ارشيف ل March, 2011

حوار مع عكاظ

العلامة عبد الله بن بيه يشارك في اجتماع فاس للعلماء والمفكرين

شارك العلامة عبد الله بن بيه في اجتماع العلماء في مدنية فاس التي تقع في أقصى شمال شرق المغرب، والذي تنظمه جمعية الطريق الوسط (Radical Middle Way) بالتنسيق مع وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية المغربية، ابتداء من يوم الخميس 5 ربيع ثاني 1432هـ الموافق 10 مارس 2011م، ولمدة ثلاثة أيام، حيث اجتمع في الملتقى علماء ومفكرين مرموقين من عدة دول، لمواصلة بيان رسالة الإسلام السامية، رسالة الرحمة والسلام والتعايش والعدل. كما يهتم بتقوية ورفع الصوت الحقيقي والأصيل لرسالة الإسلام المنزهة عن جميع أشكال التفريط او الإفراط

وقد ركزاللقاء على خمس محاور اساسية:

• تعزيز العمل بمفهوم الوسطية في الإسلام.

• فهم جميع أشكال التطرف وأفضل أساليب الرد عليها.

• كيفية مجاراة مستجدات العصر في عالم متنوع من خلال استعادة الفقه الإسلامي المتعلِّق بأدب الاختلاف وتطبيقه في الواقع.

• التحديات التي تطرحها قضايا تغير المناخ والترابط الاجتماعي والتعايش السلمي.

• التحديات والفرص المتعلِّقة بالإسلام في الغرب وإمكانيات التعامل والمشاركة بين الأغلبية والأقلية.

لحظة تأمل مع كارثة تسونامي: الإسلام دين الرأفة

بعد زلزال آسيا المسمى «تسونامي» تداعت الإنسانية للتعاطف مع متضرري الزلزال ، لمساعدة الأحياء والرثاء للأموات . كان رد الفعل هذا طبيعيا ، ويجب أن يكون تلقائياً وعفوياً. 

والتعاطف أمر تزكيه الفطرة الإنسانية لأن الإنسان، في وقت من الأوقات، يشعر بالانتماء المشترك إلى هذه الأرض وإلى هذه الحياة، وأن حياة نفس واحدة كحياة جميع الناس ، وموتها كموت جميع الناس ، وذلك عبارة عن ماهية وحقيقة الحياة وحقيقة الموت ، فهي حقيقة واحدة لا يتغير جوهرها بالكثرة ولا بالقلة . وتلك حقيقة قرآنية «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». 

لقراءة المقال كاملا اضغط هنا :

لحظة تأمل مع كارثة : الإسلام دين الرأفة

The State of the World :: حالة العالم

العلامة عبد الله بن بيه يشرح كيف يمكن ان نكون جزء من حل المشكلات في العالم ويترجم حمزة يوسف ماقاله الى الانجليزية

مؤتمر المصالحة والسلام في الصومال

 

 

  “البيان الختامي لمؤتمر المصالحة و السلام في الصومال”

 

“الحمد لله الهادي من شاء من عباده لطاعته ونيل رضاه ،والصلاة والسلام على من بعثه ربه لبيان الحق وفتح الطريق لمن جعله غايته ومبتغاه،وبعد ،، 

ففي الفترة من يوم السبت 27/3/1431الموافق 13/3/2010إلى يوم الأحد 28/3/1431الموافق 14/3/2010 بمدينة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة وتحت رعاية مركز الترشيد والتجديد وبحضور فخامة رئيس جمهورية الصومال والوفد المرافق له وحضور معالي نائب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومعالي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ومعالي رئيس مؤتمر العالم الإسلامي الدكتور عبدالله نصيف- رئيس مجلس أمناء المركز- ورئيس المركز معالي الشيخ العلامة عبدالله بن بيه و جمع من علماء الأمة ومفكريها وأهل الرأي فيها وعدد من علماء الصومال وأهل الحل والعقد فيها، تم عقد هذا المؤتمر لبحث مشكلة الصومال وسبل الخروج منها من وجهة النظر الشرعية لضمان الأمن والاستقرار لهذا البلد الإسلامي العزيز على أمة الإسلام عملا بقوله تعالى (إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون)، وعملا بهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أوقف الحرب مع أعدائه من كفار مكة ورضي بشروطهم حقنا للدماء ومراعاة لأواصر القرابة والدم حينما قال في الحديبية لما رأى وفد كفار مكة قادمين للتفاوض ( والذي نفسي بيده لاتسألني قريش اليوم أمرا فيه بر أو صلة رحم إلا أجبتها إليه )، وتحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ الأنفس والأموال وقياما بواجب النصح والتبليغ وبيان الحق الذي أخذ الله عهده وميثاقه في كتابه على أهل العلم كما قال تعالى ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه..الآية )، وإبراء للذمة وانتصارا للأبرياء والضعفاء ضحايا هذا الوضع المأساوي الذي يغيظ الصديق ولايسرإلا العدو، وإعمالا لمنطق الحق والعقل فقد اجتمع الحاضرون وبعد كلمات رئيس مؤتمر العالم الاسلامي و فخامة رئيس جمهورية الصومال و نائب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الاسلامي و ممثل الأمين العام للأمم المتحدة و فضيلة مفتى دبي وفضيلة رئيس مؤسسة طابه، قدمت أوراق عمل من طرف السادة أصحاب الفضيلة و المعالي خلال جلسات العمل وجرى تداول ماطرح من مسائل منها: الوقوف على حقيقة الوضع في الصومال وما آل إليه وأسباب المشكلة وسبل علاجها وجرى الإستماع لجميع الأطراف المعنية، وناقش المجتمعون النظر الشرعي الصحيح لجميع ماطرح وموقف الشريعة الإسلامية من كل ما ذكر معتمدين في ذلك على الأدلة الشرعية الصحيحة مستنيرين بفهم علماء الأمة سلفا وخلفا لهذه الأدلة وفي إطار مقاصد الشريعة الإسلامية التي يدين بها شعب الصومال الشقيق وبناء عليه فقد خرج المؤتمر بالقرارات التالية   :

  1/ التأكيد على حرمة دم المسلم وتحريم الاقتتال بين المسلمين حيث توعد الله مستحل قتل النفس المؤمنة بالخلود في النار واللعن والغضب عليه والعذاب العظيم كما قال تعالى : (وماكان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ… ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما). 

وأكد النبي صلى الله عليه وسلم على حرمة الدم المسلم في خطبته في حجة الوداع بقوله 🙁فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا) وحرمة الدم المسلم أشد وأعظم عند الله من حرمة الكعبة المشرفة التي عظمها الله وما سواها من شعائر الحج بقوله (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم 🙁لزوال الدنيا أهون عند الله من أن تزهق نفس مسلمة بغير حق ). ولذلك كانت قضايا الدماء أول مايقضى فيه بين الناس يوم القيامة كما ثبت ذلك عن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله : (أول ما يقضى فيه بين الناس يوم القيامة في الدماء ) فكيف تطيب نفس مسلم يخشى الله واليوم الآخر أن يقتل مسلما دون سبب شرعي صحيح قطعي الدلالة أو أن يشترك في ذلك والإعانة على القتل كالمباشرة له كماجاء في الأثر: (من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة كان كقتله ) ومثل أحد الرواة لذلك بما لو قال (أق ..)والنصوص الواردة في هذا الباب كثيرة جدا وهي تدل على تحريم الخروج على الحاكم و قتاله وهذا ما جعل الفقهاء قديما وحديثا يحرمون الخروج على الأئمة لأي سبب ويرضون بإمامة المفضول مع وجود الفاضل إن تمت له البيعة كل ذلك حقنا لدماء المسلمين وإخمادا للفتنة وتحقيقا لمصالح الشرع من الإمامة وهو تحقيق الأمن والأمان وتدبير شئون الناس، ولهذا قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: (أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء )وقال الماوردي رحمه الله تأكيدا لهذا المعنى : (لايراعى في هذا شروط الإمامة إذ المدار على درء المفاسد وارتكاب أخف الضررين ) ويقول الإمام النووي رحمه الله تعليقا على الأحاديث التي أمرت بالسمع والطاعة لمن تمت له البيعة :(وهذه الأحاديث في السمع والطاعة في جميع الأحوال وسببها إجتماع كلمة المسلمين فإن الخلاف سبب لفساد أحوالهم في دينهم ودنياهم )وجاء في الحديث (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم ولكن من رضي وتابع قالوا يارسول الله ألا نقاتلهم قال :لا ما صلوا ) والحديث فى صحيح مسلم  .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(ونهوا عن قتالهم ما صلوا وذلك لأن معهم أصل الدين المقصود وهو توحيد الله ومعهم حسنات وترْك سيئات كثيرة )وقال أيضا :(ولعله لايكاد ُيعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد أعظم من الفساد الذي أزالته)، 

2/ الحكومة الصومالية الحالية التي اجتمع عليها أهل الحل والعقد من شعب الصومال وبايعوها بعد مؤتمر جيبوتي للسلام و انسحاب القوات الاثيوبية واعترف بها العالم حكومة شرعية يجب على جميع أهل الصومال بمختلف أطيافهم الإنضواء تحتها والأخذ بيدها لتحقيق الأمن والاستقرار للبلاد والتوحد تحت لوائها لحفظ البلاد وضمان أمن العباد ومن كان لديه ما يختلف فيه معها فتكون تسوية ذلك الخلاف بالحوار والنقاش لا بالقتال وشهر السلاح عملا بقوله تعالى 🙁وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )، وقوله صلى الله عليه وسلم (لاترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض )، فالواجب على الجميع التوحد تحت لواء هذه الحكومة وجهاد النفس على ذلك حتى لايقع من خالف في الوعيد الشديد الوارد في هذا الباب وحتى لا يوصف الحاملون للسلاح بعد ذلك بالبغاة شرعا.

3/  القتال الحاصل الآن في الصومال بين أبناء الشعب الواحد والأمة الواحدة لايصح تسميته جهادا شرعيا لأنه في غير مجاهدة بل هو قتال محرم شرعا لايحقق مقاصد الشريعة من الجهاد ولا تتوفر فيه شروطه فقتال المسلم لأخيه المسلم من كبائر الذنوب كما سبق بيانه،ويجب على كل من حمل السلاح أن يتقي الله ويخشى اليوم الآخر ويسارع إلى وضع السلاح والفيئة إلى جماعة المسلمين عملا بقوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين )، فالمطلوب كما بينت الآية هو الإصلاح بعدالاقتتال الذي به تحقن الدماء ،والإصلاح بعد الفيئة الذي يتحقق به العدل

4/ ما يدعى من عدم تطبيق الحكومة للحدود الشرعية وعدم إقامتها لشرع الله وجعل ذلك مبررا لحمل السلاح غير مقبول شرعا فإن تطبيق الحدود له شروط بينها أهل العلم في هذا الباب ومن ذلك وجود السلطان الذي يقوم بتطبيق هذه الحدود واستتباب الأمر له ووجود الظروف المناسبة التي يتحقق بتطبيقها العدل وعدم الفتنة وهذا بإجماع العلماء وذلك لايمكن أن يتحقق في ظل الحرب القائمة حيث نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إقامة الحدود في الغزو وسار على ذلك علماء الملة والدين على مر العصور. فالمطلوب هو مطالبة السلطان بإقامتها لا الإفتئات عليه بإقامتها دونه أو شهر السلاح عليه لأنه لا يقيمها لحرمة ذلك شرعا ولما يسببه ذلك من الفتنة واستباحة حرمات المسلمين فلو أحصينا عدد من قتل من المسلمين بسبب هذه الذريعة ومن كان سيطبق عليه الحد لوجدنا من قتل بسبب هذه الفتنة أضعاف ذلك بكثير فأي شريعة وأي عقل يرضى بذلك ويراه سببا للقتل والشريعة منزهة عن مثل هذا العبث بأحكام الله. ومن أسباب ترك تطبيق الحدود عدم انطباق بعض شروط إقامة الحد أو وجود شبهة تدرأ تطبيقه اوفي الحديث 🙁ادرؤا الحدود بالشبهات ) وعليه فقد ترك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه إقامة حد السرقة عام الرمادة لما كان الناس فيه من مجاعة وفقر الأمر الذي قد يدفع بعضهم للسرقة لأجل حفظ نفسه وحفظ النفس مقدم على حفظ المال كما قرر ذلك علماء الأصول وهذه الظروف والأحوال مما تمر به الصومال حاليا .

ومع توفر الشروط السابقة فإن من لم يطبق أحكام الحدود –دون إنكار لوجوبها الشرعي- فإنه ليس خارجاً عن الملة كما عليه المحققون من أهل العلم الذين تأولوا قول الحق جل وعلا في سورة المائدة (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) بأنه كفر دون كفر وفسق دون فسق كما قال ابن عباس وحذيفة رضي الله عنهما وليس ذلك بمخرج عن الملة فلا يجوز قتال الناس بهذه الحجة لأن الكفر محله القلب والاعتقاد قال حذيفة وابن عباس ليس بكفر ينقل عن الملة إذا فعل ذلك “الحكم بغير ما أنزل الله” رجل من هذه الأمة حتى يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

ومثل ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وقال ابن عباس وأصحابه كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق وكذلك قال أئمة السنة كأحمد بن حنبل وغيره.

وصرح بذلك في كلام طويل في الفتاوى فقال عن ابن عباس وأصحابه في قوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) قالوا كفروا كفرا لا ينقل عن الملة وقد اتبعهم في ذلك أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السلف”. ونسب ذلك للبخاري ( فتاوى ابن تيمية).

وليس هذا تهوينا من أمر إقامة الحدود الشرعية بل وضعاً للأمور في نصابها ودعوة إلى السلام وإيقاف الحروب لتوفير ظروف إقامة الحدود فإن الله تعالى لم يعذب أهل مكة وقد أخرجو خليله وصفيه محمداً صلى الله عليه وسلم وحاربوه وعذبوا أصحابه لأن ذلك سيؤدى إلى إيذاء رجال ونساء أبرياء فقال تعالى(وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)

ومع كل ماسبق ذكره فإن فخامة الرئيس و فى كلمته التى ألقها في هذا المؤتمر أعلن بوضوح أن حكومته ملتزمة بتطبيق الشريعة الاسلامية فى البلاد وهذا لا ُيبقى مجالا للتذرع بمثل هذه الذريعة لقتل العباد و تدمير البلاد.

5/ مناط التكفير في مسائل الولاء والبراء وغيرها من المسائل التي جاءت في بعض النصوص الشرعية بوصف الكفر أو نفي الإيمان عن صاحبها، هو صدور ذلك القول أو الفعل عن اعتقاد يكفر به صاحبه جمعا بين النصوص الشرعية الواردة في هذا الشأن ومنها ما جاء بالأمر بالإحسان إلى الوالدين ولوكانا كافرين وللأقارب غير المحاربين واقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يحكم بكفر حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه لما صدر منه مايحتمل صدوره عن عقيدة كفرية أو عن سبب آخرغير كفري حيث رد عنه ذلك تقديما لأصل سلامة المسلم من عقيدة الكفر وإحسانا للظن به وعوضا عن ذلك استفسر منه عن سبب فعله ثم عفا عنه لعفو الله السابق عن أهل بدر مابدر منهم من معاص، ولهذا وضع العلماء شروطا للحكم بتكفير مسلم كالعلم وتحقق القصد وانتفاء الموانع كالإكراه والجهل، ومثل هذه المسائل لايجوز أن يتكلم فيها أي إنسان أو طالب علم بل هي موكولة لأهل العلم الراسخين الذين وصفهم الله بالقدرة على استنباط أحكام الشريعة ومعرفة مراد الله منها كما قال تعالى 🙁وإذاجاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولى الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم )، و لخطورتها وشدة الوعيد الوارد فيها حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم (إذا قال المسلم لأخيه المسلم ياكافر فقد باء بها أحدهما ) وقوله (تكفير المسلم كقتله ) وما يصدر من البعض من أحكام بالتكفير لأسباب محتملة هي أحكام ظنية وبقاء المسلم على دينه حكم قطعي ولا ينقض القطعي بالظني هذا إن سلمنا بصحة هذه الأحكام ولهذا وكلت الشريعة أمر تكفير الأعيان إلى القضاء حفاظا على عقيدة المسلم ودرءا للفتنة فإنه ما انتشر التكفير بين الناس إلا تبعه حمل السلاح ووقوع الفتنة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم كما أشار إلى ذلك الحديث أعلاه وخير من ذلك فتح باب الحوار والنقاش في المسائل المختلف فيها ومعرفة وجهة نظر كل طرف ونقاشها وإن لم يسعف الحوار في حل المشاكل فليلجؤا إلى أطراف محايدة للحكم بينهم عملا بقوله تعالى :(وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما )فأمر بالإصلاح لا بحمل السلاح ولا يليق بمن كانوا يحكمون بين الناس بشرع الله بالأمس أن تغلبهم الأهواء اليوم وينبذوا شرعه .

واتخذ المؤتمر التوصيات التالية :

1/  يوصي المؤتمر حكومات الدول العربية والإسلامية بمساعدة ودعم حكومة جمهورية الصومال بكل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار والرخاء للصومال سياسيا واقتصاديا ونحو ذلك.

2/ يوصي المؤتمر العلماء بالقيام بجولات توعوية وإرشادية للجاليات الصومالية في أنحاء المعمورة لحاجتهم لذلك.

3/  يرجوا المؤتمر من الأخوة في جماعة أهل السنة و الجماعة الإسراع في توقيع الاتفاق مع الحكومة، كما يدعوا الأطراف الأخرى التي أرسلت بإشارات ايجابية للمؤتمر أن تنضم الى هذا الاتفاق حسما للنزاع و تحصيلا للمصلحة العامة و درأ للمفسدة.

4/ يوصي المؤتمر مركز الترشيد والتجديد والمهتمين بالشأن الصومالي بعقد المزيد من هذه المؤتمرات والندوات التي تعين في التوعية بالقضية الصومالية وتساهم في حلها.

5/ يناشد المؤتمر علماء الصومال أن يشيعوا هذه القرارات ويذيعوها ويراجعوها ويفعلوها بينهم.ويرجو كل الصوماليين أن يعدوا خطة طموحة للخروج بالبلد من التخلف والنزاع والشقاق وآثار الحروب والدمار فذلك هو الجهاد الحقيقي، فالجهاد كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية شامل لكل أعمال البر، كما في “الاختيارات” للبعلي.وأن لا يوجدوا مسوغا لأعدائهم من الخارج للتدخل إما بالقتال أو استغلال الأوضاع لنشر الفساد الخلقي والعقدي بين الناس فتزيد الأوضاع سوءا ويصعب عندها العلاج .

ويمكن تصور خطة تقوم على انضمام الفصائل للبرلمان والحكومة وإعداد الهياكل التنظيمية للدولة المستلهمة من شرع الله تعالى نصوصا ومقاصد وفروعا وقواعد.

خطة للحياة وليس للموت (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) وهي الحياة الشريفة التي تكفل سعادة الدنيا والآخرة، وذلك بالنهوض بالاقتصاد ورجوع اللاجئين وإغاثة المنكوبين وإعداد الكادر البشري المدرب وتقنين النظم المبنية على الشريعة السمحة الواسعة بعزائمها ورخصها، وإعداد سياسة خارجية تقوم على حسن الجوار ومراعاة المصالح، ولكل الدول العربية والإسلامية وغير الإسلامية نصيب في بناء السلام والتنمية بما في ذلك إمكانية عقد اتفاق عدم الاعتداء مع إثيوبيا التي اعتدت في السابق.

وتنظيم القوات المسلحة التي ستضم كل الفصائل بما فيها شباب المجاهدين وجنرالات الصومال الكبار الأبطال، وبما فيها قراصنة البحر الذين سيجدون فرصة لخدمة بلادهم بدلا من قطع الطريق والذين يمكن أن يكونوا جزء من البحرية الصومالية حتى تعود الأساطيل الأجنبية إلى قواعدها.

فعلى الصوماليين أن يرفعوا رؤوسهم ويتعاونوا مع الجميع بما في ذلك الدول الكبرى التي تراجع سياساتها لتكون قوة سلام وليست قوة دمار وحروب.

لقد برهن البعض على شجاعتهم في ميادين القتال فليبرهنوا على حصافتهم في بناء السلام والازدهار.

إن الإسلام رحمة للعالمين وهو دين السلام والمحبة والوئام.

والنبي عليه الصلاة والسلام كما يقول ابن إسحاق أمر بحراسة كلبة بجرائها على طريق الجيش حتى يمروا دون إزعاج لها فكيف بإزعاج المسلمين وغير المسلمين.

وفي الختام :يتقدم المؤتمر بوافر الشكر والتقدير لكل الذين كان لهم دور في إنجاحه من مشاركين وحاضرين ومنظمين وعلى رأسهم دولة الإمارات العربية المتحدة ممثلة في حكومة دبي وفخامة الرئيس الصومالى ومنظمة الأمم المتحدة ومنظمة المؤتمر الإسلامي.

وعلى الله قصد السبيل وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين. حرر فى دبي يوم الأحد 28/3/1431هـ الموافق 14/3/2010

توازنات الشريعة

ورقة معالي العلامة عبدالله بن بيـه في مؤتمر الإقتصاد الإسلامي لدول غرب افريقيا- دكار

توازنات الشريعة يمكن أن تسهم في علاج الأزمة المالية العالمية

10\1\2010

 

بسم الله الرحمن الرحيم 

 

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وآله وصحبه

 

نجتمع اليوم في داكار -عاصمة السنغال العاصمة العريقة لغرب إفريقيا؛ عاصمة الثقافة والتسامح والوئام، على ضفاف المحيط الأطلسي المتعرجة الجميلة- في الوقت الذي يحاول العالم الخروج من أزمة مالية عامة -اختلفت الآراء حول أسبابها، كما اختلفت حول علاجها؛ فبينما يحمل البعض مسئوليتها للرهون العقارية، التي أصبحت تمثل منتجاً يتداول في البورصات بما يتجاوز قيمة العقار المرهون أضعافاً مضاعفة والتصكيك المبالغ فيه للديون التي لم تعد أموالاً في الذمم وإنما أصبحت أوراقاً- أدوات مالية ، مما أوجد الفقاعات المالية التي لا تعتمد على قاعدة صلبة من الاقتصاد الحقيقي.

وبأسلوب أوضح فإن التعامل في الذمم وبيع المعدوم والمضاربة على التوقعات والرهون غير المقبوضة لتملك العقارات وخلق أدوات تمويل لا تمثل مالاً حقيقياً كالسندات وبطاقات الائتمان بل حتى النقود الورقية بعد فك ارتباطها بالذهب والتي لا ترتبط بإحلال نقود أو ودائع أخرى أو ثروة حقيقية فكان تسليعاً للنقود وتسيـيلا مبالغاً فيه للأصول وفوائد مركبة في جدولة الديون هو الذي أوجد هذه الأزمة.

يرى البعض أن أساس الأزمة أعمق لأن جذورها ضاربة في النظام الرأسمالي  فلسفة وعمليات.بل قال ستيفان أودقي في مقال له في جريدة “لموند”: إنها أزمة حضارية وكان عنوان المقال:الخطاب حول الانكماش الاقتصادي يخفي وراءه مرض حضارة تخضع للعولمة التجارية).

وإن مبدأ الحرية بدون قيود في التصرفات والاعتماد على “اليد الخفية” للسوق، وإرسال حلبة السباق بدون ضوابط للحصول على أكبر قدر من الربح في غمرة قمار حقيقية لا يمكن إلا أن تكون نتائجه غير مضمونة وعواقبه غير مأمونة.   وقد رأينا مئات الملايين من العمال يذهبون إلى إجازة البطالة، وبنوكا تفلس؛ لتسقط شركات كبيرة. وهكذا تكون لعبة الدومينو.

إن العلاج المستعمل -على الرغم من مرارته- ليس إلا مسكنا؛ لأن الداء هيكلي.

أما الدول الفقيرة فإنها تزداد فقرا؛ تستجدي المساعدات الشحيحة، فكانت أحيانا كالأيتام على مائدة اللئام.

ويرى بعض المحللين أن جرعة من الأخلاق قد تكون ضرورية، خلافاً لما قاله أندري كونت سبونفيل عن الرأسمالية بأنها: لا يمكن أن تكون أخلاقية ولا ضد الأخلاق؛ ولكنها وببساطة خارج الأخلاق، إن الاقتصاد والأخلاق يرجعان إلى نظامين مختلفين”.ا هـو   أن رقابة الدولة يجب أن لا تكون مؤقتة، وأن الاقتصاد الإسلامي والمالية الإسلامية بمثله وقيمه يعتمد الوسطية التي تجعل النسبية في الأحوال الإنسانية والتصرفات أساساً.

فالمطلق هو الخالق سبحانه وتعالى، وبالتالي يمكن أن يكون رافعة للاقتصاد العالمي.

هكذا طرح الاقتصاد والمالية الإسلاميين كطريق للإسهام في حل هذه الأزمة فقد استقبله البريطانيون البراجماتيون بدون تحفظ وسمحوا للبنوك الإسلامية، وقد تخطو فرنسا أم العلمانية خطوات في هذا الاتجاه، حيث كونت (Christine Lagarde) -وزيرة الاقتصاد- مجموعة لدراسة المالية الإسلامية، وشاركت جرائد مختصة كجريدة “شلانجر” وجريدة “لوجرنال دي فنانص” في الدعوة إلى الاستفادة من التشريع الإسلامي. 

وبدأ أساتذة فرنسيون يدرسون التشريع الإسلامي ويقدمون دراسات جيدة عن المالية الإسلامية.

لماذا هذا الاهتمام الغربي بالاقتصاد والمالية الإسلامية ؟ إن ذلك في تقديرنا يرجع للأسباب التالية:

أولا: لأنه لا يوجد اقتصاد أخلاقي ديني له مصداقية اليوم على وجه الأرض إلا الإسلام.

ثانياً: العقلانية التي يتمتع بها الاقتصاد الإسلامي الذي هو -وإن كانت أصوله وثوابته وحياً سماويا على النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام- حصيلة اجتهاد دءوب في قراءة النص المقدس وملاحظة التجارب الإنسانية، وقد وظف هذا الاجتهاد أدق أدوات الاستنباط العقلي من استنتاج واستقراء وقياس تمثيلي، وكان فقهاؤه فلاسفة ومناطقة من الطراز الأول.

ثالثا: إن المليارات من الدولار توجد الآن في البنوك الإسلامية – ولعل ذلك من الأهمية بمكان-

رابعاً: إن التشريع الإسلامي يتفق مع النظام الرأسمالي -الذي قال عنه ساركوزي: إنه يجب أن تعاد صياغته- في كثير ويختلف معه في بعض القضايا لعلها هي التي تساعد على إعادة الصياغة.

خامساً: أنه نظام متوازن – وهو موضوع هذه الكلمة- حيث يبرز التوازن:   

1- في توازن بين النقود وبين السلع في السوق.

ولهذا يمكن إثبات وسطية متوازنة في موقف الإسلام من السوق النقدية حيث يفترض بل يفرض تداول السلع مع النقود لتظل أداة تبادل ووسيطا وليست سلعا؛ ولهذا كان موقفه الصارم من منع تداول النقود كسلع مولدة للربح وذلك من خلال إجراءين أولهما أنه لا يجوز بيع عملة في مثلها تفاضلا، ولا بيعها في أي عملة أخرى نسيئة؛ لقصد الربح، وكذلك لا يجوز بيع الطعام في مثله تفاضلا ولا في جنسه نسيئة.

ليكون أمام التاجر طريق إجباري لينزل النقود إلى السوق لكن كوسيط وليس كسلعة وبذلك يجبر أصحاب السلع لبيع سلعهم بدلا من مقايضتها. ويختصر ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: بع الجمع بالدراهم واشتر بالدراهم جنيباً.

تجنباً للمقايضة تمر بتمر بزيادة، فمنع من ذلك وأوضح الطريق التي هي توسيط الدراهم.

2- وتوازن في الانتفاع بالمال بين الفئات الفقيرة والفئات الغنية -لإيجاد حد أدنى من التكافل في المجتمع.

3- وبين حرية التعاقد واحترام النظام العام الذي يمنع الربا والغش والقمار.

فحق نقل الملكية مبني على مبدإ التراضي، وتدخل مبدإ النظام العام في هذا الحق مبني على المصلحة العامة.

والنظام العام يلغي الإرادة الفردية كما يقول القانوني الفرنسي هنري كابتان إن “النظام العام” قد يكون ناشئًا عن مبادئ “العرف” ومبادئ مكتوبة: إن النظام العام هو مجموعة المبادئ المكتوبة وغير المكتوبة، التي تعتبر في النظام القضائي أساسية؛ ولهذا فإنها تلغي أثر الإرادة الفردية ومفعول القوانين الأجنبية”.ا هـ

إن مبدأ التراضي الذي يقوم على إرادة المتعاقدين، والتي تعتبر قانون العقد مبدأ قائم في الشريعة ( إلا أن تكون تجارة عن تراض منهم)

وعبر عن ذلك القرافي في الذخيرة بقوله: أصل نقل الأملاك الرضا بالإجماع”[1].

وهو في ذلك يلتقي مع مبدإ الحرية المنوه عنه في النظام الرأسمالي إلا أن هذه الحرية محدودة بحدود الشرع ومضبوطة بضوابط الأخلاق ومقيدة بقيود المصالح العامة للمجتمع وبعبارة أخرى، فهي محكومة بمبدإ أسمى وخاضعة لمرجعية أعلى: تتمثل في مبدإ الاستخلاف أي أن الإنسان وهو يمارس عمله في هذا الكون بجد ودأب إنما يقوم بوظيفة النائب والمستخلف ؛ لا ليكون مقيداً عن نفع نفسه ولكن ليكون أداؤه أكمل وخيره أشمل لنفسه ولأبناء جنسه قال تعالى: ﴿ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾. وجاءت الشريعة مفصلة لبنود تصرفات المستخلف وصلاحياته وستكون التشريعات المفصلة خير برهان على هذه المقدمة.

إلا أن النظام العام في الشريعة يتدخل لحد هذا الحق، عندما يلاحظ إضرارا بالمجتمع “لا ضرر ولا ضرار”

والنظام العام هو المعبر عنه بحق الله تعالى كما يقول السنهوري. قال القرافي: وقد يوجد حق الله تعالى وهو ما ليس للعبد إسقاطه ويكون معه حق العبد ؛ كتحريمه تعالى لعقود الربا والغرر والجهالات فإن الله تعالى إنما حرمها صوناً لمال العبد عليه وصونا له عن الضياع بعقود الغرر والجهل فلا يحصل المعقود عليه أو يحصل دنيّاً ونزرا حقيرا فيضيع المال ؛ فحجر الرب تعالى برحمته على عبده في تضييع ماله الذي هو عونه على أمر دنياه وآخرته، ولو رضي العبد بإسقاط حقه في ذلك لم يؤثر رضاه، وكذلك حجر الرب تعالى على العبد في إلقاء ماله في البحر وتضييعه من غير مصلحة ولو رضي العبد بذلك لم يعتبر رضاه وكذلك تحريمه تعالى للمسكرات صوناً لمصلحة عقل العبد عليه وحرم السرقة صونا لماله والزنا صونا لنسبه[2].

4- وتوازن بين الملكية الخاصة وحق المجتمع في الملكية، كمصادر الطاقة: الناس شركاء في ثلاثة: الماء والكلأ، والنار”. والرواية الأشهر المسلمون شركاء … رواه أحمد وأبو داود.

إن الملكية الخاصة مصونة بنص القرآن والسنة ( فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون) إنه من الكليات الخمس التي كانت الشريعة كلها تدور حولها “الدين – النفس – المال – العقل – النسل” وقرنه النبي صلى الله عليه وسلم بحق الحياة ” إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.” ( ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل)

وقرر للمجتمع حقاً للفئات الضعيفة التي تحتاج إلى المساعدة؛ ليكون حق التكافل والتضامن ( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) حتى يحفظ درجة ما من التوازن في المجتمع، وحدا أدنى يصون كرامة الفقراء ويضمن لهم الحياة.

5-  التوازن بين الاستهلاك والإمساك ( والذي إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً)

هذا القوام هو الوسطية، وهو التوازن.   

6- التوازن بين الاستهلاك والادخار، حيث فرق بين الادخار كمحرك للاستثمار وبين الكنز والاحتكار كإساءة في استعمال الحق -وهي مبدأ قانوني معروف-

فالادخار غير الكنز والاحتكار: فهذه مصطلحات ثلاثة فرقت الشريعة بينها، فقد شجع الشارع الادخار فقال -عليه صلاة والسلام-: فكلوا وادخروا”. وفي الحديث حث على الاستهلاك وعلى الادخار.

فالادخار هو فائض ما بعد الاستهلاك، وهو في العصر الحديث محرك للاستثمار؛ ولهذا ألح عليه اقتصاديو القرن الثامن عشر، وبخاصة آدم سميث؛ لأن الأموال المدخرة تذهب للاستثمار، بخلاف الكنز، فإنه تكديس مال لمنع حقوق الفقراء. –التي قد تكون خلق فرص العمل أو التمكين من الحصول على الخدمات –

والاحتكار خزن المال لإغلاء السلع؛ كمن يخزن البر لإغلاء الخبز، وهي ظاهر سلبية؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: من احتكر فهو خاطئ”. أخرجه مسلم.

والاحتكار مخالف لمقصد الشارع في رواج المال، وتداوله؛ ولهذا أشار الشارع إلى أهمية تداول المال بين أيدي الجميع، وليس الأغنياء ( كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم)

قال إمام الحرمين: لو لم يتبادل الناس ما بأيديهم لأدى ذلك إلى ضرر. –البرهان-

7- والتوازن في الحصول على الربح بين الربح الحلال والربح الربوي الذي يسئ على المجتمع ويكفي أن نرى فوائد صندوق النقد الدولي على دول إفريقيا.

 أقر الإسلام مبدأ الربح؛ إلا أنه فرق بين الربح الحلال والربح الحرام “الربوي”، فالربا يجعل السوق في حالة ترقب، فالمودع يترقب ارتفاع الفوائد؛ لأنه مقرض، والبنك يترقبه؛ لأنه وسيط، فهو مقرض ومقترض في نفس الوقت، والمستقرض الحقيقي للاستهلاك أو للاستثمار –وهو الأضعف- يترقب انخفاض الفائدة؛ ليقترض.

وهكذا تكون الأرجوحة الدائمة ،،، ترقب فرصة ليربح رابح بخسارة آخر، من خلال ترجح ميزان الفائدة لجهة من الجهتين.

بالإضافة إلى أن الفوائد تسهل تكديس ثروة نقدية، دون استثمار في الاقتصاد الحقيقي -من زراعة وصناعة- مما جعل بعض الاقتصاديين يقول: إن الاقتصاد السليم هو أن تكون الفائدة صفرا – أي لا فائدة- وهذا ما يتوخاه الإسلام من خلال منع الفائدة، ليتم توسيط السلع -التي تختلف فيها الأغراض والانتفاع- فيربح الجميع، أو لا يخسر أحد سلفا.

فالمبدأ الإسلامي أن: النقود لا تلد نقوداً؛ لأن النقود ينبغي أن تلد سلعاً، من خلال توظيفها في الإنتاج الحقيقي، وبذلك تنمو الصناعة والزراعة، ويعمل آلاف العمال في المصانع والمزارع وعمارة الأرض، من خلال التحريك في البناء والزراعة واستخراج المياه والمعادن. وقد أشار القرآن إلى ذلك في كلمة واحدة وهي كلمة “أثاروا” الأرض” في قوله تعالى ( وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمروها) لأن معنى “أثاروا”: حركوا  الأرض للزراعة والبناء ولإخراج المياه الجوفية والمعادن.فكل عمارة تسبقها إثارة الأرض، فلو تركنا الناس يحصلون الثروة من خلال الفوائد ما كان هناك تحريك.

8- والتوازن بين جواز بيع الموجودات، ومنع بيع ما ليس عندك، وإباحة السلم – مراعاة للحاجات-  وهو بيع معدوم موصوف في الذمة فصار كالموجود.

9- والتوازن في إقرار مبدإ الوضوح والشفافية، وهو من المقاصد الخمسة التي ذكرها ابن عاشور، فلا يجوز بيع مجهول. ويجب أن تكون السوق واضحة “فلا خلابة” -أي خديعة، كما في الحديث- إلا أن مالكا رحمه الله تعالى أجاز بيع بعض الأشياء الغائبة؛ كبيع الغائب بالوصف بشروط، والأشياء المغيبة كبيع الفستق في تخوم الأرض لحاجة الناس خلافاً لغيره.     

 

فهل يمكن لبنوكنا الإسلامية أن ترسم سياسات تحقق النماء وتجلب الازدهار ؟

متجاوزة المثال الغربي؛ لخلق أنواع من المعاملات من مشاركات، ومضاربات، وسلم، ومزارعة، واستصناع واجارات: بأنواعها وتأمين تكافلي، ومستفيدة في نفسها الوقت من النظام الغربي -في الانضباط والمراقبة والمحاسبة، وإيجاد آليات تسمح للدولة أن تضمن حسن سير هذه المؤسسات- مما يكفل المحافظة على وضع الاقتصاد الكلي للبلاد، وتقويم الأداء بشفافية ووضوح. وهو ما يعتبر مبدأ ومقصدا من مقاصد الشريعة الخمسة في المعاملات المالية -كما يشير إليه الطاهر بن عاشور- في كتابه “المقاصد”.

وأخيرا: فهل فقهاؤنا مستعدون لاختراع أدوات الاستنباط لتوسيع أوعية الاستثمار ولإيجاد صياغات كفؤة تستوعب كلما دلت عليه هذه الشريعة المباركة -نصوصا ومقاصد وجزئيات وقواعد- لتعميق الفهم وتوسيع دائرة الفقه، محافظة على الخصوصية والميزة الشرعية، وانفتاحاً على الأدوات المعاصرة، والفنيات الاقتصادية والمالية لضمان النجاعة والفعالية، ذلك هو التحدي اليوم أمام الجميع، وبخاصة أمام حكوماتنا التي عليها  أن تسن القوانين والأنظمة المواتية والملائمة، حتى توجد أدوات قانونية -ترافق هذا التطور الواعد-.

ولكن فشله سيكون سيئا فلنختم بالدعاء بالنجاح، ولنتفاءل خيرا. ذلك ما حمل معالي رئيس البنك الإسلامي للتنمية للحضور هنا يرافقه هذا الوفد.

يقول بعض الاقتصاديين: ليس الفقر ناشئاً عن عدم الثروة؛ ولكن الفقر ناشئ عن عدم إعداد الوسائل لخلق الثروة، وحسن توزيعها. فلنعدَّ الوسائل لخلق الثروة وحسن تداولها لإيجاد مجتمع الرفاه الروحي والمادي الذي تبحث عنه الأمم وتطمح إليه الشعوب.            

والله تعالى ولي التوفيق والهادي بمنّه إلى سواء الطريق.

 

عبدالله بن بيــّه

رئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد

نائب رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

وزير العدل الموريتاني –سابقا-

عضو المجامع الفقهية


[1] – القرافي     الذخيرة          7/96

[2] – القرافي        الفروق      1/141

مؤتمر ماردين

 

ماردين.. دار السلام

 

 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد 

فقد انعقد بعون الله وتوفيقه مؤتمر قمة السلام( ماردين دار السلام ) في مدينة ماردين التركية وفي حضن جامعتها (أرتوكلو) يومي السبت والأحد 11-12 ربيع الثاني 1431ه/27-28 مارس 2010م برعاية المركز العالمي للتجديد و الترشيد(لندن)وبالتعاون مع كانوبوس للاستشارات (لندن) وجامعة أرتوكلو(ماردين) وبمشاركة ثلة مباركة من علماء الأمة الإسلامية من مختلف التخصصات ذات العلاقة لتدارس إحدى أهم أسس العلاقات بين المسلمين وإخوانهم في الإنسانية؛ وهي تصنيف الديار في التصور الإسلامي وما يرتبط به من مفاهيم الجهاد والولاء والبراء والمواطنة والهجرة؛ لأهمية هذا التصور الفقهي في تأصيل التعايش السلمي والتعاون على الخير والعدل بين المسلمين وغيرهم إذا أحسن فهمه وفقا لنصوص الشريعة الإسلامية السمحة وقواعدها ومقاصدها العليا. وقد اختار منظمو المؤتمر فتوى شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه اللهفي تصنيف مدينة ماردين في عصره منطلقا للبحث لما تختزنه من دلالات علمية وحضارية ورمزية متميزة. ذلك أن ابن تيمية بما ألهمه الله من فهم للشريعة وفقه للواقع تجاوز في تصنيفه لمدينة ماردين تقسيم الديار الشائع بين فقهاء المسلمين إلى دار إسلام الأصل فيها السلم ودار  كفر الأصل فيها الحرب ودار عهد الأصل فيها المعاهدة والمهادنةإلى غير ذلك من التقاسيمليخصها بتصنيف مركب يمتنع بموجبه فتنة المسلمين في دينهم وتصان فيه دماءهم وأموالهم وأعراضهم، وتتحقق فيه العدالة بينهم وبين غيرهم. وهي فتوى متميزة في طرحها مشابهة في واقعها إلى حد كبير لعصرنا حيث اختلف الواقع السياسي للعالم عن واقع الفقهاء السابقين الذي كان مناطا لتقسيمهم للديار على هذا الأساس وهو ما راعاه ابن تيمية في فتواه وهو ما يقتضي أن يعيد الفقهاء المعاصرون النظر في هذا التقسيم لاختلاف الواقع المعاصر الذي ارتبط فيه المسلمون بمعاهدات دولية يتحقق بها الأمن والسلام لجميع البشرية و تأمن فيه على أموالها وأعراضها وأوطانها واختلط فيه المسلمون بناء على ذلك بغيرهم اختلاطا غير مسبوق في كثير من جوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولحاجة المسلمين إلى الرؤية الشرعية الصحيحة التي لا تخالف النصوص الشرعية وتتوافق مع مقاصد الشريعة وتتكيف مع الواقع المعاصر .

وفي ضوء ذلك تدارس الحاضرون بحوث وأوراق عمل المؤتمر التي وناقشوها 

وخلصوا إلى النتائج والتوصيات التالية: 

 

أولا: النتائج: 

إن فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية في ماردين لايمكن بحال من الأحوال أن تكون متمسكا ومستندا لتكفير المسلمين والخروج على حكامهم واستباحة الدماء والأموال وترويع الآمنين والغدر بمن يعيشون مع المسلمين أو يعيش معهم المسلمون بموجب علاقة مواطنة وأمان بل هي فتوى تحرم آل ذلك فضلا عن كونها نصرة لدولة مسلمة على دولة غير مسلمة وهو في آل ذلك موافق ومتبع لعلماء المسلمين في فتاويهم في هذا الشأن ولم يخرج عنهم.ومن استند على هذه الفتوى لقتال المسلمين وغير المسلمين فقد اخطأ في التأويل وما أصاب في التنزيل.

إن تصنيف الديار في الفقه الإسلامي تصنيف اجتهادي أملته ظروف الأمة الإسلامية وطبيعة العلاقات الدولية القائمة حينئذ.إلا أن تغير الأوضاع الآن و وجود المعاهدات الدولية المعترف بها وتجريم الحروب غير الناشئة عن رد العدوان ومقاومة الاحتلال وظهور دولة المواطنة التي تضمن في الجملة حقوق الأديان والأعراق والأوطان استلزم جعل العالم آله فضاء للتسامح و التعايش السلمي بين جميع الأديان والطوائف في إطار تحقيق المصالح المشتركة والعدالة بين الناس ويأمن فيه الناس على أموالهم وأوطانهم وأعراضهم وهو ما أقرته الشريعة ونادت به منذ هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ووضع أول معاهدة تضمن التعايش بين جميع الطوائف والأعراق في إطار العدالة والمصالح المشتركة ولا يسوغ التذرع بما يشوبها من نقص أو خرق دول معينة لها للتنكر لها وافتعال التصادم بينها وبين الشريعة السمحة.

    من الأولويات التي على علماء الأمة ومؤسساتها العلمية الاضطلاع بها التحليل والتقويم للأفكار المسوغة للتطرف والتكفير        والعنف باسم الإسلام؛ فالتدابير الأمنية مهما كانت عادلة لا تقوم مقام البيان بالحجة والبرهان.ومن ثم تقع المسؤولية على    علماء الأمة في إدانة آل أشكال العنف في التغيير أو الاحتجاج داخل المجتمعات المسلمة وخارجها بوضوح وصراحة  وجرأة  فيقول الحق منعا للالتباس وإزالة للغموض.

   –إن علماء الإسلام ما فتئوا يؤكدون عبر العصور أن الجهاد الذي يعتبر ذروة سنام هذا الدين ليس نوعا واحدا بل هو انواع     متعددة منها القتال في سبيل الله وهذا النوع أناط الشرع صلاحية تدبيره وتنفيذه بأولي الأمر (الدولة) باعتباره قرارا            سياسيا  تترتب عنه تبعات عظيمة؛ ومن ثم فلا يجوز للفرد المسلم ولا لجماعة من المسلمين إعلان حرب أو الدخول في جهاد    قتالي من تلقاء أنفسهم درءا للمفاسد و إتباعاً للنصوص الواردة في هذا الشأن .

 وأصل مشروعية الجهاد إن ما كان دفعا لعدوان (وقاتلوا في سبيل الله الذين ولا 

 تعتد وان الله لا يحب المعتدين) أو نصرة للمستضعفين (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله ……) أو دفاعا عن

  التدين (اذن للذين ) وليس ناشئا عن اختلاف في الدين أو بحثا عن المغانم.

إن شأن الفتوى في الإسلام خطير ولهذا شدد العلماء في شروط المفتي ومنها أن يكون ذا أهلية علمية كاملة وفي شروط الفتوى خاصة تحقيق المناط في المكان والزمان والأشخاص والأحوال والمآل .

إن مفهوم الولاء و البراء لا يكون مخرجا من الملة ما لم يكن مرتبطا بعقيدة كفرية وما سوى ذلك فهو أنواع تتناولها الأحكام التكليفية الخمسة وبناء عليه لا يجوز حمله على معنى واحد يكفر به المسلمون.

ثانيا:التوصيات :يوصى المؤتمرون بالتوصيات التالية : 

 

 عقد مؤتمر سنوي في أوروبا لتعميق البحث في التصور الإسلامي للسلام والتعايش السلمي بين الأمم والأديان.

 تأسيس مركزماردين”  لدراسة النظرية السياسية في الإسلام.

 إحداث شعب وأقسام دراسية في الجامعات والمعاهد الإسلامية العليا تعنى بالبحوث والتدريب والتأهيل في مجال الإفتاء في القضايا العامة للأمة.

تشجيع الدراسات العلمية النظرية والتطبيقية في مجال تنقيح المناط ودراسة علاقة الزمان والمكان والأشخاص والأحوال بتغير الفتوى 

تشجيع الدراسات والبحوث العلمية الأكاديمية التي تعنى بدراسة الظروف والملابسات التاريخية لفتاوى أئمة الإسلام.

بذل مزيد من الجهد في مراجعة وتحقيق ودراسة تراث شيخ الإسلام ابن تيميةرحمه اللهوتراث العلماء المقتدى بهم باعتبار أثرهم في الأمة وما يرجى من فهم تراثهم فهما سليما من ترشيد وتوجيه للعامة والخاصة.

رفع هذا البيان إلى المجامع الفقهية في العالم الإسلامي لإثرائه وتعميق النقاش حوله وتعميم الفائدة منه.

وفي الختام يتقدم منظمو المؤتمر والمشاركون المؤتمر بأسمى آيات الشكر والتقدير لكل من ساهم في إنجاح أعمال هذا المؤتمر، وعلى رأسهم حضرة والي مدينة ماردين، وسعادة رئيس جامعة أرتكلو وفضيلة مفتي ماردين.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

دورة ثقافة الامام ( باريس ) 2011

دورة ثقافة الامام ( باريس ) 2011

دورة ثقافة الامام ( باريس) 2011

دورة ثقافة الامام ( باريس) 2011

دورة ثقافة الامام (باريس) 2011

دورة ثقافة الامام ( باريس )2011

دورة ثقافة الامام ( باريس) 2011

دورة ثقافة الامام باريس 2011