فتوى مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي
رقم (13) لسنة 2020م
الأحكام الشرعية المتعلقة ببعض المستجدات الفقهية
لمرض فيروس كوفيد – 19 (كورونا المستجد)
بتاريخ: (25/08/1441هـ) الموافق: (19/ 04/2020م)
الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتمُّ التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فإنَّ مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي في اجتماعه الأول لسنة 2020م المنعقد يوم الأحد الواقع في: (25/08/1441هـ)، والموافق: (19/04/2020م) قد استعرض بعض المستجدات الفقهية المتعلقة بالأوضاع الراهنة لمرض فيروس كوفيد -19 (كورونا المستجد)؛ وقد ناقشها المجلس في اجتماعه وأصدر بشأنها الفتاوى الآتية:
السّؤال الأول:
ما حكم الإفطار في رمضان للوقاية من مرض كورونا المستجدّ؟
الجواب:
– يجوز للمصاب بفيروس كورونا أن يفطر عندما تظهر عليه الأعراض الأولى للمرض، أما إذا أخبره الطبيب أن الصوم سيفاقم مرضه فإن الصوم حينئذ يصبح غير جائز ويتعيّن عليه الفطر.
– يجوز للكوادر الطبية التي تشرف على المرضى (من أطباء وممرضين ومسعفين ونحوهم)، الذين يمثلون الخط الأمامي في مواجهة هذا الوباء أن يفطروا في أيام عملهم؛ إن كانوا يخافون أن يؤدي صومهم إلى ضعف مناعتهم أو تضييع مرضاهم.
– يرخص لكبار السن الذین یعانون من الأمراض المزمنة أو الأمراض التنفسیة أو يشق عليهم الصوم بالإفطار في رمضان
– يجب على الجميع قضاء عدد الأيام التي أفطروها بعد رمضان وبعد زوال عذر الإفطار.
– المعتمدُ في تحديد مستوى المرض وخطورته، على أهل الخبرة من الأطباء والجهات الحكومية المختصّة.
– أما غير المرضى وذوي الأعذار (أي: المريض، والمسافر، وكبير السن الهرم الذي يشق عليه الصيام ويكتفي بالإطعام، وصغير السن غير المخاطب) فهم على حكمهم المعلوم من وجوب الصيام؛ امتثالاً لقول الله سبحانه وتعالى: “فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ” سورة البقرة، آية رقم: 185.
المستند الشرعي للفتوى:
الصيام شعيرة من أعظم الشعائر التي يتقرب بها إلى الله تعالى، وهو أحد أركان الإسلام ومظهر من مظاهر استسلام المسلم لأمر الله تعالى وامتثال أوامره في الظاهر والباطن، والترقي في مدراج الإحسان بالانقطاع عن الشهوات الحسية والمادية.
قال تعالى: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ” سورة البقرة، آية رقم: 183. ويفيد معنى: “كُتِب” في الآية الوجوب، والصيام الواجب على كلّ مكلف هو صيام شهر رمضان لقوله تعالى: ” فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ” سورة البقرة، آية رقم: 185.
وقد رخّص تعالى لذوي الأعذار بالإفطار في شهر رمضان وأمرهم بالقضاء في غيره من شهور السنة فقال: “وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ” سورة البقرة، آية رقم: 184.
ولرمضان هذه السنة خصوصيته، حيث يحلّ على العالم وهو يواجه انتشار فيروس كورونا المستجد الذي فشا فشوا عظيمًا فأصاب الملايين من الناس، وحصد أرواح الآلاف، وهو وباء جديد ما زالت البحوث العلمية لم تحط بعد بجميع جوانبه وخصائصه، كأسباب انتشاره، ومدد كمونه، وأنماط ظهور أعراضه.
كل ذلك يستوجب تجديد النظر في بعض أحكام الصيام، والمصير إلى الرخص والأخذ بالأخفِّ، بإعمال مقصد التيسير النّاظم لكل مناحي الشريعة، كما دلّت عليه النصوص الكثيرة منها: قوله تعالى:”لاَ يُكَلِّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهاَ” سورة البقرة، آية رقم: 286، وقوله: “وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ” سورة الحج، آية رقم:87، وقوله: “يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـانُ ضَعِيفاً” سورة النساء، آية رقم: 28، وقوله: “مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” سورة المائدة، آية رقم: 6.
وفي الحديث:”…بُعِثتُ بالحَنِيفية السمحة…” مسند برقم: أحمد266، وفيه “يسروا ولا تعسروا…” رواه البخاري برقم : (69) ومسلم برقم: (1734)، وحديث: “إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين”، رواه البخاري برقم :(220)، والنسائي برقم: (56)، وأحمد في مسنده برقم: (7799) واللفظ له، وحديث: “ما خُيِّرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُما أَيْسَرُ من الآخَرِ إلاّ اخْتَار أَيْسَرَهُما مَا لَمْ يُكنْ إِثْمًا؛ فَإنْ كَانَ إِثْماً كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ” رواه البخاري برقم :(6126) واللفظ له، ومسلم برقم: (2327)، كما جاء في الحديث :”إنَّ الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه” رواه ابن حبان في صحيحه برقم :(354).
وهذا المقصد العام، جاء التنصيص على اعتباره في باب الصوم، بقوله تعالى “فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يريد بكم العسر” سورة البقرة، آية رقم: 185.
فقد أسقط الشارع وجوب الصوم عن المريض والمسافر؛ وقال العلماء: إنَّ للمريض مرضًا خفيفًا أن يفطر، ويندب له الفطر إذا كان فيه عليه مشقة؛ قال ابن يونس: “قال في المجموعة عن أشهب في مريض لو تكلّف الصوم لقدر عليه أو الصلاة قائمًا لقدر إلا أنه بمشقة وتعب: فليفطر ويصلّ جالسًا، ودين الله يُسْرٌ، قال مالكٌ رأيتُ ربيعة أفطر في مرض لو كان غيره لقلتُ يقوى على الصوم، وإنما ذلك بقدر طاقة الناس” مواهب الجليل لشرح مختصر خليل (3/383).
فالمريض لا يخلو من أربع حالات:
- إمَّا أن يكون مرضه شديدًا يضرُّ بالنفس أو يؤدي إلى الهلاك أو يقاربه؛ فهذا أجمع العلماء على سقوط الصوم عنه.
- وإمَّا أن يكون مرضه خفيفًا يمكن معه الصوم بدون مشقة وبدون أن يؤثر على المرض بزيادة أو تأخر برء أو نشوء مرض جديد؛ فهذا يجب عليه الصوم عند الجمهور خلافًا لجماعة من العلماء.
- وإمَّا أن يكون مرضه متوسطًا يمكن معه الصوم بمشقة؛ فيجوز لصاحبه الإفطار، ويندب له الأخذ بالرخصة.
- وإمَّا أن يكون المريض يخشى إن هو صامَ زيادة مرضه أو تأخُّر برئه أو حدوث علّة أخرى فيه؛ فالأرجح أنَّه: يجب عليه الإفطار، ومن باب أولى الذي يخشى تلفًا: كتعطيل حاسة أو عضو أو أذى شديدًا.
كما ألحقوا بالمريض كذلك الصحيح الخائف من حدوث المرض خوفًا غالًبا؛ وهذا قول في المذهب المالكي، تخريجًا على الرخصة في التيمم، جاء في حاشية العدوي على شرح الخرشي للمختصر: “تنبيه: أَفْهَمَ قولهُ بمرض أنَّ خوف أصل المرض ليس حكمه كذلك وهو كذلك على أحد القولين، إذ لعله لا ينزل به، والآخر يجوز، أقول: حيث كان يرجع لأهل المعرفة أو غير ذلك فيظهر أن الراجح أنّه كذلك” حاشية العدوي (1/452).
وهو مذهب أبي حنيفة؛ فقد قال ابن عابدين في حاشيته عند قول صاحب الدر: (وصحيح خاف المرض) ما نصه: “(أي: بغلبة الظن، فما في شرح المجمع من أنه لا يفطر محمول على أنَّ المراد بالخوف مجرد الوهم، كما في البحر والشّرنبلالية) ” رد المحتار على الدر المختار (2/422)، كما نقل ابن عابدين عن علماء الأحناف: أنّ التمريض عذر مبيح للفطر فقال: “قوله: (خاف الزيادة) أو إبطاء البرء أو فساد عضو. بحر. أو وجع العين أو جراحة أو صداعًا أو غيره، ومثله ما إذا كان يمرض المرضى. قهستاني ط[1]: أي بأن يعولهم ويلزم من صومه ضياعهم وهلاكهم لضعفه عن القيام بهم إذا صام” رد المحتار على الدر المختار (2/422).
ومذهب الإمام أحمد بن حنبل، قال ابن قدامة: “فَصْلٌ: وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى الْمَرَضَ بِالصِّيَامِ، كَالْمَرِيضِ الَّذِي يَخَافُ زِيَادَتَهُ فِي إبَاحَةِ الْفِطْرِ؛ لِأَنَّ الْمَرِيضَ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الْفِطْرُ خَوْفًا مِمَّا يَتَجَدَّدُ بِصِيَامِهِ، مِنْ زِيَادَةِ الْمَرَضِ، وَتَطَاوُلِهِ، فَالْخَوْفُ مِنْ تَجَدُّدِ الْمَرَضِ فِي مَعْنَاهُ” المغني (6/202).
السؤال الثاني:
ما حكم صلاة التراويح في البيوت خلف إمام المسجد أو المذياع أو التلفاز أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
الجواب:
في ظل الإجراءات الاستثنائية الحالية، ووضعية الوباء الذي يهدّد أرواح الناس وصحتهم، نُفْتي بأن يصلّيَ الناسُ التراويح في بيوتهم فرادى أو جماعات حيث يؤمُّ الرّجل أهل بيته بما يحفظ من القرآن الكريم أو بالمصحف.
المستند الشرعي للفتوى:
في ظلّ الإجراءات الاحترازية الحالية التي أدّت إلى إغلاق المساجد مؤقتاً لا يتحقق المطلوب من متابعة الإمام والائتمام به؛ فلذلك نفتي: بأن يصلي الناس في بيوتهم فرادى أو جماعات يؤم الرجل أهل بيته، بما معه من القرآن الكريم، أو بالقراءة من المصحف الشريف.
إلا أنَّه في الظروف العادية يصحُّ أن تؤدى صلاة التراويح في البيوت جماعة أو فردى بلا خلاف بين أهل العلم، كما يصحُّ فيها الاقتداء بالإمام من خلال التقنيات الحديثة التي تنقل الصورة أو الصوت، بشرط أمن انقطاع البث إبّان الصلاة عادةً، وذلك أخذًا بالصحيح من مذهب الإمام مالك في جواز الاقتداء بالصوت دون الرؤية وبالرؤية دون الصوت، وعدم اشتراط اتصال الصفوف، حيث يصحُّ الاقتداء بالإمام مع وجود حاجز أو مسافة بينه وبين المؤتمّ، ما دامت إحدى وسيلتَيْ الارتباط مضمونةً وهي الرؤية أو السماع مع مراعاة اتحاد الزمان والمكان (أي المدينة الواحدة).
فقد جاء في المدونة أنَّه قال: (وقال مالك: لو أن دورًا محجورًا عليها صلى قوم فيها بصلاة الإمام في غير الجمعة فصلاتهم تامة؛ إذا كان لتلك الدور كوى أو مقاصير يرون منها ما يصنع الناس والإمام، فيركعون بركوعه ويسجدون بسجوده فذلك جائز، وإن لم يكن لها كوى ولا مقاصير يرون منها ما تصنع الناس والإمام إلا أنهم يسمعون الإمام فيركعون بركوعه ويسجدون بسجوده؛ فذلك جائز) المدونة (1/175-176)، وقال خليل في المختصر: (واقتداء به -أي بمسمع – أو برؤية وإن بدار) مختصر خليل (1/41).
السؤال الثالث:
ما حكم إقامة صلاة الجمعة في البيوت أو خلف التلفاز والمذياع أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك -إنستغرام … )؟
الجواب:
- لا تصحُّ إقامة الجمعة في البيوت، ولا صلاتُها في البيوت اقتداءً بمن يصليها عبر البث المباشر.
- يجب على الجميع صلاة الظهر في بيوتهم، بدلاً من صلاة الجمعة.
- يجب على الجميع الالتزام بكل التعليمات الصحية والتنظيمية الصادرة عن الجهات المختصة في الدولة، بالإضافة إلى اتخاذ جميع التدابير اللازمة لمنع انتقال المرض وانتشاره، ولا يجوز شرعًا مخالفتها بأي حالٍ من الأحوال.
المستند الشرعي للفتوى:
للجمعة هيئتها المخصوصة المفارقة لهيئة الصلوات الخمسة، والتي إنَّما تقام عند حصولها وتسقط عند عدمها، فيحرمُ اللجوء إلى الصّور الشاذة الملفّقة المخالفة لجميع المذاهب، والتي لا تبرأ بها الذمة.
وقد جاءت الرخصة الشرعية بأداء الظهر بدلاً عن الجمعة عند وجود المانع من المجيء إلى المسجد بسبب المطر أو غير ذلك من الأعذار؛ ففي الصحيحين عن عبد الله بن الحارث، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّه قال لمؤذنه في يوم مطير: (إذا قلت أشهد أنَّ محمدًا رسول الله، فلا تقل حيّ على الصلاة، قل: “صلوا في بيوتكم”، فكأن الناس استنكروا، قال: فعله من هو خير مني، إنّ الجمعة عزمة وإني كرهت أن أحرجكم فتمشون في الطين والدحض) رواه البخاري برقم (901) ومسلم برقم (699)، فرخص لهم في ترك الجمعة وأداء الظهر بدلاً عنها.
كما نُذكّر بوجوب التقيّد بأوامر ولي الأمر بمنع الاجتماعات، وتوقيف الاجتماع لصلاة الجماعة والجمعة، لوجود العذر المانع من إقامتها؛ حفاظًا على حياة الناس وسلامتهم، والوقاية من انتشار المرض المعدي عند اجتماع الناس في المساجد أو غيرها؛ فإنَّ ضروري الحياة مقدّم على فروع ضروري الدّين وجزئياته.
السؤال الرابع:
ما حكم صلاة العيد في البيوت خلف إمام المسجد أو المذياع أو التلفاز أو عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
الجواب:
في ظل الإجراءات الاحترازية الحالية، نفتي بأن يصلي الناس العيدَ في بيوتهم، فرادى أو جماعات، بدون خطبة.
المستند الشرعي للفتوى:
صلاة العيد سنة مؤكدة عند مالك والشافعي وفرض كفاية عند أحمد وواجبة لدى الأحناف، والأصل فيها: أن تصلّى في المصليات، إلا في مكة المكرمة، واختار الشافعي صلاتها في المساجد مطلقًا، كما الأصل: أن تصلّى جماعةً، إلا أنَّ الجمهور اتفقوا على جواز صلاتها في البيوت عند وجود مانع أو عند فواتها؛ قال الخرشي في شرح مختصر خليل: “يستحب لمن فاتته صلاة العيد مع الإمام أن يصليها، وهل في جماعة، آو أفذاذًا؟ قولان” حاشية الخرشي وحاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/389).
وقال ابن قدامة في المغني: “وهو مخير، إن شاء صلاها وحده، وإن شاء صلاها جماعة” المغني لابن قدامة (2/190).
وننبه هنا إلى: أنَّ المراد بصلاتها جماعة في مثل هذه الظروف: أداؤها مع أهل بيته؛ كما قال ابن حبيب المالكي: “من فاتته العيد فلا بأس أن يجمعها مع نَفَر من أهله” شرح التلقين في الفقه المالكي (3/26)؛ لأنَّ الدعوة للتجمع في مثل هذه الظروف ولو للصلاة حرام شرعًا؛ لما فيها من تعريض حياة الناس للخطر والمهالك.
السؤال الخامس:
ما حكم تعجيل الزكاة بأكثر من شهر أو شهرين لتلبية احتياجات الظروف الراهنة؟
الجواب:
في ظلّ الظروف الاقتصادية الحالية بسبب مرض كورونا يجوز تعجيل الزكاة وكذلك يجوز تعجيل زكاة الفطر لأول رمضان.
المستند الشرعي للفتوى:
الأصل أن تُؤدّى زكاة المال البالغ نصابًا عند حولان الحول عليه، ويجوز تعجيلها بعد ملك النصاب وقبل الحول باتفاق المذاهب الأربعة، وإنَّما اختلفوا في تحديد الزمن الذي يمكن أن تعجّل فيه:
فذهب المالكية: إلى جواز تقديمها قبل الحول بشهر ونحوه، قال ابن عبد البر في الاستذكار:” قال مالك وأصحابه: لا يجوز تعجيل الزكاة قبل الحول إلا بيسير، والشهر ونحوه عندهم يسير” الاستذكار (6/512).
وأجازت المذاهب الثلاثة الباقية تعجيل الزكاة بعام، وبعضهم بأكثر من ذلك.
قال السرخسي من الحنفية في المبسوط: ” تعجيل الزكاة عن المال الكامل الموجود في ملكه من سائمة أو غيرها جائز عن سنة أو سنتين أو أكثر” المبسوط (2/176).
وقال الخطيب الشربيني من الشافعية في مغني المحتاج: “ويجوز تعجيلها في المال الحولي قبل تمام الحول فيما انعقد حوله؛ لأن العباس رضي الله عنه سأل رسول الله صلى الله عيه وسلم في تعجيل صدقته قبل الحول فرخص له في ذلك. رواه أبو داوود والترمذي وقال الحاكم: صحيح الإسناد. ولأنه وجب بسببين وهما النصاب والحول فجاز تقديمه على أحدهما” مغني المحتاج (1/416).
وقال ابن قدامة من الحنابلة في المغني:” (ويجوز تقدمة الزكاة) وجملته: أنه متى وجد سبب وجوب الزكاة، وهو النصاب الكامل، جاز تقديم الزكاة” المغني (2/470).
وبناء على ما سبق: فإنَّه في ظلِّ الظروف الاقتصادية الحالية بسبب مرض كورونا؛ يؤخذ بقول الجمهور في جواز تعجيل الزكاة؛ بل قد يكون التعجيل في هذه الحالة هو الأفضل؛ وذلك لمساعدة الناس على قضاء حوائجهم الشديدة والمستعجلة، وعلى هذا يحمل إذن النبي صلى الله عليه وسلم لعمه العباس رضي الله عنه: بأن يعجل زكاته كما في الحديث المذكور آنفًا.
وكذا الحكم في تعجيل زكاة الفطر في ظل هذه الظروف: فيجوز إخراجها من أول رمضان، وهو مذهب الشافعية؛ قال أبو إسحاق الشيرازي في المهذب: (ويجوز تقديم الفطرة من أول شهر رمضان لأتها تجب بسببين: صوم شهر رمضان والفطر منه؛ فإذا وجد أحدهما جاو تقديمها على الآخر؛ كزكاة المال بعد ملك النصاب وقبل الحول. ولا يجوز تقديمها على شهر رمضان لأنه تقديم على السببين فهو كإخراج زكاة المال قبل الحول والنصاب) المهذب (1/ 303).
وننبه هنا: أنَّ الأصل في الزكاة -سواء كانت زكاة المال أو زكاة الفطر-أن تصرف داخل الوطن؛ لسد احتياجات الفقراء فيه – وعبر مؤسساته الرسمية المختصة كصندوق الزكاة – عملاً بما جاء في حديث ابن عباس رضي عنهما: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم… قال: “إن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، فترد في فقرائهم ……” متفق عليه، البخاري رقم (1395) ومسلم رقم (19).
وما فضل عن حاجة المحتاجين في الدولة: فإنه تنبغي المبادرة في إرساله إلى ذوي الحاجة من المسلمين عبر المؤسسات الرسمية: مثل الهلال الأحمر الإماراتي، وغيرها.
وفي الختام: يدعو المجلس جميع المسلمين إلى الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء وكثرة الاستغفار، فإن الاستغفار يرفع البلاء ويزيد من القوة، كما في قوله تعالى حكاية عن هود على نبينا وعليه الصلاة والسلام: (ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم) سورة هود آية 52، نسأل الله تعالى أن يديم لطفه وحفظه وعافيته على دولة الإمارات، بمن فيها وما فيها، قيادة وشعبا، وأن يرفع هذا المرض عن المسلمين والعالم أجمعين، والله تعالى أعلم.
مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي
رئيس المجلس
معالي العلامة الشيخ/ عبدالله بن بيه
سعادة الدكتور/ عمــــــــــــر الدرعي-عضواً فضيلة الدكتــور/ أحمد الحداد-عضواً
فضيلة/ د. ســـــــــالم محمد الدوبي-عضــواً فضيلة/ شــــــمَّــة يوسف الظاهري-عضواً
فضيلة/ أحمد محمد الشـــــــــــــحي -عضواً فضيلة الدكتورة/ أماني لوبيس-عضواً
فضيلة/ د. عبدالله محمد الأنصاري-عضواً فضيلة/ حـــمـــــــزة يوسف هانسن-عضواً
المستشار الدكتور/ إبراهيم عبيد آل علي-عضواً
[1] ط: حاشية الطحطاوي على الدر.