ارشيف ل ‘الحوارات’ القسم

حوار مع موقع الاسلام اليوم حول مؤتمر ماردين

حوارمع الشيخ عبد الله بن بيه حول الضجة التى أثارها مؤتمر “ماردين” لمناقشة فتوى ابن تيمية‏ 

حوار/ وليد الحارثي

 

جاء مؤتمر “ماردين” الذي أقيم مؤخرًا بجنوب تركيا، كمحاولة من العلماء الذي شاركوا فيه لإعادة تفسير ‏فتوى “ماردين” للفقيه ابن تيمية الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، وقد اتفقوا على أنه من يلتمس ‏العون في فتوى ابن تيمية لقتل المسلمين أو غير المسلمين ضلّ في تفسيره.‏ 

وأكد العلماء في البيان الختامي للمؤتمر “أنّه لا يجوز لأي فرد مسلم أو جماعة مسلمة أن تعلن الحرب أو ‏تنخرط في الجهاد من تلقاء نفسها”، داعين لإجراء مزيد من البحوث لتفسير سياق الفتاوى التي صدرت في ‏القرون الوسطى على القضايا العامة وإظهار ما يرجى تحقيقه من الفهم السليم والصحيح لهذا التراث.‏ 

كان من أبرز المشاركين في المؤتمر، الشيخ الجليل عبد الله بن بيه، وذلك ضمن 15 عالِمًا بارزًا من علماء ‏الدين من بلدان من بينها المملكة العربية السعودية وتركيا والهند والسنغال والكويت وإيران والمغرب ‏وإندونيسيا، على رأسهم الشيخ عبد الوهاب الطريري، نائب المشرف العام على مؤسسة الإسلام اليوم، ‏ومفتي البوسنة الشيخ مصطفى سيريتش والشيخ الحبيب علي الجفري من اليمن.‏ 

يؤكد فضيلة الشيخ ابن بيه في حوار خص به مؤسسة “الإسلام اليوم”، أن فتوى ابن تيمية قد حُرفت، وأن ‏الفتوى تشتمل على بعض الألفاظ التي نرى أنها حرّفت في المطبعة وبخاصة في الجزء الأخير منها عندما قال ‏ابنُ تيمية: “.. بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويُقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما ‏يستحقه”، فأنا أعتقد أنها (يُعامل الخارج..) وليس يُقاتل.‏ 

وبالتالي فإنه كان لا بد من النظر إلى هذا الرأي في سياقه التاريخي حين كان المغول يغِيرون على أراضي ‏المسلمين، لافتًا إلى أن المؤتمر كان معنيًّا حقيقة بتجاوز الرأي القديم الذي يقسم العالم الإسلامي إلى دارين؛ ‏‏(دار إيمان ودار كفر) وإعادة تفسير الإسلام في ضوء الظروف السياسية المتغيرة.‏ 

مؤكدًا أنّ ظهور الدول المدنية التي تحمي الحقوق الدينية والعرقية والقومية اقتضى إعلان العالم كله كمكان ‏للتسامح والتعايش السلمي بين جميع الفصائل والجماعات الدينية.‏ 

ولمعرفة المزيد عن المؤتمر وعن رأيه في فتوى الفقيه الشيخ “ابن تيمية” كان لنا هذا الحوار مع فضيلة ‏الشيخ ابن بيه….‏

 

ما هو الإطار الذي تضعون فيه هذا المؤتمر؟!‏

 

المركز العالمي للتجديد والترشيد والذي أنشأناه في بريطانيا هو مركز له مقاربة خاصة فيما يتعلق بترشيد ‏المسلمين، وتجديد العلوم الدينية والفكرية. وهذه المقاربة تتمثل في دراسة عددٍ من القضايا تمثل جذور ‏المشكلات والأزمات في العالم الإسلامي، وفي العالم الإنساني، وليست مجرد مؤتمرات هدفها إصدار بيانات، ‏وإنما هي مؤتمرات تأصيلية.‏ 

إذا سلمنا بهذا فإنه في هذا الإطار ووفقًا لهذا المؤتمر -الذي أقيم في ماردين، والذي جاء انطلاقًا من فتوى ‏لشيخ الإسلام ابن تيمية قبل سبعة قرون- تُعد (دار ماردين) دارًا مركبة؛ لا هي دار سلمٍ ولا هي دار حرب.‏

 

هل مِن تميُّز في هذا الفتوى؟ وهل هي جديدة في الفقه الإسلامي رغم قِدمها؟!‏

 

بالتأكيد هذه الفتوى لها فرادتها وتميّزها، لأن الدُور (بمعنى دار) في الفقه الإسلام تنقسم إلى قسمين لدى ‏البعض، وإلى ثلاثة أقسام لدى البعض الآخر من الفقهاء. بعضهم يقسمها إلى دار حرب ودار إسلام وهذا ‏مذهب الأحناف، والبعض الآخر يقسمها إلى: دار حرب، ودار إسلام، ودار مركبة، وهذا مذهب الجمهور.‏ 

شيخ الإسلام ابن تيمية، والذي نحن بصدد دراسة فتواه في هذا المؤتمر قال بأن (ماردين) “دار مركبة”، لا ‏هي دار حرب ولا هي دار إسلام، وهذه فتوى جديدة في تاريخ الفقه الإسلامي، وبناها -قدّس الله سرّه- على ‏واقع ماردين.

 

إذنْ: ما الذي حاولتم فعله في مؤتمر ماردين؟

 

نحنُ انطلاقًا من هذه الفتوى ومن ذلك الزمان (زمان ابن تيمية) حاولنا إسقاطه على هذا الزمان. بمعنى: أننا ‏حاولنا إسقاط زمان بلا زمان، وانطلاقًا أيضًا من المكان (ماردين) إلى كل مكان (العالم اليوم) حاولنا دراسة ‏كيف تُصنَّفُ الدور اليوم في العالم؟ وما هي النتائج التي يمكن أن تستخلص من ذلك؟.‏   فهذه قضية فقهية فكرية، وهي أيضًا : تأصيلية

وتفصيلية للمسلمين.‏

 

لماذا حاولتم دراسة ذلك، وتحريره بالتفصيل والدليل؟

 

لأن بعض الناس هذه الأيام يعتمد على (فتوى ماردين) ليعتبر أن كل ديار المسلمين ليست دُورًا إسلاميةً ‏محضة. ومع الأسف الشديد وكما أخبرني مفتي مصر أنه في أوائل الستينات اعتمد بعض الشباب على هذا ‏ليجعلوا ديار الإسلام غير معصومة، أي أنه يجوز فيها الاعتداء وارتكاب الأعمال المخلة بالأمن.‏ 

فنحن انطلاقًا من فتوى شيخ الإسلام كنموذج وكعنوان نبحث من جهة ما تضمنته من دلالات. ومن جهة ‏أخرى نحاول تصحيح وتحقيق الفتوى.‏

 

تحقيق الفتوى.. لماذا؟!‏

 

لأننا وجدنا أن الفتوى تشتمل على بعض الألفاظ التي نرى أنها حُرِّفت في المطبعة، وبخاصة في الجزء الأخير ‏منها، عندما قال ابن تيمية: “.. بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويُقاتل الخارج عن شريعة ‏الإسلام بما يستحقه”، فأنا أعتقد أنها: (يُعامل الخارج..) وليس يُقاتل. وبالتالي حضر بعض المختصين في ‏فكر وعلم ابن تيمية من دول العالم، وحضر مجموعة من الإخوة المختصين من أربع جامعات سعودية (جامعة ‏أم القرى، وجامعة الملك سعود، وجامعة الإمام محمد بن سعود، وجامعة الملك عبدالعزيز)، إضافة إلى بعض ‏المختصين، ومنهم مؤسسة الإسلام اليوم والتي حضر منها الشيخ عبدالوهاب الطريري.

 

إذن، المركز العالمي للتجديد لا يهدف إلى حشد رأي عام حول الفتوى؟

 

هذه المسألة التي تناولناها في المؤتمر هي مسألة تأصيلية صرفة، تمس جذور الأزمة التي يعاني منها ‏المسلمون، ومركزنا يهدف إلى تأصيل القضايا هذه، ومن ثم توصيلها إلى الجمهور. وليس عقد مؤتمرات إعلانية، ‏وإشهارية، والتعبير عن نوايا أو دعاية معينة، وإنما تأصيل القضايا، واختيار ماردين جاء بسبب هذه الفتوى من أجل الانطلاق منها، ومن رأي شيخ الإسلام ابن تيمية لتصحيح ‏الأفكار الصحيحة على ضوء مقولات ابن تيمية المختلفة، وهي مقولات كلها تصب في الاستقرار وحرمة ‏الدماء والأموال.

 

ما أبرز نقطة ركز عليها المؤتمر، وماذا درس المؤتمر من أبحاث؟

 

الندوة درست العديد من أوراق العمل حول تصنيف (الدار)، وإسقاط الأوضاع في ذلك الزمان على هذا ‏الزمان، بناءً على عناصر الواقع التي اختلفت بين الزمانين. ومن غير المجهول أن الخطأ يقع من ثلاث زوايا ‏إذا صح التعبير : التأويل والتعليل والتنزيل. فتأويل الكلام يؤدي إلى تحريفه، وتعليله يؤدي إلى عدم فهم ‏مراميه ومغازيه، وتنزيله يؤدي إلى تطبيق مختل، لأن تنزيل فتوى في زمنٍ ماضٍ على واقع يختلف عن ذلك ‏الواقع زمانًا ومكانًا وحالًا ومآلًا وإنسانًا تنزيلٌ مخلٌ وغيرُ صائب، فنحن تدارسنا أوضاع العالم في ضوء الفقه القديم، وفي ضوء ما ينبغي أن يصنف العالم عليه، ولأجل ذلك ‏وصلنا في بياننا إلى أن العالم أصبح (فضاء تسامح) تحكمه مواثيق دولية، ومعاهدات دولية، وسميناه ‏‏(فضاءً) بدلًا من (دارًا)؛ لأنه لا يشترط أن نسمي دارًا لأن هذا التأصيل ليس توقيفيًّا؛ بل يجوز أن نتصرف ‏فيه، وإذا سمينا العالم اليوم فضاءً على الرغم من الإخلالات التي تقوم بها بعض الدول فيما يتعلق بميثاق الأمم ‏المتحدة، وبالحريات وبحقوق الإنسان، فإن ذلك لا يؤثر تأثيرًا جوهريًا في وصف العالم، ما عدا تلك المناطق ‏التي فيها حروب ونحو ذلك، فالعالم يجب أن تُحترم فيه الدماء والأموال، وهذا هو الهدف، والنقطة الرئيسَة ‏من المؤتمر.‏

 

ألم تبحثوا في تأصيل القتال المشروع والقتال غير المشروع والذي نسمع فيه اليوم آراءً كثيرة؟ (فلسطين ‏مثالًا).‏

 

هذا هو الأمر الثاني الذي سعينا له في المؤتمر، وهو تأصيل القتال المشروع، والقتال غير المشروع، ‏ومفهوم الجهاد. وقد أصّلنا لمفهوم الجهاد، وضوابطه التي ينبغي أن تُحترم لكي يسمى جهادًا، وأن الأمر ‏يتعلق بسلطة؛ وهي الدولة (أولو الأمر)، ما عدا جهاد الدفع الذي يقع بناءً على عدوان فيسمى حينئذ ‏‏(مقاومة) ونحو ذلك من الأمور المقررة شرعًا، وتعدُّ نظامًا دوليًا، فلا يوجد تباينٌ كبير بين المواثيق الدولية ‏وبين الشريعة الإسلامية فيما يتعلق بقانون الحرب والسلام؛ بل إن الشريعة قدّمت للبشرية نظامًا أكثر احترامًا ‏للإنسان من القوانين التي قدّمها الإنسان في هذا العصر، إلا إن الوضع الآن يمتاز بوجود معاهداتٍ دولية ‏تحكم العالم بأسره.‏

 

لقد روجت بعض وكالات الأنباء العالمية، وبعض القنوات لكون الهدف من المؤتمر هو شطب فتوى ابن ‏تيميّة.‏

 

هذه الوكالات لم تفهم شيئًا!‏ 

نحن على العكس نريدُ أن نبرز فَرادة وتميز فتاوى ابن تيميّة من جهة، ومن جهة أخرى نريد أن نبرِّئ فتاواه ‏من التأويل والفهم الخاطئ الذي ذكرناه، ولذا فقد حضر مختصون من جامعات المملكة العربية السعودية، وقدّموا بحوثًا ودراساتٍ قيّمة، وفي بياننا ‏خدمنا فكر ابن تيمية بأن طلبنا مراجعة كتبه، وتحقيقها، كما طلبنا مراجعة كتب الفقهاء المقتدى بهم، وتقديم ‏ندوات ليكون هذا مفتاحًا لندوات لمجموعة من الفقهاء لا يزال لهم حضورٌ وتأثير في حياة الأمة.‏ 

وأعتقد أن من اطَّلع على الإعلان عن المؤتمر يجد أن الأمر خلاف ذلك، والأهم أننا لم نراجع ابن تيميّة على ‏ضوء الآخر، وإنما راجعنا ابن تيميّة على ابن تيميّة، وأظهرناه كما هو، وأنا لا أرى داعيًا لمثل هذا الشك، أو هذا التقول علينا من أناسٍ لم يحققوا ما كنا فيه.

 

هذا يعني أنّ هناك خللًا في دراسة البعض لفقه ابن تيميّة؟!‏

 

كثيرٌ من الأشياء التي تُنسب لشيخ الإسلام قراءتها كانت مجتزئة؛ فمثلًا شيخُ الإسلام متسامحٌ جدًا؛ يقول ‏بتهنئة أهل الكتاب، وتعزيتهم، وعيادتهم إذا كانوا مرضى، وهذا اختيار شيخ الإسلام كما قال البعلي.‏ 

مشكلة الناس أنهم يقرؤون “اقتضاء الصراط المستقيم”، ولا يقرؤون “اختيارات ابن تيمية”، فموقفه أن ‏السبب من الجهاد هو العدوان والفتنة، وليس الكفر، وهذا موقفٌ مميّز.

 

القول بهذه الفتوى بعد تأصيلها هل ينفي حق الفلسطينيين وغيرهم في الدفاع عن حقوقهم؟

 

بالنسبة لفلسطين..‏ 

عندما قلنا إن سبب المقاومة المشروعة هو الاعتداء ذكرنا ثلاث آياتٍ كلها تنطبق على فلسطين هي:‏ 

  ‏1. ((وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا)).‏ 

  ‏2. ((أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ ‏يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ)).‏ 

  ‏3. ((وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ))‏ 

فقضية فلسطين ليست مطموسة، ولا مغمورة، ولا منسية في هذا السياق؛ بل إنَّ في البيان فرقًا بين المقاومة ‏التي هي ردٌ للعدوان، وبين قتالٍ تُعلنه جماعة خارج الشرع والشرعية والنظام، وتعدُّه جهادًا.

 

لوحظ بشكل جليّ تنوُّع الحاضرين ضمن ألوان الطيف الإسلامي. هل من رسالة وراء ذلك؟

 

اجتماع مختلف الطيف الإسلامي هو عبارة عن محاولة جمع المسلمين على رؤية واحدة في قضايا تُهم ‏مصيرهم، وهي قضايا الاحتراب الداخلي الذي ورد ذكره في الحديث النبوي الشريف: «ويلكم.. لا ترجعوا ‏بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض». فهذه الاحترابات التي نشهدها في الصومال، وفي العراق، وفي ‏باكستان، رغبة من العنصر الخارجي الذي يوقع الموالي في العالم الإسلامي، إلا أن طريق التعامل مع هذا ‏والحروب التي تقوم بين المسلمين هي حروبٌ تسيء إلى التاريخ، وإلى الإسلام، وتشوّه حاضر الأمة ‏ومستقبلها، ونحن نحاول أن نقدّم بالدليل وليس بشيء آخر، ومن خلال طيفٍ ملونٍ ومنوعٍ، رسالتنا التي ‏ذكرتها لك.

 

هل كانت هناك مشاركات خارجية في المؤتمر؟

 

نعم. الدعوة كانت موجهة من طرفين : الأول من (المركز العالمي للترشيد والتجديد) وهذا هو الأغلب، ‏والثاني من جامعة ماردين، وقد دعت بعض الناس، ومنهم الذين أتَوْا من دولة إيران، نحن في المركز العالمي دعونا مجموعات متخصصة في شيخ الإسلام من مشارب ومذاهب مختلفة؛ حتى ‏تكون هذه الوحدة حول قضايا الأمة، حتى يُقنع بعضنا بعضًا، وكذلك جامعة ماردين، وأودُّ أن أقول إن إسهام (الإسلام اليوم) ممثلًا في شخص نائب المشرف العام الشيخ عبدالوهاب الطريري ‏مقدر، وهذه رسالتي أقولها: نحن نعتبر (الإسلام اليوم) ليس حلفًا فقط، وإنما توأمًا لنا، لأننا عندما نريد أن ‏نقوم بعمل نُعلم إخواننا في “الإسلام اليوم”. ونحن معهم على دربٍ واحدٍ هو درب قول الحق بدون مجاملة ‏وبعد تأصيلٍ.

 

ابن بيه في سطور

هو الشيخ العلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، أحد أكبر العلماء السنة المعاصرين. وتم اختياره من قِبل جامعة جورج تاون كواحد من أكثر 50 شخصية ‏إسلامية تأثيرًا لعام 2009.‏ 

مؤلفاته:‏ 

  ‏- توضيح أوجه اختلاف الأقوال في مسائل من معاملات الأموال.‏ 

  ‏- حوار عن بُعد حول حقوق الإنسان في الإسلام.‏ 

  ‏- خطاب الأمن في الإسلام وثقافة التسامح والوئام.‏ 

  ‏- أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات.‏ 

  ‏- سدّ الذرائع وتطبيقاته في مجال المعاملات.‏ 

  ‏- فتاوى فكرية.‏ 

  ‏- صناعة الفتوى وفقه الأقليات.‏ 

  ‏- مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات.‏ 

  ‏- أثر المصلحة في الوقف.‏ 

  ‏- البرهان.‏ 

  ‏- الإرهاب: التشخيص والحلول.‏ 

  ‏- دليل المريض لما له عند الله من الأجر العريض.‏ 

عضوية:‏ 

  ‏- عضو في هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة.‏ 

  ‏- عضو في المجلس الأعلى العالمي للمساجد.‏ 

  ‏- عضو في الهيئة الخيرية العالمية الإسلامية-الكويت.‏ 

  ‏- عضو مؤتمر العالم الإسلامي-كراتشي.‏ 

  ‏- عضو المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث.‏ 

  ‏- عضو المجمع الفقهي.‏ 

  ‏- نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.‏ 

  ‏-رئيس مجلس الأمناء ورئيس مجلس إدارة المركز العالمي للتجديد والترشيد (‏gcrg  ‏ ) في لندن.‏ 

‏- عضو مؤسس في المركز العالمي “التجديد والترشيد”، ويرأسه حاليًا.‏

‏- عضو المجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة طابة بأبو ظبي

نص فتوى شيخ الإسلام ابن تيمية

‏”وسئل رحمه الله عن بلد (ماردين) هل هي دار حرب أو بلد سلم؟ وهل يجب على المسلم المقيم بها الهجرة ‏إلى بلاد الإسلام أم لا؟ وإذا وجبت عليه الهجرة ولم يهاجر، وساعد أعداء المسلمين بنفسه وماله، هل يأثم ‏في ذلك؟ وهل يأثم من رماه بالنفاق وسبه أم لا؟

فأجاب: الحمد لله. دماء المسلمين وأموالهم محرمة حيث كانوا في ماردين أو غيرها. وإعانة الخارجين عن ‏شريعة دين الإسلام محرمة سواء كانوا أهل ماردين أو غيرهم. والمقيم بها إن كان عاجزًا عن إقامة دينه ‏وجبت الهجرة عليه. وإلا استحبت ولم تجب.‏

ومساعدتهم لعدو المسلمين بالأنفس والأموال محرمة عليهم، ويجب عليهم الامتناع من ذلك بأي طريقة ‏أمكنتهم. من تغيب أو تعريض أو مصانعة، فإذا لم يمكن إلا بالهجرة تعينت.‏

ولا يحل سبهم عموماً ورميهم بالنفاق، بل السب والرمي بالنفاق يقع على الصفات المذكورة في الكتاب ‏والسنة فيدخل فيها بعض أهل ماردين وغيرهم.‏

وأما كونها دار حرب أو سلم فهي مركبة فيها المعنيان، ليست بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار، وليست ‏بمنزلة دار السلم التي تجري عليها أحكام الإسلام بكون جندها مسلمين (يقصد أن جندها غير مسلمين). ولا ‏بمنزلة دار الحرب التي أهلها كفار (ففيها سكان مسلمون كثيرون)؛ بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما ‏يستحقه، ويقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه”. انتهى كلامه رحمه الله. (الفتاوى:28/240 ـ ‏‏241)‏

 

حوار مع موقع الشرفة حول ماردين

 

علاّمة ماردين يدعو الشباب المسلم لرفض الدعوات غير الشرعية للجهاد 

 

 

عبد الوهاب الصالح من الرياض  لموقع الشرفة 

   
2010-04-12
 

اجتمع الشهر الماضي عدد من العلماء والمفكرين المسلمين في مدينة ماردين في تركيا للطعن في تفسير فتوى عمرها 700 عاماً لطالما استخدمها المتطرفون لتبرير أعمال العنف ضد المسلمين وغير المسلمين    . 




 

وأصدر العلماء    إعلاناً جاء فيه أن التصنيف التقليدي للعالم بين “دار للإسلام” و”دار للكفر” لا يتكيف مع الواقع المعاصر. وقالوا إن العالم اليوم لا يمكن تقسيمه بهذا الشكل وأن الجماعات المتطرفة قد أخطأت في تفسير فتوى ابن تيمية    . 




 

من جهته، قال العلاّمة الموريتاني الشيخ عبدالله بن بيه، الرئيس التنفيذي للمركز العالمي للتجديد والترشيد في لندن     (GCRG) “كان ذلك خطأ في فهم الجهاد والولاء والبراء والعولمة.” وقد قام ابن بيه، الذي رعى مؤتمر ماردين، بتأسيس المركز مع الدكتور عبدالله نصيف، نائب رئيس مجلس الشورى السعودي سابقاً، وبعض المسلمين من كل أنحاء العالم    . 




 

بن بيه تحدث في مقابلة مع “الشرفة”عبر الهاتف من منزله في جدة عن أبزر ما ورد في “إعلان ماردين”. وهذا نص الحوار    : 




 

الشرفة     : إلى ماذا هدف المؤتمر؟ وماذا عن أهمية مكان انعقاده؟    




 

العلامة ابن بيه   : من “ماردين” المكان انطلقنا إلى كل مكان. ومن شيخ الإسلام “ابن تيمية” ومن سبعة قرون انطلقنا إلى كل القرون. وجمعنا كل العلماء من كافة الاختصاصات والمذاهب ومناقشة كل هذه الملابسات، حيث كان المغول والتتار يحتلون هذه المناطق وكانت دولة المماليك في الجانب الآخر مع شيخ الإسلام    . 




 

وقد أفتى ابن تيمية فتوى ملخصها “فكرة الدار المزدوجة” التي لها وجهان ولا يمكن أن تعتبر ماردين دار حرب أو سلم، هي دار مركبة، فهناك من التتار وليسوا مسلمين وهناك أهل ماردين من المسلمين. وقد قدمت هذه الفتوى بتوازن للتعامل مع الفريقين. شيخ الإسلام اقترح وصفا لهذه المنطقة واعتبر سبقاً حينها    . 




 

ولكن بعض الناس في بداية السبعينات “أخطأوا التأويل وما أصابوا في التنزيل”، فجعلوا الدار غير معصومة وكل الدور في العالم لا تحترم فيها الأموال والدم وكان ذلك خطاء في فهم الجهاد والولاء والبراء والعولمة    . 




 

الشرفة     : بالنسبة لكم، ما أبرز ما ورد في “إعلان ماردين”؟    




 

العلامة ابن بيه     : أبرز ما وصلنا إليه أن الدار في الوقت الحاضر مع الوضع العالمي لا تخضع إلى التقسيمات التي كانت قائمة في ذلك العصر. تلك التقسيمات لم تكن من باب “التوقيف” وإنما من باب “التوظيف” بمعنى أنها تقسيمات “وظيفية للدار” وكان العرب يقسمونها “دار إسلام” و”دار كفر” وهذا لم يكن تصنيفا من الشرع الذي لم يأمر بهذا، وإنما كان توصيفا وظيفيا لتلك الفترة. ورأينا الوضع العالمي يعتمد على المواثيق الدولية. ونقول بأن العولمة الجديدة لا تصنف دارا عن أخرى بمعني دار للمسلمين ودار للكفار، فالمسلمون في كل مكان في العالم، وهذه العناصر الجديدة بإمكانها تغيير فكرة التقسيم الذي كان معمولا بها في الماضي. ولهذا نحن عدلنا عن اسم “الدار” إلى “فضاء” للتسامح، فالعالم هو ذلك الفضاء    . 




 

وعلينا أن نعيد إذا صح التعبير قراءة المواثيق على ضوء الشريعة، ونلاحظ بأن الفصل 51 من ميثاق الأمم المتحدة يتحدث عن الحرب والسلام وهو قريب جداً من نصوص الشريعة الإسلامية    . 




 

الشرفة     : إلى أي جماعة تم توجيه هذا الإعلان؟    




 

العلامة ابن بيه   : في اعتقادي ما قصدناه هو إثارة حوار ونقاش. فالإثارة كما نقول في الفقه قبل الإنارة، نحن نتبنى “التأصيل والتوصيل” بمعنى نؤصل إلى قضية ما من طرف العلماء ونوصل هذا الفكر إلى الآخرين، ونطمح للتصالح في الساحة الإسلامية التي تشهد حروباً، ونعمل على وجود حياة استجابة لدعوة النبي محمد، وندعو بأن تحيا الأمة ويكون لها عقل  .




هناك ضعف في العقل والرشد ونسعى لإيجاد فقه معاصر للنظر في الجذور التاريخية، لمحاولة إسقاط بعض تلك الأحكام على الوضع الحالي، لو وصلت الأمة إلى الحد الأدنى من الاتفاق  .




الشرفة   : من خلال تعايشكم مع العلماء المسلمين، كيف ترون تعاملهم مع فتوى ماردين؟ 




العلامة ابن بيه   : لقد اختلفت من شخص لآخر، وكان الاختلاف واضحاً حينما طرحنا فكرة التحريف في شيخ الإسلام ابن تيمية. هناك تحريفٌ في الفتوى المطبوعة. وكان رد الفعل واضحاً حول كلمة “يقاتلون” وليس “يتعاملون”، فوجدنا بأن الأدلة الدامغة من خلال الشيخ “ابن مفلس” وهو أحد تلامذة الشيخ ابن تيمية المباشرين وأعلمهم في الفقه الحنبلي ذكر بأن الفتوى “يتعاملون” وليس “يقاتلون” وهي موجودة كذلك في “الفتاوى النجدية” وقد وجدنا الأدلة الدامغة التي تقول بأنه “يعامل” وليس “يقاتل”، فكلمة يقاتل ليست صحيحة وهي مربط فرس في الفتوى التي يعتمد عليها من يدعون الجهاد.




الشرفة : هل هناك أمل أن من أخطأ في التأويل أن يعود عن هذا الخطأ؟ وكيف ترون ظهور حالات في العالم الإسلامي تدعو إلى نبذ مفهوم الدولة المعاصرة والتمسك بقراءات متشددة للشريعة؟




العلامة ابن بيه : لا أتوقع أن نجد عودة بالطريقة التي نطمح لها، لكننا نجد بأن بعض العلماء راجعوا بعض الأفكار وقاموا بتحديث رؤاهم خصوصا فيما يخص دولة المواطنة. ونحن نرى بأن دولة المواطنة فكرة صحيحة ومقبولة شرعا.

وهي قد لا تؤثر في الدوائر التي تخلّ بالأمن، لكنها تؤثر في المنابع التي تمدها بالفكر وإن كانت تختلف معها في العمل، ولا أريد أن أحكم على أحد.




بعض الآراء التي تفسر تفسيراً ظاهرياً لبعض النصوص الشرعية من الكتاب والسنة أو تأخذ بأقوال العلماء بتفسير ظاهري لها، قد تؤدي إلى قتال غير شرعي أو غير منطقي وغير قانوني.




الشرفة : الإعلان أكد عدم الجواز للفرد المسلم ولا لجماعة من المسلمين إعلان حرب أو دخول في جهاد قتالي من تلقاء أنفسهم. ما هي توصيتكم لمن يقاتل تحت راية هذا النوع من الجهاد؟




العلامة ابن بيه : نحن نرجو أن يتعقل شبابنا وأن لا يقدم الآخرون ذريعة لهم للدخول في هذه الحروب. ونحن نريد أن نكون إطفائيين لهذه الحرائق التي تعلن على أمتنا الإسلامية، وليس لها عقلاً أو شرعاً. نحن ضد كل تلك الحروب التي تعلن هنا وهناك والقتال بدون قيادة سياسية ورأي ولاية الأمر غير مقبول. علينا ترجيح ميزان العقل والمصلحة والنصوص الحقيقية، وعلينا أخذ مقاربة فكرية جديدة للعالم الإسلامي. نحن أناس يقترحون فقط، كما نطمح إلى التعاون مع الخطاب السلمي والتيار العاقل في العالم الإسلامي الذي يؤمن بالحقوق والواجبات.

حوار مع قناة فرانس24

حوار مع جريدة الحياة حول الحج :رمي الجمرات 24 ساعة “رأي قوي جدا”


 

الرياض – مصطفى الأنصاري    –  الحياة    –

 

منذ أهل على مهبط الوحي شهر ذي الحجة، والديار المقدسة، باتت أشبه بخلية النحل التي ينشط كل أفرادها في مجالات مهمة. ففي الوقت الذي تنظم فيه وزارة الحج ندوة عن الأثر الثقافي لمكة والقيم السلوكية في الحج، تنظم رابطة العالم الإسلامي ندوة أخرى عن مناهج التعليم الإسلامي، مثلما يفعل الأمر نفسه معهد خادم الحرمين لأبحاث الحج، إذ كان للفقهاء والباحثين معه يوم سنوي لمناقشة القضايا النازلة والحساسة في الحج. 


أحد الشخصيات الإسلامية التي تنشط في هذه الندوات وتلقى آراؤها اهتماماً بالغاً في الميدان الفقهي والفكري الدكتور عبدالله بن بيه، الذي تحدث إلى «الحياة» عن بعض القضايا التي تشغل الرأي العام في الحج، ويتحاور فيها المثقفون من العالم الإسلامي في مكة هذه الأيام، مثل المناهج، والجمرات، والحوار مع الآخر، والتيسير في الحج، فإلى الحوار: 

  

 

> تقام في مكة هذه الأيام ندوة عن مناهج التعليم الإسلامي، هل بعض المسلمين يشارك الغرب في التشكيك في المناهج الدينية؟
 
 

 

 

– مراجعة المناهج من جانب المسلمين ليس للتشكيك فيها وانتقادها، ولكن من باب تنقيتها وتطويرها… الذي لا يتحسن ولا يترقى هو الجماد، وكل عمل الناس معرض للتجربة والخطأ والصواب… طبعاً الحديث هنا ليس عن الثوابت التي لا تتبدل ولا تتغير، وإنما عن الأساليب والكيفيات في العلوم الإنسانية والتكنولوجية. 


 

  

 

  

> إذاً لا ترى تواطؤاً غربياً مع بعض الليبراليين العرب مثلاً في نبذ المناهج الإسلامية بتفريخ الإرهاب؟
  

 

– الأمر يحتاج إلى تفصيل فالأمر ليس مطلقاً… مناهج التعليم ليست براء، بمعنى الكيفيات والأساليب التي تدرس بها الوسائل التي من خلالها نقدم المعلومة معرضة للنظر والمراجعة، مع أن مناهج التعليم تعاني انكماشاً واضحاً في الاجتهاد الفقهي ما نتج عنه عجز في مواكبة مستجدات العصر، كما أننا يجب أن ننظر إلى مناهجنا بعين الآخرين، كما لو أننا ننظر في مرآتنا حتى نرى صورتنا وكيف تكون عند الآخر أيضا، إلا أن هذا الأمر لا يجوز أن يدفع  إلى تجاوز المسلمات الدينية، فإن ذلك يعني التنازل. 

 

 

> على رغم كل هذا الحديث عن المراجعة والتغيرات منذ سنين لا يزال الصوت الغربي مرتفعاً، هل هذه المناهج مجرد قميص عثمان آخر؟
 
 

 

– هذا أمر مؤكد، أعتقد أن الصوت الغربي لا يجوز لنا أن نمضي في الإنصات إليه، قبل أسبوعين كنت في كندا، كانوا يتهمونني بأشياء تتحدث عنها صحفهم، فقلت لهم أثبتوا أنني قلت ما لا يتناسب مع القوانين، فأقدم اعتذاراً لكم… قصدي من ذلك أننا إذا تركنا العالم يستهتر بنا ونحن فقط مجرد منفذين لمطالبه، فإن ذلك يوقعنا نحن المسلمين في هوة لا نهاية لها.
في المقابل، لا بد أن يكون لدينا قدر من الشجاعة يجعلنا نعترف بسلبياتنا ونقوم بمعالجتها، والتوفيق بين ما نرفضه من الضغط الغربي وما نأخذ به من نقده وملاحظاته، مسألة تحتاج إلى دقة ووعي، بحيث نقول: «نعم» في مكانها، و«لا» أيضا في الوقت المناسب.
 


 

فتوى الأزهر وجيهة 

 

> قبل أسابيع اجتمع المسلمون لتطوير آليات العمل الإسلامي المشترك، ومن بين ذلك مجمع الفقه، ونحن الآن أمام مناسبة كبرى على الأبواب، هي الحج. أليست النظرة الواحدة في مسائل الحج الفقهية يجب أن تتطور إلى مفهوم عالمي وإسلامي أشمل؟
 
 

 

– في المنظور الفقهي قضايا الحج فيها سعة كبيرة من الاختلاف، وهذا الأخير واقع ولا إشكال فيه، وهو ما سماه ابن القيم «الاختلاف بالحق»، وهذا الاختلاف يجب أن نفعله، والرأي الواحد في قضايا الحج من الأساس كان خطأ… النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل عن شيء في الحج إلا قال افعل ولا حرج، في التقديم وفي التأخير هنالك  خيارات عدة مفتوحة أمام المرء، والإسلام ترك للمكلفين مساحة واسعة في ذلك.

 

> الآن هنالك مسائل نازلة في الحج، فنحن نرى الأزهر مثلاً أفتى بجواز رمي الجمار على مدى 24 ساعة باعتبار أيام وليالي التشريق كلها أوقات للرمي، فكيف تنظرون إلى مثل هذه الآراء ومبدأ التيسير فيها؟

 


– هذه الآراء لها احترامها، لأنها مستندة إلى أقوال بعض العلماء المعتبرين، والحج عبادة مبنية على رفع الحرج، ولم يرد في أي عبادة في القرآن الكريم شرط الاستطاعة نصاً إلا في الحج، وإن كانت الاستطاعة شرطاً في كل العبادات، فقضية الاستطاعة في غاية الأهمية، ولا بأس أن نختلف هل الأيام كلها وقت واحد، أم أنه فقط الليل والنهار، وجواز الرمي في الليل والنهار أقوال قوية جداً، من المفروض أن لا نختلف فيها أصلاً، أعني بعد الظهر إلى الفجر، فكل يوم يلد الليلة التي بعده، فالمسلمون إذا رتبوا أنفسهم باستغلال هذا الوقت الذي ليس فيه إلا خلاف يسير، تحل المشكلة.
 الأمر فيه سعة، والعلماء جميعاً مع الوقت وضغط الواقع أظنهم سيقدمون كليات الشريعة على جزئياتها، والمقصود بالكليات: مقاصد الشريعة، التي من بينها التيسير، «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر».

 

> هنالك حديث عن حملات تقدم خدمات «خمس نجوم» في الحج، كيف ترى هذا النوع من الحج الفخم، هل يفقد الحج مساواته بين البشر؟
 

 

– الله لا يظلم أحداً، ولذلك توسعة الإنسان على نفسه في الحج لا حرج فيها، ولكن لا يجوز أن يكون ذلك على حساب الآخرين.

 

> تعني الترف والتوسع في المباحات أثناء الحج كما في غيره لا ترى فيه بأساً؟
 

 

– لا أرى فيه مانعاً، كل المــباحات لا مـانع منها، الله يقول: «قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق»، نحن لا نحرم ما أحل الله، وهذا غلو، ونحن لا نريد أن نكون غلاة.

 

المنتج المالي الإسلامي يحمل مميزات عديدة يحتاجها الغرب

باريس – خاص

قال العلامة عبد الله بن بيه ان الفقه الإسلامي يستجيب لكل الطلبات والتحديات التي يفرضها المجتمع وان ذلك احد أسباب تعدد المذاهب الفقهية.

جاء ذلك في حوار بثته قناة “فرانس 24” الإخبارية بعنوان : المعاملات المالية الإسلامية في الغرب.

وفي هذا الصدد تحدث العلامة ابن بيه عن 3 أنواع من التحديات التي قال أنها تواجه المصرفية الإسلامية في الغرب وهي أولا التحدي النفسي والتاريخي وثانيا التحدي الفلسفي وآخرها التحدي العملياتي القانوني. وفي جوابه على سؤال حول ما ستضيفه المعاملات المالية الإسلامية للسوق الغربي , قال العلامة ابن بيه أن المنتج المالي الإسلامي يساهم في تهدئة السوق والتخفيف من المضاربات كما انه يعزز الثقة بين المستهلك والمنتج .

وأكد العلامة ابن بيه أن كثيرا من العقبات المطروحة لا تعدو أن تكون إشكالات في الصياغة.

 

|| يمكنكم مشاهدة المقابلة كاملة من قناة الإمام ابن بيه على الرابط التالي || :

www.youtube.com/watch?v=X96wNJszXMM

حوار مع العلامة عبدالله بن بيه حول “الإجتهاد ومراجعة التراث”

حجية السنة، استقلالها بالتشريع، عودة المسيح وظهور المهدي. ( أجري هذا الحوار سنة 2010م )

ضيف هذا الحوار فقيه أصولي ثبت، له باع في الفقه والأصول والعلم الشرعي، عضو في العديد من المجامع الفقهية، وواحد من المجددين خاصة فيما يتعلق بفقه الأقليات.. إنه العلامة الشيخ عبد الله بن بيه الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة ووزير العدل الموريتاني السابق..

كان اللقاء بعد محاضرة لفضيلته في دورة المقاصد الشرعية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية، وقد تحدث فيها عن ضرورة الاجتهاد والتجديد في بعض مسائل المعاملات المستحدثة، وعدم الاكتفاء بما قرره الأقدمون.

فكان مناسبًا أن نسأله عن رؤيته لمراجعة التراث وضوابط تلك المراجعة، وهل تعتبر من باب الاجتهاد والتجديد أم لا.. 

* بداية فضيلة الشيخ.. نريد أن نتحدث عن موضوع مراجعة التراث من الأساس، بمعنى هل تدخل مراجعة العلوم الشرعية ضمن الاجتهاد أم لا؟

– المراجعة هي مجال من مجالات العمل الفكري التي يظل مفتوحة إذا لم تكن هذه المراجعات موضوعها الكتاب أو السنة الصحيحة الثابتة من جهة الورود ومن جهة الدلالة.. فالمراجعات للمنهج وللطرق وللوسائل التي تعامل بها العلماء مع الأصلين أمر وارد.

يبقى بعد ذلك السؤال الأهم: ما موضوع هذه المراجعات؟ وما الثمرة والنتيجة التي يمكن أن تصل إليها؟.. هذه الأسئلة يجب أن تكون محل بحث وتحقيق حتى تتميز المراجعات المقبولة من تلك التي تمس أصلاً أو من شأنها التطاول على ثابت لا يحتمل تغييره.

                            تعارض القرآن والسنة

* أستاذنا تبقى القضية من البداية هي تحديد الأصل.. بمعنى أننا نفهم جميعًا أن أصول التشريع عندنا هي القرآن والسنة الصحيحة.. لكن البعض يتحدث عن أن السنة إذا خالفت أو عارضت فهمًا للقرآن الكريم يسقط الاحتجاج بها، وبالتالي يسقط استقلالها بتشريع، ويستشهدون بأن أبا حنيفة رضي الله عنه فهم من قوله تعالى: “حتى تنكح زوجًا غيره…” أن المرأة يمكن أن تنكح بغير إذن وليها؛ ولذلك لم يعمل بحديث “لا نكاح إلا بولي..” كيف ترى فضيلتكم هذا التصور؟

– ما ينبغي أن يكون ظاهرًا هو أن المعارضة لا تعني بحال المناقضة، السنّة الثابتة لا يمكن أن تعارض قرآنًا ثابتًا.. القطعيات لا تتعارض، وإنما التعارض يكون على مستوى الدليل الظني، وهو تعارض يقوم فيه المجتهد، ولا حق له في الخارج “ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا”، فهو من عند الله إذن فلا اختلاف فيه..

أما بالنسبة للسنّة.. فالسنة إما أن تكون مخصصة لعام القرآن، وإما أن تكون مقيدة لمطلقه، وهنا لا إشكال، حيث نعمل بالتخصيص والتقييد، لكن السنة ينظر إليها من حيث الثبوت، هل ثبتت بالأدوات الحديثية للإثبات أو لم تثبت.

فهنا مسألة الثبوت في السنة كمسألة الاحتمال في دلالة القرآن والسنة معًا، الوجهان للظن، أي أن أساس الظن في الأدلة هو ثبوت الجهة بالنسبة للسنة والاحتمال الدلالي بالنسبة للسنة والقرآن معًا، خارج هذين الحقلين إذا ثبت الورود وكانت الدلالة قطعية بأن كانت نصًّا لا يحتمل التأويل فلا مجال لإنكار السنة ولا مجال للاعتراض عليها.

يمكن أن نقول إن خبر الآحاد إذا عارض ظاهر القرآن فتارة يأخذ به العلماء أي يخصصون به ظاهر القرآن أو يؤولونه على الأصح؛ لأن العدول عن ظاهره هو تأويل، وتارة يقدمون ظاهر القرآن.

وهذا ما دلت عليه أصول الشرع كثيرًا كما يقول صاحب كتاب المجتهد، العدول عن ظاهر القرآن، ومع ذلك فالشافعي وأحمد يريان العمل بخبر الآحاد، ومالك في غالب الأحيان يؤول ظاهر القرآن بخبر الآحاد، لكن مالكا أحيانًا يقدم عمل أهل المدينة على خبر الآحاد، وأبو حنيفة يقدم عمل الراوي على مرويّه، وأيضًا يعتبر أن التخصيص من باب النسخ فلا يعمل به في أحيان كثيرة.

المهم أن قضية خبر الآحاد -وهو أغلب الحديث- فيها بعض التفاصيل للعلماء، لكن هذه التفاصيل لا تصل أبدًا إلى إلغاء خبر الآحاد، هذه التفاصيل تعتمد مجالات معينة بين خبر الآحاد والقرآن الكريم، فخبر الآحاد هو ظني الورود عند الجمهور، وبعضهم قال إنه قطعي إذا ورد في الصحيحين، لكن الجمهور يقولون إنه ظني الدلالة، وهذه الظنية قد تتعامل مع ظني الدلالة في القرآن الكريم، وهذا مذهب الجمهور إليه، وقد لا تتعامل معه وهذا ما يذهب إليه أبو حنيفة أحيانًا.

* وهذا لا علاقة له بطبيعة الرواية وموضوع معالجتها، بمعنى هل يختلف الحكم إذا كانت الرواية تعالج شيئًا في العبادات عنه في العقائد مثلاً، وتعارض فهمها مع نص قرآني، ونحن نعلم أن النص في القرآن محتمل الدلالة وليس قطعيًّا في بعض النصوص؟

– نعم.. في العقائد يختلف عند مجموعة من العلماء، الإمام الجويني في كتابه البرهان يقول: “إن خبر الآحاد لا تثبت به العقائد؛ لأن العقائد لا تثبت إلا بقطعي”. لكن إذا كثرت الظواهر التي تدل على أمر معين وتواترت أفادت القطع، فهنا يكون خبر الآحاد إذا كان معضدًا من أخبار أخرى أو من روايات أخرى، أو من ظواهر من القرآن الكريم، أو تلقته الأمة بالقبول أو أجمعت عليه، فهنا يصبح حجة.

                            قواعد المحدثين

* عفوًا أستاذنا.. كلمة “تلقته الأمة بالقبول” كان صاحب إعلام الموقعين قالها عن حديث بَعْثِ معاذ إلى اليمن الذي رُوِيَ عن مجاهيل من أهل حمص، ولم يستطع هو أن يكذب كلام ابن حزم فيه في كتابه النبذ، لكن كلمة “تلقته الأمة بالقبول” البعض يقول إنها كلام غير علمي، فهل قبول الأمة وتعاملها مع النص بطريقة ما يدخل ضمن قواعد المحدثين أو يصلح حكمًا على الحديث، أم أن القواعد هي الأصل..؟

– يا أخي قبول الأمة من القرائن التي تجعل الحديث مقبولاً، ولا أقول صحيحًا؛ لأن الصحة لها طرق أخرى، لكن حديث معاذ رُوِي أيضًا بطرق أخرى موصولة، وما قاله ابن حزم من أنه روي عن مجاهيل ليس صحيحًا، فأنا أعرف كلام ابن حزم، لكن كلامه مردود من طرف كثير من العلماء؛ لأنه روي أيضًا بسند متصل وليس فقط عن طريق جماعة من أصحاب معاذ من أهل حمص كما هي الرواية المعروفة.

لكن حتى جماعة من أصحاب معاذ، هذه الجماعة لما روى عنها الراوي دلّ ذلك على أنها معروفة وأنها ليست مجهولة، ثم إن الحديث كما قلنا رُوي من طرق أخرى، هذه الطرق تعضد الحديث بحيث يرتفع إلى الحسن.

* لكن هناك اتجاهًا يرى أنه لا يمكن أن نثق بالرواة الذين نقلوا السنة لكون بعضهم كانوا يتحايلون على أهل الجرح والتعديل برواية الأحاديث الصحيحة حتى يحصلوا على أعلى درجة في التصحيح، وهم من يسمون بـ”السابرين”، ثم بعد ذلك يصنعون ما يشاءون، ويذكر هذا الاتجاه على أنه أسلوب معروف في مناهج النقد القديم، فما تعليقكم على هذا؟

– أنا أرى أن الحديث خدم خدمة لم يخدمها نص -طبعًا خارج القرآن الكريم- في التاريخ؛ لأن طرق التعديل والجرح وطرق الإسناد والشروط التي اشترطها العلماء في الراوي من الضبط والعدالة ومن اللقيا عند البخاري وليس فقط المعاصرة، الإمام مسلم يقبل المعاصرة في العنعنة، أما البخاري فلا بد له من اللقيا..

كل هذه الاحتياطات التي أخذ بها العلماء أعتقد أن الأحاديث التي تكون قد ثبتت بناء عليها لا يمكن أن يرقى إليها شك، وما يؤكد ذلك أن هؤلاء الأئمة الأعلام استبعدوا بناء على تلك الاحتياطات كثيرًا من الأحاديث التي كانت من الممكن أن تعيننا في عملية استخراج النوازل الحديثة والمستجدات.

هناك شيء آخر أريد أن أضيفه وهو أنه إذا تخلينا عن هذه المنهجية التي وضعت في عصور قريبة من عصر التلقي نصبح بلا منهجية، وبالتالي نخاف أن يضيع منا كثير مما بين أيدينا من المسلمات الفقهية والعملية والاعتقادية، وبالتالي نلغي منهجية دون أن نعتمد منهجية شاملة، وهذا الدين محفوظ، فلا يمكن للمنهجية التي سارت عليها الأمة أن تكون باطلة أو أن تكون غير فعّالة أو غير مقبولة.

* عودة إلى موضوع فهم النص القرآني وإمكان وجود تعارض بينه وبين نص من السنة.. نأخذ مثلاً قوله تعالى “مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ”، فخاتم النبيين هنا يفهم منها أنه لا نبي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر الأمة قد اجتمعت عليه، هذا الفهم هل تراه فضيلتكم يتعارض مع نزول عيسى مرة أخرى؟

– لا أبدًا.. عيسى لا يرجع رسولاً، لا يرجع مكلفًا برسالته، يرجع بين يدي الساعة وهي أحداث خارقة للعادة “وإنه لعَلَمٌ للساعة”، كما يقرأ في بعض القراءات “وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ”، فينزل في هذه الأحداث وينزل تابعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والأعمال التي سيقوم بها أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بها قبل ذلك، فيضع الجزية ويكسر الصليب.

هذه الأعمال هي من شريعتنا، ليس الوقت وقت رسالة أبدًا.. رسالته انتهت، النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولا إشكال في ذلك، ولا أرى أبدًا أي إشكال بين نزول عيسى بين يدي الساعة وبين خاتم النبيين وهو النبي صلى الله عليه وسلم.

                      فكرة المخلص

* ألا ترى فضيلتكم أن الترويج لرجوع عيسى عليه السلام يُعَدّ انتصارًا لفكرة “المخلص” التي تروج لها اليوم المسيحية الصهيونية ومعها معركة هرمجدون، وأنها انتقلت للأمة مع فكرة المهدي المنتظر عن طريق الثقافة الشفوية وتداخل الأديان؟

– نعود مرة أخرى لموضوع الاحتياط في النقل، ألا تعلم أن هذا الاحتياط قد وصل عندنا في الحديث أن الصحابي الذي يقرأ من كتب أهل الكتاب لا يقبل ما قاله من تلقاء نفسه خوفًا من أن يكون أخذه من كتبهم؛ لأن الصحابي إذا قال غيبًا لا يمكن أن يقول من نفسه إلا إذا كان يقرأ من كتب أهل الكتاب.

فالاحتياطات موجودة في هذه الشريعة، وبالتالي هذه الأحاديث لا غبار عليها، وهي أحاديث ثابتة، وراجع كتاب -أعتقد- “صدّيقي” من باكستان، فله كتاب فيما تواتر من نزول المسيح، ذكر كل الأحاديث التي وصلت إلى حد التواتر.

وبالتالي فلا يهمنا مسألة “المخلص” أو ما يعتقده الآخرون، والنبي صلى الله عليه وسلم كثير مما يقوله مكمل للرسالة وليس مكذبًا لها، والأهم أن رؤية اليهود أو النصارى لهذا الأمر ليست هي الرؤية التي نراها، وليست بالطريقة التي نتحدث بها، وأنا سبق لي فيما يسمى بالقمة الإسلامية المسيحية التي عقدت بعد 11 سبتمبر، في خطابي ذكرت حديث نزول عيسى، والنصارى تعجبوا كثيرًا وقالوا أين يوجد هذا الكلام؟!!

قلنا لهم نحن نعرف كيفية نزول عيسى وكيف ينزل وعندنا نصوص نبوية في هذا حددت المكان والزمان ولا تشبه النصوص الأخرى، والنصوص النبوية واضحة جدًّا وهي ليست رسالة لعيسى..

يجب أن نفهم هذا.. عيسى ينزل في أحداث خارقة للعادة، فيها الدجال.. فيها يأجوج ومأجوج، الدنيا تنقضي، ففي هذه الأحداث الله عز وجل ينزل أي شيء يريد أن ينزله، وعيسى ينزل في هذه الأحداث، ينزل ولم يبق في الدنيا ما يستطيع فيه عيسى أن يقدم رسالة للناس، فقط هو مطبق لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم مع المسلمين، والجماعة التي تكون حوله هي جماعة من المسلمين بدليل أنه يصلي خلف المهدي كما ورد في الحديث “أئمتكم منكم”.

* عفوًا مرة أخرى يا أستاذنا.. الآية التي قرأتها فضيلتكم دليلاً على نزول عيسى “وإنه لعلم للساعة” أو “وإنه لعَلَم للساعة” هناك من يؤكد أن الضمير فيها لا يعود على عيسى مطلقًا، ويثبت هذا بأن “وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ”، مؤكدًا أن هذه الآية فصل بين عيسى وبين هذا الضمير، والضمير يعود على النبي صلى الله عليه وسلم بدليل ما أسماه الوحدة البنائية للقرآن الكريم.. فالسورة من بدايتها “الزخرف” تتحدث عن الوحي وجاء عيسى هنا لمهمة محددة يعني للإجابة عن سؤال محدد، وبعد هذا انتقل الحديث عن النبي مرة أخرى وعن الوحي “وإنه لعلم للساعة “، أي وإن الوحي والنبي صلى الله عليه وسلم لعلم للساعة فلا تمترنّ بها واتبعوني أنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهل توافق على هذه القراءة وهذا التفسير؟ هل له أصل في التراث؟

– في التفسير لا يستبعد هذا التفسير، لكن قال تعالى: “إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاء لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ” الأصل أن الضمير يرجع إلى الأقرب والأقرب هو عيسى عليه السلام، كما قال ابن مالك:

والأصل أن يؤخر المفسر *** وبسوى الأقرب لا يفسر

أي أن الضمير يفسر بأقرب مذكور إلا نادرًا، كما في قوله تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: “فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ”. فرجع الضمير إلى إبراهيم، لكن مع ذلك لا يستبعد أن يوجد تفسير بالشكل الذي ذكرته، لكن هذا لا ينفي أصلاً عودة عيسى، فهذا من الأدلة الحافلة وهي أدلة كثيرة تتضامن لتؤكد نزول عيسى عليه السلام.

                      الوحدة البنائية للقرآن

* موضوع الوحدة البنائية للقرآن ومراعاتها في قراءة النص القرآني، البعض يؤكد أنها تغير كثيرًا مما ألفه الناس، فمثلاً قوله تعالى “مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا” هناك من يؤكد عدم وجود دليل على النسخ المعروف في هذه الآية، ويؤكد طبقًا للوحدة البنائية أن سورة البقرة من الآية 39 إلى الآية 106 تعالج الظاهرة الإسرائيلية بكل ما فيها من بدايتها إلى نهايتها، وفي النهاية أي في الآية 106 قال “ما ننسخ من آية..”، أي من آية بني إسرائيل، حيث إنهم لم يعودوا صالحين لحمل الرسالة، “نأت بخير منها..” أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا النسق يمكن قراءة القرآن قراءة صحيحة، فما رأيكم في موضوع الوحدة البنائية، وما معيارها من وجهة نظركم..؟

– الوحدة البنائية إن كان لها أساس فهي عبارة عن السياق، فالقرآن به سياقات في الكلام بصفة عامة، والسياق له دلالته لكنها دلالة لا تتغلب على البناء اللغوي والنحوي؛ لأن هناك اقتضاءات نحوية، هذه الاقتضاءات النحوية لا يمكن أن يتغلب عليها السياق..

* فضيلة الشيخ.. مكانة السنة في التشريع، وكونها مصدرًا ثانيًا كما نعلم جميعًا، البعض يقول إن مقولة (السنة هي المصدر الثاني للتشريع) خاطئة، ويؤكد أن هذا التفكير أوجد عقلية تراتبية، بمعنى أننا بحثنا عن شيء في القرآن فلم نجده فتوجهنا إلى السنة فوجدناه فيها، وهذا فيه انتقاص للقرآن.. فكيف ترى أن السنة مصدر ثان للتشريع، هل هذا تَعدٍّ على القرآن؟

– لا أبدًا.. الله سبحانه وتعالى يقول: “وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى”؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم سواء في القرآن أم في السنة هو مبلغ، فكل ما يقوله من القرآن أو من نفسه في مجال التشريع أو في مجال البلاغ، هذا عن الله سبحانه وتعالى؛ لذلك لا محيد عنه، لكن شريطة أن يثبت بالأدوات التي يثبت بها الحديث، والحديث معلوم كما أشرنا أنه يتطرق إليه الاحتمال من جهة الثبوت، وهذا لا يتطرق إليه القرآن، ثم من جهة الدلالة يشترك الاثنان معًا في تطرق الاحتمال إليهما.

* نفس الحديث يقال أيضًا على الإجماع والقياس، كمصادر للتشريع، ليس لهما مكان لأن القرآن أصل؟

– الإجماع له أصل قرآني، والشافعي لما قرر مسألة الإجماع قال: إنها مأخوذة من قوله تعالى: “وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا”، وجادل في ذلك بعض المعتزلة وقالوا إن هذا لا يدل على حجية الإجماع.

نعم قالوا هذا وقالوا إن سبيل المؤمنين الإسلام وهو لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وأنه معطوف على مشاقة الرسول، لكن متابعة العلماء لهذا القول واعتبارهم للإجماع حجة، مع ما ورد عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه كان يجمع رؤوس الناس فيستشيرهم كما في الدارين، وكذلك عمر رضي الله عنه كان يفعل كما ذكر ابن القيم، كل هذا يدل على أن الإجماع بدأ يروّج كدليل بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى، وكما قال ابن مسعود رضي الله عنه: “ما رآه المسلمون حسنًا فهو حسن”، فهذا يدل على الإجماع.. فالإجماع عند كثير من العلماء ليس دليلاً مستقلاً.

* وماذا يعني كونه ليس دليلاً مستقلاً..؟

– يعنى أن الإجماع يؤكد ظاهرًا من قرآن أو سنة، ووجود الإجماع يرفع من مستوى السنة الأحادية إلى القطع.. فالإجماع لا بد أن يعتمد على شيء.. على دليل من كتاب أو سنة أو قياسًا على مذهب الجمهور، خلافًا للشافعي، فالشافعي يرى أن الإجماع يستقل بنفسه ولا حاجة إلى دليل؛ لأن بعض العلماء قالوا إذا لم يوجد دليل فمعناه أنه يقدر الدليل.

الشافعي يرى أنه لا حاجة إلى دليل، بل هو مقدر لأن السنة لا تعزوه عن الأمة جميعًا، وقال ذلك بصراحة في الرسالة، وهو مذهب لبعضهم قاله الآمدي وغيره، وبعض العلماء قالوا إن الإجماع لا يحتاج إلى ما يستند إليه، وبعضهم قال يحتاج إلى مستند، لكن المستند الذي كان خاملاً الإجماع جعله ظاهرًا والذي كان ضعيفًا إلى حد ما الإجماع قواه.

ثم إن أمرًا آخر لا بد أن يكون واضحًا.. نحن لسنا في حاجة إلى هذا أبدًا، لسنا في حاجة إلى إضعاف الإجماع، لسنا بحاجة إلى تكسير هذه الأدلة، نحن بحاجة إلى توسيع الأوعية، توسعة الاجتهاد وأوعيته، الاجتهاد متاح بوسائل أخرى من خلال المقاصد، ومن خلال القيم والأدلة الكبرى التي ترسي قيم الإسلام، فيمكن أن نوسع تمامًا أوعية الاجتهاد دون أن ننكر على هذه المسلَّمات بالبطلان، وبالتالي توجد بلبلة فكرية دون أن يوجد بناء ليوضع مكان هذا الذي أزيل.

* على ذكر الاجتهاد وتوسيع أوعيته.. موضوع الأقليات المسلمة في الغرب.. فضيلتك تعرف بأنكم أحد من أسهموا في تنظير فقه لهذه الأقليات، نحن نريد أن نعلم على أي مرتكز يقوم فقه الأقليات؟

– فقه الأقليات ليس فقهًا مستقلاً عن أصول الفقه، الأصول التي يستفيد منها الفقه، فهو مأخوذ من الكتاب والسنة ومن الإجماع ومن القياس، الأدلة الكبرى بالإضافة إلى الأدلة الأخرى كالمصالح المرسلة وسد الذرائع والعرف والاستصحاب، هذه كلها أدلة تتضامن وتستنفر في عملية نحاول من خلالها أن نوجد للمسلمين فقهًا هو من الفقه لا شك في ذلك وليس خارج الفقه.

لكنه اجتهادات ميسرة تجعل الفقه جماعيًّا في هذه الديار، نتجاوز الفردية إلى الجماعية من أجل توطين الفقه في هذه الديار من جهة، ومن جهة أخرى من أجل تيسير الحياة على المسلمين فيما يخص العبادات والمعاملات، وكذلك فيما يخص التعايش والعلاقات مع الآخر، فنحن نعتمد على ثلاثة أنواع من الاجتهادات:

  • الاجتهاد المطلق أحيانًا وهذا نادر.

  • الاجتهاد الترجيحي الانتقائي وهذا هو الغالب، أي نرجح مسألة كانت ضعيفة أو قولاً كان مرجوحًا ليس عاريًا عن الدليل، ولكن قد يكون الدليل الآخر أقوى، لكن ليس عاريًا عن الدليل، نرجحه لمصلحة راجحة بناء على ضوابط ذكرها العلماء في الترجيح، فهذا نسميه اجتهاد انتقائي أو ترجيحي.

  • الاجتهاد الثالث هو تحقيق مناط، وهو عبارة عن اكتشاف وضع يمكن أن تنطبق عليه قاعدة، فهذا في الأصل هو تحقيق المناط، إلحاق مسألة بأصل وليس بفرع بمعنى أن تقاس على أصل وليس فرعًا، وهذا هو الفرق، هو نوعان، وهناك النوع الذي ذكره الشاطبي وهو تحقيق المناط في الأشخاص والأنواع، بمعنى أن تطبق على هذه الحالة حكمًا لا تطبقه على حالة أخرى بناء على ضرورة أو حاجة، وسماه تحقيق المناط في الأشخاص والأنواع، وهذا مما اختص به الشاطبي ولم يذكره غيره من الأصوليين.

فنحن نتعاون على تسهيل الحياة على المسلمين وتوطين الفقه لجعله جماعيًّا، وجعل العبادة جماعية وليست فردية، توجهات فقهية جماعية وليست فردية.

* لكن دعنا ننقل لفضيلتكم ظن بعض الاتجاهات أن هذا باب واسع لدخول كثير من التسهيلات على بعض الأمور التي يظن الناس أنها من الثوابت والتي لا يجوز أن تلغى بحال، فمثلاً البعض اعترض على فتاوى بقاء الزوجة مع زوجها النصراني، وغيرها.. فما مساحة الثوابت إذن في هذه المنطقة؟

– مساحة الثوابت حاكمها هو الانضباط بأدوات الانضباط عند العلماء والثبوت، ثبوت قيام الاحتمال والترجيح من خلال التأويل، أو من خلال الترجيح من جهة النظر أو من الناحية المقاصدية..

فنحن لدينا أدوات نتعامل معها هي الأدوات المنضبطة التي أجمعت عليها الأمة، وهي أصول الفقه، نتعامل معها بكثير من الانتقاء والاهتمام، حيث إن القول الضعيف مثلاً لا نعمل به إلا إذا ثبتت فيه ثلاثة شروط:

  • الأول: أن تكون الحاجة ماسة فندرس أولاً الوضع بالنسبة لهذه القضية.

  • الثاني: أن يثبت قائل لهذا القول بحيث لا يكون عاريًا عن الدليل.

  • الثالث: أن يكون هذا القائل ممن يُقتدى به.

بهذه الشروط الثلاثة التي قال بها المالكية بشرط ألا يكون ضعيفًا جدًّا، وأن يعرف قائله وأن تثبت الضرورة هنا أي الحاجة، بهذه الشروط الثلاثة أخذنا وطبقناها، وبخاصة في قضية المرأة؛ لأن المقصد العام هو المحافظة على إسلامها، فأكثر النساء يدخلن الآن أفواجًا في ديار الغرب.

فإذا أغلقنا هذا الباب رجعت بعض النساء عن الإسلام، وكذلك تخاف النساء من دخول الإسلام؛ بسبب علمها بضياع أسرتها وتشتتها، وهذا ما انتبه إليه شيخ الإسلام ابن تيمية فقال: “يكفي تخويفًا لها أن تعلم بأنها ستطلق إذا أسلمت”. فانتبه رحمه الله لهذا المقصد.

فهذا المقصد بالإضافة لما ثبت عن عمر بن الخطاب وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما يعضدان الأمر، ثم إن نص القرآن يقبل بذلك قال تعالى “لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ” وهذه واردة في الممتحنة، ولها وضعها الخاص حيث إنها جاءت من بلاد محاربة مع النبي صلى الله عليه وسلم، وترك زينب في ذمة أبي العاص رضي الله عنه حتى ردها إليه بالعقد الأول فهذا مع هذا، وما ورد أيضًا عن بعض التابعين، كل هذا يدل على أن المسألة ليست عارية عن الدليل، وإنما فيها دليل، والحاجة قائمة للمسلمين في هذا المجال.

* يبقى السؤال أيضًا شيخنا.. من يصلح لهذا العمل، بمعنى من يصلح للاجتهاد، بعيدًا عن الضوابط الموجودة والمعلومة في كتب الفقهاء؛ لأن ادعاء العلم أصبح أمرًا سهلاً ميسورًا؟

– صحيح.. لكنني أؤكد أن هؤلاء العلماء الذين يدعون العلم لا بد أن يقتنعوا بهذه الأدوات التي وضعها الأولون، وأن هذه الأطر الثابتة منذ أربعة عشر قرنًا هي الأطر المناسبة والملائمة والتي يمكن من خلالها أن نقدم ثمرة استثمار الأدلة كما يسميها أبو حامد الغزالي، أن نستثمر هذه الأدلة، وأن تكون رؤيتنا واضحة بالنسبة لهذه الأدوات، أن نقول هذا رجح لكذا وهذا بسبب كذا، بالألقاب التي يعرفها العلماء، الألقاب الأصولية، أما أن نقول: هذا جائز لكذا يعني للقب ليس معروفًا عند الأصوليين بالتشهي والاستحسان هذا ليس مقبولاً أبدًا.

أنا أدعو إلى الانضباط، وأدعو إلى مراجعة أصول الفقه مراجعة جيدة، أي التعرف على أصول الفقه من جديد وليس مجاوزة أصول الفقه، نحن لسنا بحاجة لأدوات جديدة، الأدوات التي عندنا والأوعية التي عندنا أوعية جيدة جدًّا، فقط تحتاج إلى من يراجعها مراجعة منضبطة لننتج من خلالها أحكامًا.

* تقصد أن ننتج أحكامًا لا أن نهدم أحكامًا؟

– نعم ننتج لا أن نهدم، نستنبط ونستنبت، نستنبط مقاصد ونستنبت أحكامًا.. هذا هو الطريق الصحيح للنبي صلى الله عليه وسلم.

حوار مع قناة الجزيرة حول تطبيقات الفقه الإسلامي في الواقع الغربي


تطبيقات الفقه الإسلامي في الواقع الغربي
مقدم الحلقة: عثمان عثمان
ضيوف الحلقة:
– عبد الله بن بيه/ نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
– سلمان العودة/ عضو المجلس الأوروبي للإفتاء
– عبد المجيد النجار/ الأمين العام المساعد للمجلس الأوروبي للإفتاء
تاريخ الحلقة: 4/7/2010

————
– تحديات الفقه الإسلامي في الغرب
– دور الالتزام بالفقه في تميز الشخصية الإسلامية
– فقه الأقليات وأثره على مسلمي الغرب


عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهلا ومرحبا بكم في هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة والتي تأتيكم من اسطنبول، يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {..وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}[آل عمران:101] ويقول عز من قائل {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ..}[المائدة:49] يواجه المسلمون في الغرب تعقيدات متزايدة تتطلب اجتهادا فقهيا ملائما بحيث يحافظ على استمرار سلطان الدين والتدين حتى لا يتحول الفقه إلى آصار وأغلال تشل حركة المسلم الذي يعيش في الغرب ويواجه تحديات ومغريات كثيرة، فما ضرورات الوجود الإسلامي في الغرب؟ وكيف تجاوب العلماء مع المشكلات الفقهية التي تعترض مسلمي الغرب؟ وما حقيقة فقه الأقليات؟ “تطبيقات الفقه الإسلامي في الواقع الغربي” موضوع حلقة اليوم من برنامج الشريعة والحياة والتي نستضيف فيها كل من فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه وفضيلة الدكتور عبد المجيد النجار وفضيلة الدكتور سلمان العودة وكلهم أعضاء في المجلس الأوروبي للافتاء والبحوث، مرحبا بكم سيدي وضيوفنا الأفاضل. فضيلة الشيخ يعني لو نبدأ معكم، الفقه الإسلام نشأ محكوما إلى تصورات وواقع وسلطة إسلامية، يعني ما هي التحديات التي تواجه الفقه الإسلامي خارج أرضه إن صح التعبير؟

تحديات الفقه الإسلامي في الغرب

عبد الله بن بيه: بسم الله الرحمن الرحيم، الله صلي وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. التحديات يمكن أن نقول إن كل فقه وكل عمل وكل فكر يواجه دائما تحديات عندما يلتقي ببيئة أخرى وينتقل إلى مجالا آخر، خذ مثلا الفلسفة اليونانية عندما نزلت في ساحة العالم الإسلامي فإنها واجهت تحديات في علم الكلام، على أساس ملاءمته بين هذه الفلسفة وبين مقولات دينية، ثم لما انتقلت بعد ذلك الفلسفة الإسلامية إلى الغرب واجهة تحيدات أخرى لأنها انتقلت إلى بيئة لها معتقدات وخلفيات فكرية ليست هي كتلك المعتقدات والخلفيات. الفقه الإسلامي نشأ في بيئة مسلمة وبالتالي الظروف والشروط التي تحكم هذا الفقه لا شك أنها تختلف من بيئة إسلامية إلى بيئة غير إسلامية، لكن لحسن الحظ أن الفقه الإسلامي يشتمل على نوعين من الخطاب، على خطاب التكليف وخطاب الوضع، خطاب الوضع يقيد خطاب التكليف ويطلقه ويعممه ويخصصه لأنه عبارة عن الشروط والأسباب والموانع، هذه المرونة الحاصلة بمزج خطاب التكليف بخطاب الوضع تجعل الفقه الإسلامي قادرا على مواجهة كل البيئات لأن شروط تطبيق الأحكام في كل بيئة يستجيب لها الفقه، أو الموانع من التطبيق أو الأسباب الحاملة على التطبيق، لأوضح الفكرة أقول إن الأحكام معلقة حتى تجد واقعا مشخصا لتقع عليه، المهم هو مرونة الفقيه، كيف يستيطع الفقيه أن يطبق هذه الأحكام على هذا الواقع، هنا يختلف الأمر لأن الأحكام كانت تطبق في واقع آخر وبالتالي الموروث الذي يتلقاه الفقيه قد يربكه عندما يجد بيئة أخرى، لكن يبقى أن هذه الأحكام يمكن أن تطبق بشروط وأسباب وموانع، يلاحظها الفقيه عندما يجد بيئة معينة.

عثمان عثمان: في البيئة الغربية الآن هناك تحديات لا شك في موضوع تطبيقات الفقه الإسلامي، أبرز هذه التحديات.

عبد الله بن بيه: التحديات كبيرة، أولا هناك قوانين هي منافسة للفقه الإسلامي، لأن المجالات التي تنطبق فيها هذه القوانين هي نفس المجالات التي ينبغي أن ينطبق فيها الفقه، إذاً الفقه كقانون يطبقه المسلم في حياته وفي معاملاته يجد أمامه قانونا آخر ينطبق على نفس القضايا وهو يناقض أو ينافي أو لا يلائم تماما يعني بحسب درجة العلاقة بينه وبين الفقه الإسلامي، فهذا أكبر تحد، تحد ثان هو أن البيئة الغربية بيئة لا تعرف يعني فلسفتها هي أن الإنسان يشرع لنفسه وبالتالي لا يقطع في تشريعه لشيء، لما ورائي أي للتشريعات السماوية، التحدي الثالث هو الأعراف والتقاليد في هذه البلاد هي أعراف وتقاليد تختلف كليا أو جزئيا ولكن الغالب أنها تختلف بقوة عن الأعراف والتقليد في العالم الإسلامي.

عثمان عثمان: نعم، يعني هذه أبرز ثلاث تحديات تواجه الفقه الإسلامي في الواقع الغربي، فضيلة الدكتور سلمان العودة يعني لماذا الفقه الإسلامي؟ ما الوظائف المتوخاة من هذا الفقه هل هي نفسها مطلوبة في الغرب؟

سلمان العودة: بسم الله الرحمن الرحيم. هو الفقه كما هو معروف هو معركة الأحكام الشرعية من أدلتها من نصوصها، وحينما نقول الأحكام فإننا نقصد بذلك هو الموقف الشرعي من المجريات ومن الأحوال ومن النوازل ومن فعل الإسلام، فلذلك الفقه الإسلامي هو فرع عن الشريعة هو طبعا في الأصل يشمل كل المعارف الشرعية كانت فقها، ثم أصبح يطلق على الأحاكم التفصيلة على وجه الخصوص في قضية الحلال والحرام والفتوى واحتياج الناس إليها. المسلمون في الجملة عندهم قدر من الالتزام لأن كونه متدينا يعني أن عنده قدر من الالتزام بأحكام الله، لكن هناك قطاع عريض جدا من المسلمين ربما يلتزمون في قضايا تعبدية أو في كليات وكثير من التفاصيل ربما يفعلونها بمقتضى المزاج أو الذوق أو الثقافة السائدة عندهم أو الهوى أحيانا ويكون فيها الخطأ وفيها الصواب، ولذلك لا شك أن الحياة أوسع من الفقه بكثير، من حيث الفعل، وهذا الفعل الذي يعمله الناس سواء كان خطأ أو صواب له تأثير وله مردود في النهاية فمن هنا حتى في البيئات الإسلامية تجد آثارا لم يكن الفقه الإسلامي هو الذي صنعها ولكنه يحتاج إلى أن يعالجها، هي نتيجة بعض أخطاء من الناس سواء أخطاء من الحكام أو من العامة أو من التجار أو من الشباب أو من المرأة، ولكنها تحتاج إلى معالجة فإذا انتقلت إلى بيئة أخرى هي أصلا بيئة غير إسلامية وقامت على نظام غير النظام الإسلامي سواء في إدارتها السياسية أو في ثقافتها أو في الإعلام الذي أصبح يهيمن على..

عثمان عثمان: الحياة الاجتاعية والاقتصادية حتما.
سلمان العودة: الحياة الاجتماعية أيضا وطبيعة العلاقات والعقود، الحياة الاقتصادية أيضا والنظام الاقتصادي العام، فهذه البيئات الغربية سواء في أوروبا أو في الولايات المتحدة الأميركية أو في أي مكان في العالم هي مجتمعات لها قوة ولها تيار قوي جدا، المسلمون موجودن في أوروبا، وليسوا طارئين على أوروبا، وإنما كثير منهم هم مواطنون ومن أوروبا نفسها يعني من المسلمين الأوروبيين أو من الأتراك والعرب الذين..

عثمان عثمان: خاصة في كوسوفو والألبان..

سلمان العودة: أو من الأتراك والعرب والجنسيات التي هاجرت إلى أوروبا واستقرت هناك وأصبحت تنتمي إلى ذلك المجتمع، فمن هنا في طبيعة الحال هي تواجه وضعا مختلفا عما تواجهه في مجتمعاتها الأصلية، لأن المجتمع الأصلي حتى لو كان فيه بعض التفريط أو التقصير وهذا شيء طبيعي وأصبح مألوفا في أي مجتمع إلا أن المجتمع مثلما نجده نحن هنا في تركيا حيث تبث هذه الحلقة تسمع أصوات الآذان ترى المساجد ترى عددا من القيم الإسلامية، انتشار الحجاب إلى حد ما والقوانين تتساوق شيئا فشيئا مع رغبة الناس وطموحهم وإصرارهم وإرادتهم، لكن في الغرب قد يواجهوا مشكلات مختلفة، نجد في أوروبا قضية الحجاب، قضية النقاب، قضية أكل الحلال، في مسائل كثيرة جدا، طبعا على الصعيد الشخصي للمسلم العادي دعك من المسلم الذي لديه طموح أن يكون مؤثرا وفاعلا في تلك المجتمعات.

عثمان عثمان: وظيفة الفقه في التعامل مع مثل هذه الحالات هو ضبط هذه الحالات وفق شرع الله عز وجل.

سلمان العودة: هذا صحيح، يعني الفقه هنا سيكون هداية للمسلم الذي يريد أن يعرف الحلال والحرام لأنه في مجتمع آخر، مجتمع غير إسلامي، فهو يبحث عن الحلال في المأكل في المشرب في الدخول في الخروج في البيع في الشراء في اللباس، في أشياء كثيرة جدا يبحث عن الحلال والحرام فيها يعني.

عثمان عثمان: فضلة الدكتور عبد المجيد النجار يعني الإسلاميون بدوا حريصين في كل وقت على الانتشار الإسلامي في الدول الغربية، ما هي ضرورات هذا الانتشار، ما هي مقاصده؟

عبد المجيد النجار: بسم الله الرحمن الرحيم.يعني وجود المسلمين في البلاد الغربية وفي أوروبا خاصة لم يكن يعني وجودا مخططا بقصد مسبق، وإنما الظروف عبر سنوات وسنوات هي التي أدت إلى هذا الوجود الإسلامي سواء تمثل في المسلمين الأصيلين في البلاد مثل المسلمين الموجودين في أوروبا الشرقية أو في هجرات متتالية بأسباب مختلفة إلى أوروبا الغربية من قبل المسلمين، فهذا التراكم في وجود المسلمين في الغرب أفضى إلى حجم متزايد وربما حتى مستارع في تزايده في أوروبا فأصبح عدد المسلمين في أوروبا لا يقل عن خمسين أو ستين مليون من المسلمين.

عثمان عثمان: طبعا نتحدث أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية.

عبد المجيد النجار:  نعم. هذا الوجود كان في أول الأمر شبه وجود فردي يعيش المسلمون فرادا، ولكن بالتطور والتراكم أصبح هؤلاء المسلمون يعيشون جماعة، وأصبحت لهم حاجات جماعية سواء في عباداتهم أو في معاملاتهم، وهذا اقتضى لكي يكونوا مسلمين اقتضى منهم أن يكون لهم فقه يراعي هذه الأحوال الجديد وهذه الأوضاع التي هم فيها أقلية مسلمة كما تفضل الشيخان منذ حين باعتبار أنهم أصبحوا مسلمين يريدون أن يكونوا مسلمين في حياتهم ولكنهم يعيشون في مجتمع يحكمه سلطان القانون بل وسلطان اجتماعي وثقافي قد يختلف كثيرا أو قليلا بل قد يتناقض كثيرا أو قليلا مع مقتضيات الفقه الإسلامي والشرع الإسلامي.

عثمان عثمان: دكتور يعني حتى لا نخوض في تفاصيل هذا الموضوع إنما نؤخره لمرحلة لاحقة، ضرورة وجود الإسلام في الغرب، يعني في الأول كان الهجرة فردية أو وجود فردي الآن نتحدث عن وجود جماعات ومجتمعات يعني هل لهذا الوجود غايات ووظائف معينة؟

عبد المجيد النجار: بطبيعة الحال الوجود الإسلامي في الغرب وقد أصبح على هذه الحجم غايته أول ما تكون الغاية هو أن يكون هؤلاء المسلمون مسلمين يطبقون شريعة الله في حياتهم وفي معاملاتهم ثم بعد ذلك هؤلاء المسلمون بهذا الحجم وبهذا التمدد أصبحت لهم رسالة المسلم أينما كان فهو شاهد على الناس فما بالك إذا كان مثل هذا الحجم فهم ينبغي أن يكونوا ومن مقاصدهم التي ينبغي أن يأخذوها بعين الاعتبار أن يكونوا شهداء على الناس باعتبار وعلى معنى أن يقدموا للمجتمع الذي يعيشون فيه انموذجا حضاريا في مجالات حياتهم المختلفة يكون على مرأى ومسمع قريب من أهل البلاد الأوروبية ليعرف هؤلاء الأوروبيون هذا الإسلام عيان ومعاشرة وملاحظة قريبة عوضا أن يسمعوا به من خلال كتابات ومن خلال أقوال قد تكون ناقلة للإسلام على غير حقيقته.

عثمان عثمان: دكتور يعني أنتم في أوروبا لمدة أكثر من عقد ربما من الزمن، ما هي أبرز التحديات التي تواجه الوجود الإسلامي الآن في أوروبا؟

عبد المجيد النجار: تحديات كثيرة وكثيرة جدا، تحديات أسرية إذ الأسرة في المجتمع الغربي المجتمع الأوروبي تتعرض لتحديات في هذا المجتمع الذي قيمه وثقافته وطرقه في الحياة مخالفة لمقتضيات الأسرة الإسلامية هناك تحديات اقتصادية كبيرة إذا القانون الذين يحكم هذه الحياة الاقتصادية يقوم على الاقتصاد الغربي الذي يجد أو يكون فيه يعني تناقضات أو مناقضات كثيرة لمقتضيات الاقتصاد الإسلامي، فإينما التفت في حياة المسلم فإنك تجد تحديات ولكن بمرور الزمن كما قلت وبنضج المسلمين وبمؤسسات قامت إسلامية شرعية فقهية ترشدهم أصبحت هذه التحديات تعالج بمرور الزمن شيئا فشيئا.

دور الالتزام بالفقه في تميز الشخصية الإسلامية

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه يعني يبدو من حديث الدكتور النجار أن معظم المشكلات التي يواجهها المسلمون في الغرب هي ذات طابع فقهي، هل بالفقه وحده تحيا الجماعة، هل الشخصية الإسلامية تتميز عن غيرها بالالتزام بالأحكام الفقهية؟

عبد الله بن بيه:: بالتأكيد هي ذات طابع متشعب، هي شعب كثيرة، منها مشكلة البطالة، مثلا المسلمون قد لا يجدون عملا، منها مشكلات الاندماج في المجتمع والعلاقات مع المجتمع والتمييز العنصري في التوظيف، لكن الجانب الذي نتحدث عنه هنا هو الجانب الفقهي أو جانب الدين في حياة الإنسان، جانب الدين في حياة الإنسان هذا جانب له أهمية كبرى بالنسبة للمسلم وبينما في الغرب لا يقيموا وزنا لهذا الجانب، المسلم يستفتي عن كل شيء لأنه يرى أن المرء عليه ألا يعمل عملا حتى يعلم حكم الله فيه، وهو يستفتي في أحكام العبادات والصلاة والصوم والحج والزكاة لكنه يستفتي أيضا في أحكام الزواج والطلاق والعلاقة مع الأبناء والعلاقة مع الأصهار وكل هذ هالجوانب يسأل عنها كما يسأل أيضا عن المعاملات عن القضايا الربوية، كيف يتعامل مع البنوك كيف يتعامل بقضايا فيها غرر وجهالة، مفسدات العقود التي لا تقيم لها القوانين الوضعية وزنا، طبعا المشكلات كثيرة، طبعا الفقهية معناها الأحكام الشرعية، يعني الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية التي ترجع إلى الاجتهاد، هذا التعريف الذي رسا عليه الفقه متأخرا لأن الفقه نشأ في نهاية القرن كمدونات، يعني بعد القرن الأول بدأ تدوين الفقه مستقلا عن الحديث وعن القرآن، فهذا الفقه لحسن الحظ هو اجتهاديات، أكثره اجتهاديات القطعيات أو القواطع قليلة والاجتهاديات هذه تسمعه بتبييئه –إذا صح التعبير- في بيئات مختلفة، التكيف مع هذه البيئات، يقول ابن رشد رحمه الله تعالى إن لله أحكاما لم تكن أسبابها قائمة فإذا وجدت هذه الأسباب نزلت الأحكام عليها، ويقول كذلك عمر بن عبد العزيز تحدث للناس أقضية بحسب ما أحدثوا من الفجور، إذاً هذه القضايا على الفقيه أن يوجد حكما لها، ليس بالشرط أن يكون على الحكم في طريق التيسيير، الحكم قد يكون تيسييرا لكنه قد يكون أيضا ضد التيسيير، التيسيير يجب أن يكون منضبطا.

عثمان عثمان: الالتزام بالأحكام الفقهية فضيلة الشيخ ما دوره في إبراز الشخصية الإسلامية سواء للفرد أو للجماعة؟

عبد الله بن بيه: هو مهم جدا أن الإنسان تكون له خصائص ومقومات وقيم يؤمن بها لأنه بدون هذه القيم يفقد هويته الأصلية وبالتالي يذوب ويندمج في المجتمع اندماجا عشوائيا إذا صح التعبير، اندماجا أعمى وبالتالي الآن هناك المشكلة الاقتصادية الآن في الغرب بعض الغربيين وأظن سمعتها من الدكتور عبد المجيد الذي هو معي وقد يصحح، قال لهم أيها المسلمون احتفظوا بخصائصكم في المعاملات المالية لأن هذه أفضل، عليكم ألا تتنازلوا عنها لأن الغرب الآن مقبل على المصرفية الإسلامية على المالية الإسلامية بسبب الفلس الذي وقع في الأزمة الاقتصادية الكبرى والتي مردها إلى بيع الديون ومردها إلى الغرر والجهالة، القمار، ومردها إلى الربا، هذه كلها هي المفسدات التي وضعها الشارع وقال هذه لا يجوز التعامل بها، الغربيون الآن أفاقوا ووجدوا أنفسهم في اقتصاد لا يمكن أن يكون بسبب هذه العيوب وبسبب هذه الأمراض، فبدأ بعضهم عقلاء أو رجال فكر أو رجال اقتصاد بدؤوا يلجؤون إلى الاقتصاد الإسلامي، محل الشاهد أن الخصائص هذه يجب ألا يتنازل عنها الإنسان، بمعنى كلما هبت ريح لا يجوز لنا أن نرمي أوراق الشجرة أو نرمي الريش إذا كان عندنا ريش، علينا أن نحاول أن نقف أمام هذه الريح ولكن بشيء من المرونة أن نميس مع هذه الرياح بشيء من المرونة، فقه الأقليات..

سلمان العودة:: أصلها ثابت وفرها في السماء.

عثمان عثمان: نعم. فقه الأقليات يوفر هذه المرونة، يوفر المخارج لهذا كان فقه الأقليات حدثا هاما جدا لأنه هو فرع هذه المخارج للمسلمين وعلمهم كيف يسيرون وكيف يتعاملون فيما بينهم وكيف يتعاملون مع الآخر وبالتالي أبان لهم السبل وأوضح لهم الطريق.

سلمان العودة: أحب بس أستاذ عثمان أولا مسألة التحديات قبل ما أنسى.

عثمان عثمان: تفضل.

سلمان العودة:  أعتقد أن هذا لون من التحديات ولكن في لون آخر وهي التحديات التي حملها المسلمون معهم إذا كانوا قادمين من بلاد أخرى وهذه لا تقل خطورة فأنت تجد أن كل العيوب الموجودة في البلاد الإسلامية والمجموعات الإسلامية سواء كانوا من البلاد العربية أو من الهند أو بنغلاديش أو من تركيا أو من إيران أنهم حملوا معهم عيوبهم وحملوا معهم جوانب من الثقافة السلبية الموجودة هناك، ولذلك تجد مثلا من أكثر التحديدات قضية الخلاف بين المسلمين، لما ننظر مثلا في قضية الهلال دخول رمضان وخروج رمضان، أحيانا في البلد الواحد يعني يصومون على فترات ثلاثة أيام، أو يعيدون عيد الفطر في أيام مختلفة، حتى العيد كيف يفرحون به أو العبادة كيف يؤدونها لم يصل المسلمون إلى نوع من الاتفاق بينهم، هذا فقط نموذج وطبعا في جوانب أخرى مثلا لو نظرنا في قضية الزواج، الزواج تحدي صعب جدا في الغرب، كيف يتزوج الإنسان الشباب والبنات الذين أمامهم المغيرات يعني تقول هيت لك في كل مكان، مع ذلك فكرة التزويج كيف يمكن أن تتم، يا أخي بعض المسلمين تجد أنه يخطط أنه إذا البنت بلغت يحاول أن يرجع بها إلى بلدها حتى يزوجها هناك.

عثمان عثمان: وهذه تحصل كثيرا.

سلمان العودة: أو إذا أراد الولد أن يتزوج يقول له ترجع إلى بلدك لتتزوج من بلدك. وخلال هذا يقع الكثير من الانحرافات وكثيرا من الأخطاء، فهذه نقطة، قضية التحديات التي حملها المسلمون معهم من بلادهم وربما حتى لم يستفيدوا من البيئة الأوروبية، أوروبا هنا طورت نظاما راقيا في قضية التعامل مع التعدد والاختلاف ولذلك نجحت في ضبط هذه الخلافات ولجمها وتحويلها إلى مصلحة.

عثمان عثمان: هذه النقطة الأولى فضيلة الدكتور، النقطة الثانية ربما نتابعها بعد الفاصل. فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام أهلا وسهلا بكم من جديد إلى هذه الحلقة الجديدة من برنامج الشريعة والحياة والتي تأتيكم من اسطنبول وعنوانها تطبيقات الفقه الإسلامي في الواقع الغربي. فضيلة الدكتور كنتم تتحدثون عن تحديات تواجه المسلمين في الغرب، تحديات حملوها معهم. النقطة الأخرى؟

سلمان العودة: نعم. كان عندي نقطة أخرى وهي أن سماحة الشيخ عبد الله بن بيه ذكر كلمة عمر بن عبد العزيز الذي يقول يجد للناس من الأقضية بقدر ما يجد لهم من الفجور، وهذا كأنه يشير إلى عملية الردع أحيان أو المنع، منع الناس من الحمى أو الكلأ المسموم بسبب وجود الدوافع والمغريات لهم، ولكن في الوجه الآخر الذي أيضا ذكره الشيخ..

عبد الله بن بيه: كما تحدث لهم ترغيبات بحسب ما أحدثوا من الفتور.

سلمان العودة: من الفتور، أي أبو سعيد بن لب الذي هو شيخ الشاطبي

عبد الله بن بيه: نعم تمام.

سلمان العودة: يقول يحدث للناس ترغيبات بقدر ما يحدث لهم من الفتور، وهذا حقيقة ممكن أن يكون فتح في الفقه الإسلامي، أن الفقه ليس فقط ملاحقة أحوال الناس في القضايا التفصيلية بل الفقه ممكن أن يصنع دافعية للناس، الغرب عالم يضج بالابتكارات عالم الثورات التقنية المتلاحقة التي شهدتها أوروبا ثم انتقلت إلى أميركا ثم انتقلت إلى اليابان وفي الماضي تجد عبر مثلا سبعة آلاف سنة ربما يمر الناس بقرون متطاولة دون أن يكون عندهم جديد، لكن الآن كل بضع سنوات ربما يكون هناك ثورة تقنية جديدة يشهدها العالم وتغير وجه التاريخ ووجه الحياة الإنسانية في كل بلاد العالم، فالحق يقال إنني أعتقد أن مهمة الفقه لا يجب حصرها في جزئيات معينة بل ينبغي أن تتطور من أجل تصنع دافعية عند المسلم خاصة في الغرب أن يشعر بالتحدي، لا ينظر، لأن الواقع كثيرا من المسلمين ينظرون إلى الغرب على أنه ذلك الغرب الكافر، بينما في الواقع أن هذه الحضارة هي ليست حضارة كافرة، هي تراكم إنساني، هي إنتاج رائع لإبداع الإنسان عبر عصور متطاولة والعرب الفراعنة المصريون المسلمون اليونان الكل ساهم في إبداع هذه الحضارة وإنجازها فليست هي محمدة لفرد دون آخر أو شعب دون غيره، ومن هنا النظر إلى الجوانب الإيجابية في تلك الحضارة والدخول في ميدان المنافسة أعتقد أنه مهمة جسيمة من مهمات الفقه.

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني كان الحديث وما زال عن الأقليات الإسلامية في الغرب طبعا هذا المصطلح ربما يثير إشكالات مع الأنظمة الحاكمة في الغرب، الحديث عن فقه الأقليات والذي بشكل أو بآخر يميز المسلمين في الغرب عن غيرهم ويعكر المواطنة إذ كيف يكون المسلمون جزءا من أمة إسلامية كبيرة وفي نفس الوقت يعني هؤلاء المسلمون جزء من الدولة التي يعيشون فيها؟

سلمان العودة: هو هذه مشكلة فعلا أنا أعتقد أن الإعلام الغربي مسؤول جزئيا عن هذه القضية، في الأسبوع الماضي أو هذا الأسبوع الذي نحن فيه في أميركا في زوبعة شديدة حول فتوى تتعلق بتعامل المسلمين ومواقفهم في قضايا شخصية، بينما ربما القانون القانون نفسه يضمنها لهم من حيث الأصل لكن الإعلام أحيانا وخاصة إذا كان إعلام هوليودي أو إعلام يسيطر عليه بعض الصهاينة يحاول أن يبدو المسلمون كما لو كانوا جزيرة مستقلة في وسط هذا البحر المحيط بهم، وإلا هذه أشياء حقوق لهم تتعلق مثلا بجوان شخصية جوانب تعبدية جوانب مهمة ودينية للمسلمين يفترض أن القانون يحفظ لهم تلك الحقوق وأظن أننا حينما نتكلم عن فقه الأقليات لا يجب أن يذهب بنا الظن بعيدا أن فقه الأقليات يعني فعلا صناعة أسوار للمسلمين، بالعكس فقه الأقليات هو ذلك الفقه الذي يساعد المسلمين على التكيف وعلى الاندماج والتعايش في المجتمعات الغربية دون أن يفقدوا هويتهم الإسلامية ودون أيضا أن يتحولوا إلى حالة من الجمود والانكفاء على الذات.

فقه الأقليات وأثره على مسلمي الغرب

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور يعني هناك كما ذكرتم تحديات كثيرة تواجه المسلمين تثير مشكلات حتى مع الآخرين بفضل الخصوصيات الإسلامية يعني نتحدث عن إظهار الشعائر والرموز الإسلامية كالمآذن والخمار، نتحدث مثلا عن ازوداجية الشريعة والقانون، العمل في محلات بيع الخمور وغيره والبنوك الربوية، يعني هناك مسائل كثيرة كيف تتعاملون من خلال وجودكم في الغرب مع مثل هذه الإشكالات والمسائل؟

عبد المجيد النجار:  نتعامل معها بهذا الفقه الذي نتحدث عنه والذي سميناه وسمي بفقه الأقليات فهذه أوضاع قد يجد المسلم فيها فردا أو جماعة في حرج أو في ضرورات وأحيانا في مخالفات لما تقتضيه أحكام الشرع فبالتالي لا بد من أن تكون له أحكام شرعية تعالج هذه الأوضاع وهذه الحالات ومن هنا حدث منذ بعض الزمن هذا المصطلح الذي هو مصطلح فقه الأقليات، ولا مشاحة في المصطلحات، هذا الفقه أمر ضروري وأمر مشروع بالرغم من أن البعض له احترازات من هذا المصطلح.

عثمان عثمان: هناك من سماه دينا جديدا.

عبد المجيد النجار:  نعم. إلا أن هذا الفقه ينبغي أن نتصور -فقه الأقليات- أنه ليس فقها معزولا أو مبتوتا عن الفقه الإسلامي بل هو ضمن الفقه الإسلامي في مقاصده في أصوله في قواعده، ولكنه فصل من فصول هذا الفقه، كما نجد فقه المسافر وفقه المرأة الذي يعتبر ويأخذ بعين الاعتبار لحالات تتعلق بهذه الأصناف من المسلمين فإننا نجد فقه الأقليات الذي يتعلق بهؤلاء المسلمين من ذوي الخصوصيات في أوضاعهم الحياتية إلا أننا نحن الآن وربما نتحدث بعد قليل عن المجلس الأوروبي للافتاء أصبحنا نفهم ونعمل في فقه الأقليات على أنه ليس فقها يقتصر فقط على الفتوى الجزئية المتعلقة بتفاصيل صغيرة من حياة المسلمين وهي مهمة، كتفاصيل بعض العبادات أو بعض أحكام الأسرة، بل مع هذا وهو أمر ضرورية أصبحنا نفهم وندعوا ونتجه في فقه الأقليات إلى وجهة كان منذ حين يتكلم عنها فضيلة الدكتور سلمان وهي ما سميناه أحيانا بالفقه الحضاري، بمعنى أننا نريد أن نوجه المسلمين في أوروبا بفقه وبفتاوى تدفعهم لأن يكونوا شركاء حضاريين في هذا المجتمع الذي يعيشون فيه بحيث يوائموا حياتهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية مواءمة إسلامية فينتجون، فيصبحون بهذا التوجيه الافتائي أو الفقهي يصبحون منتجين ومعمرين ومشتركين مع دولة المجتمع في التنمية الحضارية والتنمية الإنسانية بأبعادها المختلفة.

عثمان عثمان: ولكن ألا ترون أن فقه الأقليات فضيلة الدكتور ربما يؤثر على عالمية الإسلام؟

عبد المجيد النجار:  لا، لا يؤثر على عالمية الإسلام، الإسلام هو عالمي والفقه الإسلامي يشمل هذه العالمية بأبعادها المختلفة ولكن هذا الفقه ضمنه فروع وفصول تراعي الأوضاع التي يكون عليها المسلمون في هذا المكان أو ذاك في هذا الوضع أو في ذاك، فالعالمية قائمة ولكن بمقتضى تنوع العالمية يكون تنوع هذه الفصول من الفقه في نطاق الفقه الإسلامي العام في مقاصده في قواعده في أصوله.

عثمان عثمان: يعني فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه طبعا نعرف أن فقه الأقليات تعرض لسهام هناك انتقادات من البعض لهذا الفقه، لو أردنا أن نؤصل المسألة علام تأسس فقه الأقليات؟ ماهي الأسس التي قام عليها والقواعد؟

عبد الله بن بيه: فقه الأقليات كما قال الإخوة هو جزء من الفقه الإسلامي لكن بناء على الإكراهات أو الضرورات الخاصة بهذه الأقليات هناك جملة من القواعد تنطبق على هذا، خذ مثلا قاعدة المشقات تجلب التيسير، خذ قاعدة الضرورات تبيح المحظورات خذ قاعدة الحاجات تنزل منزلة الضرورات، خذ قاعدة النظر في المآلات، خذ قاعدة تحقيق المناط في الأشخاص والأحوال، جملة من القواعد هذه القواعد تنطبق في كل الفقه في الأقليات والأكثريات، ولكن مساسها بحالة الأقليات إذا أردنا نجعلها تأصيلا لفقه الأقليات بمعنى أن هذه الإضافة ليست إضافة تؤدي إلى تخصيص كامل بل هي إضافة الشيء إلى ما له به علاقة، العرب يقولون

وقد يضيفون لأجلها ملتبس
ككوكب الخرقاء لاح بقبس

شاعر يقول

يا كوكب الخرقاء لاح بسحره
سهيل أذاعت غزلها بالقرائب

سهيل نجم في السماء نسبه إلى زوجته الخرقاء التي لا تعرف الغزل، فسماه كوكب الخرقاء. ما هي العلاقة بين هذه المرأة.. وفي القرآن الكريم {..عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا..}[النازعات:46] أضاف العشية إلى الضحى، فلا يوجد إشكال، علينا أن نفهم أن هذا الفقه هو عبارة عن فقه إسلامي له مساس بحالات الضرورة والاضطرار وبحالات الحاجات وبحالات المشقات وهو ينقسم إلى فرقين كبيرين، فرق يتعلق بقضايا جزئية وفرق يتعلق بقضايا كلية، وبقضايا أحيانا استصلاحية، بمعنى أن تأصيل هذا الفقه يرجع إلى الأصول المعروفة التي هي الأخذ من الكتاب والسنة مقتضيات الألفاظ أو القياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان والنظر في المآلات كل هذه أدلة عامة للفقه الإسلامي ولكن لها جوانب نطبقها في مجالات فقه الأقليات عندما نريد تطبيقها، والفرق الآخر أو الجانب الآخر هو فقه انتقائي بمعنى أننا ننظر إلى أقول العلماء السابقين وآراء السلف لنأخذ منها ما يناسب أحوال هؤلاء، مثلا خذ عندك المرأة تسلم وزوجها نصراني، يعني المذاهب الأربعة يقولون هذا النكاح يبطل سواء فورا أو بعد انقضاء العدة، لكن وجدنا أقوالا بما فيها أقوالا لاثنين من خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، لعمر وعلي بن أبي طالب يقولون ببقاء هذا النكاح وأنه أصبح نكاحا جائزا وليس لازما، معنى جائزا معناه أنه يجوز لها هي أن تقطع هذا النكاح إذا شاءت، هذا هو معنى الجواز هنا، فنحن أخذنا بهذا بفقه الأقليات، إذا هذا الجانب الانتقائي أي اختيار بعض الأقوال بناء على حاجات وضرورات أقوال قد تكون في وقت من الأوقات مرجوحة ولكنها أصبحت الآن راجحة، كانت مرجوحة لا بسبب عدم الدليل لأنها ليست عالية عن الدليل ولكن بسبب توازن بين الأدلة أو ضعف في جانب من الأدلة.

عثمان عثمان: فعلا يعني هذه مسألة البعض يرى أنها تناقض فقه الدليل والراجح من الأقوال.

عبد الله بن بيه: لا، يجب، القضية هي قضية صناعة، هذا سببه الضيق، ضيق المعرفة وعدم القدرة على رؤية الخارطة الشرعية بكمالها. إذا كان الإنسان يعرف كيف يرجح، نحن عندنا ترجيح القول الضعيف بثلاثة شروط، ألا يكون ضعيفا جدا وأن تعرف نسبته إلى قائله وأن تدعو إليه حاجة، هذا عند المالكية. يعني عندنا جملة من القضايا من الصعب جدا أن أجملها لك، يعني ممكن أن ترجع إلى كتابي صناعة الفتوى وفقه الأقليات لترى هذا التأصيل الذي نعيش عليه في فقه الأقليات من سنوات منذ أنشأنا هذا المجلس ولله الحمد قمنا والضمير هنا للجميع وليس لي شخصيا، قمنا جميعا بإيجاد كثير من الآليات للتعامل مع النصوص الشرعية، سواء كانت نصوصا من الكتاب والسنة مثلا الشفق ما هو الشفق، البيضا والحمرة، الحديث كيف نفسر هذ الحديث؟ بالتعامل مع أقوال الفقهاء بالتعامل مع الأصول التي هي أوعية الاستنباط التي تستنبط منها الأحكام، هذا العمل يحتاج إلى صنعة إلى تعمد إلى أن يكون الفقيه قادرا على الاستثمار، كما يسميه أبو حامد الغزالي استثمار الأصول المثمرة، أن يكون قادرا على الاستنباط أن يكون قادرا على استخراج المسائل بدون هذا لا يستطيع هو سينكر لأنه لا يعرف هذه القضية لأنه يجهلها، هذا هو السبب الذي جعل بعضهم يرى أن هذا الفقه خارج عن الشرع ولما ناقشنا بعضهم سكتوا..

عثمان عثمان (مقاطعا): فضيلة الشيخ يعني يبدو أن الموضوع طويل وكبير جدا والوقت ضاق لم يتبق مع إلا سبعة دقائق ولذلك أريد أن أمر على المحاور والأسئلة بشكل إيجابات مختصرة.

سلمان العودة: أنا نصيبي من الوقت سأدعه لتعليق سريع في قضية نشأة فقه الأقليات، يمكن أن نقول سماحة الشيخ والدكتور أن فقه الأقليات هو أسبق من غيره في الوجود، بمعنى أن الفقه هذا مرتبط بالتمكين ومرتبط بفقه التمكين في بعض جوانبه، فقه الاستطاعة. المسلمون في مكة قبل الهجرة كانوا قلة ولذلك كان في بعض الأحكام التي نسخت ولكن في أحكام أخرى لم تنسخ وإنما يعتمد الأمر على القول بها أو القول بغيرها على وجود اعتبارات واقعية وقدرات وإمكانيات عند المسلمين وهكذا المسلمون في الحبشة كمثال حتى بعض الهجرة إلى المدينة، في أحكام كثيرة لم تبلغهم وفي أحاكم لم يكلفوا بها بحكم أنهم يعيشون في مجتمعات مختلفة، فأنا أعتقد أن فقه الأقليات هو من أعظم الأدلة على عظمة الإسلام وعلى خلود الإسلام وعلى حيوية الفقه الإسلامي وقدرته على إنتاج الحلول للمشكلات الطارئة.

عثمان عثمان: يعني نتحدث هنا بشكل موجز فضيلة الدكتور البعض يرى أن فقه الأقليات دليل على أن المسلمين غير قادرين على الاندماج في الواقع المعاصر، غير قادرين على التعايش مع غيرهم من غير المسلمين.

سلمان العودة: هو قد يكون بعض المسلمين لأن كثيرا ممن ذهبوا إلى أوروبا ذهبوا عمال في البداية، تخيل مثلا الأتراك في ألمانيا أو المغاربة في فرنسا يعني كثيرا من هؤلاء ذهبوا قبل أجيال وهم عبارة عن عمال ثم توالدوا هناك ولكن الأولاد أصبحوا أطباء وأصبحوا مهندسين وأصبح منهم مثقفون ومفكرون ولذلك أعتقد أن واقع المسلمين نحن لا نريد أن نقول إن المسلمين هم استثناء من السنن الربانية في أن الشعوب تعيش حالات من الضعف في مجتمعاتها ولما تنتقل تنقل معها هذا الضعف ولكن في تحولات إيجابية في واقع المسلمين فقه الأقليات هو يساعدهم على النهوض.

عثمان عثمان: نعم. فضيلة الدكتور لماذا الإصرار على أن المسلمين أقلية منعزلة في الغرب وفقه أقلية لهذه الفئة القليلة مع العلم أن المسلمين كما ذكر في سياق الحلقة أصبحوا جزءا لا يتجزأ من المجتمع الغربي، أصبحوا مساهمين إلى حد كبير، يعني لم يعودوا مهاجرين فارين بقدر ما أصبحوا يعني مواطنين مستقرين، لماذا الإصرار على أن هناك أقلية مسلمة في الغرب؟

عبد المجيد النجار:  كون هناك أقليلة مسلمة في الغرب هذا واقع، هذا وصف لواقع، ولكن بالنسبة لفقه الأقليات هو وجد من أجل أن تكون هذه الأقليات مندمجة في المجتمع وليس العكس كما أشرت أنت منذ حين، هو فقه الأقليات هو الذي يوجد الأحكام الشرعية التي تجعل هؤلاء المسلمين يتعايشون مع المجتمع ولكن وفق حلول شرعية مقبولة مبنية على أصول وعلى أدلة، فتحل لهم هذه المشاكل التي يعانون منها أفرادا وجماعات في علاقتهم بهذا المجتمع، ففقه الأقليات دوره هو هذا، وليس دور الفقه أن يكون فقها للمسلمين فقط بل هناك خطوة أكثر من هذا، نحن نريد من فقه الأقليات في بعض الأبواب وفي بعض القضايا أن يكون فقها للمجتمع بأكمله الذي يعيش فيه المسلمون ليس للمسلمين فقط، هو نريد أن نقدم حلولا فقهية إسلامية تحل مشاكل المجتمع وأكبر دليل على هذا ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية الآن، الفقه الإسلامي فيه أحكام كثيرة تتعلق بالاقتصاد وبالمصرفية الإسلامية فنحن الآن نريد أن يكون من هذا الفقه الاقتصادي والمصرفي أن نجعل منه حلولا للمجتمع الذي نعيش فيه في فرنسا أو في أوروبا بصفة عامة ونسهم في حل هذه المشكلة المشكلة الاقتصادية بهذا الفقه، إذاً الخلاصة هو أن هذا الفقه يساعد على اندماج المسلمين في المجتمع ولكن بحيث يكونون مسلمين ولا يذوبون ولا تذوب هويتهم في هذا الخضم الاجتماعي الذي يعيشون فيه.

عثمان عثمان: فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه في دقيقة المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث جاء تأسيسا على فكرة فقه الأقليات، يعني ما الوظائف التي يؤديها هذا المجلس اليوم.

عبد الله بن بيه: هو كما قال الأخ، هو جاء للتوسعة عن المسلمين يعني المسلم أحيانا يكون في ضيق في دينه ويشعر بهذا الضيق وقد يأتيه مفتي من البلاد الإسلامية ويقول لا تشارك في الانتخابات لا تستوطن هذا حرام، فهو في ضيق، فقه الأقليات والمجلس يعطيه سعة لدينه يعطيه قدرة على التكيف قدرة على التوطن لأن المسلم هو إنسان عالمي جاء بالحديث الذي يرويه الإمام أحمد “البلاد بلاد الله والعباد عباد الله فحيثما أصبت خيرا فأقم” إذا ينظر إلى العالم كأنه كله، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الآخر “جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل” كل الأرض، فالمسلم هو عالمي بطبيعته ودينه دين عالمي ولا يجوز له أن يتقوقع، هو أخرج للناس هو شاهد وليس مشاهد، يعني ليس فقط يشاهد هذه الحضارة ولكنه يشترك فيها، هذا الذي نريد من فقه الأقليات ليس هو الحرج والضق وإنما هي السعة، ولكنها سعة الإسلام وليست سعة الهوى.

عثمان عثمان: فضيلة الدكتور في دقيقة، هل ترون أن المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ساهم في معالجة الكثير من قضايا المسلمين في الغرب وإشكالاتم وساهم في تيسير حياتهم أيضا.

سلمان العودة: هو الحق إن المجلس يعتبر من التجارب الناجحة بشهادة كل الناس الذي اقتربوا منه، بل حتى بعض الجامعات في أوروبا أصبحت تكل إلى طلابها رسائل ماجستير ودكتوراه في بعض إنتاجات وبحوث وفتاوى هذا المجلس، فالمجلس يعتبر من المشاريع والتجارب الناجحة عبر فترة طويلة يعني، ونموذج جيد وهذا لا يعني أنه ليس قابلا للتطوير، بل القائمون عليه كلهم يحلمون بأن يحقق قفزات في المستقبل أكبر وأن يصل إلى المستوى اللي ذكرناه قبل قليل في مسألة تحفيز المسلمين على الشهود الحضاري يعني.

عثمان عثمان: طبعا الموضوع بحاجة إلى بحث طويل، أشكركم فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه، الدكتور عبد المجيد النجار -وإن كنت قد ظلمتك بالوقت بعض الشيء اعذرني- وفضيلة الشيخ الدكتور سلمان العودة على حضوركم معنا في هذه الحلقة. كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة أنقل لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب وسائر فريق العمل دمتم بأمان الله.

في حوار مطول وخاص مع عكاظ : هربت من الرئاسة بجلدي لأطفئ حرائق الأمـة

 

حوار: بدر الغانمي 

لم أتوقع أن يخرج حديثي مع الشيخ عبد الله بن بيه (وزير العدل الموريتاني الأسبق) استثنائيا في ظل حالة التردد والرفض التي فرضها على نفسه، وتصريحاته منذ طلاقه السياسي بعد الانقلاب العسكري الناجح الذي أسقط حزب الشعب الحاكم والذي قاده الشيخ كأمين عام وصاغ فكره السياسي، وأطاح بأول رئيس موريتاني بعد الاستقلال الراحل مختار ولد دادة.. 

حاولت، على مدى يومين، أن أبتعد عن قضايا المسلمين في الغرب، التي أشبعها -معاليه- طرحا في مختلف وسائل الإعلام؛ بحثا عن تفاصيل الوزير، الذي تسبب إعلانه شخصيا عن تطبيق الشريعة في موريتانيا، في بدء حقبة الانقلابات العسكرية المتتالية على السلطة في بلاده، والذي خرج من زاوية والده الدينية، الرجل الذي قتل قائد الحملة الفرنسية على موريتانيا. 

اعترف بتهميش الجيش وعدم أخذ رأيهم في قرار تطبيق الشريعة الذي تسبب في انقلابهم على حكومة الرئيس ولد دادة، وأوضح أن انقلابهم كان متوقعا بعد حربهم ضد جبهة (البوليساريو)، وقال إن تفرد حزب الشعب بالسلطة ورفضه للتعددية السياسية في السبعينيات كانت مبررة، وإن محاكمته حاليا من بعض خصومه غير عادلة..

بن بية الذي أنضجته السياسة وأنضجها بمواقفه، أبدى قلقه المتزايد من تصاعد الجدل وعنصرية الطرح الدائرة حاليا بين عرب الشمال وأفارقة جنوبي البلاد، وحذر إيران من مغبة التدخل في أفريقيا كدولة رسالية. الشيخ الذي اعتاد ألا يحمل نقودا ولا يلبس ساعة منذ طفولته، يروي لنا مراحل النشأة وخروجه للحياة في ظل وجود المستعمر الفرنسي وامتداد مخالب الفرانكفونية على ثقافة الشعب :


نشأت في بيئة دينية وعلمية، كانت نتاجا للتقسيم التاريخي منذ خمسة قرون بين العائلات التي تحمل العلم والأخرى التي تحمل السلاح. فتكون السيادة في البلاد إما للقلم والعلم أو للقوة والسيف في ظل عرف اجتماعي وتصالح جعل الاثنين يسيران معا.. فأسرتنا جزء من الجانب العلمي، ووالدي -رحمه الله- كان يرأس مؤتمر العلماء الموريتانيين الذي اجتمع بعد الاستقلال والذي كان قد طالب بمقاطعة عملية للمستعمرين، وقرر ألا يدرس أولاده -وأنا واحد منهم- في المدارس الفرنسية. أزعجت شدته في الحق، عندما كان يتولى القضاء، الفرنسيين؛ لأن أحكامه كانت نافذة في ظل المستعمر، وكان أشبه بالوالي أخذا بما قاله العز بن عبد السلام وغيره من أنه «إذا احتل قطر من أقطار المسلمين فإن عليهم أن يولوا قاضيا منهم يحكم بالشريعة»، فكانت أحكامه تنفذ بقدر ما تيسر في المعاملات والأحكام الشخصية؛ لأن المستعمر كان يحتكر القوانين العامة كقانون العقوبات والأمن وغيره. ولأن الإنسان حصيلة من التأثرات فقد تأثرت بالوالد (رحمه الله) كثيرا، كما كان هناك شيخي وشيخ والدي في اللغة العربية، الذي أعتبره (سيبويه زمانه) الشيخ أحمد بن سالم الشيخ، وزد على ذلك تأثير العالم الذي انفتح علينا فجأة حين كنا في حالة انعزال في الصحراء خصوصا بعد الاستقلال.

 

• الغريب أنك تعلمت الفرنسية دون مدرسة؟

ــ لم أذهب إلى المدارس الفرنسية نزولا عند رغبة الوالد في مقاطعة المستعمر، وتعلمتها عندما كانت بلادنا على وشك الاستقلال وبحاجة ماسة إلى نخبة من الشباب الذين يتولون المحاكم بعد ذهاب المستعمر، فاستدعيت مع مجموعة من العلماء بعد إجراء الاختبارات اللازمة، فكنت من أوائل الطلاب، وذهبنا إلى تونس لدراسة القانون في كلية الحقوق والتدريب في المحاكم التونسية، وعندما عدنا من تونس وتوليت القضاء في محكمة الاستئناف، بعد أن مررت في الوزارة كرئيس لمصلحة الشريعة الإسلامية، وكان الفرنسيون موجودين في هذه الفترة معنا في المحاكم، لم تكن هناك وسيلة لتدارس القانون والتعامل مع القوم والإدارة إلا باللغة الإدارية؛ وهي الفرنسية، فلم أجد عناء كبيرا في تعلمها بجهود ذاتية من خلال المطالعة بشيء من الاهتمام والتركيز. وعندما دخلت الحكومة لم يكن عندي إشكال في اللغة الفرنسية والحمد لله.


• وهذا يفسر الصراع الدائر -آنذاك- بين دعاة العربية والمتفرنسين من الفرانكفونيين؟

ــ من المؤسف، أن الشعب كله يتكلم العربية والحسانية لكن لم يكن لها رواج آنذاك. وكانت العربية هي لغة النخب المثقفة، وفي المقابل كانت هناك نخب فرانكفونية لا تتكلم العربية، وفي كل الدوائر لم يكن هناك شيء باللغة العربية. 

 

• ما التأثير الذي تركه عليكم حقيقة أن أحد تلاميذكم (الشريف ولد مولاي الزين) هو من قتل قائد القوات الفرنسية المحتلة؟

 

ــ كان عملا وطنيا كبيرا، والرجل من زاوية ينتمي إليها والدي، وكان تلميذا للشيخ محمد أحمد الخلف الموجود في منطقة أدرار، فأتاه وهو في طريقه لتنفيذ عملية قتل (كوبرلاند) القائد الفرنسي الأول الذي احتل البلاد، فقتله في مدينته الجون وكان معه مجموعة من الناس على الجمال وتحركوا في هذه البلاد الصحراوية الشاسعة حتى وصلوا إلى المدينة، فوجدوا الحراس على الطعام فقتلوه فورا.

 

• مع أن الموريتانيين لم يتعرضوا لنار الاستعمار الفرنسي، كما تعرض له الجزائريون والمغاربة؟

ــ علينا أن نعود إلى التاريخ لنفهم أسباب استعمالهم سياسة الأرض المحروقة في الجزائر، بينما لم يحدث ذلك في موريتانيا؛ لأنهم كانوا يريدون أن تكون بلادنا تأمينا لمعبر من أفريقيا السوداء إلى أفريقيا الشمالية، ولهذا تأخر احتلالهم لبلادنا كثيرا، وتم توقيع الاتفاق مع الفرنسيين عام 1912م في السنة التي وقع فيها المغرب أيضا اتفاق الحماية معهم. 


• يقال إن معارك الموريتانيين العسكرية انتهت مع خروج الفرنسيين، وبدأت أنت بحمل السلاح الفكري ضد الشيوعيين، ودخلت معهم في مواجهات طاحنة؟

ــ إشكاليات موريتانيا في تلك الفترة تمحورت أولا في التعريب، وتفاقمت في هذه الأيام مع الأسف الشديد، وكانت النخب الوطنية تريد التعريب وأنا منهم، وتشرفت بإلقاء أول خطاب في يوم المحاكم باللغة العربية، وعندما توليت القيادة السياسية في حزب الشعب الحاكم غيرت الأسلوب، فكان أول خطاباتنا باللغة العربية لدرجة ان أحد الصحافيين جاءني يطلب الأصل بالفرنسية، فأخبرته أن الأصل باللغة العربية، والإشكال الثاني مع الحركة اليسارية الشيوعية وكانت مواجهاتنا معها عندما دخلت الحكومة مواجهة فكرية وليست أمنية، فأحدثنا برنامجا أسميناه (المناضل المسلم) ومجلة أسميناها (البرهان)، وكان معي أخ جزائري من شباب الصحوة ويعمل كشعلة نشاط، وللأسف أنه ذهب مع تيار آخر. وفي تلك الفترة كانت علاقاتي مع الجزائر قوية جدا، خصوصا مع وزير الشؤون الإسلامية مولود قاسم (رحمه الله) وقدنا شبه صحوة فكرية وطنية لمواجهة تغريب المجتمع، وأظن مع الجهود التي قمت بها مع غيري استطعنا أن نبطئ من حركة اليسار بشكل مؤثر عندما واجهنا فكرهم بالإسلام الذي يمكن أن يقدم الحل من عام 1971م إلى أن تركنا الحكم عام 1978م بعد الانقلاب، وكان الرئيس مختار ولد دادة (رحمه الله) على استعداد لأن يقوم بالخطوات الضرورية، لدرجة أن الشباب اليساريين أنفسهم انضموا إلينا في النهاية في حركة وطنية واحدة، كما ساهمت جهود الملك فيصل (رحمه الله) ورابطة العالم الإسلامي التي عقدت أول مؤتمر لها في أفريقيا في ذلك الوقت في نواكشوط، وكان لي شرف ترؤس هذا المؤتمر، بدورها في ذلك، وجاءنا عدد من المحاضرين كالشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) والشيخ المبارك وأحمد محمد جمال وآخرين، فرفدونا فكريا ودعويا.


• توجهك السياسي، هل انطلق تضامنا مع الرئيس ولد دادة وانتهى معه، أم ماذا؟

ــ الموريتانيون يحبون السياسة، وهم سياسيون بطبيعتهم، وأنا كنت في حراك سياسي حتى قبل استقلال بلادنا عام 1960م؛ فقد تعاطفنا مع ما يجري في الجزائر ثم استقلال المغرب، وفي عام 1958م ذهبت مع أربعة آخرين تم اختيارهم من كل المناطق إلى الخارج، فأوقفنا الفرنسيون في داكار ورفضوا السماح لنا، فالحس السياسي لدي بدأ مبكرا، ثم جاءت تجربة حزب الشعب وكنت في موقع قيادة وصياغة للفكر وعلاقتي مع ولد دادة حميمة جدا، والتقينا لأول مرة عام 1958م واستمرت علاقتنا لتقارب الأفكار بيننا في الكثير من الأمور وحظيت بثقته لتولي القيادة المركزية للحزب عندما تولى رئاسة البلاد، إضافة إلى عدد من المناصب الوزارية.


• لكنكم رفضتم التعددية السياسية، وظللتم تحكمون كحزب أوحد في البلاد؟

ــ هذه الفترة لها ظروفها الخاصة في ظل انقسام العالم إلى شطرين؛ غربي وشرقي، فالدول العربية والأفريقية المستقلة مالت في التنظيم إلى الجانب الشرقي الذي لا يفتح كثيرا مجالات التعددية، ثم إنها دول حديثة العهد، فلو سمحت بالتعددية في وجود إثنيات وتيارات مختلفة لانفجرت، وهذا من أسباب ألا يكون في الجزائر -في ذلك الوقت- إلا حزب التحرير وفي موريتانيا حزب الشعب وفي السنغال الحزب التقدمي الذي سمح بوجود حزب آخر فكانت السنغال سباقة في هذا المجال، وعلى الناس أن يفهموا الأشياء في محيطها؛ لأن هناك من يريد أن يحاكم تلك الفترة، بل يوجد في موريتانيا من يتخاصم معها إلى الآن، والتاريخ في ذلك الوقت خلاف لتاريخ هذا الوقت.


• ما الذي دعاكم إلى اقتراح إنشاء وزارة للشؤون الإسلامية في تلك الفترة التي كان فيها التحسس عاليا وصداميا من كل ما هو ديني؟

ــ هذا الأمر تم في ظل ظروف داخلية ودولية، عندما بدأت تظهر معالم منظمة المؤتمر الإسلامي، وكنت في الوفد الذي مثل موريتانيا عام 1969م لأول اجتماع لوزراء خارجية الدول الإسلامية، وكان السيد عمر السقاف (رحمه الله) وزيرا للدولة للشؤون الخارجية في المملكة، فعندما غادر وزير الخارجية الموريتاني ترأست أنا وفد بلادي ولم أكن قد دخلت الحكومة بعد. فاقترحت أمورا عدة واتفقت مع وزارة الخارجية السعودية فيها عندما اقترحت لبنان وتركيا أن يكونا (دولا مشاركة) لا (دولا أعضاء)، وفي ذلك الوقت فعلا كان هناك نوع من الحذر والقلق من شيء اسمه (الدين) فقلت: إن هذا الأمر ليس مقبولا، ووافقني السيد عمر السقاف (رحمه الله) على ما قلته، لا بصفته رئيسا للمؤتمر إنما بصفته رئيسا للوفد السعودي. وأنشئت بعد ذلك الأدوات المساعدة للمنظمة؛ كالبنك الإسلامي للتنمية، فجاءت الدول للانضمام تباعا بعد ذلك، والحمد لله. في هذه الأجواء كنت نائبا لرئيس المحكمة العليا في موريتانيا التي كان يرأسها فرنسي في ذلك الوقت، فاستدعيت لمفوضية الشؤون الدينية برئاسة الجمهورية، وكانت عبارة عن مكتب واحد فقط، حيث لم تكن هناك وزارة للشؤون الدينية، وكانت أمور الدين منوطة بيد الفرنسيين في وزارة الداخلية، ففكرت في الموضوع وكانت علاقتي جيدة مع الرئيس ولد دادة (رحمه الله) ودعاني لأحضر معه أول اجتماع لرؤساء الدول الإسلامية في الرباط ولم أكن في الحكومة وقتها، وبدا وكأننا نتأهب لشيء، فجمعت الأفكار التي كانت عندي وعرضتها على الرئيس، فوافق عليها فورا وتم إنشاء الوزارة، وكنت أكتب لأمين عام رئاسة الجمهورية طريقة تنظيم الوزارة مع أن المعتاد أن تنظم رئاسة الجمهورية هذه الوزارات، فبدأت بالتعليم الأساسي والشؤون الإسلامية، ثم انتقلت بعد ذلك لوزارة العدل ثم وزارة الدولة للتوجيه الوطني ثم طبقنا نظام القطاعات فانتقلت لوزارات التعليم والشباب والرياضة.


• ماسر علاقتك المتميزة بالملك فيصل (رحمه الله)؟

ــ علاقتي بالملك فيصل (رحمه الله) بدأت عندما رافقته في زيارته لموريتانيا عام 1972م، وأفتخر بمنحي وسام الملك عبد العزيز من قبله، هو شخصية فوق مستوى الكثير من رؤساء الدول في عهده؛ قليل الكلام وإذا تكلم أنصت له الناس. في إحدى القمم في المغرب دار حديث عن طموحات لإنشاء صندوق استثمار في الدول العربية الفقيرة، وكانت اليمن الجنوبي -في ذلك العهد- دولة مستقلة، فتحدث الرؤساء عن تقديم مساعدة لها، فأشار الملك فيصل إلى خطورة الانحراف الفكري الموجود في اليمن الجنوبي آنذاك، وأنه لا يريد المساعدة لتكريس هذا الأمر، ورغم دفاع رئيس اليمن الجنوبي في المؤتمر، إلا أن الرؤساء اقتنعوا بأهمية ما قاله الفيصل للالتزام بالقيم والدين، وتأثرنا بكلمته في موريتانيا، وقد أعطاه الله مهابة ومحبة ومكانة بين الناس خصوصا في أفريقيا، وأتذكر عند قدومه إلى داكار أن بعض السنغاليين لبسوا ملابس الإحرام وكانوا يلبون في المطار من شدة إعجابهم بمواقفه الإسلامية معهم، وكانت جولته على القارة الأفريقية جولة مباركة وتركت أثرا تجديديا للإسلام في كل بلد، إضافة إلى المساعدات الكبيرة التي قدمها لكل الدول المسلمة في القارة السوداء. 


• توليتم عددا كبيرا من الوزارات حتى بلغتم مرتبة نائب رئيس الدولة، لكن يلاحظ أنك متمسك في أغلب توقيعاتك بمنصب وزير العدل الموريتاني الأسبق، لماذا؟

ــ لأنني قبل أن أكون وزيرا كنت قاضيا ومن قطاع العدل، ووالدي كان قاضيا ومشرفا على القضاء أيضا، وانتمائي كبير وممتد بهذا القطاع. 


• ألا يعني أن يكون ابن رئيس مؤتمر العلماء الموريتانيين وزيرا للشؤون الإسلامية، سيطرة لأسرة واحدة على الشأن الديني في البلد؟

ــ لم يكن الأمر بهذه الصورة، ففي ذلك الوقت كنت قاضيا ونائبا لرئيس المحكمة العليا، وكنت في تلك الفترة أتفق مع الرئيس ولد دادة في فهم بعض الأطروحات المعاصرة فهذه ناحية، إضافة الى العلاقة الجيدة التي كانت تجمع الرئيس ولدادة بالوالد أيضا. 


• من المواقف التاريخية، إعلانكم شخصيا تطبيق الشريعة الإسلامية في موريتانيا الذي جاء على إثره الإنقلاب العسكري، كيف حدث ذلك؟ 

ــ تطبيق الشريعة حكم شرعي، وبالتالي شعرنا -في ذلك الوقت- أن الظروف مواتية لاتخاذ مثل هذا القرار، خصوصا أن دستور البلاد ينص على أن الإسلام هو الدين وكل ما يستتبع ذلك من تطبيق الإسلام في حياة الناس، بالإضافة إلى أن الموريتانيين بطبيعتهم وحكم تاريخهم الاجتماعي، بعيدون عما أفرزته الحضارة المعاصرة من الخمور وغيرها، فالأرضية موجودة والمجتمع مهيأ والرغبة موجودة لدى الناس كافة، ومن أجل ذلك أعلنت شخصيا هذا الأمر وأسأل الله أن يكون ذلك خاصا لوجه الله تعالى. 


• هل شاورتم في الأمر قبل إعلانه؟

ــ شاورنا مختلف القطاعات، خصوصا الشباب والنساء، وهذا يعني أنه لم يكن قرارا مرتجلا ولا متعصبا، بل هو الشريعة في سماحتها ويسرها وسعتها، حتى إننا قلنا في ذلك الوقت إننا نريد أن يتسع قانوننا لكل المذاهب الإسلامية، فلم نكن متعصبين وتمسكنا بالشريعة قلبا وقالبا.


• لماذا لم تأخذوا رأي الجيش والقوات المسلحة في الأمر كذلك؟

ــ الجيش كان يحضر مراقبا في الحزب مع القضاء لا منتسبا له.


• ألم تشعروا بإمكانية انقلابهم عليكم في أية لحظة؟

ــ مسألة الانقلاب ظلت مطروحة إلى حد ما بسبب الحرب ضد جبهة (البوليساريو) التي كانت مدعومة من بعض الجيران. والجيش في الدول المتخلفة إذا دخل حربا يكون خطرا من جهتين؛ فإن كان منتصرا قال أريد أن آخذ نتائج انتصاري، وإن كان منهزما فإنه يريد أن يعوض عن الهزيمة بنصر داخلي عبر الاستيلاء على الحكم ليقول إنه لم ينهزم، إنما كانت القيادة إلى آخره. وأنا لا أتهم جيشنا لا بهزيمة ولا بنصر، لكن كانت الظروف من هذا القبيل.


• هل لمستم وجود عدم ارتياح لقرار تطبيق الشريعة من دول خارجية؟

ــ الحقيقة لم نكن أنا والرئيس مختار ولد دادة (رحمه الله) نقدر نفور بعض الجهات في الخارج من مثل هذا التوجه، ولم تظهر في ذلك الوقت تمايزات شديدة في قضية تطبيق الشريعة.


• أين كنت عندما حصل الانقلاب عليكم؟ 

ــ كنت موجودا في مهمة رسمية في ليبيا، فطلب مني أن أقيم في فيلا على البحر، لكنني رفضت وأصررت على العودة أيا كانت النتائج، وتم اعتقالي بعد عودتي ولم أمكث في المعتقل كثيرا ولكن بقيت مدة في الإقامة العادية وليس الجبرية لعدم وجود جواز سفر، ثم سمح لي بعد ذلك، فقررت أن آتي إلى المملكة وبقيت فيها إلى الآن.


• تعرضتم للتعذيب؟

ــ ليس من عادة الموريتانيين أن يفعلوا ذلك فلم نتعرض لأي تعذيب.


• ألم تصلكم أية رسائل إنذار مسبقة عن الانقلاب؟

ــ وصلتنا معلومات من فرنسيين وجهات مختلفة بشيء من هذا القبيل، وأشياء لا أريد أن أذكرها كاملة.

 

• الغريب أن الانقلابيين اتهموا الرئيس المختار ولد دادة بأنه كان دكتاتورا وعميلا للفرنسيين، وأنه أثرى من خلال وجوده في الحكم؟

ــ أما الإثراء فهي مسألة يكذبها الواقع وكل شيء، ودائما البيان الأول كما يقول المثل الفرنسي «من يريد أن يقتل حيوانه يتهمه بالكلب» فلا بد من مبررات تساق، لكن ظهر أن ليس هناك شيء، حتى هم أنفسهم لو سألت شباب ذلك الوقت الآن لقالوا لك إنه لم يكن هناك شيء، عدا أن بعضهم كان يشكو من عدم كفاية الإمكانيات المادية في مواجهة حرب عصابات في ذلك الوقت وشيء من هذا القبيل.

 

• كيف هي علاقتك الآن بمن انقلبوا عليك في تلك الأيام؟ 

ــ الموريتانيون -بحمد الله- أرواحهم طيبة وعلاقتي طيبة معهم وهم إخواننا، حتى أنني عندما عقدت مؤتمرا في السنة الماضية هناك حضره العقيد مصطفى الرئيس الذي استولى على الحكم في الانقلاب علينا وهو صديقي. وفي موريتانيا تزول مثل هذه الأمور بعد فترة وتذوب، خصوصا أنها لم تكن دموية عندما حدثت.


• وهل كان هذا سببا لرفضك الترشح للرئاسة بعد ذلك الانقلاب بسنوات، رغم وجود مناصرين لك؟

ــ اتصل بي بعض الإخوة ليطلبوا مني خوض انتخابات الرئاسة أيام حكومة ولد الطايع فاعتذرت لهم.

 

• لماذا يا شيخ؟

ــ لأن كل ميسر لما خلق له، وأنا أجد أن مجالات العلم والإصلاح أهم بكثير من السياسة التي بقيت فيها فترة كبيرة؛ لأن السياسة في العالم الثالث كأفريقيا والعالم العربي غير المستقر تظل مجالا محدود التأثير على المدى البعيد وهذا لا يعني أنها لا تؤثر، خصوصا إذا جاء لها أناس صالحون، لكن يظل تأثيرهم مؤقتا، وأحمد الله أن أنقذني من السياسة ونفذت منها بجلدي ويسر لي طريق العلم في هذه الديار المباركة، وأنا أحاول أن أمحو هذه الذكريات من رؤوس الأبناء، وللأسف لم أنجح لأن ابني الأكبر التحق بها فأصبح وزيرا، والآن سفيرا في الرياض.


• أين تقف من تكرار الانقلابات العسكرية على حكم البلاد، التي جعلت من موريتانيا (دولة الانقلابات)؟

ــ عدم الاستقرار يؤدي إلى حدوث شيء من الطموح الذي يمتزج فيه الشخصي مع المثالية.

 

• هل للبداوة والقبلية دور في هذه التطورات؟

ــ الجغرافيا -كما يقولون- عنيدة، ونحن بين أفريقيا الشمالية وغربي أفريقيا نتأثر -بالتالي- بالرياح الصحراوية الكثيرة، مما يجعل الاستقرار الدائم صعبا.


• بمعنى أن البلاد تدار من الخارج؟

ــ لا، ليس لهذه الدرجة ولكن التأثير موجود، وهناك جدال الآن وحوار حول مراجعة مسألة التعليم من جديد، وأتمنى أن توفق النخب المثقفة في تبريد هذا الحوار حتى على مستوى الإشكال العام الذي بدأ يثار ويثير النزعات بين الجنوب الأفريقي والشمال العربي، بحيث نتضامن جميعا؛ فنحن مسلمون واللغة العربية لغة القرآن الكريم ولا تمثل عنصرية، وهذا الأمر يقلقني أكثر من القضايا الاقتصادية في البلاد. 


• وكيف ترى الأوضاع السياسية في موريتانيا حاليا؟

ــ الحمد لله أن هذه السنة أفضل من التي قبلها بعد أن تم الاعتراف بشرعية النظام محليا ودوليا أيضا، لكن يظل التخلف الاقتصادي مؤثرا في البلاد رغم وجود الثروات، وكما تعرف أن النمو يتركب من التنظيم ورأس المال والأرض والبشر ونحن نحتاج لتضامن كل هذه العوامل لتنمو البلاد وتخرج من تخلفها، وأعتقد أن أهل البلاد جميعا؛ سواء من كان في الحكومة أو المعارضة، في أذهانهم هذه الخطة وبدأت الآن خطط جيدة لمساعدة الضعفاء وإزالة قرى الصفيح، وهناك جهد نسأل الله أن يوفق فيه الجميع.


• في الستينيات والسبعينيات عصفت بالعالم العربي أفكار ثورية كالناصرية والشيوعية ومن ثم جاءت ثورة الخميني، هل كان لهذه الأفكار أثر في موريتانيا؟ وكيف تعاطيت معها شخصيا؟

ــ بالــتـأكـيـد أنـها أثرت، فالحــركـــة اليسارية كانت نشطة في موريتانيا وتغلغل هذا التيار حتى في الحكومة، خصوصا في فترة ما نسميها بإصلاحات الحركة الوطنية -إذا صح التعبير- من تأميم للشركات وسك العملة والخروج عن الفرنك الفرنسي ودول غرب أفريقيا، لكن هذه التوجهات اليسارية خمدت بعد ذلك وأصبحت تتناهى مع غيرها.

أما الثورة الخمينية فتم النظر إليها عندما بدأت على أنها ضد توجهات الاستعمار، لكنني أراها تتمدد الآن بشكل أخطر من خلال الأشكال الجديدة التي بدأت تظهر للتموقع الشيعي في غربي أفريقيا، وأرى أن هذا ليس في مصلحة إيران؛ لأنه سينشئ أوضاعا تؤدي إلى خلل أمني وفكري في هذه البلاد وبالتالي ســـيـجـلــب لــهم عداوات، فالسنة من المســتـحيل أن تزال ولا يمكن القــضـاء عـلـيـها في هذه المنــاطق، لكن هذا التموقع الذي تقوده دولة رسالية -إذا صح التعبير- يمكن أن يجلب أشخاصا من نيجــيـريا والسنغال وقبل فترة قيـــل من موريتانيا، وهو أمر سنستوضحه، وفي المغرب أيضا، وهذا الأمر فيه خطورة مؤسسية لما نســمـيه الفترة النجادية؛ لأنه أصبح نوعا من الوصاية غير المرحب بها، وهو أمر ليس في مصلحة إيران ولا مصلحة أحد أيضا.


• كيف ترون المصلحة مع إيران من جهتكم؟

ــ أن تقوم علاقات ودية وطيبة مع الجميع دون أن يكون لها شكل دعوي أو مذهبي. 


• ماسر توجهكم نحو حل قضايا الأمة السياسية كعلماء في الفترة الأخيرة، خصوصا قضية الحوثيين مع الحكومة اليمنية وقضية الصومال؟

ــ أنا جزء من الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي يترأسه الدكتور يوسف القرضاوي، والعلماء يجب أن يكونوا مسكونين بهم الأمة ولست بدعا في هذا الاتجاه، وعندي قناعة بأن الأمة تعاني من إشكال ثقافي وفكري، ومن منطلق التجديد والترشيد علينا أن نهتم كعلماء أن نكون إطفائيين لحرائق الأمة وألا يكتفي العالم بمجرد الكلام، بل عليه أن يبذل جهدا مع ذلك. وعلى العلماء أن يكونوا ردءا وعونا للحكام وهذه القطيعة معهم يجب أن تنتهي. 


• ما طبيعة نشاطك السياسي غير المعلن مع الاتحاد الأوروبي تحديدا؟

ــ هو نشاط فكري ويشتمل على شيء من السياسة بالمعنى النبيل لهذه الكلمة وليس سياسة السياسيين، وكنا قد أنشأنا مركزا في بريطانيا أسميناه المركز العالمي للتجديد والترشيد مع الرجل الفاضل النير الدكتور عبد الله نصيف عندما حضرنا اجتماعا في ويلتون بارك؛ وهو مركز للتفكير وجهت لنا الدعوة للحضور فيه مع مجموعة من المسلمين من قبل ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي للنقاش معهم ومع رجال كبار في الغرب، وأكثر من نعتمد عليهم شباب وشيوخ من الغرب. والتقيت مع توني بلير أكثر من مرة ومع وزيرة الخارجية البريطانية وكثير من زعماء الغرب، ونحن نظن أن كلمة المسلمين إذا اتفقت يمكن أن تؤثر في النخبة الغربية تأثيرا كثيرا والترشيد الذي ندعوا إليه في اتجاه داخل المسلمين وفي الاتجاه الآخر أيضا.

 

• ما قصة نقضك لفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية بشأن الولاء والبراء؟

ــ فتوى ابن تيمية التي قالها في مدينة ماردين التركية قبل 700 عام واشتهرت بها، حرّفت في المطبعة، 

خاصة في الجزء الأخير منها عندما قال ابنُ تيمية: «.. بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويُقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه»، فأنا أعتقد أنها (يُعامل الخارج..) وليس يُقاتل.

وبالتالي، فإنه كان لا بد من النظر إلى هذا الرأي في سياقه التاريخي حين كان المغول يغِيرون على أراضي المسلمين، وكان لا بد لنا من تجاوز الرأي القديم الذي يقسم العالم الإسلامي إلى دارين؛ (دار إيمان ودار كفر) وإعادة تفسير الإسلام في ضوء الظروف السياسية المتغيرة.


• هل مورست عليكم ضغوط لإعادة النظر في فتاوى الجهاد في ظل الحرب الحالية على ما يسمى بالإرهاب؟

ــ العالم ينبغي ألا يؤمر بل عليه أن يتحرك بنفسه، وأولياء الأمور يشتكون أحيانا من أن العلماء لم يقوموا بدورهم، ونحن وجدنا أن فتوى (ماردين) انبنى عليها قضايا تتعلق بالجهاد والولاء والبراء فقلنا علينا أن نجعلها منطلقا.


• هل معنى هذا أنكم ستعيدون النظر في كل فتاوى القتال والجهاد والولاء والبراء من الكفار؟

ــ علينا أن نعيد النظر في تراث الأئمة المقتدى بهم؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ الغزالي، خصوصا في النصوص المجتزأة التي يأخذ بها الشباب.


• هناك من قال بأنك جاملت الصوفية عندما حضرت مؤتمرهم في المغرب؟

ــ هذه قناعتي وليست مجاملة، فأنا أرى أن التصوف من المجالات التي يجب أن نراجعها لتصحيحها وتوضيحها، وشيخ الإسلام ابن تيمية تكلم عن التصوف وقال الصوفية المحققون وكان يثني عليهم كثيرا، وكان مجددا في هذا المجال والشيخ ابن القيم في مدارج السالكين. فأنا أعتقد أن هذه القطيعة لا ضرورة لها، فالناس تتحاكم للمصادر نفسها، وكنت قد قلت للشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله) عندما كنا نجتمع في رابطة العالم الاسلامي: إن كل من يتحاكم على كتب السنة فهو من أهل السنة، وإن اختلف تأويلا أو تعليلا أو تنزيلا فنرده إلى الطريق السوي. وقد قدمت لهم عشر مسائل في اجتماع مراكش وطلبت منهم الوسطية في أمورهم ولم أكن مجاملا لهم. 


• لماذا تخفي شعرك الجيد يا شيخ؟

ــ لا أشتغل به كثيرا في هذه السن لانشغالي بالبحث في المشكلات المعاصرة، خاصة في مجال الاقتصاد المعاصر والحوار مع الآخر، فانصرفت عن مجال الخيال الشعري الذي لا يخلو من كذب وتزويق وأصبحت فيه مطالبات الجسم للهدوء والراحة كثيرة.


• لكنك تشدد على نفسك؛ فلا تلبس ساعة ولا تحمل نقودا ولا تستعمل الجوال؟

ــ اعتدت منذ طفولتي ألا أحمل نقودا في جيبي ولا أدري هل هو ذم أم مدح، فقد كنت مع الوالد في التدريس والعلم وشيء من التربية الروحية، وحتى لا أتهم بالصوفية فقد كان التلاميذ يتولون هذه الاشياء فاعتدت على ذلك وظل أولادي من صغرهم يضحكون ويتندرون إذا رأوا معي نقودا وكأنها ظاهرة جديدة، لكن مع ذلك فأنا أحب النقود مثل كل الناس ولا يفهم أحد أنني غير عادي.


• إلى أي مدى تأثرت بوفاة أم أبنائك وبقائك وحيدا دون زواج بعدها؟

ــ لا شك أن الإنسان إذا عاش مع شخص فترة طويلة من حياته ثم مات فإنه يتأثر لفراقه، فكيف والحال بأم أولادي ورفيقة عمري، فقد أشعرني وفاتها بأن علي أن أتهيأ لفراق نفسي مع أن شؤون الحياة لا تتركني، وقد قلت في قصيدتي السنة الماضية:

حنانيك فارحل قبل يوم الترحل
    

 

ومن قبر ضيف مقبل غير مؤتل

 

مقر يحث الخطو يدني لبرزخ
     

 

كيوم حساب بالعجائب مثقل

 

أحاديث أحداث ثقيل سماعها
  
 

 

فكيف بها إذا أناخت بكلكل

 

تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل
 
   

 

وسرت إلى محبوب أول منزل

 

ونادتني الأشواق أهلا فهذه
  
 

 

منازل من تهواه عندك فأنزل

الرسالة تنفرد بأول حوار مع العلامة عبد الله بن بيه حول كتابه الجديد “مشاهد من المقاصد”

 

 ومن وحي الكتاب و مشكلات العصر وعلاقاتها بفقه المقاصد

كان هذا الحوار مع الشيخ بن بيه حول بعض الإشكاليات المتعلقة بالمقاصد.


·شيخنا لوحظ أن آخر كتابين لك صدرا مؤخراً تتعلق بالمقاصد. هل هناك فعلاً حاجة ماسة للكتابة في المقاصد، وهل هضم حقها مقارنة بسائر العلوم الشرعية؟

o كما تفضلت آخر كتابين لي عن المقاصد أحدهما عن المقاصد في المعاملات إثر الأزمة المالية العالمية والآخر عن “مشاهد من المقاصد” ذكرت فيه جملة من الموضوعات التي تفتقر إلى رؤية مقاصدية في الوقت الحاضر، ولا أقول إن المقاصد هضم حقها لكن الأحداث في العصر الحديث طرحت موضوعات، وقدمت إشكالات تحتاج إلى رؤية مقاصدية، فهذا هو السبب في تأليف هذه الكتب.


·يلاحظ توقف الاجتهاد والتجديد في باب أصول الفقه والمقاصد. هل يمكن أن تتجدد الأصول والمقاصد؟

o المقاصد تجدد أصول الفقه بعلاقة تفاعلية بينهما، والمقاصد هي روح الأصول.


·وهل يمكن أ ن تتجدد المقاصد؟

o المقاصد على نوعين: مقاصد الشارع في وضع التشريع جملة وفي وضعه تفصيلاً وهذه ثابتة يتجدد الاكتشاف لها، ومقاصد المكلفين وهذه بالطبع متغيرة، ومن خلال العلاقة بين المنظومتين تتجلى مظاهر التجديد.


·القياس والإجماع يعتبران من أصول الاستدلال لدى بعض المذاهب الفقهية، هل يمكن أن تكون المقاصد كذلك من أصول الاستدلال؟

o المقاصد ليست شيئاً مستقلاً عن القياس والإجماع هما من الأدلة التي تدخل فيها المقاصد أي أنهما دليلان يكشفان عن المقصد أحياناً وأحياناً يكشفهما المقصد، وبخاصة في مجال القياس لأن القياس هو مفردة من مفردات المقاصد.


· لكن كأداة لاستنباط الأحكام الشرعية؟

o بطبيعة الحال لو نظرنا إلي المقاصد الشرعية بنوعيها الجزئية والكلية، فالقياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان،… كل هذه الأبواب من جملة الأبواب التي تستثمر المقاصد، فهي روح أصول الفقه. ومحاولة عزل المقاصد عن أصول الفقه لا تبدو لي صحيحة بل هي ستخل بالمقاصد وتجعلها غير منضبطة. وأنا أختلف مع بعض الأساتذة الكرام والطاهر بن عاشور كان هو أصل هذه الفكرة والأمر عند التدقيق عن كثب وكما أوضحته في كتبي وبخاصة في كتاب “مشاهد من المقاصد” هي كالروح في الجسد وكالمعدود في العدد.


· بعض العلماء يرد أسباب عدم التوسع في النظر إلى المقاصد إلى القياس والإجماع.

o المقاصد لا تهدم الإجماع المطبق خاصة ما كان عليه الصحابة بل هو الذي يبين المقصد ويكشفه، أما إذا كان إجماعاً ضعيفا كإجماع السكوت الذي اختلف فيه العلماء فالمقاصد هنا لها قول ومكانة في الترجيح. أما القياس فإن الشيء لا يهدم نفسه فالمقاصد هي الآلية للقياس. 


. البعض عزا ضعف النظر إلى المقاصد بسبب التمسك بظاهر الأحكام والنصوص.

o نعم هذا صحيح، ونحن أمام مدرستين مدرسة ضيقت النظر إلى المقاصد وعملت بظاهر النصوص، وهي مدرسة قديمة: المدرسة الظاهرية، ومازالت موجودة مع تفاوت في ضيق الأفق واتساعه، ومدرسة يمكن أن نقول أنها انفلتت وقالت بالمقاصد في كل شيء، وبالتالي أهملت النصوص أو تعاملت معها تعامل غير سليم؛ فأولت ما لا يصلح للتأويل، وعللت ما لا مجال فيه للتعليل، وهذا النوع ينتسب إليه بعض العلمانيين الذين قالوا باعتبار المقصد الأعلى وهو المصلحة وبالتالي لا يقيمون وزناً للنص ولو كان متواتراً ولو كان أيضاً قطعي الدلالة، هذا أيضاً من وجوه الاجتهاد الفاسد. وهناك مدرسة متوسطة قالت بالمقاصد وفي نفس الوقت راعت النصوص والقواعد وهذه المدرسة يمكن أن نعتبرها مدرسة المذاهب الأربعة مع تفاوت بينها؛ فهناك من هو أقرب للحرفية وهناك من توسع في المقاصد كأبي حنيفة الذي علل عدداً من العبادات.


·هل يمكن أن نعتبر الموقف من الفلسفة والعقل أثر على المقاصد؟

o الفلسفة هي البحث عن الحقيقة، والأدوات الفلسفية والمنطقية هي أدوات للاستكشاف، ويمكن أن تستكشف بها المقاصد لأن المقاصد تستكشف وتستثمر.


· لكن في الثقافة الإسلامية هناك موقف سلبي من الفلسفة والعقل هل أثر ذلك على إثراء المقاصد؟

o بعض المدارس ربما عممت حكماً على الفلسفة لأنها رأت بعض الباطل أو ما اشتبه عليه فيها، أما المسلمون من القرن الثالث وحتى في أواخر القرن الثاني استعملوا الأدوات الفلسفية، وعلماء المسلمين استخدموا الفلسفة والمنطق وإن شئت اقرأ كتباً لأبي حامد الغزالي وغيره لتعرف أن الفلسفة ليست منبوذة بالكلية، وإن كانت الفلسفة اليونانية في بعض التطبيقات ليست صحيحة دينياً ولكن مع ذلك هي أدوات وكل الأدوات هي محايدة؛ فالقياس التمثيلي أو القياس الشمولي أو الاستقراء هذه أدوات يستعملها العالم من الذرة إلى المجرة، وهي أدوات تصلح للفقه كما تصلح للتجريب والعلوم؛ لذلك هذه الأمور يجب أن نقترب منها عن كثب حتى نفهمها ولا نرمي الأمور جزافاً هكذا بدون أن نراجع أنفسنا في مثل هذه القضايا.


·شيخنا أطلقت مصطلحاً جديداً أسميته “المقاصد القدرية الكونية” كالاختلاف والرحمة. هل يمكن أن يكون الاختلاف مقصداً بذاته؟

o في الحقيقة هذا سؤال جيد، نعم الاختلاف مقصد كوني لقوله تعالى “ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم” إذا أخذنا بقول من قال “ولذلك” أي للاختلاف وبعضهم قال للرحمة، ويمكن أن ننظر إليه على أنه مقصد شرعي إذا نظرنا إليه من باب التوسعة والتيسير كان أحدهم يؤلف في اختلاف العلماء فقال له الإمام أحمد بن حنبل اجعله (كتاب التوسعة) أي جعله توسعة ورحمة، ويمكن من هذا الوجه أن نعتبره من المقاصد الشرعية. والمقاصد الكونية يمكن أن يطلق عليها المقاصد الخلقية أي أن الله خلق الخلق عليها.


·هناك مقاصد كبرى مثل الاستخلاف وعمارة الأرض وكرامة الإنسان وحريته، برأيك لماذا غابت هذه المقاصد عن الأطروحات الفقهية؟

o لكل عصر مشكلاته وأولوياته لذلك يجب أن لانحاكم العصور الماضية بقضايا العصور الحالية، لكن بصفة عامة أصولها موجودة فمثلاً في كرامة الإنسان يقول تعالى:”ولقد كرمنا بني آدم”، وعلينا أن نحاول استكشافها على ضوء أسئلة العصر، وهو عصر فريد من نوعه لم يسبق في التاريخ أن كانت البشرية على هذا النحو سواءً من ناحية العلوم الكونية أو من ناحية الأوضاع الاجتماعية والعلاقات البشرية والاتصال والتواصل، كل هذه أمور جديدة لها أسئلتها فعلينا أن نحاول الإجابة عليها من خلال النصوص والقواعد ومن خلال الكليات والمقاصد.


·غياب المقاصد والتخلف هل من علاقة بينهما؟

o هذا سؤال في محله، تخلف الأمة في الحقيقة يرجع إلى كثير من العوامل؛ عوامل دنيوية، عوامل في التزام الناس بدينهم، عوامل في الأولويات وتركيبها، عوامل في العقل، كل هذا يوجب على الأمة أن تدرك المقاصد وتفهمها وتتحلى بها سلوكاً في ميادين العمل، وأن تفهم المقاصد الكلية والجزئية، والجماعية والفردية، وهذا يحتاج إلى عقول كبيرة ونهضة شاملة.


·نختم شيخنا بسؤال: كيف يمكن أن تكون المقاصد التي يزخر بها ديننا أن تكون ثقافة لدى النخب والعامة وممارسة سلوكية وعملية؟

o هذا يقتضي العمل باتجاهات متعددة منها الاتجاه التأصيلي بمعنى أن نستكشف المقاصد أولاً ونقيم منها قوانين كلية ومفاهيم عامة، وقد تحدثت عن الشورى والديمقراطية والاستخلاف في الأموال وإن كان حديثي عنها كمقدمات لفتح الشهية لبحوث ودراسات أخرى، كما كتب بعض الإخوة عنها كالشيخ الريسوني وغيره ممن كتب في المقاصد؛ لذا علينا أن نستكشفها ونوضحها ونؤصلها، وكما نقوم بالتأصيل علينا أن نقوم بالتوصيل؛ نوصلها للنخب والعامة لتكون ثقافة، وتتحول إلى سلوك. ثم علينا أن ننظر في المقاصد على ضوء الفلسفات والمستجدات المعاصرة وما يجري في العالم من سنن الله وحكمه علينا أن نتعامل معها أيضاً، وليس معنى ذلك أن نتخلى عن ديننا وإنما أن نتحلى بديننا.


     

قراءة في لقاء التلفزة الموريتانية مع العلامة ابن بيه

 

علي الحمدان- نبراسكا

قليلة هي تلك اللحظات التي نندمج فيها مع قنواتنا الإعلامية, حيث تعيش العقول النيرة في عزلة عنها بعد أن فقدت الثقة في قدرتها على البناء و تحمل المسؤولية في عصر تعيش فيه الأمة أزمة شاملة على كافة المستويات الحضارية. فغالب برامج الإعلام لا تعكس خططا نهضوية يمكن أن تعطي بصيصا من الأمل للخروج من الحالة الراهنة للأسف. بل على العكس, نجد أن الخطاب المعاصر ساهم في انقسام الوعي و تسطيحه إلى درجة جعلت من أبناء أمتنا كغثاء السيل.


لكن التلفزيون الموريتاني بإمكاناته المحدودة أعلن عن لقاء خاص مع شخصية عالمية هي العلامة عبد الله بن بيه حفظه الله, فكان هذا استثناء ثقافيا في الخطاب الإعلامي أجبر كل مهتم بالعلم و الفكر على عقد هدنة تلتزم صلحا مؤقتا يكفل التودد بينهم و بين الشاشة الفضية.


و كان الحوار قد أخذ ساعة من زمن فتناول محاور عديدة خاض فيها الشيخ بعباراته الدقيقة ذات الدلالات العميقة. فحاولت جهدي أن أجمع بعض تلك الفقرات في هذه المقالة التي تعبر عن فهمي المتواضع حتى يستفيد منها كل مهتم بالشؤون الثقافية و الحضارية. و من يدري, فلعل الله يمن علينا بفرص يتكرر فيها ظهور الشيخ على الشاشة في ظل حاجة ملحة إلى أمثاله من العلماء الربانيين لقيادة الخطاب الإعلامي الثقافي, و الله على كل شيء قدير.


صناعة الفتوى وفقه الأقليات :


وقد كانت بداية الحلقة ساخنة, و ذلك حين ارتكز الحديث في المحور الأول عن كتاب ” صناعة الفتوى وفقه الأقليات” ؛ فنجد أن الشيخ قد تعمد أن يجعل العنوان مثيرا ليدلل على أهمية الفتوى وعظم شأنها؛ فهي في حقيقتها صناعة مركبة ودقيقة لا يحسنها كثير من الناس ؛ بل تحتاج إلى متخصص يحيط بالأركان الثلاثة التي يقوم عليها بناء الفتوى و هي : إدراك الواقع بكافة تضاريسه , الإحاطة بالأدلة التفصيلية , و استيعاب الأدلة الكلية أو المقاصد.

و هذه العناصر بالرغم من تركيبها, عبارة عن مواد أولية تحتاج إلى صانع حاذق يحسن استغلالها؛ و هنا يبرز دور المجتهد الذي حقق شروط الاجتهاد فأصبح جديرا بالتوقيع عن رب العالمين. و هو دور مهم و خطير جعل النبي عليه الصلاة والسلام يحذر من التهاون في أمر هذه الصناعة حين قال: ” أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار” .


و مما ينبغي الإشارة إليه, أن الشيخ لم يكن أول من أطلق لفظ الصناعة على هذا الأمر؛ فقد سبقه بها الإمام ابن رشد و غيره من الأئمة. كما أن بعض الفقهاء استخدموا تعابير شبيهة لها نفس المضمون؛ فنجد أن حجة الإسلام أبا حامد الغزالي قد استخدم كلمة “الاستثمار”, و مفهومها قريب جدا من الصناعة؛ فالقاسم المشترك بينهما هو العناية بالأجزاء و التراكيب الدقيقة للوصول إلى النتيجة المطلوبة.


و قد كانت هذه المقدمة عن صناعة الفتوى مدخلا هاما للحديث عما يعرف ب ” فقه الأقليات”؛ والذي أخذ مساحة من الجدل بين الفقهاء. فقد رأى بعضهم أن المجلس الأوروبي للإفتاء حين روج لهذا المصطلح أكثر من أي مجمع آخر قد أحدث فقها جديدا خارجا عن إطار الفقه العام و ما يتضمنه من أحكام شرعية خالدة.


لكن “فقه الأقليات” هو من باب الضروريات و الحاجيات الموجبة للترخصات و التيسير, و من ذلك ندرك أن أصول الفقه العام هي أصول هذا الفقه, و مقاصد الشريعة هي ذاتها معتبرة أثناء التعامل مع فقه الأقليات. فكان متعينا على كل معترض على المصطلح المستحدث أن ينظر إلى الصورة كاملة و ليس إلى زاوية محصورة في اجتهادات في أحكام فرعية.


ثم لفت الشيخ إلى مفهوم غائب عن بعض مدارك المتصدين للفتوى و يتعلق بفقه الأقليات , فالمقصد الأساسي من بلورته هو توطين الإسلام في بلاد أكثريتها ليست من المسلمين , فقد قال الله تعالى ” ونريد أن نمن على الذين اُستضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ” . و لذلك فإن صياغة فقه للأقليات هي محاولة لنقل الفقه من الوضع الفردي إلى الوضع الجماعي في البلاد غير الإسلامية.


والفقيه المعني بالفتوى للأقلية الإسلامية , سيستحضر دائماً جملة من القواعد الموجودة أصلا في كتب التراث , لكنها أكثر لصوقاً بقضايا الأقليات المسلمة مثل : الضرورات تبيح المحظورات , الحاجات تنزل منزلة الضرورات , قاعدة التيسير , تقوم الجماعة مقام الإمام , اعتبار المآلات وغيرها من القواعد التي تنطبق في كثير من القضايا التي تنزل بالأقليات.


ثم بين العلامة ابن بيه أن فقه الأقليات يقوم على ثلاث أنواع من الاجتهادات :

1- اجتهاد مطلق غير مقيد , وهو اجتهاد إنشائي في قضايا غير منصوصة , كالدخول في الانتخابات وغيرها من المشاركات العامة مع غير المسلمين .

2- اجتهاد انتقائي : و هو الاختيار من أقوال العلماء ما يناسب الأقليات , وهذا له استخدام واسع .

3- تحقيق المناط : وهو تطبيق القواعد على واقع جديد بعد بروز انتمائه إلى قاعدة معينة .

فهذه الأنواع الثلاثة من الاجتهاد في جدلية مع النصوص الجزئية والمقاصد الكلية والواقع تنشأ عنها الفتوى ; وهو ما يجعلها صناعة دقيقة .


الإرهاب : التشخيص والحلول :


ثم تطرق الحوار الشيق إلى محور آخر ارتكز على بحث العلامة ابن بيه ” الإرهاب : التشخيص والحلول ” . فقد ذكر شيخنا أن مصطلح الإرهاب يعاني من أزمة معرفية عرقلت تعريفه. و هذا التأزيم يرتكز على حيلة تستغلها الدول الكبرى لضرب مصالح غيرها للأسف , حتى أن الأمم المتحدة على لسان أمينها العام اشتكت من عدم قدرتها على تعريف مصطلح الإرهاب.

وبصفة عامة إذا رجعنا إلى الأصول الغربية , فقد أُطلق مصلح الإرهاب لأول مره في نهاية القرن الثامن عشر على حكومة الثروة الفرنسية , و كان محصورا على العمل الحكومي أول الأمر , ثم انتقل ليصف كل عمل منظم مرتبط بمقصد سياسي يهدف لتحريك الوضع و إثارة الفوضى .


لكن الشيخ نظر إلى الموضوع من زوايا أخرى لصيقة بالتراث الإسلامي فوجد في جريمة البغي , وجريمة الفساد في الأرض , وجريمة الحرابة ما يغطي كافة المساحات الضرورية لتعريف المصطلح القضية إذا تعاملنا معها بالعدل والقسطاس المستقيم . و هذا سيساهم في تلافي التعامل مع مفهوم عائم يسمح بتجريم الأبرياء تحت دعوى بلا سند حقيقي .

و لعل اكبر أزمات المصطلح العائم بوضعه الراهن أنه يجرم كثيراً من الأفكار أو الأشخاص حتى وإن لم يساهموا بالشروع في عمل خطير , أي دون اكتمال أركان الجريمة.

ثم ذكر الشيخ أنه طرح عشر نقاط للحوار الذي لو تم سيجد حلولا عملية. و هذه الحلول تستند إلى مفاهيم مشتركة بين الحضارات والثقافات هي: المنطق والعقل والأخلاق , ومن خلالها فقط يتم تعريف المصطلح و تحديد مضمونه ليحظى بإجماع عالمي . ومن أهم النقاط العشر هي : إزالة المظالم , و إعادة النظر في بعض المحفزات الفكرية للتطرف مثل التفسيرات الحرفية للنصوص الدينية. 


حساسية مفرطة من تزايد عدد المسلمين في أوربا :


ثم تطرق الحوار إلى المؤتمر الذي أقامته الحكومة البريطانية في اسطنبول مؤخراً . وحضره عدد كبير من الرموز الإسلامية , وكان الهدف منه استكشاف الساحة الفكرية الإسلامية؛ حتى يبحث عما يمكن تقديمه للمسلمين في أوروبا لمعالجة أوضاعهم و إخماد نار متربصة تنذر بانفجار قريب و صدام محتدم.

ويأتي هذا تزامناً مع الحساسية المفرطة عند بعض شرائح المجتمع الأوربي تجاه تواجد المسلمين كأقليات متزايدة. وقد بدأت انعكاسات هذه الحساسية تأخذ صوراً متطرفة مثلما حدث في فرنسا و الدانمارك و غيرهما من الدول.

وقد اعترف رجل دين فرنسي أن الإشكال يكن إجماله باختصار في ” تغير المشهد”, فالأوربيون رأوا أن الإسلام بدأ ينتشر بشكل كبير و هو ما حرّك شياطين العنصرية.

و ما ذكره رجل الدين الفرنسي للشيخ بن بيه قريب جدا مما ذكره بوزار في أحد كتبه, فالأوربيين عندهم “عقدة الأقارب”؛ فحضارتهم بينها كثير من العلاقات والقرابة بالإسلام , وتجد فيها كثيراُ من القيم المشتركة؛ كما أنها تعاني أيضا بما يعرف ب “عقدة المصالح”.

وذكر الشيخ انه قام بزيارات كثيرة إلى أوربا ليستجلي الساحة جيدا حتى تتم بلورة الحلول و تحقيق التقارب بمفهومه الإيجابي, لكن الإشكال أن زوايا النظر ما زالت مختلفة بين الثقافتين. وقد قال الشاعر :

تأمله الخلي فقال غنى ومثله الشجي فقال ناح 

فلا عجب أن نجد من المسئولين الكبارهناك من يعتبر ما يجري في غزة هو غناء بينما هو نواح بالنسبة لنا , حتى أصبح منقطهم بالنسبة لنا منطقاً أعوج.

و لا يعني هذا تبرئة كافة العناصر الإسلامية من التطرف و الانحراف في الفهم, فهناك فئات ارتكبت أخطاء مميتة و لم تفهم حقيقة دينها فأساءت إليه, وهذا ما جعل بعض الأطراف تستغل صورتها السيئة لتعمها على بقية المسلمين . وهو ما يحفزنا إلى مكافحة كل ثقافة ضيقة أو حرجة و إصلاح داخل البيت أولا.


حوار الأديان :


ثم تطرق الحوار إلى محور حساس يتعلق بحوار الأديان وشرعية مشاركة الشيخ فيه؛ حيث يتحفظ كثير من العلماء على هذه المؤتمرات الحوارية لما فيها من محظورات شرعية , ومن ذلك ما جاء في البيان المشترك لحوار مدريد من أن إلهنا واحد , فاعترض البعض على هذا اعتراضا شديدا. لكن الشيخ ذكر أن الله قال في كتابه ” قولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم و إلهنا و إلهكم واحد ونحن له مسلمون ” .

فالحوار واجب شرعي ” وجادلهم بالتي هي أحسن ” ” ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم ” ؛ و الجدال هو الحوار ” قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله “. وكل هذا في النهاية دعوة إلى الحوار والسلام ودرء المفاسد , وهي من مقاصد الشريعة الهامة .


بين السلفية والصوفية :


ومن المحاور الجميلة ما استند إلى ما قد ذكره العلامة يوسف القرضاوي في ثنائه على العلامة بن بيه من أنه يجمع بين “السلفية و الصوفية”. فالمفهومان كما يراهما الكثيرون لا يوجد بينهما أرضية مشتركة كافية للترويج بمبدأ الجمع الذي ذكره القرضاوي.

لكن الشيخ ذكر أنها حرب مصطلحات تغفل كثيراً عن ما يدخل فيها من المضامين . فالصوفية قد استعملها العلماء في الصدر الأول , ولم تكن تتضمن شحنة من شأنها أن تنفر الآخرين , بل كانت تدل على الزهد وعلى الإقبال على الآخرة والسمو في الأخلاق , وهذا كله من صميم الإسلام . والله سبحانه وتعالى يقول ” وذروا ظاهر الإثم وباطنه “, فإن كانت الصوفية تبحث عن باطن الإثم لإزالته و تروج لمرتبة الإحسان فهذا من المطالب الشرعية , أما إن كانت كما يريدها البعض خرافات و خزعبلات وخروجا عن الدين , فهي مفهوم خاطئ لم يلتزمه كثير من الصالحين والعلماء الزاهدين الذين ينشئون الأجيال على الرحمة بالخلق وعبادة الحق.

والسلفية أيضا نحاكمها بناء على المضمون, فإن كانت عبارة عن فهم السلف أو ما كان عليه السلف, ومثل هذه الالتزامات الشرعية السامية, فلا شك أنها مقبولة . فالقاعدة انه لا مشاحة في الاصطلاح, والأصل هو المضمون الصحيح الذي يستسقي من الكتب و السنة.


المحظرة الموريتانية و عناصر التميز:


و لعل الفضل الأول في موسوعية الشيخ بعد الله تعالى يرجع إلى المحظرة, و قد أصبحت كلمة مألوفة يعرفها الناس بعد أن غزا كبار العلماء الشناقطة بلاد المسلمين كافة, فأظهروا تميزا استثنائيا في الحفظ و عزو الأقوال إلى مراجعها.

ففي المحظرة, يتحرر طلبة العلم من كل مغريات الحياة و همومها, مهادهم الأرض و سقفهم السماء الزرقاء, لا يحتاج الطالب فيها إلا إلى الهمة و الإخلاص في العمل.

ومن عناصر التميز التي سمت بقيمة المحظرة هي طبيعة العلاقة بين المعلم و طلابه؛ حيث يعيش المعلم بينهم ليأخذوا منه العلم و العمل معا. فالعلاقة على هذه الصفة أصبحت غائبة في أغلب المؤسسات و المدارس الشرعية الرسمية المتناثرة في أنحاء العالم الإسلامي, وهو ما أثر سلبا على مستوى الطالب و المعلم في تلك البلاد.

و ذكر الشيخ أن الرجل إذا ابتدأ في دراسة الفقه صعب عليه أن يكون أديبا. لكن هذه القاعدة لها شواذ كثيرة في بلاد الأندلس و موريتانيا خصوصا. و هي ميزة نادرة يجب استثمارها؛ فالفقيه إذا كان أديبا فبإمكانه أن يصبح أصوليا بارعا نظرا للارتباط الوثيق بين الفقه و الأصول و اللغة العربية. فكان لزاما على طلبة العلم الموريتانيين الاستفادة من تميزهم في جمع هذه العلوم الثلاثة حتى تنتفع بهم الأمة أكثر في ظل حاجة ملحة إلى عدد كبير من الأصوليين المتمكنين.


أبرز الإشكاليات الفقهية المعاصرة:


و نبه الشيخ في آخر محاور الحلقة إلى بعض الإشكاليات الفقهية المعاصرة, و هي أكثر من أن تحصر. فالغرب –مثلا- حين صدر إلينا السلع جاءت معها وسائل التبادل و التعاون, كما لازمتها بعض القوانين التي تحكمها و تنظم سيرها و تروجها مثل الإيجار المنتهي بالتمليك, و البيع مع غيبة البدلين, و قضايا التضخم …..إلخ. و كل واحدة منها كانت بحاجة إلى بحث دقيق لتنظيم عملها وفق الضوابط الشرعية. و من المستجدات أيضا ما يتعلق بالقضايا أو المسائل الطبية مثل: زرع الأعضاء, نقل الأعضاء من شخص إلى آخر و غيرها.

و المجلس الأوروبي للإفتاء أكثر من يتعامل الإشكاليات الفقهية في الأحكام و المعاملات. و من أشهر القضايا قضية إسلام المرأة و زوجها نصراني. فالمذاهب الأربعة تقول بالإبانة فورا أو بعد انقضاء العدة. لكن المجلس وجد أن المرأة قد تفتن في دينها حينما تجبر على ترك زوجها, فتخسر الجالية المسلمة عناصر مهمة و حيوية من وراء هذا؛ فدفع هذا بعض الفقهاء إلى البحث عن اجتهادات أخرى.

فكان من حسن الحظ أن ابن القيم و غيره قد نقلوا أقوالا صحيحة عن عمر بن الخطاب و علي بن أبي طالب و مجموعة من التابعيين تقول بجواز بقائها مع زوجها بعد إسلامها, فاستغل المجلس الأوروبي هذه الاجتهادات القوية ليحقق مقصدا شرعيا هاما و هو حفظ الدين. و يبقى هذا الاجتهاد غير ملزم, فمن شاء أخذ به و من شاء تركه , و هو يستند إلى شبهة, و الشبهة تنزل منزل الكراهة عند المالكيين.

و من المستجدات الفقهية قضية إثبات النسب عن طريق اليصمات الوراثية, و قد رأى بعض العلماء أن المرأة يجوز لها أن تطلب إثبات النسب عن طريق البصمة الوراثية. لكن الشيخ لم يوافقهم على اجتهادهم, فاللعان منصوص في القرآن, ثم إن الشريعة كما أنها تظهر الحقيقة فإنها تهدف إلى الستر. و هذا ما يميزها عن القانون الوضعي الذي يحصر عمله في إظهار الحقيقة دون غيره من المقاصد المهمة.

 


 

برنامج ” ساعة حوار”- قناة المجد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مشاهدي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً بكم إلى ساعة حوار


ينطلق المسلمون في حياتهم في كل مكان على أسس معتبرة في الغالب بل إنك تجد وبعين مبصرة المسلمين يسألون أهل العلم في كل صغيرة وكبيرة مما يدل دلالة واضحة على اثر الفتوى في صياغة وصناعة حياتهم إلا أن الملاحظ الانقلاب الشديد الذي ظهر من بعض المفتين عبر بعض القنوات الفضائية والتراشق المزعج المحزن فيما بينهم والخلل البين في بعض هذه الفتاوى والتي لم تبنى على أصول صحيحة في الفتوى فهل الفتوى خطيرة إلى هذه الدرجة وما حكم الفتوى بالنسبة للأمة ما الآداب المطلوبة للفتية هل المفتي المستبصر هو من يأخذ بالوسط في كل مسألة ما موقف الأمة من جهلة المفتين عبر الشاشات أو الصحف أو المنتديات الذين كلفوا الأمة وجروها إلى ويلات ومشاكل كثيرة صناعة الفتوى هو موضوع ساعة حوار في هذه الحلقة والذي نسعد وإياكم فيه باستضافة معالي الشيخ عبد الله بن بيه فأهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ ضيفنا يا مشاهدي الكرام تقلد عدداً من المناصب حيث عين رئيساً لمصلحة الشريعة في وزارة العدل ثم نائباً لرئيس محكمة الاستئناف ثم نائباً لرئيس المحكمة العليا ورئيساً لقسم الشريعة الإسلامية ثم مفوضاً سامياً للشؤون الدينية في رئاسة الجمهورية في موريتانيا ثم اقترح إنشاء وزارة للشؤون الإسلامية فكان أول وزير لهذه الوزارة ثم وزيراً للتعليم الأساسي للشؤون الدينية ثم وزيراً للعدل والتشريع ثم وزيراً للمصادر البشرية إلى غير ذلك من المناصب كما عمل أستاذاً في جامعة الملك عبد العزيز في جدة شارك ضيفنا في عدد كبير من المؤتمرات من أهمها أول مؤتمر قمة للدول الإسلامية بالرباط وأول مؤتمر تأسيسي لمنظمة المؤتمر الإسلامي في جدة حاز على عدد كبير من الأوسمة منها وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الممتازة كما شارك في عدد كبير من الندوات الفكرية والعلمية والملتقيات الثقافية والمؤتمرات في عدد من دول العالم الإسلامي والغربي ضيفنا نال عدداً كبيراً من العضويات فهو عضو في هيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة وعضو في المجلس الأعلى العالمي للمساجد والهيئة الخيرية العالمية الإسلامية بالكويت وعضو مؤتمر العالم الإسلامي في كراتشي والمجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث والمجمع الفقهي الهندي وهو نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أسعد بتواصلكم معنا يا مشاهدي الكرام عبر هذا الموضوع صناعة الفتوى من خلال أرقام الهواتف التي تظهر لمشاهدينا الكرام من داخل وخارج المملكة تباعاً للحديث عن أطر هذه القضية ضمن تفصيلات أسعد بتواصلكم عبر أرقام الهواتف والبريد الالكتروني ومنتدى ساعة حوار وعبر رسائل الهاتف الجوال فقط أهلاً ومرحباً بكم مرة أخرى مرحباً بكم فضيلة الشيخ اسمح لي أولاً أسأل عن الصناعة هذه الصناعة في الغالب لما نقول صناعة معنى ذلك أن هناك صانع يشكل الأشياء حسب قدرته هل تريد من كون صناعة الفتوى أن المفتي هو الذي يشكل هذه الفتوى أم أن لك رؤية أخرى فيها يا شيخ

الشيخ عبد الله  :

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلي وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً هذا العنوان أردت من خلاله أن ألفت الانتباه إلى أن الفتوى شيء مركب وليست شيئاً بسيطاً وبالتالي فهي صناعة في اللغات العربية نفرق بين صنع وعمل العمل عم قد يكون شيئاً مركباً وقد يكون شيئاً ساذجاً لكن الصناعة هي شيء دقيق وبهذا استعملت في القرآن الكريم في قضية الربانيين والأحبار والله سبحانه وتعالى قال 🙁 لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (62) لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ (63) ) المائدة وسماه قالوا يعملون وهؤلاء يصنعون فالصناعة شيء دقيق والفتوى هي صناعة بمعنى أنها ليست شيئاً ساذجاً ليست شيئاً بسيطاً بل هي شيء مركب لأن الفتاوى تتركب من ماذا من نازلة أو واقعة تقع نسميها نحن الواقعات واقعات تقع هذه النازلة تحف بها كل ظروفها التي تشد المفتي لاعتبار ظروفها الزمانية ظروفها المكانية ظروفها الموضوعية حتى الشخص نفسه صاحب النازلة كل هذه الظروف تحف بهذه النازلة من الزمان والمكان والشخص صاحب النازلة ومن وقائع هذه النازلة وتفاصيلها كلها يجب أن تأخذ في عين الاعتبار أضف إلى ذلك الحكم ما هو حكم النازلة الدليل زالفة للدليل ما هو الدليل الذي ينطبق على هذه النازلة هل هو دليل من الأصلين المشعين الكتاب والسنة أو الأصلين المعرفين أي الإجماع والقياس أو الأصول الأخرى الدليل والحكم والنازلة من يتصرف في هذا ويسمى المتصرف ويسمى المستثمر يسميها الغزالي رحمه الله تعالى يسميها المستثمر والذي يستثمر هذه الحالة يستثمر هذه الوقائع هو يقول الصناعة الحقيقية ليصل في النهاية إلى الفتوى .

 

المقدم :

يعني كأنك تشير إلى خطورة هذا الأمر يعني أنا أفهم أن معالي الشيخ يقول أن الفتوى خطيرة وبالتالي ما كنا نسمعه من تراث سلف الأمة في الهروب من الفتوى لدلالة خطورتها بينما الآن تسارع عليها

الشيخ عبد الله  :

نعم صدقت هو هذه سلفها خطورة كبيرة على الأمة لأنه جاء في الحديث المرسل عند الدارمي وعند أبو جعفر أجرئكم على الفتوى أجرئكم على النار وهي نار بالنسبة لمن لا يتعاطاها بحقها فهو سيضل الناس وبالتالي ترى بعض العلماء تضمين المفتي بعضهم تضمين المفتي إذا لم يكن أهلاً بعضهم تضمين المفتي إذا كان أهلاً بالأنفس التي يهلكها والأموال التي يودعها والأمة التي يحملها على كتفه كل هذه العناصر تجعل تضمين المفتين الذي قرأه الشيخ العلامة ابن القيم عن السرائيلي وأقره أيضاً المالكية بالنسبة إذا انتصب غير المؤهل وأن الإمام عليه أن يضرب على يده وأن يمنعه كما قال في سبيل بني أمية فالفتوى لها خطورتها الكبيرة على الناس


المقدم :

طيب بس أمر على مسألة التضمين لأنها قضية مهمة وعندي فيها مجموعة من المسائل أود أن أؤخرها هي جزء من الخطورة لكن اسمح لي معالي الشيخ قبل هذا حكم الفتوى بالنسبة للأمة هل الفتوى بالنسبة للأمة لآحاد الأمة مثلها لعموم الأمة مثلها للعلماء

الشيخ عبد الله  :

هي الفتوى فرض كفاية يعني الأمة عليها أن توجد من يقوم بالفتوى لأنها تحتاج إلى من يترجم عن الله سبحانه وتعالى حيث عبارة القرار وحيث عبارة صاحب تكليف المنهج الذي قال إخباراً للفتوى كل من يترجم الحكم إلزام كنائب له أما ابن القيم فقال إنه وزير الموقع فهو وزير الموقع عن الله سبحانه وتعالى  الأخر قال هو كالمترجم بمعنى هو متقارب ومتلاصق


المقدم :

صحيح طيب لو تسمح لنا أن نعود لأكثر من أربعين أو خمسين سنة في الوراء عندما يعني بداياتكم فقي الاهتمام بهذه القضية ولقاءكم بعدد من العلماء مثل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله كان هناك مجموعة من التحركات بينك وبينه رحمه الله في تأسيس بعض مجامع الفتوى والاهتمام بهذه القضايا خلينا نرجع لهذه القضية التاريخية كيف كانت بداياتها ثم أخذ التفصيل لو سمحت

الشيخ عبد الله  :

هو في الحقيقة أنا التقيت بسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز عليه رحمة الله التقيت فيه عندما كان في الجامعة الإسلامية وكنت حاج في سنة سبعة وستين قديماً سبعة وستين هذا لا يردني شاباً يعني بعد ذلك تكررت اللقاءات كل ما جئت إلى المملكة من خلال زياراتي للمملكة المتعلقة بظروف عملي وبوظائفي التي كنت أشغل البلاد والعلاقات لكن كانت علاقات جيدة ومتابعة كنت ألتقي بالشيخ وأزوره يعني لأنه كان قمة في الفضل وبدون مجاملة له هو ولا مجاملة لأحد كان قمة في الفضل والرعي والزهد أيضاً ثم بعد ذلك أصبحت عضواً في رابطة العالم الإسلامي لما تفرغت بالعمل السياسي في المجلس الأعلى وهو يرأس المجلس الأعلى من خلال المجلس كنا نلتقي ومن حين لأخر نذهب إليه في بيته لتناول الغذاء كما العادة


المقدم :

ولمست الاهتمام بالجانب الجماعي في الفتوى منه  

الشيخ عبد الله  :

هو بالنسبة لهذه الناحية لا أعرف عنها شيئاً كثيراً هو طبعاً هناك المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي الذي يرأسه الشيخ عبد العزيز رحمة الله عليه وهناك أيضاً المجلس الأعلى هو يرأس مجالس الرابطة وبالتالي هو يهتم بكل هذه الأمور


المقدم :

طيب في آداب الفتوى تفضلتم معالي الشيخ بذكر مجموعة من آداب الفتوى في كتابكم الذي هو تحت الطبع في صناعة الفتوى من أولها النية

الشيخ عبد الله  :

هذه الآداب التي ذكرها الإمام أحمد رحمه الله تعالى وقال أن المفتي يحتاج إلى النية ليكون على كلامه نوراً لأن النية تصلح العمل وبالتالي هي مقدمة ضرورية إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه عمر رضي الله عنه


المقدم :

أنت تتوقع أن لها اثر في الفتوى يعني ما لها علاقة بين المفتي وربه ما لها اثر في ذات المفتي

الشيخ عبد الله  :

نعم هو أراد أن يفتي فاستشعر النية واستشعر الرهبة من الله سبحانه وتعالى ومن شأن هذا أن يحثه على النظر ولا يسارع إلى الفتوى فكثير من العلماء كان يتهرب عن الفتوى فالمالكي قال الفتوى أهرب منها ومن يحسدني عليها أرجوا أن يبتليه الله بها فكثير من العلماء كانوا يخافون من الفتوى والصحابة كانوا بعضهم يرد الفتوى إلى البعض الأخر يعني ما لم تتعين على الإنسان فهي في الحقيقة بلية


المقدم :

الحلم والوقار ثاني هذه الآداب التي ذكرتها

الشيخ عبد الله  :

نعم مسائل الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن يكون حليماً وقوراً هذه صفات خلقية وصفات نفسية يتحلى بها من شأنه أن يخرج هذه الصناعة أن تخرج ناضجة خلاف إن كان فيها طيش ونزق فمن شأن ذلك أن يؤثر على عملها وأن يؤثر على فتواها وأن يؤدي إلى شيء من الحقد أو التعصب لأن التعصب عدو للحق لأن الإنسان إذا تعصب من شان ذلك أن يحمله على أن يؤيد مذهبه وذلك بالحق


المقدم :

أن يكون قوياً على ما هو فيه وعلى معرفته

الشيخ عبد الله  :

نعم القوة أيضاً على الفتوى مهمة الله سبحانه وتعالى يقول لنبيه يحيى ) ييَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ ( مريم (آية:12) فالعلم يحتاج إلى قوة قوة نفسية قوة يعني كما قلنا الشجاعة الأدبية فعلى الإنسان أن يعلن رأيه يقول ما يرى أنه الحق يكون قوياً في الحق ليس خراراً فهذه هي القوة


المقدم :

والكفاية من العيش أيضاً ذكرتها

الشيخ عبد الله  :

الكفاية من العيش ذكرها الإمام أحمد رحمه الله تعالى حتى لا يرضاه الناس لأنه إذا لم تكن له كفاية من العيش فقد يزعجه الناس وبالتالي قد ينساق في حالة من حالات الضعف الإنساني ليفتي هذا بما يراه حسب ما ارتأى أحد علماء المالكية ذلك الأمير في الأندلس بأن يعتق رقبة نعم وفتواه صحيحة لكن يحيى ابن يحيى أفتى بأن يصوم شهرين متتابعين إذا جمع حتى رمضان حتى يزعجه وحتى يعني كانت فتواه من الناحية الفقهية ليست صحيحة


المقدم :

يعني لأن أيسر على الأمير أن يعتق

الشيخ عبد الله  :

يعتق رقبة في سبيل شهوة فرجه عنده رقاب كثيرة وبالتالي وبعضهم أفتى أيضاً ببيع الحبوس في الأندلس لأمير حتى للحاكم لأن هذا إن لم يكن الإنسان في كفاية من العيش فمنن شأن ذلك أن يجعله ضعيفاً أمام الإغراء المادي


المقدم :

معرفة الناس ماذا أراد منها الإمام رحمه الله

الشيخ عبد الله  :

معرفة الناس مسألة في غاية الأهمية وأنا أعتقد أنها مربط الفرس لأنه بمعرفته للناس يعرف حيلهم والتحايل على المفتي لأن الشخص قد يقدم لك قضية بصيغة وبأسلوب ويجعلك تتبنى موقفاً من هذه القضية ليس صحيحاً لأنه نتيجة مبنية على مقدمات هذه المقدمات ليست صحيحة فإن لازم المقدمات بحسب المقدمات أتي النتائج هي بحسب المقدمات وبالتالي معرفة الناس ضرورية شيء أخر هو لأنك إذا عرفت الناس عرفت الوقائع التي يتعاملون بها عندك الآن سندات البورصات يعني هذه الأمور يحتاج الإنسان إلى أن يعرف فيها الناس ما هي الحيل التي يمارسها التجار والباعة ليصلوا بها إلى كسب أو إلى ربح أو إلى أكل أموال الناس بالباطل كل هذه الأمور ضرورية للمفتي ولهذا كان أبو حنيفة كان بزازاً كان تاجر وكان يعرف أمور التجارة فتوسع في هذه القضايا لأنه كان يعرفها فإن لم يكن يعرفها فعليه أن يستعين بمن يعرفها كما قال مالك رحمه الله تعالى يستعان بأهل الصنائع في صنائعهم حتى يحقق المناط ولهذا مجامع الفقه لها نتائج إلى متخصصين في الاقتصاد متخصصين في الأمور الطبية متخصصين في مختلف العلوم والتي تعرض علينا وبالتالي نحتاج إلى تحقيق المناط فيها ونحتاج إلى تشخيص القضية لأنها الخطوة الأولى قبل أن تنظر في الحكم أن تشخص القضية جيداً


المقدم :

جيد تسمح لي اقرأ عليك ما تفضل به سماحة مفتي الديار المصرية سماحة الدكتور علي جمعة في الأسبوع الماضي صرح وشن هجوماً على المفتين في الشاشات الفضائية يقول وجه انتقادات حادة لانتشار الفتوى عبر الفضائيات من قبل غير المتخصصين في العلم الشرعي أو غير المؤهلين للتصدي للفتوى لدرجة حولت الفتوى أحياناً لمشروع تجاري عبر رسائل إلى الجوال أو الفضائيات وأنتقد أيضاً سماحة مفتي الديار المصرية من يبحثون عن القضايا المحسومة لإحداث الأزمة والجدل والخلاف والبلبلة بين الناس ومن ذلك من يقومون بالبحث عن فتاوى قديمة ويضربون بها فتاوى جديدة أو نحو ذلك وضرب سماحة المفتي أمثلة القضية التي تهمني هو فعلاً هذا الزخم الهائل في الفضائيات والذي جعل سماحة مفتي مصر يتحدث عنها بهذا الغضب الشديد الواضح أصبح الآن بعض المفتين في الفضائيات مع الأسف يسببون بلبلة للناس كثيراً ما رأيكم سماحة الشيخ

الشيخ عبد الله  :

هو كلام صحيح جداً كلام فضيلة الدكتور علي جمعة صحيح وبكرى أنا سأكون في الكويت لأقدم محاضرة عن هذا الموضوع عن فتاوى الانترنيت يعني لأنها ندوة عملوها وكان المفروض أن أكون هناك في الصباح لكن بسبب البرنامج غيرت برنامجي وسأسافر من هنا بإذن الله إلى هناك الإشكال كبير لكن هذه هي ضريبة الوضع العالمي ضريبة التقدم والتكنولوجية ضريبة وسائل المواصلات ووسائل الاتصال هذه ضريبة علينا أن نتحملها علينا أن نحاول بشيئاً من الإبداع وشيئاً من العبقرية حتى نحيد هذه الفتاوى الضارة وهذه النبتة الفاسدة حتى نحيدها وبالتالي حتى نبقي على الصالح وأن نزود عن كل ما ينفع الناس في الأرض


المقدم :

لكن أحسن الله إليكم فيما يتعلق إذا وجد في الأمة مفتين جهلة ما الموقف سواء من الحكام أو من عامة الناس يعني هل لنا موقف ممكن يعني مثل الذي في الانترنيت أنت تشير معالي الشيخ إلى هجوم شديد على الانترنيت وعبث بل بعضهم يعني سبب مشاكل وويلات للأمة ما موقفنا

الشيخ عبد الله  :

هو في الحقيقة علينا أن نزجر هؤلاء بقوة الدليل والحجة لأن الزجر الآن بغير ذلك يعني أصبح نوعاً من العبث يعني ماذا تصنع معهم ناس يشتغلون في سراديب يشتغلون في كل مكان يعني حتى الدول الكبرى يعني لم تستطع الآن السيطرة على الانترنيت فأنت ستجابههم بالحجة كان الشيخ الإسلام ابن تيمية كان شديداً على هذا النوع من المفتين فقال له شخص يوماً هل أنت محتسب على الفتوى قال سبحان الله يكون على الأسواق محتسب ثم لا يكون على الفتوى محتسب ماذا يعني


المقدم :

يعني ترى ضرورة الرد أيضاً أن لا تترك مثل هذه الفتاوى تعبث بالأمة

الشيخ عبد الله  :

هو يعني فرق بين ما انتشر وما لم ينتشر الفرق بين الفتوى التي تهم العموم وتهم الجمهور مع أن كل الفتاوى مهمة لأنها تتعلق بحكم شرعي ويجب أن لا نترك أحداً ليقول على الله ما ليس بحق


المقدم :

طيب اسمح لي أن أخذ مجموعة من الاتصالات ثم أعود لمواصلة الحديث معكم أبدأ بالدكتور محمد بن عبد الله الخضيري مرحباً بكم يا دكتور محمد تفضل

المتصل :

السلام عليكم ورحمة الله في مداخلتي هذه أحب أن أؤكد على قضية وأشار إليها فضيلة الشيخ المفتي ناطق بالحكم الشرعي ومبين عن الله تعالى وهو موقع عن رب العالمين وهذه فهمها الصحابة والتابعون وعلماء الإسلام يعني حينما فهمومها على هذا الوجه علموا شأن الفتوى ولم يدخلوا فيها ولم يتجاسروا عليها بل الأمر حقيقة كما قال عبد الرحمن بن أبي ليلى كلمة عظيمة جداً يقول تركت مائة وعشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما منهم رجل يسأل عن شيء إلا وأبدى أن أخاه كفاه ولا يحدث حديثاً إلا ود أن أخاه كفاه وأبو داوود رحمه الله يقول لا أحصي ما سمعت عن الإمام أحمد يسأل عن كثير مما فيه الاختلاف فيقول لا أدري وقصة الإمام مالك رحمه الله حينما وردت عليه أسئلة كثيرة من المغرب فأجاب عن بعضها وقال عن الباقي لا أدري فقال السائل ماذا أقول لمن ورائي والذي أرسلني قال قل لهم مالك لا يدري فكانوا يمرون إلى خلاص أنفسهم قبل أن يخلصوا السائل وحقيقة إذا كان هذا حال القوم في الفتوى الفردية الخاصة فماذا يكون الوضع في فتاوى أحكام يسمعها الملايين من البشر عبر الفضائيات والإذاعات وحقيقة كم هي مسؤولية المفتي على ذلك وإذا كنا في هذا الوقت الذي يعني غاب أو غيب الموت عدد من أئمة الفتوى الكبار من علمائنا الأجلاء هنا في هذه البلاد وفي عدد من البلاد الإسلامية إلا أننا لا زلنا والحمد لله ولا نحبط أو نيأس فيه والحمد لله في الساحة الفقهية علماء أجلاء وباحثون متميزون سددوا وكفوا جزءً كثيراً من النقص في قضية العلم الشرعي وقضية الفتوى ويسلكون مسلك التفصيل ومقابل هؤلاء أيضاً فقد كثير أخيراً بكل أسف نماذج من فتاوى ومفتين عبر عدد من وسائل الإعلام وخاصة الفضائيات التي ضعف فيها التأصيل العلمي يعني فتاوى ضعف فيها التأصيل العلمي ورد المستفتي بالدليل ومنها ما هو واضح أنه يتقصد الرخص بمنهجية غير منضبطة بل بدعوة التيسير أحياناً وهذه القضية تحمل ما لا تحتمل وتفهم على غير وجهها الصحيح الذي يقول ربيعة ابن أبي عبد الرحمن كلمة عجيبة ذكرها عنه ابن القيم يقول استفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم ويقول بعض من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السراق فكيف يشير البعض كما تفضل الشيخ قضايا معلومة محسومة يشغلون عن أهل الفتوى ويتحدثون فيهم وللأسف ك له حمى وسياج وحصن في كافة التخصصات أما نجد الفتوى فيتحدث فيها من لا يعرفها ينطق بما لا يعرف من أي متخصص ومن أي كاتب بل ويحاكم ويخاصم ويتحدث عن المفتين وفي قضية فتوى المجمع الفقهي في قضية الزواج مع إسقاط حق النفقة وبعض الفتاوى المرادفة معها كم حصل لها من كلام ومن تعليق ومن همز ولمز من أشخاص لم يعرف لهم وضع في العلم الشرعي ما خبو فيه ولا وضعوا بل لا يعرف لهم مقام قوي في دين الله تعالى إذاً لا بد حقيقة من حصانة يعني من أهل العلم فيما بينهم من الروابط الفقهية التي تساعد كثيراً على هذا الأمر يعني نقطة أخيرة من باب الرحمة واليسر والسماحة فلا بد من إدراك أنه إذا وضح الحكم الشرعي بدليل صحيح فيسمى اليسر والرحمة وبالتالي اليسر والرحمة وصف للشريعة في أصولها الاستدلالية وفي تطبيقاتها الواقعية ولهذا كان من منازل ) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين ( الفاتحة (آية:5) تعظيم الأمر وهذه قضية عظيمة جداً لو كان يفطنها كل متحدث في القضايا الشرعية وخصوصاً الفتوى تعظيم الأمر والنهي وهو أن لا يعارض الأمر والنهي بترخص جافٍ ولا بتشدد غالي ولا بعلة من الموقيات وما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان إما إلى تفريط وإضاعة وإما إلى إفراط وغلو ودين الله تعالى وسط بين الجافي عنه والغالي فيه بختام كلمتي يعني كم تحتاج الفتوى عامة وفي الفضائيات خاصة إلى ضوابط منهجية من خلال رابطة للمفتين تسعى إلى تضييق مساحات الاختلاف في بعض القضايا المهمة التي يسأل عنها الناس يومياً ومن جانب أخر كم هي مسؤولية الإعلام بقنواته الصحافة وإذاعة وقنوات عامة مسؤولية كبيرة في انتقاء المتميزين للفتوى المؤهلين من خلال يعني القوة العلمية والأمانة والديانة وما أكثرهم والحمد لله وفي الختام أشكركم على هذه الحلقة والسلام عليكم


المقدم :

شكراً دكتور محمد معي الدكتور علي بن حمزة العمري أيضاً من السعودية دكتور علي تفضل أهلاً بك

المتصل :

حياكم الله وبارك فيكم بسم الله الرحمن الرحيم حياك الله أبا ياسر وحيا الله سماحة شيخنا العلامة عبد الله بن بيه على حضوره فقد كان قبل أيام في بريطانيا يناقش قضايا المسلمين ويفتي على أجوبتهم وغداً في الكويت واليوم عندكم فنسأل الله أن يطيل عمره على حسن عمله نقطة أبا ياسر في مسألة الدعاة والفتوى هناك طبعاً الدعاة كلهم على خير إن شاء الله وينبغي أن نثق بهم جميعاً ولكن البعض دخل اليوم في دائرة الفتوى وقدم جانب المصالح على النصوص الشرعية الواضحة فعندما تنقل له بعض فتاوى العلماء يقول هؤلاء العلماء يعني نحن ننظر في الأمور والعالم ربما لا يعرف ما يجري في الواقع فيقللون من حال العلماء وكأنه لا دور لهم ولا معرفة لهم بما يجري في الساحة فتقدم عندهم مسألة المصلحة على مسألة النص الشرعي وعندما يناقشون في مسألة المصالح فلا تجد عندهم لا تتبع للنصوص ولا استقراء للأحكام الجزئية ولا معرفة أدوات التعليل فكل هذا غائب عن بعضهم فيفتون مباشرة ويفعلون ببعض الأمور المحرمة الواضحة بحجة المصلحة


المقدم :

ممكن نفهم أكثر

المتصل :

يعني مثلاً البعض من الدعاة رأيناهم في وسائل الإعلام يتصورون مع النساء وهم لا يرتدون الملابس المحتشمة صور يعني عادية جداً للذكرى فتسأل هذا الداعي ماذا يقول حتى النساء يستفدن من هذا اللقاء أو يكون عندهم ذكرى طيبة وأمثال ذلك من الأمور التي يسأل عنها الناس جزئية أخيرة بالنسبة للدعاة يعلق عليها سماحة شيخنا عبد الله حفظه الله أن هناك بعض الدعاة لم يسمعوا ولا يعرفوا ما يدور في المجامع الفقهية وخاصة الأوروبية وما يجري فيها من مستجدات العصر فإذا ما صدرت فتوى هناك وأنا قد حدثت بعض العلماء قبل يومين عن فتوى صدرت من المجمع الأوروبي للإفتاء وقلت له الرأي الذي استند إليه المجلس قال هذه الفتوى غريبة ولا أعرف أن أحد قال بها فعندما ذكرت له ما نقله المجلس من فتوى كبار الصحابة وبعض التابعين فاستعجل أنه ما أظن أنه يقال بها فلماذا لا يسمع البعض ما يجري في المجالس الفقهية ويثق بكبار العلماء ويظن فيهم ظناً خير ويسأل الله سبحانه وتعالى لهم التوفيق وأن يستمع إلى الأدلة التي قالوها حتى نجمع الدعاة وكما قلت كلهم على خير شاكراً لك هذا الاستماع


المقدم :

شكراً يا دكتور اسمح لي قبل ما استعرض ما تفضلوا به خصوصاً الدكتور محمد يمكن كان في نفس المحاور التي نتحدث عنها وقال أنهم يقدمون خلاص النفس الدكتور محمد الخضيري يقول يقدمون خلاص النفس على خلاص السائل في الفتاوى الفردية فكيف بالعموم التي تنتشر على الفضائيات ووسائل الإعلام وتكلم عن ضعف التأصيل العلمي والذي ينطلقون بدعوة التأثير وهم لا يفهمون هذا المعنى وبالتالي ممن عندهم تأصيل فضلاً عن أن ينطلقوا بالتيسير

الشيخ عبد الله  :

الذي تفضل به الدكتور محمد الخضيري والدكتور علي نشكرهم على ما تفضلا به وأود أن أقول أني اتفق مع ما ذكرا والقضية تحتاج إلى تفصيل في الحقيقة التيسير قد يكون مرجحاً من المرجحات وذكر ذلك الأصوليون واختلفوا في المراجيح عند التعارض بين الدليلين فبعضهم قال يرجحه بالشد بناءً على حديث ابن عمار ابن عماراً كان يقدم الأشد في حياته وإن كان هذا الحديث لفظه فيه اضطراب هل هو الأرشد أو الأشد أو الأسد مع أن التيسير ورد فيه أحاديث كثيرة وردت فيه نصوص قرآنية ) يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ( البقرة (آية:185) ) وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ( الحج (آية:78) ) يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً ( النساء (آية:28) يسروا ولا تعسروا ما خير النبي صلى الله عليه وسلم  بين أمرين إلا اختار أيسرها ما لم يكن إثما يقول الشاطبي أن ترك الإيمان سهل لأن الإثم ترك وليس عملاً فإذا وجد تعارض بين الآراء أو تعارض بين الأقوال أو تعارض بين الأدلة المعتبرة فإن جانب اليسر


المقدم :

فرق بين الآراء والأدلة إذا وجدت الأدلة خلاص

الشيخ عبد الله  :

حتى الأدلة يكون بينها عارض


المقدم :

نعم لكن هذا تعارض بين الأدلة لكن المقصود لا يوجد عند الرأيين دليلين

الشيخ عبد الله  :

نعم هو التيسير لا يكون من فراغ بمعنى المصلحة التي تفضل عنها الدكتور علي بأن يقول هذه المصلحة المصلحة ليست دليلاً مستقلة المصلحة إنما تكون دليلاً بضمينة شيء أخر وبالتالي المصلحة تكون دليلاً مقصدياً إذا اعتمدت على مقصد ضروري بمعنى الضروريات الخمس النفس والماء الدين والنفس والمال والنسل والعقل إذا اعتمدت هنا يعتمدها مالك لأن الصحابة اعتمدوها كدليل مثلاً عمر رضي الله عنه لما أوقف جزءً من حد الزاني البكر الحديث فيه جلد مائة وتغريب سنة إذا غرب شخصاً نفاه التحق بأرض العدو حينئذ رأى أن المحافظة على دين هذا الشخص عوذاً من المحافظة على حد الجزي أوقفها عند حدي الجزي وقال علي رضي الله عنه كفى بالنفي شتاتاً فتعاملوا حينئذ مع المقصد الكلي إلى جانب الدليل الجزئي هذا تعامل دقيق يحتاج إلى وزن وإلى ميزان صحيح لكن بعض الناس قد يخطئ وأنا قلت مرة أحاول أن أسدد وأرتب للمجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء ميزان الفقيه يجول طوراً إلى طرف فيفرط أو يضيع يعني المسألة تحتاج إلى وزن حتى لا نفرط ولا نضيع لذلك عثمان رضي الله عنه لما باع الضال للإبل ووضعها في بيت المال لأن الزمن خربت والديانة خفت وبالتالي رأى أن هذا من السداد وقال فيه الأصل 


المقدم :

وعمل فيها في المملكة في فترة مضت عملت بهذه الفتوى المملكة لما حصل من الإبل تسيب وصار في حوادث في الطرق فضمت

الشيخ عبد الله  :

صحيح هذه مصلحة شرعية معتبرة وعثمان رضي الله عنه أيضاً لما فرق تماضر الأسدية من عبد الرحمن بن عوف الذي طلقها في مرض كان ذلك مراعاة لنقيض القصد والمألات وعلي رضي الله عنه لما ضمن الصناع هذه الأمور ليست بدعاً لكنها تحتاج إلى ميزان تحتاج إلى صانع تحتاج إلى خفاف كما سماها ابن رشد الحفيف قال إن الذي يحفظ النصوص مثل شخص عنده خفاء يبيعها لكنه لو أتاه شخص قدمه لا يوافق خلاص ما باعه شيئاً فلا بد أن يكون خفافاً يجيد صناعة الخف حتى يستطيع أن يقدم لكل شخص ما يحتاج إليه


المقدم :

طيب في هذا السياق لو سمحت لي وأنت تتحدث عن التيسير بين يدي مجموعة من القضايا التي سبق أن تفضلتم بها أنت تقول بأن المفتي المستبصر هل هو أولاً هذا سؤالي قبل ما أقرأ عليك هل هو كل من يأخذ بالوسط في كل مسألة أنت ذكرت في معرض لقاء أجري معكم معالي الشيخ أن الوسط صعب تعريفه جداً وصعب أن نحدده ثم قلت إذا أردنا أن نتعامل على صعيد عملي نقول أنها توازن بين الثوابت والمتغيرات بين الماضي والحاضر في الزمان بين الكليات والجزئيات الوسطية قد تكون دقيقة إذا لاحظناها من زاوية المبادئ والتطبيقات لنوضح هذا المفهوم ثم نقلت كلاماً عن الشاطبي وغيره الآن الذي ينادى به هذه الوسطية وهذا التيسير هو الذي جر بعض المفتين كما قال الدكتور محمد الخضيري قبل قليل إلى أن يبحثوا عن التيسير ويضيعوا التأصيل العلمي الشرعي

الشيخ عبد الله  :

صدق هي مسألة التأصيل العلمي مسألة صعبة هو كما يقول المثل الغربي حكمة تؤخذ من غير حكيم يقولون أن النقد سهل لكن الفن صعب يعني أن تكون فنان يعني عندهم


المقدم :

لا بالعكس أنا أؤيد هذا النقد السهل في مجتمعاتنا

الشيخ عبد الله  :

لكن التوسط هو قيمة وهذه قيمة في ديننا يقول الحسن البصري رحمه الله تعالى أن الدين واسطة بين التقصير وبين الغلو ويقول ابن عباد أن النفس دائماً طموحة إلى الاهراق أو التفريط فالوسطية يعني قيمة ذكتها أمثلة من القرآن الكريم عندما يقول الله سبحانه وتعالى ) وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمْ يُسْرِفُواْ وَلَمْ يَقْتُرُواْ وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً ( الفرقان (آية:67) ويقول سبحانه وتعالى ) وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً ( الإسراء (آية:110) هذا السبيل وهذا القوام هو الوسط ) وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ ( الإسراء (آية:29) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول القصد تبلغ فهذا القصد وهذا القوام وهذا السبيل هو عبارة عن الوسطية لكن كيف نتعامل مع هذا الوسط أمامك ثلاث مدارس يقول الشاطبي ثلاث مدارس المدرسة الأولى هي مدرسة تأخذ بظواهر النصوص ولا ترى في المعاني متمسكاً والمدرسة الثالثة أقول الثالثة لأني سأرجع إلى الثانية هي مدرسة تقول ببواطن النصوص ولا ترى في الظواهر متمسكاً وبالتالي تبتعد عن النصوص والمدرسة الوسط هي التي تأخذ بظواهر النصوص وتأخذ من المعاني أيضاً بالمقاصد الكبرى الجزية وهذا هو الميزان لأن الفقه هو علم أنا أقول لطلبتي لا يمكن لشخص أن يدخل في مختبر كيمياء ثم يتعامل معه وهو جاهل والفقه كذلك لا يجوز للإنسان أن يمتطيه بدون بردعة لا يجوز لشخص أن يرتجل فقيهاً يرتجل نفسه فقيهاً زعيماً يفتي هذا أمر ليس صحيحاً الفقه هو عمل وصناعة وتعامل بمعنى التكلف تعامل يحتاج إلى معرفة الجزئيات والكليات إلى ميزان يزن به الجزئيات والكليات حتى يعرف وحتى تتضح الطرق وتتضح السبل له وبالتالي حتى يفتي على بصيرة وبينة من علمه


المقدم :

جميل أنا عندي مجموعة من القضايا للإخوة والأخوات في المنتدى استطعت حاولت جاهداً أن أنقلها من خلال المحاور ولذلك يعذروني إخواني أنني لن أذكر صاحب كل قضية لكن بين يدي مجموعة من القضايا الآن أعرضها على الإخوة ولعل المخرج أيضاً يتكرم بعرضها سآخذها واحدة واحدة من خلال هذه القضايا هذا سائل يقول هل الفقه يحصل بمجرد القدرة على مراجعة المسألة من مظانها أم لا بد من معرفة المسائل على وجه التحقيق ويحتاج إلى معرفة أصول معينة معالي الشيخ وهذا أيضاً سؤال قريب منه هل يمكن أن يكون الإنسان المطلع القارئ الذي يستطيع أن يحضر مجموعة من الدروس ويقرأ مجموعة من الكتب حتى يكون مفتياً إلى غير ذلك من المسائل

الشيخ عبد الله  :

هو هذه المسألة غاية في الأهمية لأن المتصرف في الأدلة وفي الوقائع هو المفتي وبالتالي شدد العلماء الأوائل طبعاً في زمن الصحابة المفتي الأول في زمن النصرانية هو رسول الله صلى الله عليه وسلم بوحي من الله سبحانه وتعالى الله أفتى الناس فيقول ) قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ ( النساء (آية:176) ) وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَآءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ ( النساء (آية:127) فالله سبحانه وتعالى يفتي على لسان نبيه والنبي صلى الله عليه وسلم يفتي ومن باب من أفتى يقول البخاري الفتية على الدابة الفتية بالإشارة باليد كل ذلك يكون قضايا فتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أصحابه الكرام وكان المفتين من الصحابة معروفين لما لهم من الثقة والعلم والورع والسابقة في الدين لكن بعد ذلك احتاج العلماء إلى أن يضعوا صفات المفتي أولاً كان عن طريق التزكية الإمام مالك رحمه الله تعالى كما تفضل الدكتور محمد الخضيري بالإشارة إلى مواقفه من الفتوى يقول ما أفتيت حتى شهد سبعون شيخاً لي محنكون وعمائم تحت حنكهم علامة قال ذلك لأن المقاصد يعني الإمام مالك أفتى فقال أجسرت عليها والله ما أفتيت


المقدم :

عشرين سنة يفتي عمره عشرين سنة ويفتي الآن

الشيخ عبد الله  :

نعم ما أفتيت حتى شهد سبعون شيخاً لي وقال للشافعي أفتي فأمر الشافعي بالفتوى لكنه منع بالنقاش فكانت تعتمد على الشهادة ثم أيضاً بعد ذلك بدأ العلماء يعدون الخصال يقول إمام الحرمين الجويني رحمه الله تعالى في كتابه البرهان المفتي هو مناط الأحكام وملاذ الخلائق في ترتيل الحلال والحرام وقد عد أبو إسحاق أربعين خصلة يجب أن تتوفر فيه ليكون مفتياً ويضع الخصال التي تعرفونها المتعلقة بالعلم بالكتاب والسنة وعلم أحوال الرجال نقلة الحديث


المقدم :

ربما نأتي عليها أيضاً في سياق الحلقة

الشيخ عبد الله  :

وجواباً على ما يذكر لا يمكن أن يكون بمجرد الاطلاع على بعض المسائل لا يدري إن خصصت في مكان أو وجدت في مكان أخر يعني وخبايا الزوايا كما سمى أحدهم كتابه يعني أمور لم ترد فيها أرباب لكنها في باب أخر خبئ في باب أخر ودار ارتياض طويل على الفتوى أن يرتاض الإنسان .

 

المقدم :

طيب تسمح لي أخذ مجموعة اتصالات ثم نعود لمواصلة هذه القضية معي مجموعة من الاتصالات أبدأ بفضيلة الدكتور عبد العزيز الفوزان دكتور عبد العزيز أهلاً ومرحباً بك تفضل فضيلة الدكتور

المتصل :

أولاً يعني أستاذ فهد اسمح لي أن أهنئك على هذا النجاح لهذا البرنامج المبارك ثم أشكر فضيلة الشيخ على جهوده المباركة وعلى رأسها حقيقة جهوده في مجال فقه القليات والهم مشترك حيث أنني أعمل على هذا المشروع منذ سنوات وأتمنى أن يكون بيني وبين الشيخ تواصل في هذا الحقيقة الموضوع الذي تتحدثون عنه غاية في الأهمية خصوصاً في ظل الفضائيات القائمة والصحف التي تمتلئ بالفتاوى والمواقع في الانترنيت من جهات عديدة ليس لها ضابط مع الأسف في كثير من الأحيان حقيقة فضيلة الشيخ أنه يعني لا يخلو زمان ولله الحمد من قائم إلا بحجة والنبي صلى الله عليه وسلم يقول لا تزال طائفة من الناس على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتى يأمر الله وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام قد حسنه جمع من العلماء يحمل هذا العلم من كل خلف عدول وينفون عنه تحريف المغالين وامتحان المبتلين وبغي الجاهلين أما ما أشار إليه فضيلة الشيخ من حكم الفتوى فهي كما ذكر أنها فرض كفاية والعلماء نصوا أنه ما لم يكن في البلد واحد أو مجموعة لا تحصل الكفاية إلا بهم فإن الفتوى تكون فرض عين عليهم والآن حقيقة لو تأملت في واقع بلاد العالم الإسلامي كلها لا تكاد تجد بلداً فعلاً سدت لهذه الحاجة على أكمل وجه فأقول كل القادرين على الفتوى من المتعين عليهم أن يقوموا بهذا الواجب أن لا يبخلوا على الناس ما أكرمهم الله من العلم أما ما أشار إليه فضيلة الدكتور محمد الخضيري وعلق عليه أيضاً فضيلة الشيخ عن خطورة الفتوى بلا علم هذه أيضاً الحقيقة مهمة جداً ويأتي في هذا قول الله عز وجل ) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ( الأعراف (آية:33) يقول هذا التفسير إن الله عز وجل رتب هذه المحرمات والمنكرات العظيمة من الأخف إلى الأغلظ وجعل أغلظها وأشنعها القول على الله بلا علم حتى أغلظ من الشرك قالوا لأن ما قيل على الله بلا علم هو اكبر من الشرك من زعم بأن لله ولداً ولأن الشرك يقتصر ضرره في الغالب على صاحبه بخلاف القول على الله بلا علم أو ما يتعداه إلى غيره ولهذا كثر كلام العلماء رحمهم الله في التحرير من القول على الله بلا علم حتى قال القاسم المحمد ابن أبي بكر رضي الله عنه لما سأل عما سلف قال لا أحصيهم فكرر عليه السائل قال لا تنظر إلى طول لحيتي وكثرة الناس حولي والله ما أحسنه وروى أبو عمر ابن الصلاح بسنده كما ذكر ابن عبد البر رحمه الله عن أحمد ابن حنبل قال قال الشافعي قال مالك قال محمد ابن عدنان إذا أغفل العالم لا أدري إذا أصيبت مقاصد يقول هذا إسناد جليل عزيز جداً لاجتماع أئمة المذاهب الثلاثة أحمد والشافعي ومالك رحمهم الله أجمعين وأبو الحسين رحمه الله يقول قولته المشهورة التي يعرفها كثير من الناس يقول أن أحدكم ليفتي في المسألة ولو عرضت على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر ورأى رجل ربيعة عبد الرحمن يبكي فقال ما يبكيك قال استفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم ولبعض من يفتي ها هنا أحق بالسجن من السراق وكما يقول بعضهم أيضاً وهي كلمة حقيقة معبرة جداً يقول أشقى الناس من باع أخرته بدنياه وأشقى منه من باع أخرته بدنيا غيره وأحب حقيقة أن أؤكد على قضايا مهمة جداً في بعض أخطاء المفتين المتعالمين مع الأسف وهي مهمة في هذا الموضوع المطروح من الأخطاء حقيقة التي انتشرت بكثرة التسرع في الفتوى قبل التثبت وتصور الواقعة وقد تجد كثيراً من بعض طلاب العلم يتسرع في الفتوى قبل أن يتصور الواقعة خصوصاً إذا كانت من مسائل الأقليات المسلمة أو من بلاد أخرى غير المعروفة فالواجب حقيقة أن يتثبت ويتصور الواقعة قبل أن يفتي فيها وأذكر شيخنا العلامة محمد ابن عثيمين رحمه الله كنت وقت وجوده في أمريكا اتصل عليه كثيراً ربما في الأسبوع مرة أو مرتين وإذا أتيت في الإجازة الصيفية أتي محملاً بكم من الفتاوى أذكر رحمه الله أنه لا يفتي في مسألة حتى يسألني بالتفصيل عن الواقعة حتى يتصورها تماماً كأنها بين عينه ثم بعد ذلك يفتي رحمه الله من الأخطاء الفادحة الكبيرة وقد أشار إليها فضيلة الشيخ قبل قليل تتبع الرخص والأخذ بالأخف واليسر والأسهل وهذا مع الأسف أصبح الآن منهجاً لبعض المفتين المشهورين مع الأسف الشديد بل ناقشت أحدهم وأنا أعتبره من المشايخ الكبار ونستفيد من علمهم لكن مع الأسف عنده هذه القناعة أنه إذا اختلف العلماء في مسألة فلا بأس أن تأخذ باليسر والأخف منها والعلماء حقيقة حذروا من هذا أشد التحذير فدين الله عز وجل ليس بالهوى ولا بالتشهي والأخذ بالرخص وتتبع الأسهل واليسر هو من التلفيق في دين الله عز وجل ومن هذا كان ابن القيم رحمه الله يقول لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع بك الشر كله يقول ابن عبد البر رحمه الله تعليقاً على هذا هذا إجماع لا أعلم فيه خلافاً وقال إسماعيل القاضي ما من عالم إلا وله ذلة ومن جمع ذلل العلماء ثم أخذ بها ذهب دينه إذاً ما من عالم حقيقة قديماً أو حديثاً إلا وله شذوذ وزلات في مسألة أو مسائل عديدة فمن أخذ بالشواذ فقد شذ عن الإسلام والله عز وجل تعبدنا بحكمه وناسب ما قاله سبحانه وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس بقول فلان أو فلان ولهذا قال الله سبحانه وتعالى مبيناً القاعدة في حال الاختلاف ) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ( الشورى (آية:10) وقال ) فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ( النساء (آية:59) ولم يقل خذوا بأي القولين


المقدم :

فضيلة الدكتور لعل هذه أخر نقطة الله يحفظك

المتصل :

نعم لو سمحت لي بنقطة أخيرة يقابل هذا الأخذ بالأغلظ والأشد بكل شيء والأمر كما قال سفيان الحسيني رحمه الله إنما العلم عندنا برخصة من ثقة أما التشديد فكل أحد يحسنه بقيت نقطة لو سمحت يا شيخ فهد اسمح لي أن أختم بها وهي من الأخطاء الكبيرة أيضاً وأنا أيضاً واجهت شيئاً عجباً في هذا الباب من بعض طلاب العلم المبتدئين أن تجد بعضهم يأخذ بنص واحد في المسألة ويجهل بقية النصوص التي تقيد مطلقها أو تخصص عامة أو تنسخها ثم إذا قلت له هذا الكلام غير صحيح قال لا ما أتيت به من جيبي هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لكن الذي قال هذا الكلام المطلق أو العام والذي قيده وخصصه في مقام أخر أيضاً العلماء رحمهم الله كانوا يقولون لا يجوز للمفتي أن يفتي حتى يرى أو يعرف رأي العلماء الآخرين غير علماء بلده أيضاً ولهذا يقول بعضهم من لم يعرف اختلاف الفقهاء فليس بفقيه بل قالوا فلا تعدوه عالماً ويقول أبو العطاء الخرساني رحمه الله لا ينبغي لأحد أن يفتي الناس حتى يكون عالماً باختلاف الناس فإنه إن لم يكن كذلك رد من العلم ما هو أوثق من الذي في يده .


المقدم :

أحسنت شكراً يا دكتور أشكر الدكتور عبد العزيز الفوزان شكراً لاستضافتنا للدكتور معي الدكتور وليد الرشودي من السعودية دكتور وليد أهلاً وسهلاً بك

المتصل :

أهلاً بك وبمعالي الشيخ عبد الله أنا حقيقة لن أطيل عليك شيخ فهد وسوف أتي على النقاط وسوف أبدأ من قبل أن ينتهي الشيخ عبد العزيز الفوزان وهي قضية تتبع الرخص ونحن كلنا نعلم أن القاعدة المشهورة أن من تتبع الرخص للفقهاء كما يقولون وهذه خطيرة على دين المفتي قبل أن تكون على المستفتي وأنا أريد أن أذكر أيضاً بالفتوى حيث أن بعض أهل العلم أدرجهم في قول الله عز وجل ) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ ( الزمر (آية:60) وأنه نص على جريمة مفتونة بغير علم ونحن نرى اليوم من الأمور التي تحزن وأوجه سؤالي إلى معالي الشيخ خطورة الهجوم على رأي الجمهور وعدم الاعتزاز به وكأنه يساوى بالأقوال الأخرى وقد سمعنا جمع من مشايخنا رحمة الله على الأموات وحفظ الله الأحياء أنه غالباً أن رأي الجمهور ما يكون موثقاً إلى الدليل وأقرب إلى الصواب ونحن نرى اليوم الجرأة على مثل التجرؤ على رأي الجمهور وعدم الاعتزاز به الأمر أيضاً المحزن أن نرى القراءة الاسقاطية للنص وعدم كما ذكر الشيخ قبل قليل العلم بالخلاف والناسخ والمنسوخ هذا أمر عظيم أنا أريد إن سمحت لي باقتراح على برامج الفتوى التي تذاع عبر الفضائيات وهو أن المفتي أن يقدم في مقدمة الحلقة خطورة السؤال والجواب وأنه ليس أن يقول الجواب الذي يسمعه المستفتي قطعياً في الجواب وإنما هو ما بدا للمفتي وقد يكون أن يفوت عليه ما هو أصوب منه لأنه بشر وفوق كل ذي علم عليم ومن الأمر المهم أيضاً توقير العالم وأنه حينما العالم يفتي بفتوى قد لا يوفق فيها للصواب ليس معنى هذا أنه يسقط حقه وأن يغيب جهده في تبيين العلم للناس وإنما أن يكون عنده جرأة في الحلقة التي بعدها وأن يقول أنا أخطأت في المسألة الفلانية والصواب أن يكون كذا وكذا وقد رأيناه في مشايخنا الكبار وهو معروف في محل الدرس فيمن يعلم وكذلك أنا أريد أن أبين في خاتمة قولي أن الناس يغترون بمن يكتب الله تعالى له شيئاً من القبول ظهور في الفضائيات أو في المحاضرات ويكون خلفه جمع من الناس فيأتي من أخر القافلة فيكون هو المستفتى فأنا مثلاً وليد الرشودي طالع في فضائية ونظر إليه جمع من الناس تجد مباشرة يتحول إلى مفتي بقدرة قادر يا إخوان هذا أمر خطير فكيف مباشرة يتحول مثل هذا الرجل إلى مفتي ويجب أن نميز أن ما بين المفتي يعني له آلياته وله أموره وله علمه في النصوص ولذلك أنا أنصح كل من مّن الله عليه وخرج في الإفتاء أن لا يفتي إلا بدليل وأن لا يختصر الجواب بقوله يجوز أو لا يجوز وإنما يعود الناس على الدليل وأن يبين لهم أن المحجة وأن الأمر وأن التعبد لله تعالى هو بالدليل قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين أما إن تجرد جوابه عن الدليل فإنه وإن استمر فسوف يسقط يوماً من الأيام ولا يعتبر بقوله ولو أخذنا إلى من يمر على الدرب وسمعنا فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد ابن عثيمين تجدها لا تخرج إلا بالدليل رحمة الله تعالى عليه ونرجو الله أن يوفق الجميع وشكراً لك أخي الكريم


المقدم :

شكراً للدكتور وليد شكراً لكم جميعاً بعد الفاصل نواصل حديثنا مع معالي الشيخ عبد الله بن بيه بإذن الله ابقوا معنا أهلاً ومرحباً بكم مشاهدي الكرام مرة أخرى مع صناعة الفتوى وضيفنا معالي الشيخ عبد الله بن بيه مرحباً بكم معالي الشيخ مرة أخرى اسمح لي أن أمر على نقاط أنتم تحدثتم عنها في كتابكم الذي سيطبع قريباً وهو جزء مما تحدث عنه بعض الإخوة تكلمتم عن التطور الذي حصل في صناعة الفتوى الذي لم يعد المجتهد المطلق بل المقلد الناقل معه خليني أربط هذا الكلام بما تفضل به الدكاترة قبل قليل وأتحدث أيضاً عن خطورة الفتوى هذه تكلمنا عنها ما تفضل به الدكتور عبد العزيز أخطاء بعض المفتين هذا جزء من هذه النقلة تعليقكم

الشيخ عبد الله  :

بسم الله الرحمن الرحيم الحقيقة ما تفضل به الإخوان هو في غاية الأهمية فضيلة الدكتور عبد العزيز الفوزان ويسرني أنه يشتغل بفقه الأقليات الذي هو فقه يحتاج إلى كثير من الصناعة لأن أوضاعهم أوضاع ضرورات وأوضاع حاجات وبالتالي أوضاع يؤثر فيها الزمان كثيراً وعندما نقول الزمان هو أهل الزمان لأن الدهر ما الدهر إلا ليلة ونهارها وإلا طلوع الشمس ثم غيارها لذلك عندما نتحدث عن الزمان نتحدث عن أهل الزمان وهذه الأقليات والحقيقة تحتاج إلى كثير لا أقول أقول من التفلت والانحلال لكن من الرخص كما تفضل ولهذا قضية الاختلاف قضية مهمة اختلاف العلماء كما جاء في الحديث المنقطع أنا أقول منقطع لأنه ليس ثابتاً باختلاف أمة رحمة الذي رواه البيهقي في سند منقطع عن ابن عباس وذكره الحليمي وإمام الحرمين وغيرهما هذا الاختلاف كما يقول الأحناف كلما كان الاختلاف أكثر كانت الرحمة أوفر هذا له وجه وهو أنه كما قال عمر ابن عبد العزيز من سلك طريقاً فقد سبق إليها وبالتالي لم يبتدع شيئاً من نفسه ولهذا يجب أن نستثمر اختلاف العلماء في القضايا المتجددة لأن هذه القضايا أكثرها ما فيها حرج ودخلت على الناس في البيوت تأتي كل الناس بوقت واحد وأمر هي حرج أيضاً صحيح هو يجب على الإنسان أن لا يقول إلا بعلم لا تقولوا لما تصف ألسنتكم كيف هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ) قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ ( يونس (آية:69) هو كيف قرر الله سبحانه وتعالى ولم يرد عليه الضمير بل أظهره حتى يظهر أن هذا من باب الكذب لكن الاختلاف في مشارع الظنون وفي القضايا التي ليست من القطعيات هذا أمر معتبر وبالتالي على الفقيه أن يكون بصيراً في هذا الاختلاف صحيح العمل بالقول الراجح هو الذي يراه الجمهور كما قال في مراقي الشعور تقول رؤية الشق هو ترجيح أو جبل أخلى به الصحيح لكن أبوك الباقلاني وعمل به أباه القاضي وبه الظن يكون القاضي يعني إذا كان فقط القضايا مسالة ظنون هنا يتدخل المقصد الشرعي قد يكون الشيء صحيحاً بالأمس وبالتالي راجحاً في الأمس لكنه اليوم مرجوح


المقدم :

إذاً عدم وجود الجرأة على ذاك الرأي كما تفضل الدكتور وليد في الرد والاستهانة برأي الجمهور مثلاً

الشيخ عبد الله  :

لا هو رأي الجمهور صحيح مثل عندك الرمي مثلاً في الليل أكثر العلماء يرون أن الرمي هو في النهار لأنه فعل النبي صلى الله عليه وسلم لكن هناك من يرى أيضاً الرمي في الليل وبالتالي يمتد وقت الرمي إلى هذا الوقت هذا القول زائد الأوضاع الموجودة زائد الواقعة هما الصناعة والعنف والتعب والمشقة والعنت هنا الفقيه يتدخل ويتعين هنا الأخذ بالقول بالرجوع لأن قول المرجوح ليس علياً على الدليل هنا هذه المسألة في غاية الأهمية علينا أن ننتبه إليها قد تكون أقوال العلماء متضاربة وبالتالي أنا أيضاً أتحفظ على من يأخذ من الدليل مباشرة أقول أنا متكلم باسم الكتاب والسنة فيأتي بشهود للأمة هذا تدويل الفقه مر بثلاث مراحل المرحلة الأولى مرحلة الرواية والمرحلة الثانية مرحلة التدوين وهذا حصل في عهد الصحابة في نهاية القرن الأول بدأ التدوين بأمر من عمر ابن عبد العزيز تدوين الحديث المرحلة الثالثة هي مرحلة تأصيل الفقه وهي التي بدأت مع نهاية القرن الثاني مع كتابة الشافعي لرسالته ولهذا قال بعض العلماء للأول سمع ولسان فقد جمع وللسان فقه معتمد ومن ثم لم يبقى سوى إتباع ما دون السالف بالإجماع الذي يقول هذا أخذته من الحديث تحتاج إلى شهود معك أن هذا الحديث ليس منسوخاً أن هذا الحديث ليس مخصص أن هذا الحديث هو من النبي الإمام أحمد يقول إياكم والغرائب بالحديث والغرائب التي لا عمل عليها فهذه الأمور في الحقيقة مذلة أقدام ومدحضة أفهام أنا أرى أن الطريق الأمثل هو أن نتعامل مع الناس بأن نعودهم كما قال أعتقد الدكتور وليد الرشودي بأن نعودهم بذكر الدين ومعناه أن المفتي لا يفتي بدون أن يختار دليلة نقول هذه المسائل اختلف فيها العلماء على أوجه فمنهم من قال كذا ومنهم من قال كلام مستند وهذا كلام مستند يعني هذا العالم الآن عالم جماهيري عالم فيه ما يسمى بالعولمة وبالتالي انشر الفقه الصحيح بدليله بأدلته الأصولية اللقنية والعقلية وبالتالي هنا نثقف الجماهير وهذا ما نعمل به في المجلس الأوروبي نذكر الدليل وأنا قلت لهم يجب أن لا نكون من الباباوات يعني تذكر فقط تقول الناس عملوا لا اذكر الأدلة يعني لولا الدليل ولولا الإسناد إذا قال من شاء شاء


المقدم :

معالي الشيخ ذكرتم أن الاختلاف يتسع صدر الإنسان فيه كلما زاد علمه وذكرتم أن الضيق سببه عدم معرفة اختلاف العلماء وأن الحق وهو يرى أن الحق واحد لا سبيل للاختلاف

الشيخ عبد الله  :

الدكتور عبد العزيز الفوزان ذكر هذا وقال بعضهم أن ما علم في الخلاف لم يشمله الفقه وقال أحدهم تعلموا الخلاف يتسع صدرك


المقدم :

طيب اسمح لي أيضاً أن أرجع إلى ما كتبتموه في كتابكم أنتم قلتم بأنه يعني هذا سؤال يطرح ما دام أنهم اتفقوا على أصول الأخذ بالكتاب والسنة والإجماع والاجتهاد ورجحتم أيضاً وذكرتم أقوال الصحابة رحمهم الله في الأخذ بالآحاد وأكدتم على هذه القضية وأن من ردها قوله غير صحيح ومع ذلك اختلفوا ذكرت أن من أسباب الاختلاف اختلاف في دلالة اللفظ في أدلة مع مقولة النص ترجع إلى المقاصد ووسائل الثبوت للنص في ترتيب الأدلة كيف يمكن للمفتي أن يلم بهذه الأطراف بهذا الزمن يا شيخ

الشيخ عبد الله  :

هو العلماء تنازلوا بعد ذلك ليجعلوه مقلداً بمعنى ذهب ابن حنبل به خمس طبقات خمس مراتب للإفتاء يعني مرتبة المحققين الكبار الذين إذا حققوا لا يعدلوا عن قولهم لأنه هو الراجح ثم هكذا يعني فيها أربع طبقات في الفتوى يعني تقليد الرجال ليس عيباً لمن لا يعرفه دليلاً بكامله بمعنى أنه كما يقول الشاطبي له إلمام بمقاصد الشريعة بكاملها والشاطبي أكد على هذا وله أيضاً معرفة بدلالات الألفاظ عندما يكون الاستنباط من النص ولا يرجع إلى معقول النص فهذه الأمور يحتاج إليها المفتي إذا كان مجتهداً المجتهد طبعاً لا بد أن يكون عارفاً بكل ذلك ولكن فقط أن يكون له إلمام ولكن معرفة كاملة باللغة العربية وبالكتاب والسنة وبأصول الفقه أساساً بأصول الفقه وبالفقه حتى يعرف مواضع الإجماع ومواقع الاختلاف لكن غير المجتهد وهو المقلد هذا عليه أن يعرف أقوال العلماء أيضاً ويقدم أقوال العلماء هم أهدى سبيلاً وأقوى مقيلا فإذا لم نلتزم بشيء من المذهب الجد معنى ذلك أننا نجعل الفتوى شيئاً مباحاً ومصدراً متاحاً لكل أحد لصاحب الانترنيت وهذا الذي جرأ كل واحد كما تفضل يأتي بالحديث ويقول لك أنا وجدت حديثاً وجدت قولاً وجدت شيئاً لا نلزم الناس بالدليل نحفز الناس ثقافة نعود الناس على أنها صناعة ولها مختصون كما للطيران مختص هذا أيضاً الفقه له مختصون وليس كلام مباح


المقدم :

المذاهب الأربعة معالي الشيخ لا تختلف في المصادر التي تأخذ بها جزماً لكن الاختلاف في ملامح الاجتهاد فقط

الشيخ عبد الله  :

طبعاً المذاهب كلها تأخذ من الأصلين المنشأين الكتاب والسنة والأصول الأخرى بمعنى الأصول المعرفة أنا أسميها معرفة بمعنى أن الإجماع يعرف على وجود مستند على قول الجمهور والقياس أيضاً يعتبر علة معرفة ثم أصول أخرى كالمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان وهذه أخذ كل فريق من العلماء بنصيب منها فأبو حمزة أخذ الاستحسان ومالك في المصالح المرسلة ومالك وأحمد في سد الذرائع والنظر إلى المآلات هذه يعني أدلة على الفقيه أن يستحضرها لأنه قد في ظاهر الأمر قد تكون القضية واضحة لكن في مألات هذه القضية تكون مألاتها ليست على ما يرام فعليك دائماً أن تستحضر في ذهنك ما هو مآل هذه الفتوى هل هذه الفتوى ستهلك الأنفس ستقتل الذرية ستضيع الأموال على الفقيه أن يعرف هناك قضايا سياسية مفتي الانترنيت الآن هو يعتبر نفسه سياسياً يفتي بكل شيء كما قال الإخوة لا يتوقف لا يقول لا أدري كما تفضلوا مالك أتته أربعون مسالة فأجاب في ست مسائل فلما ألحوا عليه قال أنا أتيت بأفريقيا لعالم المدينة قال قل لهم عالم المدينة لا يدري وكان يكرر ذلك دائماً وكان شديد الأخذ بالحيطة في قضية الفتاوى والخوض بذلك إذاً هذه الأصول لا بد من إتقانها إتقاناً كاملاً لمن يريد أن يفتي وأن يلتزم بذكر هذه المذاهب هذه المذاهب إن شاء الله حق


المقدم :

طيب معي البسطام أيضاً في المنتدى مجموعة من المسائل السريعة التي إن أذنتم لنا أن نمر عليها يسأل عن إخراج الفتاوى الجماعية في أمور الأمة العامة وهذا ما سنتعرض إليه يسأل عن ما يسمى بالفتاوى الشخصية أو الخاصة يقول أن بعض الناس يعرف عن عالم معين فتوى في مسألة ثم إذا رجعت إليه قيل أن هذه فتوى خاصة لشخص هل يمكن هذا يوجد أن تفتي لشخص ولا تفتي لعموم الناس

الشيخ عبد الله  :

هو تشخيص الفتوى أو ما سماه الشاطبي في تحقيق المناط في الأشخاص له أصل حديث أبي ثعلبة الخشني الذي رخص له النبي صلى الله عليه وسلم قال كل من الصيد لو أكل منه كلب مع حديث علي ابن حاتم قال كل ما أفنيته ولا تأكل ما أرميته يقول أبو حمزة الغزالي رحمه الله تعالى هذا يدل على أن أبا ثعلبة كان فقيراً يحتاج إلى صيد والأخر كان أميراً فالفرق بين الأمير والفقير كذلك في قضايا تحقيق المناط في الأشخاص ذهب العلماء فيها مذاهب كثيرة الفتوى يجب أن تكون عامة لكن أحياناً قد تكون خاصة بسبب حالة شخص معين وبالتالي على المفتي أن يعلم ذلك وعليه أن يعرف مألات الأمور والمألات هذه صعبة يقول الشاطبي في هذا المجال إنه مجال صعب المورد إلا أنه حلو المذاق محمود الغضب جاري على مقاصد الشريعة .


المقدم :

اسمح لي بأسئلة سريعة معالي الشيخ فيما تبقى من وقت ألا ترون أن الأخذ بالتوسع بالأخذ بالمقاصد يمكن أن يجر إلى التوسع في الخلاف أم هذا غير صحيح

الشيخ عبد الله  :

المقاصد مرتبطة بالأدلة وشؤون الفقه وأنا رميت من يقول بأنها خارج الفقه رميته بالفند وأظهرت أنها كالروح بالجسد وكالمعدود في العدد إذا ضبطناها بأدلة أصول الفقه قد تنضبط إذا لم نضبطها بأدلة أصول الفقه لا تنضبط فنكون من المدرسة الثالثة التي لا تعتبر بالنصوص وإنما تعتبر بالبواطن


المقدم :

قلتم معالي الشيخ أن فتاوى أهل زماننا بحاجة إلى التأصيل على ضوء أصول فتاوى الأولين انطلاقاً من مجموع الضوابط والشروط التي وضعها العلماء في العصور الأولى هل يمكن هذا أن تضبط هذه الأمور وفقاً لرأيكم أحسن الله إليكم

الشيخ عبد الله  :

هو من خلال عملي بالمجمع الفقهي عضو المجمع الفقهي الدولي وعملت فيه طويلاً ومن خلال العمل في هذه المجامع ظهر أن كثيراً من الذين يمارسون الفتوى ويمارسون البحوث لا يهتمون كثيراً بتصنيف الفتاوى وبالتالي أنت تريد أن تجتهد اجتهاد مطلق قول لا بصراحة قل هذه المسألة أنا لا أريد أن أجتهد بها أنا أخالف المذاهب الأربعة ولا حرج في ذلك بأدوات الاجتهاد إذا كنت مقلداً وليست لديك الأدوات ولا تقدم من خلال الأدوات المعروفة ولا الآليات المتفق عليها فقل إني مقلد وهذه المسائل لا نص فيها مالك على كذا ونص فيها أشهب أو ابن القاسم أو الخلال أو أحمد أو فلان وهذا ضروري


المقدم :

أحسن الله إليكم أيضاً الفتوى الجماعية متى يتم إحيائها في عالمنا الإسلامي متى ترون أنها بدأت

الشيخ عبد الله  :

هذه جيدة مهمة جداً يعني هو هيئة كبار العلماء في المملكة هذه فتوى جماعية واللجنة الدائمة للإفتاء وكافة المجامع الفقهية مثل مجمع البحوث في مصر والمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي والمجمع الفقهي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي والمجلس الأمي للبحوث والإفتاء هؤلاء كلهم أحيوا سنة الفتوى الجماعية وكانت القضية قديماً موجودة كان الصحابة يتشاورون كل ما نزلت قضية يقع تشاور قضية كبرى كقضية الخراج


المقدم :

يعني ما تخصص إلا بالقضايا الكبرى ويش المسائل التي ينبغي أن تخرج بها الفتوى الجماعية

الشيخ عبد الله  :

هو أحدهم قال لمالك لما تلكأ مالك سئل عن مسألة مالك كان يقول لا حول ولا قوة إلا بالله كلما سأل عن مسألة فقال له رجل هذا خفيف فقال له مالك الله سبحانه وتعالى يقول ) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلا ( المزمل (آية:5) وتقول أنت هذا خفيف العلم والإخبار عن الله ترجمته عن الله توقيعه عن الله هذا أمر ليس خفيفاً أبداً وعلى الإنسان أن يتلكأ به ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يعيننا على أنفسنا حقيقة وأن لا ننطلق في هذه الفتاوى كما قال الإخوة بشيء من السرعة والدعاة كما قال الشيخ علي خلطوا بين الدعوة وبين الفتوى هذا أمر قد لا يكون مطلوباً


المقدم :

هل يمكن استقصاء مرجعية الفتوى في العصور الحاضرة معالي الشيخ نضع مرجعية ولا ما يمكن

الشيخ عبد الله  :

هو مرجعيته تبرز يعني صحيح علينا أن نضع مرجعية وأن نثق بالمرجعيات كالإفتاء وإدارة الإفتاء والإرشاد والمجامع الفقهية لكن مع ذلك المرجعية من خلال ممارسة ومن خلال الارتياض ومن خلال تعامل الناس فيظهر الحق ولذلك قال علي رضي الله عنه الرجل لما قال تقول أنك على حق وفلان وفلان على الباطل قال إنك رجل ملبوس عليك اعرف الحق تعرف من يأتيه اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال فهذه المرجعية تدعو إلى استبصار أن نبصر العامة أن نقدم لهم أسس الفتوى حتى يتبصروا حتى يرجعوا إلى من يسعفهم إلى الطبيب الماهر وإلى المهندس المعماري الجيد أما إذا ولى العوام على جماعة من أمرهم فإن هذه المرجعية ستظل غائبة وبالتالي كل واحد يرتجل نفسه ويقول أنه مرجعية وأنه مجتهد وأنه مالك أو الشافعي


المقدم :

ذكرتم معالي الشيخ من الشروط بالنسبة للفتوى الإيمان الواسع بكل جوانب الموضوع ومن هنا نعطي فرصة لكل الخبراء دون إفراط في منحهم وظيفة الفتوى لكن ما نعطيهم وظيفة الفتوى وهذا الحقيقة قضية جداً هامة

الشيخ عبد الله  :

هذه قضية من خلال الممارسة الحقيقة أنا رأيت بعض رجال الاقتصاد يعملون مع أهل المجامع الفقهية ويفتيا بهم هنا يقدمون لنا الفتوات يقولون يا أخي توقف عند دورك أنت دورك تحقيق المناط وتشخيص القضية ووظيفتك ليست أن تصدر فتوى


المقدم :

أيضاً الاهتمام بالمقاصد الشرعية أكيدة ومهمة لكن دون تغييب النص الشرعي حتى لا يفهم هذا

الشيخ عبد الله  :

أبداً هو تعامل بين الجزئي والكلي وهنا يظهر فقه الفقهاء وفطنة الفطناء أن يكون الإنسان على دراية بالتعامل بين الكلي والجزئي وهذا أعتقد أنه المشكلة الكبرى لأن كثيراً من الناس عندهم ظاهرية حقيقة يعملون بظواهر النصوص بدون أن يعيروا اهتماماً بالكليات وهذا مخالف لفقه الصحابة الصحابة كانوا ينظرون للكلية وللجزئية فتارة يرجح الكلي بناء على مصلحة ويذهب القول القوي إلى إجازة أقول ولا يحال إلى التقاعد أما القول الضعيف بالشروط الثلاثة المالكية وهو أن لا يكون شديد الضعف وأن يعرف قائله وأن تدعو إليه مصلحة حقيقية هنا القول الضعيف يتصدر ليزحزح القول القوي مؤقتاً لأن الوقائع تغيرت وبالتالي تغير معها


المقدم :

يعني انتشر بعض الأمور أو نسبت إليكم معالي الشيخ مثل إباحة إمامة النساء هل صحيح هذا أو هو من باب الكذب عليكم

الشيخ عبد الله  :

من باب الكذب علي أقول ذلك بصراحة ما قلت هذا أبداً أنا قلت ما يذهب إليه جماهير العلماء أنه لا يباح وأنا مع جماهير العلماء ذكرت خلاف من خالف وبالتالي أنا منهجيتي أنا أكتب أقوال العلماء ولا أنكر منها شيئاً أنا أقول فلان قال كذا وفلان قال كذا لكن الذي أقول به هو ما عليه جماهير العلماء هذا أمر واضح


المقدم :

على كل حال نسال لكم التوفيق وأن يجزيكم خيراً وأن يوفقكم وأن يسددكم معالي الشيخ نذكر لكم إتاحة الفرصة للاستضافة نلقاكم بخير بإذن الله شكراً شكراً لكم أنتم مشاهدي الكرام كان معنا معالي الشيخ عبد الله بن بيه تحدثنا عن صناعة الفتوى أشكر لمعالية أشكر لكم أنتم طيب المتابعة تحية عطرة من فريق البرنامج الذين يودعونكم بنهاية هذه الحلقة لتوقف يسير في فترة الصيف صيف سعيد مليء ببرودة من نوع أخر بها متعة وثقافة وخير للجميع دمتم في رعاية الله وحفظه شكراً لطيب متابعتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

 * منقول من (موقع قناة المجد)

 

حلقة من برنامج ” إضاءات” في قناة العربية

 

 

 

تركي الدخيل: أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله في حلقة جديدة من برنامجكم الأسبوعي إضاءات، ضيفنا اليوم أيها الإخوة هو الشيخ عبد الله بن بيه، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ووزير العدل الموريتاني السابق.

الشيخ عبد الله بن بيه: الله يحييك ويبارك فيك

 

يجب تحديد تعريف واضح للإرهاب

تركي الدخيل: شيخ عبد الله سنبدأ من يعني رحلتكم التي قمتم بها إلى كندا في الآونة الأخيرة قبل بضعة أسابيع أو قبل الحج تحديداً، كانت كما هي معظم زيارات العلماء المسلمين للغرب، الموضوع الرئيسي يكون عن الإرهاب، تحدثت في أكثر من مكان عن الإرهاب بل أنك قدمت أكثر من ورقة عمل عن الإرهاب، قلت في أحد أوراق العمل بأنك ترى وجوب أو ضرورة تحديد دقيق لمصطلح الإرهاب، وسؤالي من الذي يجب أن يحدد هذا المصطلح، وإلى أين تتجه أنت في تحديد هذا المصطلح؟

الشيخ عبد الله بن بيه: الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، دعني أخي الأستاذ تركي أن أسلم عليك وأقول السلام عليكم ورحمة الله.

تركي الدخيل: وعليكم السلام.

الشيخ عبد الله بن بيه: وأن أشكرك على توجه الدعوة لي في هذا البرنامج الشيق الذي أصبح مشاهداً في كثير من أقطار العالم الإسلامي، بالنسبة لموضوع الإرهاب وبالنسبة لتحركاتي الآن أو الرحلات التي من خلالها نتحدث إلى كثير من الفعاليات في العالم الغربي، تارة تكون فعاليات دينية تارة فعاليات ثقافية، تارة فعاليات صحفية، تارة يكون حديثنا أيضاً للجمعيات والتجمعات المسلمة في تلك الديار، الإرهاب لا شك هو حديث الساعة، وكثير من الغربيين يطرحون الأسئلة أسئلة تتعلق بالإرهاب تتعلق بأشخاص الإرهابيين بمفهوم الإرهاب، بالجهود التي قام بها العلماء في هذا الموضوع، وأتيح لنا أن نتحدث عن مفهوم الإرهاب كثيراً، ومفهوم الإرهاب هو مفهوم يُطلب تحديده ليس من قبلنا فقط وإنما من قبل العالم الغربي أيضاً، فهذا الأمين العام للأمم المتحدة قبل أشهر في اجتماع بإسبانيا كان طلب بتحديد مفهوم الإرهاب، لأن بعض الدول وأنت على علم بذلك لا تريد تعريف الإرهاب، تريد أن يظل الأمر عائماً وأن يكون الإرهاب هو من ليس معنا فهو إرهابي..

تركي الدخيل: فهو ضدنا وهو إرهابي.

الشيخ عبد الله بن بيه: فهذا المفهوم العائم أدخل شغباً وحيرة على الناس وأيضاً..

تركي الدخيل: بس يا شيخ هذا يعني إنك أنت ما عندك مشكلة أن يساهم العالم الآخر الغرب غير المسلمين في تعريف الإرهاب.

الشيخ عبد الله بن بيه: وهو كذلك..

تركي الدخيل: يعني هناك من يقول.

الشيخ عبد الله بن بيه: وقلت هذا في محاضرتي في منظمة المؤتمر الإسلامي.

تركي الدخيل: ولكن هناك من يقول يا شيخ عبد الله بأن الإرهاب أو التعريفات يضعها المنتصر دائماً، فهل تُقرّ أنت بهذه القاعدة الاجتماعية؟

الشيخ عبد الله بن بيه:

أنا لا أظن ذلك، أو أن الجانب الخلقي الإرهاب هو قضية خلقية وقضية تتعلق بالأخلاق تتعلق بالإنسان، وبالتالي لا يمكن أن نترك هذه القضية لمنتصرين لا لمنتصر عليه، بل إن الجميع يجب أن يشتركوا لتقديم تعريف مقنع للعالم، ولهذا أنا أرى أن الإرهاب إلى الآن لم يُعرف تعريفاً كافياً، مع أن وزراء الداخلية وزراء العدل في الدول ووزراء الداخلية عرّفوا الإرهاب تعريفاً أيضاً جيداً، وبالإمكان أن يستفاد من هذا التعريف، لكني أعتبر أن الإسلام فيه جرائم تغطي هذا المفهوم كجريمة الحرابة، جريمة البغي، جريمة الإفساد في الأرض، لماذا لا نستغل الموروث الإسلامي للاستفادة منه في تعريف هذه الجرائم؟ لأنه أقرب إلى نفوسنا أقرب إلى تراثنا، أقرب أيضاً إلى المفاهيم التي يفهمها العامي، إذا قلت له إرهابي في العامي لا يعرف الإرهاب ما هو.

تركي الدخيل: بس تشكّل مفهوم الحين يا شيخ عبد الله، يعني لم يصبح أحد لا يعرف الإرهاب.

الشيخ عبد الله بن بيه: أنا معك أن المفهوم تشكل، ولكنه ما زال غائماً وعائماً، ما زال غائماً في أذهان الناس وعائماً في نفس الوقت.

تركي الدخيل: ولكن حتى يعني أنا أعتقد الإرهاب أوضح عند الناس العامة من الحرابة، أليس كذلك؟ لو تجي الواحد في الشارع تقول له تعرف الإرهاب ولا تعرف الحرابة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: ولكن بالنسبة لعلماء المسلمين، بالنسبة للمجامع الفقهية، نحن نعرف أن الحرابة هي مشتقة من الحرب، هي فعالة تدل على الاحتراب، على أن شخص يحترف الحرب، فهذا مفهوم قريب وأنه من يخيف الطريق ومن يقطع السبل على الناس ومن يزعج الناس في معايشهم وفي حركاتهم وبالتالي فمفهوم الحرابة يمكن أن نستفيد منه في تعريف الإرهاب، وأن نسمي الإرهاب تخريباً مثلاً، ونحو ذلك من المفاهيم.

تركي الدخيل: جميل، لكن أنت أشرت في أحد أيضاً المداخلات أو الأحاديث التي لك، قلت أود أن أحدد الدلالة اللفظية لهذا المصطلح أي مصطلح الإرهاب في الآيات القرآنية، وأشير إلى أن كلمة رهب وما اشتق منها من تعاريف وردت في القرآن في اثني عشر موضعاً كانت في معظمها تتعلق بالخوف والرهبة من الباري جلت قدرته، هناك من يقول أنكم أنتم أيها المسلمون دينكم يقوم على شيء من الإرهاب بدلالة أن حثكم على الجهاد قائم على الإرهاب، إرهاب العدو بدلالة النص الشرعي: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”.

الشيخ عبد الله بن بيه: هو أنا أشرت على هذه القضية، وأن ورود كلمة ترهبون به عدو الله هي فيما يسمى باستراتيجية إقناع الآخر، بمعنى ردع الآخر حتى لا تقع الحرب، وأن هذا العمل تقوم به دولة.

تركي الدخيل: الإرهاب مو بالإقناع يا شيخ.

الشيخ عبد الله بن بيه: ليس هذا إرهاباً، ليس هذا إرهاباً بالمعنى الحديث، وإنما معناه أن تُفهم الآخر أنك على استعداد لمواجهته إذا اعتدى عليك، وهذا ما يسمى بالردع.

تركي الدخيل: أنت قلت تقنعه قبل قليل، لا أستطيع أن أقنع واحد وأن سأحاربه.

الشيخ عبد الله بن بيه: لأ تقنعه بعدم الحرب، بعدم الدخول معك في الحرب.

تركي الدخيل: من خلال قوتي.

الشيخ عبد الله بن بيه: بمعنى أن تظهر له أن البديل قد يكون مأساوياً، وبالتالي لا يدخل معك في حرب، نحن عرفنا أن العالم الآن.. حتى في عصر النور كما يسمونه ما زالت القوة لها منطقها، وما زال القوي هو الذي يمكن أن يقدم براهين مقنعة.

تركي الدخيل: بدلالة تصريح الرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل فترة بأن الدولة التي ستتعرض بالإرهاب لفرنسا سأستخدم النووي معها.

الشيخ عبد الله بن بيه: هو تصريح أنا لم أفهمه في الحقيقة، هي فرنسا لن تعتدي.. والكلام ليس عن دولة وإنما عن إرهابيين، كيف يستعمل الأسلحة النووية بالنسبة لإرهاب لا أصل له ولا فصل، وبالتالي لا بطانة له ولا مكانة، هذا يعني تصريح لي عليه تحفظ على كل حال على الهامش.

تركي الدخيل: طيب يا شيخ، يعني هناك من يقول بأن الإسلاميين غير مبرئين من الإرهاب حتى من يدين الإرهاب حالياً، بدلالة أنهم عندما يتحدثون عن الإرهاب، الإرهاب الآن في عصرنا الحديث يعني لا يقوم به إلا من يستخدم نصوصاً شرعية ويعتقد بأن دافعه لهذا الإرهاب هو ديني كما نرى من القاعدة على سبيل المثال، لكن عندما يتحدث الإسلاميين عن الإرهاب يبدؤون كما قلت أنت فضيلتك مثلاً أنه مصطلح الإرهاب المتداول اليوم ينبغي البحث عن تعريفه انطلاقاً من مصدره الأصلي الغربي على وجه الخصوص، وأن مصطلح الإرهاب ظهر أول ما ظهر في ملحق الأكاديمية الفرنسية 1998، وقلت أيضاً أنه أول ما بدأ الإرهاب إنما بدأ عند اليهود، وأشرت إلى أنه أول حركة إرهابية في القرن الأول نظم اليهود حركة إرهابية لقتل من لا يؤمن بالتوراة وهي حركة “ترولوت” وهي موجودة في الموسوعات الغربية، هل هذا شكل من أشكال دفع التهمة عن..؟

الشيخ عبد الله بن بيه: لأ هو هذا بيان لحقائق، ولست أنا الذي أقول هذا، فدول عربية على أعلى المستويات تقول إن تعريف الإرهاب ليس كاملاً، وأن المقاومة يجب أن لا نخلطها المقاومة بالإرهاب، يجب أن لا نلبس الحق بالباطل، فأنا أقوله في سياق تعريف الإرهاب وفي سياق الكلام عن الإرهاب، كون الإسلاميين ليسوا مبرئين هذه ربما من التهم التي تقال.

تركي الدخيل: وكيف تجيب أنت عليها؟

الشيخ عبد الله بن بيه: ما معنى الإسلاميون أصلاً؟ الإسلاميون إذا كانوا من يعتنق الإسلام من يطلب تطبيق الشريعة، من يهتم بالقضايا الشرعية، أنا أعتقد أن هؤلاء ليسوا إرهابيين، يعني الإرهاب هو فكر وعمل، الفكر لا ينفصل عن العمل، هو من يدعو إلى العنف من يفكر بتكفير الآخرين.

تركي الدخيل: يعني لو جيت.

الشيخ عبد الله بن بيه: من يفكر بضرب الآخرين، ومن يقوم بذلك فعلاً، فهي جريمة لها عناصر الجريمة كاملة، أما.

تركي الدخيل: خلينا يا شيخ خلينا نطبق على حالة معينة، لو جينا على سبيل المثال إلى أسامة بن لادن الظواهري الزرقاوي، كل هؤلاء يريدون أن يطبقوا الشريعة أن يقيموا دولة الإسلام، أليس كذلك؟

الشيخ عبد الله بن بيه: هؤلاء يستعملون العنف طريقة لتطبيق الشرعية، يكفرون المجتمع، يدعون إلى ثورة على الحكومات.

تركي الدخيل: هل ترى أن بقية الإسلاميين الذين لا يكونون إرهابيين.

الشيخ عبد الله بن بيه: يجب أن نقول إنه فكر متميز أو مميز عن الفكر الإسلامي.

تركي الدخيل: مختلف.

الشيخ عبد الله بن بيه: كما هو عند جمهور المسلمين، لماذا يتهم المسلمون جميعاً بسبب ثلة قليلة ولو كانت أندى صوتاً؟ وهذا الاتهام.

تركي الدخيل: هل تعتقد أنها أندى صوتاً هذه الفئة التي تستخدم..؟

الشيخ عبد الله بن بيه: نعم قد تكون أندى صوتاً من خلالكم من خلال الصحافة، يعني الصحافة.

تركي الدخيل: هل قمتم أنتم هؤلاء قبل أن يظهروا هل لاحظتموهم؟ هل ضربتم على أيديهم؟ هل أسكتموهم؟ هل ناقشتوهم؟

الشيخ عبد الله بن بيه: أعتقد أن مهمة العالِم هو أن يقوم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالحسنى وبالموعظة الحسنة، وفي أنحاء العالم الإسلامي كثير من العلماء يقومون بهذا العمل، والعلماء على مستويات مختلفة قد يتفاوت العلماء في نشر الدعوة بهذه الطريقة، وقد يتفاوتون أيضاً في الفهم وقد يتفاوتون في معرفة أصول الشريعة وقواعدها ومقاصدها، هذا التفاوت موجود، لكنه لا يسمح أبداً أن نسميهم بالإرهابيين، لأن معرفة الشريعة هي المحاسن.

إذا محاسني التي أجيد بها كانت.. ذنوبي فقل لي كيف أعتذر  

يعني أنت تلزمنا بالاعتذار عن معرفة الشريعة عن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى هذا ليس صحيحاً وليس مقبولاً.

تركي الدخيل: لا يا شيخ لا أحد يلزمكم بالاعتذار، ولكن أقول ما هو الدور الذي قام به العلماء في التعاطي مع هذه الفئة التي باتت تشكل صورة للمسلمين في العالم للأسف الشديد؟

الشيخ عبد الله بن بيه: أنا معك أن هذه الفئة أو أن الأعمال التي تقوم بها هذه الفئة في مناطق كثيرة من العالم، والاعتداء على الأبرياء وقتل المدنيين، وتخريب المنشآت كل هذه الأعمال تشوه صورة الإسلام، وتشويه صورة الإسلام مخالف لمقاصد الشريعة، فيجب أن نحرص على تحسين صورة الإسلام، وأن نحرص على أن نخرج الإسلام كما هو نقياً صافياً يدعو بالحسنى إلى الله سبحانه وتعالى، العلماء قد يكونوا قد.. أنا أعترف معك أنهم قد قصروا في بعض الحالات، وفي بعض الحالات لم تتح لهم الفرصة أصلاً ليقوموا بهذا العمل، ولكنهم في ا لحالات الأخرى أيضاً قاموا بعملهم.

تركي الدخيل: كيف لم تتح لهم الفرصة يا شيخ؟

الشيخ عبد الله بن بيه: يعني المسألة لا تردها على العلماء فقط، هناك عناصر كبيرة تكّون الفكر الآن في الساحة، الصحافة دخلت على العلماء فهي تكون الفكر، وترفع لكل واحد راية وتقول دافع عن رايتك، فالصحافة الآن لها دور كبير يزاحم دور المرشدين ودور العلماء، ثم إن الجهات الرسمية في العالم الإسلامي أيضاً لها دورها ولها وظيفتها التي يجب أن تقوم بها في هذا المجال، هناك جهات كثيرة، ثم إن الغرب أيضاً وموقف بعض المتطرفين في الغرب وبعض المفكرين في الغرب أدى هو أيضاً إلى أوضاع قد شجعت الإرهاب، وقد حفزت كانت حافزاً للإرهاب، ثم إن الفقر المدقع والبطالة وموكب البطالة وموكب الفقر هو أيضاً قد يكون من العوامل المحفزة، وإن كان العامل الفكري.

تركي الدخيل: هو الرئيسي.

الشيخ عبد الله بن بيه: هو الأساس وهو العامل الرئيس في قضية الإرهاب، وهو الذي يجب على العلماء الحقيقة أن يعالجوه معالجة شديدة.

تركي الدخيل: جميل، سنعود لمناقشة هذه التفاصيل التي تحدثت إليها بعد فاصل قصير شيخ عبد الله، أيها الإخوة فاصل قصير نعود بعده لمواصلة حوارنا في إضاءات مع الشيخ عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني السابق فابقوا معنا.

تركي الدخيل: أيها الإخوة والأخوات حياكم الله مجدداً في إضاءات، لا يزال حوارنا هذه الحلقة مع الشيخ عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني السابق، شيخ عبد الله قبل قليل كنت تتحدث عن العوامل التي تصنع الإرهاب، تحدثت عن عوامل كثيرة قلت أن العامل الفكري هو العامل الرئيس فيها، وأشرت في إحدى الكلمات إلى أن الثقافة المأزومة في العالم العربي هي أحد روافد صناعة الإرهاب، ماذا تقصدون بالثقافة المأزومة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: هو أقصد بالثقافة هو مجموعة الأفكار ومنظومة الأفكار التي تؤثر على الإنسان في سلوكه، والتي هي أساس السلوك بالنسبة للإنسان، وهذه الثقافة المأزومة هي ثقافة ضيقة الأفق، ضيقة العطاء، تضيق ذرعاً بالآخر، هي ثقافة تحمل التكفير، وتحمل الجهاد على غير محمله، وتضعه في غير موضعه، وهي ثقافة أيضاً تفسر الولاء والبراء تفسيراً فيه شطط وفيه غلو، هي ثقافة الغلو، هي ثقافة التعصب، هي ثقافة عدم الاعتراف بالخلاف، كل هذه العناصر أو هذه ..

تركي الدخيل: ما الذي يصنع الثقافة المأزومة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: نعم؟

تركي الدخيل: ما الذي يصنع الثقافة المأزومة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: يصنعها الفكر المأزوم، تصنعها الأدوات المأزومة، الثقافة المأزومة هي ثقافة تنشأ عند الفرد من خلال دراسته من خلال رؤيته للآخر، من خلال المراحل التي مر بها هذا الشخص، من خلال الكتب التي يقرأها، من خلال المشايخ الذين يرتقي بهم، من خلال الجامعات التي يدرس بها، من خلال الإعلام الذي يتلقاه ويتلقف منه، من خلال أيضاً رؤيته للآخر، من خلال المظالم التي ينزلها الآخر به، هذه المظالم هي أساس من أسس هذه الثقافة المأزومة، لأن المظالم يعني هنا كلمة لعمرو بن عبد العزيز جميلة جداً، وقد أرسل إليه أحد الولاة بأن الناس خرجوا أي ثاروا، فقال له: أطفئ ثائرتهم بالعدل، العدل من شأنه أن يطفئ هذه النائرة أو هذه الثائرة، فأنا أعتقد أنه يوجد الآن خلل كبير أخلاقي في العالم، هذا الخلل فيه ظلم وفيه اضطهاد وفيه اعتداء، والظلم والاضطهاد والاعتداء يعتبر عاملاً ورافداً من روافد هذه الثقافة التي تكونت عند مجموعة من الشباب.

تركي الدخيل: والتي تساهم في صناعة الإرهاب بطبيعة الحال.

الشيخ عبد الله بن بيه: نعم؟

تركي الدخيل: والتي تساهم..

الشيخ عبد الله بن بيه: تساهم في صناعة الإرهاب.

تركي الدخيل: جميل، شيخ عبد الله أنت قلت في حديثك عن تحديد مصطلح الإرهاب إنه يجب أن يكون هذا التحديد الدقيق للمصطلح يتلاءم مع البنية العقدية للأمة، وينطلق من أرضية فقهها وتراثها الخاص حتى لا يختلط الإرهاب بالجهاد، ولا تختلط المقاومة المشروعة بمحاربة المحتل، وأشرت إلى تعزيز التسامح ونشر الفكر الوسط والحوار واحترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره إثراء وانسجاماً وليس تبايناً وصداماً، أولاً شيخ عبد الله كيف يمكن أن نفرق بين الجهاد وبين الإرهاب؟ يعني عندنا حالة على الأرض في العراق على سبيل المثال.

الشيخ عبد الله بن بيه: أخي تركي الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، والجهاد هو بذل الجهد مأخوذ من بذل الجهد، الجهاد قد يكون جهاد النفس، قد يكون جهاداً لخدمة العامة في خدمة المصالح العامة، ففيهما فجاهد في خدمة الوالدين..

تركي الدخيل: يعني أنا كموظف لو كنت موظف في دائرة عامة هل يُعتبر عملي جهاداً؟
الشيخ عبد الله بن بيه: نعم هو كذلك هذا جهاد، الجهاد معناه واسع جداً، الجهاد الأكبر هو جهاد في كل مناحي الحياة، هو فعل الخير، وشيخ الإسلام ابن تيمية يُعرف الجهاد بأنه كل الأفعال التي ترمي إلى الخير، ويذكر القتال فقط كفرد من أفراد الجهاد، فالقتال المسلح هذا القتال المسلح له ضوابطه، أولاً القتال من تعلنه؟ تعلنه دولة على دولة، مفاهيم الحرب الموجودة في الأمم المتحدة في ميثاق الأمم المتحدة هي قريبة جداً من مفاهيم الإسلام في الجهاد، في ميثاق الأمم المتحدة الذي لا يطبقه الناس، أنا أعترف..

يجب التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة

تركي الدخيل: هذه نقطة مهمة شيخ عبد الله، أنت سئلت عن كيف نميز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة؟ فقلت في رأيي أن التغلب على هذه المعضلة يكمن في الإحالة على الشرعية الدولية والأخلاقية، وأشرت قبل قليل إلى ميثاق الأمم المتحدة، كيف تريد أن تقنع بهذا الكلام الذي تقوله وسأقبله منك، كيف تريد أن تقنع مجاهدين أو إرهابيين سمهم ما شئت هم أساساً جزء من ثورتهم على النظام العالمي، يعتقدون إن التحاكم إلى منظمة الأمم تحاكم إلى الطاغوت..

الشيخ عبد الله بن بيه: أنا سأعطيك مثالاً.

تركي الدخيل: ألم تقرأ هذا في أدبياتهم يا شيخ؟

الشيخ عبد الله بن بيه: قرأته في أدبياتهم، لكن أنا أعتبر أنه.. أنا أعتقد الذي جرهم إلى أن يتحدثوا هذا الحديث طبعاً قد يكون دوافع ايديولوجية أو دوافع فكرية منحرفة، لكنه أيضاً من جهة أخرى هو أن هذه الحقوق التي قامت عليها الأمم المتحدة..

تركي الدخيل: لم تطبق.

الشيخ عبد الله بن بيه: لم تطبق، يعني الأمم المتحدة تعترف بوجود وطن للفلسطينيين، تعترف بوجوب دولة فلسطينية، بوجوب إعطاء حقوق للفلسطينيين لكن لم تقدم لهم الأدوات للحصول على هذه الحقوق، ماذا تسمي هذا؟ تعترف بأن العراق كان محتلاً، لكن الأمم المتحدة كيف تطبق عملياً ميدانياً هذه الأفكار النبيلة التي ترتقي مع الفكر الإسلامي؟ كيف تطبقها في الواقع؟ المادة 51 مثلاً من ميثاق الأمم المتحدة تحدثت عن هذه.. عن قضية الحرب والحرب التي يمكن أن نسميها عادلة وهي حرب رد عدوان، (قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدي)، (وما لكم لا تقاتلون في سبيل والمستضعفين) في سبيل المستضعفين الذين اعتدى عليهم، (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله)

تركي الدخيل: يعني معناته عدم تطبيق قرارات الأمم المتحدة مفروض يساهم في وجود إرهابيين….
الشيخ عبد الله بن بيه: وهو كذلك..

تركي الدخيل: لماذا لم يتحوّل عبد الله بن بية مثلاً وهو عالم إلى إرهابي لأن قرارات الأمم المتحدة لم تطبق؟

الشيخ عبد الله بن بيه: هو لا تفترض أني سأتحول إلى إرهابي، لكن أنا كشخص يجب أن ننظر إلى البانوراما كاملة، المشهد كامل سواءً مشهد أولئك الذين يقاتلون، أو أولئك الذين يقاومون أو أولئك الإرهابيون الذين خرجوا عن كل شرعية، وأيضاً مشهد قوانين الأمم المتحدة ومواثيق الأمم المتحدة التي لا تطبق..

تركي الدخيل: لأنو يا طويل العمر في أحد خطابات أسامة بن لادن تحدث عن هذه النقطة، وقال بأن لن تكون الأمم المتحدة هي الحل الذي يأتي لنا بخقوقنا أو كلام في نحو هذا المعنى، وإنما الحل أن نأتي بخقوقنا بأيدينا.

الشيخ عبد الله بن بيه: هو في الحقيقة أرجوا أن لا تعتبر أني معلقاً على خطابات أسامة بن لادن ولا غيره..

تركي الدخيل: لأ أنا أريد أن يعني أن نتناول الحل..

الشيخ عبد الله بن بيه: أنتم في الصحافة يمكن أن تعلقوا على هذا..

تركي الدخيل: أنا لا أريد أن تكون معلقاً أنا أريد أستوضح كونك عالم يعني..
الشيخ عبد الله بن بيه: أفكاري واضحة ومكتوبة وبالتالي لا أجدني أبداً مسؤولاً عما يقوله أسامة بن لادن، لا أجدني مسؤولاً عن أي شيء يقوله شخص آخر، أنا مسؤول عن ما أقوله أنا..
تركي الدخيل: لأ هذا شكل من أشكال الرؤية البانورامية يا شيخ..

الشيخ عبد الله بن بيه: البانورامية نحن نأخذ منها الأساسيات التي نرى أنها بناءة، والتي يمكن أن تبني سلاماً في العالم، وأن نكون كرجال إطفاء، نحن قلنا للغربيين نحن نريد أن نكون إطفائيين مع المسيحيين، لما اجتمعنا معهم بعد 11سبتمبر في روما قبل الحرب قلنا لهم نريد أن نكون إطفائيين، أن نطفئ هذه الفتنة التي تدور، ويجب أن لا نسمح للحرب ولغريزة الحرب ولمطامع الحروب أن تنتشر في العالم، فهذا هو.. هذه مهمتنا..

تركي الدخيل: حتى لو كانت جهاداً؟

الشيخ عبد الله بن بيه: حتى ولو كان.. جهاداً لماذا جهاد، الجهاد له أسبابه وله شروطه وله ضوابطه..
تركي الدخيل: ولا تعتقد أن هناك جهاد الآن يستحق أن يكون في العالم اليوم.

الشيخ عبد الله بن بيه: علينا جميعاً أن نجاهد للسلام، أن نجاهد للحق، أن نجاهد حتى يقوم الناس بالقسط، أن نكون جميعاً على حق، وأن نكون جميعاً متسالمين، وهذا هو الجهاد المطلوب منا.

تركي الدخيل: جميل، شيخ أنت أيضاً تشير في أطروحاتك إلى أن أحد أسباب الإرهاب هو غياب تطبيق مقاصد الشريعة، ماذا تقصد بهذه العبارة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: هو في الحقيقة هذا وصف للثقافة المهزومة، من هذه الثقافة المهزومة منها النظر إلى الجزئيات دون النظر إلى الكليات، وبالتالي بدون النظر إلى المقاصد وهذا أمر في غاية الأهمية، يعني أن تنظر إلى حكمٍ جزئي وتقول: في هذا الحكم الجزئي أمرت أن أفعل كذا، ولكن لا تنظر إلى المقصد الشرعي الأعلى الذي يحكم هذه الجزئيات، وبالتالي الذي يحكم المقاصد المصالح والمفاسد، المصالح والمفاسد هي المقاصد الشرعية الكبرى التي ترمي إليها الشريعة، الشريعة وضعت لمصالح العباد، فكما يقول العلامة القيم رحمه الله تعالى: شريعةٌ مصلحة كلها، وعدلٌُ كلها، ورحمة كلها، وحكمةٌ كلها، فما خرج عن العدل إلى الجور ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الحكمة إلى العبث فهذا ليس من الشريعة، ولا أدخل فيها في تأويلي فالشريعة دون النظر إلى هذه الكليات فسنسقط دائماً لأن الفتوى تتكون من ماذا؟ الفتوى تتكوّن من ثلاثة أبعاد، البعد الأول هو الواقع عليك أن تدرس الواقع بكل تضاريسه، وبكل ما يحيط به ويحف به من إشكالات ومن مصالح ومن مفاسد، ثم عليك أن تنظر في الأحكام الجزئية التي تنطبق على هذا الواقع، ثم عليك أن تنظر في المقصد الكلي الذي يحكم هذا الواقع، بدون هذه الأبعاد الثلاثة وهذه المعادلة الثلاثية ستكون الفتوى عرجاء، لن تكون الفتوى صحيحة.

تركي الدخيل: وتعتقد أن الفتوى في العالم الإسلامي عرجاء؟

الشيخ عبد الله بن بيه: أعتقد أنها أحياناً تكون عرجاء وأحياناً تكون سليمة، ويجب علينا جميعاً..
تركي الدخيل: هذه إجابة دبلوماسية يا شيخ عبد الله.

الشيخ عبد الله بن بيه: لا.. لا هذا الواقع، هذا الواقع أنا لا أريد أن أكون أكثر من..
تركي الدخيل: سنتحدث عن الفتوى بعد فاصلٍ قصير، فاصلٌ قصير أيها الإخوة ونعود بعده لمواصلة حديثنا مع الشيخ عبد الله بن بيه في إضاءات فابقوا معنا.

أزمة في الفتوى في العالم الإسلامي

تركي الدخيل: حياكم الله مجدداً في إضاءات، لا يزال حوارنا هذه الحلقة مع الشيخ عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني السابق، شيخ عبد الله قبل الفاصل كنا نتحدث عن الفتوى، وقلت أن لها ثلاثة مناحي يجب أن تمر عليها، بدونها تكون الفتوى عرجاء، سألتك عن الفتوى في العالم الإسلامي فقلت لي: بأن بعضها يمكن أن يوصف بأنه أعرج وبعضها ليس كذلك.
سأسألك عن أزمة الفتوى ألا تعتقد أن هناك أزمة في الفتوى في العالم الإسلامي، تجعل الكثير من الشباب يذهبون يتوقون إلى انتقاء الفتاوى المهزومة وترك الفتاوى التي تتوافر عليها الشروط؟
الشيخ عبد الله بن بيه: هو ما تفضلت به صحيح فالآن كثرت مراكز الفتوى وتنوعت وتشعبت، وأصبح الشعب يميل إلى ما يلائم طبعه، ويلائم توثبه وربما أيضاً أوضاعه النفسية، فإذا سمع فتوى فيها تشديد فيها بعض التشديد يقول هذه فتوى جيدة وصاحبها أكيد لا يرتبط بالحكومة، وإذا سمع فتوى فيها تيسير وتخفيف يرى أن صاحبها لا شك سيتهمه مباشرةً ويقول هذا من علماء السلطان على أفضل تقدير، وبالتالي وجدنا أنفسنا في صعوباتٍ كثيرة.. الحد هو أن تعلّم الناس..

تركي الدخيل: صنفك بعضهم بأنك من علماء السلطان لأن فتاواك ما عجبتهم؟
الشيخ عبد الله بن بيه: قال أحدهم مرةً في المجموعات الساحات والإنترنت وهؤلاء عن بعض الفتاوى التي أفتيت بها، يقولون أن هذا من علماء السلطان مرةً ومرةً يقولون هذا موسع، ولا يعلمون أن اسم الله سبحانه وتعالى الواسع وليس من أسماء الله المضيّق، فيقولون فلان يقول كل شيء واسع، أنا أقولها بالدليل، طبعاً لا أقول شأن من قبل نفسي ولا من تلقاء نفسي، لكن الفتاوى لها ضوابط علينا أن نُحسن هذه الضوابط، أن نُتقن هذه الضوابط حتى نستطيع أن نتعامل مع الفتاوى، بدون ذلك أعتقد أننا سنظل دائماً في حالةٍ من الاضطراب وفي حالةٍ من تناقض الفتاوى وبالتالي سترى الساحة الإسلامية والبانوراما الإسلامية والمشهد الإسلامي العام سيظل المشهد مضطرباً..

تركي الدخيل: مأزوماً؟

الشيخ عبد الله بن بيه: مأزوماً مضطرباً سمه ما شئت، لكن علينا أن نجد وسائل وأدوات لتوحيد المعايير، وليس معنى ذلك أن نوحد كل فتوى، لكن الفتاوى في القضايا الكبرى في القضايا التي تهم العالم الإسلامي في القضايا التي تُراق فيها الدماء وتُستحل فيها الحرمات، هذه القضايا يجب أن لا يُفتى بها في هذه الطريقة، يجب أن تتعدد فيها مراكز الفتوى بشكلٍ يضر بالأمة الإسلامية..

تركي الدخيل: بمناسبة الحديث عن الفتوى كان اليوم الوطني السعودي الماضي هو أول يوم يتم الاحتفال به إن صح التعبير وإعطاء إجازة له، وتناقلت الصحافة فتوى لكم شيخ عبد الله به بيه بأنكم تجيزون الاحتفال باليوم الوطني السعودي، وهذه الفتوى التي نقلت لكم هل كنتم يعني تريدون منها مخالفة المؤسسة الرسمية الدينية في السعودية التي لها فتاوى قديمة لا تجيز هذا الأمر؟

الشيخ عبد الله بن بيه: أخي تركي هذا آخر ما يخطر لي ببال أن أرد على فتاوى علماء المملكة وأريد أن أصحح، فتواي لم تكن بهذه المناسبة لا أدعي شرف بأني أفتيت بمناسبة العيد الوطني السعودي، هذه الفتوى قديمة، وكان السؤال قد ورد من أفريقيا، وكان بعض الناس يتحرجون، ويظهر بعض المسلمين مظهراً غير لائق ينعزلون ويقيمون ضجةً عندما يرون اجتماعاً لليوم الوطني، فقلت لهم إن الأمر واسع وإنه ليس..

تركي الدخيل: كلمتك المشهورة..

الشيخ عبد الله بن بيه: نعم الأمر واسع، لأنه لا يوجد نص شرعي يحظر ذلك، وأن الأعياد التي نهي عنها هي أعياد جاهلية، وأدلة كثيرة جداً عندي بعضها ذكرته والكثير منها لم أذكره ادخرته ولم أذكره.

تركي الدخيل: ليش ادخرته يا شيخ؟

الشيخ عبد الله بن بيه: ادخرته لأني لا أريد أن أدخل في جدال ومراء، يعني أرى أنه لا فائدة من الجدال والمراء، إذا كان البحث بحثاً هادئاً بالإمكان أن نقدم الأدلة، دعني أذكر لك شيئاً الآن، سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من عمل العطلة.. عطلة الخميس والجمعة، كان راجعاً من بيت المقدس بعد أن فتحه صلحاً، فاستقبله صغار المدينة خرجوا من المدينة مسافات لاستقبال الفاتح، لما جاؤوا أعطاهم هذه العطلة، ما قال أحد أن عمر ارتكب بدعة وأنه أحدث عيداً جديداً، وهذا أقوله لأول مرة حتى ما كتبته سكت، والذين ردوا علي..
تركي الدخيل: هذا من ما ادخرته؟

الشيخ عبد الله بن بيه: في المواقع يعني هم ذكروا أشياء اجتزؤوها وحذفوا كثيراً من الأدلة..
تركي الدخيل: يعني أهم دليل يستندون عليه لا يجوز أن يكون هناك عيد إلا عيدين في الإسلام.
الشيخ عبد الله بن بيه: لا يجوز أن يكون هناك إلا عيدان شرعيان عيدان للعبادة، أما هذه الأيام الوطنية فإنها ليست عبادة، فإنها أيامٌ فقط تحي بها الأمم وتحيي بها تاريخها وتتذكر بها نعمة الله سبحانه وتعالى فهذه ليست للعبادة، وليس كل ما يشبه ما يفعله النصارى ليس حراماً، الحرام هو التشبه وليس مشابهته..

تركي الدخيل: ما الفرق بين التشبه والمشابهة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: كما يقول أبو يوسف صاحب أبو حنيفة، أنا أقول لك هذه الأمور تحتاج..
تركي الدخيل: الفرق بين التشبه والمشابهة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: لا سأقول لك وهذه الأمور تحتاج إلى وقت لأنها إذا اجتزأت تكون خطئاً، أبو يوسف سُئل عن لبس بعض النعال وأنه يشبه نعال النصارى، فقال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يلبس النعال ذات الشعر وهي ملابس الرهبان، فمعنى ذلك أن المشابهة غير التشبه، ما لبسها ليتشبه بهم، التشبه يحتاج إلى نية، يحتاج إلى عمل حتى تعمل به الآخر، أما إذا أشبهت الآخر في عمل ما فهذا لا ضرر فيه إذا كانت فيه مصلحة، وأنا استشهدت في فتواي بقضية العتيرة، العتيرة كان الجالية يذبخون في رجب..

تركي الدخيل: ويش العتيرة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: العتيرة: ذبيحة كان الجالية يذبحونها في رجب، وفي الإسلام وردت أحاديث للنبي (صلى الله عليه وسلم) استحسنها، وقال مرةً لا بأس بها، وقال مرة الأضحية والعتيرة، كتبت الأضحية والعتيرة لكل بيت.. يخلف.. والغامدي وجاء بخديث لا ذبح ولا عتيرة.. المهم أخذوا الحديث الأخير ولم يجمعوا بها الأحاديث، كما جمع بها أحمد والشافعي.. الشافعي استحبها، وأحمد مرةً استحبها ومرةً قال جائزة، فقلنا ليس كل أفعال الآخرين ليست محظورةً علينا، هناك حساسية شديدة من التشبه بالآخر، هذه الحساسية أنا أفهمها التشبه بالآخر إذا كان تشبهاً دينياً فهو حرام لا شك في ذلك، وإذا كان غير ديني فهو ليس حراماً ولا محظوراً، ثم إن العلماء يذكرون أقوال، يذكرون الاستحباب الكراهة الجواز يعني كثير من الناس من طلبة العلم لا يذكرون أبداً الكراهة عندهم ليست موجودة، الحرام.. حرام فقط حرام إذا لم يقل لك شرك، فهذه مشكلة..

تركي الدخيل: جميل، شيخ هذا يجرني إلى سؤال كثيراً ما يُطرق، أنت تحدثت عن أدلة تجيز الاحتفال باليوم الوطني لأنه يوم يحتفل الناس بتاريخه، هناك من يقول أن الإسلاميين لا يحفلون كثيراً بالوطنية، وهناك من يردد كثيراً بأن الوطنية من الجاهلية؟
الشيخ عبد الله بن بيه: أولاً أود أن تسمح لي أن أحترز لأقول إني أحترم من يفتي في اليوم الوطني وغيره، أحترم تماماً فتواهم، لكن أنا سئلت في قضية في أفريقيا فأفتيت فيها بما ظهر لي..
تركي الدخيل: لو سئلت بالسعودية يعني ما تفتي؟

الشيخ عبد الله بن بيه: لو سئلت يعني لم أُسأل بعد على كل حال نشرت الصحافة وكأني أجيب على مسألة العيد الوطني في المملكة، فأنا لا أريد أن أدخل نفسي في حرج، وأعتبر أن المفتين في المملكة السعودية هم أجدر مني بهذا، وهم أعلم مني وأجدر مني بدون تواضع، هم أجدر وأولى أن يفتوا بهذه القضايا..

تركي الدخيل: بس هل هذا تراجعاً للفتوى ولاّ..

الشيخ عبد الله بن بيه: أعتقد أن العصمة هي للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن أهل السنة لا يوجد لدينا إمام معصوم غير النبي صلى الله عليه وسلم

لأ.. لم أتراجع عن الفتوى، رأيي فيها هو رأيي، وأدلتي هي أدلتي، لكن مع ذلك الآراء الأخرى لها وجهها ولها أدلتها، فأنا أحترمها هذا يجب أن يكون واضحاً، أنا أعتقد العصمة هي لواحد لإمام واحد لنبي واحد للنبي صلى الله عليه وسلم نحن أهل السنة لا يوجد لدينا إمام معصوم.. إمام معصوم واحد هو النبي (صلى الله عليه وسلم) موضوع الوطنية أنا أعتبر أن المواطن الجيد أقول في أوروبا دائماً المسلم الجيد هو المواطن الجيد، وهذا طبعاً لأُظهر للأوروبيين بأن المواطنة ليست ضد الإسلام، والإسلام ليس ضد المواطنة.

تركي الدخيل: نحن دخلنا الأوروبيين نبيها عندنا حنا العرب؟

الشيخ عبد الله بن بيه: لأ هذا ما هو أن أحداً يتنكر لوطنه ليكون دولياً فعليه أن يبدأ بنفسه.. بصلاته يبدأ بالأقارب، وبالتالي الإسلام يرتب الخلايا الوطن الذي كان مطروحاً..
تركي الدخيل: لكن المطروح دائماً عند المفكرين الإسلاميين عند الدعاة الإسلاميين الحديث عن الأممية وليس عن الوطنية، حتى غاب الحديث عن الوطنية على اعتبار أن هذه الحدود إنما وضعها المستعمر.

تركي الدخيل: أنا أعتقد أن هذا قد يكون كان فترةً من الزمن لكن الناس تحدثوا عن دوائر، دائرة الوطن وهي الدائرة التي يتعامل معها الإنسان مباشرةً، والدائرة الأعلى وهي الدائرة العربية والدائرة الإسلامية، وهي الدائرة التي تجمع..

تركي الدخيل: والدائرة الإنسانية..

الشيخ عبد الله بن بيه: والدائرة الإنسانية نعم، هذا لا شك فيه.

تركي الدخيل: إذن تعتقد أن الوطنية هي سائغة في الإسلام؟

الشيخ عبد الله بن بيه: جداً، الوطنية لا تدعو إلا إلى خير، الوطنية هو الوطن، وهم المواطنون..
تركي الدخيل: الوطنية لا تدعو إلى خير؟

الشيخ عبد الله بن بيه: لا تدعو إلا إلى خير، الحمد لله الذي سألت حتى بينت.. لا تدعو إلا إلى خير، نعم فهو للحصر.

تركي الدخيل: لكن هل هناك مثلاً هل مفهوم الوطنية موجود مثلاً في النصوص الشرعية؟
الشيخ عبد الله بن بيه: النصوص الشرعية كلها تدعو إلى الوطن، وتدعو إلى المواطنة، أولاً الإنسان مدعو إلى إكرام جاره إلى إكرام.. (أنذر عشيرتك الأقربين) (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) البدء بالعشيرة الأقربين أليس هذا هو الوطن؟ الوطن أليس هو الأرض التي ولد الإنسان عليها؟ هذه الأرض الإنسان مدعو إلى.. الوطن يتركب من ماذا؟ يتركب من سكان، يتركب من ناس، يتركب من وطن، يتركب من سيادة، طبعاً هذا تعريف الدولة عند الغربيين، لكن هذا التعريف لا ينافي تعريف الإسلام..

تركي الدخيل: طيب لأن كثير من المسلمين الذين يعيشون يعني من أصول ينتمون للديانة الإسلامية ولديهم جنسيات غربية يجدون إشكالية في هذا الموضوع؟ يجدون إشكالية في المواطنة للدول الغربية، يعتقدون أن المواطنة للدول الغربية تتناقض مع الهوية الإسلامية، وهذا ما يوجد أزمة الأقليات، وأنتم من الناس الذين يهتمون بموضوع الأقليات أليس كذلك؟
الشيخ عبد الله بن بيه: هي مسألة كبيرة، ولكن سؤالك بمحله، لكن الإشكال هو في اتجاهين، اتجاه أولاً على المسلمين أن يفهموا وجودهم ليس عبوراً، البلاد بلاد الله والعباد عباد الله حيثما أصبت خيراً فأقم، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد في المسند، عليهم أن يعتبروا أنفسهم من أهل هذه البلاد، وأن وجودهم ليس عارضاً أو ليس عابراً وبالتالي أن يقيموا العلاقات مع هذا الوطن، وأنا اعتبرتها من الدوائر السبع يعني من التحديات السبعة التي تواجه المسلمين، وهو كيف يتعايش مع الآخرين كيف يعتبر نفسه مواطناً جيداً، فالمسلم الجيد هو المواطن الجيد، وبالتالي عليه واجبات كما واجبات على المواطنين الآخرين وله خصوصية، هذه الخصوصية تحترم في نطاق التنوّع الثقافي الذي يعيش فيه.

تركي الدخيل: جميل، شيخ أنت تحدثت في إحدى فتاواك عن إمامة المرأة، الحادثة التي حصلت للسيدة أمينة التي أمّت مجموعة من المسلمين في الولايات المتحدة، قلت أنت أن ما اتُفق عليه في المسألة بين كل الفقهاء والعلماء في جميع الأقطار الإسلامية أن المرأة لا تؤم الرجال، وهذا ما ينبغي التمسك به في ديار الإسلام، أما بالنسبة للسيدة أمينة فيمكن أن نتسامح معها، وأن نقبل منها هذا الاجتهاد خاصةً لحديث أم ورقة رضي الله عنه حيث أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ مؤذنةً، وأن تؤم أهل دارها، رواه الإمام أحمد ورواه أبو داود.

الشيخ عبد الله بن بيه: صحيح أنا يعني حاولت أن..

تركي الدخيل: أن تكون واسعاً؟

الشيخ عبد الله بن بيه: حاولت أن لا أفاجئ أمينة ومن معها إذا كانوا يريدون أن يجدوا سعةً في الإسلام، نحن لا نريد أن نضيّق واسعاً، إذا وجدنا ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، إذا وجدناه سبيلاً في التوسعة للناس أن نذكر لهم هذه الأوجه، أن لا نكتم شيئاً من الإسلام، نعتقد أن الخلاف واختلاف العلماء هو رحمة، كما جاء في الحديث اختلاف أمتي رحمة وهو حديث طبعاً لم يثبت سنده منقطع رواه البيهقي وغيره، ولكن معناه مفهوم ومقبول إذا كان هذا الاختلاف اختلافاً حميداً، يسميه الإمام ابن قيم رحمه الله تعالى اختلاف السائغ بين أهل الحق، فمسألة إمامة المرأة ورد فيها حديث أم ورقة، وورد فيها أيضاً في مذهب الإمام أحمد أيضاً روايات بأنها تؤم النساء لأنها تؤم أيضاً الرجال، وتكون خلفهم إذا كانت عجوزاً أو امرأة كبيرةً، يعني هناك أقوال هذه الأقوال لا يجوز أن نطبقها لأنها ضعيفة جداً، لكن مع ذلك إذا قامت امرأةً غربية فنحن نلتمس لها العذر، ونحاول أن نقدم لها شريعتنا بالحسنى، ونقول أنه ليس نقصاً من المرأة، وإذا لم تكوني عجوزاً أيضاً عليك أن تتأخري فلعلها عادةً المرأة تكره أن تكون عجوزاً، فلعلها تتأخر وأن لا تؤم أهل بيتها، فهذا نوع من الفتاوى التي هي عبارة عن لا أقولها مجاملة، لكن عبارة عن تأليف، تأليف للناس، والتأليف للناس وارد في الشريعة، أن نتسامح مع الذي يدخل الإسلام حديثاً، أن نؤلفه، أن نقدم له حتى مالاً كما جاء في القرآن الكريم: (والمؤلفة قلوبهم في الرقاب)

تركي الدخيل: شيخ عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني السابق شكراً جزيلاً لك.
الشيخ عبد الله بن بيه: وأنا أشكرك.

تركي الدخيل: شكراً لكم أنتم أيها الإخوة حتى ألقاكم في حلقةٍ مقبلة من إضاءات هذا تركي الدخيل يترككم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

حوارحول الوسطية مع مجلة الوعي الكويتية

 

الشيخ عبدالله بن الشيخ بن بيَّه

نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

يجب احترام التنوع الحضاري والثقافي للبشرية

 

< مصطلح الإرهاب ينبغي تعريفه انطلاقا من مصدره الأصلي في الغرب

< كلمة >رهب< في الإسلام وما اشتق منها وردت في مجملها للدلالة على الخوف والرهبة من الباري عز وجل·

أكدالشيخ بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والأستاذ في جامعة الملك عبد العزيز في جدة على ضرورة وضع تحديد دقيق لمصطلح الإرهاب يتلاءم مع البنية العقدية للأمة وينطلق من أرضية فقهها وتراثها الخاص حتى لا يختلط الإرهاب بالجهاد ولاتختلط المقاومة المشروعة بمحاربة المحتل، وركز على ضرورة تعزيز ثقافة التسامح الإسلامية ونشر الفكر الوسط والحوار واحترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره إثراء وانسجاماً وليس تباينا وصداماً·


> بصفتكم أحد المهتمين بظاهرة >الإرهاب< وتداعياتها المختلفة ونشرتم في هذا الصدد كتابا عنوانه: >الإرهاب التشخيص والحلول< ما البدايات الأولى لهذه الظاهرة وكيف نشأت؟

– يرى المؤرخون الغربيون أن أقدم جماعة إرهابية عرفها التاريخ المكتوب هي حركة >الورعاء اليهودية< في القرن الأول للميلاد وهي الحركة التي استخدمت العنف المفرط في مواجهة الاحتلال الروماني، وبالنسبة للتاريخ الإسلامي فقد ظهر >الخوارج< في القرن الهجري الأول وأعلنوا التكفير بالذنب وأن >لا حكم إلا لله< وحكموا السيوف في رقاب المسلمين وفي القرن الخامس الهجري ظهرت فرقة >الحشاشين< وهي عبارة عن >عصبة سرية< يدين أعضاؤها بالطاعة العمياء للرئيس الروحي واستخدموا طريقة الاغتيال للتخلص من خصومهم وكان الوزير >نظام الملك< أول ضحاياهم·

وبداية الإرهاب الحقيقي كانت في عشرينات القرن الماضي وتحديدا مع وصول موجات يهودية إلى أرض فلسطين التي كونت عصابات الهاجانا وراح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص الأبرياء ومنذ أواخر هذا القرن العشرين شهد العالم الإسلامي إخلالات خطيرة بالأمن وخصوصا بعد تحرير أفغانستان والعدوان العراقي الغاشم على الكويت وما لحلق ذلك من تداعيات، فارتكبت أعمال وتفجيرات خارج نطاق كل الشرعية الدولية، لعل أشدها وقعا كان الاعتداء على >برجي منهاتن< في الولايات المتحدة الأميركية مما أسدل ليلاً دامسا أرخى سدوله على العالم كله وغابت كثير من حقوق الإنسان والقوانين التي كانت تحكم القوى الكبرى في تعاملها مع الداخل والخارج وأضحت الحملة على الإرهاب تمثل ساحات قتال حقيقية بدءاً من حدود باكستان إلى حدود منطقة الخليج وتركيا··الخ·


> ألا ترون أن الحديث عن الإرهاب كثر في اللغط واختلفت فيه الرؤى الى درجة أصبح معها من الضروري تحديد دلالات هذا المفهوم أو على الأقل ما نقصده نحن المسلمون >بالإرهاب< وما الأسباب والظروف التي ترو أنها انتجت هذه الظاهرة وأفرزتها؟

– بدءاً أود أن أحدد الدلالة اللفظية لهذا المصطلح في الآيات القرآنية وهنا أشير إلى أن كلمة >رهب< وما أشتق منها من تعاريف وردت في القرآن في اثني عشر موضعاً كانت في معظمها تتعلق بالخوف والرهبة من الباري جلت قدرته، وإن كانت آية الأنفال المتعلقة بإعداد القوة الإرهاب العدو قد توحي بظلال قد يخالها بعضهم ذات صلة بالإرهاب المعاصر، إلا أن الأمر عند التأمل الواعي يدل على خلاف ذلك لآن الإرهاب في سورة الأنفال هو من قبيل الردع أو ما يعرف في العصر الحديث باستراتيجية التهيؤ بالقوة لحماية السلام بالإضافة إلى أنه خطاب موجه الى الدولة المسلمة وليس للأفراد او الجماعات، وأما مصطلح >الإرهاب< المتداول اليوم فينبغي البحث عن تعريفه انطلاقا من مصدره الأصلي الغربي على وجه الخصوص، وذلك أن مصطلح الإرهاب: terrorisme ظهر أول ما ظهر في ملحق الأكاديمية الفرنسية سنة 1798م لوصف حكومة الثورة الفرنسية التي كانت ترهب الشعب وخصوصا الملكيين باسم الحرية والثورة، فكان الإرهاب وصفا لنظام حكم إلا أنه منذ نهاية القرن الثامن عشر أصبح المصطلح يتعلق بعنف صادر عن أفراد وجماعات خارجة على القانون، وقد عُرِّف دولياً للمرة الأولى في عصبة الأمم سنة 1934م بأنه >عمل إجرامي يهدف بطبيعته إلى إثارة الرعب والخوف الموجه لأشخاص معينين أو مجموعة من الأشخاص أو للناس بعامة<·

وفي رأيي الخاص إن مفهوم الإرهاب المتداول هذه الأيام لا يبتعد كثيراً عن مفهوم الحرابة، لكن لا يمكن مع ذلك إغفال النية السياسية لبعض قضايا الإرهاب فيكون بذلك جريمة بغي وخصوصاً عند >مالك< الذي لا يتشرط لجريمة البغي أن يكون الباغي جماعة بل الواحد يكون باغيا إذا اعتمد طريق العنف·


> لكن كيف نميز بين الإرهاب وبين المقاومة المشروعة؟

-في رأيي أن التغلب على هذه المعضلة يكمن في الإحالة على الشرعية الدولية والأخلاقية، فالحرب ضد المحتل تزكيها الشرعية الدولية، فالفلسطيني على سبيل المثال يستند إلى مشروعية دولية تعترف له بحقوقه ومن ثم يجب أن يحصل عليها من دون أن تعين له وسيلة الحصول علىها، وعلى هذا الأساس فإنني اقترح صياغة تعريف لجريمة الإرهاب وتوصيفها على ضوء جريمتي البغي والحرابة وتدمج معها بعض الجرائم المنظمة الأخرى كترويج المخدرات التي تعتبر حرابة عند مالك واستخدام مصطلح >التخريب< subversion بدل الإرهاب الذي نعني به الأعمال العنيفة التي تقوم بها عصابات ضد السلطة الشرعية لقلب النظام الشرعي القائم بالقوة والعنف، وهذا التعريف أعتقد أنه يستجيب لهموم المتعاطي مع قضية الأمن وينطلق من أرضية الفقه والتراث والبنية العقدية للأمة، كما أن مصطلح التخريب هو مصطلح واضح يفهمه المثقف والعامي على السواء·

أما عن أسباب هذه الظاهرة فهناك اقتراحات كثيرة منها: الفقر، انعدام الديموقراطية، عدم حرية المرأة، المناهج التعليمية الخ··· واعتقد أن أهم الأسباب التي أدت إلى منطق الإرهاب وثقافته هو ظهور فكر مشوه وثقافة مألوسة ومأزومة ونهج مغلوط للإسلام ثقافة تتميز بضق الأفق وعدم الاكتراث بالآخر والانغلاق الفكري والتعصب والحرفية في التفسير وغياب فقه المقاصد واختلال ميزان المصالح والمفاسد مما نشأ عنه الغلو الذي هو أساس هذا الإرهاب ومنطلقة·


> رسمتم في كتاب >الإرهاب التشخيص والحلول< خطة مقترحة لمعالجة ظاهرة الإرهاب ما الملامح العامة لهذه الخطة؟

– تتعدد الحلول التي يمكن اقتراحها لمعالجة هذه الظاهرة ويمكن أن تكون استراتيجية المواجهة متعددة الأوجه تستعمل الإجراءات الأمنية والثقافية والنفسية والوسائل السياسية والاقتصادية وحتى الإعلامية ويمكن أن نحدد مجموعة من الضوابط للمشروع الإسلامي المقترح لمحاربة الإرهاب تتلخص فيما يلي:

– تحديد مفهوم الإرهاب والسلوك الإرهابي والتمييز بين الدفاع عن الأرض والعرض ومعلوم أن عدم ضبط هذا المصطلح يشكل مغضلة حقيقية·

– إبراز ثقافة التسامح الإسلامية وتصحيح المفاهيم المغلوطة في المنظومة المعرفية والتربوية وبخاصة مفهوم الجهاد، حتى لا يختلط بمفهوم الإرهاب·

– التأكيد على الشفافية في قضية الاتهام الموجه الى الأفراد أو الدول واحترام حقوق الإنسان وسيادة الدول في هذا المجال لتكون الحرب على الإرهاب أكثر نظافة· 

– معالجة مشكلة الفقر والخصاصة واحترام حقوق الدول الفقيرة في النمو الذاتي·

– احترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره عامل إثراء وانسجام وليس عامل تصادم وتباين وتبرئة كل الديانات من وصمة الإرهاب وفي طليعتها الدين الإسلامي والدعوة إلى حوار حضاري معمق·

– ضرورة معالجة الظلم في العالم وبخاصة الظلم المسلط على الفلسطينيين وضرورة إيجاد حلول لقضايا القهر وانتهاك السيادة في العالم الإسلامي·

– تحديد الإصلاح المنشود دوليا ومحلياً سواء كان تحت مسمى الديموقراطية أو أي مسمى آخر وضرورة أن يكون إصلاحا شاملاً·

– ايجاد آليات تعاون أمني تنساب فيها المعلومات بشكل متبادل بين الدول·


> يكثر الحديث هذه الأيام عن >وسطية الإسلام< و>الأمة الوسط< ونحن نتحدث معكم على هامش مؤتمر >الوسطية منهج حياة< الذي تقيمه وزارة الأوقاف بالتعاون مع الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، فكيف تفسرون هذا المفهوم؟

– لعل الوسطية كما نفهما هي التي يعينها الشاطبي بقوله: إن المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يتعلق بالجمهور فلا يذهب نهج مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الإنحلال، والوسطية التي نريدها هنا هي المقارنة بين الكلي والجزئي والموازنة بين المقاصد والفروع والربط بين النصوص وبين معتبرات المصالح في الفتاوى والآراء، والوسطية التي تربي جيلا منفتحاً سمحاً عزيزاً أبياً، جيلاً لا يكون سباعا عادية ولا خرافاً وبقرا تمد أعناقها للجزار·


> ما المفاهيم التي تحتاج إلى تحديد دقيق وما مفهوم الجهاد ومعرفة القدر المطلوب من المسلم في هذا الزمن وكيف ترون هذه المسألة؟

– الجهاد هو مصدر لغوي من جاهد يجاهد مجاهدة ومعناه استفراغ الوسع أي بذل أقصى الجهد للوصول إلى غاية في الغالب هي محمودة وهو في الإسلام يغطي ثلاثة مستويات:

1- مجاهدة العدو

2- مجاهدة الشيطان

3- مجاهد النفس

والمعنى الأول هو جهاد غير المسلمين وهو المعنى الشائع وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في فضله وشروطه وضوابطه، وهنا يجدر التنبيه إلى أن الجهاد في الإسلام ليس مرادفا دائما للقتال فهو مفهوم واسع يدخل فيه الدفاع عن الحق والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وهو المعنى الأول كما هو واضح في قوله تعالى :{وجاهدهم به جهاداً كبيراً} >الفرقان – 52<،أي أقم عليهم الحجة بالقرآن الكريم وقدم لهم البرهان، ومعلوم أن ذلك لا يتطلب أعمالاً حربية فليس كل جهاد قتالا وليس كل قتال جهاداً، ومعروف أن الحرب في الإسلام هي حرب دفاعية وليست لإجبار الناس على الدين وإذا رجعنا إلى حروب النبي [ التي خاضها مع المشركين (27 غزوة) نجد أن المشركين كانوا هم المعتدين أو المتسببين فيها لأسباب مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما يعني أن الأصل مع الكفار السلم لا الحرب والمتواتر من سنته [ أنه لم يبدأ أحدا بالقتال، وقد اختلف العلماء في وجوب جهاد الطلب وهو الجهاد الذي يقرره الخليفة أو السلطة الشرعية لردع الدولة المجاورة للدولة الإسلامية لحماية حدودها وسلامتها، ورأى بعض العلماء مثل >الثوري< و>أبي عمر بن عبدالبر< أنه ليس واجبا وإنما يستحب، أما الجهاد الدفاعي فهو محل اتفاق وهو الذي تشير إليه الآيات القرآنية الكثيرة مبينة أسبابه وهو الظلم المتمثل بالطرد من الديار والحجر على الحرية الدينية·

{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا··} >الحج -39<


< الشيخ عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه عالم موريتاني- تولى مناصب وزارية عدة في بلاده

– يشغل حالياً – وظيفة استاذ محاضر في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة،

ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس لجنة الحوار والاتصال فيه،

أمين منتدى الفكر الإسلامي التابع لمجمع الفقه الإسلامي في جدة·

عضو مؤسس في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ورئيس الحوار فيه

 

حوار حول اللقاء الحادي عشر للجنة الحوارالاسلامي-الكاثوليكي

حاوره: سعد بن أحمد

9/5/1426 / 16/06/2005

                     

 احتضنت العاصمة الإيطالية روما خلال هذا الأسبوع الدورة الحادية عشرة للحوار الإسلامي المسيحي ، والذي تنظمه لجنة الاتصال بين المنظمات الإسلامية والكنائس الغربية بشكل دوري منذ أكثر من عقد من الزمن .

ويسعى الجانب الإسلامي من هذا الحوار إلى تقديم الصورة الحقيقية والناصعة للإسلام ، باعتباره الرسالة السماوية الخاتمة ، وذلك انطلاقا من ضرورة الحوار مع الآخر، وقياما بواجب التبليغ ، لتقديم البرهان وإقامة الحجة . 

حول أعمال هذا اللقاء ونتائجه .. وكذلك منطلقات وأهداف الحوار الإسلامي المسيحي كان” لشبكة الإسلام اليوم “هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة ، ورئيس لجنة الحوار الإسلامي .


 شاركتم خلال هذا الأسبوع في الحوار الحادي عشر للقاء الإسلامي المسيحي بروما .. كيف تقيمون هذا اللقاء ؟ 

هناك لجنة اتصال بين الكنائس وبين المنظمات الإسلامية ، وهذه اللجنة تجتمع لبحث ومناقشة بعض الموضوعات ، وترشح بعض الموضوعات للنقاش . وكان الموضوع المقترح لهذه السنة هو موضوع العلاقة بين الدين والمجتمع والدين والدولة ، وكان علي أن أقدم بحثاً عن علاقة الدين بالدولة ، وزميل آخر يقدم بحثا عن الدين والمجتمع ، وفي مقابلنا أيضاً اثنان من المسيحيين من النصارى قدما أيضاً بحوثاً في نفس الموضوع هذا.


ماذا عن الأرضة المشتركة لهذا الحوار ؟ وهل هناك اتفاق على خطوط عامة على أساسها يتم هذا الحوار؟

هذه الحوارات هي لقاءات سنوية تبحث في العلاقات الإنسانية تبحث في قضايا السلام والتعايش ونحو ذلك وتبحث في بعض القضايا التي قد تهم الأطراف المشاركة فيها . لأن هذا الموضوع الآن هو موضوع مهم جداً في أوربا حيث إن بعض الدول الأوربية عندها مواقف من الديانات الجديدة التي دخلت ، بناء على أن هذه الدول هي دول متدينة كسويسرا مثلاً قانونها ينص على أنها دولة دينية أي مسيحية ، وكذلك النرويج و الدانمارك . فوجود ديانات جديدة في هذه البلاد طرح بعض المشاكل كما ً في فرنسا عندما منعت الحجاب والرموز الإسلامية ، طرح أيضاً السؤال : ما هي العلاقة بين الدولة والدين ؟ مع أن هذه الدول تقول إنها دول علمانية وبالتالي لا علاقة لها بالدين ، فالدين فيها أمر شخصي – كما يقولون – أو يخص الفرد فقط . ثانياً هم يطرحون أسئلة بالنسبة للعالم الإسلامي .. لماذا بعض الدول تتشبث بأن تتولى تسيير الشؤون الدينية ؟ لماذا لا يترك الدين أمراً شخصياً رباطاً – كما يسمونه – بين الله وبين العبد ولا علاقة للسلطة به ؟ فهذه هي الإشكاليات والأرضية المشتركة التي على أساسها يجري الحوار بهدف البحث عن حلول لهذه الإشكاليات ، وما هو موقع الدين في العالم المعاصر الذي نعيش فيه ؟ وغيرها من القضايا ..


كيف تقيمون مستوى المشاركة الإسلامية في هذا الحوار مقارنة بمستوى تمثل الظرف الآخر أيضاً الطرف المسيحي؟

المشاركة الإسلامية كانت جيدة جداً لأن د. عبد الله نصيف هو رئيس المؤتمر العالمي الإسلامي والدكتور عبد العزيز التويجري رئيس المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم ، والدكتور حامد الرفاعي الأمين العام لمنتدى الحوار الإسلامي ، والأستاذ الشريف الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية ، والعبد الضعيف رئيس لجنة الحوار الإسلامي المسيحي .. وشخصيات أخرى عديدة 


فضيلة الشيخ قدمتم خلال هذا اللقاء محاضرة تحت عنوان الدين والدولة كيف كانت ردود فعل الجانب المسيحي على محاضرتكم؟

دارت مناقشات ساخنة حول هذا الموضوع مع الجانب المسيحي ، فالمسألة يمكن أن نلخصها في أن المصطلحات الإسلامية تختلف عن المصطلحات لدى الطرف الآخر، والمسارات التاريخية تختلف كذلك ، بالإضافة للاختلاف العميق في الثقافة . هذه الاختلافات مؤثرة بالتأكيد ، فنحن نعتقد أن الدولة ضرورة للدين لأن الدين عندنا هو الوحي ، وقد اشتكى رئيسهم المطران “جيرالد “من هذا الطرح عندما قلت إن الدين هو مجموعة العقائد والقواعد والأحكام التفصيلية التي تنظم علاقة الإنسان بربه وبأبناء جنسه وبالكون عامة .. وهو يقول لا .. الدين ليس وحيا وإنما هو رباط ، ونحن نقول إن الرباط أثر وليس هو الأصل ، وإنما الأصل هو الوحي . فهذا هو الجو العام لهذه المناقشات .. تنزل المناقشات أحيانا إلى قضية المسلمين في أوربا، كما تتطرق للعديد من الإشكاليات التي ترتبط بواقع المسلمين في بلدانهم الأصلية أو في الغرب ، وهي الإشكاليات التي نجيب عنها بفضل وتوفيق من الله تعالى.


يرى البعض أن المشاركين في هذا الحوار من الجانب المسيحي ليس لهم تأثير يذكر في مجتمعاتهم الغربية ، وبالتالي لا نجد تأثير لهذا الحوار على أسلوب التعاطي بين المسلمين والمسيحيين .. ما تعليقكم على ذلك؟

في الحقيقة أنا اعتقد أن هؤلاء قد يؤثرون إذا أرادوا ذلك ، المسألة هل الطرف الآخر على درجة من الإخلاص أو من الجدية في علاقته أو في حواره مع الطرف الإسلامي ؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه وأما الطرف المسيحي فقد ضم العديد من الشخصيات الهامة جنسيات أمريكية وأروبية ومن أنحاء مختلفة من العالم لها صوتها ولها تأثيرها إذا اقتنعت بشيء يمكن أن تعلنه وأن تذيعه وبخاصة إذا استمعت لوجهة النظر الإسلامية وهي وجهة نظر دائماً مقنعة وواضحة بفضل الله . ولكن الجدية هي الأمر الذي نحتاج إليه . نحتاج أن نقتنع أن الجانب الآخر يتسم بالجدية الضرورية لهذا الحوار .. يعني هذا سؤال مهم لمستقبل علاقتنا معهم ، ونحن نرى أن الحوار هو واجب ديني الله سبحانه وتعالى أمر به أصلا يقول تعالى :” وجادلهم بالتي هي أحسن ” ويقول تعالى : “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ” فالحوار عندنا من أصول الدين وليس أمراً موسمياً ، ولا نقدمه رهباً ولا رغباً ، ولكن نقدمه لأنه من ضرورات العلاقات البشرية ، كما أنه من ضرورات الدعوة لهذا الدين الذي هو الدين الخاتم .


هل حقق الحوار الإسلامي المسيحي وهو اليوم في دورته الحادية عشرة أي هدف من الأهداف المرجوة منه في نظركم؟

الأهداف هذه لا تتحقق دفعة واحدة أو مرة واحدة ، وإنما هي عبارة عن تراكمات .. هذه التراكمات قد تحقق شيئاً من التفاهم ، قد تدل على الأقل على استعداد الطرف الإسلامي دائماً لأن يهدي وجهة النظر النافعة والصالحة لحل مشاكل الكوكب الأرضي الذي نعيش عليه ، أما أن نقول إن الأهداف قد تحققت فأنا لا أعتقد أن هذه الحوارات وصلت إلى أهداف ملموسة ومحسوسة ، لكنها وصلت إلى بعض الأهداف في توضيح بعض المفاهيم و تحقيق التعارف ، وهذا التعارف مطلوب للتعريف بهذا الدين ، والله سبحانه وتعالى يقول: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) واجب علينا لإقامة الحجة والبرهان ، وهذه الحجة علينا أن نحملها معنا لنقدمها إلى الطرف الآخر ولنبلغها للآخرين ، ونحن نتعايش هنا منذ أربعمائة سنة كما قلت في مداخلتي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط هم في العدوة الأخرى ونحن في هذه العدوة ، والمفروض أنه قد حصل التعارف بيننا ، وأن يكونوا قد فهموا عنا ، ومع ذلك ما زالت لديهم عقدة “الإخوة ” كما سماها الفرنسي موزار ، فهم يرون في الدين الإسلامي الكثير مما هو أصل الرسالة المسيحية ولذلك عندهم عقدة من هذا الدين ، ونحن نرجو أن تزول هذه العقدة لأننا نسعى فقط لتقديم الحقيقة . 

مقابلة الشيخ ابن بيّـه مع موقع الإسلام اليوم

 

حاوره: سعد بن أحمد

21/1/1426 هـ


                      

في حواره مع (لإسلام اليوم) شرح فضيلة الدكتور عبد الله بن بيه مشروعه الإسلامي لمكافحة الإرهاب، مبرزاً شموليّة الإسلام، ورؤيته المتميزة، وقدرته على تقديم الحلول لمواجهة كل التحديات والإشكالات المطروحة في عالمنا اليوم. داعياً العلماء والمفكرين إلى المساهمة الجادّة في هذا الموضوع؛ لأن من شأن ذلك أن ينزع عن الإرهاب المبرّر الخلقي الذي قد يدّعي الاستناد إليه.

في هذا اللقاء.

يعرض الشيخ لمقترحه الإسلامي للقضاء على ظاهرة الإرهاب على المستوى الدولي..والدور المطلوب من الهيئات والمنظمات الإسلامية في هذا المجال.

اللقاء تناول كذلك التحديات التي تواجه الدعوة في بلاد الغرب، ومستقبل العمل الخيري الإسلامي.

إضافة لموضوع الديمقراطية والانفتاح السياسي في بلادنا الإسلامية ، وقضايا أخرى. 


بداية.. لماذا “المشروع الإسلامي لمكافحة الإرهاب” في هذا الوقت بالذات؟ 

أودّ أن أقسم هذا السؤال إلى شطرين أو شقين : 

الشق الأول : لماذا المشروع الإسلامي لمكافحة الإرهاب؟

في البداية .. إن هذا المشروع هو عبارة عن أفكار- بمعنى أنه ليس دراسة متكاملة أو نهائية -بل هو عبارة عن أفكار مطروحة للبحث والمناقشة..هذه الأفكار تنطلق من أرضية إسلامية، ولهذا سميناه بالمشروع الإسلامي لمكافحة الإرهاب.. أولاً: لبيان أن الإسلام يحارب الإرهاب، ولا يشكل غطاءً ولا سندًا للإرهاب ، وذلك للردّ على الجهات التي تجعل صفة العنف صفةً بنيوية في الإسلام، ولهذا قدمنا في بداية هذا المشروع خارطة عالمية للإرهاب منذ قرنين أوضحنا فيها أن كل قارة من قارات العالم أخذت نصيبها من الإرهاب. 

الشيء الثاني الذي أردنا إبرازه هو أن الإسلام – نصوصًا ومقاصد – يتسع لإيجاد الحلول لكل الإشكالات القائمة بما فيها ظاهرة الإرهاب، والعلماء مدعوون إلى تقديم رؤيتهم أيضًا حول هذا الموضوع.. والإسلام له رؤية مميزة يمكن أن تواجه هذا الحدث الذي يشكو منه العالم، وهي رؤية تتوفر على المرجعيّة الأخلاقية والشمول. فالشريعة الإسلامية عندما استعملت مصطلح حِرابة فإنها تميّزه عن مصطلح الحرب. أيضًا من زاوية العلاج والوقاية.. فالشريعة الإسلامية تتوفر على أصول ثقافة التسامح والسماحة التي من شأنها أن تجفّف منابع الإرهاب. 

كما أن الشريعة ترفض الجور والظلم وبالتالي تؤصل للعدل والإنصاف والإحسان المرتبط بعقيدتنا الإسلامية، ومن شأن ذلك أن يُنـزع عن الإرهاب المبرّر الخلقي الذي قد يدّعي الاستناد إليه. 


هذا فيما يتعلق بالمحور الأول من السؤال.. لكن ماذا عن المحور الثاني: لماذا في هذا الوقت بالذات؟ 

أما عن التوقيت فالواقع أنني قدمت الملامح العامة لهذا المشروع خلال اجتماع عقدناه مع ممثلي الكنائس المسيحية في روما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأشهر قليلة ؛ حيث دُعينا لاجتماع سُمّي بالقمة الإسلامية المسيحية عرضت فيه معالم هذا المشروع في محاولة لتفادي التداعيات التي كانت تلوح في الأفق حينها.. لكن سبق السيف العذل -كما يقول المثل – ونحن نقدمه الآن لأن العالم ما زال يبحث عن مشروع.. فقبل ثلاثة أسابيع كان كوفي عنان في مؤتمر في مدريد حول الإرهاب يقدم مشروعًا من خمس نقاط ، وكان يتوقف عند التعريف الذي لم يتوفر إلى الآن نظرًا لغياب الإرادة الدوليّة، فالواقع أنه لا توجد إرادة دولية تسمح بوضع تعريف محدّد للإرهاب ، فالأمر ما زال مفتوحًا .. وهذا إشكال كبير ثم -أيضًا- إن هذا العمل هو عمل أكاديمي لا توقيت له ، فالكلمة الطيبة لا تُترك لأنها تأخّرت ، فلعلها تُؤتي أُكُلَها ولو بعد حين.


بعد مضيّ أكثر من ثلاث سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر واحتلال بلدين إسلاميين – على خلفيّة ما يُسمّى بالحرب ضد الإرهاب – ألا ترون أن هذا المشروع جاء متأخراً بعض الشيء؟ 

كما ذكرت من قبل .. فإن الموضوع مازال مفتوحًا.. ونحن قد قدمنا مع مجموعة من العلماء معالم هذا المشروع من مدة، لكنْ زملاؤنا على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط لم يكونوا على استعداد في ذلك الوقت لسماع هذه الأفكار التي تشتمل على درء المفاسد بإزالة المظالم في محاولة لعقلنة العلاقات الدولية، ومن أجل إشراك الحضارة الإسلامية في الردّ على هذا التحدي المتمثل في تحدي الإرهاب الذي يدينه المسلمون كما يدينه الآخرون. 

فالمسلمون قد اكتوَوْا بنار هذا الإرهاب الذي لا دين له ولا وطن كما هو معروف.


هل تم التنسيق بينكم وبين هيئات أو منظمات إسلامية دولية لطرح هذا المشروع؟

في الحقيقة أنا عضو مؤسس في منتدى الفكر الإسلامي المنبثق عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، هذا المنتدى الذي يرأسه الدكتور/ الحبيب بلخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي (حيث تم تقديم هذا المشروع) في محاولة لإثارة نقاش حول موضوع حيوي ..وبالتالي فالتنسيق قد تم على هذا المستوى، أما مع الجهات الأخرى أو الهيئات الأخرى، فيمكن فيما بعد أن تعقد منظمتنا -من خلال منتدى الفكر الإسلامي- ندوة حول هذا الموضوع، وهذه الندوة قد تتمخض عن بلورة بعض الآراء والأفكار التي يمكن تقديمها للأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي وبالتالي -أو على الأقل هذا ما نتمناه- أن يحصل التنسيق المطلوب مع مختلف الجهات ذات العلاقة.


بالنظر للسياق الإقليمي والدولي الراهن.. ما مدى فرص نجاح هذا المشروع في رأيكم؟

حقيقة نحن ليست لدينا أوهام حول فرص نجاح هذا المشروع، لكنه جهد يُضاف لجهود أخرى تقدمها مؤسّسات دوليّة، ومجموع هذه المبادرات أو المجهودات يمكن أن يحدث تأثيرًا في مسار الأحداث، كما أنه يساعد في وضع الإطار النظري والعملي لحركة منضبطة للقضاء على ظاهرة الإرهاب.


فضيلة الشيخ أنتم معروفون بنشاطكم الدعوي على مستوى أوروبا وأمريكا الشمالية، كيف تقيّمون العمل الدعوي هناك بعد الحادي عشر من سبتمبر؟

أنتم تعرفون ماذا حدث؛ فالنشاط الدعوي أصبح يُنظر إليه بشيء من الحذر إن لم نقل بكثير من الريبة، لكن مع ذلك فإن الدعوة الصحيحة السلمية تتأقلم مع هذه الظروف، وبالتالي فالنشاط الدعوي مستمر- وكان عليّ اليوم أن أسافر إلى فرنسا لحضور مؤتمر المنظمات الإسلامية هناك لكن لظروف شخصية لم أتمكن من السفر- والأخوة هناك يمارسون نشاطهم الدعوي بشكل جيد في إطار احترام قوانين ونظم البلاد التي يتواجدون فيها؛ فالداعية من خلال نضجه الفكري ووعيه للمتغيرات والظروف المحيطة، وكذلك اختلاف البيئات يمكنه أن يقدم الكثير للعمل الدعوي.


ما يُقال عن العمل الدعوي يُقال كذلك عن العمل الخيري الإسلامي فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ظهرت دعوات تطالب بمحاصرة العمل الخيري الإسلامي بدعوى تجفيف منابع الإرهاب .. ما السبيل لمواجهة هذه الحملة في رأيكم؟

ما تفضلتم به صحيح؛ فالعمل الخيري أيضًا يواجه ظروفًا شديدة لكن أعتقد أن اعتماد الشفافية والمنطق العقلاني والتـزام الشرعية والعمل ضمن الضوابط التي يحدّدها ولاة الأمر والانطلاق من ذلك، مع قدر كبير من الشجاعة والصبر دون التهور.. وتقديم الحجج الواضحة على أن هذا العمل هو من صميم رسالة الإسلام، وأيضًا بالتنبيه والمقارنة مع عمل المنظمات والهيئات غير الإسلامية. 

ولابد من بذل جهد لإيجاد الصيغ والقنوات المناسبة لتمرير العمل الإسلامي الخيري، أو علينا أن نطمئن الآخرين أن هذا العمل- الذي ينظرون إليه بكثير من الشك والريبة- لن يساند الإرهاب، ولن يكون أبدًا سببًا في إيذاء الناس أو تشجيع الإرهابيين، وإنما هو عمل مشروع يُراد به إيصال الخير والنفع للمحتاجين في كل مكان.

والحقيقة أن المنظمات والهيئات الإنسانية في العالم بإمكانها أن تبذل جهدًا لإزالة العوائق التي تعترض هذا العمل وتحدّ من نشاطه. 


في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن الحاجة للانفتاح والإصلاح السياسي .. في هذا الصدد ما موقفكم من الممارسة الديمقراطية كنظام للحكم في بلادنا الإسلامية؟

السؤال الكبير هو أي ديمقراطية نعني؟ هل هي الديموقراطية الليبرالية التي منحت صلاحية التشريع للبشر في كل المجالات، والتي ترفع سقف الحريات بلا حدود أو ضوابط ؟ إذا كان هذا هو المقصود فهو مرفوض بالطبع، ولا يمكن تبريره -على الأقل من وجهة نظر إسلامية- أما إذا كنا نعني بالديموقراطية الإصلاح الذي يسمح بمشاركة أهل الإصلاح أو أهل الحل والعقد فالإسلام قد وضع نظام الشورى ونظام “العرفاء” معروف في عهد رسول -الله صلى الله عليه وسلم- والعلماء اعتبروا ذلك أصلاً في تعيين” العرفاء” لأنهم أعوان للإمام ، والانتخابات تدخل في هذا المفهوم ، وفي نظام الشورى بشكل عام. وبالتالي فلا يوجد إشكال من هذه الناحية – على الأقل من الناحية النظرية- مع العلم أن لكل بلد ظروفه وخصوصيته التي لا بد من أخذها في الاعتبار. ومع ذلك فلابد من شيء من الإصلاح لإزالة الاحتقانات في العالم الإسلامي.. ولا بد من شيء من التفاهم وسيادة الحوار على كل المستويات.


هل تتعارض مشاركة المرأة في الحياة السياسية مع النصوص الشرعية؟ وعلى افتراض أنها لا تتعارض: ما هي حدود تلك المشاركة؟ 

مسألة المرأة هي من المسائل التي شغلت الناس كثيراً في هذه الأيام. والمرأة في الأمور الشرعية مكلفة بما يكلف به الرجل، أي أن الخطاب التكليفي جاء عاماً للرجل والمرأة – إلا ما اقتضته طبيعة كل منهما- وبالتالي فإن المشاركة خاضعة للضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية.

هناك سقف وهناك ضوابط لا بد من اعتبارها، علماً بأن المرأة لا يمكن أن تكون رجلاً، كما لا يمكن للرجل أن يكون امرأة، فهذه فطرة الله -سبحانه وتعالى- ومن أراد تغيير هذه السنن فمصيره الفشل بلا شك لأنها سنن إلهية لا يمكن تغييرها.

وهناك شيء لا يريد الغرب فهمه، وهو أن للمرأة سقفاً لا يمكن أن تتجاوزه، وهذا السقف تحدّده طبيعتها وفطرتها. ومع ذلك فالإسلام منح المرأة كل حقوقها، وحرّرها من كثير من القيود التي كانت في الجاهلية، اعتباراً لمكانتها، وبالتالي ففي حدود هذه الضوابط الإسلاميّة الفسيحة والمرنة يمكن للمرأة أن تشارك وتخدم مجتمعها.


بوصفكم باحثاً وأستاذاً جامعياً وعلى صلة بالوسط الأكاديمي منذ فترة طويلة.. كيف تفسرون ندرة مراكز وهيئات البحث العلمي في بلادنا الإسلامية؟

هذا السؤال وضع الأصبع على داء شكوت منه كثيراً .. فهذه المراكز العلمية في غاية الأهمية لأن من شأنها أن تنير الدروب للباحثين و أن تقدم الحلول للقضايا المطروحة ليس فقط للمجتمعات وإنما للقادة أيضاً.

ونحن نرى الغرب يتسلح بها -وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية – لأن هذه المراكز تمثل بالنسبة لهم المقدمة والنتيجة .. بمعنى أنها هي التي تطلب الأفكار، وهي التي تنـزل الأفكار بعد ذلك إلى المستويات التنفيذية.

فالعالم الإسلامي بحاجة كبيرة وملحة جداً إلى إنشاء هذه المراكز والمؤسسات العلمية التي تدرس مختلف القضايا في جو هادئ رصين لتقدمها للقيادات الفكرية والسياسية لبلادنا الإسلامية لتتم الاستفادة منها في كل مجالات الحياة .


في ظل المستجدات والتحديات التي تواجه المسلمين اليوم ألا ترون أن “أولويات الفتوى” بحاجة لإعادة نظر لصالح ما يُسمّى بفقه المرحلة؟

في الحقيقة الفتوى بحاجة إلى مراجعة.. بمعنى أن الفتوى هي أولاً صناعة، وهذه الصناعة يجب علينا أن نتقنها، و لا يجوز أن تكون الفتوى كلأً مباحاً يجوز لكل شخص أن يرعى فيه، فهناك ضوابط وأصول لهذه الصناعة يجب أن نرجع إليها، وأن نراجعها، وأن ننطلق منها.

الشيء الثاني يجب مراجعة الفتوى من جهة فن الفتوى، والشخص الذي يفتي، وكذلك من جهة الموضوعات التي ينبغي أن تتناولها الفتوى الجماعية – وهي الموضوعات الكبرى التي لا ينبغي أن يفتي فيها الفرد – فالفرد قد يفتي في موضوع الطهارة أو الزكاة مثلا لكن لا يحق له أن يفتي في قضايا كبرى تلزم الأمة وتهدّد مستقبلها، و المجامع الفقهية تتحمل مسؤولية كبرى في هذا المجال، فنحن لدينا مجامع، ولدينا مجالس، ولدينا هيئات كبرى كهيئة كبار العلماء بالمملكة، ومجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والمجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء.. هذه المجامع يجب أن تقوم بوظيفتها في هداية المسلمين، وإعادتهم إلى اعتبار المرجعية الإسلامية الصحيحة.

ينبغي علينا أن نروّج لهذا ونحاول إفهام وسائل الإعلام بأن لا تروّج لفتاوى فردية قد تضر بالأمة في حاضرها ومستقبلها، أيضاً ينبغي أن نؤصل فقه المقاصد، وهو فقه واسع يضمن اعتبار المصالح المعتبرة وإلغاء المفاسد المضرة، وبالتالي إذا وازنّا بين المقاصد والنصوص الجزئية، وبين الكليات والجزئيات نصل إلى الفتوى الصحيحة التي تحتاج إلى جملة من الضوابط والأسس.


في زمن الفتن والتحديات التي تهدد وجود الأمة ككل أيهما أولى للداعية : أن يركز على ما يجمع الأمة ويوحد كلمتها.. أم ينشغل بالخلافات والنـزاعات بين الطوائف والفرق الإسلامية؟

في الحقيقة بالنسبة للدعوة كما هو الشأن بالنسبة للفتوى كذلك هناك قاعدة مهمة هي قاعدة النظر في المآلات – وهي قاعدة شرحها الشاطبي رحمه الله شرحاً وافياً – أن ننظر في مآل الفتوى ومآل الدعوة، كذلك هذه المآلات تحدّد مسار الفتوى كما تحدّد مسار الدعوة. وهي طبعاً لا تجعل الحرام حلالاً، ولا الحلال حراماً، ولكنها تحدّد الأسلوب الذي يجب أن يتعاطى به الداعية مع الموضوع، والرسالة التي يريد إيصالها للجمهور.. هذه مسألة في غاية الأهمية ونحن بحاجة إليها.. بحاجة إلى الوسطيّة في الدعوة والفتوى.

فالداعية عليه أن يسلك منهج الوسطية – التي ليست إفراطاً ولا تفريطاً – فالمعصوم واحد هو النبي -صلى الله عليه وسلم – كل الناس بعد ذلك يؤخذ من كلامهم ويُردّ، ونحن نجد أن بعض الدعاة – هداهم الله- يرفعون بعض الناس أو بعض العلماء إلى درجة تقترب من العصمة بحيث لا يعتبر أي خلاف معهم، وهذا خطأ واضح “ولم يشم رائحة الفقه من لا يعرف اختلاف العلماء”كما قال المقري.

فعدم معرفة الاختلاف، وعدم معرفة أقوال العلماء، وكذلك التعرف على البيئات والواقع؛ فالبيئات الأوربية -مثلاً – تختلف عن بيئات بلداننا الإسلامية، وينبغي أن يُؤخذ ذلك في الاعتبار.

الشريعة تريد أن تقدم الإسلام إلى الناس محبوباً محبّباً سمْحاً متسامحاً.. وبهذه الروح يمكن أن تحقق الدعوة الإسلامية أهدافها، وبدونها تفقد الدعوة الكثير من تأثيرها المطلوب، ويفسد الداعية أكثر مما يصلح.