ارشيف ل ‘الحوارات’ القسم

لماذا نرى عنفا شديدا في العالم الاسلامي اليوم؟

جواب فضيلة العلامة الشيخ بن بيه(رئيس منتدى تعزيز السلم) لقناة CNN :

– هذا السؤال أعتقد أنه السؤال الذي يطرحه جميع الناس، تطرحه الصحافة ويطرحه الساسة، وتطرحه المنظمات الدولية، وأعتقد أن كل شخص، وكل فئة لها جواب.
قد يكون هذا الجواب يرجع إلى خلفية تاريخية، وقد يكون راجعا إلى مصالح ظرفية، وقد يكون راجعا إلى تفسير ديني. ولهذا فإن الجواب الذي سأقدمه هو رأيي في المسألة، وهو أن العالم الإسلامي يشهد عنفا شديدا، وهو في كثير من الأحيان عنف أعمى، بمعنى أنه لا يميز كثيرا – بين الأعداء والأصدقاء، لا يميز بين الناس.
إن سؤالكم سؤال معقد، وبالتالي الجواب عليه سيكون معقدا ليس بسيطا.
فأوضاع العالم الإسلامي، وهو عالم مر بمراحل متعددة من التاريخ، شهد فيها وضعا مهيمنا، ثم وضعا شبه مستقر، ثم وضعا يمكن أن نقول منحطا، بسبب ظروفه وبسب الحروب الداخلية والخارجية، هو عالم أيضا يشهد فقرا، ويشهد تخلفا في المجالات الاقتصادية والصناعية، وحتى العلمية والعقلية. هو عالم يشهد اختلافات فكرية أحيانا تكون عميقة، و يشهد أيضا أنظمة حكم قد لا تكون مطابقة لأنظمة الحكم التي نشهدها في أوربا، والتي استقر عليها النظام الغربي، وتهب إليه أيضا رياح من الغرب تقدم له بديلا فكريا.
كل هذه الصورة المركبة أوصلته إلى هذه الحالة، ففيها مظلوميات تاريخية، فيها فقر وبطالة، فيها حالة سياسية واجتماعية، فيها عنصر ديني متطرف.
لعل السؤال الذي يوجه إلي يتعلق بالعنصر الأخير، وهو العنصر الديني المتطرف، العناصر الأخرى هي تشكل الأساس لهذه الحالة المثيرة أو الثائرة، ومع ذلك لا يمكن لرجل الدين أن يجيب على الكل أو يقدم حلا لكل المشكلات. قد يحاول أن يقدم حلا للمشكلة الفكرية، أن يعالجها رغما من تعقيدها وعلاقتها بالمشكلات الأخرى ليقنع هؤلاء الذين يثيرون العنف بأن منهجهم ورؤيتهم ليست صحيحة من وجهة نظر الدين، وليقنع الآخرين أيضا الذين ينظرون إلى الدين الإسلامي بنظرة إجمالية وعامة ويحاولون أن يلصقوا التهمة بكل الدين الإسلامي، أن يقنعهم بأن هؤلاء، وهذا السلوك لا يمثل الدين الإسلامي.
وأنا أشكرك عندما قلت في المقدمة بأنك تريدين تقديم الإسلام الصحيح لأولئك الذين يجهلون الإسلام.
أنا أشعر بأن الشعوب في أمريكا، الشعب في أمريكا يحتاج بأن يقدم له الدين الإسلامي، نحن لا نقدمه مجاملة، بل نقدم ما نعتقد أنه الدين الإسلامي، كما نقدم هناك نقدمه هنا، لا فرق. هذه هي رؤية العلماء، بل كثير من العلماء حتى أكون منصفا، ورؤية كثير من الشعب العادي، رغم ارتفاع صوت العنف وطغيانه على صوت الاعتدال، وطغيان مبررات العنف على مبررات السلام، رغم كل ذلك، فإن ما نقوله نرى أنه يمثل الإسلام، وجمعنا له العلماء، ونجمعهم له لنوضحه للناس هنا في الداخل، وللعالم كله أيضا في الخارج .

حوار العلامة عبدالله بن بيه مع جريدة الإتحاد الإماراتية حول قانون مكافحة التمييز و الكراهية

نص حوارمعالي الشيخ عبدالله بن بيه مع  جريدة الإتحاد الإماراتية

 

1-   الإسلام دين تسامح ،محبة وتعايش، إلا أن عدداً من الأحداث في الدول الإسلامية والعربية صدرت نماذج متطرفة “فكريا” لتروج تلك النماذج بدورها صورة ذهنية شديدة العتمة والإنغلاق للدين الإسلامي، كيف تردون فضيلتكم على ذلك   

ردنا فى منتدى تعزيز السلم هو أن الإسلام ككل الديانات لايمكن أن يحكم عليه من خلال سلوكيات بعض اتباعه بل من خلال دراسة عميقة ومنصفة لنصوصه الجزئية وقيمه ومبادئه الكلية ومقاصده وغاياته النبيلة، وكل هذه تقدم صورة مضيئة تدعو الى الحياة (ياأيها   الذين   آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لمايحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون) ونبذ العنف والفساد (وإذاتولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لايحب الفساد)

وسؤال جريدتكم الغراء فى محله، ولهذا فإن التحدي اليوم وهو ما نسميه “بواجب الوقت” هو دحض هذه الصورة المشوهة للإسلام وتقديم الصورة المشرقة الجميلة الحقيقية وان رعاية دولة الامارات للعديد من الهيئات الكبيرة التى تضم العشرات بل المئات من علماء الشريعة ورجال الفكر الاسلامي كمنتدى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة ومجلس حكماء المسلمين لخير دليل على سعة أفق قيادة دولة الامارات وبعد نظرها ومراهنتها على سماحة الاسلام واستيعاب قيمه لكل خير.و إن    قيادة دولة الإمارات وعلى رأسها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة «حفظه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، «رعاه الله»، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يسيرون على هَدْي وإرث من مؤسس الدولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله والذي كان منهجه متسامحاً وسلوكه مسالماً متسامياً عن خصومات لا طائل من ورائها.

 

2-  كيف تساهم القوانين والتشريعات في تعزيز التسامح، والتصدي لمحاولة حقن المجتمعات الإسلامية بالفتن، وإذا أخذنا مجتمع الإمارات المتصالح مع نفسه ومع الآخر، فهل هناك ما يستدعي إصدار مثل هذا القانون ؟ 

القوانين والتشريعات تجسد العلاج المقترح لداء العنف المستشري فى المجتمعات مما سينعكس إيجاباً على تعزيز التسامح فى المجتمعات المسلمة وإصدار دولة الامارات العربية المتحدة لهذا القانون يدل على الإستجابة لمشكلات الأمة وإدراكها لأهمية المبادرة التاريخية وتقديم المقاربات العقلانية لايجاد حلول لها. فقد بادرت بإنشاء الطاقة البديلة لمعالجة الاحتباس الحراري وهي كذلك تعالج اليوم الاحتباس الفكري. ثم ان تجريم بعض السلوكيات التى تؤدي للفتن والحروب واجب شرعي مستنبط من نصوص الشريعة ومقاصدها كما أن التجريم عند الغربيين يرجع الى عامل الأخلاق والنظام العام والنكير الاجتماعي كل أولئك الثلاثة تعد أساساًللتجريم . يقول القانوني الفرنسي جاك برادلي في كتابه : “القانون الجنائي مدخل عام” : (( فتجريم الفعل ينتج عن قناعة المشرع أن الفعل لا يغتفر لدى الرأي العام ، فيجب أن تناط به عقوبة أقوى ))، ويضيف: (( إن حق المجتمع أن يعاقب من يعكر صفوه ، ولم ينكر هذا إلا قلة من المؤلفين ، وإن غالبية الفلاسفة يعترف بحق المجتمع في إيقاع العقوبة )) .

ثم يقول وهو يتحدث عن الأخلاق : (( إن العلاقة حميمة بين القاعدة الخلقية والقاعدة القانونية ، وتاريخ القانون الجنائي يبرز غالبًا أن السلوك الذي يصدم الأخلاق الفاضلة للفرد أو الجماعة هو الذي يعاقب عليه كالاعتداء على الدين أو الحياة أو الملكية)) .

ويقول ديكوك في كتابه (( القانون الجنائي )): (( وفيما يخص النيل المباشر من النظام الاجتماعي كما هو معروف عندنا : كالاعتداء على الدين والشأن العام ، فإن رد الفعل مرتبط بكل مجتمع بشري قبلي أودولة ))( ص26 – 27 ) . لهذا فالتجريم يقع فى اطاره الشرعي والقانوني و لا سيما في مذهب مالك رحمه الله تعالى الذي يمنح صلاحيات كبيرة في مجال التعزير لولي الأمر و الذي ينص على جريمة الفساد في الأرض و التي يدخل فيها كلما يثير الفتن.

 

3-  هل ترون أن القضاء على الفتن المذهبية والإقصاء بكل أشكاله ممكناً في ظل التفشي الذي ساهمت مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيزه، وماذا بعد تعزيز القوانين والتشريعات المجرمة لتلك الأفعال؟

 

إن القضاء على الفتن المذهبية قد لايكون متاحا بالكلية ولكن تعزيز القوانين والتشريعات المجرمة إجراء فى الاتجاه الصحيح ويجب أن تتلوها خطوات من التوعية ونشر الثقافة الصحيحة الدينية والإنسانية. 

 

4-   تنادي الإمارات باحترام التعدد الثقافي وعدم سلب الحق في تكوين معتقدات خاصة، كيف ينسجم ذلك مع تعاليم الدين الإسلامي؟

ان التعدد الثقافي ليس منافياً بالضرورة للتعاليم الاسلامية بل ان القرآن الكريم يشير الى مبدأ التعددية بقوله تعالى (ولقدكرمنا بني آدم وحملناهم في البرو البحر و رزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) وهي كرامة لكل الجنس البشري مهما كان دينه أو عرقه، وقوله (يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأثنى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير)

وبيان ذلك أن الشريعة حق وصدق منزلة على النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم فيجب على المسلم امتثال أمرها. وهذا الأمر ينقسم الى فروض أعيان يقوم بها كل فرد، والى فروض كفايات وهذه تنقسم الى قسمين: ما يمكن أن يقوم به الأفراد والى فروض كفايات سلطانية كاقامة العدل والحدود الشرعية واطفاء الفتن وهذه تقع مسئوليتها على الحاكم فواجبه أن يقوم بها على مرتكبي الجنايات ومثيري الفتن، وفى هذا الاطار تقع العزائم والرخص فالجهة السلطانية تقدر إكراهات الزمان والمكان فتطبق العزائم وتنزل إلى الرخص دون أن يكون للافراد مناوشتها وإثارة الفتن. وفى هذه الدائرة يكون تقدير وضع الزمان وقضية التعايش جلباً للمصالح ودرءاً للمفاسد.

5-  كيف تقيمون تأثير استحواذ جزء من الجماعات والأحزاب المعروفة بالتطرف على الخطاب الديني الإسلامي، وهل فقدت المؤسسات الدينية حضورها المؤثر على الصعيد الشعبي، وما هي المسببات الحقيقية لتراجع الخطاب الديني المتزن الصادر من مؤسسات دينية مرموقة

ان استحواذ بعض الجماعات والأحزاب المعروفة بالتطرف على الخطاب هو نتيجة تراكمات تاريخية وانتهاج سبيل الأحزاب الحركية ورفع شعارات الدين وتوظيف مفاهيم زائفة اختطفت الدين وحاولت نزع الشرعية عن حكومات الدول الاسلامية ومشروعية الافتاء، بينما كان خطاب المؤسسات الرسمية يتسم بشيء من السكون والبطأ ومع ذلك فلا زال لهذه المؤسسات مكانها ومكانتها مع الحاجة الى حركة إحياء وتجديد أصيلة وعميقة للتراث الفقهي.

 

6-  عرفت الإمارات بقدرتها الفائقة على توفير أعلى معايير التعايش وقبول الآخر، كيف ترون ذلك، وما هي النصائح التي توجهونها لشعب الإمارات والأمة الإسلامية وفق هذه الإطار؟ 

 

إن أهم معيار للتعايش هو تحييد عوامل العنف والاستفزاز والتوترعن حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية سواء تعلق بميادين العمل أم بمجالات تبادل الأفكار والآراء بما في ذلك الجدل على المعتقدات والمذاهب الذي سرعان ما يتحول إلى صدام وخصام بل إلى نزاع وصراع، ولعل هذا القانون يمثل أداة من أدوات المحافظة على التعايش انطلاقا من بدهيتينالأولى: أن العالم تغير تغيراً جذرياً من خلال عولمة جامحة ليس فقط من خلال تدفق الأموال التي تحركها شركات عابرة للقارات والأوطان لا يمكن لبلد أن ينعزل عنه دون أن يحكم على نفسه بالفناء لكن من خلال حركة أمواج من البشرية تذرع الأرض من شرقها الى غربها ومن جنوبها إلى شمالها ، ودولة الإمارات بموقعها الجغرافي وثروتها التى حباها الله بها قى قلب هذه الحركة الموّارة. أما البديهة الثانية فهي ألا بديل للتعايش الا الحرب وهي حرب قاسية ومدمرة. 

ولهذا فإن الحكمة بمعناها الأشمل وهي الصواب فى القول والسلوك والعمل والسداد فى القرار والاتزان فى الأفكار والأحكام تقتضي أن يدرك المسلمون حقيقة العالم الذي يعيشون فيه والذي يختلف جذرياً عن العالم القديم، كما أنّ على المسلمين أن يدرسوا دينهم دراسة تجديدية أصيلة، تؤكد أن الاسلام صالح لكل زمان ومكان حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر. لندرك أن تعاليم ديننا الصحيحة بنصوصها ومقاصدها لاتناقض التعايش السليم المبني على المصالح الإنسانية والارث المشترك للبشرية.

فالتحدي الأكبر هو أن نُزيل وهم التناقض الذي أنزل أضراراً شديدة بالأمة وبمفاهيم التعايش والسلم وأفرز مفاهيم التكفير والتفجير من جهة والإساءة والمروق من جهة أخرى وذلك مايعالجه هذا القانون (والله يعلم المفسد من المصلح)، وقال تعالى:(فاتقوا الله ما استطعتم).

 

نسأله سبحانه وتعالى أن يوفق قادة الأمة وعلماءها ومفكريها إلى طريق السلم والهدى ويجنبها سبيل الحرب والردى والله ولي التوفيق.

أول حوار مع العلامة ابن بيه حول كتاب”إثارات تجديدية في حقول الأصول”

 

ابن بيه: بعض الدعاة لا يفرقون بين دائرة الإيمان ودائرة التطبيق في أحكام الشريعة 

مؤكدًا أن الاهتمام بالكليات ليس إهدارًا للجزئيات

جريدة المدينة – ملحق الرسالة – حوار: غازي كشميم – جدة 

الجمعة 21/06/2013 

في مواصلة منه لمشروعه ومسيرته العلمية يخرج العلامة عبدالله ابن بيه كتابه الأخير «إثارات تجديدية» أصول الفقه يحاول فيه إبراز أهم الموضوعات والعناوين التي تحتاج إلى إعادة نظر في هذا العلم الذي هو بمثابة الأرضية التي تنطلق منها أحكام الفقه الإسلامي في كل مجالات الحياة سواء منها ما تعلق بالأفراد أو الأمم، وفي حوارنا هذا مع الشيخ ابن بيه نحاول استيضاح بعض رؤاه التي وردت في الكتاب خاصة فيما يتعلق بتطبيق أحكام الشريعة التي ينادي بها كثيرون، وكيفية التعامل مع المواثيق الدولية التي أصبحت تؤثر في تشريعاتنا المحلية بالإضافة إلى موضوعات أخرى طرحناها في ثنايا هذا الحوار  :

 

شيخ عبدالله منذ فترة وأنت تدعو إلى التجديد في أصول الفقه، هل تبلور هذا المشروع وتحول إلى تيار أم ما زالت صرخات فردية؟

لست وحدي ولست بمفردي، بالتأكيد إذا كتبت فأنا أكتب رأيي الشخصي، لكن هناك دعوات لتجديد أصول الفقه وهناك مشروعات أيضًا، وبالتالي فالأمر ليس همًا خاصًا عندي وإنما أيضًا عند نخبة من العلماء والأساتذة، هذا أولًا. ثانيًا بالنسبة للمشروع.. هل وصل؟ أعتقد أننا بعد التأصيل بحاجة إلى توصيل؛ فالتوصيل إلى نخبة عريضة تبشر بمشروع منضبط ومؤصل ما زالت أمامنا فيه مراحل للوصول إلى ذلك. فالوعي بتجديد أصول الفقه ونتائجه يتوخاها الباحثون في هذا العصر، وأهم هذه النتائج هو استنباط الأحكام ومواجهة الواقع الذي يتطور من الذرة إلى المجرة، واستنباط الأحكام وانضباطها هي مهمة التجديد، مازلنا إلى الآن ومازالت بعض النخبة حسب معرفتي بها لديها تصورات جيدة يكمل بعضها بعضًا قد لا تكون متطابقة حذو النعل بالنعل، لكن بينها أوجه تشابه وأوجه تباين إلى حد ما، فهذا هو الوضع الحالي كما أراه  .

 

هل هناك معارضات من قبل بعض العلماء أو رموز شرعية لهذا التجديد؟

لا أحسب أن مسألة التجديد تلقى معارضة كفكرة، لكن كآليات ثم نتائج هناك ربما بعض التردد أحيانًا، وبعض الامتعاض أحيانًا أخرى خاصة فيما يتعلق بنتائج أو ميادين معينة، بمعنى أن التجديد الذي من شأنه أن يولد المفاهيم أولًا والأحكام ثانيًا يلقى صعوبات وعقبات، فهو من شأنه أن يجيب عن أسئلة تتعلق بالسياسة الشرعية وبالأوضاع الاجتماعية والعلاقات الدولية وبعض القضايا الاقتصادية والاكتشافات العلمية، فمن يريد أن يطبق التجديد لا بد أن يطبقها على هذه المجالات ليستنبط الأحكام الملائمة للواقع من خلال آليات مجربة وبعيون مستبصرة، وهذه الآليات ليست إلا آليات أصول الفقه مثل الاستصلاح والاستحسان والذرائع سدًا وفتحًا والاستصحاب والقياس، وهذه كلها تلقى صعوبات، مما جعلنا نتساءل عن الواقع الذي يحتاج إلى بيان، وتأثير الواقع في الأحكام الذي يحتاج إلى برهان، وأيضًا آليات انطباق الأحكام على الواقع التي تحتاج إلى عنوان، ونحن سميناها في الكتاب الذي بين يديكم «تحقيق المناط». وهذه أنواع الاجتهاد الثلاثة التي رشحناها لتكون بؤرة التجديد وأساسه .

 

كليات الشريعة والتجديد

 

هل ترى شيخ عبدالله أن كليات الشريعة – بما أنها الرافد الأساسي لتخريج علماء الشريعة في الوقت الحاضر- مستوعبة لأهمية مثل هذه الأطروحات التجديدية؟

بكل صدق وتواضع أقول إن كليات الشريعة تحتاج إلى أن تقوم بجهد في هذا المجال.

 

يعني ما زالت متأخرة عن مسايرة مثل هذه الأفكار؟

أقول يجب أن تقوم –أي كليات الشريعة- بجهود، لا أدعي التقدم ولا التأخر، لكن هناك ثغرات، سواء فيما يتعلق بالمعارف أو الأدوات التي تستعملها.

 

دعوتم شيخ عبدالله إلى إدخال ما توصلت إليه المعرفة في جانب اللسانيات والهيرمينوطيقيا -علم تفسير النصوص الدينية- ألا يمكن أن يفتح هذا الباب المجال لتأويلات النصوص على غير مراد الشارع منها، لا سيما وأن النصوص الدينية التي تدرسها هذه العلوم غير النص الديني الثابت والمطلق لدينا؟

هذه الدعوة إلى توسيع مجال الفهم والإدراك والوعي علماؤنا الأوائل بذلوا جهودًا فيها، يكفيك أن تراجع ما كتبوه حول البلاغة، بمعنى أن اللغة العربية بليغة ثرة، يجب أن نحاول الوصول إلى أعماقها، والقرآن والسنة لغتهما عربية، وإعجاز القرآن هو إعجاز لغوي؛ أي الإيجاز والبلاغة، في تعبيراته وجمالياته، ولكي نصل إلى ذلك ونستفيد من ذلك علينا أن نستكشف ما توصلت إليه البشرية دون أن نكون أسرى للثقافة الأخرى، فالعيون يجب أن تكون مفتحة، وأن تكون هناك القدرة للاستيعاب والإضافة والاستفادة، وللحوار الفكري أيضًا أخذًا وعطاءً، علينا أن نلقي نظرة ونحن فوق ربوة لا من سفح جبل، بهذه النظرة الاستعلائية وليست الاستكبارية- وهناك فرق بين الاستعلاء والاستكبار- يمكن أن نتعامل دون أن نفرط بشيء من تراثنا أو أن نخرج عن الجادة.

 

الأحكام بين الإيمان والتطبيق

 

أشرت – في كتابك- إلى الفرق بين دائرة الإيمان ودائرة تطبيق الأحكام في موضوع تطبيق الحدود، هل لك أن تلخص ذلك لنا؟

هذه مسألة كبيرة جدًا، والكثير من الدعاة لا يفرقون بين الدائرتين في مسألة الأحكام، في مسألة الأحكام بصفة عامة هناك مجالان؛ مجال الإيمان والتصديق، ومجال التطبيق، فالتصديق لا يحتاج إلى خطاب وضع بل عندما يبلغ الكتاب يؤمن الإنسان به، يبقى بعد ذلك كيف تطبق؟ وهذا مجال آخر محاط بخطاب الوضع؛ بالأسباب والشروط والموانع والصحة والفساد، هذه أمور بدهية عند من يعرف أصول الفقه، لكن الناس لا يقفون عندها، وهذا إشكال كبير جدًا. وأحيانًا عندما تتعامل مع خطاب الوضع قد يكون الإنسان في وضع مخالف للشرع أصلًا، لذلك فبعض الناس يعمم في الأحكام بينما هو يحتاج إلى التخصيص، أو يطلق في أمر يحتاج إلى التقييد، وهذا خطأ شديد، لذلك نقول الإيمان شيء والتطبيق شيء آخر؛ فالتطبيق محاط بحالات الإنسان، وليس فيه تكفير، من لم يفعل وهو على التصديق فلا يكفر وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، لذلك هؤلاء الذين يكفرون الناس لا ينتهون عند شيء لأنهم قد يكفرون على مندوب يرونه واجبًا والآخرون لا يرونه كذلك.

 

هذا يقودنا شيخ عبدالله إلى مسألة رفع شعارات تطبيق الشريعة في بعض دول «الربيع العربي»، هل تطبيق الشريعة هو بهذه السهولة بمجرد أن يأتي حاكم يريد أن يطبق الشريعة، أم هناك شروط موضوعية يجب أن تسبق أو تصاحب هذه المطالبات؟

نعم وهذا هو سبب كلامي هذا، والكتاب الذي بين أيديكم هو أصلًا محاضرة في الأزهر الشريف، ونحن عندما نتكلم نتكلم ميدانيًا لمحاولة العلاج، ولو تلاحظ الصلاة هي تطبيق للشريعة، والصوم كذلك وغيرها من الأحكام التي تقام في البلاد الإسلامية هي شريعة، يجب أن نزيل هذا اللبس الذي يجعل تطبيق الشريعة محصور في جوانب محددة. ثم باقي أحكام الشريعة يجب أن نطبقها لكن في أي شروط؟ هل أخذنا الموانع بعين الاعتبار؟ وهل أزلنا الحواجز؟

 

إذًا الشريعة ليست حدودًا فقط أو إزالة الخمور وحسب؟

أبدًا، «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك»، هذا هو الإيمان، ثم «ولكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا» هذا هو العمل.

 

الواقع الدولي

 

دعوت إلى أخذ الواقع الدولي وتأثيره على النظم والتشريعات المحلية، أليس هذا خضوع للغرب وإملاءاتهم كما قد يفهمه البعض؟

سؤالك في محله، والجواب أن الآليات التي كتبتها في الكتاب هي التي تضبط التعامل مع الواقع الدولي، أنا لم أقل الواقع الدولي وسكت، بل كل ما كتبته هي ضوابط لسلوك المسلم ليتجنب المفاسد ويتوخى المصالح، ويسير بالأمة في موكب سلام وسلامة حتى تستطيع أن تستكمل كل فرائضها ومندوباتها.

 

أشرت إلى عجز المجامع الفقهية في وصل الأحكام بواقع الناس، هل ترى أن المجامع الفقهية لم تؤد الدور المطلوب منها خاصة في التجديد في القضايا المعاصرة؟

المجامع يجب أن تذكر فتشكر، قامت بعمل طيب وجددت في كثير من الأحكام منذ عشرات السنين، لكن على المجامع الفقهية أن تتوخى الكليات في أعمالها وما يصدر عنها، بمعنى أن نؤصل العمل بالنظر إلى الكليات وليست الجزئيات فقط، لأنه بدون تأسيس للكليات تكون الجزئيات ناقصة، وعلينا من واقع التجربة أن نعيد النظر في بعض القضايا التي لو عالجناها من منطلق كلي لأمكن أن نجد لها حلولًا.

 

على ذكر «الكليات» و»الجزئيات» دكتور عبدالله هناك من الأصوليين من ينتقد تيار «الكليات» إن صح التعبير والذي يقدم دائمًا الكليات والنظرة المقاصدية على الأحكام الفرعية التي نحن أيضًا مطالبون بها شرعًا.

النظر إلى الكلي هو مؤصل في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، كما قال تعالى: «ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوًا بغير علم» أليس هذا من النظر إلى الكلي، وفي حادثة الذي اغتسل فمات من شدة البرد فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «قتلوه قتلهم الله..» فهل كان أولئك الذين دعا عليهم النبي يطبقون إلا جزئيًا بغير النظر إلى كلي؟! نحن ننظر إلى كلي مؤصل في الشرع، ونحن لسنا من خارج الدائرة الشرعية، نحن من أهل هذا البيت، ومن لديه رؤية فليقدمها، ومن لديه رأي فليدل به، هذا الذي نطالب به.

 

يعني شيخ عبدالله النظر والاهتمام بالكليات ليس بالضرورة على حساب الجزئيات؟

لا، ليس إهدارًا للجزئيات، فالكلي يبنى انطلاقًا من الجزئي في منهج الاستقراء، وعندنا ثلاثة أنواع من السبل والطرق والمناهج؛ فقد نولد الجزئيات من الكليات بما يسمى القياس الشمولي، وقد نولد الكلي من الجزئي فيما نسميه بالاستقراء، أو نولد الجزئي من الجزئي فيما يسمى قياس التمثيل.

تقنين الفقه أم تدوينه؟

 

 

 ما رأيكم فيما يدعو إليه بعض الداعين اليوم من تقنين الفقه؟


 

في الحقيقة المسألة كما تعلم فيها أخذ و رد، من العلماء من يعارضها خيفة أن تكون وسيلة لتبديلِ الأحكام و تغييرها من منطلق بشريّ بحت، و منهم من لا يرى مانعاً من جعل هذه الأحكام في مدونة ـ ولنقل تدوين الفقه ـ يكون فيها مشهور المذهب الذي يحكم به، فنحن هنا في المملكة العربية السعوديّة نحكم بمشهور مذهب الإمام أحمد، و هذا هو الذي تجري عليه المحاكم، ومن أراد أن يعدل عنه فعليه أن يخبر لمحاكم العليا و مجلس القضاء الأعلى بنيّته تلك، ويقدم الحيثيات التي على أساسها خرج عن المذهب. 

ومعنى هذا أنّ هناك فعليّاً نوعاً من التقنين للفقه في هذه المحاكم.

وبعض الكتب كالمقنع و غيره هي محاولات لتلخيص مشهور المذهب، فتدوين مشهور المذهب قد لا يكون أمرا إدّاً، وعليه فأنا أقترح أن نبتعد عن مصطلح (تقنين الفقه) ونستبدل به مصطلح (تدوين الفقه) أو تدوين المشهور من المذهب.

في هذا الإطار ليس ثمت مانع من أن يدوّن مشهور المذهب ويوضع بين يدي الفقهاء بشكل واضح بناء على أنهم في الغالب ليسوا مجتهدين، والحق أنّ المحاكم في هذا الزمان تحتاج إلى تدوين الفقه حتى لا يميل القاضي، و حتى نتمكّن في المحاكمات الدوليّة وعند الاتصال بمحامين دوليين أنْ نقول: راجع في مدونتنا الصفحة الفلانية و اقرأها بتمعن. 

وينبغي أن تتضمَّنَ هذه المدونة فصولاً حول كيفية تقديم المرافعات إلى القاضي، وكيفية نظر القاضي في الدعاوى بحيث يفهم المحامي كيف يقدم الدعوى، ومارد الفعل الذي سيكون من القاضي، و يعرف أن الدعوى إذا كانت لها حيثيات مقبولة شرعاً فإن القفاضي سيقبلها، و يأمر الكاتب بتسجيلها، و سيوجه المدعي لتقديم البينات، وسيستجلب المدَّعَى عليه، ثم نَصِلُ إِلى مرحلة القرائن والأدلة و الأيمان ثم تصل إلى مرحلة البت و تدوين الحكم، هذا طيب جداً.


* إذن أنتم تؤيّدون (تقنين الفقه) على أن يسمّى (تدويناً) خروجاً من المحاذير.

نعم، أنا مع تغيير المصطلح، ومع تغيير المفهوم أيضاً؛ لأنه في الحقيقة تدوين كما فعل فقهاؤنا الأوائل عندما قاموا بتدوين المشهور من مذهب الإمام أحمد، وأحصوا الروايات والوجوه عارية عن الدليل.


* ألا تقودُ هذه التدوينات المذهبية إلى نزعةٍ إقليمية؟

لا أتصوّر هذا، لأن المسألة لا تعدو نوعاً من التقنين والتهذيب لما هو موجود أصلاً، فالمحاكم الشرعية في كل بلدٍ تحكم بمذهب من المذاهب، ولن يختلف شيءٌ إذا قلنا: اصنعوا مدوّنة قضائيّة لهذا المذهب أو ذاك.

ودعني أضيف لك بعداً جديداً من فوائد هذه المدوّنات، عندما تعلن بلادٌ ما رغبتها في تطبيق الشريعة فستكون هذه المدوّنات خير معين لها.

وقد أشرفت يوم كنت وزيراً للعدل على مدوناتٍ كتبت في موريتانيا في الأحوال الشخصية.

نحن نفهم الخشية التي عند العلماء من تحول الفقه إلى أمر تعمل فيه المراسيم و النظم، ولكننا نفهم أيضا أهمية أن تكون لدى المحاكم في هذا الزمان مدوّنات حاصرة نظراً لاتساع نظرها، وكثرة أعمالها، وقلة إحاطةِ بعضٍ من قضاتها بالفروع.

عرف عن العلامة ابن بيه شدة اهتمامه بشؤون الأقليات المسلمة , ما سرُّ هذا الاهتمام؟

 

 



ربما يكون سبب هذا الاهتمام هو معرفتي الشخصية بأوضاع هذه الجاليات فهي بحكم وضعها تفتقر إلى كثير من العناية التي قد لا يفتقر إليها المسلمون في ديار الأغلبية المسلمة أو في ديار الإسلام، فالمسلمون هناك مهددون في هويتهم و في ثقافتهم و في أصالتهم وفي دينهم و عقيدتهم. وثمتَ سببٌ ثالث للاهتمام بالأقليات هو أنّ وجودهم هناك يعتبر كسباً عظيماً للإسلام، إذ لم يكن أحدٌ يتصور قبل قرن من الزّمن أن توجد أقلية مسلمة كبيرة في ديار الغرب؛ لأن الغرب كان منغلقا على نفسه منشغلا بالحروب التي كانت بين الكاثوليك و البروتستانت حتى إن إعلان حقوق الإنسان في الثورة الفرنسية كان عبارة عن مصالحة بين البروتستانت و الكاثوليك حتى يستطيعوا التعايش، و كثير من البروتستانت هربوا إلى أمريكا خوفاً من إخوانهم الكاثوليك ، في تلك الأجواء المتوترة بدأ في القرن الثامن عشر البحث عن التعايش هذا البحث عن التعايش اتّسع شيئاً فشيئاً حتى شمل اليهود ثم هو يتّسع ليشمل المسلمين، و من هنا نشأت أقليات مسلمة لها تأثيرها في قلب الغرب النصراني، و على قادة الفكر في العالم الإسلامي أن يهتموا بهذه الظاهرة -ظاهرة التعايش- في الغرب و أن ينموها و أن يرسخوها ، و أن يوطنوا الإسلام في ديار الغرب فإن هذا كسب كبير. لقد كان الأجداد يذهبون بخيلهم و رجلهم و أسلحتهم إلى البلاد البعيدة تارة ليكفّوا الغارات و تارةً ليُسمعوا الناس كلمة الله، و نحن اليوم بحمد الله نستطيع بالكلمة الطيبة و بالمنطق و بالعمل الصالح من خلال هذه الأقليات أن نسمع كلمة الله تعالى في ديار الغرب   

لهذه الأسباب مجتمعة و لعوامل أخرى نفسية و شخصية أرى أنه يجب علي أن أعتني شخصيا و يعتني العلماء بالمسلمين في ديار الغرب  . 

صحيفة عكاظ تقدم جولة في أطروحات ورؤى العلامة عبد الله بن بيه

 

عكاظ- طالب بن محفوظ «جدة  »

   الدكتورعبدالله بن بيه، عالم ومفكر له آراؤه الفقهية المتعددة، وله رؤاه الفكرية المتنوعة، اهتم كثيرا بالقضايا التي تهم كافة أبناء الأمة، وخصوصا القضايا التي تتعلق بالأقليات المسلمة. تكلم كثيرا حول عدة أمور فقهية وفكرية، منها: المقاصد الشرعية، صناعة الفتوى، معايير الوسطية في الفتوى، حقوق الإنسان، مكانة المرأة في الإسلام، فقه الواقع والتوقع، فقه التجديد، أدب الاختلاف، فقه التيسير في الحج، مكافحة الإرهاب، الإعجاز العلمي، الثقافة العربية، الوقف، مفاهيم الخطاب الإسلامي، علاقة الدين بالدولة، إضافة إلى القضايا المتجددة وقضايا الاقتصاد والمجتمع والأسرة.


وإذا أريد التعمق في فكر وعلم العلامة الدكتور عبدالله بن بيه، فإن ذلك يحتاج للكثير من الحلقات، ولا يمكن في عجالة طرح كل آرائه وأفكاره، وهذه الأسطر جزء يسير جدا لتلك الرؤى والأطروحات للعلامة والمفكر الشيخ عبدالله بن بيه.


قيم مشتركة
في إجابة على السؤال حول القيم المشتركة؛ ما هو مركز القيمة؟، وهل للخير الذي هو أساس القيم وجود موضوعي مطلق؟، وهل هناك خير بالمعنى العام؟، أو هو دائما نسبي تبعا لرضا فرد معين أو فئة معينة؟..

 قال الدكتور عبدالله بن بيه:
ــ اختلف الفلاسفة في هذه المسألة الأساسية اختلافا شديدا وذهبوا فيها مذاهب، فكانوا طرائق قددا من اقتصاديين واجتماعيين ونفعيين ومثاليين، أعفيكم من ذلك بل أجمل الكلام في موقفين هما موقف من يقول بالنسبية، أي أن القيمة هي نسبية ولا توجد قيم عامة بغض النظر عن العنوان الذي يوضع ذلك تحته، ومن يقول بعموم القيم بغض النظر عن دوافعه.
إن أفضل ما يعبر عن النسبية واعتماد القيم على البيئة هذه الفقرات لوايتهيد في كتابه مغامرات الأفكار حيث يقول: «وتفاصيل هذه المقاييس الخلقية تتعلق بالظروف الاجتماعية الخاصة بالمحيط المرافق للحياة في زمن معين على الجانب الخصب من الصحراء العربية، والحياة على المنحدرات السفلى من جبال الهملايا، والحياة في سهول الصين أو سهول الهند، والحياة في دلتا أي نهر عظيم».
كما أن معنى المقاييس متغير وغامض، فهناك مثلا مفاهيم الملكية والعائلة والزواج والعقل، والله ــ سبحانه وتعالى، فالسلوك الذي ينتج في محيط ما وفي مرحلة ما مقياسه المناسب من الإشباع المتوافق قد يكون في محيط آخر وفي مرحلة أخرى منحطا انحطاطا مدمرا، ولكل مجتمع نمطه الخاص من الكمال وهو يحتمل صعوبات معينة حتمية في مرحلته.
وهكذا، فإن المفهوم القائل بوجود مفاهيم تنظيمية معينة مضبوطة ضبطا كافيا لإيضاح تفاصيل السلوك لكل الكائنات العاقلة على الأرض، وفي كل كوكب آخر، وفي كل مجموعة شمسية، وهو مفهوم يستحق الإهمال، فذلك هو مفهوم نمط واحد من الكمال يهدف إليه الكون كله، وهذا هو مذهب النسبية.
وإلى جانبه المذهب المطلق، وعبر عنه خير تعبير هنترميد بقوله: يمكن التعبير عن موقف المذهب المطلق باختصار بأنه يرى أنه لا يوجد إلا معيار واحد أو في حالة الأخلاق قانون واحد هو الصحيح منذ الأزل، وهو الذي يسري على البشر أجمعين، هذا المعيار لا يسري على نحو عالمي شامل فحسب، بل إنه أيضا مستقل عن العصر، وعن الموقع الجغرافي، والتقاليد الاجتماعية المألوفة، والعرف القانوني وكل شيء آخر، والأمر الذي يشكل التزاما لي في هذا المكان والزمان هو بالمثل التزام للصيني أو الإسباني أو البولندي.


مبدأ المساواة
والإسلام قرر مبدأ المساواة المطلقة بين الناس وردهم إلى أصل واحد، لأن ربهم واحد وأباهم واحد، قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، وقال عليه الصلاة والسلام: (يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، إن أكرمكم عند الله أتقاكم، وليس لعربي على أعجمي، ولا أعجمي على عربي، ولا لأحمر على أبيض، ولا أبيض على أحمر فضل إلا بالتقوى).
لهذا فأنا مع وجهة النظر التي تؤمن بوجود قيم مشتركة، واعتقد أن العولمة في العالم الحالي ووسائلها والمواصلات والتواصل ألغت الحاجز المادي الذي تحدث عنه الفيسلوف وايتهد إلا أن الحاجز النفسي لا يزال قائما.
ولترسيخ هذه القيم وتحجيم القيم المضادة يجب أن يكون رجال الدين جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة كما شاهدناه من انزلاق بعضهم على الضفتين ومن مختلف الديانات في إثارة نعرات الخلاف ومحاولة إرضاء جمهوره بما يعود سلبا على قيم التضامن الإنساني وحسن التفاهم.
كما أن وسائل الإعلام ومؤسسات المجتمع المدني والجامعات ومراكز البحث مدعوة لأن تلعب دورا إيجابيا في تنمية القيم، كما أن القادة السياسيين مدعوون للانخراط في جهد جاد لتخفيف وطأة الظلم والفقر حيثما وجدا لإيجاد حلول للقضايا المزمنة ولو نصف حلول أو نصف عدالة؛ لأن الحل بالوسائل العسكرية غير أخلاقي وأيضا غير ممكن.. تلك إحدى الحقائق.
إننا هنا لا نملك أكثر من الوعظ الذي يحاول أن يركز على ثلاثة أهداف أساسية، هي: تقديم دروس قيم مقنعة لأهل أوروبا، وبخاصة لشباب المسلمين تردعهم وإلى الأبد عن ارتكاب حماقات الإرهاب والجريمة، دعوة الجهات المعنية في الغرب بمنحهم حقوقهم، وبخاصة الحقوق الثقافية ليكونوا عنصرا فعالا له خصائصه التي لا تتناقض مع المجتمع الأوربي في الخطوط الأساسية، ودعوة الغربيين إلى إعادة النظر في العلاقة بالعالم الإسلامي على ضوء القيم لإيجاد تعايش أكثر إسعادا للجميع لأنه أكثر أخلاقية وأكثر ذكاء وسخاء.
بين اتجاهين
الوسطية تقع بين الغلو والإفراط..

 حول ذلك يقول الشيخ عبدالله بن بيه:
ــ الوسطية هي موقف بين موقفين في فهم النصوص والتعامل معها، وهي اتجاه بين اتجاهين بين ظاهرية مفرطة وباطنية مفرطة، ويتلخص كلام الشاطبي فيه فيما يلي: أولا: الاتجاه الظاهري الذي لا يهتم بالمعاني وإنما يقتصر على ظواهر النصوص وهم يحصرون مظان العلم بمقاصد الشارع في الظواهر والنصوص، والاتجاه الثاني: يرى أن مقصد الشارع ليس في الظواهر ويطرد هذا في جميع الشريعة لا يبقى في ظاهر متمسك وهؤلاء هم الباطنة وألحق بهؤلاء من يغرق في طلب المعنى، بحيث لو خالفت النصوص المعنى النظري كانت مطرحة.
والذي ارتضاه هو الاتجاه الثالث الذي شرحه بقوله: أن يقال باعتبار الأمرين جميعا، على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص، ولا بالعكس؛ لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض، وهو الذي أمه أكثر العلماء الراسخين؛ فعليه الاعتماد في الضابط الذي به يعرف مقصد الشارع.
وهي موقف وسط في التعامل مع المقاصد والنصوص الجزئية، فقد تباينت آراء الباحثين حول المقاصد من مبالغ في اعتبارها متجاوز لحدود عمومها، حيث جعله قطعيا وجعل شمولها مطردا غافلا أو متجاهلا ما يعتري العموم من التخصيص وما لا ينبري للشمول من معوقات التنصيص.
فألغوا أحكام الجزئيات التي لها معانٍ تخصها بدعوى انضوائها تحت مقصد شامل.
ومن مجانب للمقاصد متعلقا بالنصوص الجزئية إلى غاية تلغى المقاصد والمعاني والحكم التي تعترض النص الجزئي وتحد من مدى تطبيقه وتشير إلى ظرفيته، فهي كالمقيد له والمخصص لمدى اعتباره إلى حد المناداة بإبطال المصالح.
والمنهج الصحيح وسط بين هذا وذاك يعطي الكلي نصيبه ويضع الجزئي في نصابه، وقد انتبه لهذه المزالق الشاطبي ــ رحمه الله تعالى ــ حيث حذر من تغييب الجزئي عند مراعاة الكلي ومن الإعراض عن الكلي في التعامل مع الجزئي.


التشهير بالعلماء
وحول تشهير بعض الشباب بالعلماء،

قال الشيخ عبدالله بن بيه:
ــ هذا كما هو معروف لا يجوز، والعلماء من المؤمنين والعلماء العاملون هم قمة المؤمنين، والله ــ سبحانه وتعالى ــ يقول: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا)، فهم مؤمنون لا يجوز إيذاؤهم، ولا يجوز قذفهم، وهو من باب البهتان والإثم العظيم، والإثم المبين، فهذا التشهير في غير محله، وبخاصة إذا كان صادرا عن صغار السن، قليلي العلم، ضعيفي المعرفة، فحري بهؤلاء ألا يشهروا بالعلماء، وأن يتبعوا العلماء في أقوالهم وأفعالهم؛ حتى يصلوا إلى درجة من العلم والتبصر تسمح لهم بتمييز الطيب من الخبيث، والغث من السمين، والصحيح من السقيم، والتعامل مع هؤلاء هو تبصيرهم، وأن نطلب منهم أن يدرسوا الفقه، أن يتعلموا، أن يتفقهوا؛ لأن الإنسان إذا لم يتفقه فهو أعمى يخبط خبط عشواء، ويخبط في ليلة ظلماء، فالذي أوصي به جميع إخواننا وشبابنا أن يتعلموا؛ لأن العلم لا بديل عنه، فإنك إذا تعلمت عرفت الحق، وكما قال أمير المؤمنين علي ــ رضي الله عنه: «أعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال»، وحينما قال له رجل: أتظن أن طلحة والزبير، ــ رضي الله عنهما ــ كانا على باطل؟ قال له: (إنك رجل ملبوس عليك).
فهذا سببه هو الجهل، فعلى الإنسان أن يتعلم الكتاب والسنة، واختلاف العلماء وأقوالهم، ومواضع الخلاف ومواضع الإجماع، وحينئذ سيكون متبصرا، وبالتالي يستطيع أن يعرف صدق القائل أو كذبه، أو أن كل الأقوال هي أقوال مقبولة، وكثير من الأقوال في الشريعة، وكثير من الاختلاف بين العلماء هو اختلاف حميد، كما يقول الشيخ العلامة ابن القيم ــ رحمه الله تعالى: «فالاختلاف سنة من سنن الحياة»، فلا بد أن نوسع صدور الشباب للاختلاف، ولا بد أن نعلمهم الفقه، أن يتفقهوا، فإذا عرفوا الفقه وعرفوا اختلاف العلماء ومواضع الاختلاف ومواضع الإجماع، وأسباب اختلاف العلماء فعسى أن يكونوا على بصيرة، وأن يعالج جهلهم وغلوهم، وتنطعهم في بعض الأحيان.


نظام متوازن
وعن الاهتمام الغربي بالاقتصاد والمالية الإسلامية،

يقول الشيخ عبدالله بن بيه:
ــ هذا يرجع لعدة أسباب، هي: لأنه لا يوجد اقتصاد أخلاقي ديني له مصداقية اليوم على وجه الأرض إلا الإسلام، العقلانية التي يتمتع بها الاقتصاد الإسلامي الذي هو، وإن كانت أصوله وثوابته وحيا سماويا على النبي الخاتم ــ عليه الصلاة والسلام، حصيلة اجتهاد دؤوب في قراءة النص المقدس وملاحظة التجارب الإنسانية، وقد وظف هذا الاجتهاد أدق أدوات الاستنباط العقلي من استنتاج واستقراء وقياس تمثيلي، وكان فقهاؤه فلاسفة ومناطقة من الطراز الأول، إن المليارات من الدولار توجد الآن في البنوك الإسلامية، ولعل ذلك من الأهمية بمكان، إن التشريع الإسلامي يتفق مع النظام الرأسمالي ــ الذي قال عنه ساركوزي: إنه يجب أن تعاد صياغته ــ في كثير ويختلف معه في بعض القضايا لعلها هي التي تساعد على إعادة الصياغة، وأنه نظام متوازن.


مفهوم الجهاد
وعن مفهوم الجهاد في الإسلام، خصوصا أن البعض بالغ فيها إفراطا وتفريطا،

حيث يوضح الدكتور عبدالله بن بيه حول ذلك بقوله
ــ الإسلام كما يقول الراغب في مفرداته يغطي ثلاثة ميادين، أو هو على ثلاثة أضرب حول الجهاد: مجاهدة العدو الظاهر، مجاهدة الشيطان، ومجاهدة النفس.
والمعنيان الأخيران وردا في أحاديث، منها ما رواه الأمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه عن فضالة عن عبيد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ــ عز وجل)، وهو حديث حسن.
وقد جاء في حديث ضعيف رواه البيهقي عن جابر أنه عليه الصلاة والسلام قال عند عودته من آخر غزوة له تبوك: (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر)، وفسره بمجاهدة الهوى وخدمة الوالدين جهاد قال عليه الصلاة السلام: (ففيهما فجاهد).
أما المعنى الأول وهو جهاد الناس فهو المعنى الأكثر انتشارا وهو جهاد غير المسلمين الذي يعني عمليات القتال والحرب والذي وردت فيه آيات كثيرة وأحاديث في فضله وشروطه وضوابطه، وكانت له ممارسات في التاريخ بين المسلمين وغيرهم لا تزال أصداؤها تتردد في أسماع التاريخ، وما زالت إلى يومنا هذا موضوع أخذ ورد، إفراط وتفريط، وإعجاب وشجب، فكم من أناس برروا حروبا عدوانية ومطامع دنيوية بدعوى الجهاد، وكم آخرون فرطوا في الجهاد فتقاعسوا عن رد العدو ونكصوا عن مقارعة العدو فكانت النتائج وخيمة، وكم حركات غير منضبطة بضوابط الجهاد شوهت سمعت الإسلام وأورثت المسلمين عنتا وضياعا، وكم متجن على الإسلام معتبرا أن الجهاد لا ينتظر مبررا وأنه دعوة إلى القتال الدائم ضد غير المسلمين كما يقول القس هانز فوكنج في مقاله المنشور بجريدة ألمانية في فرانكفورت 1991م كما يحكيه مراد هوفمان. وأمثال هذا في المقالات الاستشراقية كثير، وهم بذلك يبررون حربا عدوانية ضد المسلمين لتمدينهم وجعلهم مسالمين.
والحق أن مفهوم الجهاد في الإسلام ليس مرادفا دائما للقتال، فالجهاد مفهوم واسع فهو دفاع الحق ودعوة إليه باللسان، وهذا هو المعنى الأول قال تعالى: (وجاهدهم به جهادا كبيرا)، أي بالقرآن الكريم أقم عليهم الحجة وقدم لهم البرهان تلو البرهان، ومعلوم أن تلاوة القرآن لا تتضمن أعمالا حربية، فليس كل جهاد قتالا وليس كل قتال جهادا والجهاد دعوة إلى الحرية. إلا أن الجهاد قد يكون أعمالا حربية كما أن هناك أعمالا حربية، ولهذا قسم ابن خلدون الحرب إلى أربعة أنواع، وذلك حسب دوافعها قائلا: إن أصل جميع الحروب إرادة الانتقام نوعان منها حروب بغي وفتنة: حرب المنافسة (التوسع) وحرب العدوان التي تقوم بها الأمم المتوحشة. ونوعان عادلان: حرب غضب لله تعالى ودينه وهي جهاد، وحرب على الخارجين عن السلطان وهي حرب للعناية بالملك ــ كما سماها

حوار مع صحيفة عكاظ حول المقاصد و ترشيح «المجتهد»

 

 

عكاظ – طالب بن محفوظ

تنقسم المقاصد إلى «مقاصد عامة» و«مقاصد خاصة»، فالعامة تعني «تحقيق مصالح الخلق جميعا في الدنيا والآخرة»، ويتحقق هذا من خلال جملة أحكام الشريعة الإسلامية، أما الخاصة فهي «الأهداف التي تسعى الشريعة إلى تحقيقها في مجال خاص من مجالات الحياة كالنظام الاقتصادي أو الأسري أو السياسي وغيرها»، وذلك عن طريق الأحكام التفصيلية التي شرعت لكل مجال على حدة  .وتكون «المقاصد» تارة حكما وغايات، وتارة أخرى تكون أحكاما تحقق تلك الحكم، وتارة تكون نوايا المكلفين وغايتهم ـ

كما أوضح ذلك العلامة الإسلامي المعروف الدكتور عبدالله بن بيه ـ الذي أضاف أنها «فلسفة التشريع الإسلامي» معللا ذلك بتقديمها الإجابة لثلاثة أسئلة أساسية تواجه كل تشريع وهي: مدى استجابة التشريع للقضايا البشرية المتجددة وهو ما سماه بعض القدماء بالقضايا اللا متناهية كابن رشد، ومدى ملاءمة التشريع للمصالح الإنسانية وضرورات الحياة،والمكانة الممنوحة للاجتهاد البشري المؤطر بالوحي الإلهي  


كيف يمكن استكشاف المقاصد واستشفاف الحكم والفوائد؟   

الدعوة إلى كشف مقاصد الشريعة واستشفاف الحكم فهمها السلف فتجلت في فقه الراسخين في العلم وظهرت في قضاياهم وفتاواهم ـ رضي الله عنهم ـ في أمور لم يسبق فيها حكم أو أمر منه عليه الصلاة والسلام أو سبق فيها حكم أو عموم فخصصوه في الزمان، ويفتون فيما تجدد من قضايا اعتمادا على ما حفظوه من الوحيين وتارة اعتمادا على ما فهموه من دلالة المقاصد، وامتد هذا الفقه في عصر التابعين بنسب متفاوتة «فسالت أودية بقدرها» وأخذت كل مدرسة بنصيب ومع ذلك كانت الإشارة إلى مدرسة أهل المدينة بأنها مدرسة المقاصد إذ منها الفقهاء السبعة واستمر عمل أهلها على منهج ما ورثوه من تراث النبوة فوجد أوقافهم قائمة دليل على جواز الوقف


اتجاهات متعارضة
المقاصد ظلت ماثلة في فقه الأئمة ومع ذلك ظهر التباين مبكرا في اجتهاد الفقهاء السبعة، اتساعا وضيقا، لصوقا بالنص وبعدا منه.. لماذا؟

يصف الإمام الشاطبي هذه الاتجاهات المتعارضة في موقفها من التعامل مع النص
فأولا: الاتجاه الظاهري الذي لا يهتم بالمعاني وإنما يقتصر على ظواهر النصوص وهم يحصرون مظان العلم بمقاصد الشارع في الظواهر والنصوص.

والاتجاه الثاني: يرى أن مقصد الشارع ليس في الظواهر ويطرد هذا في جميع الشريعة فلا يبقى في ظاهر متمسك وهؤلاء هم الباطنة وألحق بهؤلاء من يغرق في طلب المعنى بحيث لو خالفت النصوص المعنى النظري كانت مطرحة.

والثالث: أن يقال باعتبار الأمرين جميعا، على وجه لا يخل فيه المعنى بالنص، ولا بالعكس؛ لتجري الشريعة على نظام واحد لا اختلاف فيه ولا تناقض، وهو الذي أمّه أكثر العلماء الراسخين؛ فعليه الاعتماد.


اتجاهات داخل المذاهب

يعترف بعض العلماء ـ وأنت واحد منهم ـ أن تقسيم الإمام الشاطبي تقسيم دقيق، إلا أنهم يرون أنه يحتاج إلى تجلية.. كيف تفسرون ذلك؟

اختلفت المدارس الفقهية بين متمسك بظاهر النصوص مع دليل واحد هو الاستصحاب، وهؤلاء هم أهل الظاهر، بينما قال الشافعية مع الظاهرية بظاهرها وزادوا بالقياس مع اضطراب في مذهبهم حول الاستصلاح، وهؤلاء أقرب إلى حرفية النص، وزادت المدارس المالكية والحنبلية والحنفية على الظاهر والقياس فقالت بالاستدلال وهو لغة طلب الدليل. قال الشوكاني: «وهو في اصطلاحهم ما ليس بنص ولا إجماع ولا قياس».
وفي آخر القرن الثاني بدأت تتبلور صورة المشهد المتباين والمتساكن والمتداخل والمتقابل، وإن كان أئمة المذاهب الثلاثة الحنفية والمالكية والحنبلية لم يعلنوا عن هويتهم إلا من خلال اجتهاداتهم المتناثرة في المسائل التي تجسدت فيما بعد في قواعد فإن الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ سطر أصوله التي كان لدلالات الألفاظ فيها النصيب الأوفر والحظ الأوفى ولم يكتف بذلك فقد أوضح موقفه من الآخرين وبذلك قدم لنا مواقفهم كما يراها فتحدث عن الاستحسان وعن الذرائع معلنا موقفه المبدئي الحاسم منها، وهكذا تميزت اتجاهات داخل المذاهب الأربعة التي تجمع بينها روابط نسب العلم بالأخذ المباشر بين أئمتها.


ذكرتم في إحدى محاضراتكم أن «المقاصد» خرجت من عباءة هذا الجدل، وأن من المفارقات أن يكون الشافعية في طليعة مؤسسي الفكر المقاصدي من خلال مقولات إمام الحرمين الجويني وردوده اللاذعة على مذهب مالك وأبي حنيفة.. كيف تفسرون ذلك؟

عندما يلج النزاع ويحتدم الجدال وتلتك البراهين على حياض الاجتهاد في محاولة لضبط أوجهه خارج نصوص الكتاب والسنة والإجماع والقياس فيما سمي لاحقا بالاستدلال، كانت المقاصد الوسيلة والمعيار لهذا الضبط لأنها كلية مشككة وإن كانت قطعية بتفاريق أدلة شتى حسب عبارة الغزالي تقريبا.وقد بدأ البحث عن المقاصد انطلاقا من الرسالة ورد الفعل عليها والجدل حولها الذي اشترك فيه علماء من مختلف المذاهب أرسخهم القاضي أبو بكر الباقلاني، إلا أن الفلسفة المقاصدية كانت مع الجويني سنة 478 هـ، وتلميذه أبي حامد الغزالي سنة 505 هـ، وتلميذه أبي بكر ابن العربي سنة 543 هـ، والعز بن عبدالسلام سنة660 هـ، وتلميذه القرافي سنة 682هـ، مع آخرين كالرازي وأبي الخطاب وأبي الحسين البصري وغيرهم من الأصوليين والمتكلمين

وإن تأخر رد فعل الأحناف ليكون في القرن الثالث فإنهم انخرطوا في جدل مع الشافعية وغيرهم في مختلف قضايا الخلاف التي يرجع بعضها إلى دلالات الألفاظ وبعضها إلى معقول النص أي المقاصد، إلا أن تدخل المدارس الكلامية كالأشعرية والماتريدية والمعتزلة والشيعة أثرى الفكر المقاصدي، وأوجد أسسا جديدة للحوار الدائر حول المسألة المقاصدية من خلال طرح إشكالية التحسين والتقبيح العقليين ووجوب الصلاح والأصلح أساسا لتعليل أحكام الباري جل وعلا وأفعاله ومسألة الباعث في التعليل فكان الفقيه الأصولي مدفوعا لخوض غمار علم الكلام وأحيانا السباحة في بحر الفلسفة الأرسطية دون أن يكون قد أعد لها زورقها.


استنباط المقاصد

 وماذا يعني الاستنجاد بالمقاصد واستثمارها ؟

نعني بهذا أن المقاصد بعد استنباطها واستخراجها من مكامنها كيف نجني ثمرتها، وكيف تنجدنا وترفدنا وتسعفنا وتتحفنا بفوائد تشريعية، فأول استثمار لها هو ترشيح المستثمر الذي هو المجتهد ليكون مجتهدا موصوفا بهذا الوصف، لابد من اتصافه بمعرفة المقاصد، ولقد بني الشاطبي اجتهاد المجتهدين على دعامتين من المعرفة، أولاهما: معرفة اللغة العربية فيما يتعلق بدلالات الألفاظ ومقتضيات النصوص، وثانيهما معرفة مقاصد الشريعة جملة وتفصيلا إذا تعلق الاجتهاد بالمعاني من المصالح والمفاسد.ولهذا فيمكن أن نقرر وجود مقاصد كبرى قطعية ثابتة بأكثر من دليل في حكم التواتر، ومقاصد ثانوية ثبوتها كثبوت العلل، ومقاصد عامة تنتشر في كل باب من أبواب الشريعة، ومقاصد خاصة تخص بابا واحدا أو طائفة من أحكام أحد الأبواب.وبهذا يتضح توالد المقاصد وترابطها وتضامنها وتسلسلها وتراتبها في سلم العموم والخصوص، تتدرج بين العام والخاص وبين الأعم والأخص، وهناك أيضا مقاصد المقاصد ومقاصد الوسائلوتعرض ابن عاشور لاحتياج الفقيه إلى معرفة مقاصد الشريعة فقال: إن تصرف المجتهدين بفقههم في الشريعة يقع على خمسة أنحاء
ولبيان ما دندن حوله أبو المقاصد أبو إسحاق الشاطبي والعلامة الشيخ الطاهر بن عاشور ـ رحمهما الله تعالى ـ نقول: إنه يستنجد بالمقاصد في أكثر من ثلاثين منحى من مسائل الأصول يمكن أن نستعير لها كلمة المحائر والأكنسة، لأنها مكامن لؤلؤ الحكم ومكانس ظباء المقاصد وجذور أرومتها وأقناس أجناسها.

خلاصة القول: إن المقاصد روح الشريعة وحكمها وغاياتها ومراميها ومغازيها


ذكرتم في وقت سابق تباينا بين الباحثين حول المقاصد.. من أي جانب يكون هذا التباين؟ 
نعم.. تباينت آراء الباحثين حول المقاصد من مبالغ في اعتبارها متجاوز لحدود عمومها، حيث جعله قطعيا وجعل شمولها مطردا غافلا أو متجاهلا، وما يعتري العموم من التخصيص وما ينبري للشمول من معوقات التنصيص، فألغوا أحكام الجزئيات التي لها معان تخصها بدعوى انضوائها تحت مقصد شامل، ومن مجانب للمقاصد متعلقا بالنصوص الجزئية إلى غاية تلغي المقاصد والمعاني والحكم التي تعترض النص الجزئي وتحد من مدى تطبيقه وتشير إلى ظرفيته، فهي كالمقيد له والمخصص لمدى اعتباره إلى حد المناداة بإبطال المصالح.
منظومة الشريعة


ما هو في نظركم المنهج الصحيح في هذا التباين بين العلماء؟

 المنهج الصحيح وسط بين هذا وذاك، يعطى الكلي نصيبه ويضع الجزئي في نصابه، وقد انتبه لهذه المزالق الشاطبي ـ رحمه الله تعالى ـ حيث حذر من تغييب الجزئي عند مراعاة الكلي، ومن الإعراض عن الكلي في التعامل مع الجزئيوهذا نكون قد رمينا نظرية استقلال المقاصد عن أصول الفقه بالفند، وأبنا الاندماج بينهما اندماج الروح في الجسد والمعدود في العدد. والقول الفصل إن للمقاصد أصولا كبرى فوق علم الأصول وأصولا عامة مشتبكة بمباحث الأصول وأخرى أخص من ذلك إلا أنها في خدمتها مفصلة لها مبينة تارة ومكملة تارة أخرى.
فمنظومة الشريعة لا يعزب عنها حكم ولا تغيب عنها حكمة وقد تفطن الأصوليون للمقاصد الكبرى وهي مقصد العبادة ومقصد الابتلاء والامتثال في مبحث التكليف
لكن بحر المقاصد لا يزال زاخرا يتجدد عطاؤه وبخاصة في القضايا المتجددة وذلك في اتجاهين: قضايا لم يقم موجبها في الزمن الماضي ولم تظهر الحاجة إليها: فقام في هذا الزمان كما أشار إليه الشاطبي في أحداث الصحابة أحكاما في قضايا لم يكن مقتضاها قائما في زمنه عليه الصلاة والسلام ولم يكن من نوازل زمانه كما يقول الشاطبي كجمع المصحف وتدوين العلم وتضمين الصناع

فقه تغيير المنكر – حوار مع العلامة عبد الله بن بيه في برنامج الشريعة والحياة

 

فقه تغيير المنكر – حوار مع العلامة عبد الله بن بيه في برنامج الشريعة والحياة

– تغيير المنكر.. مفهوم وضوابط
– الأسس الشرعية لإنكار المنكر
– تغيير المنكر في حدود الاستطاعة
– سلطة تغيير المنكر
– خصوصية التصور الإسلامي للأقليات
– وسائل تغيير المنكر وسبل استخدامها
 

 

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم وحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة يقول الله سبحانه وتعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}[آل عمران:110] يقول الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى (إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَرِ هُوَ الْقُطْبُ الْأَعْظَمُ فِي الدِّينِ، وَهُوَ الْمُهِمُّ الَّذِي ابْتَعَثَ اللَّهُ له النَّبِيِّينَ أَجْمَعِينَ، وَلَوْ طُوِيَ بِسَاطُهُ، وَأُهْمِلَ عَمَلُهُ وَعِلْمُهُ لَتَعَطَّلَتْ النُّبُوَّةُ، وَاضْمَحَلَّتْ الدِّيَانَةُ، وَعَمَّتْ الْفَتْرَةُ، وَفَشَتْ الضَّلَالَةُ، وَشَاعَتْ الْجَهَالَةُ، واسْتَشْرى الْفَسَادُ، وَاتَّسَعَ الْخَرْقُ، وَخَرِبَتْ الْبِلَادُ، وَهَلَكَ الْعِبَادُ) هذا فيما يخص الأمر والإنكار، ولكن ماذا عن تغيير المنكر، ما المنكر الذي يجب تغييره ومن يملك سلطة تغييره؟ وكيف يكون التغيير؟ وكيف يمكن لتغيير المنكر أن لا يتحول إلى منكر أكبر؟ فقه تغيير المنكر موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مرحبا بكم فضيلة الشيخ.

عبد الله بن بيه : مرحبا بكم الله يحييكم.

تغيير المنكر.. مفهوم وضوابط

عثمان عثمان: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[آل عمران:110] بداية ما المقصود بالمنكر الذي يجب تغييره؟

عبد الله بن بيه: الحمد لله رب العالمين وبه نستعين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، المنكرُ الذي يجب تغييره دعني أولا أقول إن المنكر هو الشيء الفظيع الشنيع، وقد يستعمل باللغة لمعانٍ عده كلها ترجع إلى الشناعة والفظاعة والغرابة، الله سبحانه وتعالى يقول {تَعْرِفُ فِي وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا الْمُنكَرَ يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا}[الحج:72] إنكار شديد يظهر على وجوه هؤلاء، وفي شأن سيدنا إبراهيم لما جاءه الملائكة أوجس منهم خيفة نكرهم وأوجس منهم خيفة لم يعرفهم؛ والشاعر يقول:

أنكرتني وما كان الذي نكِرتْ          من الحوادثِ إلا الشيبَ والصلَعا

أما المنكر الذين نتحدث عنه هنا فهو ما خالف الشرع والطبع، ما خالف الشرع بمعنى خالف القواطع: الكتاب والسنة والإجماع، الكتاب واضح الدلالة أما السنة فيجب أن تكون متواترة أو قريبة من التواتر، وأن تكون واضحة الدلالة أيضا، أما الإجماع فيجب أن يكون قطعيا وليس إجماعا سكوتا ظنيا هذه هي الناحية الشرعية، أما ناحيته العقلية الطبع فهو ما أدى إلى مفسدة وهذا يكون منكرا، الثاني يندرج بالأول ما أدى إلى مفسدة هو مخالف للشرع.

عثمان عثمان: هل تعريف المنكر هو مصطلح ثابت أم أنه مرن يتغير بتغير المجتمعات تغير العادات تغير الثقافات؟

عبد الله بن بيه: المنكر هو كل يوم يشكك كما نستعمله في المناطق في استعمال المناطق، كل يوم يشكك يعني لا يستوي في أحواله ولا في محله ولا في أزمنته ولا  أمكنته بمعنى أنه متفاوت الدرجات، وبالتالي الذي تفضلتم به فالمنكر الذي يرجع إلى العادات ويرجع إلى الأعراف ويرجع إلى الاستحسان والاستقباح فلا يتغير بتغير الزمان والمكان، لكن هناك ثوابت منكرة في الشرع ستظل منكرة إلى يوم القيامة.

عثمان عثمان: يعني كما يقول المشاهد زينب الصديق، ما يكون منكرا في مجتمع قد لا يكون منكرا في مجتمع آخر، الدكتور أبو اليسر رشيد يقول قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله (لوْ سَكَتَ مَنْ لا يَعْلَمُ سَقَطَ الاخْتِلافُ) هل كل رأي نختلف معه يعتبر منكرا يجب تغييره؟

عبد الله بن بيه: لا العلماء أصلوا قاعدة وهي أن الاجتهاد لا ينقضي بالاجتهاد وأنه لا إنكار في الاجتهاد لا إنكار في الاجتهاديات، الإنكار إنما يكون في مخالفة القواطع، والقواطع كما أسلفت كتاب وسنة وتواتر وإجماع، الاجتهاديات لا إنكار فيها وقد أشار بها العز بن عبد السلام وكذلك أشار القيم وكذلك أشار ابن تيمية إلى شيء قريب من هذا حيث سئل عن مسألة فقال هذه المسألة هي فرق مختلف فيه، والألفة والجماعة أصل متفق عليه، فيجب أن لا يقر الفرع المختلف فيه على الأصل بالبطلان إذا قارنا بين المختلف فيه وبين قاطع كالألفة والجماعة، فالإنكار لا يصوغ في مختلف فيه إلا إذا كان اختلافا ضعيفا جدا وكان المنكر من أهل العلم الذين يفرقون بين القواطع وبين الاجتهاديات وبين مراتب الضعف ومراتب القوة في النصوص.

عثمان عثمان: البعض فضيلة الشيخ يرى اليوم أن الدين هو مسألة شخصية فردية لا تتعدى إلى المجتمع مبدأ إنكار المنكر مبدأ شرعي أصيل، لكن ما هي الأسس والثوابت التي يقوم عليها مبدأ إنكار المنكر؟

عبد الله بن بيه: أولا دعنا نقول أن الدين ليس مسألة فردية، الدين هو فرضي وهو أيضا اجتماعي عندنا ما نسميه بفروض الأعيان وبفروض الكفاية، فروض الكفاية هي فروض جماعية أي أن الفرض موجه إلى جماعة فإذا قام به بعضهم  سقط عن الآخر، فالدين ليس مسألة فرضية أنانية إلا بالنسبة للمفهوم الغربي، أما بالنسبة لنا فالدين قضية تهم المجتمع كله وبالتالي هناك الجوانب الاجتماعية والمجتمعية من الدين التي لا تخص فردا دون فرد وبالتالي فإن عمل الجماعة فهو من باب التضامن والتعاون والتواصي على الحق وعلى الصبر، فالتواصي دليل على نوع من التضامن في إقامة الحياة الصالحة في المجتمع.

عثمان عثمان: البعض ربما يقول إذا رأى منكرا يقول: “أنا مالي ومال الذي يفعل المنكر” كما يقال في المثل “الحيط الحيط يا رب البيت” وكأن الأمر لا يعنيه ماذا يترتب على مثل هذا من خطورة اجتماعية؟

عبد الله بن بيه: يترتب عليه أن قلب القائل مات وبالتالي إذا انتشر هذا في المجتمع قد تجده ببعض المجتمعات وقد رأيت ذلك في بعض المناطق في ديار الغرب أن يأخذ الرجل يجيء اللص ويأخذ مالا والآخرون ينظرون لا يهتمون بهذا، هذه حالة من العجز وحالة من شيوع التخاذل بين الجماعات لا يوجد تضامن، (المسلمون كالجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر) (المسلمون كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا) فالبنيان المرصوص لا بد أن تعتلي أجزاءه ببعضها وكذلك الجسد الواحد وبالتالي فيجب أن ننظر من هذه الزاوية أن المنكر هو عبارة عن آفة وعبارة عن مرض وعبارة عن مفسدة يمكن أن تضر بالمجتمع كله وبالتالي علينا أن نعالجها جميعا لكن من يعالج المنكر هذا هو الإشكال..http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

الأسس الشرعية لإنكار المنكر

عثمان عثمان: سنتحدث إن شاء لله في هذه الأمور لكن نريد أن نعرج على الأسس والثوابت التي قام عليها، الأسس الشرعية التي قام عليها مبدأ إنكار المنكر.

عبد الله بن بيه: الأسس الشرعية كثيرة أولا الله سبحانه وتعالى يأمر بالإصلاح، والإصلاح هو ضد الفساد والمنكر فساد في الأرض، والله سبحانه وتعالى يجعل تغيير المنكر أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصائص الأمة الفاضلة، كما قرأت قبل قليل {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ}[آل عمران:110] {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَر}[الحج:41] وكذلك الله سبحانه وتعالى يحكي لنا عن لقمان {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ}[لقمان:17] فالمنكر وجود المنكر وشيوعه بالناس يؤدي إلى ميتة القلوب وبالتالي أن تصبح الأمة عرضة لكثير من الأمراض الاجتماعية التي لا يمكن أن تعالجها إلا بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

عثمان عثمان: هناك إنكار المنكر وهناك تغيير المنكر يعني كيف تتبين الفرق بين هذين المصطلحين؟

عبد الله بن بيه: الفرق بينهم هو أن الإنكار وسيلة وأن التغيير مقصد، فالمراد من الإنكار أن نصل إلى التغيير، والاجتهاد عندما لا يكون الإنكار مجديا للوصول إلى  التغيير ألا يكون مطلوبا، فالوسيلة يجب أن يترتب عليها  مقصد لم تشرع ليست مطلوبة إلا مع ظن أن ذلك سيؤدي إلى الخير، أن الإنكار هو حالة نفسية أولا ولأجل هذا جاءت التراتب في الحديث ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أدنى الإيمان)) أو ليس وراء ذلك مثقال حبة خردل من إيمان، التغيير هنا هو الإنكار يعني التغيير بالقلب لأن القلب هنا لا يغير شيئا القلب فقط يجعل صاحبه حيا بمعنى أنه لا يقر منكرا وبالتالي هذه دائرة الإيمان، دائرة الإيمان هو أن ينكر المناكر أن الحرام هو حرام إلى يوم القيامة وأن القبيح هو قبيح إلى يوم القيامة وبالتالي تبقى النفوس حية ويبقى المجتمع متمسكا بشجرة الحقيقة والحق.

عثمان عثمان: لكن هل الإنكار مطلوب شرعا حتى وإن لم يؤد هذا الإنكار إلى تغيير المنكر؟

عبد الله بن بيه: الإنكار كما قلت هو وسيلة وليس مطلوبا طلبا أكيدا إذا لم يؤد إلى تغيير، لكن الإنكار قد يؤدي إلى تغيير، {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِّنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الأعراف:164] {مَعْذِرَةٌ} قراءة نافع و{مَعْذِرَةً} قراءة عاصم بن أبي النجود لأن المشاهدين الكثير منهم يقرأ {مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ} فيجب أن نوضح، فهؤلاء أنكروا المنكر مع قول الآخر انه لن يجدي شيئا {لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُواْ مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ}[الأعراف:164] هنا لعلهم يتقون، {وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} هم يظنون أو يقدرون أنه يمكن لهؤلاء أن يرجعوا ويعودوا إلى رشدهم وينهوا عن المنكر فهنا يكون مشروعا لكنه ليس محتما إلى أن يؤدي إلى نتيجة فيكون الإنكار بالقلب ضرورة، أما الإنكار باللسان أو باليد في حالات لا يجدي فيها أو في حالات يؤدي إلى مفسدة فإن لا يكون مشروعا، لأن الإنكار المراد به أن يؤدي إلى تغير، ولذلك هنالك المراتب الأربع التي ذكرها ابن القيّم: إنكار يؤدي إلى تغيير المنكر بدون مفسدة وهذا هو المطلوب، وإنكار يؤدي إلى تقليل المنكر دون مفسدة وهذا أيضا مطلوب، وإنكار يؤدي إلى إزالة المنكر لكن مع مفسدة تساويه وهذا محل نوال واجتهاد، وإنكار يؤدي إلى منكر اكبر وهذا ليس مشروعا هذا حرام بمعنى أن المطلوب هنا هو عدم الإنكار وليس الإنكار وأن تطبيق الشريعة هنا هو ترك تطبيق الجزئية لوجود كلية تعارضها..http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

تغيير المنكر في حدود الاستطاعة

عثمان عثمان: أين مفهوم الاستطاعة في تغيير منكرٍ ربما أن البعض يرى منكرا ينكره بقلبه يسعي إلى التغيير لكن هذا السعي محفوف بالمخاطر يعني كيف هنا نوازن بين المخاطر المحدقة في السير نحو تغيير المنكر وبين الانكماش والعودة إلى الوراء والاكتفاء فقط بالإنكار القلبي؟

عبد الله بن بيه: أولا دعنا نقول أن الإنكار العملي إنما هو لمن يستطيع أن يفعل ذلك ولأجل ذلك من لا يستطيع أن يؤدي واجب الإنكار فلا يجب عليه الإنكار {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}[التغبن:16] فالاستطاعة هي شرط في كل ذلك، طبعا هناك إنكار المنكر وهناك البلاغ هناك فرق، واجب البلاغ هو درجة من إنكار المنكر أكبر من الإنكار مثلا ما قال به المالكي رحمه الله تعالى وأحمد بن حنبل هذا كان بسبب وجوب البلاغ لأنهم أنكروا منكرا وأدى ذلك إلى أن يعذبوا وأن يقمعوا ويسجنوا لكن مع ذلك غلبوا جانب مصلحة القيام بإنكار المنكر لأنه من باب البلاغ حتى يبلغوا الأمة ما يرونه في مسألة خلق القران وبالنسبة لأحمد أو الطلاق المكره أي معنى البيعة بالنسبة للمالكي رحمه الله تعالى، هنا أنا افرق بين حالتين بين ترك إنكار يؤدي إلى مفسدة كبرى كمسألة البلاغ بالنسبة للعلماء مع أو ترك إنكار منكر لا يؤدي إلى مفسدة كبرى كحالة عوام الناس الذين قد يؤدي الإنكار إلى أن يضرب أحدهم أو أن يعتدي عليه فلا يكون واجبا عليه لكنه يكون مستحبا فقط إذا لم يؤد إلى منكر أكبر..

عثمان عثمان: في حالة الأئمة أحمد بن حنبل وغيره من الأئمة عندما مارسوا موضوع البلاغ، البلاغ في تغيير المنكر كيف يمكن أن ننزل هذه الصورة على واقع علماء اليوم؟

عبد الله بن بيه: أعتقد أن هذا الأمر لازم دائما لكن بشرط أن لا يؤدي إلى منكر أكبر، وهنا تقدير المنكر أو تحقيق المناط في تقدير المفسدة التي يؤدي إليها أمر مطلوب ومهم جدا لأن كثيرا من الناس وكثيرا من الدعاة ينكرون أمورا أحيانا هم لا يحققون عدم الخلاف فيها ثم بعد ذلك لا يحققون مآلات هذا الإنكار وبالتالي يكون الإنكار في حقهم منكرا أي لا يجوز لهم أن ينكروا في حالة لا تقدر فيها الحقيقة الشرعية حق قدرها بمعنى أنه لا يحسن تفسير النص أو لا يحسن تعليل النص أو لا يحسن تنزيله على الحالة، هذه المراحل أو هذه المنهجية من لا يتقنها فالأولى له أن يسكت، من يتقن المنهجية ويعرف وزن المصالح والمفاسد هذا ينبغي أن يُنكر ينبغي أن يتكلم لا أن يعتدي بيده فهذا ليس مطلوبا منه لكن إذا كان..

عثمان عثمان: يعني أن لا يغير بيده.

عبد الله بن بيه: لا يغير بيده، الذي يغير بيده هو من له السلطان، فلذلك في باب المعصية يقول اللجين يقول إذا فاتت إذا فرغ منها فالأمر إلى السلطان هو الذي يوقع العقوبة، العقوبة لا ينزلها الأفراد، خطاب الشرع منه موجه إلى السلطان ومنه موجه إلى الأفراد، وبالتالي من لا يعرف مستويات الخطاب لا يمكن أن يتعامل مع الخطاب الشرعي يعني المجموعات التي تقوم بأنفسها بتغيير ما تراه منكرا هذا ليس من شأنها هذا الأمر من شأن السلطان وليس من شأن الأفراد، الخطاب الشرعي مثلا لله سبحانه وتعالى يخاطب أقيموا الصلاة وأتوا الزكاة لكل إنسان، {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْخَائِنِينَ}[الأنفال:58] من ينبذ العهود ومن يبرم اتفاقيات السلام والحرب هذا هو السلطان الأكبر طيب سمه الآن رئيسا أو برلمانا أو ما شئت لكن هناك من يحقق المناط نسميه محقق المناط أو من له أهلية في اتخاذ القرارات في باب ولاية التطبيق الشرعي من يطبق الشرع يقول إمام الحرمين إن الحدود مرجعها إلى السلطان ونائبه وكذلك يتكلم أيضا ابن القيم في كتابه في “إعلام الواقعين” في قضية التجاوز عن الحدود لظروف معينة كل هذا يرجع إلى تقدير سلطاني إلى تقدير جهة تقدر المصالح والمفاسد والمآلات.

عثمان عثمان: إذن من هنا نتحدث عن مستوى أو القضايا الكبرى كإبرام العهود أو العقود أو نقضها أو مسائل تختص بالسلطان لكن ماذا عن المنكرات التي تسود المجتمع سواء في البيت في الأسرة في الحياة العامة في التربية في التعليم وغير ذلك من المعني هنا بتغيير المنكر؟

عبد الله بن بيه: ((كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)) فمستويات الخطاب ما يتعلق بالأفراد منها وما يتعلق بالعائلات وما يتعلق بالأسر، فكل إنسان له رعايته في هذا فهو يغير المنكر في حوزته وفي حدود إمكاناته فهو يغير المنكر وجوبا عليه، الله سبحانه وتعالى يقول عن سيدنا إسماعيل {اذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَّبِيًّا كَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}[مريم:54-55] يأمر أهله بالصلاة والزكاة، فأمر الأهل بالصلاة والزكاة ونهيهم عن المنكر هذا من صميم الدين، فلا يمكن للإنسان أن يكون سلبيا في هذا مع أن روح العصر اليوم أصبحت فردانية ولكن مع ذلك علينا أن نحيي في قلوب الناس الاهتمام بتغيير المنكر على المستويات المختلفة لكن علينا أن نضع حدودا ومستويات معينة لنعرف الناس أن هذه المستويات لا يمكن أن يقدم عليها إلا من له سلطان شرعي مهما كان هذا السلطان الشرعي.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

سلطة تغيير المنكر

عثمان عثمان: مولانا هناك صورة نمطية في أذهان البعض يعني هذه الصورة تتحدث عن أن من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم فقط العلماء والدعاة والمشايخ يعني حقيقة من يملك حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

عبد الله بن بيه: هو هذه الصورة لها ربما ما يبررها بمعنى أن المنكر هو درجات هناك الأمور الواضحة الضرورية التي يقوم بها كل أحد بحدود إمكاناته لكن هناك أمور خفية اختلف العلماء فيها فهذا النوع من القضايا لا يقوم به إلا أهل العلم فلا يمكن لجاهل أن يقوم بهذا العمل أو بشخص قل علمه وضاق فهمه أن يتكلم في أمور لا يحسنها فهذا أيضا يؤدي إلى بلية أخرى وإلى فتنة للناس وشغب عليهم لا ينبغي أن يسمح به.

عثمان عثمان: البعض فضيلة الشيخ يعني قرأ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أنه تعبير عن المواطنة المعاصرة التي تقول بالمسؤولية وبحق الجميع في المشاركة والإسهام في تحقيق الخير العام والتدخل من اجل التصحيح والتغيير ما رأيكم أسمعه إن شاء لله بعد أن نذهب إلى فاصل قصير، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل..

 

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان “فقه تغيير المنكر” مع فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، مولانا اليوم نتحدث في ظل الدولة الحديثة عن مصطلح المواطنة المعاصرة أو المعاصرة وانطلاقا من هذا المصطلح وهذا الواجب يرى البعض هنا مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من باب المشاركة في الشأن العام وإصلاح الوضع العام كيف تقولون بمثل هذا الرأي؟

عبد الله بن بيه: على كل حال المواطنة قد لا تتضمن أمرا ونهياً المواطنة هي عبارة عن علاقة تبادلية بين أفراد المجتمع يعيشون في بلد واحد لهم حقوق متساوية وواجبات أيضا في مقابل هذه الحقوق هذه المواطنة بصفه عامة، فمن ضمن هذه الواجبات قد نقول في بلد مسلم، من ضمن هذه الواجبات أن يبذل النصحة للآخرين وأن يوصيهم بالخير وأن يقدم له الخير قد نفهمها هكذا قد نفهمها أيضا أن الجهات المخولة كالأحزاب مثلا تقوم بالحسبة تقوم بتغيير المنكر بإنكار المنكر لأنها تحتج على الكثير من القضايا، هذه قضايا قد يكون فيها من المناكر التي تراها هذه الأحزاب أنها ليست ملائمة فهذا أيضا نوع من تغيير المنكر، كذلك النقابات عندما تطالب بحقوق العمال وهي حين إذن تريد أن تغير حالة من الفقر قد يكون هذا باب التغيير بالمعني الواسع للمنكر، لكن كما قلنا المنكر هو أمر يخالف الشرع أو يخالف المصلحة أو يؤدي إلى مفسدة فهذا المعنى الواسع للمنكر يجعلنا نحتاج إلى نوعين من الفقه إلى فقه بالشريعة معرفة الأحكام الشرعية وهو ما يسمى بالواجب الواقع وإلى معرفة الواقع أيضا، معرفة الواقع هذا من يعرف الواقع لا يمكن أن ينكر منكر في بلد يعيشوا بما يسمى بالحريات الفردية إذا قام الإنسان وأراد أن ينكر على الجميع فإنه يعرض نفسه ويعرض البلد إلى الفتنة.

عثمان عثمان: ماذا يفعل هنا؟

عبد الله بن بيه: يفعل أن يدعو دعوة طويلة لتخليق المجتمع لإعادة المجتمع للأخلاق لا يمكن أن تعيد بعض المجتمعات بالقوة والقهر بسلطان القهر، هناك طريقة جديدة هو أن نبحث في برامج الأخلاق لنخلق المجتمع من جديد كذلك أيضا لنفرض بعض العقوبات الجذرية حتى ولو لم تكن العقوبات العصرية، شيئا فشيئا ينمو الضمير ويعرف ويتعلم الناس أمر دينهم وبالتالي يصبح على المجتمع رقيباً من نفسه هذا الذي نحن ننصح به  بعض الجهات أو بعض المناطق الثورية التي لم تستقر بعد على قرار والتي ما زال فيها المجتمع منقسم إلى فئتين فإن تغير المنكر جملة واحدة يخرج الناس منه جملة كما قال عمر بن عبد العزيز، فعليك أن تحاول بالنفس الطويل أن تعطي القدوة من نفسك وأن تقدم البرامج التربوية الإعلامية حتى توصل الناس إلى مرحلتين هم أنفسهم يكونون حراساً للمجتمع ويغير كل واحد المنكر.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

خصوصية التصور الإسلامي للأقليات

عثمان عثمان: انطلاقاً من مبدأ المواطنة التي تساوي بين الحقوق والواجبات بالنسبة لكل المواطنين ماذا عن غير المسلمين سواء كانوا مأمورين أو آمرين بالمعروف وناهين عن المنكر أو منهيين عنه؟

عبد الله بن بيه: غير المسلم لا يلزم بكثير من الأخلاق التي يلزم بها المسلم، إذا المنكر في دائرة المفاسد هنا المسلم وغير المسلم سواء فيه، أما في غير دائرة المفاسد أي في دائرة الأخلاق فغير المسلم ليس مسؤولاً بهذه الدائرة بمعنى أن الدولة المسلمة لا تفرض عليه شأن، أنت ربما تعرف وثيقة المدينة أو صحيفة المدينة، اليهود وبني عوف أمة مع المؤمنين لليهود دينهم وللمسلمين دينهم هذه الوثيقة هي التي تنطبق على العقد الجديد في البلاد الإسلامية مع الأقليات غير المسلمة، هناك عقد جديد، ليس العقد القديم الذي يقوم على الجزية وإنما هو عقد جديد تنطبق عليه صحيفة المدينة ليهود بني عوف لليهود دينهم وللمسلمين دينهم لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، هنا احترام ديانة كل فرد مع الواجبات التي رتبتها الصحيفة وهي واجبات المواطنة نحن نعتبر أن هذه الصحيفة يمكن أن تكون أساسا للدساتير الجديدة التي يمكن أن تحكم دولة فيها أقليات تمتع بحقوق وعليها واجبات أيضا هذه الأقليات تجاه مجتمعها وبالتالي يكون التعايش ليس فقط تعايشاً سلمياً وإنما تعايشاً سعيداً بين كل مكونات المجتمع.

عثمان عثمان: لكن هذه الأقليات التي تتحدث عنها فضيلة الشيخ تتخوف من دساتير أو من نظام إسلامي ما يطالب به المسلم لا يطالب به غير المسلم، هناك خصوصيات لغير المسلمين كيف يمكن أن يتم الفرز هنا وأن تقدم النصائح ربما لولاة الأمر وتقدم تطمينات لهذه الأقليات؟

عبد الله بن بيه: أولا نقول للأقليات أول مبدأ قلته في الأزهر في محاضرة لي هناك مع شيوخ الأزهر أولا مبدأ من مبادئ الإسلام هو الوئام هو السلام كل ما يؤدي إلى احتراب ((لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)) كما جاء بالحديث الصحيح وصية النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، فكل ما يؤدي إلى حرب فهذا منهي شرعاً وهذا له أولوية على غيره من الأوليات وبالتالي هذا المبدأ وحده يمكن أن يكون مطمئناً لهذه الأقليات، بالإضافة إلى ما ذكرته من وثيقة المدينة صحيفة المدينة التي تسمح للأقلية بأن تمارس شعائرها وأن تقوم بواجب التضامن مع بقية السكان، واجب النصرة المتبادل، واجب دفع الغرامات والديات أي الواجب الاقتصادي أيضا واجب متبادل، فهذه الواجبات التي يحددها الدستور الذي يعتبر العقد الجديد الوثيقة الجديدة والإسلام يأمر بالوفاء بالعقود {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ}[المائدة:1] فالدستور هو الوثيقة ما سماه هابرماس سماه المواطنة الدستورية أي أن الدستور أصبحت مواطنة جديدة لا ترجع إلى العرق ولا إلى الدين كما كان قديماً في أوروبا ولكنها ترجع إلى وثيقة إلى دستور يحدد الواجبات ويحدد الحقوق وبالتالي هذا الدستور هو أساس المواطنة الجديدة سماه هذا الفيلسوف الألماني هابرماس سماه بالمواطنة الدستورية فنحن نعيش عصر المواطنة الدستورية وليس بها ما يخالف الإسلام إذا نحن أحسنا الفهم وأحسنا التطبيق أيضا.

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ  يعني الأخ جمال الطواب يسأل هل تشترط الاستقامة فيمن يسعى إلى تغير المنكر؟

عبد الله بن بيه: هو ورد في القرآن الكريم قول الله جل وعلا من يأمر بالمعروف ولا يأتيه ومن ينهى عن الشر ويأتيه أيضا وهذا ملموم.

عثمان عثمان: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ}[البقرة:44]

عبد الله بن بيه: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} [البقرة:44] لكن مع ذلك قالوا فليأمر بالمعروف ولينهى عن المنكر حتى ولو لم يفعله، هذا إظهار لجانب الذم مع ذلك يبقى الواجب واجبا حتى ولو لم يملك نفسه فإن عليه أن يأمر بالمعروف، قلت أمري لسواي وأمري لنفسي ولكي الصحيح يبرئ الأعر كما قال احد علمائنا في هذه المسألة بالذات قال إذا أمرتموه كأني أمرت نفسي وهناك مثل يقول لكي الصحيح يبرى الأعر.  

عثمان عثمان: نعم عندما نتحدث عن المنكرات هل هناك منكرات واجبة التغيير والإنكار هناك منكرات قد عمت بها البلوى هناك منكرات لا يمكن أن نقترب منها نعتبرها أنه لا قيمة لها هل هناك مستويات في المنكرات التي يجب التعامل معها؟

عبد الله بن بيه: هناك مستويات لكن نحن لا نحظر شيئا من المنكر، طبعا أنا لا اتفق مع بعض العلماء الذين يقولون المنكر يشمل المكروهات فعل المكروهات وترك المستحبات، أنا أعتقد أن رفض المنكر لا يوحي بذلك، المنكر هو شيء سيئ وبالتالي لابد أن يكون حراماً أو ترك واجباً لحتى يسمى منكرا في الشرع أو مفسدة قد تضر بشخص ((لا ضرر ولا ضرار)) فهذا هو المنكر وبالتالي المنكرات طبعا ليست على درجة واحدة ليست على ميزان واحد كما يقول الشاطبي بل هي درجات، هذه الدرجات نتعامل معها بمقدارها، من الذي يحدد الدرجة؟ هو قوة النهي و قوة المفسدة، درجة المفسدة ودرجة النهي هذا الميزان هو الذي يمكن به أن تعليه درجات المنكر عندما يقول الله سبحانه وتعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة:275] ويقول عن آكل الربا أيضا  أنه يحارب الله ورسوله {فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[البقرة:279] فهنا ندرك أن الربا أن تحريم الربا شديد جدا عندما ننظر إلى المفسدة بمفسدة الربا لكونه يكبل الفقراء ويثري الأغنياء ويخل بالتوازن المجتمعي حينها يمكن أن نزن المنكر هنا، كذلك الفواحش التي من شأنها أن تؤدي إلى مجموعة من اللقطاء لا تنتسب إلى أباء هذا أيضا منكر يضر بالمجتمع ضرار شديد هذا ليس كمنكر آخر كالقرار والشهادة والبيع مثلاً فالمنكرات كما قلنا ليست على ميزان واحد لكن الميزان كيف نعرف الميزان؟ الميزان يرجع إلى شدة النهي من جهة أي النصوص الحاكمة وإلى درجة المفسدة أو حمولة المفسدة التي تكون في العقل أو في الفكر.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

وسائل تغيير المنكر وسبل استخدامها

عثمان عثمان: إذن نحن هنا نتحدث عن مستويات لهذا المنكر بالمقابل هناك وسائل لتغيير هذه المنكرات ما هي هذه الوسائل؟ كيف نستخدمها؟

عبد الله بن بيه: النبي صلى الله عليه وسلم تحدث عن ثلاث وسائل اليد اللسان القلب، القلب لا يُغير ولكنه يُنكر، لكن ما كان الإنكار وسيلة إلى تغيير عبر عنه به مجازاً لأنه يؤول إليه، لكن اليد تُغير فهذه وسيلة لتغيير المنكر لكن في وسائل الآن متنوعة وسيلة الإعلام أن نغير المنكر من خلال البرامج الإعلامية، أن نبين للناس شناعة  المنكر وقبح المنكر، كذلك وسائل التعليم، كذلك في البيوت أن نثقف الناس في بيوتهم، كذلك القدوة الحسنة لتغيير المنكر، هناك وسائل كثيرة علينا أن نستكشف هذه الوسائل وعلينا أن نستوعب كل ما في العصر من وسائل لنجعله في قنوات تغيير المنكر.

عثمان عثمان: ما أهمية  فضيلة الشيخ استخدام الحكمة في تغيير المنكر عندما نتحدث عن منكر يقوم به شخص ما قد يواجه به على الملأ أمام الناس وتتحول النصيحة هنا إلى فضيحة، ما أهمية الحكمة في توجيه النصيحة في إنكار المنكر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

عبد الله بن بيه: الله سبحانه وتعالى يقول: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ}[النحل:125] الحكمة هي الصواب في القول والعمل بمعنى أن الإنسان إذا غيّر المنكر بطريقة غير مصيبة فليس حكيماً أن نستعمل الحكمة وأن نسلك سلوك النبي صلى الله عليه وسلم أن نقتدي بهدي النبي صلى الله عليه وسلم لتغيير المنكر كان يقول ((ما بال أقوامي)) حتى لا يصرح بشخص الذي يعنيه بذلك يقول ((ما بال أقوامي يفعلون كذا)) أو ((ما بال أقوامي يقولون كذا)) حتى لا يكسف الشخص أو يشعر بالمهانة فهذا من شأنه أن يجعله يُصر ويستمر في هذا وبالتالي..

قَد قَلتِ حَقاً وَلَكِن لَيسَ يَسمَعُهُ لا تَعذَلِيه فَإِنَّ العَذلَ يُولِعُهُ

كما قال ابن رزيق، إذا قلت للإنسان أو شتمته فإن هذا يولعه يجعله يستمر في هذا العمل قد تقول الحق لكنه لا يسمع نصحك، فعلينا أن نحاول دائما أن نبذل جهدا حتى نصل إلى قلوب الناس، ولا نهتم بشتم الناس أو كما يفعله بعض الدعاة أو مهانة الناس هذا لا يجوز، هذا يدل على نوع الرياء أيضا وعلى نوع من الحالة النفسية للداعية لأنه يريد أن يظهر نفسه بشتم الآخرين أو بتحقير الآخرين.

عثمان عثمان: البعض يعني بعض المصلين يقول لك أنا اذهب إلى المسجد وأتلقى موعظة لكن أجد خطيب المسجد يهاجمني وكأنني المجرم وكأنني الفاسد وكأنني يجب أن يقام علي الحد من هذا المنطلق يعني تغيب الحكمة في تبليغ الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

عبد الله بن بيه: أنا أعتقد أن ذلك يُنفر وبالتالي يجب أن لا نكون منفرين يجب أن نبشر وأن لا ننفر كما جاء بالحديث ((بشروا ولا تنفروا يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا)) فعلينا أن نبشر الناس وأن نبذل جهدا في هذا العصر الذي أصبح الإنسان فيه أنانيا وغربياً وأصبح عصياً على الكسر وعلى القهر وأصبح عصياً على ذلك بأن نجد وسائل جديدة للتعامل مع قلوب هؤلاء الناس حتى نصل إلى بغيتنا وهي إشاعة الأخلاق الفاضلة في المجتمع.

عثمان عثمان: بعض الأشخاص قد يغضبون غضبا شديداً فتعمى أبصارهم وربما تعمى قلوبهم فيرتكبون منكرات ما، هل من الحكمة هنا أن نأتي لهذا الإنسان لنذكره بالله أو لنأمره بالمعروف أو ننهاه عن المنكر أم نتركه حتى يبرد غضبه ويعود إلى طبعه الأصيل؟

عبد الله بن بيه: هو الغضب حالة من ثوران النفس التي لا يسمع صاحبها شيئا، النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تغضب)) لما طلب منه الرجل أن يوصيه قال له: لا تغضب ثلاثة، لماذا؟ أي لا تعمل بموجبات الغضب أي لا تعمل بما يؤدي إليه الغضب من القتل أو من الإساءة على الآخرين لأن الغضب حالة نفسية فيها ثوران وفيها فوران وبالتالي على الداعية أن يكون كالطبيب أن يرى ما هي حالة الشخص النفسية وما الذي يمكن أن يفعل ليصل إلى مبتغاه وهو هداية الناس، النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل الذي قال ما أحسنت علي قال لهم: دعوه دعوه وأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وأعطاه حتى رضي هذا الشخص وخرج بإيمانه بعد أن كاد أن ينسلخ من الأيمان لأنه يريد لعاعة من الدنيا.

عثمان عثمان: وذلك الذي كان يبول بالمسجد قال دعوه..

عبد الله بن بيه: نعم قال لا تُزْرِمُوه أي لا تقطعوا بوله، البول في المسجد لا يجوز ولكن مع ذلك النبي صلى الله عليه وسلم يُعاجله فهذا كثيرا في..

عثمان عثمان: أمثلة كثيرة من سيرة النبي علية الصلاة والسلام، الأخ محمد عبد الماجد يقول كيف نواجه المنكر الذي يرتكبه ولي الأمر كيف نتصرف؟

عبد الله بن بيه: نصيحة ولي الأمر ليست كنصيحة غيره يجب أن نعالج بالمضادات الحيوية كما يقولون، أن نبحث عن وسيلة لمعالجته أولا أن تخاطبه بلين إذا كان ذلك نافعاً، الله سبحانه وتعالى يقول لموسى وأخيه أن يخاطب فرعون {فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:44] فإذا كان هذا حال فرعون وإذا كان هذا خطابه موجه إلى فرعون فما ظنك بغيره؟ كما قال هارون الرشيد قال له: أنت ليس خيرا من موسى وأنا لست شرا من فرعون، فانظر إلى الحالة طبعا هناك الآن ما يسمى بالديمقراطيات، والديمقراطيات أحدثت وضعا جديداً يحقق فيه المناط فرئيس الدولة في هذه الديمقراطيات جاء بعقد معين وبطريقة خاصة لا يمكن للناس أن يخاطبوه كما يخاطب غيره من خلال الصحف ومن خلال التلفزة على أن يكون ذلك بحسن أدب على أن يكون ذلك بأسلوب إسلامي، أسلوب التشهير والتشنيع لا ينفع ونرجو من أمتنا أن تتجاوز هذه المرحلة من الشتم التي أصبحت لو أخذنا قاموس شتم لوجدنا أن الأمة الإسلامية الآن هي أكثر الأمة شتماً مع أن ديننا ينهى عن ذلك، وبالتالي علينا أن نجد وسائل جديدة لخطاب بعضنا، لمواجهة بعضنا للبحث مع بعضنا للحوار حتى تسير أمتنا على دروب الخير في الدنيا وفي الآخرة.

عثمان عثمان: سؤال ربما تحدثتم أو أجبتم عنه لكن أرى أهمية أن نعيد التأكيد عليه موضوع تغيير المنكر إذا كان يؤدي إلى منكر أكبر وأفظع.

عبد الله بن بيه: هذا أمر في غاية الأهمية لأن كثيرا من الناس لا يهتمون بالمآلات ومن يريد أن يفتي أو يغير منكراً عليه أن يسأل نفسه عن مآل هذا التغير، إذا كان هذا التغير يؤدي إلى منكر أكبر إلى مفسدة فهذا حرام، فقد رجع إليه ما كان يريد أن يفعله، لهذا قصة شيخ الإسلام ابن تيمية يقول كان يمر ببعض الجنود وترى ذلك من ابن القيم قال لنا أنه كان يمر بجنود من التتار وهم يشربون فنهاهم احد أصحابه فقال له: لا تفعل إن الخمر ما نهي عنها لما تؤدي  إليه من البغضاء بين الناس وهؤلاء إذا لم يشربوا فإنهم ينطلقون إلى الناس وإلى البيوت ويقتلون الناس وبالتالي النهي هنا ليس في محله لأنه يؤدي إلى قتل النفر بالنظر هنا إلى المآلات الله سبحانه وتعالى يقول {وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّواْ اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }[الأنعام:108] منع سب الصنم لأنه يؤدي في مآله إلى سب الله سبحانه وتعالى هذا الذي نسميه سد الذراع والنظر في المآلات فالآمر في المعروف والناهي عن المنكر عليه دائما أن يستحضر المآلات، ولهذا الكثير من الناس لا يحسنون التنزيل لأن المنهجية هي تفسير النصوص الشرعية التثبت من النصوص ثم مرحلة التفسير والتأويل ثم مرحلة التعليل ثم مرحلة التنزيل، مرحلة التنزيل هي عبارة عن النظر إلى الواقع بكل تضاريسه وبكل تفاصيله، هل هذا الواقع يمكن أن يقبل هذا الحكم المنزل عليه؟ الحكم لا يمكنه أن يقبله، ما هي مآلات هذا الفعل لو فعلته؟ ما هي مآلات لو أعلنت إني سأطبق الشرع في مكان ما سأطبق الحدود في مكان ما، يعني العلماء رضاء الله عليهم ذكروا جملة من الشروط والأسباب والموانع هذا يسمى خطاب الوضع كل عمل من الشرع يرجع إلى دائرة العمل وكل حكم يرجع إلى دائرة العمل فهو محاط بما يسمى بخطاب الوضع قيام الأسباب توفر الشروط انتفاء الموانع، فإذا لم يكن ذلك فلا يجوز تطبيقه وبالتالي نرجو للجميع أن ينظروا إلى مآلات أفعالهم وأن يتقوا الله سبحانه وتعالى وأن لا يرتكبوا منكرا ونسأل الله سبحانه وتعالى..

عثمان عثمان: نحن بدورنا  فضيلة الشيخ نشكركم في ختام هذه الحلقة على حضوركم معنا وعلى هذا الكلام الطيب كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج  منصور الطلافيح وفي الإنتاج عبير العنيزي، وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

اضغط لمشاهدة الحلقة 

العدل يستحوذ على السجالات الفضائية لابن بيه والمرزوقي: الأول قال إن التزام الكافر به تطبيق للإسلام .. والآخر اعتبره نسبيا

 

تهاني السالم – الرياض 

الجمعة 14/09/2012

قفزت قضية “العدل” بمفهومها الشامل في الفكر الإسلامى على سجالات الفضاء لاثنين من أبرز المفكرين المعاصرين، وهما العلامة عبدالله بن بيه والمفكر التونسي أبو يعرب المرزوقي. وبينّ العلامة ابن بيه في برنامج” الشريعة والحياة ” الذي تبثه قناة الجزيرة أن العدل سبب من أسباب النصر وقال:” لعل مقولة شيخ الإسلام بن تيمية إن الله ينصر الدولة الكافرة إن كانت عادلة فهو يتحدث عن النصر لأن أسباب النصر بالنسبة للمسلمين تعتمد على عدالتهم في الأرض، فإذا لم يعدلوا في الأرض استووا مع غيرهم في جانب من جوانب الخروج والإخلال للسنن الكونية وهي سنة العدل”. وتطرق إلى اجتهادات الشيخ تقي الدين بن تيمية حول العدل حيث ذكر أن الشريعة عدل كلها ورحمة كلها وحكمة كلها فما خرج عن العدل الفوري وعن الحكمة إلى العبث وعن الرحمة إلى ضدها فليس من الشريعة. وذكر أن حديث أبن تيمية فيه تنفير من الظلم لكن ليس معنى ذلك دائما أن الكفر خير من الإيمان، والإيمان خير من الكفر لكن العدل خير من الظلم أيضا فالكافر إذا طبق العدل فإنه طبق جزءا من شريعة الإسلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم “اذهبوا إلى ملك لا يظلم عنده أحد” ولم يكن النجاشي في ذلك الوقت مسلما، وكذلك أشار بن بيه إلى أن كل خصلة حميدة يزكيها الإسلام سواء صدرت عن مسلم أو عن غير مسلم، وضرب مثالا بذلك بأن النبي الكريم أشاد بحلف الفضول في دار بن جدعان وقال “لو دعيت إليه لأجبت” حيث أن الحلف كان لنصرة المظلومين في مكة والذين تحالفوا كانوا مشركين  
وعلى الجانب الآخر، أوضح المفكر أبو يعرب المرزوقي أن فقدان العدل يسبب الاستبداد، وقال:” في الحقيقة ينبغي أن ننطلق من تعريف العدل باعتباره ضد الظلم وضد الجور، والعدل فلسفيا يمكن أن يكون متعلقا بالتوزيع أو متعلقا بالتعويض، والتوزيع، كما هناك العدل الذي يتعلق بالبعد الاقتصادي والاجتماعي “. وأشار إلى أن فقدان العدل بمعنى المساواة في الحقوق والواجبات كان سببا في اشتعال الثورات الشعبية في بعض البلدان العربية، داعيا إلى تحقيق العدل بالمعنيين بالمعنى التوزيعي أي تمكين المواطنين من الحصول على حقوقهم والقيام بواجباتهم. وأكد أن المساواة ليست مساواة كمية وإنما هي مساواة كيفية الحصول على الحقوق .

العدل وعمارة الأوطان

 

 

– إحلال العدل في ظل الثورات العربية
– العدل ومجالاته في القرآن الكريم
– العلاقة بين العدل والشريعة
– خراب الأوطان وعلاقته بظلم الأنظمة الاستبدادية

 

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي} هل أنعشت الثورات العربية قيمة العدالة؟ وكيف السبيل إلى العدل في الحكم والقضاء والقصاص؟ وكيف أدى ظلم الأنظمة إلى خراب الأوطان؟ العدل وعمارة الأوطان موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه وزير العدل في موريتانيا سابقا، ونائب رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين ينضم إلينا من جدة في  المملكة العربية السعودية، السلام عليكم فضيلة الشيخ.

عبد الله بن بيه: وعليكم السلام ورحمة الله، حياكم الله يا أخي عثمان.

إحلال العدل في ظل الثورات العربية 

عثمان عثمان: بعد الثورات العربية فضيلة الشيخ شهدنا محاكمات لرموز النظام السابق في مصر، في تونس، البعض نجا في هذه المحاكمات، هناك ملاحظات على بعض الأحكام هل انتعشت قيمة العدالة أم اختلت بعدم انتظامها في ظل الثورات العربية؟

عبد الله بن بيه: الحمد الله رب العالمين، اللهم صلي وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، دعني أولا أهنئكم جميعا بهذا الشهر المبارك وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل صيامنا وقيامنا وعمرتنا في هذا الشهر، وأن يجعله شهر خير وبركة على الإسلام والمسلمين والإنسانية في كل مكان، الموضوع الذي تتحدث عنه هو موضوع له أبعاد متعددة ومظاهر متنوعة وتجليات مختلفة، فبالتالي فقد يكون من العسير أو من السابق لأوانه أن نحكم على هذه الثورات، لأن الثورة كما تعلمون هي عبارة عن انفعال، وحالة الانفعال هي حالة سيّالةٌ لم تقف بعد لم ترسو في مرسى معين، ما زالت تتفاعل على الساحة، وبالتالي فلا يمكن الحكم عليها في الوقت الحاضر، إنها شوق إلى التغيير وسعي إلى التحرير، إلى تحرير الطاقات وبالتأكيد فإنها ايضا ملهمة بقيم العدل، فلا يمكن أن نقول أن الثورات قللت من قيمة العدل ولا أن نقول أن الثورات حققت العدل، لكن نقول إنصافا للثورات بأن خطوة أولى في هذه البلاد التي خرجت من هذه الثورات قد تحققت، هذه الخطوة الأولى هي خطوة في طريق العدل وهي للامتناع من التزوير في الانتخابات للوصول إلى التغيير المنشود، أنا أعتبر أن هذه النقاط مركزية وبالتالي لا أريد أن أبخس الناس أشيائهم وأن لا أقول..

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ على مدى عقود سابقة ربما يرى البعض أن العدل كان مفقودا  في ظل الأنظمة الاستبدادية، والآن هناك ربما ملاحظات على بعض الأداء في موضوع العدل حتى يظن البعض أن العدل غير متحقق في هذه الدنيا وأنه لا يمكن الثقة بأن يتحقق؟

عبد الله بن بيه: بالتأكيد أن العدل هو كلي مشكك كما يقول المناطقي بمعنى لا يستوي في أحواله ومحاله فلا يمكن أن نتصور أن العدل سيتحقق بجرة قلم أو بحركة سحرية فإن العدل سيتحقق أو ينبغي أن يتحقق منه ما يمكن أن يتحقق شيئا فشيء، العدل المطلق لن يكون إلا يوم القيامة، العدالة في الإسلام هي عبارة عن مقصد أعلى وعن منظومة شاملة لكثير من المقاصد والقواعد والمقاعد والجزئيات وبالتالي فإن العدل قد يبدو في قطاع أو في مجال بينما يكون ضامرا في مجال آخر، إن العدالة في الإسلام وفي غير الإسلام هي عبارة عن ثلاث درجات: عدالة التعيين، وعدالة التبيين، وعدالة التمكين، العدالة الأولى وهي عدالة التعيين أي تعيين الحقوق، فالثورات عليها أن تعُين الحقوق أن تقدم الدساتير والأنظمة والقوانين التي تحدد للناس الحقوق، الشريعة الإسلامية لما نزلت قدمت للناس حقوقهم، فكل شخص يعرف أن حقه بما يتعلق بهذا الفعل وما يتعلق بهذا الطرح وما يتعلق بالعلاقة بينه وبين غيره هو كذا.

عثمان عثمان: تبيان الحقوق والواجبات.

عبد الله بن بيه: الحقوق والواجبات المسمى بعدالة التعيين، الدرجة الثانية هي عدالة التبيين لا يكفي أن نعين الحقوق بالقوانين أو بالأنظمة أو بالجزئيات دونما أن نبينها للناس، لتبين للناس ما نُزل إليه، البيان ضرورة على الصحابة والعلماء والمسؤولين أن يقدموا للناس حقائق العدل، هذا هو البيان، ولذلك تنشأ هذه القوانين بما يسمى بالجرائد الرسمية حتى يطلع الناس على حقوقهم، المرحلة الثالثة وهي التمكين من يمكن الناس من حقوقهم هو وجود مؤسسات قضائية قادرة على قول الحق، هذه المؤسسات عليها أن تحاط بكثير من الضمانات أن يكون بإمكانها أن تقول الحق كل الحق للناس بناء على حقائق صحيحة ومدققة.

عثمان عثمان: لماذا يختل ميزان العدل أحيانا إذن ولا يمكن الحديث عن عدل مطلق إلا يوم القيامة؟

عبد الله بن بيه: طبعا العدل الإنساني هو نسبي لكن المثال موجود، فعلينا أن نسعى إلى هذا المثال، فكلما اقتربنا من هذا المثال في بُكرة من الزمان كنا أقرب للوصول إلى درجة عالية من العدل، قد تتكلم عن العدل من جهة ضمان الحقوق، ومن جهة حقن الدماء ومن جهة صيانة الأموال ومن جهة احترام الحرمات هذا كله عدل لكن هناك عدل في التوزيع وعدل في الفرص التي تقدم للناس لأن جوانب العدل هي متعددة ولهذا بالفلسفة الغربية وبالأنظمة الغربية لا يزال الخلاف قائما حول زمرة من المفاهيم التي يغطيها هذا المفهوم، وهو مفهوم العدل كما قلته مفهوم واسع له أبعاد عديدة وتجليات مختلفة وكذلك تمظهرات متفاوتة.

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ الآن في سوريا منذ أيام قليلة حصلت عمليات قتل بحق شبيحة النظام السوري كما جاء الوصف، البعض اعتبر هذا القتل هو نوع من القصاص العادل والمعاملة بالمثل، البعض اعتبره أنه ليس من أخلاق الثورة وأنه نوع من المثلى المنهي عنها، كيف ترون الأمر؟

عبد الله بن بيه: اسمح لي أن أقول لك بالنسبة لسوريا أن أتذكر قصة هي أشبه بالنكتة وإن كان المقام ليس مقام تنكيت ولكنة  مقام حقائق، يذكر أبو حيان التوحيدي أن أعرابيا  سئل هل يقبل التضحية من أجل الأمة لصالح الأمة، قال: لا أنا أريد أن يضحى بالأمة كلها لصالحي، فموقف هذا الإعرابي أنه يريد أن تصلب الأمة كلها لصالحه، قد يصدق على النظام السوري، العدل أن توجد حالة لا يصلب بها أحد وأن يستجيب النظام في بداية ومطالب هذه الثورات التي كما قلت هي شوق إلى التحرير وسعي إلى التغيير أن يستجيب حتى لا توجد ضحية، ولكن الآن النظام يبدو أنه اختار أن تصلب الأمة وبالتالي فكل هذه الأفعال من الصعب أن نحكم عليها بصفة عامة لا مُثلى في الإسلام بصفة عامة {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:126] فالعقوبة لا تكون بها مثلى لكننا نتفهم أحوال هؤلاء الذين مُثل بهم والذين نُكل بهم واللذين وصلوا إلى درجة من الغضب ومن الاحتقان تجعل تصرفاتهم أحيانا تخرج عن نطاق بعض المعقولية، وإن كانوا إنما يدافعون عن انفسهم وعن حرماتهم وعن بيوتهم فلا يمكن أن تلوم شخصا في هذه الحالة بل علينا أن نتعامل مع الطائفة الباغية الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق بما تستحق.

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ في موضوع نتحدث عمن يقيم العدل في حياة الناس في ظل الثورة السورية الآن وقبلها في الثورة الليبية كان هناك إجراءات معينة وإقامة لأحكام معينة من قبل البعض في ظل هذه لنقل الفوضى أو هذا الاختلاط في قيادة العمل القضائي من الذي يقرر في موضوع إقامة العدل؟

عبد الله بن بيه: المسألة هنا ليست قضية قضائية، الناس الآن بحاجة إلى الحد الأدنى الذي هو صيانة النفوس، إمام الحرمين يشير إلى الدماء المحقونة والأموال المصونة والحرمات المحترمة لكن هنا نحن الآن في المرحلة الأولى كيف نصون الدماء؟ كيف نحقن الدماء التي تجري في هذا البلد؟ ينطبق على هذا الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[الحجرات:9] هل يمكن لمؤتمر القمة الذي دعا إليه خادم الحرمين بالسابع والعشرين في مكان مقدس وفي ليلة مباركة أن يطبق هذه الآية أن يقدم حلا لهؤلاء الذين ينتظرون من المسلمين أن ينقذوهم من هذا القتل ومن هذا التدمير ومن هذا الخراب المشكلة هي أكبر من مشكلة قضائية من الذي يستطيع أن يحكم في وضع كهذا لا يقضي القاضي وهو غضبان كيف يقضي وهو مهدد بالقتل فالمسألة هي مسؤولية العالم الإسلامي الذي عليه أن يتدخل لإيقاف حمام الدم الذي يجري في هذا البلد.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

العدل ومجالاته في القرآن الكريم 

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ القرآن الكريم تحدث بإسهاب عن العدل أمر بالعدل نهى عن الظلم ما هي مجالات العدل في القرآن الكريم؟

عبد الله بن بيه: أخي العدل هو مقصد قدري ومقصد تشريعي فمن حيث القدر الله سبحانه وتعالى خلق الكون بالعدل فهو سبحانه وتعالى خلق السموات والأرض بالحق، والحق هو العدل، وهو سبحانه وتعالى قائم بالقسط أي قائم على شؤون العدالة على شؤون العدل وعلى في خلقه وفي أمره، فهو مقصد كوني وقدري ولكنه مقصد تشريعي {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ}[النحل:90] {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ}[الأنعام:152] فهو مطلوب في الأقوال والأفعال وهو يغطي جملة من المقاصد الشرعية، فكل المقاصد والمجالات في أبواب الفقه ترجع كلها إلى العدل لأن العدل قيمة تنظر إليها كل القيم فهو الوسط الذي لا إفراط فيه ولا تفريط والذي ينسب كل القيم ليردها إلى الحد الأوسط، ولأجل ذلك مجالات تطبيق العدل أحيانا تتعلق بمن يطبق العدل فالله سبحانه وتعالى يأمر القاضي والحاكم {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}[النساء:58] والله سبحانه وتعالى يأمر الشهود أن يشهدوا بالعدل والله سبحانه وتعالى يأمر المتكلم أيا كان {وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ}}[الأنعام:152] فهو مجانب للزور وللتزوير ومجانب للكذب هو مجانب حتى للمبالغة الله سبحانه وتعالى يعلمنا وهو سبحانه وتعالى العدل وهي من صفات التخلق التي على الإنسان أن يتخلق بها وقالوا أوصاف الله سبحانه وتعالى وأسمائه منه أسماء التعلق وأسماء التخلق، فالله سبحانه وتعالى هو العدل إذن العدل باختصار شديد لأن العدل لا يمكن أن يعرف لأنه معروف جدا فلا يمكن أن يعرف وهو غامض جدا فلا يعرف أيضا، وهذا شأن للمبادئ الكبرى التي تنتمي إلى الفصيلة الكبرى الفلسفة وإلى الأخلاق وإلى القانون لكن بصفة عامة يمكن أن نقول إن العدل مطلوب في كل المجالات في التطبيق بين الناس في بيان الحقوق للناس في التوزيع أيضا بإتاحة الفرص التوزيع ليس معناه أن تأخذ مال شخص لتدفعه لآخر لكن أن تتيح الفرص إلى الجميع فرصا متساوية أن تزيل البطالة أن تحاول أن تساعد الناس حتى يكونوا في حالة اعتدال إذن العدل مطلوب في شتى المجالات وفي مختلف الميادين فهو منبث في شرايين التشريع الإسلامي هذا هو العدل.

عثمان عثمان: نعم فضيلة الشيخ عندما نتحدث عن العدل يقفز إلى الواجهة قول ابن تيمية رحمه الله ((إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة)) ما علاقة الشريعة بالعدل أو العدل بالشريعة أسمع الإجابة إن شاء الله بعد أن نذهب إلى فاصل قصير، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

[فاصل إعلاني] 

العلاقة بين العدل والشريعة 

عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي هي بعنوان “العدل وعمارة الأوطان” مع فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني سابقا ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ينضم إلينا مجددا من جدة فضيلة الشيخ قول ابن تيمية مشهور إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة ما العلاقة بين العدل والشريعة وهل يمكن تحقيق العدل خارج إطار الشريعة؟

عبد الله بن بيه: لعل مقولة شيخ الإسلام بن تيمية إن الله ينصر الدولة الكافرة وإن كانت عادلة فهو يتحدث عن النصر لأن أسباب النصر بالنسبة للمسلمين تعتمد على عدالتهم في الأرض فإذا لم يعدلوا في الأرض استووا مع غيرهم في جانب من جوانب الخروج والإخلال للسنن الكونية وهي سنة العدل فهذا الذي يريده الشيخ تقي الدين بن تيمية، العدل في الحقيقة الشريعة عدل كلها ورحمة كلها وحكمة كلها فما خرج عن العدل الفوري وعن الحكمة إلى العبث وعن الرحمة إلى ضدها فليس من الشريعة وإن أسند إليها كما يقول ابن القيم تلميذ بن تيمية، فكلام شيخ تقي الدين بن تيمية هو فيه تنفير من الظلم لكن ليس معنى ذلك دائما أن الكفر خير من الإيمان، الإيمان خير من الكفر لكن العدل خير من الظلم أيضا فالكافر إذا طبق العدل فإنه طبق جزءا من شريعة الإسلام ألم تنظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم ((اذهبوا إلى ملك لا يظلم عنده أحد)) وكان النجاشي في ذلك الوقت لم يكن مسلما وكذلك في حلف الفضول في دار بن جدعان ((لو دعيت إليه لإسلام لأجبت)) وهذا الحلف كان لنصرة المظلومين في مكة والذين تحالفوا كانوا مشركين، إذن لا يوجد تقابل، في كل خصلة حميدة يزكيها الإسلام سواء صدرت عن مسلم أو صدرت عن غير مسلم.

عثمان عثمان: لكن عندما نتحدث عن العدل في ظل الدولة الكافرة عن أي عدل نتحدث هنا؟

عبد الله بن بيه: العدل كما قلت هو في مجالات شتى، العدل هو الامتناع من ظلم الناس العدل هو إيجاد أمن عام كما يقول الشاعر الكميت:

تَلْقَى الأَمانَ علَى حِياضِ مُحَمَّدٍ

ثَوْلاَءُ مُخْرِفَةٌ وذِئْبٌ أَطْلَسُ

لاَ ذِي تَخَافُ ولاَ لِهذَا جُرْأَةٌ

تُهْدَى الرَّعِيَّةُ مَا اسْتَقَامَ الرَّيِّسُ

إذا عدلوا بيتهم بمعنى أنهم لم يظلم أحدا إذا بينوا الحقوق التي تجب المواطنين فهم قد أقاموا جزءا من العدل إن العدل الكامل لا يمكن إلا ان يكون في الشريعة الموحاة في الوحي لكن مع ذلك الإسلام يزكي كل خصلة من خصال العدل مهما قام بها ليس بالنظر إلى القائم بها ولكن بالنظر إلى أن هذه الخصلة هي حميدة وبالتالي فإن الإسلام يزكيها.

عثمان عثمان: إذن العدل ليس محصورا في النص بل ربما يكون أيضا خارج النص؟

عبد الله بن بيه: هو أنت تعرف أن الشريعة هي كتاب وسنة وما يستنبط منها أي النصوص والمستنبطات، هناك الجزئيات وهناك الكليات، الشمول والكمال في الشريعة إنما يكون من خلال هذا الفهم، الشريعة ليست جزئيات جامدة وإنما هي كليات تستوعب الزمان والمكان والإنسان في كل زمان وفي كل مكان وبالتالي فالعدل أساسها وبالتالي فإذا وجدت جزئية تشذ عن ميزان العدل فاعلم أنها ليست من الشريعة طبعا طبقا لتقويم ووزن علماء الشريعة الذين عليهم ان يزنوا بالقسطاس المستقيم ليعرفوا هل هي مصلحة حقيقية أو عدل حقيقي، هناك بعض القضايا التي يحسب بعض الناس أنها عدل وهي في الحقيقة ليست عدلا، لا يعني أن أذواق الناس وان أمزجتهم في كل عصر تحكم على العدل، هناك عدل أعلى تزكيه العقول وتقبله النقول وهناك ما يظن الناس أنه عدل او أنه مصلحة والإسلام لا يقبله لأنه يؤدي إلى مفاسد.

عثمان عثمان: اسمح لنا فضيلة الشيخ.

عبد الله بن بيه: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة:90]  ليس مصلحة وبالتالي فإن استعماله ليس عدلا.

عثمان عثمان: نأخذ الدكتور أبو يعرب المرزوقي أستاذ الفلسفة في الجامعة التونسية ينضم إلينا من تونس مرحبا بك دكتور.

أبو يعرب المرزوقي: أهلا وسهلا.http://www.aljazeera.net/App_Themes/SharedImages/top-page.gif 

خراب الأوطان وعلاقته بظلم الأنظمة الاستبدادية 

عثمان عثمان: دكتور ابن خلدون عقد فصلا خاصا في مقدمته يتحدث فيه فيقول الظلم مؤذن بخراب العمران، ما علاقة خراب الأوطان بظلم الأنظمة الاستبدادية القائمة؟

أبو يعرب المرزوقي: أولا شكرا على هذه الدعوة وتحياتي للعالم الجليل بن بيه وتهاني لكل المسلمين بهذا الشهر الفضيل، في الحقيقة ينبغي أن ننطلق من تعريف العدل باعتباره ضد الظلم وضد الجور، والعدل فلسفيا يمكن أن يكون متعلقا بالتوزيع أو متعلقا بالتعويض، والتوزيع إما يخص البعد الاقتصادي والاجتماعي وعلاقات المساواة في التعامل بين الناس بالحسنات أو يخص المنازل والقيم التي تحكم علاقات البشر بحيث إن فقدان العدل بمعنى المساواة في الحقوق والواجبات خلال التعامل والتعاون والتبادل هو الذي سببه الاستبداد والفساد، والثورات العربية لما كانت متعلقة بالاستبداد والفساد فهي في الحقيقة بالإضافة إلى مطلبها حول الحرية والكرامة تريد تحقيق العدل بالمعنيين بالمعنى التوزيعي أي تمكين المواطنين من الحصول على حقوقهم والقيام بواجباتهم طبعا وأول الواجبات هو الدفاع عن الحقوق لأن الدفاع عن الحقوق من الإيمان ثم في التعويض عندما يقع ظلم أو عدوان وهذا يقتضي أن توجد مؤسسات مستقلة وظيفتها إرجاع الحقوق لأصحابها فتكون العدالة التي يتحدث عنها ابن خلدون.

عثمان عثمان: نعم تسمعني دكتور؟

أبو يعرب المرزوقي: باعتبارها شرط النمو وضد فساد العمران وضد فساد الاجتماع هي العدالة التي تمكن المواطنين من الحصول على حقوقهم والدفاع عنها بحرية وكرامة.

عثمان عثمان: دكتور هل العدل يعني بشكل من الأشكال هو المساواة؟

أبو يعرب المرزوقي: نعم.

عثمان عثمان: هل العدل يعني أنه المساواة؟

أبو يعرب المرزوقي: لأ العدل يقتضي المساواة التي تتعلق بالمساواة النسبية أي أن لكل أحد حقه إزاء الجهد الذي يبذله والدور الذي يؤديه وهذا هو المساواة، المساواة ليست مساواة كمية وإنما هي مساواة كيفية الحصول على الحقوق طبعا الحقوق متناسبة مع الجهود، ولذلك قلت عدالة توزيعية وهي متناسبة مع الجهود والأدوار التي يؤديها الإنسان في المجتمع، والحقوق التعويضية هي تعويض الضرر الذي يحصل وهذا يقدره الحكم أو القاضي بالاعتماد على القوانين، ولكن القوانين يمكن أن تكون ظالمة ومن ثم فإن العدل لا يكتفي بالعدل القانوني وهي وظيفة القاضي وإنما يتجاوز ذلك إلى مثال أعلى وهو العدل الذي يجعل القانون قابل للإصلاح ليتجه نحو المثال الأعلى في تحقيق الحقوق والدفاع عن حقوق الناس والمواطنين والمواطنات في المجتمع، هذا العدل أساسه هو الموضوعية في الحكم عندما نقدر الأدوار والخدمات التي يؤديها الإنسان لكي يجازي عليها أو يعاقب عليها.

عثمان عثمان: كيف يمكن للأنظمة المستبدة الظالمة أن تفسد الأوطان وتخرب البلاد؟

أبو يعرب المرزوقي: لأنها تفسد العقل بالذات لأنها تفسد الحصول على الحقوق وابن خلدون يعتبر إفساد الحصول على الحقوق هو استعمال القوة بافتقاد الملكية إما بواسطة الجيش أو بواسطة السخرة أو التسخير أو بواسطة الأداءات والضرائب التي هي في الحقيقة تعدي على حقوق المواطنين ولذلك ينصح ابن خلدون بأن تكون العملة التي هي معيار التعاوض بالخدمات أن تكون مستقلة عن الحاكم صاحب السلطة التنفيذية، وهي إذن ليست تابعة للسلطان في النظام الإسلامي بل هي تابعة للخليفة وهي السلطة الرمزية والمعنوية والخلقية إن شئنا هي تابعة لقيم الشريعة وميثاق الشريعة وليست تابعة لإرادة القوة عند السلاطين .

عثمان عثمان: شكرا الدكتور أبو يعرب المرزوقي كنت معنا من تونس فضيلة الشيخ أعود إليك في جدة تحدثتم أن العدل هو قيمة عليا تشمل مختلف جوانب الحياة هل هناك تصور إسلامي للعدالة الاجتماعية أو أقله هل هناك تصور إسلامي عند الإسلاميين الآن للعدالة الاجتماعية؟

عبد الله بن بيه: أولا دعني أرحب بأخي العالم والفيلسوف الكبير أبو يعرب حفظه الله تعالى واسأل الله لنا وله التوفيق في مستقبل الأيام واتفق معه في أهمية العدل في عمارة الأوطان وإمام الحرمين يشير إلى هذا بأن الظلم يؤدي إلى انقطاع الطرق وهذا يؤدي إلى غلاء الأسعار إلى انقطاع التجارات والزراعات وغلاء الأسعار يؤدي إلى خراب الديار، وبالتالي فهو يشير إلى بعض هذه المعاني في كتبه والعدل أيضا يحيل إلى المساواة كمفهوم يحيل إليه من إحالته للمساواة وإلى الحرية وإلى السلم الاجتماعي وإلى آتيك أيضا الأخلاق فهو يشير إلى جملة من المفاهيم لكن هناك تشابك بين هذه المفاهيم وتداخل يحتاج إلى شيء من البيان بالنسبة للموضوع الذي سألت عنه ما هو قبل قليل يا أخي عثمان

عثمان عثمان: نعم أتحدث عن موضوع العدالة الاجتماعية، هل هناك تصور إسلامي لهذا الأمر؟

عبد الله بن بيه: نعم، العدالة الاجتماعية الإسلام توقف أما تكلم عن العدالة الاجتماعية لكي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وبالتالي هذه الآية أصل في أن التداول تداول الأموال يجب أن يكون بين أيدي جميع الناس وحرم الاحتكار وحث على الادخار، الادخار ليس الاحتكار الادخار عامل من عوامل النماء وليس عاملا من عوامل الانكماش، بينما الاحتكار الذي هو ضربٌ من الفساد لأن هذا هو معنى في الأصل للاحتكار وضرب من جعل من خلق غلاء مصطنع حتى يربح الكبار كما هو بالنظام الرأسمالي، فالإسلام له نظرة واسعة حول عدالة التوزيع والعدل الاجتماعي، لكن مع ذلك أنا أعترف بأن تقنين هذه النظرة وإيضاحها ووضعها بإطارها المعاصر وفي الواقع الذي نعيش فيه هو أمر لا يزال يحتاج إلى جهود من جهود العلماء الذين عليهم أن يخلقوا المفاهيم الجديدة أو أن يراجعوا المفاهيم القديمة حتى تكون معاصرة، لأن المفهوم في حقيقته يتركب من النصوص الجزئية الحاكمة ومن مقاصد الشريعة، ومن الواقع ومن المشكلات الواقعية، نحن الآن في ظل نظامين أو في هذا العصر كان النظام الشيوعي الذي حاول أن يحقق العدل فقضى على إنسانيته وكان النظام الرأسمالي الذي حاول أن يحقق العدل فحققه عن طريق ما يسمى باليد الخفية عند آدم سميث وبالتالي سرح العمال ووقع في الأسواق ما نراه اليوم، فلا بد من موقف وإن كان هذا الموقف يعبر عنه كنز في فكرته في التوزيع وفي الأسواق، علينا أن نحاول ان نجد الوسطية التي هي وسطيه هذا الدين والتي تعطي للجهد حقه، لكنها في نفس الوقت تنظر أيضا إلى الطبقات الضعيفة لتلحقها بالطبقات القوية، فأصل العدالة الاجتماعية بالإسلام محفوظ ومصون والمقاصد الكلية تضمن ذلك، والإسلام فرض للفقراء حقا في المال وإن في المال حق غير الزكاة وفرض للضعاف أيضا وحث على العمل وعلى الكسب كل تلك المقاصد وكل تلك المعاني من خلالها يمكن أن نصوغ منظومة إسلامية تستجيب لحاجات الناس ولمطالبهم في العدل الاجتماعي.

عثمان عثمان: هل ترون أن نظام الزكاة والصدقات كفيل وكاف لتحقيق العدالة الاجتماعية؟

عبد الله بن بيه: أرى أن العدالة الاجتماعية تخضع لواقع معين، الزكاة والضرائب والخرائج وما إلى ذلك هي أدوات، هذه الأدوات قد تضيق وقد تتسع لكن الجهات التي مكلفة بتحقيق المناط عليها أن تنظر في الواقع، في التاريخ الإسلامي فرضت أحيانا ضرائب على المسلمين نحن عندنا وأعطيك مثال بسرعة يوسف بن تاشفين أمير المسلمين في المغرب شيخ الدولة المرابطية فرض ضرائب من أجل مساعدة الجيوش في الأندلس فمدينة تسمى المرية رفضت ذلك وقام علمائها وقالوا له ليس من حقك أن تفعل ذلك إلا إذا قمت على المنبر وحلفت بأن بيت المال صفر ليس فيه شيء فلم يفعل ذلك وبالتالي ترك أهل المرية، إذن الحاكم هو الذي الحاكم العدل أو البرلمان هو الذي يحقق المناط ليقول هل نحن بحاجة إلى ضرائب؟ هل نحن بحاجة إلى استثمارات أخرى بإمكانها أن تعوض هذه الضرائب؟ هذا أمر موكول إلى الجهات الساهرة على مصالح الأمة والتي عليها أن تحقق الرفاه العام.

عثمان عثمان: نعم نعم نأخذ الدكتور رضوان السيد أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية ينضم إلينا من عُمان مرحبا بك دكتور بداية ما الفرق بين مفهوم العدالة في الإسلام وبيم المفاهيم الحديثة للعدل؟

رضوان السيد: بالنسبة للإسلام يتميز بأن مفهومه للعدل شامل بينما في المذاهب الحديثة هي فلسفة أو قيمة، في الأصل الإسلام تعني العدل يعني {وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ}[النساء:58] {ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ}[المائدة:8] يتبين منها انها الاستقامة في النظرة والإصابة في الرأي والاستناد إلى الفطرة والتجربة في أن يستقيم التصرف بناءا على استقامة الفكر ويتفرع إلى العدالة في شؤون الأسرة، والعدالة في التعامل مع الآخرين، والعدالة القضائية وهي أشهرها، فالعدالة مفهوم شامل يستند في الأصل إلى قيمة لأنها وقيمة ذات معنى أخلاقي في مثل قوله تعالى {ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ}[المائدة:8] لكن ما أقصده أنه نتيجة هذه الاستقامة المستندة إلى الفطرة وإلى الورع وإلى التجربة الإيمانية هذه الأمور الثلاثة تنتج عنها في مختلف وشتى مجالات الحياة مسائل تتعلق كلها في هذا المفهوم الكبير والشامل المسمى بالعدل، وبصفتي الشخصية لكن..

عثمان عثمان: دكتور كيف تقرؤون.

رضوان السيد: لكن هذا مختلف في الإسلام عنه في الغرب، أكثر النظريات تطورا في الغرب الآن بشأن العدالة هي نظرية جون رولز وهي الفيلسوف الأميركي الذي كتب theory Of Justice 1972   مات هو عام 2002 وهي حتى الآن الأكثر نقاشا هذه النظرية والأكثر جدالا ضمن الفلسفة الغربية وضمن القيم والأخلاق الغربية وهي تقول بأن العدالة هي عمليا الوصول إلى توازن نتيجة المؤسسات المختلفة في الدولة الليبرالية الغربية التي أنتجت بسبب تطورها وتوازنها استطاعت أن تنتج عبر المئة عام الأخيرة أعرافا ومقاييس صارت لها أبعاد أخلاقية وأبعاد قيمية هي في الأصل تستند إلى المؤسسات، هذه المؤسسات أنتجت أعرافا فصار هناك الآن نوع من التوازن والتجاوب بين المؤسسات من جهة والأعراف من جهة اخرى أنتجت جميعها نظرية.

عثمان عثمان: دكتور اسمح لي هنا.

رضوان السيد: النظرية التي تقول القيمة التي تقول وأختم بها القيمة التي تقول إن العدالة تعني إيصال الإنصاف إلى أكبر عدد ممكن من الناس من فريق المؤسسات التي يسلم لها الناس عرفا وعملا بأنها هي التي تحدد ما يعرف ما صار يعرف بالقيم.

عثمان عثمان: باختصار شديد دكتور كيف تقرؤون ربط ابن خلدون بين خراب الأوطان وظلم الحكام واستبدادهم؟

رضوان السيد: الظلم مؤذن بخراب العمران والعمران كما يحدده ابن خلدون ويحدده بعض مفسري القرآن مثل فخر الدين الرازي في تفسيره للقرآن ومثل الغزالي في إحياء علوم الدين، هناك مفاهيم متقاربة إنه العمران هو الزراعة والتجارة والبناء وهم يقولون إن الظلم وابن خلدون أصرحهم في ذلك إن الظلم في مسألة الزراعة الخراج أو الضرائب عليها وفي التجارة أن يدخل السلطان على التجارة بالاحتكار أو زيادة العشور، وبالنسبة للبناء أن لا يجري تنظيم البناء بحيث بسبب الرشوة أو بسبب الفساد يستطيع المرء أن يبني كما يشاء او يتدخل في تخريب ما يشاء يعني تجاوز الحد في الزراعة والتجارة وإدخال الاحتكار من جانب السلطة لبعض السلع، كل ذلك يعتبر من الظلم الذي يؤذن بخراب العمران.

عثمان عثمان: شكرا.

رضوان السيد: وابن خلدون يورد قوله عليه الصلاة والسلام ((إذا اتجر الراعي ذهبت أموال الرعية)).

عثمان عثمان: شكرا الدكتور رضوان السيد أستاذ الدراسات الإسلامية في الجامعة اللبنانية كنت معنا من عُمان، فضيلة الشيخ أعود إليك لنقرأ قول الله تعالى عز وجل {ولاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}[المائدة:8] كيف يظهر أو كيف يتبلور العدل مع الآخر مع الخصم مع المخالف مع المعارض مع الكافر وغير المسلم؟

عبد الله بن بيه: هذا بعد آخر من أبعاد العدل، لأن العدل يبدأ من الفرض، العدل هي صفة تكون للفرض حتى يعتبر عدلا يتولى الحكم أو يعتبر عدل ليشهد أو يعتبر عدل ليكون قاضيا فهي صفة تبدأ من الفرض، عليه أن يكون صالحا ليصلح ثم بعد ذلك العدل الذي يتعداه هناك العدل الخاص والعدل المتعدي، العدل المتعدي هو الذي يقوم به القاضي ويقوم به الشاري ويقوم به الحاكم وهو الذي يلامس العلاقات مع الآخرين، الله سبحانه وتعالى يجعل الأمة محصورة يجعل الأمة محاطة بسياج من العدل أي أنها لا تخرج عن هذا العدل حتى ولو أدى ذلك إلى أن تكون علاقتها بالغير هذا الغير الذي يخالفها والذي بينها وبينه شنآن أي بغض لا يجرمنكم لا يحملنكم هذا البغض على عدم العدل، فالعدل مطلوب مع المخالف ومطلوب مع المحارب ومطلوب بكل الأحوال ولهذا يقول القاضي أبو بكر العربي في قوله تعالى أن تبروهم وتقسطوا إليهم {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ}[الممتحنة:8] أي تعطوهم قسطا من أموالكم يقول لأن القسط وهو العدل مطلوب مع المحارب فعليك أن تكون عادلا معه، فهذا البعد الذي في الإسلام لا يوجد في الفلسفات الحديثة التي تقوم على جملة من المبادئ النفسية التي هي مبادئ كما قلت في مجال الاقتصاد تدور بين نظرية آدم سميث وكنز وأصبح الغرب يتعاطى بين هاتين النظريتين احدهما تقول بالتدخل والأخرى تقول بالتوقف عن التدخل افعل ما شئت واتجر ما شئت، باختصار شديد العدل هو وضع الأمور في نصابها وإيصال الحقوق إلى أربابها، فإذا فهمنا هذا علينا أن نبين ما هي الأمور كما قال الفيلسوف ((أعطي مال قيصر لقيصر ومال الله لله)) قال: البقية أن نعرف ما لقيصر، فهذا هو المهم أن تكون الحقوق واضحة وشمول النظرة الإسلامية تبدأ من الفرض الذي عليه أن يكون عدلا أن تصف بأوصاف تمنعه من ارتكاب الرذيلة حتى ان يكون قادرا على إصلاح الآخرين ثم تنطلق بعد ذلك إلى العلاقات مع المجتمع والعلاقات مع الآخرين مع العائلة {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً}[النساء:3] مع الأولاد إني لا أشهد على ظلم، مع المتحاكمين مع كل الناس ومع المخالفين المحاربين الذين عليك ان تكون دائما في حالة عدل وأن لا تكون في حالة انفلات، قضية سمرقند معروفة والمسلمون رجعوا من أسوار هذه المدينة لما قدم أهلها كتابا يدل على وجود معاهدة سابقة وكذلك قضية معاوية لما كان يهوي إلى الشام وهم في هدنته ناداه صحابي ابن عبسة وقال: يا معاوية وفاء لا قدر الله أكبر، وأخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يشد رحل إذا كنت في هدنة حتى تنبذ إليهم على سواء فرجع)) هذا مثال عدل، عدل مثال عدل علي بن أبي طالب يتحاكم مع يهودي امام قاضي لما قال له القاضي يا أبا حسن قال كنيتني ولم تكني خصمي.

عثمان عثمان: هناك أمثلة فضيلة الشيخ كثيرة في موضوع تحقيق العدالة في التاريخ الإسلامي ولكن في يعني دقيقة ونصف تقريبا من أهم شروط تحقيق العدالة هو ان يكون القضاء مستقلا عن السلطات الثلاث أو أن تكون هناك فصل بين السلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية، كيف يمكن للقاضي أن يحقق العدل في ظل تداخل هذه السلطات الثلاث في ظل الأنظمة الاستبدادية والقهرية في ما يقل عن دقيقة ونصف؟

عبد الله بن بيه: الشروط ثلاثة قانون واضح وهذا ما أسميه بتعيين الحقوق، قانون عادل واضح والشرط الثاني هو ما أسميه بالشرط التبيين أي ان هذا القانون يصبح ثقافة للمجتمع ليعرف العدالة، والشرط الثالث وجود قضاء وهذا شرط التمكين يمكن الناس من حقوقها، قضاء مستقل قضاء متداخل مبدأ مونستيه والقضاء المستقل هو ان السلطات توقف السلطة وهذا ما قاله عمر لمعاوية ليس لك سلطان على عبادة بن صامت وكان عبادة بن صامت كان قاضيا في فلسطين فالقضاء المستقل أو القضاء المتداخل كما رنييه تابه وهو فرنسي رجل دستور بعد مونستيه فهذا هو الذي يحقق العدل والله ولي التوفيق.

عثمان عثمان: شكرا فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ووزير العدل الموريتاني السابق، كنت معنا من جدة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب وسائر فريق العمل وهذا عثمان عثمان يترككم في أمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

أكد أن المفتين الصالحين كانوا يخافون إطلاقها .. ابن بيه لـ «عكاظ» : العلـم والـورع أولى صفــات مـن يفتـي

 

 

 أحمد صيام (جدة  ) 

 

الفتوى شأنها عظيم في الإسلام، فهي خلافة للنبي صلى الله عليه وسلم في وظيفة من وظائفه في البيان عن الله تعالى، فبقدر شرفها وأجرها يكون خطرها ووزرها لمن يتولاها بغير علم ولهذا ورد الوعيد. وفي حديث الدارمي عن عبيد الله بن جعفر مرسلا: «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار»، وأخرج الدارمي والحاكم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أفتى بفتيا من غير تثبت فإنما إثمه على من أفتاه»، وأخرج البيهقي عن مسلم بن يسار قال سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال علي ما لم أقل فليتبوأ بيتا في جهنم، ومن أفتى بغير علم كان إثمه على من أفتاه، ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه  ».
إلى ذلك، يؤكد رئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد الشيخ الدكتور عبدالله المحفوظ بن بيه أن المفتين الصالحين كانوا يخافون الفتوى فيستخيرون ويدعون قبل أن يفتوا. ذكر ابن بشكوال في كتابه الصلة في تاريخ أئمة الأندلس أن عبد الله بن عتاب كان يهاب الفتوى ويخاف عاقبتها في الآخرة ويقول: من يحسدني فيها جعله الله مفتيا، وإذا رغب في ثوابها وغبط بالأجر عليها يقول: وددت أني أنجو منها كفافا لا علي ولا لي  


فضيلة الشيخ، كيف يصل المفتي إلى الكمال في الفتوى؟
من شروط الكمال أن يكون ذا أناة وتؤدة متوخيا الوسطية بصيرا بالمصالح وعارفا بالواقع متطلعا إلى الكليات ومطلعا على الجزئيات موازنا بين المقاصد والوسائل والنصوص الخاصة، ذلك هو الفقيه المستبصر  .
وأن على الجهات المختصة أن تردع ويمنع غير الأهل من الفتوى، وأن ضمان المفتي قد يكون وجيها، إذا أصر على الفتوى، وألحق الأذى بالناس، وكان لا يرجع إلى نص صريح بفهم صحيح، أو إجماع، أو قياس عار عن المعارضة، أو دليل راجح وليس مرجوحا في حالة التعارض كما أشار إليه الأصوليون   
وإذا عمل بالمرجوح فلا بد من توفر شروط العمل من مصلحة تبتغى أو مفسدة تنفى  . 


وما آداب المفتي التي لا بد أن يتحلى بها؟
للفتوى آداب يجب أن يتحلى بها المفتي: قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال: أولها: أن تكون له نية فإن لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور. والثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة. والثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته. والرابعة: الكفاية «أي من العيش» وإلا مضغه الناس. والخامسة: معرفة الناس  . 


مسؤولية المفتي كبيرة وعظيمة لكنه إذا كان مجتهدا وأتلف شيئا بفتوى أصدرها.. ماذا عليه؟ 
ضمن العلماء غير المجتهد إن انتصب أي ضامنا لما أتلفه من نفس ومال قال الزرقاني في شرحه لخليل: لا شيء على مجتهد أتلف شيئا بفتواه ويضمن غيره إن انتصب و إلا فقولان وأغلظ الحاكم على غير المجتهد وإن أدبه فأهل إلا أن يكون تقدم له اشتغال فيسقط عنه الأدب وينهى عن الفتوى إذا لم يكن أهلا. قال ابن القيم: الفائدة الحادية والأربعون: إذا عمل المستفتي بفتيا مفت في إتلاف نفس أو مال ثم بان خطأه قال أبو إسحاق الاسفرائني من الشافعية: يضمن المفتي إن كان أهلا للفتوى وخالف القاطع وإن لم يكن أهلا فلا ضمان عليه لأن المستفتي قصر في استفتائه وتقليده
ووافقه على ذلك أبو عبد الله بن حمدان في كتاب «آداب المفتى والمستفتي» له ولم أعرف هذا لأحد قبله من الأصحاب ثم حكى وجها آخر في تضمين من ليس بأهل قال: لأنه تصدى لما ليس له بأهل وغر من استفتاه بتصديه لذلك
وفي المسألة كلام طويل نكتفي منه بما ذكرنا وهو يدل على ما وراءه إلا أنه يمكن أن نستخلص: أن المفتي لا بد أن يكون عالما مستبصرا، وأن يكون ذا ديانة.


هل الفتوى تعتمد الدليل المنصوص فقط أم يمكن أن تؤخذ باجتهاد المفتي؟ 

الفتوى لا بد أن تعتمد على دليل منصوص في الأصلين الكتاب والسنة أو مستنبط منهما بالاجتهاد على حد الترتيب الذي ورد في حديث معاذ، رضي الله عنه، فبالنسبة للكتاب لا خلاف يعتري العمل به إلا فيما يتعلق بدلالة اللفظ، أما السنة فهناك خلاف ظهرت بوادره في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، وهو: الموقف من خبر الواحد، والغالب على الصحابة العمل بخبر الواحد، أما الإجماع فكان الاهتمام به اهتماما بدليل لم يكن له رواج في الفترة النبوية لأنه لا يمكن أن يكون مرجعا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وقد برزت بوادر العمل به في وقت مبكر، أما الاجتهاد بالرأي من قبل الصحابة فهو أمر شائع وذائع. فقد فهموا أن الشارع جوز لهم بناء الأحكام على المعاني التي فهموها من شرعه.


إذا.. ما أسباب الاختلاف؟ وما هي أقوال العلماء في ذلك؟

الخلاف ينشأ من أربعة أوجه تعتبر عناوين كبيرة لأسباب الخلاف الكثيرة والمتنوعة:
ـ اختلاف في دلالات الألفاظ وضوحا وغموضا واعتبارا وردا
ـ اختلاف في أدلة معقول النص التي ترجع إلى مقاصد الشريعة قبولا ورفضا.
ـ اختلاف في وسائل ثبوت النصوص الشرعية ودرجات الثبوت
ـ اختلاف في ترتيب الأدلة عند التعارض قوة وضعفا.

فهذه العناوين الأربعة يرجع إليها اختلاف العلماء وقد ذكر ابن السيد ثمانية أسباب لاختلاف العلماء:
الأول: الاشتراك الواقع في الألفاظ واحتمالها للتأويلات وجعله ثلاثة أقسام: «اشتراك» في موضوع اللفظ المفرد كالقرء أو في آية الحرابة، و«اشتراك» في أحواله العارضة في التصريف نحو «ولا يضار كاتب ولا شهيد»، و«اشتراك» من قبل التركيب نحو «والعمل الصالح يرفعه» «وما قتلوه يقينا».
الثاني: دوران اللفظ بين الحقيقة والمجاز وجعله ثلاثة أقسام: ما يرجع إلى اللفظ المفرد نحو حديث النزول «الله نور السماوات والأرض».
وما يرجع إلى أحواله نحو: «بل مكر الليل والنهار» ولم يبين وجه الخلاف
وما يرجع إلى جهة التراكيب كإيراد الممتنع بصورة الممكن ومنه «لئن قدر الله علي» الحديث.
وأشباه ذلك مما يورد من أنواع الكلام بصورة غيره كالأمر بصورة الخبر والمدح بصورة الذم والتكثير بصورة التقليل وعكسها.
الثالث: دوران الدليل بين الاستقلال بالحكم وعدمه كحديث الليث بن سعد مع أبي حنيفة وابن أبي ليلى وابن شبرمة في مسألة البيع والشرط وكمسألة الجبر والقدر والاكتساب
الرابع :دورانه بين العموم والخصوص نحو «لا إكراه في الدين» «وعلم آدم الأسماء كلها». 
الخامس: اختلاف الرواية وله ثمان علل.
السادس: جهات الاجتهاد والقياس
السابع: دعوى النسخ وعدمه

الثامن: ورود الأدلة على وجوه تحتمل الإباحة وغيرها كالاختلاف في الأذان والتكبير على الجنائز ووجوه القراءات. وبالنسبة للرواية فقد ذكر أن لها ثماني علل: فساد الإسناد ونقل الحديث على المعنى أو من المصحف والجهل بالإعراب والتصحيف وإسقاط جزء الحديث أو سببه وسماع بعض الحديث وفوت بعضه. وهذه الأشياء ترجع إلى معنى ما تقدم إذا صح أنها في المواضع المختلف فيها علل حقيقية فإنه قد يقع الخلاف بسبب الاجتهاد في كونها موجودة في محل الخلاف. وإذا كان على هذا الوجه فالخلاف معتد به بخلاف الوجه الأول. وأما الحافظ ابن رجب فقد قال عن أسباب الخلاف: منها أنه قد يكون النص عليه خفيا، لم ينقله إلا قليل من الناس، فلم يبلغ جميع حملة العلم. ومنها: أنه قد ينقل فيه نصان، أحدهما بالتحليل والآخر بالتحريم، فيبلغ طائفة منهم أحد النصين دون الآخر فيتمسكون بما بلغهم: أو يبلغ النصان معا من لا يبلغه التاريخ فيقف لعدم معرفته بالناسخ. ومنها: ما ليس فيه نص صريح، وإنما يؤخذ من عموم أو مفهوم أو قياس، فتختلف أفهام العلماء في هذا كثيرا.
ومنها: ما يكون فيه أمر أو نهي، فتختلف أفهام العلماء في حمل الأمر على الوجوب أو الندب، وفي حمل النهي على التحريم أو التنزيه. ورد ابن رشد أسباب الاختلاف إلى ستة أنواع لا تخرج عما ذكرنا تراجع المقدمة الأصولية لبداية المجتهد.

من الأرشيف : حوار مع مجلة اليمامة

 

من الأرشيف : حوار مع مجلة اليمامة

 

طُلب مني الترشح للرئاسة زمن حكومة ولد الطايع فاعتذرت 


حوار: سامي صالح التتر   


بإيمان راسخ، سطر الشيخ العلامة معالي الدكتور عبدالله بن بيه وزير العدل الموريتاني الأسبق، ملاحم وجوده وكفاحه في ميادين العلم والتفقه في الدين، ناهلاً من معين علم والده الغزير الذي كان من كبار علماء الدين في عصره، فأفضى به التبحر بالعلم لميادين السياسة، التي سار في ركابها مناضلاً لسطوة المستعمر الفرنسي على بلاده، متسلحاً بلغته التي أتقنها بجهود ذاتية، نزولاً عند رغبة الوالد في مقاطعة المستعمر  .


الدكتور ابن بيه، حمد الله كثيراً أن أنقذه من السياسة لمجالات العلم والإصلاح، كاشفاً تفاصيل الانقلاب العسكري بعد إعلانه تطبيق الشريعة الإسلامية في البلاد، بصفته قائداً مركزياً لحزب الشعب الحاكم للبلاد، وتفضيله الاعتقال على المغريات التي عرضت عليه للبقاء خارج البلاد. 

وتفاصيل أخرى تطالعونها عبر هذا الحوار  .


بيئة علمية دينية


أين غرست بذرة ميلادك، وبأي بيئة تشكلت معالم نضجك وانفتاحك على ميادين العلم؟
ولدت في مدينة تمبدغة جنوب شرق الجمهورية الإسلامية الموريتانية عام 1935م، ونشأت وتربيت في بيت علم وورع، حيث نهلت من معين علم والدي الغزير القاضي الشهير الشيخ العلامة المحفوظ – رحمه الله – الذي كان من كبار العلماء ورئيس مؤتمر العلماء الموريتانيين الذي نظم بعد استقلال البلاد، ولأن الإنسان حصيلة من التأثرات فقد تأثرت بالوالد – رحمه الله – كثيراً، كما تأثرت بمعلمي ومعلم والدي باللغة العربية الشيخ أحمد بن سالم الشيخ، الذي أعتبره (سيبويه زمانه)، فأخذت عنه علوم اللغة العربية والعلوم الدينية، وتأثرت بالانفتاح على العالم، بعد أن كنا في حالة انعزال في الصحراء، خصوصاً بعد الاستقلال.

هذه البيئة الدينية العلمية التي نشأت بها، كانت نتاجاً للتقسيم التاريخي منذ خمسة قرون بين العائلات التي تحمل العلم والأخرى التي تحمل السلاح، فتكون السيادة في البلاد إما للقلم والعلم، أو للقوة والسيف في ظل عرف اجتماعي وتصالح جعل الاثنين يسيران معاً


أسرتك.. إلى أي الجانبين كانت تنتمي؟ 
بالطبع إلى الجانب العلمي، باعتبار والدي كان يرأس مؤتمر العلماء الموريتانيين الذي نظم بعد الاستقلال، وهو من طالب بمقاطعة عملية للمستعمرين، وقرر ألا يدرس أولاده – وأنا واحد منهم- في المدارس الفرنسية.


ولكنك تجيد اللغة الفرنسية؟
نزولاً عند رغبة الوالد في مقاطعة المستعمر، لم أذهب إلى المدارس الفرنسية وتعلمت اللغة بجهود ذاتية، من خلال المطالعة بشيء من الاهتمام والتركيز، ولم أجد عناء كبيراً في تعلمها


وما الذي دعاك لتعلمها؟
تعلمتها عندما كانت بلادنا على وشك الاستقلال وبحاجة ماسة إلى نخبة من الشباب الذين يتولون المحاكم بعد ذهاب المستعمر، فاستدعيت مع مجموعة من العلماء بعد إجراء الاختبارات اللازمة، فكنت من أوائل الطلاب، وحينها ذهبت إلى تونس لدراسة القانون في كلية الحقوق والتدريب في المحاكم التونسية، وعندما عدنا من تونس وتوليت القضاء في محكمة الاستئناف، لم تكن هناك وسيلة لتدارس القانون والتعامل مع القوم والإدارة، إلا باللغة الإدارية؛ وهي الفرنسية.


ألم يكن هناك مناصرون للغة العربية، بدلاً من لغة المستعمر الفرنسية؟
كانت اللغة العربية، هي لغة النخب المثقفة، ولم يكن لها رواج آنذاك. في المقابل كانت هناك نخب فرانكفونية لا تتكلم العربية، وفي كل الدوائر لم يكن هناك شيء باللغة العربية


ولكن موريتانيا لم تتعرض لنار الاستعمار الفرنسي، كما تعرض له الجزائريون والمغاربة؟
علينا أن نعود إلى التاريخ لنفهم أسباب استعمالهم سياسة الأرض المحروقة في الجزائر، بينما لم يحدث ذلك في موريتانيا؛ لأنهم كانوا يريدون أن تكون بلادنا تأميناً لمعبر من أفريقيا السوداء إلى أفريقيا الشمالية، ولهذا تأخر احتلالهم لبلادنا كثيراً، وتم توقيع الاتفاق مع الفرنسيين عام 1912م في السنة التي وقع فيها المغرب أيضاً اتفاق الحماية معهم

 

هل كان هناك تواؤم ما بين والدك القاضي المعروف بقوته في الحق، والمستعمر الفرنسي؟ 
شدة والدي – رحمه الله – في الحق، أزعجت كثيراً الفرنسيين؛ لأن أحكامه كانت نافذة في ظل وجودهم، وكان أشبه بالوالي أخذاً بما قاله العز بن عبدالسلام وغيره من أنه «إذا احتل قطر من أقطار المسلمين، فإن عليهم أن يولوا قاضياً منهم يحكم بالشريعة»، فكانت أحكامه تنفذ بقدر ما تيسر في المعاملات والأحكام الشخصية؛ لأن المستعمر كان يحتكر القوانين العامة كقانون العقوبات والأمن وغيره.

في معترك الحياة العملية


ما أهم المناصب والخبرات العلمية التي تخللت مشوار حياتك؟
عينت رئيساً لمصلحة الشريعة في وزارة العدل، ثم نائباً لرئيس محكمة الاستئناف، ثم نائباً لرئيس المحكمة العليا ورئيساً لقسم الشريعة الإسلامية بهذه المحكمة
ثم عينت مفوضاً سامياً للشؤون الدينية برئاسة الجمهورية، عندما اقترحت إنشاء وزارة للشئون الإسلامية، فكنت أول وزير لهذه الوزارة، ثم عينت وزيراً للتعليم الأساسي والشؤون الدينية، فوزيراً للعدل والتشريع وحافظاً للخواتم، ثم وزيراً للمصادر البشرية – برتبة نائب رئيس الوزراء- ثم وزيراً للتوجيه الوطني والمنظمات الحزبية والتي كانت تضم وزارات الإعلام والثقافة والشباب والرياضة والبريد والبرق والشؤون الإسلامية
ثم عينت أميناً دائماً لحزب الشعب الموريتاني، الحزب الوحيد الحاكم الذي كنت عضواً في مكتبه السياسي ولجنته الدائمة من سنة 1970 – 1978م

 

وما أهم المؤتمرات العلمية التي شاركت فيها؟
شاركت في كثير من المؤتمرات من أهمها: أول مؤتمر قمة للدول الإسلامية بالرباط، وأول مؤتمر تأسيس لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة، وحضرت مؤتمر القمة لعدم الانحياز في الجزائر، ومؤتمر القمة العربي الأفريقي في القاهرة، وفى الستينيات شاركت في مؤتمر الحقوقيين الناطقين باللغة الفرنسية في لومي، وأشرفت على المؤتمر الأول الأفريقي لرابطة العالم الإسلامي في نواكشوط
كما شاركت في ندوات فكرية وعلمية كثيرة، منها: الملتقيات الفكرية في الجزائر، حيث قدمت محاضرات مثبتة في مجلة الملتقيات. وشاركت في جولات الحوار الإسلامي المسيحي في روما ومدريد، بصفتي عضواً في رابطة العالم الإسلامي. وشاركت في اجتماعات المجمع الفقهي لمنظمة المؤتمر الإسلامي كخبير، وقدمت بحوثاً مثبتة في مجلة المجمع


ما النتاج العلمي الذي رفدت به مكتبتنا العربية الإسلامية؟ 
صدر لي 25 عنواناً في مجالات متعددة فقهية وفكرية وثقافية.


وما العضويات التي تتشرف بحملها، بصفتك من كبار علماء الدين؟
أنا عضو في هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنّة. وعضو في المجلس الأعلى العالمي للمساجد. وعضو في الهيئة الخيرية العالمية الإسلامية بالكويت. وعضو مؤتمر العالم الإسلامي بكراتشي. وعضو المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث. وعضو المجمع الفقهي

 


في مواجهة «التغريب

يقال إن معارك الموريتانيين العسكرية انتهت مع خروج الفرنسيين، وبدأت أنت بحمل السلاح الفكري ضد الشيوعيين، ودخلت معهم في مواجهات طاحنة؟
إشكاليات موريتانيا في تلك الفترة تمحورت أولاً في التعريب، وتفاقمت في هذه الأيام مع الأسف الشديد، وكانت النخب الوطنية تريد التعريب وأنا منهم، وتشرفت بإلقاء أول خطاب في يوم المحاكم باللغة العربية، وعندما توليت القيادة السياسية في حزب الشعب الحاكم غيرت الأسلوب، فكان أول خطاباتنا باللغة العربية لدرجة أن أحد الصحافيين جاءني يطلب الأصل بالفرنسية، فأخبرته أن الأصل باللغة العربية، والإشكال الثاني مع الحركة اليسارية الشيوعية وكانت مواجهاتنا معها عندما دخلت الحكومة مواجهة فكرية وليست أمنية، فأحدثنا برنامجاً أسميناه (المناضل المسلم) ومجلة أسميناها (البرهان)، وبالجهود التي قمت بها مع غيري لمواجهة تغريب المجتمع، استطعنا أن نبطئ من حركة اليسار بشكل مؤثر عندما واجهنا فكرهم بالإسلام الذي يمكن أن يقدم الحل من عام 1971م إلى أن تركنا الحكم عام 1978م بعد الانقلاب.


الرئيس ولد دادة


متى التقيت بالرئيس الموريتاني ولد دادة، وهل كان سبب توجهك للعمل في المجال السياسي؟
علاقتي مع ولد دادة – رحمه الله – كانت حميمة جداً، وقد التقينا لأول مرة عام 1958م واستمرت علاقتنا لتقارب الأفكار بيننا في الكثير من الأمور، وحظيت بثقته لتولي القيادة المركزية للحزب عندما تولى رئاسة البلاد، إضافة إلى عدد من المناصب الوزارية.
أما عن توجهي للمجال السياسي، فأحب أن أقول لك إن الموريتانيين يحبون السياسة، وهم سياسيون بطبيعتهم، وأنا كنت في حراك سياسي حتى قبل استقلال بلادنا عام 1960م؛ فقد تعاطفنا مع ما يجري في الجزائر ثم استقلال المغرب، وفي عام 1958م ذهبت مع أربعة آخرين تم اختيارهم من كل المناطق إلى الخارج، فأوقفنا الفرنسيون في داكار ورفضوا السماح لنا، فالحس السياسي لديَّ بدأ مبكراً، ثم جاءت تجربة حزب الشعب وكنت في موقع قيادة وصياغة للفكر.

قاضٍ أولاً


بالرغم من تقلدك لعدد من الوزارات في الدولة، إلا أنك متمسك في غالب توقيعاتك بمنصب وزير العدل الموريتاني الأسبق.. لماذا؟
لأنني قبل أن أكون وزيراً، كنت قاضياً ومن قطاع العدل، ووالدي كان قاضياً ومشرفاً على القضاء أيضاً، وانتمائي كبير وممتد بهذا القطاع، فقد كنت قاضياً ونائباً لرئيس المحكمة العليا، وكنت في تلك الفترة أتفق مع الرئيس ولد دادة في فهم بعض الأطروحات المعاصرة، إضافة إلى العلاقة الجيدة التي كانت تجمع الرئيس ولد دادة بالوالد أيضاً


من المواقف التاريخية التي تحسب لك، إعلانك شخصياً تطبيق الشريعة الإسلامية في موريتانيا الذي جاء على إثره الانقلاب العسكري.. كيف حدث ذلك؟ 
بعد خروج المستعمر من بلادنا، شعرت أن الظروف مواتية لاتخاذ مثل هذا القرار، خصوصاً أن دستور البلاد ينص على أن الإسلام هو الدين، بالإضافة إلى أن الموريتانيين بطبيعتهم وبحكم تاريخهم الاجتماعي، بعيدون عما أفرزته الحضارة المعاصرة من الخمور وغيرها، فالأرضية موجودة والمجتمع مهيأ والرغبة موجودة لدى الناس كافة، ومن أجل ذلك أعلنت شخصياً هذا الأمر، وقلت في ذلك الوقت، إننا نريد أن يتسع قانوننا لكل المذاهب الإسلامية، فلم نكن متعصبين وتمسكنا بالشريعة قلباً وقالباً، وأسأل الله أن يكون ذلك خالصاً لوجهه الكريم.

 لماذا لم تأخذوا رأي الجيش والقوات المسلحة في قرار تطبيق الشريعة الإسلامية، ألم تراودكم مخاوف من انقلابه عليكم؟
الجيش كان يحضر مراقباً في الحزب مع القضاء لا منتسباً له، ومسألة الانقلاب ظلت مطروحة إلى حد ما، بسبب الحرب ضد جبهة (البوليساريو) التي كانت مدعومة من بعض الجيران. والجيش في الدول المتخلفة إذا دخل حرباً يكون خطراً من جهتين؛ فإن كان منتصراً قال أريد أن آخذ نتائج انتصاري، وإن كان منهزماً فإنه يريد أن يعوض عن الهزيمة بنصر داخلي عبر الاستيلاء على الحكم ليقول إنه لم ينهزم، وأنا لا أتهم جيشنا لا بهزيمة ولا بنصر، لكن كانت الظروف من هذا القبيل.


رهن الاعتقال


أين كنت عندما حصل الانقلاب عليكم؟ 
كنت موجوداً في مهمة رسمية في ليبيا، فطلب مني أن أقيم في فيلا على البحر، لكنني رفضت وأصررت على العودة أيا كانت النتائج، وتم اعتقالي بعد عودتي ولم أمكث في المعتقل كثيراً، ولكن بقيت مدة في الإقامة العادية وليس الجبرية لعدم وجود جواز سفر، ثم سمح لي بعد ذلك، فقررت أن آتي إلى المملكة العربية السعودية وبقيت فيها إلى الآن.


كيف هي علاقتك الآن بمن انقلبوا عليك في تلك الأيام؟ 
الموريتانيون – بحمد الله- أرواحهم طيبة وعلاقتي طيبة معهم وهم إخواننا، حتى إنني عندما عقدت مؤتمراً قبل سنتين هناك، حضره العقيد مصطفى الرئيس الذي استولى على الحكم في الانقلاب علينا، وهو صديقي. وفي موريتانيا تزول مثل هذه الأمور بعد فترة وتذوب، خصوصاً أنها لم تكن دموية عندما حدثت.


ما سبب رفضك للترشح لرئاسة البلاد، رغم وجود مناصرين لك؟
طلب مني بالفعل خوض انتخابات الرئاسة أيام حكومة ولد الطايع، ولكنني اعتذرت، لأني وجدت مجالات العلم والإصلاح، أهم بكثير من السياسة التي بقيت فيها فترة كبيرة؛ وأحمد الله أن أنقذني من السياسة ونفذت منها بجلدي ويسر لي طريق العلم في هذه الديار المباركة.

مع الملك فيصل


ما سر علاقتك المتميزة بالملك فيصل بن عبدالعزيز- رحمه الله -؟
علاقتي بالملك فيصل – رحمه الله – بدأت عندما رافقته في زيارته لموريتانيا عام 1972م، وأفتخر بمنحي وسام الملك عبدالعزيز من قبله، وهو شخصية فوق مستوى الكثير من رؤساء الدول في عهده؛ فكان قليل الكلام وإذا تكلم أنصت له الناس.


ما الذي تتذكره من مآثر الملك فيصل رحمة الله عليه؟
في إحدى القمم في المغرب، دار حديث عن طموحات لإنشاء صندوق استثمار في الدول العربية الفقيرة، وكانت اليمن الجنوبي – في ذلك العهد- دولة مستقلة، فتحدث الرؤساء عن تقديم مساعدة لها، فأشار الملك فيصل إلى خطورة الانحراف الفكري الموجود في اليمن الجنوبي آنذاك، وأنه لا يريد المساعدة لتكريس هذا الأمر، ورغم دفاع رئيس اليمن الجنوبي في المؤتمر، إلا أن الرؤساء اقتنعوا بأهمية ما قاله الفيصل للالتزام بالقيم والدين، وتأثرنا بكلمته في موريتانيا، وقد أعطاه الله مهابة ومحبة ومكانة بين الناس خصوصاً في أفريقيا، وأتذكر عند قدومه إلى داكار أن بعض السنغاليين لبسوا ملابس الإحرام وكانوا يلبون في المطار من شدة إعجابهم بمواقفه الإسلامية معهم، وكانت جولته على القارة الأفريقية جولة مباركة وتركت أثراً تجديدياً للإسلام في كل بلد، إضافة إلى المساعدات الكبيرة التي قدمها لكل الدول المسلمة في القارة السوداء


وكيف ترى الأوضاع السياسية في موريتانيا حالياً؟
الحمد لله، الأوضاع السياسية مطمئنة الآن، لكن يظل التخلف الاقتصادي مؤثراً في البلاد رغم وجود الثروات، وكما تعرف أن النمو يتركب من التنظيم ورأس المال والأرض والبشر، ونحن نحتاج لتضامن كل هذه العوامل لتنمو البلاد وتخرج من تخلفها، وأعتقد أن أهل البلاد جميعاً، سواء من كان في الحكومة أو المعارضة، في أذهانهم هذه الخطة وبدأت الآن خطط جيدة لمساعدة الضعفاء وإزالة قرى الصفيح، وهناك جهد نسأل الله أن يوفق فيه الجميع.

 

حوار صوتي حول مستقبل تغيرات الانظمة في العالم العربي ومساندة اليموقراطية بالشورى

 

 

أون اسلام – حوار/ وسام فؤاد

في هذا الحوار، ينطلق العلامة عبد الله بن بيه من رفع سقف الاجتهاد بصورة مطلقة فيما يتعلق بالفقه السياسي أو الفقه الكلي للأمة الإسلامية، متواصلا مع مقولة إمام الحرمين أن “مظان الأحكام الشرعية التي تتعلق بالإمامة لا يوجد فيها يقين”، وهي المقولة التي تدفعه صدقيتها للتأكيد على أن الفقه السياسي مساحة مرنة جدا. وأوضع فضيلة العلامة ابن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين؛ لشبكة أون إسلام.نت أن هذه المقولة تعد إطارا يقرأ ضمنه قوة وكثافة التغيرات التي حدثت في الوطن العربي، وإن كان قد تجاوز الحدود الجغرافية بالنظر لاعتباره أن التغيرات التي تحيط بنا عالمية الطابع، وأنها تغيرات تأتي في فضاء عولمي يجعل التحيز المكاني الجغرافي غير ذي قيمة من حيث علاقة أي قطر بما يتفاعل حوله من متغيرات.

استمع للحوار كاملا 

وفيما يتعلق بنصيب العالم العربي من التغيرات الحادثة، تخير فضيلة الشيخ ابن بيه أن يبدأ من ناحية وضع العلاقة بين الشورى والديمقراطية في تاريخنا العربي، على اعتبار أن التغيرات العربية يقع في القلب منها مطلب الديمقراطية. ويلفت بن بية إلى أن الديمقراطية ولدت في الغرب كنظام سياسي تجاوز الحالة القيمية باتجاه البناء والتكوين المؤسسي، بينما لم يكن الحال كذلك بالنسبة للشورى التي أشار إلى أن الإسلام أقرها وزكاها كقيمة اجتماعية وكنظام حكم؛ وإن لم تحظ عبر تاريخنا بفرصة التحول إلى حالة مؤسسية وإن كانت قد تركت موروثا فقهيا كبيرا؛ تجاوز حضور الشورى فيه المجال السياسي لتبسط حضورها حتى على الصعيد التشريعي والفقهي.

وأفاد بأن التغيرات التي تشهدها أوطاننا ستؤثر بلا شك على نظام الحكم، وأنه يرى فضيلة في أن يكون هذا التأثير مؤصلا شرعا بما يدفع المفاسد ويحقق المصالح، كما رأى ضرورة أن تنشأ حالة اجتهادية تعمل على معالجة اغتراب الفقيه عن الأفكار والأنظمة السياسية المعاصرة التي تمتلك صلاحية تجاوز خصوصيات الثقافات، وتوطين الوعي بها، والاتجاه نحو تفعيل قيمة الشورى من خلال مؤسسات الديمقراطية. وهو يرى أن الاحتراز في هذا الإطار التوطيني واجب، وأنه متاح في إطار تلك البلاد التي مرت بخبرات أسفرت في النهاية عن اتجاه إرادتها نحو الاحتكام للديمقراطية لتجنب الأسوأ، وأوضح دواعي هذا الاحتراز بالنظر إلى أن الفلسفة السياسية الغربية يقوم اليوم بمراجعة قيمة الديمقراطية العددية، وهو ما أشار إليه الشيخ بن بية بسرد آراء تبدأ من رؤى أرسطو التي كانت تعيب في الديمقراطية، وانتهاء بالنقد المعاصر للديمقراطية؛ وبخاصة الديمقراطية العددية. وأكد بن بية على ضرورة بناء ديمقراطيتنا على التراضي وليس مجرد الاحتكام؛ مشيرا لأن التراضي وسيلة لإرضاء التفاوتات لا القفز عليها. وفي هذا الإطار دعا للنظر للأنظمة السياسية الوافدة نظرة نقدية بناءة.

وفيما يتعلق بالتجديد الفقهي المرتبط بتغير الوضع السياسي في عالمنا العربي، وفيما يتعلق بسؤالنا حول اتجاه الفقه الكلي أو الفقه السياسي لوضع الأمة وليس السلطة في مركز بنائه، تحدث الشيخ بن بية عن صعوبة تحول فرض الكفاية إلى فرض عين، لافتا إلى أن الإمامة من فروض الكفاية، وأن خبرة النبي صلى الله عليه وسلم في ممارسة الإمامة كانت من خلال تحويلها لفرض كفاية، حيث كان دائما يعامل الناس من خلال نوابهم / عرفائهم / نقبائهم. أكد الشيخ بن بية أن حق الإمامة هو حق لخدمة الأمة باعتبارها صاحبة البيعة، وأن للأمة أن تفوض بعض حقوقها لوكلاء عنها حتى تتمكن من ممارسة هذه الحقوق. لكنه أكد أن البيعة لا تتم إلا بالتراضي، لافتا لحكم أمير المؤمنين عمر بأن الإكراه في البيعة العامة مدعاة لقتل من نصب على الناس بغير رضاهم.

ودعا الشيخ بن بية لعدم استبعاد البعد الرباني من عقد البيعة، ولفت إلى ان البعد الرباني في الممارسة السياسية يبقي الضمير حيا، وبخاصة ضمير السياسي الحاكم. لكنه أردف بهذا ضرورة أن تعمل الأمة على تفعيل أدوارها الرقابية التي أقرتها الشريعة وزكتها بقدر ما زكت ضرورة حسن اتباع الإمامة. ورأى أن الموازنة بين الرقابة الصارمة وحسن اتباع الإمامة هو من دلالات وسطية هذه الأمة التي قدر لها موقعها الجغرافي الوسطي بقدر طابعها الثقافي الوسطي ان تستفيد من كل من الشرق والغرب وأن تأخذ النافع وتوازن في تناول الوافد.

وفيما يتعلق بالتعددية الإسلامية الراهنة في مصر، مع التنوع الثري المميز والواسم لهذه التعددية، دعا الشيخ عبد الله بن بيه شبكة أون إسلام.نت إلى أن توصل كلمته للإسلاميين بأن “يفيضوا مجالسهم بينهم”، ونسب الكلمة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي خطب في الصحابة داعيا إياهم لما معناه إزالة الحواجز بين مجالسهم وبين أتباعهم. ولفت إلى أن دعوته هذه لا تعني إزالة الاختلافات، لكنه دعا لعدم نسيان المشتركات ورفض استبدال العداوات بهذه المشتركات؛ بما رآه يشوه الدين ويضيع مصالح الناس. ونبه العلامة ابن بيه إلى أن الإقصاء أمر غير مقبول، ولفت إلى أن “تنازع البقاء يؤدي للفناء”.

وضمن رؤيته لتديين السياسة وبسط أخلاق الإسلام فيها، دعا الشيخ عبد الله بن بيه الإسلاميين لأن يقدموا لبعضهم ولأنفسهم أحسن ما عندهم، بدلا من أن يتخيروا أسوأ مما عند الناس فيرشقون به بعضهم البعض. ورفض الشيخ بن بيه أن تسود بين الإسلاميين ما أسماه “عقدة الأقارب” التي عنى بها أن “تكون المشكلة الأساسية للإسلامي مع أقرب الناس إليه من حيث التوجهات الفكرية”.

حوار حول الثورات ووصول الاسلاميين للسلطة وتولي المرأة في الفقه الجديد

 

جريدة التحرير-   | إيمان عبد المنعم 

هو «أستاذ الجيل»، كما يلقبه محبوه وتلامذته، تجلس أمامه فترى أنك أمام شيخ هادئ، تحدثه فتجده شابا ثائرا، يسعى دائما إلى الوسطية، يرى أن التجديد يجب أن يمتد إلى الفتوى والاجتهادات السابقة، وأن تحقيق مناط الاعتدال لن يتحقق إلا على يد مفكرين تنوريين، هو نائب رئيس الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين ورئيس مركز التجديد والترشيد عبد الله بن بيه .

أستاذ فى جامعة الملك عبد العزيز فى جدة، بن بيه الساعى دائما إلى الاعتدال يرى أن الثورات العربية كما فرضت أشكالا وأنظمة سياسية جديدة للوطن العربى، فأنها كذلك تفرض مراجعات على التيارات الإسلامية التى خرجت إلى النور بفضل الثورة، فهو يرى إجازة تولى المرأة الرئاسة فى حالة تعريف الرئاسة بما هو يخالف مفهوم الخلافة، وكذلك تولى المسيحى مناصب قيادية فى الدولة الإسلامية، بحسب المصلحة. اقتربنا منه أكثر فامتد الحديث حول قضايا عديدة.

قاعدة «عدم جواز الخروج على الحاكم» أساسية عند بعض التيارات السلفية، فهل ترى أنها تنطبق على الطغاة من الحكام العرب؟

أعتقد أن عصر الفتاوى العامة التى يجوز تطبيقها فى كل زمان ومكان قد انتهى، ويجب على كل مفتِ أن يزن فتواه قبل أن يصدرها، وأن يدرس الأوضاع والظروف والمآلات التى تقع على الشعوب فى حال الخروج. هناك أمر آخر يجب أن يكون محل اعتبار، وهو القاعدة الشرعية القائلة «إن حكم الابتداء ليس كحكم الدوام والانتهاء»، فالأمور تختلف من لحظة إلى أخرى، ومن الصعب إصدار فتوى فى ليبيا وسوريا واليمن على سبيل المثال، بالخروج على الحاكم، حتى لا تكون النتائج مفزعة، وحتى بعد الخروج فيصعب أن تفتى بالتوقف، فالتوقف أمام هذه الأنظمة الديكتاتورية معناه الإبادة.

الثورات العربية خرجت دون انتظار افتاء رجال الدين، فدور المؤسسات الدينية غائب بعد سيطرة الحكومات عليه. فأين دور الاتحاد العالمى للعلماء المسلمين؟

دورنا توجيهى وإرشادى، وما زلنا مؤسسة حديثة، ومع ذلك كنا نتحرك كمنظمات وأفراد، ولا أحد ينكر دور الشيخ يوسف القرضاوى الذى قام به، وكذلك كثير من قيادات الاتحاد. المشكلة فى عديد من العوائق التى تواجه الاتحاد، ومنها ما هو تنظيمى ومنها ما هو مادى، لإنشاء مركز دراسات وكذلك تجميع أعضاء مجلس الأمناء فى مكان يمكن فيه إجراء حوارات ورؤية مشتركة فهى عامل أساسى غائب عنها.

من أهداف الاتحاد التقارب بين المذاهب والتيارات الإسلامية فلماذا لم نلمس أى دور فى الحوار السنى-الشيعى؟

نحاول إزالة الحواجز بين التيارات الإسلامية قبل أن نصل إلى مرحلة التمانع وتنازع البقاء، وهو ما قد يؤدى إلى الفناء، لذلك نسعى إلى البحث عن المشتركات فى الاجتهادات. المشكلة بين السنة والشيعة لها عنوان وهو «قادة طهران» الذين يتمنعون عن إصدار بيانات واضحة وصريحة لأتباعهم بوقف استفزاز أهل السنة من خلال سب الصحابة -رضوان الله عليهم- كما أنهم ليسوا مستعدين للخروج عن مبدأ «التقية». هم يقودون زحفا شيعيا فى ديار أهل السنة من خلال أسلوب القوى الناعمة، ومن خلال إنشاء المعاهد والمراكز التعليمية والندوات، ولعل نيجيريا نموذج، فقبل 20 عاما لم يكن فيها شيعى واحد، أما اليوم ففيها مليون شيعى.

هل ترى أن الوطن العربى بحاجة إلى فقه جديد، بعد هذا الكم الهائل من القضايا الفقهية الخلافية خصوصا بعد ثورات الربيع العربى؟

من المهم إيصال الآراء الفقهية إلى من يقومون على العمل الإسلامى السياسى.

وكيف يتم ذلك؟

لدينا بالفعل مشروع تجديدى للأمة يقوم به 45 عالما من العلماء التنويرين، ويهدف هذا المشروع الذى ينتهى فى ديسمبر 2012 إلى وضع فقه جديد يتناسب مع المرحلة، ويتوافر فيه تطبيق الأحكام على واقع متغير فى المجال السياسى والاقتصادى والاجتماعى والعلاقات الدولية والتربوية، الهدف من هذا المشروع هو ترشيد أوضاع التيارات الإسلامية، ودراسة المستجدات وإخراجها فى شكل كليات فى جميع المستجدات.

التعددية السياسية والحزبية ومشاركة المرأة فى الانتخابات ووصولها إلى الحكم نموذج من تلك المشكلات فما رأيك؟

التعددية السياسية باتت أمرا واقعا لا يمكن تجنبه، وبالتالى علينا أن نتعامل معه، لأن البديل ربما يؤدى إلى حروب أهلية، علينا المشاركة من أجل الانسجام الوطنى والسلم الاجتماعى والبعد عن الاقتتال الداخلى والتناحر. هناك سقف للمشاركة تتمثل فى الكليات الخمس، وتتمثل فى الدين والنفس والعقل والمال والعرض، وهى تعد مرجعية وقيم عليا ومبادئ حاكمة ومشتركة بين جميع الديانات، وهى تختلف من وطن إلى وطن، ومن نظام مجتمعى إلى نظام آخر، إذا التزمنا بهذه القيم فإننا نكون قد حافظنا على دائرة الإيمان، ويجب أن نراعى المصالح والمفاسد، وكلما غلبت المصلحة ودرأت المفاسد، والتيار الإسلامى بالمناسبة يسير فى هذا الاتجاه. أما عن ترشح المرأة، فجائز فى البرلمان، وفى الانتخابات الرئاسية، ولكن بشرط تحديد ماهية النظام، برلمانى أم رئاسى. علينا فى البداية أن ندرس الواقع الذى نعيشه، وكذلك نفرق بين السيدة والحكم التنفيذى، وكما فرق جاك روسو بينهما، فالأمر لا يبتعد كثيرا فى الفقه الإسلامى.

لقد سئلت فى إندونسيا عن تولى المرأة، وكانت هناك مرشحة تتمع بشعبية عالية، فقلت لهم، إذا رياح الانتخابات أتت بها لمنصب الرئاسة فيجب أن لا تقوم حرب أهلية من أجل عدم ولاية المرأة، وقلت لهم اجعلوا الانتخابات تذهب بها كما أتت بها.

إذا ترشح مسيحى فى الانتخابات. فهل يجوز التصويت له؟

يجوز التصويت له بحسب المصلحة، ولو درسنا السيرة النبوية لوجدنا بها كثيرا من نماذج الأقباط الذين تولوا مناصب قيادية.

وصلتم القاهرة كمحطة قبل الانطلاق إلى قطر للتعليق والمشاركة فى تفعيل وثيقة الأزهر، فما تقييمك لها؟

الوثيقة فى مضمونها جيدة، لكنها تحتاج إلى توضيح النصوص الخاصة بالكليات الشرعية، التى تحتاج إلى تفسير، ويجب احترامها، لأنها لا بد أن تغطى المساحة المطلوبة فى ظروف وأوضاع كالتى نعيشها، والمهم أنه لا توجد وثيقة كاملة عدا القرآن الكريم.

وماذا عن دعوات انتخاب شيخ الأزهر من خارج مصر؟

الأزهر منذ نشأته وهو مظلة إسلامية لكنها مصرية، وهى قلب العالم الإسلامى، فدعوة خروج المنصب عن مصر متروك لمشايخ الأزهر والجهات المعنية، والأمر ليس مشكلة كبيرة.

هناك عديد من الرموز الإسلامية أعلنت ترشحها فى الانتخابات الرئاسية فى تونس ومصر، فهل ترى أن الظروف مناسبة لوصول الإسلاميين إلى الحكم؟

فوبيا وصول الإسلام إلى الحكم لا تزال تثير ذعر الغرب، وعلينا أن نبدأ معهم الحوار، قبل أن نطرح صورة الإسلام الحاكم، هناك حركات إسلامية مقبولة فى الغرب، كالإخوان مثلا، وعن رأيى الشخصى أرى أن هناك أولوية الآن، وهى التنمية، وينبغى وأن نجعلها فى المقدمة.

هل تجوز المشاركة فى البورصة؟

جائزة، ولكن ما يفسد المشاركة هو ما يفسد العقود، من الربا والغرور والجهالة، وهذه من الأمور التى تحتاج إلى اجتهاد ومن الأمور المطروحة فى مشروعنا.

ماذا رأيت فى مقتل القذافى؟

المشهد نفسه لا يحبه أى إنسان، لكنه عبرة لمن يعتبر. والقذافى ليس شهيدا بالتأكيد

حوار مع الشرق الوسط حول المجاعة في الصومال وواجب الدول والمنظمات الاسلامية

 

 

الشرق الأوسط – نادر العبد الرحمن

قام الدكتور عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رئيس مركز الترشيد والتجديد ضمن حوار أجرته معه “الشرق الأوسط” بدعوة ما أسماها حكومات الدول الإسلامية الكبرى لإيصال المساعدات إلى المنكوبين بالمجاعة الحالية القائمة هناك، وذكر أن على الأمة أن تبذل أقصى جهدها لإنجاد الصوماليين وتحقيق معنى الجسدية والعضوية التي تختص بها الأمة الإسلامية.

* دكتور عبد الله كيف تسجل مشاعر المسلم في وقت يتزامن فيه شهر رمضان المبارك مع واحدة من أكبر المجاعات والمسابغ التي مرت بتاريخ الأمة الإسلامية؟

الحقيقة أنني لا أستطيع الحديث عن مشاعر كل مسلم بمناسبة كهذه على حدة لأن كل واحد يمكنه أن يعبر عنها بالطريقة التي تناسبه والطريقة التي يجدها.

* أقصد يا دكتور ما يجب أن تكون عليه تلك المشاعر؟

يجب على المسلم أن يتعاطف مع المؤمنين تحقيقاً لمعاني الجسدية والعضوية في الأمة، وهذه المعاني تجعل كل المسلمين على وجه الأرض يشعرون بما يشعره الصوماليون من الجوع والمرض، وهو الجوع الذي استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله “اللهم إني أعوذ بك من الجوع فانه بئس الضجيع، ومن الخيانة فإنها بئست البطانة“، ويعيش الصوماليون اليوم حالة معاكسة تماماً لما جاء في قول الله تعالى “أطعمهم من جوع وءامنهم من خوف”.

 

*معاليك أحد أصحاب الصوت المسموع العابر للقارات ونائب لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، فما نداءكم للحكومات الإسلامية وللمنظمات الخيرية ورجال الأعمال حيال ذلك؟

نقول للأمة أن الأمر لم يعد يتعلق بحرب بين جهات في تلك البلاد، الأمر تجاوز ذلك كثيراً فآلاف  من النساء والأطفال والشيوخ يموتون يومياً ولماذا، فقط لأنهم لا يجدون المأكل أو المشرب الذي يسد رمقهم، وهذه فرصة ليبرهن المسلم سواء كان مسئولاً أو تاجراً أو رجل أعمال أو فرد على إيمانه فالنبي صلى الله عيه وسلم يقول “الصدقة برهان” وهي برهان على الإيمان والسخاء والكرم والتضامن، فعليهم بهذا أن يقرضوا الله قرضاً حسناً ويحيوا تلك الأنفس المؤمنة ليجدو ذلك القرض في آخرتهم.

 

* وهل هذا خاص بالمسلمين من الجوعى؟  

النبي صلى الله عليه وسلم أرسل المساعدات إلى قريش، وهي يوم ذاك على الشرك بل كان لها رصيد في إيذاءه وصد دعوته.

 

* دعنا معالي الدكتور نركز على دور حكومات الدول الإسلامية في هذا السياق؟

واجب الحكومات يبلغ أقصاه في مثل هذه الأوقات، إذ أن عليها فوق إرسال المساعدات والمعونات الغذائية والطبية تأمينها حتى تصل إلى مستحقيها خاصة في حال الاضطراب الذي يعيشه بلد كالصومال، فهو ليس فقد بلد إسلامي وعربي بل هو في عمقنا وعلى بوابة أمننا على الساحل الغربي من البحر الأحمر، وعلى الحكومات ألا تشارك في قتل الصوماليين بتركهم، لأن القتل كما يأتي بالفعل فإنه أيضاً يأتي بالترك.

 

*لكن وصول هذه المساعدات أمر غير وارد إلا بصعوبة بالغة حسبما أطلعتنا في “الشرق الأوسط” الهيئات الإغاثية والمنظمات الخيرية، وذلك بسبب حركة الشباب المجاهدين التي تقف في وجهها؟

هنا يجب على حكومات الدول الكبرى منها أن توصل هذه المساعدات ولو بالقوة، وعبر القوات الإفريقية الموجودة هناك، لأن الوضع لا يحتمل فالشعب يموت موتاً بطيئاً، وقد يتفاقم الأمر لكارثة تاريخية في قادم الأيام، كما أن المتبرعين من دول وأفراد ومنظمات، يريدون التأكد من وصول ما يدفعونه لأفواه الصوماليين لا إلى جهات أخرى فعدم تأكدهم سيمنعهم طبعاً من دفع الأموال.

 

* طالما أن الحديث وصل بنا للشباب المجاهدين، ما الرسالة المناسبة للتوجه إليهم مقابل تصرفهم هذا؟

نحن قلنا ولا نزال نقول لهم “ادخلوا في السلم كافة” و”أصلحوا ذات بينكم” ولا تنجرفوا طويلاً وراء حرب جاهلة جاهلية، خاصة أن هذه الحرب اليوم وصلت حد القتل السلبي بمنع المساعدات عن مدنيين أبرياء جوعى، وقد وجهناهم ولا نيأس من هذا التوجيه..

 

* لكن الصومال لا يزال ينهار..

الشدائد اليوم والتي تشمل الجميع يجب أن تجمع الشمل وأن تزيل الأحقاد التي ندعوهم لنسيانها، وأن يفكر الجميع في وضع الصومال الذي يموت موتاً بطيئاً كما أسلفت.

 

* البعض قد يلوم العلماء وغياب دورهم فيما يتعلق بالصومال طوال العامين السابقين وأثناء استعار الحرب بين الحكومة والشباب المجاهدين ما ردكم على ذلك؟

لقد بذلنا بالتعاون مع الجهات الإسلامية والدولية المختلفة جهوداً عدة حرضنا فيها الصوماليين لتحريم الدم ورمي السلاح وللانضواء تحت الحكومة التي أقرها أهل الحل والعقد في هذه البلاد العزيزة على العالم الإسلامي..

 


* لكن الحركة ترى أن الحكومة صنيعة غربية وأنها لن تطبق الشريعة الإسلامية ولديها الكثير من التحفظات على علاقاتها الخارجية..

لقد عقد مركزنا المركزالعالمي للتجديد والترشيد مؤتمرا عالميا بدبي بدولة الإمارات العربية المتحدة بحضور رئيس جمهورية الصومال وممثلين عن منظمة التعاون الإسلامي والأمم المتحدة ومؤتمر العالم الإسلامي وجمع من علماء الأمة ومفكريها، في مارس (آذار) من العام 2010 وخصص لتدارس وبحث مشكلة الصومال والسبل الشرعية للخروج منها، قمنا بالدعوة إلى هدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم الذي أوقف الحرب مع أعدائه من كفار مكة ورضي بشروطهم حقنا للدماء ومراعاة لأواصر القرابة والدم حينما، وقال في الحديبية لما رأى وفد كفار مكة قادمين للتفاوض (والذي نفسي بيده لا تسألني قريش اليوم أمرا فيه بر أو صلة رحم إلا أجبتها إليه)، وتحقيقا لمقاصد الشريعة الإسلامية التي جاءت لحفظ الأنفس والأموال وقياما بواجب النصح والتبليغ وبيان الحق، علماً بأن هذا كان مع الأعداء من الكفار، فكيف بحكومة مسلمة رضي بها أهل الحل والعقد واعترف بها العالم بما فيه جيرانها.

 

* وكيف يجب أن يتعامل الشعب الصومالي المغلوب على أمره مع ذلك؟

الواجب على الجميع التوحد تحت لواء هذه الحكومة وجهاد النفس على ذلك حتى لا يقع من خالف في الوعيد الشديد الوارد في هذا الباب وحتى لا يوصف الحاملون للسلاح بعد ذلك بالبغاة شرعا.

 

 

* لكن ربما هذا الجهد من قبل العلماء لم يكن كافياً للحفاظ على دولة..

الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين الذي يعني كل العلماء المسلمين بمختلف مذاهبهم وأفكارهم في العالم  أصدر أيضاً بياناً موقعاً من طرف سماحة العلامة الشيخ يوسف القرضاوي يدعو فيه إلى الالتفاف حول قيادة شريف وبياناً آخر لفضيلة الشيخ سلمان العودة رئيس مؤسسة “الإسلام اليوم” وغيرهم، ومهما كانت هذه الجهود فإن بعض الفصائل لم تتخل عن فكرة المغالبة بحد السلاح رغم ما أوضحناه من الحجج والبراهين، وهو ما عقد الأمور، وزاد من حاجة الحكومة إلى المساعدات، فكان تصرف هذا الفصيل مخلا بالأمن ووسيلة إلى تدخل الآخرين الذين استجابوا للطلب من جهة وحرصا على مصالحهم من جهة أخرى.

 

* لكن المشكلات والعوالق لا زالت موجودة بعد الانتخاب، فالصومال بلد شديد التعقيد وذا رصيد مثقل بالحروب..

هنا كان يجب أن تتغلب لغة العقل والمنطق فيتحاور أهل الصومال لحل مشكلاتهم أو يختلفوا اختلافاً سلمياً، أما الاستمرار في حرب عبثية في حرب عبثية لا نهاية لها لا يمكن أن يكون مرغوباً ولا مقبولا، والحوار اعتمده أمير المؤمنين عليُّ رضي الله عنه وسيلة مع من خرجوا عليه، وما قاتلهم حتى هيجوا، ذلك ما ندعو إليه دائما.

 

* دكتور عبد الله أخيراً ماذا عن أبرز المقتضيات الفقهية المتعلقة بمواسم المجاعات والقحط خاصة بالنسبة لشهر رمضان المبارك؟

أهل الصومال لا يجب عليهم الصوم طبعاً في وضعهم هذا بل قد يصل درجة التحريم، وهو يسقط عنهم إذا تسبب في المشقة المتوسطة أو الكبرى إذ أنه اجتمع عليهم مرض وجوع، بل أننا نذهب أبعد من ذلك ونؤكد على أن مساعدة الجائعين والمنكوبين والمرضى في الصومال أوجب من صيام شهر رمضان المبارك بالنسبة للعاملين في الهيئات الذين يشق عليهم الصوم.

 

* هل ثمة كلمة أخيرة معالي الدكتور؟

أخيراً نقول للصوماليين إن الشجاعة والقوة لا تتمثل أخلاقيا في الجرأة على الحرب، وخوض غمار الحروب، ولكن الشجاعة تتمثل في القدرة على التوقف عن الحرب والتمسك بالسلام ومراجعة النفس والاعتراف بالحق، وترجيح المصلحة العامة على المصالح الأنانية، وندعو الله يهدينا ويهديهم وأن يوفقنا ويوفقهم، وأن يؤلف بين قلوبهم، وأن يحقن دمائهم، ودماء هذه الأمة.