ارشيف ل May, 2010

أمالي الدلالات و مجالي الاختلافات (الجزئين في كتاب واحد)

166

دار المنهاج للنشر والتوزيع – جدة
06/04/2007 – 17:52
ط1
688
1
40 ريالاً سعودي
أصول فقه
الأسلوب المبتكر في عرض علم أصول الفقه في هذا الكتاب ..

كاد يكون مدرسة أصولية بمزايا منفردة لا تشاركها في ذلك أخواتها .

يعد هذا الكتاب تلبية لحاجة العصر في سطْر هذا العِلم العريق بلغة بديعة سلسلة ، لا يتشكى منها طلاب الأصول ومحبوه ، كما هو الحال المعهود مع كتب هذا العلم .

وعلم الأصول أصل لا غنى لطالب العلم عنه ، فمن أدرك الأصولَ والقواعد .. آلت إليه الفروعُ والفوائد .

وهذا هو ما تراه ماثلاً في هذا السفر المبارك ، الذي انبرى لتحرير الأصول الزكية ، بعباراتٍ سهلةٍ وجيزة ، وتراكيبَ رصينةٍ مفيدة . ليبين لنا تلك الأصول والثوابت التي انطلقت منها الشريعة الغرَّاء بكل فروعها وتطوراتها الحديثة التي لا تنتهي ؛ كما قال تعالى : ( كشحرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ). .

هذه الجماليات وغيرها نراها في كتابنا هذا منثورة

ضمن شقَّين رئيسيّين هما : – دلالات الألفاظ – ودلالات المعاني

وذلك بعد مقدمة شائقة ، واستهلالٍ بديعٍ ودقيقٍ حول حاجة الفقيه إلى اللُّغة العربية ، وأهميتها في الشريعة ، وارتباطها الوثيق باستنباط الأدلة والأحكام ، يعرضها بأسلوبٍ ماتع وتفصيل واضحٍ . إنّ في طيَّات هذا الكتاب وثنايا هذه الأمالي يجد طالبُ الفقهِ فقهاً مقارناً ، وطالبُ الأصول قواعدَ أصول الفقهاء والمتكلمين ، ودارسُ اللغةِ لغةً محكمةً وشجرةً وارفةَ الظِّلال ؛ كما سماها مؤلفها : « شجرة الدلالات ومناط الاختلافات » . هنا جمع لنا المؤلف خلاصة أصول فهم الفقهاء ؛ لينهل منه الطلاَّبُ ، ويرتوي من معينه الأعلام ، وليدركوا كيف فهم الأوائل مقاصد الشريعة ويقتدوا بهؤلاء الأعلام . كلُّ ذلك سبكه المؤلف بقلمه الناقدِ الخبيرِ ، وهو الذي خاض غمار الحياة وكانت له القدم الراسخة والمشاركة الباهرة في المدارس والجامعات ، والمحاكم والمؤتمرات ، والمجامع وأندية الحوار والمحاضرات .

مركز التجديد والترشيد(GCRG) || قمة ماردين ..دار السلام

نظم المركز العالمي للتجديد والترشيد (GCRG) قمة تاريخية حضرها لفيف من علماء المسلمين

الصومال ..صوت الحكمة والشرع \Bringing Peace to Somalia

انطلقت السبت 13-3-2010، في إمارة دبي الإماراتية أعمال مؤتمر إسلامي عالمي بعنوان “الصومال.. صوت الحكمة والشرع”، والذي ينظمه المركز العالمي للتجديد والترشيد .

تقرير عن محاضرة العلامة ابن بيه امام مدراء البنوك الفرنسية

بدعوة من وزيرة الإقتصاد الفرنسية قام معالي العلامة عبد الله بن بيه بإلقاء محاضرة مطولة حول الإقتصاد الإسلامي واهميته للعالم اليوم في خضم الأزمات المالية المتتالية.

في حوار مطول وخاص مع عكاظ : هربت من الرئاسة بجلدي لأطفئ حرائق الأمـة

 

حوار: بدر الغانمي 

لم أتوقع أن يخرج حديثي مع الشيخ عبد الله بن بيه (وزير العدل الموريتاني الأسبق) استثنائيا في ظل حالة التردد والرفض التي فرضها على نفسه، وتصريحاته منذ طلاقه السياسي بعد الانقلاب العسكري الناجح الذي أسقط حزب الشعب الحاكم والذي قاده الشيخ كأمين عام وصاغ فكره السياسي، وأطاح بأول رئيس موريتاني بعد الاستقلال الراحل مختار ولد دادة.. 

حاولت، على مدى يومين، أن أبتعد عن قضايا المسلمين في الغرب، التي أشبعها -معاليه- طرحا في مختلف وسائل الإعلام؛ بحثا عن تفاصيل الوزير، الذي تسبب إعلانه شخصيا عن تطبيق الشريعة في موريتانيا، في بدء حقبة الانقلابات العسكرية المتتالية على السلطة في بلاده، والذي خرج من زاوية والده الدينية، الرجل الذي قتل قائد الحملة الفرنسية على موريتانيا. 

اعترف بتهميش الجيش وعدم أخذ رأيهم في قرار تطبيق الشريعة الذي تسبب في انقلابهم على حكومة الرئيس ولد دادة، وأوضح أن انقلابهم كان متوقعا بعد حربهم ضد جبهة (البوليساريو)، وقال إن تفرد حزب الشعب بالسلطة ورفضه للتعددية السياسية في السبعينيات كانت مبررة، وإن محاكمته حاليا من بعض خصومه غير عادلة..

بن بية الذي أنضجته السياسة وأنضجها بمواقفه، أبدى قلقه المتزايد من تصاعد الجدل وعنصرية الطرح الدائرة حاليا بين عرب الشمال وأفارقة جنوبي البلاد، وحذر إيران من مغبة التدخل في أفريقيا كدولة رسالية. الشيخ الذي اعتاد ألا يحمل نقودا ولا يلبس ساعة منذ طفولته، يروي لنا مراحل النشأة وخروجه للحياة في ظل وجود المستعمر الفرنسي وامتداد مخالب الفرانكفونية على ثقافة الشعب :


نشأت في بيئة دينية وعلمية، كانت نتاجا للتقسيم التاريخي منذ خمسة قرون بين العائلات التي تحمل العلم والأخرى التي تحمل السلاح. فتكون السيادة في البلاد إما للقلم والعلم أو للقوة والسيف في ظل عرف اجتماعي وتصالح جعل الاثنين يسيران معا.. فأسرتنا جزء من الجانب العلمي، ووالدي -رحمه الله- كان يرأس مؤتمر العلماء الموريتانيين الذي اجتمع بعد الاستقلال والذي كان قد طالب بمقاطعة عملية للمستعمرين، وقرر ألا يدرس أولاده -وأنا واحد منهم- في المدارس الفرنسية. أزعجت شدته في الحق، عندما كان يتولى القضاء، الفرنسيين؛ لأن أحكامه كانت نافذة في ظل المستعمر، وكان أشبه بالوالي أخذا بما قاله العز بن عبد السلام وغيره من أنه «إذا احتل قطر من أقطار المسلمين فإن عليهم أن يولوا قاضيا منهم يحكم بالشريعة»، فكانت أحكامه تنفذ بقدر ما تيسر في المعاملات والأحكام الشخصية؛ لأن المستعمر كان يحتكر القوانين العامة كقانون العقوبات والأمن وغيره. ولأن الإنسان حصيلة من التأثرات فقد تأثرت بالوالد (رحمه الله) كثيرا، كما كان هناك شيخي وشيخ والدي في اللغة العربية، الذي أعتبره (سيبويه زمانه) الشيخ أحمد بن سالم الشيخ، وزد على ذلك تأثير العالم الذي انفتح علينا فجأة حين كنا في حالة انعزال في الصحراء خصوصا بعد الاستقلال.

 

• الغريب أنك تعلمت الفرنسية دون مدرسة؟

ــ لم أذهب إلى المدارس الفرنسية نزولا عند رغبة الوالد في مقاطعة المستعمر، وتعلمتها عندما كانت بلادنا على وشك الاستقلال وبحاجة ماسة إلى نخبة من الشباب الذين يتولون المحاكم بعد ذهاب المستعمر، فاستدعيت مع مجموعة من العلماء بعد إجراء الاختبارات اللازمة، فكنت من أوائل الطلاب، وذهبنا إلى تونس لدراسة القانون في كلية الحقوق والتدريب في المحاكم التونسية، وعندما عدنا من تونس وتوليت القضاء في محكمة الاستئناف، بعد أن مررت في الوزارة كرئيس لمصلحة الشريعة الإسلامية، وكان الفرنسيون موجودين في هذه الفترة معنا في المحاكم، لم تكن هناك وسيلة لتدارس القانون والتعامل مع القوم والإدارة إلا باللغة الإدارية؛ وهي الفرنسية، فلم أجد عناء كبيرا في تعلمها بجهود ذاتية من خلال المطالعة بشيء من الاهتمام والتركيز. وعندما دخلت الحكومة لم يكن عندي إشكال في اللغة الفرنسية والحمد لله.


• وهذا يفسر الصراع الدائر -آنذاك- بين دعاة العربية والمتفرنسين من الفرانكفونيين؟

ــ من المؤسف، أن الشعب كله يتكلم العربية والحسانية لكن لم يكن لها رواج آنذاك. وكانت العربية هي لغة النخب المثقفة، وفي المقابل كانت هناك نخب فرانكفونية لا تتكلم العربية، وفي كل الدوائر لم يكن هناك شيء باللغة العربية. 

 

• ما التأثير الذي تركه عليكم حقيقة أن أحد تلاميذكم (الشريف ولد مولاي الزين) هو من قتل قائد القوات الفرنسية المحتلة؟

 

ــ كان عملا وطنيا كبيرا، والرجل من زاوية ينتمي إليها والدي، وكان تلميذا للشيخ محمد أحمد الخلف الموجود في منطقة أدرار، فأتاه وهو في طريقه لتنفيذ عملية قتل (كوبرلاند) القائد الفرنسي الأول الذي احتل البلاد، فقتله في مدينته الجون وكان معه مجموعة من الناس على الجمال وتحركوا في هذه البلاد الصحراوية الشاسعة حتى وصلوا إلى المدينة، فوجدوا الحراس على الطعام فقتلوه فورا.

 

• مع أن الموريتانيين لم يتعرضوا لنار الاستعمار الفرنسي، كما تعرض له الجزائريون والمغاربة؟

ــ علينا أن نعود إلى التاريخ لنفهم أسباب استعمالهم سياسة الأرض المحروقة في الجزائر، بينما لم يحدث ذلك في موريتانيا؛ لأنهم كانوا يريدون أن تكون بلادنا تأمينا لمعبر من أفريقيا السوداء إلى أفريقيا الشمالية، ولهذا تأخر احتلالهم لبلادنا كثيرا، وتم توقيع الاتفاق مع الفرنسيين عام 1912م في السنة التي وقع فيها المغرب أيضا اتفاق الحماية معهم. 


• يقال إن معارك الموريتانيين العسكرية انتهت مع خروج الفرنسيين، وبدأت أنت بحمل السلاح الفكري ضد الشيوعيين، ودخلت معهم في مواجهات طاحنة؟

ــ إشكاليات موريتانيا في تلك الفترة تمحورت أولا في التعريب، وتفاقمت في هذه الأيام مع الأسف الشديد، وكانت النخب الوطنية تريد التعريب وأنا منهم، وتشرفت بإلقاء أول خطاب في يوم المحاكم باللغة العربية، وعندما توليت القيادة السياسية في حزب الشعب الحاكم غيرت الأسلوب، فكان أول خطاباتنا باللغة العربية لدرجة ان أحد الصحافيين جاءني يطلب الأصل بالفرنسية، فأخبرته أن الأصل باللغة العربية، والإشكال الثاني مع الحركة اليسارية الشيوعية وكانت مواجهاتنا معها عندما دخلت الحكومة مواجهة فكرية وليست أمنية، فأحدثنا برنامجا أسميناه (المناضل المسلم) ومجلة أسميناها (البرهان)، وكان معي أخ جزائري من شباب الصحوة ويعمل كشعلة نشاط، وللأسف أنه ذهب مع تيار آخر. وفي تلك الفترة كانت علاقاتي مع الجزائر قوية جدا، خصوصا مع وزير الشؤون الإسلامية مولود قاسم (رحمه الله) وقدنا شبه صحوة فكرية وطنية لمواجهة تغريب المجتمع، وأظن مع الجهود التي قمت بها مع غيري استطعنا أن نبطئ من حركة اليسار بشكل مؤثر عندما واجهنا فكرهم بالإسلام الذي يمكن أن يقدم الحل من عام 1971م إلى أن تركنا الحكم عام 1978م بعد الانقلاب، وكان الرئيس مختار ولد دادة (رحمه الله) على استعداد لأن يقوم بالخطوات الضرورية، لدرجة أن الشباب اليساريين أنفسهم انضموا إلينا في النهاية في حركة وطنية واحدة، كما ساهمت جهود الملك فيصل (رحمه الله) ورابطة العالم الإسلامي التي عقدت أول مؤتمر لها في أفريقيا في ذلك الوقت في نواكشوط، وكان لي شرف ترؤس هذا المؤتمر، بدورها في ذلك، وجاءنا عدد من المحاضرين كالشيخ محمد الغزالي (رحمه الله) والشيخ المبارك وأحمد محمد جمال وآخرين، فرفدونا فكريا ودعويا.


• توجهك السياسي، هل انطلق تضامنا مع الرئيس ولد دادة وانتهى معه، أم ماذا؟

ــ الموريتانيون يحبون السياسة، وهم سياسيون بطبيعتهم، وأنا كنت في حراك سياسي حتى قبل استقلال بلادنا عام 1960م؛ فقد تعاطفنا مع ما يجري في الجزائر ثم استقلال المغرب، وفي عام 1958م ذهبت مع أربعة آخرين تم اختيارهم من كل المناطق إلى الخارج، فأوقفنا الفرنسيون في داكار ورفضوا السماح لنا، فالحس السياسي لدي بدأ مبكرا، ثم جاءت تجربة حزب الشعب وكنت في موقع قيادة وصياغة للفكر وعلاقتي مع ولد دادة حميمة جدا، والتقينا لأول مرة عام 1958م واستمرت علاقتنا لتقارب الأفكار بيننا في الكثير من الأمور وحظيت بثقته لتولي القيادة المركزية للحزب عندما تولى رئاسة البلاد، إضافة إلى عدد من المناصب الوزارية.


• لكنكم رفضتم التعددية السياسية، وظللتم تحكمون كحزب أوحد في البلاد؟

ــ هذه الفترة لها ظروفها الخاصة في ظل انقسام العالم إلى شطرين؛ غربي وشرقي، فالدول العربية والأفريقية المستقلة مالت في التنظيم إلى الجانب الشرقي الذي لا يفتح كثيرا مجالات التعددية، ثم إنها دول حديثة العهد، فلو سمحت بالتعددية في وجود إثنيات وتيارات مختلفة لانفجرت، وهذا من أسباب ألا يكون في الجزائر -في ذلك الوقت- إلا حزب التحرير وفي موريتانيا حزب الشعب وفي السنغال الحزب التقدمي الذي سمح بوجود حزب آخر فكانت السنغال سباقة في هذا المجال، وعلى الناس أن يفهموا الأشياء في محيطها؛ لأن هناك من يريد أن يحاكم تلك الفترة، بل يوجد في موريتانيا من يتخاصم معها إلى الآن، والتاريخ في ذلك الوقت خلاف لتاريخ هذا الوقت.


• ما الذي دعاكم إلى اقتراح إنشاء وزارة للشؤون الإسلامية في تلك الفترة التي كان فيها التحسس عاليا وصداميا من كل ما هو ديني؟

ــ هذا الأمر تم في ظل ظروف داخلية ودولية، عندما بدأت تظهر معالم منظمة المؤتمر الإسلامي، وكنت في الوفد الذي مثل موريتانيا عام 1969م لأول اجتماع لوزراء خارجية الدول الإسلامية، وكان السيد عمر السقاف (رحمه الله) وزيرا للدولة للشؤون الخارجية في المملكة، فعندما غادر وزير الخارجية الموريتاني ترأست أنا وفد بلادي ولم أكن قد دخلت الحكومة بعد. فاقترحت أمورا عدة واتفقت مع وزارة الخارجية السعودية فيها عندما اقترحت لبنان وتركيا أن يكونا (دولا مشاركة) لا (دولا أعضاء)، وفي ذلك الوقت فعلا كان هناك نوع من الحذر والقلق من شيء اسمه (الدين) فقلت: إن هذا الأمر ليس مقبولا، ووافقني السيد عمر السقاف (رحمه الله) على ما قلته، لا بصفته رئيسا للمؤتمر إنما بصفته رئيسا للوفد السعودي. وأنشئت بعد ذلك الأدوات المساعدة للمنظمة؛ كالبنك الإسلامي للتنمية، فجاءت الدول للانضمام تباعا بعد ذلك، والحمد لله. في هذه الأجواء كنت نائبا لرئيس المحكمة العليا في موريتانيا التي كان يرأسها فرنسي في ذلك الوقت، فاستدعيت لمفوضية الشؤون الدينية برئاسة الجمهورية، وكانت عبارة عن مكتب واحد فقط، حيث لم تكن هناك وزارة للشؤون الدينية، وكانت أمور الدين منوطة بيد الفرنسيين في وزارة الداخلية، ففكرت في الموضوع وكانت علاقتي جيدة مع الرئيس ولد دادة (رحمه الله) ودعاني لأحضر معه أول اجتماع لرؤساء الدول الإسلامية في الرباط ولم أكن في الحكومة وقتها، وبدا وكأننا نتأهب لشيء، فجمعت الأفكار التي كانت عندي وعرضتها على الرئيس، فوافق عليها فورا وتم إنشاء الوزارة، وكنت أكتب لأمين عام رئاسة الجمهورية طريقة تنظيم الوزارة مع أن المعتاد أن تنظم رئاسة الجمهورية هذه الوزارات، فبدأت بالتعليم الأساسي والشؤون الإسلامية، ثم انتقلت بعد ذلك لوزارة العدل ثم وزارة الدولة للتوجيه الوطني ثم طبقنا نظام القطاعات فانتقلت لوزارات التعليم والشباب والرياضة.


• ماسر علاقتك المتميزة بالملك فيصل (رحمه الله)؟

ــ علاقتي بالملك فيصل (رحمه الله) بدأت عندما رافقته في زيارته لموريتانيا عام 1972م، وأفتخر بمنحي وسام الملك عبد العزيز من قبله، هو شخصية فوق مستوى الكثير من رؤساء الدول في عهده؛ قليل الكلام وإذا تكلم أنصت له الناس. في إحدى القمم في المغرب دار حديث عن طموحات لإنشاء صندوق استثمار في الدول العربية الفقيرة، وكانت اليمن الجنوبي -في ذلك العهد- دولة مستقلة، فتحدث الرؤساء عن تقديم مساعدة لها، فأشار الملك فيصل إلى خطورة الانحراف الفكري الموجود في اليمن الجنوبي آنذاك، وأنه لا يريد المساعدة لتكريس هذا الأمر، ورغم دفاع رئيس اليمن الجنوبي في المؤتمر، إلا أن الرؤساء اقتنعوا بأهمية ما قاله الفيصل للالتزام بالقيم والدين، وتأثرنا بكلمته في موريتانيا، وقد أعطاه الله مهابة ومحبة ومكانة بين الناس خصوصا في أفريقيا، وأتذكر عند قدومه إلى داكار أن بعض السنغاليين لبسوا ملابس الإحرام وكانوا يلبون في المطار من شدة إعجابهم بمواقفه الإسلامية معهم، وكانت جولته على القارة الأفريقية جولة مباركة وتركت أثرا تجديديا للإسلام في كل بلد، إضافة إلى المساعدات الكبيرة التي قدمها لكل الدول المسلمة في القارة السوداء. 


• توليتم عددا كبيرا من الوزارات حتى بلغتم مرتبة نائب رئيس الدولة، لكن يلاحظ أنك متمسك في أغلب توقيعاتك بمنصب وزير العدل الموريتاني الأسبق، لماذا؟

ــ لأنني قبل أن أكون وزيرا كنت قاضيا ومن قطاع العدل، ووالدي كان قاضيا ومشرفا على القضاء أيضا، وانتمائي كبير وممتد بهذا القطاع. 


• ألا يعني أن يكون ابن رئيس مؤتمر العلماء الموريتانيين وزيرا للشؤون الإسلامية، سيطرة لأسرة واحدة على الشأن الديني في البلد؟

ــ لم يكن الأمر بهذه الصورة، ففي ذلك الوقت كنت قاضيا ونائبا لرئيس المحكمة العليا، وكنت في تلك الفترة أتفق مع الرئيس ولد دادة في فهم بعض الأطروحات المعاصرة فهذه ناحية، إضافة الى العلاقة الجيدة التي كانت تجمع الرئيس ولدادة بالوالد أيضا. 


• من المواقف التاريخية، إعلانكم شخصيا تطبيق الشريعة الإسلامية في موريتانيا الذي جاء على إثره الإنقلاب العسكري، كيف حدث ذلك؟ 

ــ تطبيق الشريعة حكم شرعي، وبالتالي شعرنا -في ذلك الوقت- أن الظروف مواتية لاتخاذ مثل هذا القرار، خصوصا أن دستور البلاد ينص على أن الإسلام هو الدين وكل ما يستتبع ذلك من تطبيق الإسلام في حياة الناس، بالإضافة إلى أن الموريتانيين بطبيعتهم وحكم تاريخهم الاجتماعي، بعيدون عما أفرزته الحضارة المعاصرة من الخمور وغيرها، فالأرضية موجودة والمجتمع مهيأ والرغبة موجودة لدى الناس كافة، ومن أجل ذلك أعلنت شخصيا هذا الأمر وأسأل الله أن يكون ذلك خاصا لوجه الله تعالى. 


• هل شاورتم في الأمر قبل إعلانه؟

ــ شاورنا مختلف القطاعات، خصوصا الشباب والنساء، وهذا يعني أنه لم يكن قرارا مرتجلا ولا متعصبا، بل هو الشريعة في سماحتها ويسرها وسعتها، حتى إننا قلنا في ذلك الوقت إننا نريد أن يتسع قانوننا لكل المذاهب الإسلامية، فلم نكن متعصبين وتمسكنا بالشريعة قلبا وقالبا.


• لماذا لم تأخذوا رأي الجيش والقوات المسلحة في الأمر كذلك؟

ــ الجيش كان يحضر مراقبا في الحزب مع القضاء لا منتسبا له.


• ألم تشعروا بإمكانية انقلابهم عليكم في أية لحظة؟

ــ مسألة الانقلاب ظلت مطروحة إلى حد ما بسبب الحرب ضد جبهة (البوليساريو) التي كانت مدعومة من بعض الجيران. والجيش في الدول المتخلفة إذا دخل حربا يكون خطرا من جهتين؛ فإن كان منتصرا قال أريد أن آخذ نتائج انتصاري، وإن كان منهزما فإنه يريد أن يعوض عن الهزيمة بنصر داخلي عبر الاستيلاء على الحكم ليقول إنه لم ينهزم، إنما كانت القيادة إلى آخره. وأنا لا أتهم جيشنا لا بهزيمة ولا بنصر، لكن كانت الظروف من هذا القبيل.


• هل لمستم وجود عدم ارتياح لقرار تطبيق الشريعة من دول خارجية؟

ــ الحقيقة لم نكن أنا والرئيس مختار ولد دادة (رحمه الله) نقدر نفور بعض الجهات في الخارج من مثل هذا التوجه، ولم تظهر في ذلك الوقت تمايزات شديدة في قضية تطبيق الشريعة.


• أين كنت عندما حصل الانقلاب عليكم؟ 

ــ كنت موجودا في مهمة رسمية في ليبيا، فطلب مني أن أقيم في فيلا على البحر، لكنني رفضت وأصررت على العودة أيا كانت النتائج، وتم اعتقالي بعد عودتي ولم أمكث في المعتقل كثيرا ولكن بقيت مدة في الإقامة العادية وليس الجبرية لعدم وجود جواز سفر، ثم سمح لي بعد ذلك، فقررت أن آتي إلى المملكة وبقيت فيها إلى الآن.


• تعرضتم للتعذيب؟

ــ ليس من عادة الموريتانيين أن يفعلوا ذلك فلم نتعرض لأي تعذيب.


• ألم تصلكم أية رسائل إنذار مسبقة عن الانقلاب؟

ــ وصلتنا معلومات من فرنسيين وجهات مختلفة بشيء من هذا القبيل، وأشياء لا أريد أن أذكرها كاملة.

 

• الغريب أن الانقلابيين اتهموا الرئيس المختار ولد دادة بأنه كان دكتاتورا وعميلا للفرنسيين، وأنه أثرى من خلال وجوده في الحكم؟

ــ أما الإثراء فهي مسألة يكذبها الواقع وكل شيء، ودائما البيان الأول كما يقول المثل الفرنسي «من يريد أن يقتل حيوانه يتهمه بالكلب» فلا بد من مبررات تساق، لكن ظهر أن ليس هناك شيء، حتى هم أنفسهم لو سألت شباب ذلك الوقت الآن لقالوا لك إنه لم يكن هناك شيء، عدا أن بعضهم كان يشكو من عدم كفاية الإمكانيات المادية في مواجهة حرب عصابات في ذلك الوقت وشيء من هذا القبيل.

 

• كيف هي علاقتك الآن بمن انقلبوا عليك في تلك الأيام؟ 

ــ الموريتانيون -بحمد الله- أرواحهم طيبة وعلاقتي طيبة معهم وهم إخواننا، حتى أنني عندما عقدت مؤتمرا في السنة الماضية هناك حضره العقيد مصطفى الرئيس الذي استولى على الحكم في الانقلاب علينا وهو صديقي. وفي موريتانيا تزول مثل هذه الأمور بعد فترة وتذوب، خصوصا أنها لم تكن دموية عندما حدثت.


• وهل كان هذا سببا لرفضك الترشح للرئاسة بعد ذلك الانقلاب بسنوات، رغم وجود مناصرين لك؟

ــ اتصل بي بعض الإخوة ليطلبوا مني خوض انتخابات الرئاسة أيام حكومة ولد الطايع فاعتذرت لهم.

 

• لماذا يا شيخ؟

ــ لأن كل ميسر لما خلق له، وأنا أجد أن مجالات العلم والإصلاح أهم بكثير من السياسة التي بقيت فيها فترة كبيرة؛ لأن السياسة في العالم الثالث كأفريقيا والعالم العربي غير المستقر تظل مجالا محدود التأثير على المدى البعيد وهذا لا يعني أنها لا تؤثر، خصوصا إذا جاء لها أناس صالحون، لكن يظل تأثيرهم مؤقتا، وأحمد الله أن أنقذني من السياسة ونفذت منها بجلدي ويسر لي طريق العلم في هذه الديار المباركة، وأنا أحاول أن أمحو هذه الذكريات من رؤوس الأبناء، وللأسف لم أنجح لأن ابني الأكبر التحق بها فأصبح وزيرا، والآن سفيرا في الرياض.


• أين تقف من تكرار الانقلابات العسكرية على حكم البلاد، التي جعلت من موريتانيا (دولة الانقلابات)؟

ــ عدم الاستقرار يؤدي إلى حدوث شيء من الطموح الذي يمتزج فيه الشخصي مع المثالية.

 

• هل للبداوة والقبلية دور في هذه التطورات؟

ــ الجغرافيا -كما يقولون- عنيدة، ونحن بين أفريقيا الشمالية وغربي أفريقيا نتأثر -بالتالي- بالرياح الصحراوية الكثيرة، مما يجعل الاستقرار الدائم صعبا.


• بمعنى أن البلاد تدار من الخارج؟

ــ لا، ليس لهذه الدرجة ولكن التأثير موجود، وهناك جدال الآن وحوار حول مراجعة مسألة التعليم من جديد، وأتمنى أن توفق النخب المثقفة في تبريد هذا الحوار حتى على مستوى الإشكال العام الذي بدأ يثار ويثير النزعات بين الجنوب الأفريقي والشمال العربي، بحيث نتضامن جميعا؛ فنحن مسلمون واللغة العربية لغة القرآن الكريم ولا تمثل عنصرية، وهذا الأمر يقلقني أكثر من القضايا الاقتصادية في البلاد. 


• وكيف ترى الأوضاع السياسية في موريتانيا حاليا؟

ــ الحمد لله أن هذه السنة أفضل من التي قبلها بعد أن تم الاعتراف بشرعية النظام محليا ودوليا أيضا، لكن يظل التخلف الاقتصادي مؤثرا في البلاد رغم وجود الثروات، وكما تعرف أن النمو يتركب من التنظيم ورأس المال والأرض والبشر ونحن نحتاج لتضامن كل هذه العوامل لتنمو البلاد وتخرج من تخلفها، وأعتقد أن أهل البلاد جميعا؛ سواء من كان في الحكومة أو المعارضة، في أذهانهم هذه الخطة وبدأت الآن خطط جيدة لمساعدة الضعفاء وإزالة قرى الصفيح، وهناك جهد نسأل الله أن يوفق فيه الجميع.


• في الستينيات والسبعينيات عصفت بالعالم العربي أفكار ثورية كالناصرية والشيوعية ومن ثم جاءت ثورة الخميني، هل كان لهذه الأفكار أثر في موريتانيا؟ وكيف تعاطيت معها شخصيا؟

ــ بالــتـأكـيـد أنـها أثرت، فالحــركـــة اليسارية كانت نشطة في موريتانيا وتغلغل هذا التيار حتى في الحكومة، خصوصا في فترة ما نسميها بإصلاحات الحركة الوطنية -إذا صح التعبير- من تأميم للشركات وسك العملة والخروج عن الفرنك الفرنسي ودول غرب أفريقيا، لكن هذه التوجهات اليسارية خمدت بعد ذلك وأصبحت تتناهى مع غيرها.

أما الثورة الخمينية فتم النظر إليها عندما بدأت على أنها ضد توجهات الاستعمار، لكنني أراها تتمدد الآن بشكل أخطر من خلال الأشكال الجديدة التي بدأت تظهر للتموقع الشيعي في غربي أفريقيا، وأرى أن هذا ليس في مصلحة إيران؛ لأنه سينشئ أوضاعا تؤدي إلى خلل أمني وفكري في هذه البلاد وبالتالي ســـيـجـلــب لــهم عداوات، فالسنة من المســتـحيل أن تزال ولا يمكن القــضـاء عـلـيـها في هذه المنــاطق، لكن هذا التموقع الذي تقوده دولة رسالية -إذا صح التعبير- يمكن أن يجلب أشخاصا من نيجــيـريا والسنغال وقبل فترة قيـــل من موريتانيا، وهو أمر سنستوضحه، وفي المغرب أيضا، وهذا الأمر فيه خطورة مؤسسية لما نســمـيه الفترة النجادية؛ لأنه أصبح نوعا من الوصاية غير المرحب بها، وهو أمر ليس في مصلحة إيران ولا مصلحة أحد أيضا.


• كيف ترون المصلحة مع إيران من جهتكم؟

ــ أن تقوم علاقات ودية وطيبة مع الجميع دون أن يكون لها شكل دعوي أو مذهبي. 


• ماسر توجهكم نحو حل قضايا الأمة السياسية كعلماء في الفترة الأخيرة، خصوصا قضية الحوثيين مع الحكومة اليمنية وقضية الصومال؟

ــ أنا جزء من الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي يترأسه الدكتور يوسف القرضاوي، والعلماء يجب أن يكونوا مسكونين بهم الأمة ولست بدعا في هذا الاتجاه، وعندي قناعة بأن الأمة تعاني من إشكال ثقافي وفكري، ومن منطلق التجديد والترشيد علينا أن نهتم كعلماء أن نكون إطفائيين لحرائق الأمة وألا يكتفي العالم بمجرد الكلام، بل عليه أن يبذل جهدا مع ذلك. وعلى العلماء أن يكونوا ردءا وعونا للحكام وهذه القطيعة معهم يجب أن تنتهي. 


• ما طبيعة نشاطك السياسي غير المعلن مع الاتحاد الأوروبي تحديدا؟

ــ هو نشاط فكري ويشتمل على شيء من السياسة بالمعنى النبيل لهذه الكلمة وليس سياسة السياسيين، وكنا قد أنشأنا مركزا في بريطانيا أسميناه المركز العالمي للتجديد والترشيد مع الرجل الفاضل النير الدكتور عبد الله نصيف عندما حضرنا اجتماعا في ويلتون بارك؛ وهو مركز للتفكير وجهت لنا الدعوة للحضور فيه مع مجموعة من المسلمين من قبل ألمانيا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي للنقاش معهم ومع رجال كبار في الغرب، وأكثر من نعتمد عليهم شباب وشيوخ من الغرب. والتقيت مع توني بلير أكثر من مرة ومع وزيرة الخارجية البريطانية وكثير من زعماء الغرب، ونحن نظن أن كلمة المسلمين إذا اتفقت يمكن أن تؤثر في النخبة الغربية تأثيرا كثيرا والترشيد الذي ندعوا إليه في اتجاه داخل المسلمين وفي الاتجاه الآخر أيضا.

 

• ما قصة نقضك لفتوى شيخ الإسلام ابن تيمية بشأن الولاء والبراء؟

ــ فتوى ابن تيمية التي قالها في مدينة ماردين التركية قبل 700 عام واشتهرت بها، حرّفت في المطبعة، 

خاصة في الجزء الأخير منها عندما قال ابنُ تيمية: «.. بل هي قسم ثالث يعامل المسلم فيها بما يستحقه، ويُقاتل الخارج عن شريعة الإسلام بما يستحقه»، فأنا أعتقد أنها (يُعامل الخارج..) وليس يُقاتل.

وبالتالي، فإنه كان لا بد من النظر إلى هذا الرأي في سياقه التاريخي حين كان المغول يغِيرون على أراضي المسلمين، وكان لا بد لنا من تجاوز الرأي القديم الذي يقسم العالم الإسلامي إلى دارين؛ (دار إيمان ودار كفر) وإعادة تفسير الإسلام في ضوء الظروف السياسية المتغيرة.


• هل مورست عليكم ضغوط لإعادة النظر في فتاوى الجهاد في ظل الحرب الحالية على ما يسمى بالإرهاب؟

ــ العالم ينبغي ألا يؤمر بل عليه أن يتحرك بنفسه، وأولياء الأمور يشتكون أحيانا من أن العلماء لم يقوموا بدورهم، ونحن وجدنا أن فتوى (ماردين) انبنى عليها قضايا تتعلق بالجهاد والولاء والبراء فقلنا علينا أن نجعلها منطلقا.


• هل معنى هذا أنكم ستعيدون النظر في كل فتاوى القتال والجهاد والولاء والبراء من الكفار؟

ــ علينا أن نعيد النظر في تراث الأئمة المقتدى بهم؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية والشيخ الغزالي، خصوصا في النصوص المجتزأة التي يأخذ بها الشباب.


• هناك من قال بأنك جاملت الصوفية عندما حضرت مؤتمرهم في المغرب؟

ــ هذه قناعتي وليست مجاملة، فأنا أرى أن التصوف من المجالات التي يجب أن نراجعها لتصحيحها وتوضيحها، وشيخ الإسلام ابن تيمية تكلم عن التصوف وقال الصوفية المحققون وكان يثني عليهم كثيرا، وكان مجددا في هذا المجال والشيخ ابن القيم في مدارج السالكين. فأنا أعتقد أن هذه القطيعة لا ضرورة لها، فالناس تتحاكم للمصادر نفسها، وكنت قد قلت للشيخ عبد العزيز بن باز (رحمه الله) عندما كنا نجتمع في رابطة العالم الاسلامي: إن كل من يتحاكم على كتب السنة فهو من أهل السنة، وإن اختلف تأويلا أو تعليلا أو تنزيلا فنرده إلى الطريق السوي. وقد قدمت لهم عشر مسائل في اجتماع مراكش وطلبت منهم الوسطية في أمورهم ولم أكن مجاملا لهم. 


• لماذا تخفي شعرك الجيد يا شيخ؟

ــ لا أشتغل به كثيرا في هذه السن لانشغالي بالبحث في المشكلات المعاصرة، خاصة في مجال الاقتصاد المعاصر والحوار مع الآخر، فانصرفت عن مجال الخيال الشعري الذي لا يخلو من كذب وتزويق وأصبحت فيه مطالبات الجسم للهدوء والراحة كثيرة.


• لكنك تشدد على نفسك؛ فلا تلبس ساعة ولا تحمل نقودا ولا تستعمل الجوال؟

ــ اعتدت منذ طفولتي ألا أحمل نقودا في جيبي ولا أدري هل هو ذم أم مدح، فقد كنت مع الوالد في التدريس والعلم وشيء من التربية الروحية، وحتى لا أتهم بالصوفية فقد كان التلاميذ يتولون هذه الاشياء فاعتدت على ذلك وظل أولادي من صغرهم يضحكون ويتندرون إذا رأوا معي نقودا وكأنها ظاهرة جديدة، لكن مع ذلك فأنا أحب النقود مثل كل الناس ولا يفهم أحد أنني غير عادي.


• إلى أي مدى تأثرت بوفاة أم أبنائك وبقائك وحيدا دون زواج بعدها؟

ــ لا شك أن الإنسان إذا عاش مع شخص فترة طويلة من حياته ثم مات فإنه يتأثر لفراقه، فكيف والحال بأم أولادي ورفيقة عمري، فقد أشعرني وفاتها بأن علي أن أتهيأ لفراق نفسي مع أن شؤون الحياة لا تتركني، وقد قلت في قصيدتي السنة الماضية:

حنانيك فارحل قبل يوم الترحل
    

 

ومن قبر ضيف مقبل غير مؤتل

 

مقر يحث الخطو يدني لبرزخ
     

 

كيوم حساب بالعجائب مثقل

 

أحاديث أحداث ثقيل سماعها
  
 

 

فكيف بها إذا أناخت بكلكل

 

تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل
 
   

 

وسرت إلى محبوب أول منزل

 

ونادتني الأشواق أهلا فهذه
  
 

 

منازل من تهواه عندك فأنزل

مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات

ahkamBIGRESUMER

مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، التابع لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، – لندن
01/26/2010 – 14:39
الطبعة الأولى 2010،
ويقع الكتاب في 516 صفحة
1
من الحجم الكبير
المقاصد , المعاملات المالية
عرض: منتصر حمادة.

ما حكم البيوع التي تتم في السوق الإلكترونية بين أناس لا يرون بعضهم؟ وبنقود ليست ذهبية أو فضية أو ورقية؟ بل هي أيضا إلكترونية؟ وما هو مقصد تحريم الربا؟ وكيف نفهم مبادئ الحرية والشفافية في التصرف والتعاقد في الشريعة الإسلامية؟ وهل نحن على استعداد للإسهام في إيجاد نظام مالي جديد لإنقاذ الاقتصاد العالمي؟ وهل البنوك الإسلامية اليوم تمثل الأنموذج المطلوب؟ وما حكم التضخم الذي تتغير فيه قيمة العملة تغيرا كبيرا، يحدث أحيانا بين عشية وضحاها؟ وما هو حكم الشرع في تعديل ما ترتب بذمة للدائن في حالة التضخم؟ وإذا بطل التداول بعملة كانت رائجة في جميع البلدان، هل لذلك تأثير على العقود التي وقعت بها؟ وكيف نتعامل مع الأوضاع الجديدة التي سوف تسفر عنها الأزمة الاقتصادية الحالية؟ نحسب أن عدد العلماء والفقهاء المعنيون بالرد الفقهي التأصيلي على هذه الأسئلة، قلّ عددهم، لأن المسألة ليست هينة بالمرة، كما أنها ترتبط بتحصيل مسبق لعدة فقهية رصينة من جهة، موازاة مع تحصيل عصري بمستجدات قضايا وملفات اقتصادية، قلّما تطرق إليها العلماء والفقهاء خلال العقود الأخيرة.

تأسيسا على هذه الأرضية الاستفسارية، يحق لنا التنويه بصدور الكتاب القيّم الذي حرّره فضيلة الإمام عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، ويحمل عنوان “مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات”. (صدر الكتاب عن مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، التابع لمؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، الطبعة الأولى 2010، ويقع الكتاب في 516 صفحة من الحجم الكبير)

حيث أبدع فضيلته في الإجابة على بعض الأسئلة سالفة الذكر، انطلاقا من تأسيس نظري وتأصيل دقيق بدأ به في كتاب متوسط الحجم، عظيم الفائدة، وبليغ الأسلوب، ويعتبر إضافة تجديدية مقاصدية هامة.

يُبيّن الكتاب كيف يمكن للمجتهد أن يتخذ من المقاصد الشرعية المتعلقة بالمال منطلقا ملزما لتقرير الأحكام، وذلك وفق قواعد منهجية تربط الأصول المقاصدية بالتقريرات الاجتهادية بيانا بالأخص؛ لكون قضايا المعاملات المالية لا ينبغي أن تقتصر على مجرد جرد للمقاصد وكشف عن علل أحكام معروفة، بل عليه أن يرمي إلى توسيع الأوعية المقصدية لتشمل مجالات أخرى من القضايا المستجدة لاستنباط واستنبات أحكام في تربة المقاصد الخصبة، ولكن ذلك لن يكون متاحاً إلا من خلال تفعيل العلاقة بين المقاصد وقواعد أصول الفقه لضبط عملية الاستنباط وتأمين سلامة نتائج صيرورتها؛ لأنها جاءت وفق مقدمات مسلمات لتكون النتيجة كذلك.

جلّي أن القصد من تأليف هذا العمل القيّم، يكمن في إبراز مقاصد معاملات الأموال مما استدعى عند الشروع تقديم كلمة ووضع طليعة؛ أما الكلمة فعن كيفية معالج القضايا المعاصرة من التشخيص والتكييف وانتهاء بإصدار الأحكام.

وأما الطليعة فعن الأزمة المالية العالمية، أسبابا ونتائج باختصار، مقارنة بالمنهج الإسلامي فيماي تعلق بعناصر الأزمة، مع “المراهنة” في هذه الطليعة على بيان أهمية موضوع مقاصد المعاملات المالية.

 

واعتبر أحمد زكي يماني، رئيس مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، في تقديمه للعمل، أن فضيلة الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، من علماء هذا العصر المالكية البارزين، وفقهاء المقاصد المجددين، الذين جمعوا بين العلم المستوعب للتراث الفقهي الإسلامي الواسع، والإدراك العميق للواقع، والاستشراف الواعي للمستقبل، وعناية الشيخ بن بيه بفقه مقاصد الشريعة وإبداعه فيه معروف ومشهور، ويظهر جليّا في هذا الكتاب كما ظهر في غيره من مؤلفاته القيمة. ومعلوم أن فقه مقاصد الشريعة يُعتبر من أهم آليات تجديد الفقه وتطويره، إن لم يكن أهمها، خاصة في قضايا البيوع والمعاملات، وهي القضايا التي يدور حولها هذا الكتاب، ذلك أن الفتاوى في هذا المجال تتغير تغيرا معتبرا، بحسب الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد، وتستدعي هذه التغيرات اجتهادات وتجديد، والتجديد الذي يتحدث عنه مقدم العمل في هذا المقام، ليس معناه التبديل، من منطلق أن “الثوابت باقية ملزمة، والخمر والزنا والربا من المحرمات، وبر الوالدين والحكم بالعدل والشورى من الواجبات، وفتح باب الاجتهاد أصبح من الواجبات، خاصة في ظل المتغيرات المعاصرة والأسئلة المهمة التي تطرحها”

 

(حري بنا التذكير أن المؤلف حدّد مقاصد الشرع في الأموال عبر خمسة أمور: رواجها ووضوحها وحفظها وإثباتها والعدل فيها) 

يرى المؤلف أن معالجة القضايا المعاصرة في الاقتصاد والمعاملات، كالإيجار المنتهي بالتمليك وقضايا النقود الورقية وغيرها، تحتاج إلى جهد من الباحث يتمثل في مرحلتين: تشخيص المسألة المعروضة من حيث الواقع، وهذه المرحلة لا غنى عنها للفقيه، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، وبدون هذا التصور والتصوير يمكن أن يكون الحكمُ غير صائب، لأنه لم يصادف محلا.

من الأهمية بمكان أن يبذل الاقتصاديون الوضعيون لإيصال كل العناصر التي يتوفرون عليها إلى زملائهم الشرعيين، فإذا تم ذلك فإن مرحلة أخرى تبدأ وهي: مرحلة المعالجة الفقهية لإصدار حكم شرعي، وهي المرحلة فيها صعوبة كبيرة تبدأ بما يمكن أن يكون تحقيقا للمناط. جاء العمل موزعا على “مقدمة حول المال والمالية”، وتمهيد حول “وظيفة وأسباب الملكية”، إضافة إلى خمسة فصول توزعت على العناوين التالية: “تعريف المقاصد”، “مقاصد المعاملات المالية”، “مقاصد منهيات البيوع وميزان درجات النهي”، “نماذج معاصرة للاجتهاد المقاصدي”، ثم الفصل الخامس: “بحوث فقهية في قضايا معاصرة”، وتوزع بدوره على ثمان مسائل، وجاءت كالتالي: الإيجار الذي ينتهي بالتمليك، موقف المؤجر من تصرفات المستأجر غير الجائزة شرعا، المشاركة في شركات أصل نشاطها حلال إلا أنها تتعامل بالحرام، التعامل مع شركات تقوم بأعمال مشروعة وتتعامل مع البنوك بالفوائد، أحكام النقود الورقية وتغيُّر قيمة العملة، تبرئة الذمة في مسألة الربا الملمة، التعويض عن الضرر الناتج عن تأخير الديون المستحقة، حكم الشرع في تعديل ما يترتب بذمة المدين للدائن في حالة التضخم،

(وتضمنت هذه المسألة ملاحق: النقود الشرعية وتطورها (من خلال الترحال مع نصوص للمؤرخين والفقهاء)، الأعواض والمعايير الشرعية، الشروط، تطبيق مبدأ وضع الجوائح على حال تغير قيمة النقود محل الدين والالتزامات، وأخيرا، نسبة التضخم المعتبرة في الديون)،

 

وأخيرا، التأمين التعاوني والتأمين التجاري. وواضح أننا إزاء فصول تستحق وقفات استطلاعية نوجزها في النقاط التالية، ما دمنا نتحدث عن قيّم جاء في 516 صفحة، متضمنا ما يفوق 200 مرجعا. ففي البحث الخاص بالإيجار الذي ينتهي بالتمليك، عالج المؤلف الموضوع من حيث التكييف القانوني لهذا العقد وفقا لمراحل تطوره، قبل أن ينتقل إلى عرض وُجهة النظر الفقهية مرتّبة على الفروض القانونية مبنية على مسائل الشروط عند الفقهاء، ويصل البحث في النهاية إلى تقديم جملة من البدائل التي لعلها إذا حلّت محلّ العقود القانونية في بُنيتها ونيتها الحاضرة، ترجّح جانب الحِلّ. وفيما يتعلق بموقف المؤجر من تصرفات المستأجر غير المشروعة، فنحن إزاء قضية تنزل ببعض ملّاك العمائر والعقارات، حيث يؤجرونها لشخصية طبيعية أو معنوية قد تستغلها استغلالا يخالف مبادئ الشريعة، وقد فصّل البحث في ذلك بين أن يكون المؤجر عالما حين العقد بتلك التصرفات وبين أن يكون جاهلا أو غافلا عن جهة تصرفات المستأجر، وقد بيّن المؤلف خلاصته على اختلاف العلماء في قاعدة سدّ الذرائع بين مالك وأحمد من جهة، والشافعي وأبي حنيفة من جهة أخرى.

وبخصوص المشاركة في شركات أصل نشاطها حلال إلا أنها تتعامل بالحرام، فنحن نتحدث عن بحث صُنو الذي بعده ومكمل له ويتعلق بالاشتراك في شركات تتعامل بالربا مع إيضاح الفرق بين الشركة والتعامل، وتأثير هذا الفرق في الحكم الرعي. وفيما يتعلق بالتعامل مع شركات تقوم بأعمال مشروعة وتتعامل مع البنوك بالفوائد، فقد ارتحل هذا البحث مع مقتضيات الحكم الشرعي في التعامل مع شركات تتعامل بالربا، فهو بحث يتعرض للمعاملة مع الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يشوب ماله الربا أو يختلط فيه الحلال بالحرام، ويستعرض البحث أقوال العلماء بين الحرمة والكراهة والجواز، وبعد عرض هذه الأقوال بناء على مجموعة من القواعد الفقهية يستخلص في النهاية القول الراجح.

أما البحث الخاص بأحكام النقود الورقية وتغيُّر قيمة العملة، فقد استعرض المؤلف عبره مسألة تغيّر العملات حيث يعرض أقوال العلماء تفريعا وتأصيلا، ليصل القارئ إلى رؤية واضحة يقترح فيها الحل الأمثل من جملة حلول بُنيت فيها الفروع على الأصول. وفيما يخص الزيادة في القروض البنكية، ارتأى المؤلف طرق باب التفصيل في موقع هذه الزيادة من آية الربا كما وردت في القرآن الكريم، وهل هي داخلة في ربا الجاهلية أو صورة أخرى تدخل في ربا الديون، وما هو مستند الإجماع الذي أطلقه العلماء على حرمة هذه الزيادة، هل هو عموم النص أو القياس؟ وهل حجية الإجماع تفترض قيام مستند؟ وهل يوجد فرق بين قرض الاستهلاك وقرض الاستثمار؟ وقد اجتهد المؤلف في الإجابة على مجمل هذه الأسئلة باختصار مع الإشارة إلى أن تحريم ربا النسيئة من محرمات المقاصد التي لا تبيحها الحاجة وإنما تبيحها الضرورات.

وعن التعويض عن الضرر الناتج عن تأخير سداد الديون المستحقة، فهو بحث مختصر يوضح فيه المؤلف أنه لا فرق بين الصيغة المقترحة وبين ربا الجاهلية المجمع على تحريمه لا بالذات ولا بالعرض وأن تغيُّر الظروف لا يرقى إلى تغيير الحكم، وأن وسيلة التوثيق عند العقد تشكل ضمانا شرفيا فيه غنى. وأخيرا، وفيما يتعلق بحكم الشرع فيما رتبت بذمة المدين للدائن في حالة التضخم، فقد فصّل المؤلف في هذا البحث القول في نازلة لا تزال محل خلاف وأخذ وردّ بين من يرى تأثير التضخم على ما بذمة المدين سلبا وإيجابا، وبين من يرى بأن ليس للدائن إلا أصل ماله بغض النظر عن انخفاض القيمة، وقد عرَّف المؤلف التضخم لغة واصطلاحا وعرضا لأقوال العلماء في المذاهب الأربعة، مؤصلا الرأي الفقهي مع بيان أسسه بإظهار أن المسألة اجتهادية، وانتهى إلى اعتبار التضخم الجامع دون غيره، معتمدا العرف معيارا والجائحة أصلا للقياس والمصالح المرسلة أساسا آخر عند القدح في الأول مع ذكر جملة من الملاحق.

 

يتذكر المشاركون والمتتبعون لآخر محاضرات فضيلة الشيخ عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، ونتحدث عن محاضرة ألقاها في أشغال مؤتمر الإقتصاد الإسلامي لدول غرب إفريقيا بالعاصمة السينغالية دكار، وجاءت تحت عنوان: “توازنات الشريعة يمكن أن تسهم في علاج الأزمة المالية العالمية”، أنه اختتم محاضرته بطرح لائحة من الأسئلة الحرجة والرصينة: “هل فقهاؤنا مستعدون لاختراع أدوات الاستنباط لتوسيع أوعية الاستثمار ولإيجاد صياغات كفؤة تستوعب كلما دلت عليه هذه الشريعة المباركة – نصوصا ومقاصد وجزئيات وقواعد- لتعميق الفهم وتوسيع دائرة الفقه، محافظة على الخصوصية والميزة الشرعية، وانفتاحا على الأدوات المعاصرة، والفنيات الاقتصادية والمالية لضمان النجاعة والفعالية”. ذلك بحق، هو التحدي اليوم أمام الجميع، ونرى أن العمل الذي بين أيدينا، يندرج ضمن الاجتهادات الفقهية المعاصرة والمجددة، والتي تترجم انخراط عالِم اليوم في مقتضيات الساعة والساحة على حد سواء. جدير بالذكر، أن فضيلة الإمام عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه، يشغل منصب رئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد، وهو نائب رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وشغل أيضا منصب وزير العدل في موريتانيا سابقا، وعضو المجامع الفقهي، وصدرت له العديد من المؤلفات والأبحاث، نذكر منها على وجه الخصوص: “صناعة الفتوى وفقه القليات”، “أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات”، “حوار عن بعد حول حقوق الإنسان في الإسلام”، ” الإرهاب:التشخيص والحلول”، “فتاوى فكرية”، علاقة مقاصد الشريعة بأصول الفقه”.

الرسالة تنفرد بأول حوار مع العلامة عبد الله بن بيه حول كتابه الجديد “مشاهد من المقاصد”

 

 ومن وحي الكتاب و مشكلات العصر وعلاقاتها بفقه المقاصد

كان هذا الحوار مع الشيخ بن بيه حول بعض الإشكاليات المتعلقة بالمقاصد.


·شيخنا لوحظ أن آخر كتابين لك صدرا مؤخراً تتعلق بالمقاصد. هل هناك فعلاً حاجة ماسة للكتابة في المقاصد، وهل هضم حقها مقارنة بسائر العلوم الشرعية؟

o كما تفضلت آخر كتابين لي عن المقاصد أحدهما عن المقاصد في المعاملات إثر الأزمة المالية العالمية والآخر عن “مشاهد من المقاصد” ذكرت فيه جملة من الموضوعات التي تفتقر إلى رؤية مقاصدية في الوقت الحاضر، ولا أقول إن المقاصد هضم حقها لكن الأحداث في العصر الحديث طرحت موضوعات، وقدمت إشكالات تحتاج إلى رؤية مقاصدية، فهذا هو السبب في تأليف هذه الكتب.


·يلاحظ توقف الاجتهاد والتجديد في باب أصول الفقه والمقاصد. هل يمكن أن تتجدد الأصول والمقاصد؟

o المقاصد تجدد أصول الفقه بعلاقة تفاعلية بينهما، والمقاصد هي روح الأصول.


·وهل يمكن أ ن تتجدد المقاصد؟

o المقاصد على نوعين: مقاصد الشارع في وضع التشريع جملة وفي وضعه تفصيلاً وهذه ثابتة يتجدد الاكتشاف لها، ومقاصد المكلفين وهذه بالطبع متغيرة، ومن خلال العلاقة بين المنظومتين تتجلى مظاهر التجديد.


·القياس والإجماع يعتبران من أصول الاستدلال لدى بعض المذاهب الفقهية، هل يمكن أن تكون المقاصد كذلك من أصول الاستدلال؟

o المقاصد ليست شيئاً مستقلاً عن القياس والإجماع هما من الأدلة التي تدخل فيها المقاصد أي أنهما دليلان يكشفان عن المقصد أحياناً وأحياناً يكشفهما المقصد، وبخاصة في مجال القياس لأن القياس هو مفردة من مفردات المقاصد.


· لكن كأداة لاستنباط الأحكام الشرعية؟

o بطبيعة الحال لو نظرنا إلي المقاصد الشرعية بنوعيها الجزئية والكلية، فالقياس والمصالح المرسلة وسد الذرائع والاستحسان،… كل هذه الأبواب من جملة الأبواب التي تستثمر المقاصد، فهي روح أصول الفقه. ومحاولة عزل المقاصد عن أصول الفقه لا تبدو لي صحيحة بل هي ستخل بالمقاصد وتجعلها غير منضبطة. وأنا أختلف مع بعض الأساتذة الكرام والطاهر بن عاشور كان هو أصل هذه الفكرة والأمر عند التدقيق عن كثب وكما أوضحته في كتبي وبخاصة في كتاب “مشاهد من المقاصد” هي كالروح في الجسد وكالمعدود في العدد.


· بعض العلماء يرد أسباب عدم التوسع في النظر إلى المقاصد إلى القياس والإجماع.

o المقاصد لا تهدم الإجماع المطبق خاصة ما كان عليه الصحابة بل هو الذي يبين المقصد ويكشفه، أما إذا كان إجماعاً ضعيفا كإجماع السكوت الذي اختلف فيه العلماء فالمقاصد هنا لها قول ومكانة في الترجيح. أما القياس فإن الشيء لا يهدم نفسه فالمقاصد هي الآلية للقياس. 


. البعض عزا ضعف النظر إلى المقاصد بسبب التمسك بظاهر الأحكام والنصوص.

o نعم هذا صحيح، ونحن أمام مدرستين مدرسة ضيقت النظر إلى المقاصد وعملت بظاهر النصوص، وهي مدرسة قديمة: المدرسة الظاهرية، ومازالت موجودة مع تفاوت في ضيق الأفق واتساعه، ومدرسة يمكن أن نقول أنها انفلتت وقالت بالمقاصد في كل شيء، وبالتالي أهملت النصوص أو تعاملت معها تعامل غير سليم؛ فأولت ما لا يصلح للتأويل، وعللت ما لا مجال فيه للتعليل، وهذا النوع ينتسب إليه بعض العلمانيين الذين قالوا باعتبار المقصد الأعلى وهو المصلحة وبالتالي لا يقيمون وزناً للنص ولو كان متواتراً ولو كان أيضاً قطعي الدلالة، هذا أيضاً من وجوه الاجتهاد الفاسد. وهناك مدرسة متوسطة قالت بالمقاصد وفي نفس الوقت راعت النصوص والقواعد وهذه المدرسة يمكن أن نعتبرها مدرسة المذاهب الأربعة مع تفاوت بينها؛ فهناك من هو أقرب للحرفية وهناك من توسع في المقاصد كأبي حنيفة الذي علل عدداً من العبادات.


·هل يمكن أن نعتبر الموقف من الفلسفة والعقل أثر على المقاصد؟

o الفلسفة هي البحث عن الحقيقة، والأدوات الفلسفية والمنطقية هي أدوات للاستكشاف، ويمكن أن تستكشف بها المقاصد لأن المقاصد تستكشف وتستثمر.


· لكن في الثقافة الإسلامية هناك موقف سلبي من الفلسفة والعقل هل أثر ذلك على إثراء المقاصد؟

o بعض المدارس ربما عممت حكماً على الفلسفة لأنها رأت بعض الباطل أو ما اشتبه عليه فيها، أما المسلمون من القرن الثالث وحتى في أواخر القرن الثاني استعملوا الأدوات الفلسفية، وعلماء المسلمين استخدموا الفلسفة والمنطق وإن شئت اقرأ كتباً لأبي حامد الغزالي وغيره لتعرف أن الفلسفة ليست منبوذة بالكلية، وإن كانت الفلسفة اليونانية في بعض التطبيقات ليست صحيحة دينياً ولكن مع ذلك هي أدوات وكل الأدوات هي محايدة؛ فالقياس التمثيلي أو القياس الشمولي أو الاستقراء هذه أدوات يستعملها العالم من الذرة إلى المجرة، وهي أدوات تصلح للفقه كما تصلح للتجريب والعلوم؛ لذلك هذه الأمور يجب أن نقترب منها عن كثب حتى نفهمها ولا نرمي الأمور جزافاً هكذا بدون أن نراجع أنفسنا في مثل هذه القضايا.


·شيخنا أطلقت مصطلحاً جديداً أسميته “المقاصد القدرية الكونية” كالاختلاف والرحمة. هل يمكن أن يكون الاختلاف مقصداً بذاته؟

o في الحقيقة هذا سؤال جيد، نعم الاختلاف مقصد كوني لقوله تعالى “ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم” إذا أخذنا بقول من قال “ولذلك” أي للاختلاف وبعضهم قال للرحمة، ويمكن أن ننظر إليه على أنه مقصد شرعي إذا نظرنا إليه من باب التوسعة والتيسير كان أحدهم يؤلف في اختلاف العلماء فقال له الإمام أحمد بن حنبل اجعله (كتاب التوسعة) أي جعله توسعة ورحمة، ويمكن من هذا الوجه أن نعتبره من المقاصد الشرعية. والمقاصد الكونية يمكن أن يطلق عليها المقاصد الخلقية أي أن الله خلق الخلق عليها.


·هناك مقاصد كبرى مثل الاستخلاف وعمارة الأرض وكرامة الإنسان وحريته، برأيك لماذا غابت هذه المقاصد عن الأطروحات الفقهية؟

o لكل عصر مشكلاته وأولوياته لذلك يجب أن لانحاكم العصور الماضية بقضايا العصور الحالية، لكن بصفة عامة أصولها موجودة فمثلاً في كرامة الإنسان يقول تعالى:”ولقد كرمنا بني آدم”، وعلينا أن نحاول استكشافها على ضوء أسئلة العصر، وهو عصر فريد من نوعه لم يسبق في التاريخ أن كانت البشرية على هذا النحو سواءً من ناحية العلوم الكونية أو من ناحية الأوضاع الاجتماعية والعلاقات البشرية والاتصال والتواصل، كل هذه أمور جديدة لها أسئلتها فعلينا أن نحاول الإجابة عليها من خلال النصوص والقواعد ومن خلال الكليات والمقاصد.


·غياب المقاصد والتخلف هل من علاقة بينهما؟

o هذا سؤال في محله، تخلف الأمة في الحقيقة يرجع إلى كثير من العوامل؛ عوامل دنيوية، عوامل في التزام الناس بدينهم، عوامل في الأولويات وتركيبها، عوامل في العقل، كل هذا يوجب على الأمة أن تدرك المقاصد وتفهمها وتتحلى بها سلوكاً في ميادين العمل، وأن تفهم المقاصد الكلية والجزئية، والجماعية والفردية، وهذا يحتاج إلى عقول كبيرة ونهضة شاملة.


·نختم شيخنا بسؤال: كيف يمكن أن تكون المقاصد التي يزخر بها ديننا أن تكون ثقافة لدى النخب والعامة وممارسة سلوكية وعملية؟

o هذا يقتضي العمل باتجاهات متعددة منها الاتجاه التأصيلي بمعنى أن نستكشف المقاصد أولاً ونقيم منها قوانين كلية ومفاهيم عامة، وقد تحدثت عن الشورى والديمقراطية والاستخلاف في الأموال وإن كان حديثي عنها كمقدمات لفتح الشهية لبحوث ودراسات أخرى، كما كتب بعض الإخوة عنها كالشيخ الريسوني وغيره ممن كتب في المقاصد؛ لذا علينا أن نستكشفها ونوضحها ونؤصلها، وكما نقوم بالتأصيل علينا أن نقوم بالتوصيل؛ نوصلها للنخب والعامة لتكون ثقافة، وتتحول إلى سلوك. ثم علينا أن ننظر في المقاصد على ضوء الفلسفات والمستجدات المعاصرة وما يجري في العالم من سنن الله وحكمه علينا أن نتعامل معها أيضاً، وليس معنى ذلك أن نتخلى عن ديننا وإنما أن نتحلى بديننا.


     

مشاهد من المقاصد

عرض: محمد المنتار

صدر عن “مؤسسة الإسلام اليوم”

كتاب جديد للعلامة عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بية بعنوان: “مشاهد من المقاصد”، ط1، 2010م،

الذي ألفه الشيخ مؤخرا بعد حوالي شهرين عن تأليفه لكتاب “مقاصد المعاملات ومراصد الواقعات” .

ويعتبر هذا الكتاب، الذي خصصه المؤلف للمقاصد، مكملا لكتابه: “أمالي الدلالات ومجالي الاختلافات” الذي سبق

وخصص المؤلف جزأه الأول لمباحث دلالات الألفاظ، والجزء الثاني لدلالات المعاني.

وأصل هذا الكتاب الوجيز محاضرة بمكة المكرمة نظمها مركز دراسات مقاصد الشريعة الإسلامية، أراد صاحبه أن يقدم من خلاله ورقة تعريفية للمقاصد تعرف هذا الاسم بالجنس والفصل والرسم، وترسم مسيرة تشكل المقاصد، وتاريخ الاكتشاف والاستشفاف، الذي كان منطلقه دعوة ربانية قرآنية لإعمال العقل المركب في الإنسان في التفكير والتدبر وتنبيهه على طرق النظر في آيات الخلق ودلالات الأمر.

وقد جاء في 194 صفحة موزعة على مدخل وستة فصول، ثم خلاصة.

ناقش المؤلف في الفصل الأول تعريف المقاصد لغة واصطلاحاً، وتحديد الضابط الذي به يعرف مقصد الشارع، كما تحدث عن العلة ومسالكها المعلومة في أصول الفقه، وعن الأحكام غير معلومة العلة وكيفية التعامل معها، وحدد أنواع سكوت الشارع عن الحكم، التي جعلها ضرين اثنين، لينتقل إلى عرض مختصر مقارن للجهات التي بها تعرف المقاصد عند كل من الشاطبي وابن عاشور، ليختِم هذا الفصل بتعريف للمقاصد.

وعرض في الفصل الثاني مسيرة العمل والتعامل مع المقاصد وبها؛ حيث رصد تطور النظر إلى المقاصد واستشفاف حكمها عند السلف ابتداءً بالصحابة الكرام مروراً بالمذاهب الأربعة، مع تقديم نماذج وأمثلة تطبيقية تقرب المقصود.

وخصص العلامة بن بية الفصل الثالث لعرض أقوال علماء الأمة في ثلاث مسائل أساسية؛ صنفها تحت العناوين التالية: من يعرف المصلحة؟ العقل أم النقل؟ والعبادات بين المعقولية والتعبد؟ والكلي والجزئي أيهما يقدم؟ مع ما تبع ذلك من عرض للأدلة وتوجيهها.

وفي الفصل الرابع تحدث العلامة عبد الله بن بيه عن أصناف المقاصد: العامة الكبرى التي ترجع إليها الشريعة وهي المقصد الضروري، والحاجي، والتحسيني.

والمقاصد الخاصة التي تعنى بباب من أبواب الفقه، أو مجال من مجالاته.

والمقاصد الجزئية وهي مقصد الشارع في كل حكم على حدة. وقد مثل لكل صنف بأمثلة علمية. ولم يفته كذلك الإشارة إلى تقسيمات أخرى للمقاصد باعتبارات مختلفة؛ ومنها المقاصد القدرية أو الكونية؛ والمقاصد العامة والكلية، والمقاصد الأصلية والتبعية. مع العناية ببيان معيار الانتماء للمقصد الضروري، ومناقشة تذبذب الانتماء لبعض القضايا بين الضروري والحاجي.

وفي الفصل الخامس تعرض الشيخ بن بية لاستنباط المقاصد واستخراجها، وهو ما تعرض له الإمام الشاطبي في الضابط الذي يعرف به مقصد الشارع من عدة جهات: ـ مجرد الأمر والنهي الابتدائي التصريحي. ـ اعتبار علل الأمر والنهي، المعلومة وغير المعلومة ومسالكهما وكيفية النظر فيهما. ـ اعتبار المقاصد الأصلية والمقاصد التابعة لأحكام الشريعة العادية والعبادية. ـ السكوت عن شرعية العمل. وقد بسط الشيخ بن بيه القول وفصله تفصيلا في أنواع السكوت، وتطرق إلى ما يسمى “بدعة الترك” ووصفها بالأمور الدقيقة التي وقع فيها الالتباس واختصم فيها الناس مستدلاً ببعض القضايا التي اختلف فيها العلماء تبعاً لاختلافهم في النظر إلى موضوع المسكوت عنه.

وأرجع أصل الخلاف إلى أربعة أصول: 

1ـ هل البدعة صنف واحد أم أنها أصناف بحسب الدليل الذي يشملها؟

2ـ هل الترك مع قيام الداعي في التعبديات له دلالة على النهي أو لا دلالة له على ذلك؟

3ـ الفرق بين الموجب والمقتضى.

4ـ الفرق بين إضافة المتروك إلى عبادة محدودة واعتقاده جزءاً مكملاً لها فلا يشرع أو عدم إضافته فيرد إلى أصل الإباحة أو الاستحباب.

وأضاف العلامة بن بيه ثلاثة ضوابط:

1ـ أن لايعطى حكماً شرعياً إذا لم يكن مشمولاً بدليل كالأدلة المتعلقة بالذكر الدالة على استحبابه في كل الأحوال فلا يجوز لمن اختار تلك الأذكار أن يقول إنها واجبة مثلاً.

2ـ أن لا يحكم لها بثواب معين.

3ـ أن لا يشمل المتروك دليل نهي بالتحريم أو الكراهة. والمسألة في نظر الشيخ بن بيه مجالها فسيح وميدانها واسع فعلاً وتركاً، إعمالا وإهمالا؛ لذلك لا ينبغي أن ينكر البعض على البعض في مواطن الاجتهاد.

وفي الفصل السادس بحث الشيخ بن بيه موضوع الاستنجاد بالمقاصد واستثمارها؛ وكيفية الحصول على الثمار المرجوة منها، شارحا لمجالات الاستنجاد بالمقاصد، وهي:

1ـ تفعيل أصول الفقه على ضوء إعمال المقاصد في بنيتها لتوسيع دوائر الاستحسان والاستصلاح واستنباط الأقيسة ومراعاة المآلات والذرائع…

2ـ اختيار الأقوال المناسبة التي تحقق المقاصد الشرعية حتى ولو كانت مهجورة ما دامت نسبتها صحيحة وصادرة عن ثقة ودعت إليها الحاجة.

3ـ تفعيل النظرية المقاصدية في وضع فلسفة إسلامية شاملة تجيب على الأسئلة التي يطرحها العصر في مختلف القضايا الكبرى التي تشغل الإنسان وشغلته منذ القدم في الكون والنظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية لتفسير مختلف الظواهر الإنسانية وتقديم قوانين عامة تنطلق من ثنائية الوحي والعقل.

وقبل تقديم خلاصات البحث ونتائجه تطرق الشيخ بن بيه كتابه بالحديث عن بعض المسائل المتعلقة بالأقليات الإسلامية في الغرب، منها: مسألة المرأة التي تسلم وزوجها نصراني التي قال فيها الجمهور بفسخ العقد، ذاكرا لبعض التفاصيل التي ناقشها المجلس الأوروبي في هذه الجزئية، بناءً على فقه المقاصد ومتغيرات العصر. وبهذا الصدد دعا الشيخ بن بيه إلى مراجعة الفتاوى وضبطها بمعيار يقوم على: ـ فحص الواقع لوزن المشقة والحاجة. ـ البحث عن حكم من خلال النص الجزئي الذي ينطبق عليه إذا وجد مع فحص درجته. ـ إبراز المقصد الشرعي كلياً أو عاماً أو خاصاً. ليخلص إلى نتائج وخلاصات مفادها أن كتاب “مشاهد من المقاصد” أراده الشيخ بن بيه أن يكون وجيزا حسب الإمكان وملمعا إلى ما وراءه من بيان؛ لأنه كان منصبا على موضوع العلاقة بين أصول الفقه ومقاصد الشريعة من زاوية تطبيقية من خلال تفعيل المقاصد عن طريق أبواب أصول الفقه في مناحي الاستنجاد مع ما اقتضته المنهجية من تعريف وتعرف وتصنيف.

1_926681_1_53.jpg

العقـــل الإسلامــي وتناقض الوعظ والتنوير

 

 

 استفزني الشيخ بن بيه وأنا أشاهد جزءاً من إعادة تسجيل لبرنامج الشريعة والحياة في قناة الجزيرة والذي كان ضيفه سماحة الشيخ العلامة بحق عبدالله بن بيه، تحدّث فيه الشيخ عن هستيرية نظريات البناء التكفيري لدى فكر الغلو والتشدد، وطرح الشيخ الخلل المنهجي في هذا التسلسل إذ كيف يُبنى تكفير على تكفير؟ ثم تتخذ بموجبه قاعدة للقتال الفوضوي دون الرجوع على أصول التكفير الشرعي الذي يُسقط بالأدلة مشروعية التكفير المنحرف أو يُفصّل في التعامل معه ومع منازل الخلاف واستطرد بالتمثيل والتأصيل من قول ابن عباس رضي الله عنه في قاعدته ”كُفرٌ دون كُفر”.. لعل القراء الكرام أن يرصدوه في قناة الجزيرة تيوب. 


أمّا لماذا استفزني الشيخ فلأنني تذكرت مرة أخرى كم نحن نفرط في تلك القامات العظيمة حتى يُقال قد كان بيننا، ولماذا لا نستثمر هذه الطاقة الفكرية الجبارة وهو قد تجاوز السبعين أطال الله في عمره، وهناك أسئلة عديدة ملحة لجيل الشباب الإسلامي المعاصر لدى الشيخ الجليل أجوبة مهمة لها فلما لا يُيسر الطريق لهم فيما يُبتلى الشارع الدعوي بمن هم أدعياء على الدين ويفتئتون على منهجيته المؤسسة لثقافة الشرع الأصيلة ورسالة حضارته، وينزوي أولئك في ثياب الواعظين، وليس هذا معارضة لذلك الوعظ الصادق المتزن إنما نقصد تلك الجلبة التي تُدفع لدى البعض كوظيفة أو غرض خاص أو لردع الناس عن مقاصد الشريعة الكبرى من العدل والحقوق وفقه التعامل السلوكي والاقتصادي والاجتماعي، وهو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُنقّل به بيانه الوعظي ليربط طريق الجنة والنجاة من النار بهذا التكامل المقاصدي العظيم، فيما يُتخذ بعض الوعظ المنحرف المعاصر أحياناً تجارة وتوظيف لنفوذ فيُبتلى الناس بمن يخاطبهم باسم الدين كما يبتلون بخصوم هذا الإسلام العظيم.


 أما التوقف الثاني أمام خطاب الشيخ فاني قد مضت بي الخواطر فيه بين تنوير الشيخ وبين تنوير -اللاعنفيين- والمقصود نبذ فكرة حق المقاومة المشروع والتزكية الضمنية للاستعلاء الغربي، فتنوير الشيخ هو من فلسفة التنوير لفهم مقاصد النص فيما الآخرين تنويرهم التنوير لإسقاط قطعيات النص وبينهما فرق كبير، وفي الغالب أنّ محركهم الأصلي هو هزيمتهم من العنفيين الأصليين (الاستبداد الدولي) ما جعلني اسميها -اللاعنف كوميديا الهزيمة- وثقافة الهزيمة هذه تخلط بين قواعد مهمة في البعد الفلسفي والتفريق بين الجوهر والعَرَض.

وهي إحدى الإشكاليات في الوصول إلى قاعدة حوار منضبطة للإجابة على السؤال الكبير؛ هل يوجد في الإسلام أسس مشروع حضاري وفقه دستوري إسلامي ونظامٌ للعدالة الراشدة.. سؤال مشروع غير أنّ مقدمات المناطقة المتفق عليها إنسانياً لا تُطبق في كثير من الجدل الدائر..

ويستبدل به القفز إلى الواقع المنحرف ووعاظ الوصاية والاستدلال. بل وحتى مثقفي الهزيمة داخل الانتلجستا الإسلامية يرددون ما يقوله الجوهر العلماني، فكيف تستمع مني الجواب وفي الأصل أنت مختلف معي في ترتيب قواعد الحوار لفهم المنهج التشريعي من جوهره.

 ثانياً وهو مهم للغاية لست أُسلّم لكَ بما اعتمدته كمعيار؛ فما هو التقدم الحضاري؟ وما هو الحكم الرشيد أين السمو الإنساني بين الروح والآلة؟ لا بد من تقعيد محايد حتى نصل للجواب.

هذه ليست طلاسم ولا تعويماً لكنني أيضاً لن اُسلّم عقلي لعهد بشري يرفض أن أخضعه لمعايير الإنسانية المطلقة في فهم العدل والأخلاق ويقول تعالَ نرجع إلى دستوري أنا لا دستورك، عفواً لم أصوت على دستورك فلماذا تحاكمني إليه!! هنا تبرز مشكلة رئيسية هل تريد فهمي وحواري أم قررت أن تقضي علي؟! إذاً لا جدوى للحوار..!! هذه الثقافة من خطاب الهزيمة جديدة وقديمة وقد أضحت تنتشر في الآونة الأخيرة كردة فعل وبديل عن خطاب الوعظ المنحرف أو التقليدي وليت شعري من يصحح لمن؟


 

الصومال دليل على انحراف الفتوى

 

 

مروة شاكر

 

 أكد فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه نائب رئيس اتحاد علماء المسلمين، فساد الفتاوى التي تحض على إهدار الدماء كما يفعل بعض طلبة العلم في الصومال، ويرفض أن تكون الفتوى بوابة للاقتتال والفتنة، حتى لو كان بتبرير الذود عن الشريعة والقتال دونها.

في الحلقة الماضية من برنامج “الشريعة والحياة” 15/11/2009 والتي كانت تحت عنوان: “صناعة الفتوى”، قدم الشيخ بن بيه توصيفا فقهيا لما يسود حالة الفتوى في العالم الإسلامي، مع تطبيق على نموذج الصومال، الذي قدمه بوصفه معبرا عن تراجع العقلية الإسلامية في فهم الشريعة، وفي منهجية تنزيل النصوص، واضطراب المحل الذي تتنزل فيها النصوص.


 طالع أيضا:
* الفتوى منتج صناعي
* بيان الشيخ بن بيه للصوماليون
* بن بيه يتحدث عن كتابه صناعة الفتوى

أكد بن بيه أن الصومال -مثلا- يقتلون ويتحججون بأنهم يقتلون من أجل مبدأ الولاء والبراء، ويضيف: “جهادكم هذا ليس صحيحا بناء على معطيات ونصوص شرعية؛ لأنكم جهلتم الدليل، وتجاهلتم التأويل، وأخطأتم في التنزيل”.

التوظيف الإفتائي

ويتابع بن بيه تحليله للنموذج الصومالي في التوظيف الإفتائي، على مستوى الاستخدام والتطبيق في مجال التكفير، وحالة الاستيلاد الذين يبنون عليها أحكامهم؛ حيث إنهم يقولون إن الحكومة تساند الكفار وهؤلاء يجب قتالهم، ويقولون أيضا إن كل من يوالي الحكومة فهو كافر؛ لأن الحكومة توالي الكفار، ويولدون من هذا أن الحكومة كافرة.

يرفض الشيخ بن بيه هذا المنطق ويصفه بالخطأ؛ لأنه ليس كل كافر يجب قتاله، وليست كل حكومة توالي كافرا هي كافرة مثله -على حسب قوله- وكل هذه مقومات فاسدة بالدليل الشرعي.

ويرى بن بيه أن الفتوى تقسم إلى ثلاثة أقسام، وهي: الفتاوى التي تتعلق بقضايا الأمة، أي المختصة بالقتال والحروب والتكفير، ويجب أن تحول إلى المجامع الفقهية، كما أشار إلى أن هناك أمورا وفتاوى لابد أن تحال إلى أناس ثقات وهي قضايا المال والمصرفية الإسلامية وخصوصا ما يتعلق بقضايا الربا والفوائد، وغيرها من القضايا الاقتصادية المعاصرة.

كما أشار فضيلته إلى أن هناك قضايا مثل القضايا الشخصية والتي يمكن أن يفتي فيها فقيه القرية؛ وذلك لأنها نصوص ثابتة لديها صفة الثبوت والدوام؛ ولذلك يمكن أن يفتي فيها أناس عاديون.

صناعة الفتوى

كما أكد بن بيه أن الفتوى هي صناعة ولكن تحتاج لشيء من الإنصاف ولجملة من العناصر؛ حيث إن الفتاوى هي كالزمان، ووصف فضيلته الزمان بأنه زمان منفلت في مختلف المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وتماثله في هذا الفتاوى أيضا.

وتابع بن بيه أن “الفتوى ليست بريئة من هذا الانفلات”، وأشار إلى أن هناك بعض الفتاوى الجاهزة ومن يطلبها يجدها، ووصف بن بيه الفتاوى الجاهزة بأنها فتاوى جامدة، وأن الجمود على النصوص هو كالضلال.

وعن الفتاوى التي اعتمدها علماء وأئمة سابقون واستندوا فيها للكتاب والسنة، قال بن بيه: إن “هذه الفتاوى كانت مناسبة في وقتها؛ لأنها كانت ملائمة للزمان والمكان التي قيلت فيه”.

وأكد بن بيه أن الفتاوى لابد من تنزيلها على الواقع وتحقيق المقاصد، ووضعها في عين الاعتبار، وتحديد المصالح والمفاسد التي يتم إصدار الفتوى من أجلها، أي أن يتم تنزيل الفتوى تنزيلا سليما مستندا إلى الدليل والحكم الشرعي.

كما أضاف بن بيه أن هناك فتاوى منزلقة ومنفلتة وهي الفتاوى تحت الطلب والتي يكثر إصدارها في مجالات البنوك والمصارف، وهذه الفتاوى تأتي في غاية التيسير لدرجة أنها تخرج عن جلد الفتوى الأصلية.

وأشار بن بيه إلى نوع آخر من الفتاوى وهي الفتاوى التي تجمع بين الثبات والتغير، وأكد قائلا: “لابد أن تبنى هذه الفتوى على ثلاثة عناصر: النصوص، والمقاصد، أي: المصالح والمفاسد، وعنصر الزمان، أي: ملابسات وأحوال الزمان وهي: البعد الزماني، والبعد المكاني، والبعد الإنساني”، وتابع: “لابد أن تأخذ الفتوى في عين الاعتبار كل هذه العوامل، فإذا لم تأخذ بعين الاعتبار كل هذه العناصر فإنها تكون ناقصة بل تكون عرجاء”.

وأكد بن بيه أن الخلل في صناعة الفتوى اليوم يرجع إلى عدم احترام معايير الفتوى، والمتمثل في احترام الجزئيات في مقابل الكليات، ثم عقد مقابلة بين الاثنين حتى يكون بينهما تفاعل وتفاوض وتفاهم، وشدد على أن ضبط الفتوى يكون من خلال ضبط الفتوى بمنهجية، ومنهجية الفتوى تبدأ بأصول الفتوى المستمدة من الكتاب والسنة وما يستنبط عنهما.

وأكد بن بيه أن المراد من الفتوى هو تحقيق ثلاثة أمور هي: دلالات ألفاظ، ومقاصد، وواقع، حيث أكد أنه بدون هذا المركب لا يمكن للفتوى أن تكون سليمة ومكتملة من كل وجه وبخاصة إذا كانت في قضايا معقدة تحتاج إلى وجهات النظر المختلفة، ويضيف: “نخلص من هذا إلى أن الفقيه لا يمكن أن يستبد بالفتوى خصوصا في الأمور التي تحتاج إلى متخصص في مجال من المجالات مثل الطب وذلك في القضايا الطبية، أو خبير اقتصادي في الأمور الاقتصادية… وغيرها”.

سيولة الفتوى

وعن قضية سيولة الفتوى وكثرة إصدار الفتاوى التي يطلقها الشيوخ عبر الفضائيات وغيرها، أكد بن بيه أن هناك أصولا لابد أن يكون المسلم على دراية بها وألا يسأل فيها، مثل قضية الحرية، وبراءة الذمة؛ حيث وصف فضيلته مثل هذه الأمور بالأصول التي لابد أن يكون المسلم ملما بها وألا يسأل فيها.

وأضاف أن السؤال لابد أن يكون في الأشياء التي فيها تغيير فقط، وأرجع بن بيه كثرة السؤال في مجال الفتاوى إلى “تخلف العقلية المسلمة” والتي نالت كل المجالات من صناعية، وسياسية، وإعلامية، وغيرها.



المصرفية الاسلامية

وقد أكد بن بيه أيضا أن هناك الكثير من الفقهاء في مجال المصرفية الإسلامية أحسنوا صنعا في التعاطي مع المجال الاقتصادي ، لكنهم في الوقت نفسه أساءوا صنعا في قصورهم عن معاملات وأمور تجيدها الشريعة الاسلامية في مجالات المال والاقتصاد والبنوك ، ولاجتراءهم أيضا على معاملات تخرج النظام الاسلامي عن حقيقته وخصائصه مما يؤدي إلى فقدانه حصائصة التي تميزه.

كما أشار إلى ضرورة التدقيق والبحث والرجوع إلى أهل الاختصاص في مجالات الاقتصاد والبنوك والمال، حيث انها من القضايا الحساسة التي تثير الكثير من التساؤلات حولها مشددا على ضرورة  رجوع الفقيه  المفتي في مثل هذه الأمور إلى علماء الاقتصاد والخبراء في المجال المصرفي أي المختصين حتى يتمكن من  اعطاء الفتوى الصحيحة.

(منطلقات و كلمات وتوصيات) تعليقاً على تصويت الشعب السويسري على حظر بناء المآذن

29/11/2009.

الحمدلله و الصلاة و السلام على سيدنا رسول الله،

 – إننا من منطلقات دينية و منطلقات إنسانية نتأسف لقرار الشعب السويسري بمنع رفع مآذن المساجد في الدولة السويسرية الفدرالية .

 – نحن نرى في هذا القرار عقبة جديدة في طريق التعايش و الاندماج الايجابي بين مختلف الطوائف العرقية و الدينية في هذا البلد الذي يمثل في أذهان و وجدان الكثير من المسلمين و غيرهم أنموذجا و مثالا للتعايش الإنساني السعيد العابر على الأحكام المسبقة و النمطية التي تضمرها بعض الشعوب لبعضها.

 – خيبة أمل في أرقى الديمقراطيات التي تدرس في الجامعات بوصفها الديمقراطية المباشرة الأفضل في العالم في مجال الممارسات الدستورية. أن تصدر هذه الديمقراطية قرارا غير ديمقراطي و غير دستوري. غير ديموقراطي باعتبار الديمقراطية تمثل نظام تكافئ الفرص للجميع و المساواة بين الجميع و تجاوز العرق و اللون و الدين في التعامل مع المواطن. وهو غير دستوري: باعتبار الدستور يكفل هذه المفاهيم (ويجعل منها سقفا للتعاون ).

 لقد كانت سويسرا تمثل كل ذلك و لعلها لا تزال كذلك ذلك أملنا و أمنيتنا . لهذا فاننا سنوجه اربع كلمات.

 1) إلى الشعب السويسري ذي التاريخ العريق في تسوية الخلافات العرقية و اللغوية لعله أن يراجع نفسه فقد قال حكيم عظيم : الرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل و أن يتخذ قرارا آخر مشرفا يرفع رصيده الإنساني في المستقبل و لا يعيده إلى الوراء و يتناسب و تاريخه و يخدم مصالحه الحقيقية بعيدا عن فورة العاطفة و العنصرية .

2) إلى الحكومة السويسرية نوجه الشكر لموقفها المميز و إعرابها عن اختلافها مع التوجهات المتطرفة ودعوتنا للحكومة لاستعمال الوسائل الدستورية و القانونية المناسبة لمراجعة هذا القرار.

3) كلمة إلى أوروبا شكرا لأولائك الذين لا يزالون يتحلون بالمبادئ الأخلاقية و الإنسانية و الذين يدافعون عن حقوق الإنسان في ابسط تعبيراتها من منظمات و دول و بخاصة الاتحاد الأوروبي و الفاتيكان و الهيئات الأخرى و شكر خاص للقساوسة السويسريين. و اننا ندعو تلك المنظمات و الشعوب أن تلجم النزعات التي بدأت تطل برأسها في أوروبا من أطراف يمينية متعصبة تسعى لتأجيج الفتن و نشر الأحقاد التاريخية مما لا يساعد في انجاح مسيرة الحوار و إطفاء بؤر التوتر في العالم و هو ليس بحاجة الى إضافة بؤرة اخرى. و ندعوا ذوي النوايا الطيبة لإيجاد فضاء من التسامح و الوئام والتعايش البناء ليس في اوروبا و لكن في العالم كله، إننا ندعو العقلاء و الحكماء ان لا يكتفوا بالدعوات الخجولة بل أن يكونوا أكثر نشاطا وحيوية .

4) كلمة إلى المسلمين في سويسرا خصوصا و في أوروبا عموما نبارك في نضجكم و وعيكم و رشدكم و ندعوكم أن تتمثلوا قيم دينكم العظيم في الصبر و التسامح و المغفرة , (( ولمن صبر و غفر إن ذالك لمن عزم الأمور ))-سورة الشورى-

 

و لهذا فان توعية الأخوة و الأخوات بجملة من المبادئ يبدو ضرورة في الظرف الخاص و العام:

 1) التحرك الإعلامي العاقل و الحكيم الذي يعتمد المفاهيم الإنسانية و حقوق المواطنة .

 2) التحرك القانوني الذي يعتمد مبادئ العدالة و الدستور.

 3) التحرك السياسي والشعبي الذي يستنجد بكل المواطنين و بالمنظمات الإنسانية و الدينية .

 4) الابتعاد عن الإستفزاز بكل اشكاله مع التركيز على القضاء والإحتكام اليه و تذكير السويسريين بأن علم سويسرا يحمل أهم رمز ديني مسيحي هو الصليب و هو يرفرف في أنحاء العالم الاسلامي و لم يجد المسلمون حرجا في ذلك، و المسلمون يحبون الشوكولا و المناظر الخلابة السويسرية و لكن هذه المناظر قد تكون أجمل لو زاد عدد المآذن قليلا، فالمآذن لاترمز الى أي نية عدوانية و انما الى التوجه الى الباري جل و علا.

 5) إنها فرصة لإبراز قيم التسامح و الأخوة الإنسانية في الإسلام، فالإسلام دين السلام و إلاهُـنا –جل و علا- هو السلام و هو يدعو الى دار السلام و علينا أن لانيأس من يقظة الضمير الانساني لدى المواطنين و لهذا فإن التاريخ يحدثنا عن نماذج من الكراهية استحالت الى مودة فالوطن الأوروبي في وقت من الأوقات ضاق فيه الكاثوليك ذرعا بالبروتستانت فاضطهدوهم، و ضاق الجميع بعد ذلك ذرعاً باليهود و ياتي الدور اليوم على المسلمين لكن الفطرة السوية في الإنسان تتغلب، و ربنا جل و علا يمنحنا التفاؤل بقوله: (عسى الله أن يجعل بينكم و بين الذين عاديتم منهم مودة و الله قدير و الله غفور رحيم). سورة الممتحنة.

و يقول: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم). سورة فصلت

كذلك وصيتنا لكم بأن تدفعوا بالتي هي أحسن قولاً و عملاً في حراك دائم يقدم الحجة بالحسنى و الود بدل الشحناء. والسلام عليكم ورحمة الله


أ.د.عبدالله عمر نصيف رئيس مؤتمر العالم الإسلامي رئيس مجلس أمناء المركز العالمي للتجديد والترشيد- لندن

العلامة عبد الله بن بيه رئيس المركز العالمي للتجديد والترشيد- لندن نائب رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين

أمراض زماننا طالت كل القطاعات بما فيها الفتوى

موقع الفقه اليوم.

أكّد الشّيخ عبد الله بن بيه– نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين- أنّ الفتوى في هذا الزّمان أصبحت كالزّمان نفسه، حيث نعيش زمانًا منفلتًا وفي كل المجالات وفي الميادين، ليس هذا لخصوصية الفتوى، ولكن أيضا في مجالات أخرى، مجالات الإعلام والسياسة والاقتصاد، كلها مجالات فيها انفلات، والفتوى ليست بريئة من هذا الانفلات، و يمكن أن نصنفها إلى ثلاثة أنواع، هناك فتوى من نوع الملابس الجاهزة، يعني من جاء يجدها معلقة كما يقول ابن رشد سماها بالشّخص الذي ليس خفافًا، يبيع الأخفاف، ولكنه لا يصنع الأخفاف، فإذا جاءه من لا يطابق قدمه ولا يلائم خفًا عنده فإنه لا يستطيع أن يوجده، هذه فتوى وراثية، لا أقول معلبة، لكنها على كل حال جامدة،

وكما يقول القرابي: الجمود على النّصوص أبدًا ضلال وإضلال.

وقال: هذه يمكن اعتمادها عندما يقول بها، ولكن من لا يقول بها من أمثالنا، فإنه لا يمكن اعتمادها؛ لأنها لم تنظر إلى البعد الزماني والمكاني، حتى ولو اعتمدها أئمة وعلماء سابقون، واستندوا فيها إلى أدلة صحيحة من الكتاب والسنة ؟ ففي ذلك الوقت كانت ملائمة؛ لأن الزمان كان ملائمًا.

وأضاف لبرنامج ” الشريعة والحياة” الذي أذاعته فضائية الجزيرة في الحلقة التي أُذيعت تحت عنوان “صناعة الفتوى”، وهناك صنف آخر وهو فتوى منزلقة ومنفلتة، وهي أيضًا من نوع تحت الطلب، بمعنى أن المطلوب تقديم فتوى بحسب المطلوب، وهذا يقع في مجالات المصارف والبنوك، عادة تأتي فتاوى في غاية التيسير إلى حد أنها تخرج من جلد الفتوى الأصلية.

وقال: إن الصنف الثالث هو فتوى تجمع بين الثّبات وبين التّغير وهذا نرى أنه هو الوسطية الصحيحة؛ لأنّ الفتوى لابد أن تشتمل أو تُبنى على ثلاثة عناصر، عنصر النّصوص، وعنصر المقاصد، أي المصالح والمفاسد، وعنصر الزّمان، أي الملابسات وأحوال الزّمان، أحوال الزمان هي البعد الزماني، والبعد المكاني، والبعد الإنساني.. مشددًا على ضرورة أن تأخذ بعين الاعتبار كل هذه، فإذا لم تأخذ الفتوى بعين الاعتبار كل هذه الأبعاد، فإنها تكون ناقصة وعرجاء.

وقال ابن بيه: إنّ الخلل اليوم في صناعة الفتوى، هو في عدم احترام المعايير. معايير الفتوى، نحترم جزئيات في مقابل الكليات، نحترم الدليل ونحترم التنزيل؛ لأنّ الدليل غير التنزيل، تنزيل الدليل على الواقعة ليس الدليل، الدليل قد يكون محايدًا، أو قد يكون حكمًا شرعيًا، ولكن هل هذا الحكم الشرعي يصلح لأن ينزل على هذه القضية أو لا يصلح أن ينزل عليها ؟ ولهذا هناك مرحلة الدليل ومرحلة التنزيل، الجهل بأي منهما أو عدم تطبيقهما أو عدم معرفتهما معرفة سليمة هذا يؤدي إلى خلل.

وعن ضوابط الفتوى وسط زخم الفضائيات، والمواقع الإلكترونية التي تتعاطى مع الشّأن الإسلامي، قال: ابن بيه من الصعب جدًا ضبطها إلا إذا ضبطت المنهجية، فعلينا أن نُروج لمنهجية الفتوى، هذه المنهجية تبدأ بأصول الفتوى، مشيرًا إلى أن أصول الفتوى هي الكتاب والسنة، وما يستنبط منهما حسب عبارة الشافعي، ولكن ما هي جوانب الاستنباط، وآفاق الاستنباط ؟ يجيب الغزالي، بأنها صيغتهما، منظومهما، وفحواهما، ومفهومهما، ومعناهما، ومعقولهما، ويجيب على هذا بدقة أيضًا الشاطبي عن كيف، يقول: إن الاجتهاد إذا كان في دلالات الألفاظ فإنه يحتاج إلى علوم اللغة العربية، دلالات الألفاظ هو ما تدل عليه ألفاظ الشارع، وهذه الدلالات كثيرة قد تكون حقيقة وقد تكون مجازًا، قد يكون حقيقة شرعية، قد يكون حقيقة عرفية، قد يكون حقيقة وضعية، ثم إنه قد يكون نصًا أو يكون مفهومًا أو يكون إشارة، قد يكون أمرًا قد يكون نهيًا، قد يكون مجملا قد يكون بيانًا، فلابد من معرفة دلالات الألفاظ بدقة وترتيبها وتمايزها ليجعل كل دلالة في مستقرها ومستودعها، وإذا كان في المصالح والمفاسد، فإنه يرجع إلى المقاصد فهذا علم آخر، علم المقاصد، لأن الفتوى تحتاج إذا كانت دلالة الألفاظ إلى معرفة اللغات ومعرفة مدلولاتها، إذا كانت في المقاصد والمفاسد أي في معقول النّص فإنه يرجع إلى المقاصد التي تتم بالمصالح والمفاسد، لكن الشاطبي يضيف بعدًا ثالثًا، أما تنزيلها على الواقع فإن هذا من باب تحقيق المناط وهو يحتاج إلى اجتهاد ثانٍ، هذا الاجتهاد لا يقوم به الفقيه شرطًا، قد يقوم به الطبيب، قد يقوم به الصانع .

وأضاف: فمثلا في التاريخ الفقهي، الحامل المقرب هي من المحاجير، يحجر علينا؛ لأنها مريضة مرضا مخوفا اليوم ماذا تقول إن كنت في سويسرا مثلا ؟ سيقولون ليس شيئًا، ليس حتى أخف من شوكة، إذاً الطبيب هو الذي يحقق المناط ليحكم الفقيه ليقول هذه تتمتع بصحتها كسائر الناس ولا يحجر عليها في مالها ولا في نفسها، المرض ذات الجنب أو السل كان مرضا مخوفا في نصوصنا الفقهية هو مرض مخوف وبالتالي صاحبه من المحاجير يحجر عليه، اليوم تحقيق المناط ترجع إلى الطبيب.

وأضاف: وهناك قضايا اقتصادية كانت ينظر إليها نظرة معينة، لكن اليوم بأوضاعه الاقتصادية الصكوك مثلا التي هي تقابل السندات لأن الصكوك تمثل الموجودات الحقيقية والسندات تمثل أموالا ربوية لأنها نقود تلد نقودا، ليتعرف الفقيه على هذا لا بد أن يحقق المناط الاقتصادي، فالواقع بكل تضاريسه وبكل ملابساته وكل أبعاده الزمنية والمكانية يحتاج إلى تحقيق مناط.

فهي ثلاثة أمور، دلالات ألفاظ ومقاصد وواقع، دون هذا المركب لا يمكن للفتوى أن تكون سليمة من كل وجه بخاصة إذا كانت في قضايا معقدة تحتاج إلى وجهات النظر المختلفة، إذاً الفقيه لا يمكن أن يستبد بها أو يرجع فقط إلى نصوص ليرى أن السل مرض مميت وأن صاحبه يحجر عليه ولا تجوز تصرفاته وكل أعماله مردودة، لا يمكن، ارجع إلى الطبيب اسأله ما الذي طرأ، البنسلين ما الذي أتى به ؟ المضادات الحيوية، هناك أشياء جديدة هذه طبعا مجالات فسيحة جدا وفي هذا المجال تحقيق المناط أمر في غاية الأهمية ويجب أن يلجأ عليه.

وأضاف: كثير من الفقهاء والمجامع الفقهية يقولون: إن التضخم لا يؤثر ما في ذمتي لكن التضخم أمر جديد والتضخم الجامح والنقود لم تعد هي الذهب والفضة وإنما أصبحت النقود لا قيمة لها بنفسها فيعني الليرة اللبنانية الذي ثبت في ذمتي منها هل يمكن أن نقدم له فقط الذي ثبت في ذمتي وهو لا يساوي شيئا ؟ هذه الأمور يحتاج فيها إلى أن نتعرف على مناخات التضخم وأنه أصبح مثل الجارحة .

وعن سؤال بعض الناس في قضايا ربما تكون معروفة بداهة أرجع ابن بيه السبب في ذلك إلى فضول في ناس يريدون أن يسألوا عن كل شيء، لكن من جهة أخرى يوجد جهل الأبجديات الشرعية، مثلا هناك ما يسمى بالاستصحاب، طهارة الأعيان أصل، الحرية أصل، براءة الذمة أصل، يعني هذه تسمى القواعد الأصلية، لا تكليف إلا بنص، هذه القواعد الأصلية المفروض أن كل أحد يعرفها المفروض أن الشخص لا يسأل عن مثل هذه الأشياء لأنها معروفة، يسأل عما وقع فيه التغيير من الأصل إلى غيره، فهنا نرى أن ثقافة الناس ناقصة، لكن هذا الانفلات أو هذه الأسئلة الكثيرة حقيقة ليست في مجال الفتوى فقط، بل إن الانفلات في كل المجالات وموكب التخلف يسحب عربات كثيرة منها هذا، وتساءل لماذا العالم الإسلامي لا يصنع طائراته، كل هذا العالم الإسلامي كل هذا المليار لا يصنع المراكيب التي يركب عليها، لا يصنع السيارات، هذه أمراض تطول كل القطاعات بما فيها قطاع الفتوى.

وقال ابن بيه: إنّ الجميع يتحملون هذه الأوضاع ولا يتحمله أحد، كما يقولون ( الجميع مذنبون ) والجميع أبرياء، هذه المرحلة من أوضاع العالم الإسلامي هي مرحلة حرجة وهي مرحلة يجب أن نتجاوزها، وهذا يطول كل العوالم، عوالم الأشخاص وعوالم الصناعة وعوالم العقل، فالعقل المسلم يحتاج إلى مهندس، إلى هندسة ليخرجه من التخلف، والتخلف كما قلت ليس مختصا بقطاع وليس مختصا بناحية من النواحي ولا بقضية من القضايا، وإنّما هو تخلف شامل.

وقال: الصوماليون يقتتلون يقولون نقتلهم نريد الجنة إذا كنتم تطلبون الجنة فقد ضللتم سبيلها، يعني يقولون نقاتلهم على أن يطبقوا الشريعة، يطبقون الشريعة على أحياء أم على أموات؟ الناس يموتون، رحم الله عمر لما أوقف الحدود عام الرمادة لأن الناس جياع، لافتا إلى أن هذا النوع من الفتاوى المشددة التي تؤدي إلى سفك الدماء دليل كبير على تخلفنا عقليا، تخلف ديني، تخلف في فهم مقاصد الشريعة، في فهم النصوص لأن هذه النصوص لا يمكن تنزيلها إلا لمن عرف مقاصد الشريعة حتى يمكن أن ينزل النصوص على محلها.

وقال ابن بيه: إن بعض المفتين قد لا يعي تماما الوضع الحالي للعالم الذي أصبح قرية صغيرة، وأصبحت المنتجات التي ينتجها الآخر يصدرها إليك ليس فقط تصدير سلع ولكن معها نظمها وقوانينها التي تحكمها، فإذا صدرت طائرة تصدر معها الإيجار (leasing) ويصدر معها التأمين ويصدر الإيجار المنتهي بالتمليك، هو لا يصدر السلع وإنما يصدر مع السلع أيضا النظم، نظم التبادل والتعامل التي توجد في أرضه وبالتالي قد يكون العالم أو الفقيه قد يكون عاجزا عن استيعاب هذا، فيجيب بما سنح له ولكن قد يكون أيضا عالما بذلك الحق أن عندنا في مجالات متعددة ظهر بعض الفقهاء وبخاصة في مجال المصرفية الإسلامية هؤلاء أحسنوا صنعا بإنشائهم للصكوك، لهندسة الصكوك ولكثير من المعاملات التي قدموها ولكن أساؤوا صنعا في قصورهم أحيانا عن معاملات تجيزها الشريعة، وأحيانا أخرى في اجترائهم على معاملات تخرج النظام الإسلامي عن حقيقته وعن خصائصه وبالتالي يفقد خصائصه، فهناك شطط و إفراط وتفريط، فعلينا أن نحاول أن نقف في الوسط حتى لا نقع في الإفراط ولا في التفريط. وعمّا يفعله المسلم العادي أمام سيولة الفتاوى وأمام تناقض الفتاوى،

قال عبد الله بن بيه: المسلم عليه أن يقلد العالم الذي يرى أنه أهل للتقليد؛ لأن الفتوى هي تبيين حكم شرعي عن دليل لمن سأل عنه وزاد بعضهم أن تكون أهله عن دليل. هذا يجعل المسلم عليه أن يسأل عن الدليل إذا كان لا يثق بالمفتي. ثانيا: على المسلمين أن يتعلموا أمر دينهم حتى يستطيعوا التمييز بين الطيب والخبيث وبين الغثّ والسمين، وكما قال علي رضي الله عنه، تزعم أنك على الحق وفلان وفلان على الباطل، قال يا هذا إنك رجل ملبوس عليك، اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال، اعرف الحق تعرف من يأتيه، فلو تعلم الناس وكانت لهم ثقافة لعلموا من يتوجهون إليه، لتعرفوا على العالم الذي بإمكانه أن يجيبهم ولتجنبوا الدجاجلة إذا كان هناك دجاجلة، ولاستطاعوا من خلال دراستهم لسيرة الناس ولعلمهم ولأعمالهم أن يميزوا العلماء .

وأضاف: طبعا هذا إشكال بالنسبة للعوام في ظل هذا التضخم الفتوى – إذا صح التعبير – أو الانفلات خلال القنوات فهذا ذنب الإعلام وذنب هذا الزمان لكن مع ذلك علينا أن نتحرى، علينا أن نحاول إبراز شخصيات من أهل العلم، نطلب من الناس أن يرجعوا إليها وأن تكون مصدرا للفتوى كما كان في الزمن الأول، كما كان مالك وأحمد وأبو حنيفة والشافعي هؤلاء برزوا في الفتوى، برّزهم الناس، لم يكن تبريزا من الحكومات ولكن من الناس، شهد لهم الناس بأنهم من أهل العلم، وبالتالي لا ينفلت عالم دون أن تكون له هذه الشهادة من الناس، وأضاف قال مالك لتلميذه ما أفتيت حتى شهد سبعون شيخا لي، قال أجسرت عليها، يقول لابن القاسم أجسرت على الفتوى، فهذا النوع من الشهادة ومن القبول العلمي يجب أن يكون حاضرا في أذهاننا. وعن تأثير الإعلام الفضائيات في صناعة وجوهر الفتوى؟

قال ابن بيه: المفروض ألا تؤثر لأنها وسائل ولكنها في الحقيقة أثرت، الوسائل أصبحت كأنها أهدافا وكأنها مقاصد، يريدون طبخا سريعا، وبالتالي هذا الطبخ السريع يمر بهذه الفتاوى التي أحيانا تكون من أجل معارضة شخص ما، يفتي واحد في الإنترنت ويشيع ويعتبر أن الكذبة إذا كبرت وتكررت أصبحت أقرب إلى الحق كما كان يرى هتلر، فيرى هذا وينشر الفتاوى، هي أثرت لا شك في ذلك لكن الأمر هو في تعليم وتثقيف الناس.

وعن كيفية تحرير الفتوى من المصالح السياسية والشخصية، قال عبد الله بن بيه: علينا أن ننظر إلى الفتوى كفتوى، أنا ضربت مثلا بالصومال لأنه أسهل أن أضرب مثلا بالصومال، فالناس الآن يقتتلون يقولون لأنهم لا يطبقون الشريعة من أجل مسألة الولاء والبراء، وهم يطلبون الرئاسة – وهذا حقهم – لكن أن يقولوا باسم الدين فعلينا أن ننظر إلى الفتوى باسم الدين، وأن نقول إن جهادكم هذا ليس صحيحا بناء على معطيات وعلى نصوص شرعية؛ لأنهم جهلوا الدليل وتجاهلوا التأويل وأخطؤوا في التنزيل.

وعن الفتوى والتاريخ، قال ابن بيه: ” في هذا المجال في مجال الفتاوى بعض الفتاوى كان تاريخا، بمعنى أنها كانت مواقف في التاريخ، فتوى الإمام أحمد في مسألة خلق القرآن، فتوى الإمام مالك في مسألة أيمان البيعة، وهذه الفتاوى كانت مواقف أثرت في التاريخ، في هزيمة المعتزلة بجهة الإمام أحمد وفي أيضا إيقاف شطط السلطان الذي كان يحلف الناس بالمصحف.

هناك فتاوى كثيرة جدا في التاريخ كانت تمثل تاريخا، هناك فتاوى كانت تعكس التاريخ كانت مرآة للتاريخ، مثلا عندنا في بلاد الأندلس لما أراد يوسف بن تاشفين أن يفرض الضرائب قال في مدينة اسمها مرسية قالوا، فوضوا عالما يتكلم عنهم فقال لا بد أن تحلف هنا على المنبر بأن بيت المال ليس فيه شيء فتعفف يوسف ولم يحلف، رضي الله عنه، وهناك فتاوى كثيرة منها الوقف الذي كان في قرطبة وكان يستفيد منه المسافرون فجاء أناس فأرادوا أن يستفيدوا من الوقف، وقف المرضى فقالوا أنتم لستم من أهل قرطبة، ترافعوا إلى القاضي، القاضي أفتى بأن هؤلاء لما أقاموا أربعة أيام يستفيدون من الدنانير التي كانت تعطى .. يعني هذا ضمان اجتماعي بمعنى أن قرطبة في ذلك الزمن عندها ضمان اجتماعي لمرضاها من مواطني قرطبة وأن المواطنين الآخرين إذا أقاموا أربعة أيام لهم الحق في الاشتراك بهذا، وأضاف والعملة التي كانت ترد إلى تونس في القرن الثامن وهي عملة مغشوشة اختلف العلماء.

وسيد عيسى الأوغاديني، أفتى بأن هذه العملة تبقى على غشها حتى لا تضيع أموال الناس وأفتى نظيره ابن عرفة بأن هذه العملة تزال حتى تكون العملة صحيحة فرجح قول ابن عرفة.

وعن السبب في التجرؤ على الفتوى أرجع ابن بيه: السبب في ذلك إلى عدم الورع، لأن “أجرأكم على الفتية أجرأكم على النار” كما ورد في الحديث المرسل وبالتالي مالك كان يخاف من هذا ولهذا قال له كيف أقول للناس جئت إلى عالم المدينة، قال قل لهم عالم المدينة لا يدري، فالإمام مالك كان شديد الحرج في هذا وكان يوجه الفتية إلى غيره، وأبو حنيفة كان يناقش في تلاميذه أرأيت لو وقع ثم في النهاية ينتهون إلى نتيجة لم يكن يستقل برأيه دونهم، فالفتوى لها خطر كبير؛ لأنها تعتدي على الأموال، وعلى الأعراض، وبالتالي يمكن أن تعتدي ويمكن أن تصلح، فالفتوى هي ميزان إذا أحسنا الوزن.

وعن الفتوى والمصرفية قال ابن بيه: أرى أنّ المصرفية الإسلامية الآن في هذه الفترة بالذات، تجعلنا أمام تحدٍّ وأمام فرصة تاريخية؛ لأنّ الغربيين وأنا كنت بفرنسا قبل أسبوع، وكنا مع وزير الاقتصاد الفرنسي، الغربيين الآن يبحثون عن التّعامل بالمصرفية الإسلامية في ديارهم ويفتحون لها الأبواب، فتحت لبريطانيا وفرنسا تدرس، عندها مشكلة الرقابة الشرعية تريد رقابة موحدة (standard) لأنها لا تريد رقابات مختلفة، في نفس الوقت وجدنا أن المصرفية الإسلامية قدمت خدمة أو الفقهاء قدموا خدمة بتقديمهم للمصرفية الإسلامية، ولكن في نفس الوقت أوجدوا إشكالات فادحة؛ لأن المعايير التي قدموها فيها أخطاء شرعية فيما يتعلق بما يسمى بالنشاط الأساسي للشركة، معناه أن الشركة تكون لها نشاطات غير شرعية نشاطات ربوية فيما يتعلق بمعيار الكثرة والقلة وهو معيار ليس صحيحا، يعني قدموا وحتى في التورّق بعضهم أجاز التورق ولم يجز التورق فقط بل أجاز التورق أيضا للطعام وهذا مخالف لإجماع المسلمين يعني المعايير التي قدمها الإخوان جزاهم الله خيرا لم يستشيروا فيها كل الناس بل كانت الحاجة الملحة للمؤسسات التي يعملون فيها دافعا لهم أن يقدموا هذه الأقيسة التي قدموها هي أقاييس منقوضة، النقض هو أن تتخلف بالجزئيات وهذه هي تخلف فيها كل الجزئيات، فالأشكال التي ركبوها ليست صحيحة، نحن في الحقيقة عندنا منهجية جيدة في التعامل مع النصوص في التعامل مع المقاصد في التعامل مع الواقع، وفي معقول النص في التعامل مع الأسس.

مكانة المرأة في الإسلام

إن الفكرة التصادمية الغربية التي تشكل هجوماً على فكرة المجتمع الإنساني ومفهوم الإنسانية المشتركة ، بحيث ينظر إلى الإنسان بشكل مفكك وتصادمي ؛ فالمرأة ضد الرجل ، وهي مضطهدة ويجب أن تدافع عن حقوقها خارج السياق المجتمعي ، والشواذ جنسياً أقلية لها حقوقها التي يجب أن يُدافع عنها ، ومن يسب الدين يجب أن يدافع عن حقوقه ، بمعنى أنه لا توجد معيارية ولا ثوابت لدى المجتمعات ، وهي مجتمعات يستند في انقطاع أمرها على أساس عقد اجتماعي ديني أو دنيوي ، يمثل الإطار المشترك لكل شعب له هويته وثقافته ، وإن الحقوق الفردية المطلقة بدون ضوابط تؤدي إلى فوضى معرفية وأخلاقية.

 

وفي هذا النطاق مرت الدعوة النسوية في الغرب بأطوار كانت في بداية أمرها مطالبة بحقوق المرأة وهي : العدالة ، والمساواة ، والأجر المتساوي مع الرجل . أما الآن فقد أصبحت الدعوة النسوية الجديدة لا تدعو إلى حقوق للمرأة ، وإنما تدعو إلى تغيير الجنس وإيجاد جنس جديد ، وإعادة النظر في الإنجاب و وسائله ؛ حيث يرى بعضهن أنه يجب أن يكون عن طريق المختبر الذي يتلقى بويضة الأنثى وال***** المنوي للرجل بدون ضرورة لقيام علاقة بين الاثنين ، إلى غير ذلك من النظريات العبثية التي أصبحت تمارس في قطع سبل الإنجاب باستغناء النساء بالنساء والرجال بالرجال ! إنه إهدار لكل القيم الإنسانية والانخراط في دوامة اللامعقول . 

 

وقد أصبحت بعض الجهات الغربية تدق ناقوس الخطر ، فقد ورد في التقرير السنوي للمعهد الوطني للدراسات الديموغرافية المقدم للبرلمان الفرنسي في 1999/12/6 أن فرنسا تأتي مباشرة بعد فيلندا والنرويج والسويد ، وهي دول أصبح عقد الزواج فيها يقل ويتضاءل مفسحاً المجال للعلاقة ” الحرة ” بدون زواج ؛ حيث يرتبط سنوياً 450،000 زوج بهذا الشكل من الرباط الحر ، وتتم المعاشرة المستديمة بدون عقد زواج من الجنس الواحد رجال مع رجال ، ونساء مع نساء ؛ ليصل سنوياً في فرنسا إلى 30،000 .

وإن الغرب يتدحرج في هذه الهاوية التي تتمثل – للتذكير – في انتشار أولاد بلا آباء ، وإجهاض ، وإعراض عن الإنجاب ، وأسرة من جنس واحد ، وعنوسة وتعاسة . 

والإشكال الكبير الذي يعاني منه الغرب أن هذه الحالات النفسية التي يفتح لها الباب على مصراعيه لتجريب التغيير المجتمعي لا نهاية لها . 

فعلى المنادين في العالم الإسلامي بتقليد الغرب أن يدركوا ما يدعون إليه ، وأي امرأة يريدون ؟ وفي أي محطة من محطت التطور الغربي سيتوقفون ؟ هذه هي المقدمة الأولى . 

أما المقدمة الثاني : فإن قضية المرأة ليست قضية المرأة فقط ولكنها قضية الأسرة ، بل المجتمع بأسره ؛ لأنها تدخل ضمن منظومة قيمية وأخلاقية دينية ، لها مرجعية حضارية هي حصيلة سلسلة من التراكمات التاريخية الموروثة ، فبدون الانطلاق من هذه المرجعية لا يمكن تبين مواقع التغيير المقبولة ، ورسم الأهداف السليمة الملائمة للمجتمع والمنسجمة مع الفطرة والصيرورة الاجتماعية في سلاسة ، بعيداً عن فكرة الصراع المرير الذي يقوم على أساس التناقض بين الجنسين . 

أما الفكرة الإسلامية فتقوم على التكامل بين الجنسين في أدوارهما ، مع مراعاة ما فضل الله به بعضهم على بعض والإسلام يدعو إلى السكينة والرحمة في بيت الزوجية ؛ وهو ما ينعكس إيجاباً على الأولاد ، ويسمح بنقل القيم بين الأجيال . تلك هي الأرضية التي ينبغي البناء عليها للتجديد ، طبقاً للتعاليم الإسلامية التي مثلت باتفاق الباحثين نقلة مدنية وتشريعية لا مثيل لها في التاريخ للمرأة ، وكان خطاب الإسلام الموجه إلى المرأة ثَرّاً ومتعدد الجوانب ومتسع الأرجاء ، كما أن الممارسة الفعلية للنساء المسلمات اللاتي يعتبرن مرجعاً تقدم نماذج غنية . 

إنه لابد من الإشارة إلى هذين الاعتبارين قبل الولوج في تفاصيل بعض فروع حقوق المرأة في الإسلام .ونحن هنا لا ندافع عن ممارسات قد تتعرض لها المرأة في بيئة معينة ، وقد تكون متأثرة بالعوائد والتقاليد ؛ إنما دفاعنا – وهو أمر لا نخفيه – عن منظومة القيم والأخلاق بمعناها الواسع في الدين الإسلامي ، وهي منظومة نعتقد أنها تسمح بتحقيق الطموح العاقل النافع للمرأة والمجتمع بكامله ، وأن هذه المنظومة هي التي تلائم فطرة الإنسان وتتناغم مع مكانته في الكون ، وأن الفروق بين الإسلام وحقوق الإنسان في الغرب هي : 

أولاً : أن الإسلام وحي الله تعالى على نبيه – صلى الله عليه وسلم – ، فمصدره الله ، وكان الإسلام ثورة بالنسبة لأوضاع المرأة في كل العالم ، وبخاصة عند العرب الجاهلية الذين كانوا يعدون الأنثى عاراً على والدها ؛ حيث يلجأ والدها إلى وأدها حية ، وقد نعى القرآن الكريم عليهم هذا السلوك : ” وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ” . 

ولم يكن للمرأة حظ من الميراث ، وقضية زوجة سعد بن الربيع التي جاءت تشكو إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – أن عم بناتها أخذ ما تركه والدهم من المال ، فنزل القرآن يورث النبات ، وذلك معروف في الأحاديث الصحيحة .

وكان الرجل يتزوج ما استطاع من النساء دون حد ، كما ورد في حديث غيلان الذي كان له عشر نسوة ؛ فتصرف الإسلام في كل هذه الحالات فمنع قتل البنت منعاً باتاً باعتباره جريمة ، وباعتبار نفسها كأي نفس لا فرق بين الذكر والأنثى ، ثم ورث البنات وحدد لهن مقداراً في الميراث بحسب وضع الورثة ، وحدد المسموح به من الزوجات بأربع زوجات مشروطاً بالقدرة على العدل ، وباستطاعتها أن تشترط عدم قبول التعدد عند العقد ، كما هو مذهب مالك ، ولها شرطها . 

أما السبب الثاني : فهو اختلاف المصدر والمرجعية ، فالإسلام دين سماوي ، نزل من خالق البشر : ” ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ” . 

وقانون حقوق الإنسان قانون بشري يتأثر بالصراعات البشرية والأفكار الفلسفية التي تمثل في بيئتها مرجعية . 

والتفرقة بين الرجل والمرأة في بعض الحقوق في الإسلام ليست ناشئة عن عدم المساواة في مبدأ الكرامة ، فالكرامة والتكريم للرجل والمرأة معاً ، والخطاب في الشريعة للاثنين دون تمييز : ” من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ” ، وقوله تعالى : ” والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ” . 

فأثبت الولاية المتبادلة بين الجنسين ، وأثبت الأمر والنهي لهما دون تمييز ، وجاء في الحديث : ” إنما النساء شقائق الرجال ” ( رواه أبو داود ) . 

ولكن يجب أن يبحث عن الوظيفة الخاصة التي تقتضيها كل منهما ، فتوزيع الأعباء والواجبات وترتيب الحقوق وظيفي وليس نظرة دونية ؛ ولهذا قال أبو إسحاق الشاطبي : ” وأيضاً فإن الرجل والمرأة مستويان في أصل التكليف على الجملة ، ومفترقان بالتكليف اللائق بكل واحد منهما كالحيض ، والنفاس ، والعدة ، وأشباهها بالنسبة للمرأة ؛ والاختصاص في هذا لا إشكال فيه ” .

ولهذا فإنه بنظرة فاحصة ومنصفة نجد أنه يوجد تكافؤ وتكامل بين الجنسين ، فالميراث في بعض الحالات يستوي فيه الذكر والأنثى كما هو في إخوة الأم ، يستوي ذكورهم وإناثهم وأحياناً كثيرة يفضل الذكر بناء على مسؤوليته في القيام على بيت العائلة ، فالمرأة تجب نفقتها على زوجها إن كانت زوجة ، وعلى ابنها إن كانت أماً ، وعلى أبيها وهي صغيرة ، وتوزيع الأعباء اقتضى توزيع الحقوق شرعاً وعقلاً ، وفي الشهادة قد تكون شهادة الرجل بشهادة امرأتين في بعض الحقوق ، وقد تكون شهادة المرأة بشهادة رجلين في القضايا المتعلقة بالنساء : كالشهادة على المولود والرضاعة عند بعض العلماء . فهذا توزيع وظيفي . 

أما توثيق الأخبار فالرجل والمرأة سواء في نقل الشريعة ، فلا يشترط في الحديث الذي ترويه امرأة أن تكون معها أخرى ، بل هي والرجل على قدم المساواة ، مع أن أهل صناعة الحديث حكموا بأن كل النساء اللواتي روين الحديث صادقات ، فلم تجرح امرأة واحدة ، بينما جرح عدد كثير من رواة الحديث للرجال ؛ فقد نص الذهبي على أنه لا يوجد في النساء متروكة ولا من اتهمت لاسيما في التابعيات .

والنساء كُنّ يخرجن في الغزو مع النبي – صلى الله عليه وسلم – يداوين الجراح ، وربما شاركن في القتال ، والنبي – صلى الله عليه وسلم – راضٍ عن ذلك . 

وفي حديث أم حرام بنت ملحان في صحيح البخاري طلت دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم – لتذهب في غزو البحر فدعا لها بذلك ، وفي حديث أنس في غزوة أحد : رأيت عائشة ونسيبة – رضي الله عنهما – وإنهما لمشمرتان ، أرى خدم سوقهما تنزان القرب على متونهما ، ويقذفانها في أفواه القوم . 

وفي حديث الربيع بنت معوذ قالت : ” كنا نغزو مع النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فكنا نسقي القوم ونخدمهم – وفي رواية : ونداوي الجرحى – ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة ” ( رواه البخاري ) . 

وقد شاركت نسيبة في القتال يوم أحد كما هو معروف ، وهكذا كانت خولة بنت الأزور في الفتوحات الإسلامية . 

وفي أبي داود بسند حسن أن أم ورقة بنت عبد الله استأذنت النبي – صلى الله عليه وسلم – أن تتخذ في دارها مؤذنا ، فأذن لها وأمرها أن تؤم أهل دارها . وأخذ من هذا الحديث جواز إمامة المرأة أهل دارها ، وإن كان فيهم الرجل ، وذهب إلى جواز ذلك أبو ثور والمزني والطبري خلافاً لجمهور العلماء ، وعن بعض أصحاب أحمد تؤم في النافلة وتتأخر . 

فيجب أن ننظر إلى مبدأ ” المرأة حبيسة البيت ” بأنه مبدأ غير صحيح في الإسلام ، وقد تخرّج من المدرسة النبوية عالماً شاعرات ومجاهدات . 

وقد أعطى الإسلام للمرأة حق تربية الولد ، وهو ما يسمى الحضانة في الفقه ، وهي وظيفة لا يشاركها فيها الرجل إلا نادراً . 

وكانت وظيفة التعليم والتدريس من أهم الوظائف التي قامت بها المرأة في الصدر الأول من الإسلام ، كما كانت النساء مسؤولات حسبة في الصدر الأول ، فيحدثنا أبو عمر بن عبد البر عن أسماء بنت نهيك الأسدية أنها أدركت النبي -صلى الله عليه وسلم – وعمّرت ، وكانت تدور في الأسواق تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وبيدها عصا . 

كما يذكر القرافي في الذخيرة أن أم سليمان كانت تقوم بولاية السوق في عهد الصحابة – رضي الله عنهم – . 

وقد أختلف العلماء في توليها للقضاء ، فذهب الجمهور إلى أنها لا تتولى القضاء ؛ لأن القضاء يستدعي خبرة لا تتم إلا بالخلطة بالناس . 

وذهب أبو حنيفة إلى إمضاء قضائها في كل القضايا : كالأحوال الشخصية ، والمعاملات من بيوع وإجارات وغيرها ، إلا أنها لا تتولى الحدود والقصاص ، وأجاز الإمام ابن جرير الطبري أن تتولى كل شيء . 

واختلف العلماء في تزكيتها للشهود ، والذي يقيس عليه البعض انتخابها للمرشح ، فذهب الأحناف إلى أنها إذا كانت امرأة تخالط الناس فيمكن أن تزكي الشهود ، وهكذا نرى المرأة في صدر الإسلام في كل مكان في الغزو وفي المسجد وفي التعليم والتعلم مع صيانة الأخلاق وطهارة العلاقة . 

ومن القضايا المطروحة في هذا الزمان انتخابها كنائبة ورئيسة حكومة أو دولة ، وهو أمر يدخل تحت قول الخليفة عمر بن عبد العزيز – رضي الله عنه – : ” تحدث للناس أقضية بحسب ما أحدثوا من فجور ” . 

ويقول الحافظ ابن رشد في فتاواه ما معناه : ” إن لله أحكاماً تنشأ عن أسباب لم تكن موجود في الصدر الأول ، فإذا وجدت هذه الأسباب ترتبت عليها مسبباتها ” .

والأصل ألا تتولى المرأة وظيفة الإمامة الكبرى إذا كانت الرئاسة إمامة كبرى على حد قول ابن حزم : “ تتولى كل شيء إلا الخلافة ” . 

وإذا أوصلت لعبة الانتخابات في بلد ما أو بيئة ما امرأة إلى هذا المنصب فإن قاعدة ” درء المفسدة ” تقتضي إقرارها خلافاً لابن عابدين في الحاشية ؛ إذ يقول : ” إنها لا تقر على الإمامة ” . ونسب من يقول بإقرارها عليها بالجهل . 

ولكن نقول : إن اختيارها لهذه الوظيفة لا يجوز في الأصل لأسباب شرعية ونفسية ؛ ولكن إذا وقع وكان خلعها سيؤدي إلى دماء فالأولى القبول ، ومعالجة الأمر بالحكمة حتى تزيحها رياح الانتخابات . 

ومن هنا ندرك أن الإسلام كان ثورة تاريخية في حقوق المرأة ، وأن حقوقها مكافئة لحقوق الرجل ، وأن المنهج المتوزان الذي سنَّه الدين يلائم طبيعة الأشياء ، وهو يتلخص في الكرامة الإنسانية والتوزيع الوظيفي للأدوار والحقوق والأعباء ، وأن الفطرة السليمة تفرض الاعتراف بأن ما جاء في الإسلام هو الملائم لوظائف المرأة الخلقية ، وهو الذي يصون كرامتها ويحمي أنوثتها ويجنب المجتمع خطر التفكك الأسري ، والتحلل الأخلاقي مصدر كثير من الأمراض النفسية والجسدية التي لا تزال تكشف مع الزمن . 

فعلى المسلمين أن يقدموا موضوع حقوق المرأة بصياغة واضحة تساعد المجتمعات الإسلامية ، بل والمجتمعات الإنسانية .

وقد حاولت منظمة المؤتمر الإسلامي التي أوصلت بعقد ندوة لدراسة موضوع المرأة ، وقد عقدت هذه الندوة تحت عنوان “ دور المرأة في تنمية المجتمع الإنساني ” ، وأصدرت بياناً حددت فيه الخطوط الكبرى لخطة إدماج المرأة في التنمية ، وقد عدلته لجنة الفتوى في المجتمع الفقهي الإسلامي التابع للمنظمة بعد إحالته عليها من طرف وزراء خارجية الدول الإسلامية ، إلا أن مجمع الفقه لم يستطع الموافقة على هذا النص لاختلاف أعضائه ، وسننشر بيان الدورة وتوصياته وتعديل لجنة الفتوى في الملحق . 

 

وبالجملة : فإن حقوق المرأة مصونة ، ومبدأ قوامة الرجل نص قرآني لا غبار عليه : ” الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض ” ، والقوامة إنما هي لصالح النساء قبل كل شيء ، ولصالح البيت والأسرة ؛ حيث يقوم الرجل بواجب النفقة ؛ لأن المرأة لها مسؤوليات في البيت و واجبات ، ولقد طرح النساء في الغرب مسألة أجرة العمل المنزلي ، والإسلام يسمو بالعلاقة الزوجية أن تقدم على أساس استئجار ، وإنما هي تعاون . 

 

ولا تعني القوامة استبداداً ولا تحكماً ولا ظلماً واضطهاداً ، فإذا كان في كل خمسة أيام يقتل إسباني زوجته فإن الإسلام يشيع روح التعاون والتشاور بينهما في شؤون البيت بنص القرآن حتى في فطام ولديهما فقال تعالى : ” فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما ” ، فإذا اتفقا على فطام ولد فإن ذلك يكون بتراض من الزوجين وتشاور . 

ومن حيث الممارسة الفعلية في التاريخ فقد شهد العالم الإسلامي عالمات فقيهات ، ومحدثات ، ومدرسات ، وشاعرات ، ومحسنات كبيرات أنشأن أوقافاً وجامعات . 

إن الأنموذج الغربي هو أنموذج بائس ، وبحاجة إلى مراجعة على ضوء الفطرة الإنسانية في غياب الدين الإلهي عن حياة الغربيين ، ولعل أكبر مشكلة يواجهها العالم الإسلامي هي كيف يدمج المرأة في التنمية دون أن تمر بسبيل المرأة الغربية الوخيم النتائج ؟ 

 

 

المرجع : حوار عن بعد حول حقوق الإنسان في الإسلام 

لـ معالي الشيخ : عبد الله بن الشيخ المحفوظ بن بيه 

ص : 49-59 . 

العبيكان / الرياض 

 

الرقابة الشرعية

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه

 

                               ورقة معالي الشيخ عبدالله بن بيـّه

 

“الرقابة الشرعية”

 

أيها السادة الكرام

ها هو التشريع الإسلامي وبخاصة في مجال المعاملات المالية يتقدم اليوم للوساطة بين الغرب والعالم الإسلامي، لقد كانت الرياضيات مع الخوارزمي والفلسفة الإسلامية –ويجوز أن أقول اليونانية بأيد إسلامية- مع ابن رشد تقوم بالوساطة بين العالمين وبين عدوتي البحر الأبيض المتوسط، ولعل ابن رشد يحيا مرة أخرى مع كتابه البديع والذي يعتبر فقها مقارناً في التشريع الإسلامي وبخاصة في الأبواب التي خصصها للمعاملات المالية والذي بدأه بأنواع الخلل الشرعي الذي يعتري العقود حيث قسمها إلى خمسة في تقنين رائع يستمد من نصوص الكتاب والسنة ومن نتائج العقول والتجارب ومراعاة مصالح الناس.   

 

وهنا قد يكون من المناسب أن أقول كلمة عن الشريعة الإسلامية، التي يمكن أن توصف بأنها: سلسلة من القواعد والضوابط والمبادئ والأحكام التفصيلية مغطية الأخلاق والسلوك والمعاملات في كل أبعادها، فكانت إيماناً وعبادات مقرونة بالعمل الصالح مما جعل القيم أساساً لقوانين المعاملات، والتكافل والتضامن أساس العلاقات الإنسانية.  

 

ولهذا فإن الفقه الإسلامي الذي يعتمد على نصوص ومبادئ من الوحي: الكتاب والسنة ويعتمد كذلك على الاجتهاد البشري –على مر القرون- مستعملا أفضل الوسائل لتفسير النصوص وليس تفسيرا هيرمينوطيقياً للكتب المقدسة بالوسائل اللغوية والألسنية، وإنما هو تعامل بالوسائل الأرسطية المعقدة أحيانا من خلال القياس الاقتراني Déduction     والاستقراء Induction     والقياس التمثيلي Analogie   .وكل الأدوات العقلية.  فقد أدمج الفقهاء في القرن الثامن الميلادي الموروث اليوناني بأصول الفقه وكان للجدليات الفلسفة مكانها واعتبار مصالح العباد واعراف الأقوام وعوامل الجغرافيا مما جعل الفقه يصل إلى مدونات تمثل جهدا قانونياً رائعاً، وأوجد موسوعة محكمة مختلفة اختلاف المذاهب؛ لكن أصولها ترجع إلى المبادئ والقيم الدينية والخلقية بدون إهمال لضرورات الحياة وحاجات الناس.

 

إن التشريع الإسلامي بوضوح مبادئه وصرامة معاملاته وانفتاحه ومرونته في نفس الوقت ،، يوفر رديفاً ينافس منافسة جيدة الاقتصاد الوضعي لأنه يتكامل معه. ومن تلك المنطلقات تنطلق الرقابة الشرعية التي يمكن أن ينظر إليها من خلال ثلاث مراحل أو في ثلاث مستويات:

يمكن أن يعبر عنها برقابة قبلية سابقة، ورقابة مرافقة، ورقابة لاحقة.

  

أهداف الرقابة هي:

 

 أولا: المحافظة على التزام المصارف والهيئات بأحكام الشريعة طبقا الخيارات المعتمدة لدى تلك الجهات.

ثانياً: اشعار المتعاملين بأن معاملاتهم شرعية كسباً لثقتهم بالمؤسسة.

ثالثاً: إيجاد وسائل ترفع عن المؤسسة الحرج في استعمال أدوات الاستثمار وخلق منتجات جديدة.

الرقابة تعتمد اللوائح والنظم التي تحكم المؤسسة، وتشترك في وضع سياسات المؤسسة.

وليست هذه الهيئات اختيارية أو ترفاً فإن المؤسسات التي تنص قوانيها على الالتزام بالشريعة لا بد أن تعتمد على مرجعية شرعية سواء سميناها رقابة أو فتوى لتجسيد هذا الالتزام.

يجب أن أنبه هنا إلى أن عمل هيئة الرقابة القبلية الذي قد يبدأ في طور إنشاء المؤسسة مهمة دقيقة؛ فعند المبادرة بإنشاء مؤسسة فإن القائمين عليها يفكرون في البحث عن هيئة شرعية ليس فقط لمساعدتهم في إبراز المؤسسة طبقاً للمواصفات الشرعية ولكن أيضا لجذب العديد من المساهمين المحتملين للانضمام إليهم؛ ولهذا فهم يعمدون إلى أسماء فقهاء لهم شهرة في الاستشارات المالية ليعرض عليهم كتابة أسمائهم على ورقة التأسيس وقد يكون هؤلاء ممن تتكرر أسماؤهم في عشرات البنوك والمؤسسات.

وعمليا يتقدم المؤسسون بنماذج لتكون أساس العمل لمؤسسات سابقة وأحياناً نماذج لمؤسسات تقليدية لا صلة لها بالمالية الإسلامية وهنا يبدأ التفاوض مع الهيئة الرقابية وفي الهيئة نفسها حول ما هو مقبول وما ليس بمقبول وحول الشروط التي ينبغي أن تضاف.

وهكذا تبدأ مهمة هيئة الرقابة أو هيئة الإفتاء حسب المسمى الذي يصطلح عليه لترافق المؤسسة حيث تقدم لها شهادة بحسن السلوك وهي نفس الشهادة التي تصدرها في نهاية كل سنة مالية من خلال تقرير سنوي قد يكون مختصرا لكن هذا التقرير الذي يعرض على مجلس إدارة المؤسسة يعتبر ضرورة لتأكيد محافظة المؤسسة على اختياراتها وعدم إخلالها بالتزاماتها الشرعية، فهي تشبه إلى حد ما تقرير محكمة الحسابات الذي تصادق فيه على حسابات خزينة الدولة.

       

هيئات الرقابة :

 

1 – هيئة الفتوى والرقابة الشرعية : وهي التي تقوم بالإفتاء والإجابة عن الاستفسارات التي ترد إلى الهيئة من قبل كافة الجهات التابعة للمؤسسة المالية. كما تعنى بالنظر في أعمال المؤسسة وأنشطتها المالية المختلفة وإصدار الرأي الشرعي حيالها، والنظر في العقود وصيغ الاستثمار والمنتجات المالية التي تعلن عنها تلك المؤسسة.

 

2 – الرقابة الشرعية الداخلية : حسب مفاهيم الرقابة الحديثة فإن الرقابة الشرعية الداخلية تعني أساسا نظام الرقابة الشرعي، وليس الجهاز الإداري أيا كان مستواه قسم أو وحدة إدارية. والمسؤول على وضع هذا النظام هي المؤسسة المالية في المعايير والضوابط التي تعتمدها الهيئة الشرعية. أما ما يمثل جهازا إداريا، وحدة أو قسما ضمن الهيكل التنظيمي للمؤسسة فهي المراجعة الشرعية التي تعتبر أحد مكونات الرقابة الشرعية الداخلية.

ويقصد بالرقابة الشرعية الداخلية في هذه الحالة جهاز يتبع إدارة البنك ويتولى مهمة تطبيق توجيهات هيئة الفتوى والرقابة الشرعية ومتابعة تنفيذ قراراتها وفحص العقود والاتفاقيات والتعهدات التي تنفذها المؤسسة مع عملائها من خلال دليل إجراءات يتم إعداده بالتنسيق مع الجهات ذات العلاقة في البنك وتصادق عليه الهيئة الشرعية.

 

3-الهيئة العليا للرقابة الشرعية : وهي جهة شرعية عليا تتبع غالباً البنك المركزي وتقوم بالإشراف على المصارف الإسلامية على مستوى الدولة بالتنسيق مع هيئات الرقابة الشرعية لكل مصرف.

وهناك شكل جديد من الرقابة الشرعية للبنوك الإسلامية بدأ في الظهور وهو ينمو شيئا فشيئا وهو ما يعرف بشركات الاستشارات والرقابة الشرعية الخاصة المستقلة عن المؤسسات المالية وعن الجهاز المصرفي الحكومي، وهي شركات لا تزال في خطواتها الأولى، وتعود في نشأتها إلى الخمس سنوات الأخيرة، وتتركز بشكل كبير في منطقة الخليج.

وعلينا أن ننبه على قيام اختلافات فقهية لم يتم تجاوزها على الرغم من ندوات عديدة أسفرت عن جملة غير قليلة من المعايير وبخاصة في البحرين وماليزيا؛ إلا أنه لا يختلف في الموجهات الكبرى المتمثلة في التالي:

 

المعيار الأول : يجب أن لا تحتوى الأنشطة الأساسية للشركة على الربا -بمعنى الفوائد الناشئة عن ودائع أو عن اقراض نقود يؤدي إلى أن تلد نقود نقوداً دون توسيط سلع أو مواد أخرى-، فيحترز بهذا المعيار من كل ما يجري في المؤسسات المالية التقليدية من أنشطة ربوية كالمصارف التجارية، والشركات المالية.

 

المعيار الثاني : أن لا تتعامل الشركة بالقمار في أنشطتها التجارية الأساسية.

 

المعيار الثالث : يجب أن تكون الأنشطة الرئيسية للشركة لا علاقة لها بالأمور التالية:

1-     إنتاج الخمور وتسويقها أو المخدارت.

2-     توزيع الأطعمة المحرمة شرعاً كالخنزير أو المضرة بالصحة.

3-     تقديم خدمات غير مشروعة مثل إنشاء أو إدارة الأماكن غير الأخلاقية.

 

المعيار الرابع : أن لا تحتوي الأنشطة التجارية الأساسية للشركة على الغرر الفاحش مثل عقود التأمينات غير التعاونية، وبيع الديون النقدية، ونقل ملكية سلع غير مملوكة للمتعامل لا يمكن تسليمها.

 

وبصفة عامة يراعي في المعاملات مبدأ الشفافية وأن الغنم بالغرم والاشتراك في الربح والخسارة.

 

وانطلاقاً من هذه المبادئ تقترح المصرفية الإسلامية جملة من المنتجات المربحة بعناوين: “المشاركة” “المضاربة” “الاستصناع” “الإجارة” “المرابحة” “السلم”. إنها تقترح آليات للتمويل غير تقليدية وربما تكون معقدة بعض الشيء في البداية وربما تنظر إليها بأنها قديمة ولا تتلائم مع حركة ودينامكية الاقتصاد المعاصر وهو انتقاد مفهوم إلا أنها تمثل ملجأ فيه شيء من الأمان لرأس المال الذي لا يربح دائماً في المخاطرة لأنها تعتمد على الاقتصاد الحقيقي ووراءها سيولة نقدية معتبرة؛ ولأنها قد تمثل نوعاً من الكوابح اعترف بعض الخبراء بضرورته لسرعة مذهلة في خلق أوراق مالية بدون أساس في ظل رقابة مسترخية لتسير بالمالية إلى أفق مجهول.

 

وباختصار:  إن تجربة المالية الإسلامية تستحق أن نعيشها وأن تعيشها فرنسا لتلحق بالذين سبقوها أو تسبقهم.                     

ولعلنا نسمح لأنفسنا بأن نطمع بشراكة حقيقية في العلاقة الجديدة وأن لا تكون فقاعة تغوص في رمال الصحراء عندما تشح الآبار النفطية على الخليج العربي أو تذوب السيولة في الغرب مع جليد جبال البيرينيه عندما تسطع شمس الربيع بل شراكة باقية لتبادل التكنولوجيا والسلع الأخرى والتبادل الثقافي والبشري الدافئ على ضفاف البحيرة الخالدة البحر الأبيض المتوسط.

ولهذا فإنا ندعو الدارسين الغربيين والفرنسيين أن يثروا موضوع المالية الإسلامية بأبحاثهم وتفكيرهم وأن يبذلوا أقصى جهد مع فقهاء الشريعة لصياغة أنظمة المؤسسات الإسلامية صياغة حديثة تتماشى مع أحدث النظم لتطوير أدائها ورفع كفاءتها.

لأنها تعتمد أفضل التقنيات للمعلومات والإدارة والمحاسبة حتى تكون بحق مؤسسات معاصرة وأداة للاستثمار لمصلحة الجميع على أن لا يؤدي ذلك لفقدان هويتها وخصائصها.

 

وأخيراً:  فإن الاقتصاد الإسلامي يمكن أن يكون رافعة لانهاض الاقتصاد العالمي ومحفزا يسهم في “إعادة تشكيل الاقتصاد الرأسمالي” حسب دعوة الرئيس الفرنسي ساركوزي. إن ذلك يرجع إلى مجهود الجميع.       

 

أشكركم

 

 


 

شرح بعض المصطلحات :

1- المشاركة: تعني مشاركة المودع للبنك في الربح مما يعني أن البنك سيكون مشاركاً للمستثمر الذي سيحصل على النقود من البنك لتنفيذ مشروع.

2-   المضاربة: علاقة بين المتاجر في المال وصاحب المال حيث يتشاركا في الربح.

3-   الاستصناع: عقد مع جهة صناعية لصناعة منتج معين.

4-   الإجارة: عقد على منافع عقارية أو منقولة

5-   المرابحة: بيع  يكون غالباً في مقابل في مقابل أجل

6-   السلم: ثمن عاجل في سلعة مؤجلة.