ارشيف ل February, 2009

طبخ الخنـزير وتحضير الخمر للكفار

السؤال
خطيبي يعمل بأوربا طباخاً عند أحد الإيطاليين، وطبعاً يطهو لحم الحنـزير ويستعمل الخمر كذلك في الطهي لكنه لا يأكل طعامهم. – هل كسبه حلال أم حرام؟ – هو يريد تغيير عمله لكن ما باليد حيلة، فرص العمل هناك نادرة، فبماذا تنصحونه؟

وجزاكم الله كل خير.

الجواب
هذه مسألة يكثر السؤال عنها في أوروبا ، وهي مسألة اختلف العلماء فيها، اختلفوا في الاستئجار لحمل الخمر أو الخنـزير مثلاً، فهل له أجرة أو ليست له أجرة؟ وهل تطيب هذه الأجرة له أو لا تطيب له؟ فالصحيح من مذهب الإمام أحمد أن الأجرة لا تطيب له، ولكنهم حكوا القول الثاني عنه أيضاً، أي أن له الأجرة ولكنها تكره،وأطلق الوجهين في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والرعاتين والحاوي،

فعلى القول الثاني وهو أنه يجوز له الاستئجار أو يصح له الاستئجار على حمل الميت والخنـزير والخمر يكره أكل الأجرة ولا يحرم، وعلى هذه الرواية تصح الإجارة، وقد حكي في الإنصاف أن هذا هو الصحيح وعليه الأصحاب، وأطلق كثير من العلماء كصاحب الفائق وغيره روايتين، وأطلق بعضهم في المستوعب وجهين، وفي مذهب الإمام مالك يفرق بين أن يكون قد استأجر نفسه في الخمر ونحوه لمسلم فهذا لا يصح، أو يكون قد استأجره لكافر فإنه يصح على رواية زونان عن مالك، وأنه تطيب له الأجرة، ذكرها المواق في شرحه على خليل، وعلى هذه الرواية تبنى المسألة على مسألة الكافر هل هو مخاطب بالفروع أو ليس مخاطباً بالفروع،

وهما وجهان صحيحان في مذهب مالك – رحمه الله تعالى – ، وقال أبو حنيفة إنه تجوز له الأجرة على حمل الخمر، فالمسألة فيها أقوال إن شاء الله – تعالى – فنحن نفتيه بالأخف والأسهل، وبالتالي نقول: إن هذا الرجل يجوز له أن يعمل حتى يجد عملاً آخر، ويجوز له أن يأخذ تلك الأجرة لأنه محتاج إليها، وإن شاء الله لا يجد في نفسه حرجاً؛ لأن المسألة فيها خلاف وفيها روايات وذكرها ثقات العلماء – رضي الله عنهم – والله أعلم.

ادعاء المهدوية

السؤال
ما قولكم في الذي يدعي المهدوية على صفحات الإنترنت، وأنه هو المهدي المنتظر؟

أدعواه صحيحة أم ماذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً. اسم المهدي المزعوم: اللحيدي. بارك الله فيكم.

الجواب
هذا شخص غالباً أنه كاذب، وهو يدعي رتبة لم يبلغها، فالمهدي هو المتعارف عليه في كتب أهل السنة،

وهو رجل صالح يأتي في آخر الزمان، وهذا الرجل الصالح يكون إماماً للمسلمين عندما ينـزل عيسى ابن مريم – عليه السلام – ويصلي به، وعيسى – عليه السلام – يصلي خلفه، فإذا كان هذا الرجل يدعي أنه مهدي بمعنى أنه عالم يهدي الناس إلى طريق الحق، وكانت الدلائل تدل على أنه عالم فعسى أن يكون مهدياً من المهديين،

يعني من العلماء الهداة، إذا كان عالماً بالكتاب والسنة،بصيراً بهما متبعاً لسنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فهذه علامة هداية، أما إذا كان المراد بهذا هو ما ورد في كتب السنة من أخبار بعضها صحيح غير صريح، وبعضها صريح غير صحيح، وهي كلها تدل على ظهور رجل صالح في آخر هذه الأمة، وأن هذا الرجل الصالح يقوم بأعمال جليلة،

منها أنه سيكون إماماً للمسلمين عند نزول عيسى عليه السلام، فهذه العلامات التي ذكرت لعلها لا تتوفر في هذا الشخص، وهناك علامات كثيرة يمكن أن تراجع في كتاب التذكرة للقرطبي وفي غيره من الكتب، مع أن أكثرها ليس صحيحاً كما قلت. فهذه الدعوى غالباً أنها من نوع الكذب والدجل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

التفريق بين السنة والعادة

السؤال
بالنسبة لوضع الإثمد للعينين أو تطويل الشعر أو أكل الثريد وغيرها, هل هي عادات يحبها النبي صلى الله عليه وسلم,

أم عبادات نؤجر إذا اتَّبعناه فيها ؟.

الجواب
هذه الأمور بعض العلماء اعتبرها من العادات، وبعض العلماء قال: إن الوصف هو المطلوب فيه الاقتداء، بمعنى أن الطريقة التي وضع بها الإثمد في عينه، أو الطريقة التي أكل بها هي التي تعتبر من الشرع،

ولهذا قال صاحب مراقي السعود في نظم جمع الجوامع:

وفعله المركوز فيه بالجبلة *** كالأكل والشرب فليس ملة

من غير نفي الوصف، أي أن الأفعال المركوزة في الجبلة أي الأفعال الطبيعية ليست شرعاً، إلا أننا إذا لمحنا الوصف أي: الطريقة التي أتى بها بالفعل نقول: إن هذه الطريقة يستحب للإنسان أن يسلكها إذا كان يريد أن يضع إثمداً في عينه، فعليه مثلاً أن ينظر إلى الطريقة التي كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يضع الإثمد في عينه ويبدأ باليمنى … إلخ،

ولكن العلماء يختلفون في بعض الأفعال هل هي من العبادات أم من العادات، كحجه – صلى الله عليه وسلم – راكباً انظر ما رواه مسلم(1218) من حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما- وكضجعة الفجر، أي: أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يضجع بعد ركعتي السنة بينها وبين صلاة الفجر انظر ما رواه البخاري(626)،ومسلم(736) من حديث عائشة –رضي الله عنها- فهنا يختلف العلماء فبعضهم قال هذه من العبادة، وبعضهم قال إنها من العادة، فذهب الإمام أحمد إلى أنها مستحبة، وذهب الإمام مالك إلى غير ذلك، وقال: إنها من العادات،

ولهذا قال في مراقي السعود بأن هذه الأشياء يختلف فيها:

والحج راكباً عليه يجري *** كضجعة بعد صلاة الفجر

فالأمر سهل إن شاء الله، ومن شاء أن يفعله فذلك خير، ومن تركه فلا شيء عليه إن شاء الله.

تصرف الإمام في أموال المسجد

السؤال
هل يجوز لإمام مسجد أن يتصرف في أموال جمعها جماعة المسجد لإفطار الصائمين في رمضان وما زاد ينفق على مصالح المسجد؟

أن يتصرف بها بإدخالها في بناء بيوت المسجد بغير علم جماعة المسجد، وعندما سئل عنها قال إنه صرفها وسيعيدها، لكن متى لا أحد يعلم؟.

الجواب
الأصل ألا يتصرف الإمام في هذا الذي خصص من طرف المانحين أو الواهبين أو المتصدقين لإفطار الصائم،
الأصل ألا يتصرف فيه خارج هذا الأصل الذي خصصه له الناس، وإذا فضل عن إفطار الصائمين بحيث لم يوجد أحد يحتاج إليه فلهذا الإمام أن يتصرف فيه إذا كان مفوضاً من الجماعة في صرفه،
أما إذا كان موكلاً فقط على إفطار صائم، وليس مفوضاً من طرفهم فلا يجوز له التصرف بحال من الأحوال، أما إذا كان مفوضاً من طرفهم ولم يبق أحد من أهل هذا المصرف فله أن ينفقه في مصالح المسجد؛ لأن ما كان لله جاز صرف بعضه في بعض على خلاف بين العلماء، والكلام لابن سهل المالكي،
وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً إلى مثل هذا في الأوقاف وبأنه يجوز صرف بعضها على بعض من جهة المصلحة إذا وجدت مصلحة راجحة، لكن بهذه الشروط التي ذكرتها ومنها أن يكون مفوضاً من جهة الجماعة وألا يوجد أحد يحتاج إلى الإفطار من الصائمين، فإذا توفر الشرطان وكان فعلاً يصرفه في مصالح المسجد فله ذلك. والله أعلم.

رمضان واختلاف المطالع

السؤال
تواجهنا مشكلة كل عام، وهي بخصوص رؤية هلال رمضان، فبعض الإخوة يصومون مع بلاد الحرمين؛ لعدم الثقة في اللجنة هنا، لأنهم من جماعة التبليغ،

وهم هنود من بلد فيجي {figi} وهى تقع فوق نيوزلندة على خط الاستواء، فإننا لا نراهم يتحرون الرؤية، ولكن نراهم ينتظرون مكالمة تأتيهم من بلدهم تخبرهم بأن يصوموا أو لا،

وهنا الشباب افترق، فمنهم من يصوم معهم، ومنهم من يصوم مع السعودية، ودائما يكونون هنا متأخرين،

فأفيدونا جزاكم الله كل خير، وبماذا تنصحوننا؟ علماً أني في نيوزلندة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته…

الجواب
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلِ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد…

 مسألة الهلال مسألة اختلف العلماء فيها بين قائل أن رؤية الهلال إذا ثبتت في بلد من البلاد تعم جميع الأقطار، وهذا ما ذهب إليه بعض المالكية حيث يقول خليل: وعم إن نقل بهما عنهما ” أي: عم جميع الأقطار إذا نقل بعدلين عن عدلين، فإذا رؤي وثبت الهلال في مكان ما فإن هذه الرؤية تعم.

القول الثاني: هو أن الأقطار المتنائية لا يثبت الهلال في بعضها برؤية البعض الآخر، وهذا ما ذهب إليه كثير من العلماء أيضاً، وهو مبني على حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – وهو في مسلم (1087) –

وبوب عليه النووي : باب بيان أن لكل بلدٍ رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلدٍ يثبت حكمه لما بعد عنهم – بإسناده عن كريب، أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية – رضي الله عنه – بالشام، قالت: فقدمت الشام فقضيت حاجتها، واستهلَّ عليَّ رمضان وأنا بالشام، فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – ثم ذكر الهلال فقال: متى رأيتم الهلال؟ فقلت: رأيناه ليلة الجمعة، فقال: أنت رأيته؟ فقلت: نعم، ورآه الناس، وصاموا وصام معاوية –رضي الله عنه-، فقال: لكنا رأيناه ليلة السبت، فلا نزال نصوم حتى نكمل الثلاثين، أو نراه، فقلت: أولا تكتفي برؤية معاوية –رضي الله عنه- وصيامه؟ فقال: لا، هكذا أمرنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم -.

وحينئذٍ لا يعمل بالرؤية البعيدة، وبخاصة إذا كان البلدان لا يشتركان في ليل واحد، بحيث أنه ينقضي الليل في أحدهما قبل وصوله إلى المكان الآخر،

ففي المسألة خلاف بين العلماء، وحتى في المجامع الفقهية، حيث قرر المجمع الفقهي بأن الاعتبار بالرؤية، وأنه يستأنس فقط بالحساب الفلكي الذي يعتمد على سير القمر وعلاقة القمر بالأرض وبالشمس.

القول الثاني: يقول إن الحساب قطعي وأنه يعتمد عليه، فهو يثبت الحساب على هذا الهلال، وهذا ما ذهب إليه المجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء. فالمسألة واسعة إن شاء الله، فيمكنهم أن يصوموا إذا شاؤوا مع السعودية أو مع أي بلد آخر إذا ثبتت الرؤية فيه ثبوتاً شرعياً، كما يمكنهم أن يتحروا الهلال في بلدتهم أو في مكان قريب من بلدهم، حيث قلنا إن تنائي الأقطار يمنع من اعتبار الرؤية في مكان آخر، مع الاستعانة بالفلك وبالمراصد أيضاً، ففي هذا الزمان تطور هذا العلم تطوراً كبيراً، بحيث كما يقول البعض: إن الإبرة إذا أرسلت في الجو يمكن الاهتداء إليها، فكيف بالقمر الذي يكون قد ولد أو خرج من الاقتران، وخرج من شعاع الشمس، أي: بعد ساعتين أو ثلاث ساعات من خروجه من شعاع الشمس فإنه يرى، إذا كان خرج منه في وقت يمكن أن يرى في ذلك المكان.

إذاً فالمسألة واسعة، نرجو من المسلمين ألا يختلفوا، فمن منهم قلد من يقول: إن تنائي الأقطار مانع من الاتباع فإنه قد قلد قولاً قوياً، ومن قلد كذلك القول الذي يقول بأن رؤية أي بلد تنسحب على البلد الآخر فهو قول أيضاً جيد، ومن استأنس وبحث عن الحساب الفلكي ليثبت به أو ليؤكد به رؤيته فهذا أيضاً دليل جديد قد يساعد كثيراً على الترجيح.

إلا أنه إذا رئي الهلال قطعاً وقال الحساب الفلكي إنه لا يرى فحينئذ لا نعتمد على الحساب الفلكي، خلافاً للمجلس الأوربي الذي قال بالاعتماد على الفلك حينئذ، إذا رأته مستفيضة أي جماعة كبيرة فإننا نقدم الرؤية على الحساب الفلكي.

هذا باختصار ما نراه في هذه المسألة، ونوصي بعدم الافتراق وعدم الاختلاف، وأن يتباحثوا فيما بينهم، ويتفقوا على إحدى الطرق التي ذكرناها، فكلها منصوصة في كتب أهل العلم.

إنشاء مدرسة لتعليم الإنجليزية

السؤال
ما حكم فتح معهد لتعليم اللغة الإنجليزية،ليس للربح المادي فقط ولكن للمشاركة قدر المستطاع في إعداد جيل مسلم متحصن بعقيدته ومعتزاً بثقافة أمته، يحمل هم نشر دينه، ويدعو إليه باللغة الإنجليزية، ويواجه عصر العولمة مع وجود عقبات كثيرة مثل المناهج أحاول حلها مع مرور الزمن بتكوين لجان لتعديلها والاستفادة منها؟ 

وجزاكم الله كل خير.

الجواب
تعليم اللغات الأجنبية أمر لا بأس به، وليس حراماً ولا مكروهاً، إلا إذا وقع عارض أو لسبب آخر غير تعلم اللغة، بل قد يكون مندوباً وقد يكون واجباً، فقد جاء في الحديث: “أن النبي – صلى الله عليه وسلم- أمر زيد بن ثابت –رضي الله عنه- أن يتعلم كتاب اليهود ومعنى كتاب: (لغة)، وهذا الحديث رواه البخاري تعليقاً كتاب: الأحكام، باب: ترجمة الحكام،

وهل يجوز ترجمان واحدٌ، وهذا أصل في تعلم اللغات؛ لأن تعلم اللغة كما يقول السائل قد يساعد الأجيال على الدعوة، وعلى الوقوف أمام الشبهات التي يثيرها الأعداء، وعلى التعرف على آرائهم وتوجهاتهم الفكرية، وعلى مخططاتهم أيضاً وما ينوونه للأمة الإسلامية، وعلى العلوم النافعة التي قد تكون عند هؤلاء فلا مانع من ذلك إن شاء الله –تعالى-،

وفيه الأجر إذا خلصت النية وصلح العمل.

التبايع بعد أذان الصلاة غير صلاة الجمعة

السؤال
هل يجوز إبرام عقد بيع أو شراء وقت الصلاة (أي بعد الأذان) خلاف الجمعة ؟

وما حكم العقد في هذه الحالة؟ وهل يختلف الحكم في حال كان أحد الطرفين أو كلاهما غير مسلم. أفتونا مأجورين.

الجواب
النهي الذي ورد يتعلق بصلاة الجمعة بقول الله – جل وعلا-: “يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع” [الجمعة: 9]

فهذا النهي عن البيع خاص بصلاة الجمعة، أما غيرها من الصلوات فيجوز عقد البيع أما إذا كان يشغل عن الصلاة ويلهي عنها فشغله عن الصلاة غير جائز، لكن هذا لا يؤثر على العقد بين مسلمين أو بين مسلم وغيره، فالعقد صحيح ولا إشكال في ذلك.

صرف الزكاة لبناء معاهد ازهرية

السؤال
هل يجوز صرف أموال الزكاة في بناء المعاهد الأزهرية؟

مع العلم بأن حاجة الطلاب في بلدتنا ملحة إلى ذلك النوع من التعليم والذي لا تدعمه الدولة.

أفتونا مأجورين أثابكم الله.

الجواب
هذه المسألة اختلف العلماء فيها، فبعض العلماء يرى مصرف: (في سبيل الله) وهو أحد المصارف الثمانية المذكورة في القرآن الكريم يُعطى للمعاهد، وكذلك نفقات التعليم وبناء الطرق، وبناء المستشفيات وأن هذا كله يدخل في مصرف في سبيل الله، لكن جمهور العلماء يروى أن “في سبيل الله” [التوبة:60] مختصه بالجهاد، أو بالحج،

فقالوا: إن هذا المصرف مختص بهذا، فكما قلت إن مصرف في سبيل الله من المصارف الثمانية يغطي كل ما كان في سبيل الله وممن قال ذلك القفال من الشافعية، ومن المتأخرين الشيخ محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا؛ ومال إليه بعض العلماء المعاصرين، فيكون من الجائز بناء هذه المعاهد الأزهرية من مال الزكاة، لكن المشهور والراجح والذي عليه الجمهور أن الزكاة هي تمليك للفقير، أو للغازي أو يشترى منها السلاح والكراع، كما يقول مالك، وأن هذا المصرف لا يغطي كل هذه الأشياء بل ينبغي أن تبنى هذه المعاهد على صدقات التطوع أو الأوقاف، والله أعلم.

الاحتفال باليوم الوطني

السؤال
أصحاب الفضيلة المشايخ: سؤالي يا أصحاب الفضيلة عن اليوم الوطني، هل يجوز حضور الحفل؟

وإذا ألزمنا به كأعضاء سفارة ماذا علينا فعله؟

وهل يجوز لنا الحضور بنية إلقاء كلمة ذكر أو محاضرة نذكر فيها بطاعة الله ورسوله -عليه السلام-؟ أرجو إعطائي نصيحة ألقيها في هذا اليوم، أرجو الرد بأسرع وقت لأن اليوم الوطني قرب وأنا محتارة ولا أعرف ماذا أقول لزوجة السفير إذا دعتني؟.

الجواب
اليوم الوطني ليس عيداً، والأعياد التي لا يجوز إحداثها هي الأعياد الدينية وليست التجمعات التي يتجمع الناس بها لسبب أو لآخر، قد يحتفلون بالزواج وقد يحتفلون بالولادة، وقد يحتفلون بأي شيء فهذا ليس من الأعياد الدينية، لهذا يجب أن نزيل هذا الوهم، وهذه الشبهة التي يتعلق بها كثير من الناس، فيدخلون على الناس حرجاً وشغباً في دينهم، بحيث يصبح المتدين أو الملتزم في حرج يشعر وكأنه يأتي كبيرة ويأتي منكراً، هذا ليس بمنكر،

فالأصل في الأشياء الإباحة، فلا حرج عليك أن تحضري فقد أجاز الحنابلة – رحمهم الله تعالى- العتيرة وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يعملونها في رجب كرهها المالكية باعتبار أنها كانت فعل الجاهلية ولكن الحنابلة أجازوها؛ لأنه لا يوجد نص يمنع من ذلك. أهل الجاهلية كانوا في رجب يذبحون ذبيحة اسمها الرجبية، واسمها العتيرة، فبعض العلماء يرى أن هذا باق على أصل الجواز، فإذا اجتمع الناس وذبحوا ذبيحة في رجب أو في شعبان أو في أي زمن فهذا لا مانع منه أن يحتفل الناس أو يفرحوا بحدث زوال الاستعمار في بلد مثلاً، هذا ما يسمى باليوم الوطني غالباً عندنا في أفريقيا، أو في البلاد التي كانت مستعمرة، فالأمر إن شاء الله لا حرج فيه،

أما إذا كان ينبغي لك أن تلقي محاضرة فهذا شيء حسن إذا كانت المناسبة تسمح بإلقاء محاضرة أو خطبة تذكير ونحو ذلك فهذا لا بأس به، أما أن نتشبث: بأن أبدلنا الله عيدين، هذه أعياد كانت للأنصار وكانت أعياد جاهلية وأصنام، فالنبي – صلى الله عليه وسلم- ذكر أن أعياد الإسلام الدينية عيدان عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذا لا يفهم منه أنه يمنع أن يتجمع الناس في تجمع حتى ولو كان كرهه المرء ورأى أنه إذا لم يكن هناك منكر فلا داعي إلى التشويش على الناس، وإثارة بعض الفتن والخصومات في أمور ليست ممنوعة، نصاً من كتاب أوسنة، ولا إجماعاً للعلماء ولا اتفاقاً داخل المذاهب، لأن التيسير في مثل هذه الأمور التي لا حرج فيها قطعاً، والأقوال التي تقول تحرج لا تستند إلى قاطع وهي أقوال ضعيفة ، فلا مانع من أن نفسح للناس المجال وأن نيسر لهم، فاليسر أصل من أصول هذا الدين “،                                                                                       “وما جعل عليكم في الدين من حرج” [الحج: 78]،

“يريد الله أن يخفف عنكم” [النساء: 28]،

“فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا” [الشرح: 5-6]،

“يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا” رواه البخاري(69)، ومسلم(1734]

من حديث أنس –رضي الله عنه-، فالأصل في هذا الدين اليسر نكررها مرة أخرى،

والاجتهادات الأخرى للعلماء اجتهادات محترمة، لكنها ليست نصوصاً من الشارع. والسلام عليكم.

ترك الجمعة انسجاماً مع جهة العمل

السؤال
زوجي يعمل في لندن في شركة وطلب من صاحب الشركة أن يصلي الجمعة في المسجد فرفض طلبه، وبذلك لا يقدر أن يصلي الجمعة نهائياً، فماذا عليه أن يعمل؟

وما حكم تركه لصلاة الجمعة مضطراً؟ وجزاكم الله خيراً.

الجواب
صلاة الجمعة واجبة بالكتاب والسنة، فالله سبحانه وتعالى – يقول : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ” [الجمعة:9]،

والنبي – صلى الله عليه وسلم – يحذر من ترك الجمعة، وأن من تركها ثلاث جمعات ختم الله على قلبه، فصلاة الجمعة واجبة،

لكن أمر زوج هذه المرأة ينظر إليه من زاوية أخرى وهي أنه إذا كان لا يستطيع أن يجد عيشاً إذا لم يعمل مع هذا الرجل فقد يكون معذوراً، بشرط ألا يستطيع أن يجد ما يقتات به، بحيث أن رزقه يتوقف على هذا العمل، فيكون معذوراً في ترك الجمعة، ويصليها أربعاً حتى يجد عملاً آخر،

هذا الذي يظهر لنا في هذه المسألة بناء على ترتيب المصالح والمفاسد، وأن الجمعة لها بدل هو الصلاة أربعاً.

ولأن العلماء أجازوا ترك الجمعة للوحل وللمطر وللمرض أو التمريض ونحو ذلك راجع شروح خليل المالكي عند قوله:”وعذر تركها( الجمعة) والجماعة شدة وحل ومطر أو جذام ومرض وتمريض..” فمسألة السائل تخرج على ذلك . والله أعلم.

من وصلتهم رسالة الإسلام من الكتابيين

السؤال
سؤالي أيها الشيخ الفاضل عن المشركين وأهل الكتاب الذين وصلتهم رسالة الإسلام،

أو سمعوا بها ولم يؤمنوا بها، وكذلك الذين لم تصلهم ولم يسمعوا بها، وعن النصارى الموحدين،

ولكنهم على دين عيسى -عليه السلام-، ما حكم كل أولئك؟ وهل هم من أهل الجنة أم النار، أفيدونا جزاكم الله خيراً.

الجواب
يقول الله سبحانه وتعالى: “وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ” [آل عمران:85] ،

والنبي – صلى الله عليه وسلم – يؤكد ذلك بأنه لا يسمع به يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن به إلا كان من أهل النار، انظر: ما رواه مسلم (153) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-

فمن بلغته الرسالة ولم يؤمن بها فهذا لا ينجو من الله -سبحانه وتعالى-، فهو من أهل النار؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: “وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ” [الأنعام: من الآية19]، أي: ومن بلغه هذا القرآن فهو منذر به،

فرسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – ناسخة لكل الرسائل ولكل الرسالات التي سبقتها، فهو الخاتم وهو المهيمن أي: المؤتمن على الرسالات السماوية، فهذا هو الذي نؤمن به.

بالطبع ترتب أحكام على هذا وتترتب علاقات على هذا لها أحكام أخرى وعلاقات، فيمكن للإنسان أن يقيم علاقات مع هؤلاء في الدنيا بحسب مصالح المسلمين ودرء المفاسد عنهم فهذا أمر آخر، أما الاعتقاد القلبي فكل صاحب عقيدة يعتقد أنه على الحق، فلا تكون العقيدة عقيدة إلا بهذا الاعتقاد، فنحن نعتقد اعتقاداً جازماً بأننا على الحق الذي لا يشوبه باطل ولا يعتريه وهم، بهذا يصح أن يكون الإيمان صحيحاً ويكون الإيمان ثابتاً، فمن لم تبلغه الرسالة فهذا يشبه أهل الفترة، وأهل الفترة اختلف العلماء فيهم على قولين: القول الأول: يقول إنهم يعاقبون فيما يتعلق بالعقائد، ولا يعاقبون فيما يتعلق بالفروع، وهذا القول ذكر بعض العلماء عليه الإجماع كالقرافي،

وقال صاحب مراقي السعود:

ذو فترة في الفرع لا يراع ***وفي الأصول بينهم نزاع

لأنه ليس مطالباً بفروع الشريعة، وإنما بالنسبة لأصول الشريعة وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر فاختلف العلماء بشأنه، فيشبه من كان في جزيرة ولم يعلم برسالة النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم تصله هذه الرسالة يشبه أن يكون كهؤلاء، وقد يبعث يوم القيامة فيعرض عليه، كما جاء في أحاديث ذكرها ابن كثير أيضاً، فالمسألة فيها تفصيل ذكره العلماء – رحمهم الله تعالى –

 

الهدايا المقدمة من البنوك الربوية

السؤال
أحضر لي بنك معروف بأنه ربوي بعض الأدوات المكتبية والأقلام، (على شكل هداياً يقدمها لعملائه)، علماً بأن لي حسابا لديهم،

فهل يجوز لي استخدامها، وإذا كان الجواب بالحرمة، ماذا أفعل بها؟ علماً بأن من بينها أدوات قيمة، وفقكم الله لكل خير.

الجواب
أولاً: على السائل إذا كان يريد أن يستبريء أن يكون حسابه في بنك غير ربوي.

ثانياً: هذه الأدوات إذا كان السائل يريد أن يحتاط لنفسه فعليه أن يتصدق بها ويقدمها للمحتاجين بنية التخلص.

مع أنه يمكن أن يحتفظ بهذه الهدايا على قول قوي للعلماء من جواز قبول الهدايا من المرابي بلا حرج وهو مروي عن ابن مسعود وغيره.

 

خدمة الزوج وزيارة الجيران

السؤال
امرأة متزوجة لا تخرج من بيتها لزيارة جيرانها إلا نادرا جدا بسبب انشغالها بأطفالها.

ولأن زوجها يعود من عمله عصرا وهو وقت الزيارة المتعارف عليه في بلدها وتكره أن تخرج وتتركه دون رعاية.

هل هي آثمة لأنها لا تصل جيرانه ولا تسأل عنهم ؟ وجزاكم الله خيرا.

الجواب
ليست آثمة – إن شاء الله – إذ عذرها ما ذكرت، لكن عليها أن تتفقد جيرانها، وتتعرف على أحوالهم ولو عن طريق الاتصال بالتلفون بجارتها، أو تهدي إليها إذا طبخت طعاماً أو عملت ذبيحة أو وليمة ونحو ذلك،

فعليها أن تهدي إلى جيرانها من ذلك، فهذا هو حقهم إن شاء الله، والله أعلم.

 

الكشف عن موضع البول للتأكد من الطهارة

السؤال
أنا شاب تعودت أن أكشف عن موضع البول في ملابسي للتأكد من طهارتها، ولكني أجد بقعاً أشك أنها من البول، أو أنها ناتجة من الأوساخ، وحدثتني نفسي أن أذهب إلى الطبيب للتأكد، و بعد الاستخارة انصرفت عني الفكرة ، ولا زلت متحيرا.

وهل يصح لي أن أستخير الله إذا شككت في طهارتي أفيدوني جزاكم الله خيراً.

الجواب
استخارة الله – سبحانه وتعالى – دائماً فيها خير، لكن الاستخارة هي في الجائزات، وليست في الواجبات ولا المندوبات ولا المحرمات والمكروهات، فالواجب والمندوب عليك أن تفعله لا تحتاج إلى استخارة، والمكروه والمحرم عليك أن تتركه لا تحتاج إلى استخارة.

وأما بالنسبة لسؤال السائل فيبدو أنه مصاب بالوسوسة، وحينئذ فعليه أن يعرض عن الوسوسة، وقد يأخذ بقول مالك – رحمه الله تعالى – الذي يرى أن يرش الثوب رشاً وهو ما يسمى بالنضح، لإزالة هذه الوسوسة عنه عليه أن يرش الثوب رشاً وذلك مذهب الإمام أحمد، والأصل هو الطهارة،وبالتالي هذا الأصل لا يزول عنه إلا بيقين فالثوب طاهر حتى يثبت خلاف ذلك بيقين، والله أعلم.

 

مفهوم الجهاد في الإسلام


 
مفهوم الجهاد في الإسلام

محاضرة القيت للجالية الاسلامية في بريطانيا سنة 2007م

إن هذه الكلمة الجميلة كلمة الجهاد كلمة بالغ فيها البعض إفراطا وتفريطا  

لعلنا في هذه الكلمة نتطرق باختصار أولا : إلى مفهوم الجهاد لغة واصطلاحا ومبرارته في القرآن الكريم

ثانيا: بعلاقة المسلم بالآخر

ثالثا: بالثقافة التي ينبغي أن نلقنها أجيالنا الصاعدة في دار المهجر

   الجهاد هو مصدر من جاهد جهادا ومجاهدة ومعناه استفراغ الوسع أي بذل أقصى الجهد للوصول إلى غاية في الغالب محمودة .

 وهو في الإسلام كما يقول الراغب في مفرداته يغطي ثلاث ميادين أو هو على ثلاثة أضرب حسب عبارته :

1-  مجاهدة العدو الظاهر.  2- مجاهدة الشيطان.   3- مجاهدة النفس .

والمعنيان الأخيران وردا في أحاديث منها ما رواه الأمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن فضالة عن عبيد أنه صلى الله عليه وسلم  قال : والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله عز وجل.” وهو حديث حسن .

 وقد جاء في حديث ضعيف رواه البيهقي عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال- عند عودته من آخر غزوة له تبوك : رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر .

 وفسره بمجاهدة الهوى وخدمة الوالدين جهاد قال عليه السلام : ففيهما فجاهد.”

أما المعنى الأول وهو جهاد الناس فهو المعنى الأكثر انتشارا وهو جهاد غير المسلمين الذي يعني عمليات القتال والحرب والذي وردت فيه آيات كثيرة وأحاديث في فضله وشروطه وضوابطه وكانت  له ممارسات في التاريخ بين المسلمين وغيرهم لا تزال أصداؤها تتردد في أسماع التاريخ ومازالت إلى يومنا هذا موضوع أخذ ورد إفراطا وتفريطا وإعجابا وشجبا فكم من أناس برروا حروبا عدوانية ومطامع دنيوية بدعوى الجهاد وكم آخرون فرطوا في الجهاد فتقاعسوا عن ردِّ العدو ونكصوا عن مقارعة العدو فكانت النتائج وخيمة وكم حركات غير منضبطة بضوابط الجهاد شوهت سمعت الإسلام وأورثت المسلمين عنتا وضياعا .

 وكم متجنٍ على الإسلام معتبرا أن الجهاد لا ينتظر مبرراً وأنه دعوة إلى القتال الدائم ضد غير المسلمين كما يقول القس هانز فوكنج في مقاله المنشور بجريدة ألمانية في فرانكفورت 1991م كما يحكيه مراد هوفمان .

وأمثال هذا في المقالات الاستشراقية كثير وهم بذلك يبررون حرباً عدوانية ضد المسلمين لتمدينهم وجعلهم مسالمين.

 والحق أن مفهوم الجهاد في الإسلام ليس مرادفا دائما للقتال فالجهاد مفهوم واسع فهو دفاع الحق ودعوة إليه باللسان وهذا هو المعنى الأول قال تعالى: ( وجاهدهم به جهاداً كبيراً ) في سورة الفرقان أي بالقرآن الكريم أقم عليهم الحجة وقدم لهم البرهان تلو البرهان ومعلوم أن تلاوة القرآن لا تتضمن أعمالا حربية فليس كل جهاد قتالا وليس كل قتال جهادا والجهاد دعوة إلى الحرية .

 إلا أن الجهاد قد يكون أعمالاً حربية كما أن هناك أعمالاً حربية    ولهذا قسم ابن خلدون الحرب إلى أربعة أنواع وذلك حسب دوافعها قائلا: إن أصل جميع الحروب إرادة الانتقام نوعان منها حروب بغي وفتنة : حرب المنافسة (التوسع) وحرب العدوان التي تقوم بها الأمم المتوحشة .

 ونوعان عادلان : حرب غضب لله تعالى ودينه وهي جهاد .

وحرب على الخارجين عن السلطان وهي حرب للعناية بالملك كما سماها.

 وبناء على الآيات العديدة في مختلف الفترات وهناك آيات أخرى ( يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم )   73)

 ( فإذا الأشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) التوبة 5)

ومن يراجع أسباب النزول وتاريخ تطور النزاع بين الإسلام وخصومه يمكن أن   أنه لا تعارض بين هذه الآيات والآيات التي تحدد هدف القتال بأنه دفاعي وأنه لا يجوز اقتطاع الآيات عن سياقها الكلي كما يحاول المستشرقون وتلاميذهم أن يفعلوه .

 وبهذا المنطق يمكن اعتبار المسيحية دين حرب إذا حكمنا عليها من خلال الفقرة 24 الواردة في إنجيل متى الإصحاح العاشر مما نسبه إلى سيدنا عيسى عليه السلام ( لا تظنوا أني جئت لألقى سلاماً على الأرض ما جئت لألقى سلاما بل سيفاً) .

 فالحرب في الإسلام إنما هي حرب دفاعية وليست لإجبار الناس على الدين

 وقال ابن تيمية : إن الحرب الإسلامية إنما هي حرب دفاعية لأن أصل العلاقة مع غير المسلمين هي المسالمة . وأن غزوات النبي صلى الله عليه وسلم   ترجع إلى هذا المعنى عند التأمل .

 دفاعا عن المسلمين والمستضعفين وليست هجومية بلغة العصر وإنما كانت لإنقاذ المستضعفين وقد شرح الشيخ الجليل أبو زهرة – في كتابه ابن تيمية – وجهة نظر شيخ الإسلام ابن تيمية شرحا ضافياً .

 وكذلك أشار العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله تعالى إلى ذلك عند قوله تعالى ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) أنه تنبيه على أن القتال المأذون فيه هو قتال جزاء على اعتداء .

 وقال في آخر شرحه : وكان هذا شرعاً لأصول الدفاع عن البيضة .

وقد نبه ابن عاشور على أن غزوة تبوك إنما كانت رداً على هجوم محتمل من الروم بالشام كما يدل عليه حديث عمر في الصحيح عندما جاءه أخوه من الأنصار في بيته في وقت لم يكن يأتيه فيه فقال عمر أجاء صاحب غسان لأنهم كانوا يتوقعون غزوا من أحد ملوك غسان بالشام مدعوما من الروم .

 وقد اختلف العلماء في وجوب الجهاد فقال كثير من العلماء إنه فرض كفاية وقال بعض العلماء كالإمامين ابن أبي شبرمة والثوري و أبي عمر بن عبد البرِّ ليس واجبا

 الطلب .. وهو جهاد يقرره الخليفة ( السلطة) لردع الدول المجاورة للدولة المسلمة عن التفكير بالإخلال بالأمن على الحدود وليس من شرطه وقوع حرب بل تهديد واستعراض للقوة وإعداد للقوة وتمرين للجيوش وليس الغرض منه إجبار الناس على تغيير دينهم بل في غالب الأحوال على معاهدات لتأمين الحدود وحسن الجوار وبالتالي ليصبح الجار دار هدنة وصلح وعهد وليس دار حرب وهو أمر سلطاني لا دخل للإفراد والجماعات إلا بحكم كونهم جيوشا أو أعضاء في المجتمع بحيث عليهم أن يؤدوا خدمتهم العسكرية إذا صدر إليهم الأمر” وإذا استنفرتم فانفروا” كما قال عليه الصلاة والسلام .             

وإذا كان هذا مرغبا فيه فلأن الإسلام يعتبر كل أعمال الإنسان الهادفة التي تدعو إلى الخير طاعة لله .

ولم يتحرك المسلمون في جهاد طلب منذ أكثر من ثلاثمائة سنة تقريباً منذ إنتهاء حصار عن فينا 1683م وبعد ذلك كانت مستعمرات الخلافة في البلقان واليونان تثور من وقت لآخر بل كل قتالهم كان في بلادهم وعلى أرضهم  

 وهذا يشبه ما ذكر في المواد الأولى من ميثاق الأمم المتحدة ( يراجع المحمصاني) حول المحافظة على الأمن العادل

أما الجهاد الدفاعي فهو محل اتفاق وهو الذي تشير إليه الآيات القرآنية العديدة مبينة أسبابه وهو الظلم المتمثل في الطرد عن الديار والحجر على الحرية الدينية ( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا ) الآية الحج 29)

وهذه الآية يعتبرها المفسرون أول آية نزلت في القتال  يقول ابن هشام في سيرته  في شرحه لسبب نزول هذه الآية : بسم  الله الرحمن الرحيم قال : حدثنا أبو محمد عبد الملك بن هشام قال:  حدثنا زياد بن  عبد الله البكائىّ عن محمد بن إسحاق المطلبي : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم   قبل بيعة  العقبة لم يُؤذن له في الحرب ولم تحلل له الدماء إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل وكانت قريش قد اضطهدت من اتبعه من المهاجرين حتى فتـنوهم  عن دينهم ونفوهم من بلادهم فهم من بين مفتون في دينه ومن بين   معذب في أيديهم وبين هارب في البلاد فراراً منهم . منهم من بأرض الحبشة ومنهم من بالمدينة وفي كل وجه فلما عتت قريش على الله عز وجل وردّوا عليه ما أرادهم به من الكرامة وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلم   وعذبوا ونفوا من عبده ووحده وصدق نبيه واعتصم بدينه أذن الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم   في القتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم فكانت أول آية أنزلت في إذنه له في الحرب وإحلاله له الدماء والقتال لمن بغى عليهم فيما بلغني عن عُروة بن الزبير وغيره من العلماء قول الله تبارك وتعالى: ( أُذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير الذين أُخرجوا من ديارهم بغير حقّ إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامعُ وبيعُُ وصلواتُُُ ومساجدُ يذكر فيها اسم الله كثيراً  ولينصُرنّ الله من  ينصُرهُ إن الله لقويُّ عزيزُ الذين إن مكنّاهُم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور )

أي أني إنما أحللت لهم القتال لأنهم ظلموا ولم يكن لهم ذنب فيما بينهم وبين الناس إلا أن يعبدوا الله وأنهم إذا ظهروا أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر يعنى النبي صلى الله عليه وسلم   وأصحابه رضي الله عنهم أجمعين .( ابن هشام : السيرة النبوية 467)

والسبب الآخر هو إنقاذ المستضعفين وإسعافهم وهذا ما تشي إليه آية سورة النساء ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها وأجعل لنا من لدنك ولياً واجعل لنا من لدنك نصيراً )

 والسياق الثالث  : رد العدوان

( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين ) البقرة19)

  وقد اعتبرها ابن جرير أول آية نزلت في القتال ومعناها ليس أن تشن حرباً فعليك ردُّ عدوانه وذلك في سبيل الله لأنك تدافع عن نفسك وأنت مظلوم فأنت على حق .

 وفي هذا المعنى من رد العدوان وإيقاف الظالم عند حده دون زيادة ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ) النحل

( ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير حق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك من عزم الأمور )

 نلاحظ في الآيتين الأخيرتين الإشادة بفضيلة الصبر والتسامح بعد الإذن  بالدفاع ضد الظالم وعدوانه .

هذه الحرب التي تخضع لكل معايير الفضيلة – ردّ على العدوان.لا إفراط فيه في استعمال القوة. إسعاف للضعفاء. إفساح المجال للحرية الدينية – لها ضوابطها الشديدة في الحفاظ على المدنيين والضعاف والعمال الفلاحين والأجراء ورجال الدين والنساء ما كانت هذه     

 والحافظة على الأشجار المثمرة وعلى الحيوانات والمنع من حرق الغابات وإيذاء غير المقاتلين واحترام المعاهدات احتراما شديدا حتى ولو كانت في بعض الأحيان تبدو مجحفة إنها حرب نظيفة – فيها قيادة واحدة وليست لعبة دموية يقوم فيها الجيش بفتل من يشاء وينهب ما يشاء ويهجم ويغير على من يشاء

  إنها حرب ضرورة إنها بلغة العصر حرب يؤيدها القانون الدولي والمعاهدات الدولية ميثاق الأمم المتحدة فلنقرأ في المادة 51 ما يلي :

 

اتفاقيات حلف شمال الأطلسي في المادة الخامسة : تعتبر أطراف  الإتفاقية أن أي هجوم عسكري ضد أي منها يقع في أوربا وأمريكا الشمالية موجهاً ضد جميع الأطراف وتعتبر في حالة وقوع ذلك أن كل واحد منها يمارس حق الدفاع المشروع فردياً وجماعياً المعترف به  “الدفاع الشرعي” في المادة الحادية والخمسين من ميثاق الأمم المتحدة يساعد كل منهم الآخر فرديا أو باتفاق الأطراف في أي

أما أنتم هنا في الغرب فجهادكم هو العمل بجدية لتحسين صورة الجالية المسلمة والعمل على منع الجريمة ومكافحة المخدرات وتربية أولادكم تربية سليمة أوصلوا إليهم القيم الدينية وهذه المشكلة الأساسية لكل الجاليات في العالم والإحسان إلى جيرانكم من غير المسلمين وإبراز محاسن الخلق الإسلامي الجميل من أداء الأمانة وإتقان العمل في المصانع والكلمة الطيبة ومساعدة الضعفاء وإسعاف المرضى  مهما يكن دينهم هذه أخلاق الطائفة المسلمة في مكة نحن نعيش في العهد المكي .

( التوازن في الشخصية وهو توازن يحترم العزة والشجاعة ولكنه يستبعد التهور واللامنطقية والفوضى وهذا هو الاعتدال .

 عليكم أن تندمجوا الاندماج الواعي وأن تكونوا في حلف الفضول أن تشجعوا الأخلاق بل أقول القيم الجمهورية أن تدافعوا عن حقوق الإنسان أن تتبنوا أجمل ما في هذه الحضارة من ديمقراطية وحقوق إنسانية ومدنية وتضامن وتكافل وتقدموا لهم أحسن ما عندكم بالحكمة والموعظة الحسنة وإن المسلم الجيد هو المواطن الجيد.

 إن التعددية الفكرية والعلمانية في مفهومها الأصلي هي الجمهورية التي توفر التعايش للمقيمين على هذه الأرض .

 لا تنسوا حديث فديك يفديك…..

 حسنوا علاقاتكم بالمجتمع عيشوا همومه الأمنية والاقتصادية بذلك تبرهنوا أنكم منه فعلا وهذا لا يمنعكم من التضامن مع القضايا العادلة في العالم العربي والإسلامي كقضية فلسطين فساعدوها بالمال والدعاية دون إخلال بالأمن في بلدكم  بل عليكم أن تكسبوا الشعب الفرنسي والحكومة والبرلمان والشعوب الأوربية .

 فجهادكم الدقيق هو أن تحافظوا على أخلاقكم الإسلامية وشعائر دينكم وأن تتعلموا دينكم وتعلمون أبناءكم دون أن توقظوا العنصرية والعداء وأن تندمجوا في الحضارة وأن تكونوا على وفاق مع النظام العام في هذا البلد عليكم أن تدرسوا القوانين في هذا البلد

المرأة قال تعالى ( من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى …..)

وقال تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) فأثبت الولاية المتبادلة .

وجاء في الحديث : النساء شقائق الرجال “.

 ولهذا قال الإمام الشاطبي إن الرجل والمرأة متساويان في أصل التكليف ومفترقان في التكليف اللائق بكل واحد منهما كالحيض والنفاس.

 وهناك مساواة في الميراث في آية أخوة الأم ( وإن كان رجلا يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث )

 والمرأة تجب نفقتها على زوجها إن كانت زوجة وعلى ابنها إن كانت أماً .

وشهادة المرأة قد تكون بشهادة الرجلين في المسائل المختصة بها عند بعض الأئمة كالإمام احمد .

 ولهذا فنهيب بالناقدين أن ينظروا إلى الشريعة الإسلامية كوحدة واحدة وأن يهتموا بتفسير علماء المسلمين الذين يمثلون المرجعية المعتبرة