كانت المفسدةُ للأمر والنهي أعظم من مصلحته لم يكن مما أمر الله به، وإن كان قد ترك واجباً وفعلَ مُحرماً ، إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباد الله وليس عليه هداهم.(2/211)

وإذا كان الكفرُ والفسوقُ والعصيان سبب الشر والعدوان فقد يذنب الرجل أو الطائفة، ويسكت آخرون فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليه آخرون إنكاراً منهياً عنه فيكون ذلك من ذنوبهم، فيحصل التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن والشرور قديماً وحديثاً إذ الإنسان ظلوم جهول. (26/142)

ولكن ما هي أسباب هذا الاختلاف؟

إنها أسباب موضوعية ترجع إلى بلوغ الأخبار والآثار إلى العلماء، والقواعد التي يلتزم بها العالم في تصحيح وتضعيف الأخبار، وبالتالي مسألة اختيار معايير التعامل مع السنة وقرائن نسخ الأخبار وإحكامها.

وإلى اللغة وضوحاً وجلاء وغموضاً وخفاء، كما هو مفصل في كتب أصول الفقه في أبواب دلالات الألفاظ كعموم النصوص وخصوصها وظهورها وتأويلها ومجملها ومبينها .
كما يرجعُ الاختلاف إلى الأدلة المتعلقة بمعقول النص، ومقاصد الأحكام كأنواع القياس والمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب وسد الذرائع.

كما يرجع الاختلاف إلى الأعراف المعتبرة، وتغير الأحكام بتغير الزمان والمكان والموازنة بين المصالح والمفاسد.

فهذه العناوين الأربعة يرجع إليها اختلاف العلماء.


 وفي الختام

فإنه لا بد من إحياء روح التسامح في الأمة، فتتجنب التباغض وبث روح الأخوة والمودة بين المسلمين في أنحاء العالم.

– ا بد من تأكيد أدب الاختلاف وتجنب سلبيات الخلاف .

-لا بد من التأكيد على أن للاختلاف أسباباً موضوعية مشروعة ووجيهة يجب إبرازها واستثمارها لرأب الصدع وإصلاح ذات البين.

والله سبحانه وتعالى ولي التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل

 

 

 

 


  هذه الورقةُ مقدمةٌ إلى مؤتمر لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة جمادى الآخرة 1422هـ.

 

 – ابن القيم                   الصواعق المرسلة           2/519

 

 

ندوة التلفزيون الموريتاني مع سماحة العلامة عبدالله بن بيه ج1

رد العلامة عبدالله بن بيه على الاب مونس ج الأخير

مناظرة مع الأب مونس

ملخص بحث رعاية المصلحة في الوقف

يهدف بحث الشيخ “عبد الله بن بيه” إلى رفع الحرج الذي طالما استشعره المتعاطي لقضايا الأوقاف من حيث استثمارها وإدارتها، حيث يصطدم بعقبة النظرة الفقهية لبعض المذاهب التي تجعل الوقف ساكنا لا يتحرك، في وقت تنوعت فيه المؤسسات الخيرية (غير الإسلامية) في العالم متخذة من الاستثمارات العملاقة مطية لجني الأرباح الكثيرة.

وقد قرر الشيخ تقي الدين ابن تيمية رحمه الله تعالى -ونقله عن الإمام أحمد رضي الله عنه من وجوه كثيرة- أنه تجوز المناقلة في الأوقاف للمصلحة الراجحة؛ لدليل: أن عمر رضي الله عنه كتب إلى ابن مسعود أن يحول المسجد الجامع بالكوفة إلى موضع سوق التمارين، ويجعل السوق في مكان المسجد الجامع العتيق ففعل ذلك.


 الشريعة مبنية على مصالح العباد

ومن المقرر -بالاستقراء- أن الشريعة مبنية على مصالح العباد، وبين العز بن عبد السلام أن الطاعات نوعان: أحدهما ما هو مصلحة في الآخرة كالصوم والصلاة والنسك والاعتكاف، والثاني: ما هو مصلحة في الآخرة لباذله، وفي الدنيا لآخذيه، كالزكاة والصدقات والضحايا والهدايا والأوقاف.

ويوازي هذا التقسيم للطاعات تقسيم ثنائي آخر لكل ما هو مشروع شرعا إلى: معقول المعنى أو غير معقول المعنى (التعبدي)، وبتعبير ابن رشد: “عبادي” و”مصلحي”.


أين يقع الوقف من هذا كله؟

والسؤال المثار هنا: هل الوقفية تتضمن معنى “تعبديا” يمنع استغلال الحبس؟.

والجواب أن الوقف ليس من التعبديات التي لا يُعقل معناها، بل هو من معقول المعنى، أو المصلحي، وهو من نوع الصدقات والصلات والهبات؛ ففيه ما فيها من سد الخلات. فالوقف معقول المعنى مصلحي الغرض. وقد ترتبت عليه مصالح واضحة للعيان بالنسبة للأفراد، وكذلك أيضا بالنسبة للأمة (مرافق عامة، مؤسسات تعليمية وثقافية، …).


 ما الذي قد تتدخل به المصلحة في طبيعة الوقف؟

السؤال الثاني الهام هنا: ما الذي يمكن للمصلحة أن تتدخل به للتعامل مع طبيعة الوقف التي تقتضي سكون اليد وبقاء العين الموقوفة؟.

وهنا تختلف أنظار العلماء؛ إلى ثلاثة آراء:

·  محافظ على عين الموقوف إلى ما يشبه التوقيف والتعبد، وهو مذهب المالكية والشافعية، فلا يجيزون الإبدال والمعاوضة إلا في أضيق الحدود، في مواضع ذكرها البحث.

·  متصرف في عين الوقف في إطار المحافظة على ديمومة الانتفاع، وليس على دوام العين، ويمثله الحنابلة وبعض فقهاء المالكية، خاصة الأندلسيين.

·  متوسط متأرجح بين الطرفين، يدور مع المصالح الراجحة حيثما دارت، ويتشكل من بعض الأحناف -كأبي يوسف- ومتأخري الحنابلة -كالشيخ تقي الدين ابن تيمية- وبعض متأخري المالكية.


 مظاهر تأثير المصلحة، واعتبارها

ويمكن ملاحظة اعتبار المصلحة وتأثيرها في المظاهر التالية:

وقف أموال منقولة لا يمكن الانتفاع بها دون استهلاك عينها:

كوقف النقود والطعام للسلف، أو النقود للمضاربة والاستثمار. وهذه المسألة فيها نزاع في مذهب أحمد؛ فكثير من أصحابه منعوا وقف الدراهم والدنانير. قال “المرداوي”، بعد أن نقل أن الصحيح من المذهب عدم وقف الأثمان: “وعنه يصح وقف الدراهم. فينتفع بها في القرض ونحوه، اختاره شيخنا، يعنى الشيخ تقي الدين.

وقصر المالكية وقف العين على القرض، ولكن ذلك -من حيث المعنى- لا يمنع تعميمه على غير القرض من الاستثمار، كما قاسوا على العين وقف الطعام للبذور، ووقف النبات دون الأرض ليفرق على المساكين. ووقف الطعام إذا كان للسلف: كوقف العين، ليس محل تردد؛ لأن مذهب “المدونة” وغيرها الجواز.

وفي المذهب الحنفي كان العلامة أبو السعود (عاش في القرن العاشر الهجري) من أشد المدافعين عن جواز وقف النقود والمنقولات التي تزول وتحول.

وهذا واضح في جواز وقف ما يحول ويزول كالطعام، وما في حكمه مما لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه، وبهذا ندرك أن المصلحة أثرت في الانتقال عن الأصل المعروف في: “أن الوقف إنما يكون عقارا أو منقولا، لا يتضمن الانتفاع به استهلاكَ عينه عند الجمهور”، إلى أن أصبح الوقف أموالا سائلة تتناولها الأيدي، وتتداولها الذمم.

أثر المصلحة في تغيير عين الموقوف بالمعاوضة والتعويض والإبدال والاستبدال والمناقلة.

مراعاة المصلحة في الإبدال والمعاوضة، والتصرف في غلة الوقف بإنشاء أو مساعدة وقف آخر على سبيل البت، أو سبيل السلف، واستثمار غلته لتنميته.

وقد أجاز المالكية المعاوضة “للمصالح العامة” كما سماها أبو زهرة، وأن ما هو لله فلا بأس أن يُنتفع به فيما هو لله. ويقول “ابن لب”: “كان فقهاء قرطبة وقضاتها يبيحون صرف فوائد الأحباس بعضها في بعض”.

تغيير معالم الوقف لمصلحة.

التصرف في الوقف بالمصلحة مراعاة لقصد الواقف المقدر بعد موته:

وهو ما ذهب إليه بعض المتأخرين من علماء المذهب المالكي، من اعتبار قصد الواقف المقدر بعد موته، لإحداث تصرف في الوقف للمصلحة يخالف ألفاظه.

إجراء العمل في مسائل الوقف:

فمن قواعد مذهب مالك رحمه الله اعتماد القول الضعيف إذا جرى به عمل؛ استنادا لاختيارات شيوخ المذهب المتأخرين لبعض الروايات والأقوال لموجِبٍ، كتبدل العرف أو عروض جلب المصلحة أو درء المفسدة، فيرتبط العمل بالموجب وجودا وعدما.

وقد أدخل المالكية إجراء العمل في مسائل الأوقاف في ست وعشرين مسألة، وفي بعضها خالفوا مشهور المذهب، وذلك يدل على إعمال المصلحة.

وليس ذلك في مذهب مالك فقط، فقد نجد في كلام غير المالكية (ذكر البحث نقلا عن الحنفية والحنابلة) الترجيح بجريان العمل أو بالتعامل، وهما مفهومان قد يعني الأول منهما عمل العلماء في فتاواهم وأحكامهم، ويعني الثاني تعامل العامة في عوائدهم وأعرافهم.


لكن .. كيف تتحقق المصلحة؟

إن معيار المصلحة هو المعيار الصحيح الذي لا يحيف كما تبين باستقراء النصوص، وأن ميزانها هو ميزان العدل الذي لا يجور، لكن لا توجد في الغالب– مصلحة محضة عَرِية عن مفسدة أو ضرر من وجه، وقد أوضح ذلك أبو إسحاق الشاطبي خير إيضاح، فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتياد، فهي المقصودة شرعا، ولتحصيلها وقع الطلب على العباد ليجري قانونها على أقوم طريق وأهدى سبيل، وكذلك المفسدة. و”الغالب كالمحقق”.

وتحرير المصلحة المعتبرة التي يمكن أن تؤثر في الوقف: أنها مصلحة غالبة عادة، يُطلب جلبها شرعا. أو مفسدة غالبة عادة، يطلب درؤها شرعا. فإذا لم يقع تحقق غلبة المصلحة على المفسدة فإن الإبقاء على أصل الثبات في الوقف مُسَلم الثبوت، فليست كل مصلحة عارضة يمكن أن تزعزع أركان الوقف أو تَصرف ألفاظ الواقف عن مواضعها أو تحرك الغلات عن مواقعها.


 هل يجوز استثمار الوقف؟

السؤال المركزي الآن هو: هل بالإمكان شرعا- تحريك الأموال المرصودة لاستثمارها ليزداد ريع الوقف، ويكون أكثر استجابة للمصالح التي وُقف من أجلها؟، والجواب أن هذا الأمر لا يستبعد، وذلك للاعتبارات التالية:

– اعتبار المصلحة التي من أجلها كان القول بجعل الوفر في أعيان من جنس الوقف، وهو نوع من الاستثمار. فلم يبق بعد ذلك إلا إشكال: المضاربة في ثمن المعاوضة: دون صرفه إلى أعيان من جنس الوقف.

– إذا اعتبرنا القول بجواز وقف العين ابتداء للاستثمار والمضاربة، فنقول: إن ما جاز ابتداء يجوز في الأثناء؛ بناء على المصلحة الراجحة -كما سماها ابن تيمية- ليترتب عليها استبدال الوقف للجدوى الاقتصادية التي ليست ناشئة عن حاجة أو ضرورة، وإنما عن الحاجة الاستثمارية.

– قياسا على جواز المضاربة في مال اليتيم، بل هو أولى من تركه تأكله الصدقة. قال تعالى: )ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير( .

– يُقاس على التصرف في مال الغير بالمصلحة الراجحة، الذي قد يُثاب عليه فاعله.

وقد دل حديث الثلاثة الذين في الغار، (ومنهم الرجل الذي كان مستأجرا أجيرا …)، على أن التصرف بالإصلاح، وبما هو أصلح: أمر مقبول شرعا.

ومن أوجه مراعاة المصلحة: تقديم ذوي الحاجة والفاقة على غيرهم، والأصل أن يتبع شرط الواقف الذي وقف على ذوي القربى دون تفضيل.


 الخلاصة

والخلاصة أننا يمكن أن نجزم باعتبار المصلحة في استثمار الأوقاف، مع المحافظة على الديمومة؛ مما يُمكن من إعداد برامج الاستثمار المراعية للناحيتين: الشرعية والمصلحية، ويحافظ على الموازنة الدقيقة بين انفتاح الوقف لمقتضيات “المصالح الراجحة” المحققة أو المظنونة، وبين الإبقاء على الوقفية التي تتمثل في بقاء العين أو ما يقوم مقامها في المحافظة على طبيعة الانتفاع للمستفيد من الوقف بحيث لا تَكُر مراعاة المصلحة بالإبطال على أصل الديمومة والجريان المستمر اللذين يمثلان أساس الحكمة التي تميز الوقف عن غيره من الصدقات والهبات.

وانطلاقا مما تقدم ينبغي صياغة سياسة للمحافظة على الأوقاف، لا سيما في بلاد الغرب حيث يتعين تسجيل المساجد والأوقاف الأخرى باسم هيئات موثوق بها، وإيجاد صيغة لاعتراف السلطان في تلك الديار.


اقرأ نص البحث كاملا 

ردود العلامة بن بيه على الاب مونس والدخيل ج1

حول العلاقة بين الأديان والحوار

خطة العلامة ابن بيه لمكافحة الارهاب

 

بِسْمِ اللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ 

    الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه

{خطة ابن بيـّه لمكافحة الإرهاب}

 

مرجعية الخطة إسلامية إنسانية ونعنى بها مبادئ أخلاقية يزكيها الإسلام والقانون الدوليِّ والمنطق السليم كما تعنى أنّ الأفكار التي تتضمنها تعبر عن شعور أغلب الناس في العالم الإسلامي أصالة ومن الطبيعي أن كثيراً من الناس في كل الديانات والحضارات لهم شعور مماثل.

أهداف الخطة:

– تقديم رؤية مقنعة لمكافحة الإرهاب.

– إيجاد أرضية مشتركة لتعاون دولي لمكافحة الإرهاب تفعل دور المثقفين والعلماء لفتح حوار واسع الآفاق حول معضلة الإرهاب.        

 

خطة إسلامية للتعاون الدولي:

مقدمة: إن الإرهاب عابر القارات أساء وآذى العالم كله وفي مقدمته العالم الإسلامي الذي أصبح إلى حدِّ ما يمثل دور الضحية والمتهم لا يمكن القضاء عليه إلا من خلال تضامن دولي صادق وفعال ونعنى بذلك أن ينطلق هذا التضامن من قاعدةمفاهيم متفق عليها نحو أهداف متفق عليها بواسطة وسائل وآليات متفق عليها.

وفي تصوري أن ذلك لم يتم حتى الآن.

والاستشهادات التالية تشير إلى رغبة في تعاون دولي لم تتحقق: الفقرات لكاتبة غربية: ويمكن للأمم المتحدة أن تستمر في دورها كقوة فاعلة في محاربة الإرهاب من خلال مساندة شرعية التصدي العسكري المسلح له وزيادة فاعلية العقوبات الاقتصادية


 والسياسية وتقوية وإدامة التعاون المتعدد الأطراف لمحاربته وأيضا عن طريق وضع معايير دولية ثابتة لتحديد المسئوليات.

والأهم من هذا كله أن الأمم المتحدة بجهودها الرامية إلى حسم الصراعات الإقليمية ورعاية التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتطوير سيادة القانون ومعايير الحكم المناسب تستطيع تحسين الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحيلولة دون استفادة الجماعات الإرهابية منها.

وكان بيان الرياض يؤكد على وجوب تظافر الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب في شتى المجالات.

وقد تقدم الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بمقترحات لمؤتمر مدريد المنعقد حول الديمقراطية والإرهاب والأمن تتكون من خمس نقاط لمحاربة الإرهاب.

وتتمحور الإستراتيجية في إقناع الجماعات الساخطة بالعدول عن اختيار الإرهاب كأسلوب لتحقيق أهدافها وحرمان الإرهابيين من وسائل تنفيذ هجماتهم وإثناء الدول عن دعم الإرهابيين وتطوير قدرات الدول لمنع الإرهاب وأخيرا الدفاع عن حقوقالإنسان في مكافحة الإرهاب.

وقال عنان إن الإرهاب يمثل هجوما مباشرا على القيم الأساسية التي تنادي بها الأمم المتحدة: سيادة القانون وحماية المدنيين والاحترام المتبادل بين الناس من مختلف الأديان والثقافات والحل السلمي للنزاع،لذلك لا بد أن تكون الأمم المتحدة في الصدارة لمكافحته حيث إن الإرهاب لا يمكن قبوله أو تبريره في أية قضية كانت.

وأضاف الأمين العام أن الأمم المتحدة ظلت لسنوات عديدة تؤدي دورا هاما في جميع هذه المجالات وقد حققت نجاحات هامة إلا أننا نحتاج إلى أن نفعل المزيد ويجب أن نقوم بأفضل من ذلك.

وفي تفصيل أكثر للنقاط التي وضعها قال عنان “إن الإرهابيين يختارون الأساليب الإرهابية لأنهم يعتقدون أن تلك الأساليب فعالة إلا أنه يجب أن نبين بوضوح وعن طريق جميع السلطات المعنوية والسياسية الممكنة أن الإرهاب غير مقبول تحت أي ظرف من الظروف وفي أي ثقافة“.

وطالب عنان باتفاقية شاملة تحظر الإرهاب بجميع أشكاله وقال إن الحق في مقاومة الاحتلال ينبغي أن يفهم بمعناه الصحيح إذ لا يمكن قبول قتل أو تشويه المدنيين عمدا.

وأكد الأمين العام أن اللجنة رفيعة المستوى التي عينها العام الماضي لدراسة التهديدات والتحديات العالمية والتوصية بإجراء تغييرات في النظام الدولي، طالبت بوضع تعريف


 للإرهاب يوضح ما إذا كان “أي تصرف يشكل إرهابا إذا كان
 القصد منه التسبب في وفاة مدنيين أو غير محاربين أو إلحاق الأذى الجسماني الجسيم بهم بغرض تخويف مجموعة سكانية أو إجبار حكومة أو منظمة دولية على القيام بأي عمل أوالامتناع عنه“.

أما بالنسبة للعنصر الثاني وهو حرمان الإرهابيين من وسائل تنفيذ هجماتهم أوضح الأمين العام قائلا “إن الأمم المتحدة قدمت في هذا المجال مساهمات هامة، فقد ظلت اتفاقية الأمم المتحدة لقمع وتمويل الإرهاب سارية لمدة ثلاث سنوات، مؤكدا أن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراء فعال ضد غسيل الأموال بالإضافة إلى حرمان الإرهابيين من الحصول على المواد النووية“.

وأضاف عنان كون هجوم كهذا لم يقع بعد فإنه لا يعتبر مبرراً للرضا بما تحقق بل يتيح ذلك فرصة أخيرة لاتخاذ إجراء وقائي فعال.

أما بالنسبة للعنصر الثالث وهو ثني الدول عن دعم الجماعات الإرهابية، أشار الأمين العام إلى أن الأمم المتحدة لم تتوان في الماضي عن التصدي للدول التي تأوي الإرهابيين وأن مجلس الأمن فرض عليها جزاءات مختلفة.

وقال عنان يجب الحفاظ على هذه السياسة الحازمة وتعزيزها وعلى كافة الدول أن تعلم أن مجلس الأمن لن يتردد في استخدام التدابير القسرية ضدها في حال تقديمها لأي شكل من أشكال الدعم للإرهابيين.

أما العنصر الرابع والمعني بتطوير قدرة الدول على مكافحة الإرهاب فقد طالب عنان بتقديم المساعدة للدول الفقيرة التي لا تستطيع بناء القدرات التي تحتاج إليها مؤكدا في الوقت نفسه أن الحكم الرشيد وسيادة القانون هما العاملان الأساسيان في مكافحة الإرهاب.

وأضاف أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يركز بصورة متزايدة على مسائل الحكم التي ندرك أنها مسائل هامة للتنمية مشيرا إلى الخدمات التي تقدمها شعبة المساعدة الانتخابية بالمنظمة إلى البلدان في تنظيم الانتخابات كما حدث مؤخرا في أفغانستان وفلسطين والعراق وبوروندي.

أما العنصر الخامس والأخير فهو حماية حقوق الإنسان، وقال الأمين العام في هذا الصدد “إن خبراء دوليين في حقوق الإنسان، بمن فيهم خبراء الأمم المتحدة، يجمعون على أن العديد من التدابير التي تعتمدها الدول حاليا للتصدي للإرهاب تنتهك حقوق الإنسان والحريات الأساسية“.

وأكد عنان أن الإخلال بقانون حقوق الإنسان لا يمكنه أن يخدم مكافحة الإرهاب بل على النقيض ييسر للإرهابي بلوغ هدفه بمنحه قاعدة أخلاقية عليا وبإثارة التوتر والكراهية.

 

 وطالب الأمين العام بإنشاء وظيفة مقرر خاص يقدم تقاريره إلى لجنة حقوق الإنسان عن توافق تدابير حقوق الإنسان مع قوانين حقوق الإنسان الدولية”.

يمكن أن نستخلص النقاط التالية:

– أن الإرهاب لم يعرف وأن عدم تعريفه يُكون هماً وهاجساً للأمم المتحدة.

– الحاجة إلى تغييرات في النظام الدولي.

– ضرورة التعاون الدولي لمكافحة الإرهاب.

– الاهتمام بالحكم الرشيد.

– ضرورة احترام حقوق الإنسان التي صرح الأمين العام بأنها انتهكت بالفعل وأن انتهاكها ليس في صالح مكافحة الإرهاب.

في النهاية يمكن الاستنتاج من ما قاله عنان بضرورة إيجاد خطة دولية أكثر إلتزاماً بالأخلاق ومطابقة للقانون الدولي، تحوز رضا الجميع، بما فيهم الدول الصغيرة.     

انطلاقاً من هذا أردت أن أقدم أفكاراً وليست خطة أو إستراتيجية تدعي الكمال وتحوز الاتفاق وإنما هي أفكار للمناقشة صورتها برؤية إسلامية صغتها كالتالي:

فما هي رؤية العالم الإسلامي للتعاون الدولي؟ و ما هو موقعه في هذا الوضع ؟

وهل هو شريك أم هو موضوع ؟ 

 – وبكلمة واحدة- ما هو مشروع العالم الإسلامي لمكافحة الإرهاب ؟ وموقعه في المشروع الغربي “العالمي” هل هو لاعب أو لعبة ؟

 وحيث أن المشروع الغربي قد جرب في أقطار عدة من العالم فهل يمكن للعالم الإسلامي أن يتفرج على لعبة الدومينو هذه حيث تتساقط البيادق نتيجة لإصابة الهدف الأول.

 إن العالم الإسلامي – وهو يدين الإرهاب بشدة وقوة- مدعو لتقديم مشروع متماسك فيه شيء من الأخلاق والانضباط لإقناع الغربيين به  حتى لا يكون الضحية الدائمة والوحيدة وحتى يحد – على الأقل- من خسائر معركة لا تلوح في الأفق نهايتها إذ أن حرائقها قد رمت مناطق واسعة من العالم الإسلامي.

1- يجب أن يحدد المشروع الإسلامي مفهوم الإرهاب فما هو الإرهاب الإجرامي؟ وما هو السلوك الإرهابي ؟


في غيبة تعريف جامع مانع يجمع أطرافه ويفلع أصدافه ليتبين أن دفاع الضعيف عن أرضه وعرضه ليس إرهاباً لأن عدم وجود تعريف متفق عليه يشكل معضلة قانونية وأخلاقية ويفتح آفاقاً مظلمة في العلاقات بين الشعوب والأمم.

فهل جمع الصدقات من طرف الهيئات الخيرية وتوزيعها على الفقراء والمعوزين إرهاب ؟

إذ أن هذه الهيئات إنما تقوم بأداء وظيفة دينية ففريضة الزكاة في الإسلام تعتبر الركن الثالث بين الأركان الخمسة للإسلام والمسلمون يجب عليهم بنص القرآن الكريم أن يوزعوها على مصارفها.

 وهل ممارسة الشعائر وغيرها من المظاهر الدينية يمكن أن توصف بأنها سلوك إرهابي ؟

هل نشر المعاهد الدينية وتدريس العلوم الشرعية إرهاب؟

إنها أسئلة يجب أن تجد أجوبة من خلال تعريف واضح وشفاف، تعريف يشخص الجريمة، فالتشخيص الصائب يهدي إلى الدواء الصائب، وعلى رجال القانون والحقوق أن يقدموا الرؤية الصحيحة غير المنفعلة.

وبعبارة أخرى فإن اعتبار بعض الشعائر من قبيل السلوك الإرهابي يعقد مهمة مكافحة الإرهاب لأنه يوجد نوعاً من اللبس الضار في أذهان المتدينين وهذا لا يمنع من إيقاف كل عمل مخل بالأمن يلبس مسوح الدين أو يتخذ من عمل الخير ذريعة لكن التعميم في هذا المجال له انعكاساته ومفاعيله العكسية.           

 2- وفى المقابل فعلى المشروع الإسلامي أن يقدم رؤية لثقافة التسامح الإسلامية طبقاً للمعايير والمرجعية الإسلامية الكفيلة بتجفيف الينابيع الفكرية للإرهاب وتصحيح المفاهيم المغلوطة في المنظومة المعرفية والتربوية وبخاصة فيما يتعلق بمفهوم الجهاد حتى يطمئن العالم الغربي بأن الإرهاب ليس مرادفا للجهاد فالإرهاب يختلف عن الجهاد شكلا ومضموناً.

فالإسلام يدعو إلى السلام والتعايش وذلك مؤصل من القرآن والعالم الإسلامي مستعد لغرس ثقافة السلام. 

فالجهاد في الإسلام هو حرب دفاعية يعلنها الأمام أي أنها حرب بين دول لرد عدوان كما هو نص القرآن الكريم﴿ أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا..﴾ فلا يمكن لفرد ولا لجماعة أن تعلن حربا أو تقوم بعمليات هجومية على أي بلد تحت أي ذريعة وعلى العلماء والفقهاء أن يسهموا في تعريف الجهاد لتنضبط الفتاوى في هذا المجال.


ولهذا فإن نشر قيم التسامح والتواصل بين الحضارات والثقافات كما أكد عليه بيان الرياض أمر ضروري ويجب أن يكون متبادلاً وليس من جانب واحد.

3- إن المشروع الإسلامي سيؤكد على الشفافية في قضية الاتهام الموجه إلى الأفراد أو الدول لأهمية البينة في الشريعة الإسلامية وفى كل الشرائع السماوية والنظم البشرية فالإنسان بريء حتى تثبت إدانته بالطرق القانونية فبذلك تكون الحرب على الإرهاب أكثر نظافة، لأنها تحترم حقوق الإنسان.

4- إن المشروع الإسلامي يجب أن يؤكد على قاعدة عدم أخذ البريء بالمجرم وهى القاعدة القرآنية التوراتية الإبراهمية بنص القرآن﴿أم لم ينبأ بما في صحف موسى و إبراهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى﴾

 وهى قاعدة تعترف بها كل الشرائع والقوانين الدولية.

5- إن المشروع الإسلامي يؤكد على وجوب احترام المواثيق الدولية وسيادة الدول في حال ما إذا وجه الاتهام إلى أفراد أو جماعات ينتمون إلى دولة معينة أو يوجدون تحت سيادتها.

فهذه الدولة هي وحدها التي من حقها أن تقوم بعمليات التحقيق والمحاكمة مع إبلاغ الجهة المتضررة بالنتائج التي تتوصل إليها بشفافية ووضوح.

ولهذا فإن معالجة موضوع الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة ستكون له أهمية كبرى لحل العقد القانونية والأمنية والنفسية التي تنشؤ من تنصيب دولة لنفسها مهما كانت قوتها للتدخل المباشر لما يسبب من زعزعة الأمن وربما من تهيئة أجواء للإرهاب أكثر ملائمة.

6- إن المشروع الإسلامي يؤكد على وجوب وجود مشروع دولي لمعالجة الفقر والخصاصة يحترم حقوق الدول الفقيرة في النمو الذاتي ويتيح معاملة منتجاتها وسلعها معاملة تناسب أوضاعها.

7-إن المشروع الإسلامي يؤكد على ضرورة احترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره إثراء وانسجاماً وليس تبايناً وصداماً ويبرئ كل الديانات من وصمة الإرهاب وفي طليعتها الدين الإسلامي.

ويدعو إلى حوار حضاري معمق يستند إلى العقلانية والقيم الإنسانية والمصالح المتبادلة.

8- يؤكد المشروع الإسلامي أهمية معالجة المظالم في العالم وبخاصة الظلم التاريخي في القضية الفلسطينية حتى تجتث جذور الإرهاب وتهيأ الظروف لعالم أكثر سلاماً وطمأنينة لأنه أكثر عدلاً وإنصافاً.


وبهذا الصدد فإن وضع المقاومة الفلسطينية التي تدافع عن حقوق معترف بها دولياً على قدم المساواة مع المنظمات الإرهابية عابرة القارات التي لا تستند إلى أيّ مبدإ خلقي من شأنه أن يضر بقضية مكافحة الإرهاب ويخلط الأوراق ويطرح الأسئلة على الضمير العالمي ويخدم الإرهابيين.

9- تحديد مفهوم الإصلاح المطلوب دولياً ومحلياً سواء تحت مسمى الديمقراطية أو أي مسمى آخر.

لكن هذا الإصلاح ليصل إلى أهدافه بالنسبة لكثير من شعوب العالم الإسلامي وهو إصلاح يشمل المجالات الثقافية والسياسية يجب أن يكون مؤصلاً من أرضية إسلامية ليكون مفهوماً ومقبولاً ناشئاً عن تفاعل بين جدلية التراث والمعاصرة بدلاً من إصلاحات مظهرية تهيجها الضجة العالمية غير منبثقة من روح المجتمع وحاجاته.

 وبالتالي فلن تأتي في النهاية بالنتائج المتوخاة في مكافحة الإرهاب بل إنها قد تؤدي إلى نتائج سلبية.  

10- إيجاد آليات تعاون أمني تنساب فيها المعلومات بشكل متبادل بين الدول على قدم المساواة دون احتكار يؤكد على الثقة بين مختلف الأجهزة ويشعر الدول الثالثية بمسئوليتها ويزودها بالأدوات الفنية والمادية لتقوم بدور فعال.

كما ينبغي إيجاد آليات لتبادل ثقافي وحوار فاعل بين مختلف الفعاليات في الغرب والعالم الإسلامي وفتح وسائل الإعلام في العدوتين لنشر الحوارات وتعميمها في الجامعات والمراكز الفكرية.

ملاحظة: قبل عقود كان العالم الإسلامي منغلقاً عن فكرة الحوار أما اليوم فنلاحظ أن الجهات الغربية على مختلف الأصعدة تمارس انتقائية في الحوار وأحياناً وضع قائمة من الموضوعات المحظورة “تابوTaboo“. وقد خبرت ذلك بنفسي في برشلونة وروما وغيرهما. 

 إن هذه النقاط العشر تمثل محاولة لإيجاد عقد عالمي طوعي يتمتع بأخلاقية تجعل كل الأطراف تتصرف بطمأنينة وثقة متبادلة تقضى على الإرهاب الإجرامي وتجتثه من جذوره.

ويمكن أن أدعي أن المثقفين وحتى الحكومات الإسلامية تشاطر شعوري بحاجة إلى مثل هذا الميثاق بل أدعي أن الإنسان البسيط الذي يحلم بالعدل ويرغب في السلام له نفس الشعور.

ومن شأن إهمال هذه الموضوعات الحيوية وترك الأمور في داخل العالم الإسلامي وخارجه في مهب رياح أجواء الحروب وتوتراتها والاتهامات الغامضة ضد مجموعات تعيش في الظلام الدامس.

 كل ذلك ينشأ وضعا أمنياً مزعزعاً وحالة اجتماعية معكرة ووضعاً من الكساد الاقتصادي. 


وفي الختام:

فإن هذه المساهمة تتصف بالإجمال أكثر من اتصافها بالتعمق في القضايا الجزئية التي لها أهميتها الأكيدة بل والحاسمة في إستراتيجية مكافحة الإرهاب.

وإنّ هذه الأفكار تفترض وجود تباين في المنهج إن لم نقل في الرؤية الحضارية لمكافحة الإرهاب يمثل معوقاً لتنسيق الجهود العالمية للقضاء على ظاهرة الإرهاب يجب الالتفاف عليه.

ولهذا جاءت هذه الخطة -التي لا تدعي الكمال ولا التكامل- أنموذجاً لما يمكن أن يكون مقاربة فكرية تشير إلى توجهات من شأنها- إذا حظيت بقبول مبدأي- أن تمثل قاعدة لمعالجة أوسع لأن مساحة المشترك ستكون أكثر اتساعاً وبالتالي ستكون أكثر إيجابية.

ولهذا فإن المحاور المرشحة للنقاش حولها والحوار ستكون:

– المحور الأول: التعريف بين الماضي والحاضر، الفائدة منه والتكييف القانوني والعلاقة الخلقية.

– المحور الثاني: مسالة الدين هل العنف في طبيعته بنيوي؟

ومن خلال هذا المحور تتم معالجة المناهج والبرامج بين الحقيقة والوهم.

– المحور الثالث: هل المظالم محفز ومحرض فقط ؟ أم سبب أصيل؟ وهل يمكن اجتثاث الإرهاب دون إزالة هذه المظالم ولو جزئياً ؟

هل التركيز على الديمقراطية جزء من الحل أم تهرب بالنسبة للفاعلين الدوليين من الحلول الأكثر صعوبة.    

وهو سبحانه وتعالى وليُّ التوفيق

 

عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيـــّــه

وزير العدل –سابقاً-

أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز –جدة

 

معالي العلامة عبدالله بن بيه يتحدث عن كتابه ” صناعة الفتوى”

معالي العلامة عبدالله بن بيه يتحدث عن كتابه ” صناعة الفتوى” وهو كتاب يجيب على شروط المفتي واداب المستفتي والجزء الاخير عن فقه الأقليات وفيه تأصيل وتفصيل وتيسير

اعلان المؤتمر الثاني للمركز العالمي للتجديد والترشيد

الإعلان عبر التلفزة الموريتانية

تقرير مؤتمر ” ترشيدالسلوك والأفكار”ج1

المؤتمر عقد في انواكشوط – موريتانيا 26-28 مارس 2008 نظمه المركز العالمي للتجديد والترشيد

تقرير الجزيرة :المؤتمر الثاني “ترشيد السلوك والأفكار”

تقرير مختصر عن مؤتمر المركز العالمي للإجتهاد والترشيد الثاني والذي عقد في نواكشوط تحت عنوان “ترشيد السلوك والأفكار”