ارشيف ل February, 2009

حلقة من برنامج ” إضاءات” في قناة العربية

 

 

 

تركي الدخيل: أيها الإخوة والأخوات، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، حياكم الله في حلقة جديدة من برنامجكم الأسبوعي إضاءات، ضيفنا اليوم أيها الإخوة هو الشيخ عبد الله بن بيه، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ووزير العدل الموريتاني السابق.

الشيخ عبد الله بن بيه: الله يحييك ويبارك فيك

 

يجب تحديد تعريف واضح للإرهاب

تركي الدخيل: شيخ عبد الله سنبدأ من يعني رحلتكم التي قمتم بها إلى كندا في الآونة الأخيرة قبل بضعة أسابيع أو قبل الحج تحديداً، كانت كما هي معظم زيارات العلماء المسلمين للغرب، الموضوع الرئيسي يكون عن الإرهاب، تحدثت في أكثر من مكان عن الإرهاب بل أنك قدمت أكثر من ورقة عمل عن الإرهاب، قلت في أحد أوراق العمل بأنك ترى وجوب أو ضرورة تحديد دقيق لمصطلح الإرهاب، وسؤالي من الذي يجب أن يحدد هذا المصطلح، وإلى أين تتجه أنت في تحديد هذا المصطلح؟

الشيخ عبد الله بن بيه: الحمد لله رب العالمين، اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً، دعني أخي الأستاذ تركي أن أسلم عليك وأقول السلام عليكم ورحمة الله.

تركي الدخيل: وعليكم السلام.

الشيخ عبد الله بن بيه: وأن أشكرك على توجه الدعوة لي في هذا البرنامج الشيق الذي أصبح مشاهداً في كثير من أقطار العالم الإسلامي، بالنسبة لموضوع الإرهاب وبالنسبة لتحركاتي الآن أو الرحلات التي من خلالها نتحدث إلى كثير من الفعاليات في العالم الغربي، تارة تكون فعاليات دينية تارة فعاليات ثقافية، تارة فعاليات صحفية، تارة يكون حديثنا أيضاً للجمعيات والتجمعات المسلمة في تلك الديار، الإرهاب لا شك هو حديث الساعة، وكثير من الغربيين يطرحون الأسئلة أسئلة تتعلق بالإرهاب تتعلق بأشخاص الإرهابيين بمفهوم الإرهاب، بالجهود التي قام بها العلماء في هذا الموضوع، وأتيح لنا أن نتحدث عن مفهوم الإرهاب كثيراً، ومفهوم الإرهاب هو مفهوم يُطلب تحديده ليس من قبلنا فقط وإنما من قبل العالم الغربي أيضاً، فهذا الأمين العام للأمم المتحدة قبل أشهر في اجتماع بإسبانيا كان طلب بتحديد مفهوم الإرهاب، لأن بعض الدول وأنت على علم بذلك لا تريد تعريف الإرهاب، تريد أن يظل الأمر عائماً وأن يكون الإرهاب هو من ليس معنا فهو إرهابي..

تركي الدخيل: فهو ضدنا وهو إرهابي.

الشيخ عبد الله بن بيه: فهذا المفهوم العائم أدخل شغباً وحيرة على الناس وأيضاً..

تركي الدخيل: بس يا شيخ هذا يعني إنك أنت ما عندك مشكلة أن يساهم العالم الآخر الغرب غير المسلمين في تعريف الإرهاب.

الشيخ عبد الله بن بيه: وهو كذلك..

تركي الدخيل: يعني هناك من يقول.

الشيخ عبد الله بن بيه: وقلت هذا في محاضرتي في منظمة المؤتمر الإسلامي.

تركي الدخيل: ولكن هناك من يقول يا شيخ عبد الله بأن الإرهاب أو التعريفات يضعها المنتصر دائماً، فهل تُقرّ أنت بهذه القاعدة الاجتماعية؟

الشيخ عبد الله بن بيه:

أنا لا أظن ذلك، أو أن الجانب الخلقي الإرهاب هو قضية خلقية وقضية تتعلق بالأخلاق تتعلق بالإنسان، وبالتالي لا يمكن أن نترك هذه القضية لمنتصرين لا لمنتصر عليه، بل إن الجميع يجب أن يشتركوا لتقديم تعريف مقنع للعالم، ولهذا أنا أرى أن الإرهاب إلى الآن لم يُعرف تعريفاً كافياً، مع أن وزراء الداخلية وزراء العدل في الدول ووزراء الداخلية عرّفوا الإرهاب تعريفاً أيضاً جيداً، وبالإمكان أن يستفاد من هذا التعريف، لكني أعتبر أن الإسلام فيه جرائم تغطي هذا المفهوم كجريمة الحرابة، جريمة البغي، جريمة الإفساد في الأرض، لماذا لا نستغل الموروث الإسلامي للاستفادة منه في تعريف هذه الجرائم؟ لأنه أقرب إلى نفوسنا أقرب إلى تراثنا، أقرب أيضاً إلى المفاهيم التي يفهمها العامي، إذا قلت له إرهابي في العامي لا يعرف الإرهاب ما هو.

تركي الدخيل: بس تشكّل مفهوم الحين يا شيخ عبد الله، يعني لم يصبح أحد لا يعرف الإرهاب.

الشيخ عبد الله بن بيه: أنا معك أن المفهوم تشكل، ولكنه ما زال غائماً وعائماً، ما زال غائماً في أذهان الناس وعائماً في نفس الوقت.

تركي الدخيل: ولكن حتى يعني أنا أعتقد الإرهاب أوضح عند الناس العامة من الحرابة، أليس كذلك؟ لو تجي الواحد في الشارع تقول له تعرف الإرهاب ولا تعرف الحرابة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: ولكن بالنسبة لعلماء المسلمين، بالنسبة للمجامع الفقهية، نحن نعرف أن الحرابة هي مشتقة من الحرب، هي فعالة تدل على الاحتراب، على أن شخص يحترف الحرب، فهذا مفهوم قريب وأنه من يخيف الطريق ومن يقطع السبل على الناس ومن يزعج الناس في معايشهم وفي حركاتهم وبالتالي فمفهوم الحرابة يمكن أن نستفيد منه في تعريف الإرهاب، وأن نسمي الإرهاب تخريباً مثلاً، ونحو ذلك من المفاهيم.

تركي الدخيل: جميل، لكن أنت أشرت في أحد أيضاً المداخلات أو الأحاديث التي لك، قلت أود أن أحدد الدلالة اللفظية لهذا المصطلح أي مصطلح الإرهاب في الآيات القرآنية، وأشير إلى أن كلمة رهب وما اشتق منها من تعاريف وردت في القرآن في اثني عشر موضعاً كانت في معظمها تتعلق بالخوف والرهبة من الباري جلت قدرته، هناك من يقول أنكم أنتم أيها المسلمون دينكم يقوم على شيء من الإرهاب بدلالة أن حثكم على الجهاد قائم على الإرهاب، إرهاب العدو بدلالة النص الشرعي: “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم”.

الشيخ عبد الله بن بيه: هو أنا أشرت على هذه القضية، وأن ورود كلمة ترهبون به عدو الله هي فيما يسمى باستراتيجية إقناع الآخر، بمعنى ردع الآخر حتى لا تقع الحرب، وأن هذا العمل تقوم به دولة.

تركي الدخيل: الإرهاب مو بالإقناع يا شيخ.

الشيخ عبد الله بن بيه: ليس هذا إرهاباً، ليس هذا إرهاباً بالمعنى الحديث، وإنما معناه أن تُفهم الآخر أنك على استعداد لمواجهته إذا اعتدى عليك، وهذا ما يسمى بالردع.

تركي الدخيل: أنت قلت تقنعه قبل قليل، لا أستطيع أن أقنع واحد وأن سأحاربه.

الشيخ عبد الله بن بيه: لأ تقنعه بعدم الحرب، بعدم الدخول معك في الحرب.

تركي الدخيل: من خلال قوتي.

الشيخ عبد الله بن بيه: بمعنى أن تظهر له أن البديل قد يكون مأساوياً، وبالتالي لا يدخل معك في حرب، نحن عرفنا أن العالم الآن.. حتى في عصر النور كما يسمونه ما زالت القوة لها منطقها، وما زال القوي هو الذي يمكن أن يقدم براهين مقنعة.

تركي الدخيل: بدلالة تصريح الرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل فترة بأن الدولة التي ستتعرض بالإرهاب لفرنسا سأستخدم النووي معها.

الشيخ عبد الله بن بيه: هو تصريح أنا لم أفهمه في الحقيقة، هي فرنسا لن تعتدي.. والكلام ليس عن دولة وإنما عن إرهابيين، كيف يستعمل الأسلحة النووية بالنسبة لإرهاب لا أصل له ولا فصل، وبالتالي لا بطانة له ولا مكانة، هذا يعني تصريح لي عليه تحفظ على كل حال على الهامش.

تركي الدخيل: طيب يا شيخ، يعني هناك من يقول بأن الإسلاميين غير مبرئين من الإرهاب حتى من يدين الإرهاب حالياً، بدلالة أنهم عندما يتحدثون عن الإرهاب، الإرهاب الآن في عصرنا الحديث يعني لا يقوم به إلا من يستخدم نصوصاً شرعية ويعتقد بأن دافعه لهذا الإرهاب هو ديني كما نرى من القاعدة على سبيل المثال، لكن عندما يتحدث الإسلاميين عن الإرهاب يبدؤون كما قلت أنت فضيلتك مثلاً أنه مصطلح الإرهاب المتداول اليوم ينبغي البحث عن تعريفه انطلاقاً من مصدره الأصلي الغربي على وجه الخصوص، وأن مصطلح الإرهاب ظهر أول ما ظهر في ملحق الأكاديمية الفرنسية 1998، وقلت أيضاً أنه أول ما بدأ الإرهاب إنما بدأ عند اليهود، وأشرت إلى أنه أول حركة إرهابية في القرن الأول نظم اليهود حركة إرهابية لقتل من لا يؤمن بالتوراة وهي حركة “ترولوت” وهي موجودة في الموسوعات الغربية، هل هذا شكل من أشكال دفع التهمة عن..؟

الشيخ عبد الله بن بيه: لأ هو هذا بيان لحقائق، ولست أنا الذي أقول هذا، فدول عربية على أعلى المستويات تقول إن تعريف الإرهاب ليس كاملاً، وأن المقاومة يجب أن لا نخلطها المقاومة بالإرهاب، يجب أن لا نلبس الحق بالباطل، فأنا أقوله في سياق تعريف الإرهاب وفي سياق الكلام عن الإرهاب، كون الإسلاميين ليسوا مبرئين هذه ربما من التهم التي تقال.

تركي الدخيل: وكيف تجيب أنت عليها؟

الشيخ عبد الله بن بيه: ما معنى الإسلاميون أصلاً؟ الإسلاميون إذا كانوا من يعتنق الإسلام من يطلب تطبيق الشريعة، من يهتم بالقضايا الشرعية، أنا أعتقد أن هؤلاء ليسوا إرهابيين، يعني الإرهاب هو فكر وعمل، الفكر لا ينفصل عن العمل، هو من يدعو إلى العنف من يفكر بتكفير الآخرين.

تركي الدخيل: يعني لو جيت.

الشيخ عبد الله بن بيه: من يفكر بضرب الآخرين، ومن يقوم بذلك فعلاً، فهي جريمة لها عناصر الجريمة كاملة، أما.

تركي الدخيل: خلينا يا شيخ خلينا نطبق على حالة معينة، لو جينا على سبيل المثال إلى أسامة بن لادن الظواهري الزرقاوي، كل هؤلاء يريدون أن يطبقوا الشريعة أن يقيموا دولة الإسلام، أليس كذلك؟

الشيخ عبد الله بن بيه: هؤلاء يستعملون العنف طريقة لتطبيق الشرعية، يكفرون المجتمع، يدعون إلى ثورة على الحكومات.

تركي الدخيل: هل ترى أن بقية الإسلاميين الذين لا يكونون إرهابيين.

الشيخ عبد الله بن بيه: يجب أن نقول إنه فكر متميز أو مميز عن الفكر الإسلامي.

تركي الدخيل: مختلف.

الشيخ عبد الله بن بيه: كما هو عند جمهور المسلمين، لماذا يتهم المسلمون جميعاً بسبب ثلة قليلة ولو كانت أندى صوتاً؟ وهذا الاتهام.

تركي الدخيل: هل تعتقد أنها أندى صوتاً هذه الفئة التي تستخدم..؟

الشيخ عبد الله بن بيه: نعم قد تكون أندى صوتاً من خلالكم من خلال الصحافة، يعني الصحافة.

تركي الدخيل: هل قمتم أنتم هؤلاء قبل أن يظهروا هل لاحظتموهم؟ هل ضربتم على أيديهم؟ هل أسكتموهم؟ هل ناقشتوهم؟

الشيخ عبد الله بن بيه: أعتقد أن مهمة العالِم هو أن يقوم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى بالحسنى وبالموعظة الحسنة، وفي أنحاء العالم الإسلامي كثير من العلماء يقومون بهذا العمل، والعلماء على مستويات مختلفة قد يتفاوت العلماء في نشر الدعوة بهذه الطريقة، وقد يتفاوتون أيضاً في الفهم وقد يتفاوتون في معرفة أصول الشريعة وقواعدها ومقاصدها، هذا التفاوت موجود، لكنه لا يسمح أبداً أن نسميهم بالإرهابيين، لأن معرفة الشريعة هي المحاسن.

إذا محاسني التي أجيد بها كانت.. ذنوبي فقل لي كيف أعتذر  

يعني أنت تلزمنا بالاعتذار عن معرفة الشريعة عن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى هذا ليس صحيحاً وليس مقبولاً.

تركي الدخيل: لا يا شيخ لا أحد يلزمكم بالاعتذار، ولكن أقول ما هو الدور الذي قام به العلماء في التعاطي مع هذه الفئة التي باتت تشكل صورة للمسلمين في العالم للأسف الشديد؟

الشيخ عبد الله بن بيه: أنا معك أن هذه الفئة أو أن الأعمال التي تقوم بها هذه الفئة في مناطق كثيرة من العالم، والاعتداء على الأبرياء وقتل المدنيين، وتخريب المنشآت كل هذه الأعمال تشوه صورة الإسلام، وتشويه صورة الإسلام مخالف لمقاصد الشريعة، فيجب أن نحرص على تحسين صورة الإسلام، وأن نحرص على أن نخرج الإسلام كما هو نقياً صافياً يدعو بالحسنى إلى الله سبحانه وتعالى، العلماء قد يكونوا قد.. أنا أعترف معك أنهم قد قصروا في بعض الحالات، وفي بعض الحالات لم تتح لهم الفرصة أصلاً ليقوموا بهذا العمل، ولكنهم في ا لحالات الأخرى أيضاً قاموا بعملهم.

تركي الدخيل: كيف لم تتح لهم الفرصة يا شيخ؟

الشيخ عبد الله بن بيه: يعني المسألة لا تردها على العلماء فقط، هناك عناصر كبيرة تكّون الفكر الآن في الساحة، الصحافة دخلت على العلماء فهي تكون الفكر، وترفع لكل واحد راية وتقول دافع عن رايتك، فالصحافة الآن لها دور كبير يزاحم دور المرشدين ودور العلماء، ثم إن الجهات الرسمية في العالم الإسلامي أيضاً لها دورها ولها وظيفتها التي يجب أن تقوم بها في هذا المجال، هناك جهات كثيرة، ثم إن الغرب أيضاً وموقف بعض المتطرفين في الغرب وبعض المفكرين في الغرب أدى هو أيضاً إلى أوضاع قد شجعت الإرهاب، وقد حفزت كانت حافزاً للإرهاب، ثم إن الفقر المدقع والبطالة وموكب البطالة وموكب الفقر هو أيضاً قد يكون من العوامل المحفزة، وإن كان العامل الفكري.

تركي الدخيل: هو الرئيسي.

الشيخ عبد الله بن بيه: هو الأساس وهو العامل الرئيس في قضية الإرهاب، وهو الذي يجب على العلماء الحقيقة أن يعالجوه معالجة شديدة.

تركي الدخيل: جميل، سنعود لمناقشة هذه التفاصيل التي تحدثت إليها بعد فاصل قصير شيخ عبد الله، أيها الإخوة فاصل قصير نعود بعده لمواصلة حوارنا في إضاءات مع الشيخ عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني السابق فابقوا معنا.

تركي الدخيل: أيها الإخوة والأخوات حياكم الله مجدداً في إضاءات، لا يزال حوارنا هذه الحلقة مع الشيخ عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني السابق، شيخ عبد الله قبل قليل كنت تتحدث عن العوامل التي تصنع الإرهاب، تحدثت عن عوامل كثيرة قلت أن العامل الفكري هو العامل الرئيس فيها، وأشرت في إحدى الكلمات إلى أن الثقافة المأزومة في العالم العربي هي أحد روافد صناعة الإرهاب، ماذا تقصدون بالثقافة المأزومة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: هو أقصد بالثقافة هو مجموعة الأفكار ومنظومة الأفكار التي تؤثر على الإنسان في سلوكه، والتي هي أساس السلوك بالنسبة للإنسان، وهذه الثقافة المأزومة هي ثقافة ضيقة الأفق، ضيقة العطاء، تضيق ذرعاً بالآخر، هي ثقافة تحمل التكفير، وتحمل الجهاد على غير محمله، وتضعه في غير موضعه، وهي ثقافة أيضاً تفسر الولاء والبراء تفسيراً فيه شطط وفيه غلو، هي ثقافة الغلو، هي ثقافة التعصب، هي ثقافة عدم الاعتراف بالخلاف، كل هذه العناصر أو هذه ..

تركي الدخيل: ما الذي يصنع الثقافة المأزومة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: نعم؟

تركي الدخيل: ما الذي يصنع الثقافة المأزومة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: يصنعها الفكر المأزوم، تصنعها الأدوات المأزومة، الثقافة المأزومة هي ثقافة تنشأ عند الفرد من خلال دراسته من خلال رؤيته للآخر، من خلال المراحل التي مر بها هذا الشخص، من خلال الكتب التي يقرأها، من خلال المشايخ الذين يرتقي بهم، من خلال الجامعات التي يدرس بها، من خلال الإعلام الذي يتلقاه ويتلقف منه، من خلال أيضاً رؤيته للآخر، من خلال المظالم التي ينزلها الآخر به، هذه المظالم هي أساس من أسس هذه الثقافة المأزومة، لأن المظالم يعني هنا كلمة لعمرو بن عبد العزيز جميلة جداً، وقد أرسل إليه أحد الولاة بأن الناس خرجوا أي ثاروا، فقال له: أطفئ ثائرتهم بالعدل، العدل من شأنه أن يطفئ هذه النائرة أو هذه الثائرة، فأنا أعتقد أنه يوجد الآن خلل كبير أخلاقي في العالم، هذا الخلل فيه ظلم وفيه اضطهاد وفيه اعتداء، والظلم والاضطهاد والاعتداء يعتبر عاملاً ورافداً من روافد هذه الثقافة التي تكونت عند مجموعة من الشباب.

تركي الدخيل: والتي تساهم في صناعة الإرهاب بطبيعة الحال.

الشيخ عبد الله بن بيه: نعم؟

تركي الدخيل: والتي تساهم..

الشيخ عبد الله بن بيه: تساهم في صناعة الإرهاب.

تركي الدخيل: جميل، شيخ عبد الله أنت قلت في حديثك عن تحديد مصطلح الإرهاب إنه يجب أن يكون هذا التحديد الدقيق للمصطلح يتلاءم مع البنية العقدية للأمة، وينطلق من أرضية فقهها وتراثها الخاص حتى لا يختلط الإرهاب بالجهاد، ولا تختلط المقاومة المشروعة بمحاربة المحتل، وأشرت إلى تعزيز التسامح ونشر الفكر الوسط والحوار واحترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره إثراء وانسجاماً وليس تبايناً وصداماً، أولاً شيخ عبد الله كيف يمكن أن نفرق بين الجهاد وبين الإرهاب؟ يعني عندنا حالة على الأرض في العراق على سبيل المثال.

الشيخ عبد الله بن بيه: أخي تركي الجهاد هو ذروة سنام الإسلام، والجهاد هو بذل الجهد مأخوذ من بذل الجهد، الجهاد قد يكون جهاد النفس، قد يكون جهاداً لخدمة العامة في خدمة المصالح العامة، ففيهما فجاهد في خدمة الوالدين..

تركي الدخيل: يعني أنا كموظف لو كنت موظف في دائرة عامة هل يُعتبر عملي جهاداً؟
الشيخ عبد الله بن بيه: نعم هو كذلك هذا جهاد، الجهاد معناه واسع جداً، الجهاد الأكبر هو جهاد في كل مناحي الحياة، هو فعل الخير، وشيخ الإسلام ابن تيمية يُعرف الجهاد بأنه كل الأفعال التي ترمي إلى الخير، ويذكر القتال فقط كفرد من أفراد الجهاد، فالقتال المسلح هذا القتال المسلح له ضوابطه، أولاً القتال من تعلنه؟ تعلنه دولة على دولة، مفاهيم الحرب الموجودة في الأمم المتحدة في ميثاق الأمم المتحدة هي قريبة جداً من مفاهيم الإسلام في الجهاد، في ميثاق الأمم المتحدة الذي لا يطبقه الناس، أنا أعترف..

يجب التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة

تركي الدخيل: هذه نقطة مهمة شيخ عبد الله، أنت سئلت عن كيف نميز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة؟ فقلت في رأيي أن التغلب على هذه المعضلة يكمن في الإحالة على الشرعية الدولية والأخلاقية، وأشرت قبل قليل إلى ميثاق الأمم المتحدة، كيف تريد أن تقنع بهذا الكلام الذي تقوله وسأقبله منك، كيف تريد أن تقنع مجاهدين أو إرهابيين سمهم ما شئت هم أساساً جزء من ثورتهم على النظام العالمي، يعتقدون إن التحاكم إلى منظمة الأمم تحاكم إلى الطاغوت..

الشيخ عبد الله بن بيه: أنا سأعطيك مثالاً.

تركي الدخيل: ألم تقرأ هذا في أدبياتهم يا شيخ؟

الشيخ عبد الله بن بيه: قرأته في أدبياتهم، لكن أنا أعتبر أنه.. أنا أعتقد الذي جرهم إلى أن يتحدثوا هذا الحديث طبعاً قد يكون دوافع ايديولوجية أو دوافع فكرية منحرفة، لكنه أيضاً من جهة أخرى هو أن هذه الحقوق التي قامت عليها الأمم المتحدة..

تركي الدخيل: لم تطبق.

الشيخ عبد الله بن بيه: لم تطبق، يعني الأمم المتحدة تعترف بوجود وطن للفلسطينيين، تعترف بوجوب دولة فلسطينية، بوجوب إعطاء حقوق للفلسطينيين لكن لم تقدم لهم الأدوات للحصول على هذه الحقوق، ماذا تسمي هذا؟ تعترف بأن العراق كان محتلاً، لكن الأمم المتحدة كيف تطبق عملياً ميدانياً هذه الأفكار النبيلة التي ترتقي مع الفكر الإسلامي؟ كيف تطبقها في الواقع؟ المادة 51 مثلاً من ميثاق الأمم المتحدة تحدثت عن هذه.. عن قضية الحرب والحرب التي يمكن أن نسميها عادلة وهي حرب رد عدوان، (قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدي)، (وما لكم لا تقاتلون في سبيل والمستضعفين) في سبيل المستضعفين الذين اعتدى عليهم، (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله)

تركي الدخيل: يعني معناته عدم تطبيق قرارات الأمم المتحدة مفروض يساهم في وجود إرهابيين….
الشيخ عبد الله بن بيه: وهو كذلك..

تركي الدخيل: لماذا لم يتحوّل عبد الله بن بية مثلاً وهو عالم إلى إرهابي لأن قرارات الأمم المتحدة لم تطبق؟

الشيخ عبد الله بن بيه: هو لا تفترض أني سأتحول إلى إرهابي، لكن أنا كشخص يجب أن ننظر إلى البانوراما كاملة، المشهد كامل سواءً مشهد أولئك الذين يقاتلون، أو أولئك الذين يقاومون أو أولئك الإرهابيون الذين خرجوا عن كل شرعية، وأيضاً مشهد قوانين الأمم المتحدة ومواثيق الأمم المتحدة التي لا تطبق..

تركي الدخيل: لأنو يا طويل العمر في أحد خطابات أسامة بن لادن تحدث عن هذه النقطة، وقال بأن لن تكون الأمم المتحدة هي الحل الذي يأتي لنا بخقوقنا أو كلام في نحو هذا المعنى، وإنما الحل أن نأتي بخقوقنا بأيدينا.

الشيخ عبد الله بن بيه: هو في الحقيقة أرجوا أن لا تعتبر أني معلقاً على خطابات أسامة بن لادن ولا غيره..

تركي الدخيل: لأ أنا أريد أن يعني أن نتناول الحل..

الشيخ عبد الله بن بيه: أنتم في الصحافة يمكن أن تعلقوا على هذا..

تركي الدخيل: أنا لا أريد أن تكون معلقاً أنا أريد أستوضح كونك عالم يعني..
الشيخ عبد الله بن بيه: أفكاري واضحة ومكتوبة وبالتالي لا أجدني أبداً مسؤولاً عما يقوله أسامة بن لادن، لا أجدني مسؤولاً عن أي شيء يقوله شخص آخر، أنا مسؤول عن ما أقوله أنا..
تركي الدخيل: لأ هذا شكل من أشكال الرؤية البانورامية يا شيخ..

الشيخ عبد الله بن بيه: البانورامية نحن نأخذ منها الأساسيات التي نرى أنها بناءة، والتي يمكن أن تبني سلاماً في العالم، وأن نكون كرجال إطفاء، نحن قلنا للغربيين نحن نريد أن نكون إطفائيين مع المسيحيين، لما اجتمعنا معهم بعد 11سبتمبر في روما قبل الحرب قلنا لهم نريد أن نكون إطفائيين، أن نطفئ هذه الفتنة التي تدور، ويجب أن لا نسمح للحرب ولغريزة الحرب ولمطامع الحروب أن تنتشر في العالم، فهذا هو.. هذه مهمتنا..

تركي الدخيل: حتى لو كانت جهاداً؟

الشيخ عبد الله بن بيه: حتى ولو كان.. جهاداً لماذا جهاد، الجهاد له أسبابه وله شروطه وله ضوابطه..
تركي الدخيل: ولا تعتقد أن هناك جهاد الآن يستحق أن يكون في العالم اليوم.

الشيخ عبد الله بن بيه: علينا جميعاً أن نجاهد للسلام، أن نجاهد للحق، أن نجاهد حتى يقوم الناس بالقسط، أن نكون جميعاً على حق، وأن نكون جميعاً متسالمين، وهذا هو الجهاد المطلوب منا.

تركي الدخيل: جميل، شيخ أنت أيضاً تشير في أطروحاتك إلى أن أحد أسباب الإرهاب هو غياب تطبيق مقاصد الشريعة، ماذا تقصد بهذه العبارة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: هو في الحقيقة هذا وصف للثقافة المهزومة، من هذه الثقافة المهزومة منها النظر إلى الجزئيات دون النظر إلى الكليات، وبالتالي بدون النظر إلى المقاصد وهذا أمر في غاية الأهمية، يعني أن تنظر إلى حكمٍ جزئي وتقول: في هذا الحكم الجزئي أمرت أن أفعل كذا، ولكن لا تنظر إلى المقصد الشرعي الأعلى الذي يحكم هذه الجزئيات، وبالتالي الذي يحكم المقاصد المصالح والمفاسد، المصالح والمفاسد هي المقاصد الشرعية الكبرى التي ترمي إليها الشريعة، الشريعة وضعت لمصالح العباد، فكما يقول العلامة القيم رحمه الله تعالى: شريعةٌ مصلحة كلها، وعدلٌُ كلها، ورحمة كلها، وحكمةٌ كلها، فما خرج عن العدل إلى الجور ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الحكمة إلى العبث فهذا ليس من الشريعة، ولا أدخل فيها في تأويلي فالشريعة دون النظر إلى هذه الكليات فسنسقط دائماً لأن الفتوى تتكون من ماذا؟ الفتوى تتكوّن من ثلاثة أبعاد، البعد الأول هو الواقع عليك أن تدرس الواقع بكل تضاريسه، وبكل ما يحيط به ويحف به من إشكالات ومن مصالح ومن مفاسد، ثم عليك أن تنظر في الأحكام الجزئية التي تنطبق على هذا الواقع، ثم عليك أن تنظر في المقصد الكلي الذي يحكم هذا الواقع، بدون هذه الأبعاد الثلاثة وهذه المعادلة الثلاثية ستكون الفتوى عرجاء، لن تكون الفتوى صحيحة.

تركي الدخيل: وتعتقد أن الفتوى في العالم الإسلامي عرجاء؟

الشيخ عبد الله بن بيه: أعتقد أنها أحياناً تكون عرجاء وأحياناً تكون سليمة، ويجب علينا جميعاً..
تركي الدخيل: هذه إجابة دبلوماسية يا شيخ عبد الله.

الشيخ عبد الله بن بيه: لا.. لا هذا الواقع، هذا الواقع أنا لا أريد أن أكون أكثر من..
تركي الدخيل: سنتحدث عن الفتوى بعد فاصلٍ قصير، فاصلٌ قصير أيها الإخوة ونعود بعده لمواصلة حديثنا مع الشيخ عبد الله بن بيه في إضاءات فابقوا معنا.

أزمة في الفتوى في العالم الإسلامي

تركي الدخيل: حياكم الله مجدداً في إضاءات، لا يزال حوارنا هذه الحلقة مع الشيخ عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني السابق، شيخ عبد الله قبل الفاصل كنا نتحدث عن الفتوى، وقلت أن لها ثلاثة مناحي يجب أن تمر عليها، بدونها تكون الفتوى عرجاء، سألتك عن الفتوى في العالم الإسلامي فقلت لي: بأن بعضها يمكن أن يوصف بأنه أعرج وبعضها ليس كذلك.
سأسألك عن أزمة الفتوى ألا تعتقد أن هناك أزمة في الفتوى في العالم الإسلامي، تجعل الكثير من الشباب يذهبون يتوقون إلى انتقاء الفتاوى المهزومة وترك الفتاوى التي تتوافر عليها الشروط؟
الشيخ عبد الله بن بيه: هو ما تفضلت به صحيح فالآن كثرت مراكز الفتوى وتنوعت وتشعبت، وأصبح الشعب يميل إلى ما يلائم طبعه، ويلائم توثبه وربما أيضاً أوضاعه النفسية، فإذا سمع فتوى فيها تشديد فيها بعض التشديد يقول هذه فتوى جيدة وصاحبها أكيد لا يرتبط بالحكومة، وإذا سمع فتوى فيها تيسير وتخفيف يرى أن صاحبها لا شك سيتهمه مباشرةً ويقول هذا من علماء السلطان على أفضل تقدير، وبالتالي وجدنا أنفسنا في صعوباتٍ كثيرة.. الحد هو أن تعلّم الناس..

تركي الدخيل: صنفك بعضهم بأنك من علماء السلطان لأن فتاواك ما عجبتهم؟
الشيخ عبد الله بن بيه: قال أحدهم مرةً في المجموعات الساحات والإنترنت وهؤلاء عن بعض الفتاوى التي أفتيت بها، يقولون أن هذا من علماء السلطان مرةً ومرةً يقولون هذا موسع، ولا يعلمون أن اسم الله سبحانه وتعالى الواسع وليس من أسماء الله المضيّق، فيقولون فلان يقول كل شيء واسع، أنا أقولها بالدليل، طبعاً لا أقول شأن من قبل نفسي ولا من تلقاء نفسي، لكن الفتاوى لها ضوابط علينا أن نُحسن هذه الضوابط، أن نُتقن هذه الضوابط حتى نستطيع أن نتعامل مع الفتاوى، بدون ذلك أعتقد أننا سنظل دائماً في حالةٍ من الاضطراب وفي حالةٍ من تناقض الفتاوى وبالتالي سترى الساحة الإسلامية والبانوراما الإسلامية والمشهد الإسلامي العام سيظل المشهد مضطرباً..

تركي الدخيل: مأزوماً؟

الشيخ عبد الله بن بيه: مأزوماً مضطرباً سمه ما شئت، لكن علينا أن نجد وسائل وأدوات لتوحيد المعايير، وليس معنى ذلك أن نوحد كل فتوى، لكن الفتاوى في القضايا الكبرى في القضايا التي تهم العالم الإسلامي في القضايا التي تُراق فيها الدماء وتُستحل فيها الحرمات، هذه القضايا يجب أن لا يُفتى بها في هذه الطريقة، يجب أن تتعدد فيها مراكز الفتوى بشكلٍ يضر بالأمة الإسلامية..

تركي الدخيل: بمناسبة الحديث عن الفتوى كان اليوم الوطني السعودي الماضي هو أول يوم يتم الاحتفال به إن صح التعبير وإعطاء إجازة له، وتناقلت الصحافة فتوى لكم شيخ عبد الله به بيه بأنكم تجيزون الاحتفال باليوم الوطني السعودي، وهذه الفتوى التي نقلت لكم هل كنتم يعني تريدون منها مخالفة المؤسسة الرسمية الدينية في السعودية التي لها فتاوى قديمة لا تجيز هذا الأمر؟

الشيخ عبد الله بن بيه: أخي تركي هذا آخر ما يخطر لي ببال أن أرد على فتاوى علماء المملكة وأريد أن أصحح، فتواي لم تكن بهذه المناسبة لا أدعي شرف بأني أفتيت بمناسبة العيد الوطني السعودي، هذه الفتوى قديمة، وكان السؤال قد ورد من أفريقيا، وكان بعض الناس يتحرجون، ويظهر بعض المسلمين مظهراً غير لائق ينعزلون ويقيمون ضجةً عندما يرون اجتماعاً لليوم الوطني، فقلت لهم إن الأمر واسع وإنه ليس..

تركي الدخيل: كلمتك المشهورة..

الشيخ عبد الله بن بيه: نعم الأمر واسع، لأنه لا يوجد نص شرعي يحظر ذلك، وأن الأعياد التي نهي عنها هي أعياد جاهلية، وأدلة كثيرة جداً عندي بعضها ذكرته والكثير منها لم أذكره ادخرته ولم أذكره.

تركي الدخيل: ليش ادخرته يا شيخ؟

الشيخ عبد الله بن بيه: ادخرته لأني لا أريد أن أدخل في جدال ومراء، يعني أرى أنه لا فائدة من الجدال والمراء، إذا كان البحث بحثاً هادئاً بالإمكان أن نقدم الأدلة، دعني أذكر لك شيئاً الآن، سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أول من عمل العطلة.. عطلة الخميس والجمعة، كان راجعاً من بيت المقدس بعد أن فتحه صلحاً، فاستقبله صغار المدينة خرجوا من المدينة مسافات لاستقبال الفاتح، لما جاؤوا أعطاهم هذه العطلة، ما قال أحد أن عمر ارتكب بدعة وأنه أحدث عيداً جديداً، وهذا أقوله لأول مرة حتى ما كتبته سكت، والذين ردوا علي..
تركي الدخيل: هذا من ما ادخرته؟

الشيخ عبد الله بن بيه: في المواقع يعني هم ذكروا أشياء اجتزؤوها وحذفوا كثيراً من الأدلة..
تركي الدخيل: يعني أهم دليل يستندون عليه لا يجوز أن يكون هناك عيد إلا عيدين في الإسلام.
الشيخ عبد الله بن بيه: لا يجوز أن يكون هناك إلا عيدان شرعيان عيدان للعبادة، أما هذه الأيام الوطنية فإنها ليست عبادة، فإنها أيامٌ فقط تحي بها الأمم وتحيي بها تاريخها وتتذكر بها نعمة الله سبحانه وتعالى فهذه ليست للعبادة، وليس كل ما يشبه ما يفعله النصارى ليس حراماً، الحرام هو التشبه وليس مشابهته..

تركي الدخيل: ما الفرق بين التشبه والمشابهة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: كما يقول أبو يوسف صاحب أبو حنيفة، أنا أقول لك هذه الأمور تحتاج..
تركي الدخيل: الفرق بين التشبه والمشابهة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: لا سأقول لك وهذه الأمور تحتاج إلى وقت لأنها إذا اجتزأت تكون خطئاً، أبو يوسف سُئل عن لبس بعض النعال وأنه يشبه نعال النصارى، فقال: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يلبس النعال ذات الشعر وهي ملابس الرهبان، فمعنى ذلك أن المشابهة غير التشبه، ما لبسها ليتشبه بهم، التشبه يحتاج إلى نية، يحتاج إلى عمل حتى تعمل به الآخر، أما إذا أشبهت الآخر في عمل ما فهذا لا ضرر فيه إذا كانت فيه مصلحة، وأنا استشهدت في فتواي بقضية العتيرة، العتيرة كان الجالية يذبخون في رجب..

تركي الدخيل: ويش العتيرة؟

الشيخ عبد الله بن بيه: العتيرة: ذبيحة كان الجالية يذبحونها في رجب، وفي الإسلام وردت أحاديث للنبي (صلى الله عليه وسلم) استحسنها، وقال مرةً لا بأس بها، وقال مرة الأضحية والعتيرة، كتبت الأضحية والعتيرة لكل بيت.. يخلف.. والغامدي وجاء بخديث لا ذبح ولا عتيرة.. المهم أخذوا الحديث الأخير ولم يجمعوا بها الأحاديث، كما جمع بها أحمد والشافعي.. الشافعي استحبها، وأحمد مرةً استحبها ومرةً قال جائزة، فقلنا ليس كل أفعال الآخرين ليست محظورةً علينا، هناك حساسية شديدة من التشبه بالآخر، هذه الحساسية أنا أفهمها التشبه بالآخر إذا كان تشبهاً دينياً فهو حرام لا شك في ذلك، وإذا كان غير ديني فهو ليس حراماً ولا محظوراً، ثم إن العلماء يذكرون أقوال، يذكرون الاستحباب الكراهة الجواز يعني كثير من الناس من طلبة العلم لا يذكرون أبداً الكراهة عندهم ليست موجودة، الحرام.. حرام فقط حرام إذا لم يقل لك شرك، فهذه مشكلة..

تركي الدخيل: جميل، شيخ هذا يجرني إلى سؤال كثيراً ما يُطرق، أنت تحدثت عن أدلة تجيز الاحتفال باليوم الوطني لأنه يوم يحتفل الناس بتاريخه، هناك من يقول أن الإسلاميين لا يحفلون كثيراً بالوطنية، وهناك من يردد كثيراً بأن الوطنية من الجاهلية؟
الشيخ عبد الله بن بيه: أولاً أود أن تسمح لي أن أحترز لأقول إني أحترم من يفتي في اليوم الوطني وغيره، أحترم تماماً فتواهم، لكن أنا سئلت في قضية في أفريقيا فأفتيت فيها بما ظهر لي..
تركي الدخيل: لو سئلت بالسعودية يعني ما تفتي؟

الشيخ عبد الله بن بيه: لو سئلت يعني لم أُسأل بعد على كل حال نشرت الصحافة وكأني أجيب على مسألة العيد الوطني في المملكة، فأنا لا أريد أن أدخل نفسي في حرج، وأعتبر أن المفتين في المملكة السعودية هم أجدر مني بهذا، وهم أعلم مني وأجدر مني بدون تواضع، هم أجدر وأولى أن يفتوا بهذه القضايا..

تركي الدخيل: بس هل هذا تراجعاً للفتوى ولاّ..

الشيخ عبد الله بن بيه: أعتقد أن العصمة هي للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن أهل السنة لا يوجد لدينا إمام معصوم غير النبي صلى الله عليه وسلم

لأ.. لم أتراجع عن الفتوى، رأيي فيها هو رأيي، وأدلتي هي أدلتي، لكن مع ذلك الآراء الأخرى لها وجهها ولها أدلتها، فأنا أحترمها هذا يجب أن يكون واضحاً، أنا أعتقد العصمة هي لواحد لإمام واحد لنبي واحد للنبي صلى الله عليه وسلم نحن أهل السنة لا يوجد لدينا إمام معصوم.. إمام معصوم واحد هو النبي (صلى الله عليه وسلم) موضوع الوطنية أنا أعتبر أن المواطن الجيد أقول في أوروبا دائماً المسلم الجيد هو المواطن الجيد، وهذا طبعاً لأُظهر للأوروبيين بأن المواطنة ليست ضد الإسلام، والإسلام ليس ضد المواطنة.

تركي الدخيل: نحن دخلنا الأوروبيين نبيها عندنا حنا العرب؟

الشيخ عبد الله بن بيه: لأ هذا ما هو أن أحداً يتنكر لوطنه ليكون دولياً فعليه أن يبدأ بنفسه.. بصلاته يبدأ بالأقارب، وبالتالي الإسلام يرتب الخلايا الوطن الذي كان مطروحاً..
تركي الدخيل: لكن المطروح دائماً عند المفكرين الإسلاميين عند الدعاة الإسلاميين الحديث عن الأممية وليس عن الوطنية، حتى غاب الحديث عن الوطنية على اعتبار أن هذه الحدود إنما وضعها المستعمر.

تركي الدخيل: أنا أعتقد أن هذا قد يكون كان فترةً من الزمن لكن الناس تحدثوا عن دوائر، دائرة الوطن وهي الدائرة التي يتعامل معها الإنسان مباشرةً، والدائرة الأعلى وهي الدائرة العربية والدائرة الإسلامية، وهي الدائرة التي تجمع..

تركي الدخيل: والدائرة الإنسانية..

الشيخ عبد الله بن بيه: والدائرة الإنسانية نعم، هذا لا شك فيه.

تركي الدخيل: إذن تعتقد أن الوطنية هي سائغة في الإسلام؟

الشيخ عبد الله بن بيه: جداً، الوطنية لا تدعو إلا إلى خير، الوطنية هو الوطن، وهم المواطنون..
تركي الدخيل: الوطنية لا تدعو إلى خير؟

الشيخ عبد الله بن بيه: لا تدعو إلا إلى خير، الحمد لله الذي سألت حتى بينت.. لا تدعو إلا إلى خير، نعم فهو للحصر.

تركي الدخيل: لكن هل هناك مثلاً هل مفهوم الوطنية موجود مثلاً في النصوص الشرعية؟
الشيخ عبد الله بن بيه: النصوص الشرعية كلها تدعو إلى الوطن، وتدعو إلى المواطنة، أولاً الإنسان مدعو إلى إكرام جاره إلى إكرام.. (أنذر عشيرتك الأقربين) (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين) البدء بالعشيرة الأقربين أليس هذا هو الوطن؟ الوطن أليس هو الأرض التي ولد الإنسان عليها؟ هذه الأرض الإنسان مدعو إلى.. الوطن يتركب من ماذا؟ يتركب من سكان، يتركب من ناس، يتركب من وطن، يتركب من سيادة، طبعاً هذا تعريف الدولة عند الغربيين، لكن هذا التعريف لا ينافي تعريف الإسلام..

تركي الدخيل: طيب لأن كثير من المسلمين الذين يعيشون يعني من أصول ينتمون للديانة الإسلامية ولديهم جنسيات غربية يجدون إشكالية في هذا الموضوع؟ يجدون إشكالية في المواطنة للدول الغربية، يعتقدون أن المواطنة للدول الغربية تتناقض مع الهوية الإسلامية، وهذا ما يوجد أزمة الأقليات، وأنتم من الناس الذين يهتمون بموضوع الأقليات أليس كذلك؟
الشيخ عبد الله بن بيه: هي مسألة كبيرة، ولكن سؤالك بمحله، لكن الإشكال هو في اتجاهين، اتجاه أولاً على المسلمين أن يفهموا وجودهم ليس عبوراً، البلاد بلاد الله والعباد عباد الله حيثما أصبت خيراً فأقم، كما جاء في الحديث الذي رواه أحمد في المسند، عليهم أن يعتبروا أنفسهم من أهل هذه البلاد، وأن وجودهم ليس عارضاً أو ليس عابراً وبالتالي أن يقيموا العلاقات مع هذا الوطن، وأنا اعتبرتها من الدوائر السبع يعني من التحديات السبعة التي تواجه المسلمين، وهو كيف يتعايش مع الآخرين كيف يعتبر نفسه مواطناً جيداً، فالمسلم الجيد هو المواطن الجيد، وبالتالي عليه واجبات كما واجبات على المواطنين الآخرين وله خصوصية، هذه الخصوصية تحترم في نطاق التنوّع الثقافي الذي يعيش فيه.

تركي الدخيل: جميل، شيخ أنت تحدثت في إحدى فتاواك عن إمامة المرأة، الحادثة التي حصلت للسيدة أمينة التي أمّت مجموعة من المسلمين في الولايات المتحدة، قلت أنت أن ما اتُفق عليه في المسألة بين كل الفقهاء والعلماء في جميع الأقطار الإسلامية أن المرأة لا تؤم الرجال، وهذا ما ينبغي التمسك به في ديار الإسلام، أما بالنسبة للسيدة أمينة فيمكن أن نتسامح معها، وأن نقبل منها هذا الاجتهاد خاصةً لحديث أم ورقة رضي الله عنه حيث أمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تتخذ مؤذنةً، وأن تؤم أهل دارها، رواه الإمام أحمد ورواه أبو داود.

الشيخ عبد الله بن بيه: صحيح أنا يعني حاولت أن..

تركي الدخيل: أن تكون واسعاً؟

الشيخ عبد الله بن بيه: حاولت أن لا أفاجئ أمينة ومن معها إذا كانوا يريدون أن يجدوا سعةً في الإسلام، نحن لا نريد أن نضيّق واسعاً، إذا وجدنا ما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، إذا وجدناه سبيلاً في التوسعة للناس أن نذكر لهم هذه الأوجه، أن لا نكتم شيئاً من الإسلام، نعتقد أن الخلاف واختلاف العلماء هو رحمة، كما جاء في الحديث اختلاف أمتي رحمة وهو حديث طبعاً لم يثبت سنده منقطع رواه البيهقي وغيره، ولكن معناه مفهوم ومقبول إذا كان هذا الاختلاف اختلافاً حميداً، يسميه الإمام ابن قيم رحمه الله تعالى اختلاف السائغ بين أهل الحق، فمسألة إمامة المرأة ورد فيها حديث أم ورقة، وورد فيها أيضاً في مذهب الإمام أحمد أيضاً روايات بأنها تؤم النساء لأنها تؤم أيضاً الرجال، وتكون خلفهم إذا كانت عجوزاً أو امرأة كبيرةً، يعني هناك أقوال هذه الأقوال لا يجوز أن نطبقها لأنها ضعيفة جداً، لكن مع ذلك إذا قامت امرأةً غربية فنحن نلتمس لها العذر، ونحاول أن نقدم لها شريعتنا بالحسنى، ونقول أنه ليس نقصاً من المرأة، وإذا لم تكوني عجوزاً أيضاً عليك أن تتأخري فلعلها عادةً المرأة تكره أن تكون عجوزاً، فلعلها تتأخر وأن لا تؤم أهل بيتها، فهذا نوع من الفتاوى التي هي عبارة عن لا أقولها مجاملة، لكن عبارة عن تأليف، تأليف للناس، والتأليف للناس وارد في الشريعة، أن نتسامح مع الذي يدخل الإسلام حديثاً، أن نؤلفه، أن نقدم له حتى مالاً كما جاء في القرآن الكريم: (والمؤلفة قلوبهم في الرقاب)

تركي الدخيل: شيخ عبد الله بن بيه وزير العدل الموريتاني السابق شكراً جزيلاً لك.
الشيخ عبد الله بن بيه: وأنا أشكرك.

تركي الدخيل: شكراً لكم أنتم أيها الإخوة حتى ألقاكم في حلقةٍ مقبلة من إضاءات هذا تركي الدخيل يترككم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

 

حوارحول الوسطية مع مجلة الوعي الكويتية

 

الشيخ عبدالله بن الشيخ بن بيَّه

نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

يجب احترام التنوع الحضاري والثقافي للبشرية

 

< مصطلح الإرهاب ينبغي تعريفه انطلاقا من مصدره الأصلي في الغرب

< كلمة >رهب< في الإسلام وما اشتق منها وردت في مجملها للدلالة على الخوف والرهبة من الباري عز وجل·

أكدالشيخ بن بيه نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين والأستاذ في جامعة الملك عبد العزيز في جدة على ضرورة وضع تحديد دقيق لمصطلح الإرهاب يتلاءم مع البنية العقدية للأمة وينطلق من أرضية فقهها وتراثها الخاص حتى لا يختلط الإرهاب بالجهاد ولاتختلط المقاومة المشروعة بمحاربة المحتل، وركز على ضرورة تعزيز ثقافة التسامح الإسلامية ونشر الفكر الوسط والحوار واحترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره إثراء وانسجاماً وليس تباينا وصداماً·


> بصفتكم أحد المهتمين بظاهرة >الإرهاب< وتداعياتها المختلفة ونشرتم في هذا الصدد كتابا عنوانه: >الإرهاب التشخيص والحلول< ما البدايات الأولى لهذه الظاهرة وكيف نشأت؟

– يرى المؤرخون الغربيون أن أقدم جماعة إرهابية عرفها التاريخ المكتوب هي حركة >الورعاء اليهودية< في القرن الأول للميلاد وهي الحركة التي استخدمت العنف المفرط في مواجهة الاحتلال الروماني، وبالنسبة للتاريخ الإسلامي فقد ظهر >الخوارج< في القرن الهجري الأول وأعلنوا التكفير بالذنب وأن >لا حكم إلا لله< وحكموا السيوف في رقاب المسلمين وفي القرن الخامس الهجري ظهرت فرقة >الحشاشين< وهي عبارة عن >عصبة سرية< يدين أعضاؤها بالطاعة العمياء للرئيس الروحي واستخدموا طريقة الاغتيال للتخلص من خصومهم وكان الوزير >نظام الملك< أول ضحاياهم·

وبداية الإرهاب الحقيقي كانت في عشرينات القرن الماضي وتحديدا مع وصول موجات يهودية إلى أرض فلسطين التي كونت عصابات الهاجانا وراح ضحيتها مئات الآلاف من الأشخاص الأبرياء ومنذ أواخر هذا القرن العشرين شهد العالم الإسلامي إخلالات خطيرة بالأمن وخصوصا بعد تحرير أفغانستان والعدوان العراقي الغاشم على الكويت وما لحلق ذلك من تداعيات، فارتكبت أعمال وتفجيرات خارج نطاق كل الشرعية الدولية، لعل أشدها وقعا كان الاعتداء على >برجي منهاتن< في الولايات المتحدة الأميركية مما أسدل ليلاً دامسا أرخى سدوله على العالم كله وغابت كثير من حقوق الإنسان والقوانين التي كانت تحكم القوى الكبرى في تعاملها مع الداخل والخارج وأضحت الحملة على الإرهاب تمثل ساحات قتال حقيقية بدءاً من حدود باكستان إلى حدود منطقة الخليج وتركيا··الخ·


> ألا ترون أن الحديث عن الإرهاب كثر في اللغط واختلفت فيه الرؤى الى درجة أصبح معها من الضروري تحديد دلالات هذا المفهوم أو على الأقل ما نقصده نحن المسلمون >بالإرهاب< وما الأسباب والظروف التي ترو أنها انتجت هذه الظاهرة وأفرزتها؟

– بدءاً أود أن أحدد الدلالة اللفظية لهذا المصطلح في الآيات القرآنية وهنا أشير إلى أن كلمة >رهب< وما أشتق منها من تعاريف وردت في القرآن في اثني عشر موضعاً كانت في معظمها تتعلق بالخوف والرهبة من الباري جلت قدرته، وإن كانت آية الأنفال المتعلقة بإعداد القوة الإرهاب العدو قد توحي بظلال قد يخالها بعضهم ذات صلة بالإرهاب المعاصر، إلا أن الأمر عند التأمل الواعي يدل على خلاف ذلك لآن الإرهاب في سورة الأنفال هو من قبيل الردع أو ما يعرف في العصر الحديث باستراتيجية التهيؤ بالقوة لحماية السلام بالإضافة إلى أنه خطاب موجه الى الدولة المسلمة وليس للأفراد او الجماعات، وأما مصطلح >الإرهاب< المتداول اليوم فينبغي البحث عن تعريفه انطلاقا من مصدره الأصلي الغربي على وجه الخصوص، وذلك أن مصطلح الإرهاب: terrorisme ظهر أول ما ظهر في ملحق الأكاديمية الفرنسية سنة 1798م لوصف حكومة الثورة الفرنسية التي كانت ترهب الشعب وخصوصا الملكيين باسم الحرية والثورة، فكان الإرهاب وصفا لنظام حكم إلا أنه منذ نهاية القرن الثامن عشر أصبح المصطلح يتعلق بعنف صادر عن أفراد وجماعات خارجة على القانون، وقد عُرِّف دولياً للمرة الأولى في عصبة الأمم سنة 1934م بأنه >عمل إجرامي يهدف بطبيعته إلى إثارة الرعب والخوف الموجه لأشخاص معينين أو مجموعة من الأشخاص أو للناس بعامة<·

وفي رأيي الخاص إن مفهوم الإرهاب المتداول هذه الأيام لا يبتعد كثيراً عن مفهوم الحرابة، لكن لا يمكن مع ذلك إغفال النية السياسية لبعض قضايا الإرهاب فيكون بذلك جريمة بغي وخصوصاً عند >مالك< الذي لا يتشرط لجريمة البغي أن يكون الباغي جماعة بل الواحد يكون باغيا إذا اعتمد طريق العنف·


> لكن كيف نميز بين الإرهاب وبين المقاومة المشروعة؟

-في رأيي أن التغلب على هذه المعضلة يكمن في الإحالة على الشرعية الدولية والأخلاقية، فالحرب ضد المحتل تزكيها الشرعية الدولية، فالفلسطيني على سبيل المثال يستند إلى مشروعية دولية تعترف له بحقوقه ومن ثم يجب أن يحصل عليها من دون أن تعين له وسيلة الحصول علىها، وعلى هذا الأساس فإنني اقترح صياغة تعريف لجريمة الإرهاب وتوصيفها على ضوء جريمتي البغي والحرابة وتدمج معها بعض الجرائم المنظمة الأخرى كترويج المخدرات التي تعتبر حرابة عند مالك واستخدام مصطلح >التخريب< subversion بدل الإرهاب الذي نعني به الأعمال العنيفة التي تقوم بها عصابات ضد السلطة الشرعية لقلب النظام الشرعي القائم بالقوة والعنف، وهذا التعريف أعتقد أنه يستجيب لهموم المتعاطي مع قضية الأمن وينطلق من أرضية الفقه والتراث والبنية العقدية للأمة، كما أن مصطلح التخريب هو مصطلح واضح يفهمه المثقف والعامي على السواء·

أما عن أسباب هذه الظاهرة فهناك اقتراحات كثيرة منها: الفقر، انعدام الديموقراطية، عدم حرية المرأة، المناهج التعليمية الخ··· واعتقد أن أهم الأسباب التي أدت إلى منطق الإرهاب وثقافته هو ظهور فكر مشوه وثقافة مألوسة ومأزومة ونهج مغلوط للإسلام ثقافة تتميز بضق الأفق وعدم الاكتراث بالآخر والانغلاق الفكري والتعصب والحرفية في التفسير وغياب فقه المقاصد واختلال ميزان المصالح والمفاسد مما نشأ عنه الغلو الذي هو أساس هذا الإرهاب ومنطلقة·


> رسمتم في كتاب >الإرهاب التشخيص والحلول< خطة مقترحة لمعالجة ظاهرة الإرهاب ما الملامح العامة لهذه الخطة؟

– تتعدد الحلول التي يمكن اقتراحها لمعالجة هذه الظاهرة ويمكن أن تكون استراتيجية المواجهة متعددة الأوجه تستعمل الإجراءات الأمنية والثقافية والنفسية والوسائل السياسية والاقتصادية وحتى الإعلامية ويمكن أن نحدد مجموعة من الضوابط للمشروع الإسلامي المقترح لمحاربة الإرهاب تتلخص فيما يلي:

– تحديد مفهوم الإرهاب والسلوك الإرهابي والتمييز بين الدفاع عن الأرض والعرض ومعلوم أن عدم ضبط هذا المصطلح يشكل مغضلة حقيقية·

– إبراز ثقافة التسامح الإسلامية وتصحيح المفاهيم المغلوطة في المنظومة المعرفية والتربوية وبخاصة مفهوم الجهاد، حتى لا يختلط بمفهوم الإرهاب·

– التأكيد على الشفافية في قضية الاتهام الموجه الى الأفراد أو الدول واحترام حقوق الإنسان وسيادة الدول في هذا المجال لتكون الحرب على الإرهاب أكثر نظافة· 

– معالجة مشكلة الفقر والخصاصة واحترام حقوق الدول الفقيرة في النمو الذاتي·

– احترام التنوع الحضاري والديني والثقافي للبشرية باعتباره عامل إثراء وانسجام وليس عامل تصادم وتباين وتبرئة كل الديانات من وصمة الإرهاب وفي طليعتها الدين الإسلامي والدعوة إلى حوار حضاري معمق·

– ضرورة معالجة الظلم في العالم وبخاصة الظلم المسلط على الفلسطينيين وضرورة إيجاد حلول لقضايا القهر وانتهاك السيادة في العالم الإسلامي·

– تحديد الإصلاح المنشود دوليا ومحلياً سواء كان تحت مسمى الديموقراطية أو أي مسمى آخر وضرورة أن يكون إصلاحا شاملاً·

– ايجاد آليات تعاون أمني تنساب فيها المعلومات بشكل متبادل بين الدول·


> يكثر الحديث هذه الأيام عن >وسطية الإسلام< و>الأمة الوسط< ونحن نتحدث معكم على هامش مؤتمر >الوسطية منهج حياة< الذي تقيمه وزارة الأوقاف بالتعاون مع الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، فكيف تفسرون هذا المفهوم؟

– لعل الوسطية كما نفهما هي التي يعينها الشاطبي بقوله: إن المفتي البالغ ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يتعلق بالجمهور فلا يذهب نهج مذهب الشدة ولا يميل بهم إلى طرف الإنحلال، والوسطية التي نريدها هنا هي المقارنة بين الكلي والجزئي والموازنة بين المقاصد والفروع والربط بين النصوص وبين معتبرات المصالح في الفتاوى والآراء، والوسطية التي تربي جيلا منفتحاً سمحاً عزيزاً أبياً، جيلاً لا يكون سباعا عادية ولا خرافاً وبقرا تمد أعناقها للجزار·


> ما المفاهيم التي تحتاج إلى تحديد دقيق وما مفهوم الجهاد ومعرفة القدر المطلوب من المسلم في هذا الزمن وكيف ترون هذه المسألة؟

– الجهاد هو مصدر لغوي من جاهد يجاهد مجاهدة ومعناه استفراغ الوسع أي بذل أقصى الجهد للوصول إلى غاية في الغالب هي محمودة وهو في الإسلام يغطي ثلاثة مستويات:

1- مجاهدة العدو

2- مجاهدة الشيطان

3- مجاهد النفس

والمعنى الأول هو جهاد غير المسلمين وهو المعنى الشائع وقد وردت آيات وأحاديث كثيرة في فضله وشروطه وضوابطه، وهنا يجدر التنبيه إلى أن الجهاد في الإسلام ليس مرادفا دائما للقتال فهو مفهوم واسع يدخل فيه الدفاع عن الحق والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، وهو المعنى الأول كما هو واضح في قوله تعالى :{وجاهدهم به جهاداً كبيراً} >الفرقان – 52<،أي أقم عليهم الحجة بالقرآن الكريم وقدم لهم البرهان، ومعلوم أن ذلك لا يتطلب أعمالاً حربية فليس كل جهاد قتالا وليس كل قتال جهاداً، ومعروف أن الحرب في الإسلام هي حرب دفاعية وليست لإجبار الناس على الدين وإذا رجعنا إلى حروب النبي [ التي خاضها مع المشركين (27 غزوة) نجد أن المشركين كانوا هم المعتدين أو المتسببين فيها لأسباب مباشرة أو غير مباشرة، وهو ما يعني أن الأصل مع الكفار السلم لا الحرب والمتواتر من سنته [ أنه لم يبدأ أحدا بالقتال، وقد اختلف العلماء في وجوب جهاد الطلب وهو الجهاد الذي يقرره الخليفة أو السلطة الشرعية لردع الدولة المجاورة للدولة الإسلامية لحماية حدودها وسلامتها، ورأى بعض العلماء مثل >الثوري< و>أبي عمر بن عبدالبر< أنه ليس واجبا وإنما يستحب، أما الجهاد الدفاعي فهو محل اتفاق وهو الذي تشير إليه الآيات القرآنية الكثيرة مبينة أسبابه وهو الظلم المتمثل بالطرد من الديار والحجر على الحرية الدينية·

{أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا··} >الحج -39<


< الشيخ عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه عالم موريتاني- تولى مناصب وزارية عدة في بلاده

– يشغل حالياً – وظيفة استاذ محاضر في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة،

ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس لجنة الحوار والاتصال فيه،

أمين منتدى الفكر الإسلامي التابع لمجمع الفقه الإسلامي في جدة·

عضو مؤسس في المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ورئيس الحوار فيه

 

حوار حول اللقاء الحادي عشر للجنة الحوارالاسلامي-الكاثوليكي

حاوره: سعد بن أحمد

9/5/1426 / 16/06/2005

                     

 احتضنت العاصمة الإيطالية روما خلال هذا الأسبوع الدورة الحادية عشرة للحوار الإسلامي المسيحي ، والذي تنظمه لجنة الاتصال بين المنظمات الإسلامية والكنائس الغربية بشكل دوري منذ أكثر من عقد من الزمن .

ويسعى الجانب الإسلامي من هذا الحوار إلى تقديم الصورة الحقيقية والناصعة للإسلام ، باعتباره الرسالة السماوية الخاتمة ، وذلك انطلاقا من ضرورة الحوار مع الآخر، وقياما بواجب التبليغ ، لتقديم البرهان وإقامة الحجة . 

حول أعمال هذا اللقاء ونتائجه .. وكذلك منطلقات وأهداف الحوار الإسلامي المسيحي كان” لشبكة الإسلام اليوم “هذا اللقاء مع فضيلة الشيخ الدكتور عبد الله بن بيه أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة ، ورئيس لجنة الحوار الإسلامي .


 شاركتم خلال هذا الأسبوع في الحوار الحادي عشر للقاء الإسلامي المسيحي بروما .. كيف تقيمون هذا اللقاء ؟ 

هناك لجنة اتصال بين الكنائس وبين المنظمات الإسلامية ، وهذه اللجنة تجتمع لبحث ومناقشة بعض الموضوعات ، وترشح بعض الموضوعات للنقاش . وكان الموضوع المقترح لهذه السنة هو موضوع العلاقة بين الدين والمجتمع والدين والدولة ، وكان علي أن أقدم بحثاً عن علاقة الدين بالدولة ، وزميل آخر يقدم بحثا عن الدين والمجتمع ، وفي مقابلنا أيضاً اثنان من المسيحيين من النصارى قدما أيضاً بحوثاً في نفس الموضوع هذا.


ماذا عن الأرضة المشتركة لهذا الحوار ؟ وهل هناك اتفاق على خطوط عامة على أساسها يتم هذا الحوار؟

هذه الحوارات هي لقاءات سنوية تبحث في العلاقات الإنسانية تبحث في قضايا السلام والتعايش ونحو ذلك وتبحث في بعض القضايا التي قد تهم الأطراف المشاركة فيها . لأن هذا الموضوع الآن هو موضوع مهم جداً في أوربا حيث إن بعض الدول الأوربية عندها مواقف من الديانات الجديدة التي دخلت ، بناء على أن هذه الدول هي دول متدينة كسويسرا مثلاً قانونها ينص على أنها دولة دينية أي مسيحية ، وكذلك النرويج و الدانمارك . فوجود ديانات جديدة في هذه البلاد طرح بعض المشاكل كما ً في فرنسا عندما منعت الحجاب والرموز الإسلامية ، طرح أيضاً السؤال : ما هي العلاقة بين الدولة والدين ؟ مع أن هذه الدول تقول إنها دول علمانية وبالتالي لا علاقة لها بالدين ، فالدين فيها أمر شخصي – كما يقولون – أو يخص الفرد فقط . ثانياً هم يطرحون أسئلة بالنسبة للعالم الإسلامي .. لماذا بعض الدول تتشبث بأن تتولى تسيير الشؤون الدينية ؟ لماذا لا يترك الدين أمراً شخصياً رباطاً – كما يسمونه – بين الله وبين العبد ولا علاقة للسلطة به ؟ فهذه هي الإشكاليات والأرضية المشتركة التي على أساسها يجري الحوار بهدف البحث عن حلول لهذه الإشكاليات ، وما هو موقع الدين في العالم المعاصر الذي نعيش فيه ؟ وغيرها من القضايا ..


كيف تقيمون مستوى المشاركة الإسلامية في هذا الحوار مقارنة بمستوى تمثل الظرف الآخر أيضاً الطرف المسيحي؟

المشاركة الإسلامية كانت جيدة جداً لأن د. عبد الله نصيف هو رئيس المؤتمر العالمي الإسلامي والدكتور عبد العزيز التويجري رئيس المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم ، والدكتور حامد الرفاعي الأمين العام لمنتدى الحوار الإسلامي ، والأستاذ الشريف الأمين العام لاتحاد المنظمات الإسلامية ، والعبد الضعيف رئيس لجنة الحوار الإسلامي المسيحي .. وشخصيات أخرى عديدة 


فضيلة الشيخ قدمتم خلال هذا اللقاء محاضرة تحت عنوان الدين والدولة كيف كانت ردود فعل الجانب المسيحي على محاضرتكم؟

دارت مناقشات ساخنة حول هذا الموضوع مع الجانب المسيحي ، فالمسألة يمكن أن نلخصها في أن المصطلحات الإسلامية تختلف عن المصطلحات لدى الطرف الآخر، والمسارات التاريخية تختلف كذلك ، بالإضافة للاختلاف العميق في الثقافة . هذه الاختلافات مؤثرة بالتأكيد ، فنحن نعتقد أن الدولة ضرورة للدين لأن الدين عندنا هو الوحي ، وقد اشتكى رئيسهم المطران “جيرالد “من هذا الطرح عندما قلت إن الدين هو مجموعة العقائد والقواعد والأحكام التفصيلية التي تنظم علاقة الإنسان بربه وبأبناء جنسه وبالكون عامة .. وهو يقول لا .. الدين ليس وحيا وإنما هو رباط ، ونحن نقول إن الرباط أثر وليس هو الأصل ، وإنما الأصل هو الوحي . فهذا هو الجو العام لهذه المناقشات .. تنزل المناقشات أحيانا إلى قضية المسلمين في أوربا، كما تتطرق للعديد من الإشكاليات التي ترتبط بواقع المسلمين في بلدانهم الأصلية أو في الغرب ، وهي الإشكاليات التي نجيب عنها بفضل وتوفيق من الله تعالى.


يرى البعض أن المشاركين في هذا الحوار من الجانب المسيحي ليس لهم تأثير يذكر في مجتمعاتهم الغربية ، وبالتالي لا نجد تأثير لهذا الحوار على أسلوب التعاطي بين المسلمين والمسيحيين .. ما تعليقكم على ذلك؟

في الحقيقة أنا اعتقد أن هؤلاء قد يؤثرون إذا أرادوا ذلك ، المسألة هل الطرف الآخر على درجة من الإخلاص أو من الجدية في علاقته أو في حواره مع الطرف الإسلامي ؟ هذا هو السؤال الذي يجب أن نطرحه وأما الطرف المسيحي فقد ضم العديد من الشخصيات الهامة جنسيات أمريكية وأروبية ومن أنحاء مختلفة من العالم لها صوتها ولها تأثيرها إذا اقتنعت بشيء يمكن أن تعلنه وأن تذيعه وبخاصة إذا استمعت لوجهة النظر الإسلامية وهي وجهة نظر دائماً مقنعة وواضحة بفضل الله . ولكن الجدية هي الأمر الذي نحتاج إليه . نحتاج أن نقتنع أن الجانب الآخر يتسم بالجدية الضرورية لهذا الحوار .. يعني هذا سؤال مهم لمستقبل علاقتنا معهم ، ونحن نرى أن الحوار هو واجب ديني الله سبحانه وتعالى أمر به أصلا يقول تعالى :” وجادلهم بالتي هي أحسن ” ويقول تعالى : “ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن ” فالحوار عندنا من أصول الدين وليس أمراً موسمياً ، ولا نقدمه رهباً ولا رغباً ، ولكن نقدمه لأنه من ضرورات العلاقات البشرية ، كما أنه من ضرورات الدعوة لهذا الدين الذي هو الدين الخاتم .


هل حقق الحوار الإسلامي المسيحي وهو اليوم في دورته الحادية عشرة أي هدف من الأهداف المرجوة منه في نظركم؟

الأهداف هذه لا تتحقق دفعة واحدة أو مرة واحدة ، وإنما هي عبارة عن تراكمات .. هذه التراكمات قد تحقق شيئاً من التفاهم ، قد تدل على الأقل على استعداد الطرف الإسلامي دائماً لأن يهدي وجهة النظر النافعة والصالحة لحل مشاكل الكوكب الأرضي الذي نعيش عليه ، أما أن نقول إن الأهداف قد تحققت فأنا لا أعتقد أن هذه الحوارات وصلت إلى أهداف ملموسة ومحسوسة ، لكنها وصلت إلى بعض الأهداف في توضيح بعض المفاهيم و تحقيق التعارف ، وهذا التعارف مطلوب للتعريف بهذا الدين ، والله سبحانه وتعالى يقول: (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا) واجب علينا لإقامة الحجة والبرهان ، وهذه الحجة علينا أن نحملها معنا لنقدمها إلى الطرف الآخر ولنبلغها للآخرين ، ونحن نتعايش هنا منذ أربعمائة سنة كما قلت في مداخلتي على ضفاف البحر الأبيض المتوسط هم في العدوة الأخرى ونحن في هذه العدوة ، والمفروض أنه قد حصل التعارف بيننا ، وأن يكونوا قد فهموا عنا ، ومع ذلك ما زالت لديهم عقدة “الإخوة ” كما سماها الفرنسي موزار ، فهم يرون في الدين الإسلامي الكثير مما هو أصل الرسالة المسيحية ولذلك عندهم عقدة من هذا الدين ، ونحن نرجو أن تزول هذه العقدة لأننا نسعى فقط لتقديم الحقيقة . 

مقابلة الشيخ ابن بيّـه مع موقع الإسلام اليوم

 

حاوره: سعد بن أحمد

21/1/1426 هـ


                      

في حواره مع (لإسلام اليوم) شرح فضيلة الدكتور عبد الله بن بيه مشروعه الإسلامي لمكافحة الإرهاب، مبرزاً شموليّة الإسلام، ورؤيته المتميزة، وقدرته على تقديم الحلول لمواجهة كل التحديات والإشكالات المطروحة في عالمنا اليوم. داعياً العلماء والمفكرين إلى المساهمة الجادّة في هذا الموضوع؛ لأن من شأن ذلك أن ينزع عن الإرهاب المبرّر الخلقي الذي قد يدّعي الاستناد إليه.

في هذا اللقاء.

يعرض الشيخ لمقترحه الإسلامي للقضاء على ظاهرة الإرهاب على المستوى الدولي..والدور المطلوب من الهيئات والمنظمات الإسلامية في هذا المجال.

اللقاء تناول كذلك التحديات التي تواجه الدعوة في بلاد الغرب، ومستقبل العمل الخيري الإسلامي.

إضافة لموضوع الديمقراطية والانفتاح السياسي في بلادنا الإسلامية ، وقضايا أخرى. 


بداية.. لماذا “المشروع الإسلامي لمكافحة الإرهاب” في هذا الوقت بالذات؟ 

أودّ أن أقسم هذا السؤال إلى شطرين أو شقين : 

الشق الأول : لماذا المشروع الإسلامي لمكافحة الإرهاب؟

في البداية .. إن هذا المشروع هو عبارة عن أفكار- بمعنى أنه ليس دراسة متكاملة أو نهائية -بل هو عبارة عن أفكار مطروحة للبحث والمناقشة..هذه الأفكار تنطلق من أرضية إسلامية، ولهذا سميناه بالمشروع الإسلامي لمكافحة الإرهاب.. أولاً: لبيان أن الإسلام يحارب الإرهاب، ولا يشكل غطاءً ولا سندًا للإرهاب ، وذلك للردّ على الجهات التي تجعل صفة العنف صفةً بنيوية في الإسلام، ولهذا قدمنا في بداية هذا المشروع خارطة عالمية للإرهاب منذ قرنين أوضحنا فيها أن كل قارة من قارات العالم أخذت نصيبها من الإرهاب. 

الشيء الثاني الذي أردنا إبرازه هو أن الإسلام – نصوصًا ومقاصد – يتسع لإيجاد الحلول لكل الإشكالات القائمة بما فيها ظاهرة الإرهاب، والعلماء مدعوون إلى تقديم رؤيتهم أيضًا حول هذا الموضوع.. والإسلام له رؤية مميزة يمكن أن تواجه هذا الحدث الذي يشكو منه العالم، وهي رؤية تتوفر على المرجعيّة الأخلاقية والشمول. فالشريعة الإسلامية عندما استعملت مصطلح حِرابة فإنها تميّزه عن مصطلح الحرب. أيضًا من زاوية العلاج والوقاية.. فالشريعة الإسلامية تتوفر على أصول ثقافة التسامح والسماحة التي من شأنها أن تجفّف منابع الإرهاب. 

كما أن الشريعة ترفض الجور والظلم وبالتالي تؤصل للعدل والإنصاف والإحسان المرتبط بعقيدتنا الإسلامية، ومن شأن ذلك أن يُنـزع عن الإرهاب المبرّر الخلقي الذي قد يدّعي الاستناد إليه. 


هذا فيما يتعلق بالمحور الأول من السؤال.. لكن ماذا عن المحور الثاني: لماذا في هذا الوقت بالذات؟ 

أما عن التوقيت فالواقع أنني قدمت الملامح العامة لهذا المشروع خلال اجتماع عقدناه مع ممثلي الكنائس المسيحية في روما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بأشهر قليلة ؛ حيث دُعينا لاجتماع سُمّي بالقمة الإسلامية المسيحية عرضت فيه معالم هذا المشروع في محاولة لتفادي التداعيات التي كانت تلوح في الأفق حينها.. لكن سبق السيف العذل -كما يقول المثل – ونحن نقدمه الآن لأن العالم ما زال يبحث عن مشروع.. فقبل ثلاثة أسابيع كان كوفي عنان في مؤتمر في مدريد حول الإرهاب يقدم مشروعًا من خمس نقاط ، وكان يتوقف عند التعريف الذي لم يتوفر إلى الآن نظرًا لغياب الإرادة الدوليّة، فالواقع أنه لا توجد إرادة دولية تسمح بوضع تعريف محدّد للإرهاب ، فالأمر ما زال مفتوحًا .. وهذا إشكال كبير ثم -أيضًا- إن هذا العمل هو عمل أكاديمي لا توقيت له ، فالكلمة الطيبة لا تُترك لأنها تأخّرت ، فلعلها تُؤتي أُكُلَها ولو بعد حين.


بعد مضيّ أكثر من ثلاث سنوات على أحداث الحادي عشر من سبتمبر واحتلال بلدين إسلاميين – على خلفيّة ما يُسمّى بالحرب ضد الإرهاب – ألا ترون أن هذا المشروع جاء متأخراً بعض الشيء؟ 

كما ذكرت من قبل .. فإن الموضوع مازال مفتوحًا.. ونحن قد قدمنا مع مجموعة من العلماء معالم هذا المشروع من مدة، لكنْ زملاؤنا على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط لم يكونوا على استعداد في ذلك الوقت لسماع هذه الأفكار التي تشتمل على درء المفاسد بإزالة المظالم في محاولة لعقلنة العلاقات الدولية، ومن أجل إشراك الحضارة الإسلامية في الردّ على هذا التحدي المتمثل في تحدي الإرهاب الذي يدينه المسلمون كما يدينه الآخرون. 

فالمسلمون قد اكتوَوْا بنار هذا الإرهاب الذي لا دين له ولا وطن كما هو معروف.


هل تم التنسيق بينكم وبين هيئات أو منظمات إسلامية دولية لطرح هذا المشروع؟

في الحقيقة أنا عضو مؤسس في منتدى الفكر الإسلامي المنبثق عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، هذا المنتدى الذي يرأسه الدكتور/ الحبيب بلخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي (حيث تم تقديم هذا المشروع) في محاولة لإثارة نقاش حول موضوع حيوي ..وبالتالي فالتنسيق قد تم على هذا المستوى، أما مع الجهات الأخرى أو الهيئات الأخرى، فيمكن فيما بعد أن تعقد منظمتنا -من خلال منتدى الفكر الإسلامي- ندوة حول هذا الموضوع، وهذه الندوة قد تتمخض عن بلورة بعض الآراء والأفكار التي يمكن تقديمها للأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي وبالتالي -أو على الأقل هذا ما نتمناه- أن يحصل التنسيق المطلوب مع مختلف الجهات ذات العلاقة.


بالنظر للسياق الإقليمي والدولي الراهن.. ما مدى فرص نجاح هذا المشروع في رأيكم؟

حقيقة نحن ليست لدينا أوهام حول فرص نجاح هذا المشروع، لكنه جهد يُضاف لجهود أخرى تقدمها مؤسّسات دوليّة، ومجموع هذه المبادرات أو المجهودات يمكن أن يحدث تأثيرًا في مسار الأحداث، كما أنه يساعد في وضع الإطار النظري والعملي لحركة منضبطة للقضاء على ظاهرة الإرهاب.


فضيلة الشيخ أنتم معروفون بنشاطكم الدعوي على مستوى أوروبا وأمريكا الشمالية، كيف تقيّمون العمل الدعوي هناك بعد الحادي عشر من سبتمبر؟

أنتم تعرفون ماذا حدث؛ فالنشاط الدعوي أصبح يُنظر إليه بشيء من الحذر إن لم نقل بكثير من الريبة، لكن مع ذلك فإن الدعوة الصحيحة السلمية تتأقلم مع هذه الظروف، وبالتالي فالنشاط الدعوي مستمر- وكان عليّ اليوم أن أسافر إلى فرنسا لحضور مؤتمر المنظمات الإسلامية هناك لكن لظروف شخصية لم أتمكن من السفر- والأخوة هناك يمارسون نشاطهم الدعوي بشكل جيد في إطار احترام قوانين ونظم البلاد التي يتواجدون فيها؛ فالداعية من خلال نضجه الفكري ووعيه للمتغيرات والظروف المحيطة، وكذلك اختلاف البيئات يمكنه أن يقدم الكثير للعمل الدعوي.


ما يُقال عن العمل الدعوي يُقال كذلك عن العمل الخيري الإسلامي فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ظهرت دعوات تطالب بمحاصرة العمل الخيري الإسلامي بدعوى تجفيف منابع الإرهاب .. ما السبيل لمواجهة هذه الحملة في رأيكم؟

ما تفضلتم به صحيح؛ فالعمل الخيري أيضًا يواجه ظروفًا شديدة لكن أعتقد أن اعتماد الشفافية والمنطق العقلاني والتـزام الشرعية والعمل ضمن الضوابط التي يحدّدها ولاة الأمر والانطلاق من ذلك، مع قدر كبير من الشجاعة والصبر دون التهور.. وتقديم الحجج الواضحة على أن هذا العمل هو من صميم رسالة الإسلام، وأيضًا بالتنبيه والمقارنة مع عمل المنظمات والهيئات غير الإسلامية. 

ولابد من بذل جهد لإيجاد الصيغ والقنوات المناسبة لتمرير العمل الإسلامي الخيري، أو علينا أن نطمئن الآخرين أن هذا العمل- الذي ينظرون إليه بكثير من الشك والريبة- لن يساند الإرهاب، ولن يكون أبدًا سببًا في إيذاء الناس أو تشجيع الإرهابيين، وإنما هو عمل مشروع يُراد به إيصال الخير والنفع للمحتاجين في كل مكان.

والحقيقة أن المنظمات والهيئات الإنسانية في العالم بإمكانها أن تبذل جهدًا لإزالة العوائق التي تعترض هذا العمل وتحدّ من نشاطه. 


في الآونة الأخيرة كثر الحديث عن الحاجة للانفتاح والإصلاح السياسي .. في هذا الصدد ما موقفكم من الممارسة الديمقراطية كنظام للحكم في بلادنا الإسلامية؟

السؤال الكبير هو أي ديمقراطية نعني؟ هل هي الديموقراطية الليبرالية التي منحت صلاحية التشريع للبشر في كل المجالات، والتي ترفع سقف الحريات بلا حدود أو ضوابط ؟ إذا كان هذا هو المقصود فهو مرفوض بالطبع، ولا يمكن تبريره -على الأقل من وجهة نظر إسلامية- أما إذا كنا نعني بالديموقراطية الإصلاح الذي يسمح بمشاركة أهل الإصلاح أو أهل الحل والعقد فالإسلام قد وضع نظام الشورى ونظام “العرفاء” معروف في عهد رسول -الله صلى الله عليه وسلم- والعلماء اعتبروا ذلك أصلاً في تعيين” العرفاء” لأنهم أعوان للإمام ، والانتخابات تدخل في هذا المفهوم ، وفي نظام الشورى بشكل عام. وبالتالي فلا يوجد إشكال من هذه الناحية – على الأقل من الناحية النظرية- مع العلم أن لكل بلد ظروفه وخصوصيته التي لا بد من أخذها في الاعتبار. ومع ذلك فلابد من شيء من الإصلاح لإزالة الاحتقانات في العالم الإسلامي.. ولا بد من شيء من التفاهم وسيادة الحوار على كل المستويات.


هل تتعارض مشاركة المرأة في الحياة السياسية مع النصوص الشرعية؟ وعلى افتراض أنها لا تتعارض: ما هي حدود تلك المشاركة؟ 

مسألة المرأة هي من المسائل التي شغلت الناس كثيراً في هذه الأيام. والمرأة في الأمور الشرعية مكلفة بما يكلف به الرجل، أي أن الخطاب التكليفي جاء عاماً للرجل والمرأة – إلا ما اقتضته طبيعة كل منهما- وبالتالي فإن المشاركة خاضعة للضوابط التي وضعتها الشريعة الإسلامية.

هناك سقف وهناك ضوابط لا بد من اعتبارها، علماً بأن المرأة لا يمكن أن تكون رجلاً، كما لا يمكن للرجل أن يكون امرأة، فهذه فطرة الله -سبحانه وتعالى- ومن أراد تغيير هذه السنن فمصيره الفشل بلا شك لأنها سنن إلهية لا يمكن تغييرها.

وهناك شيء لا يريد الغرب فهمه، وهو أن للمرأة سقفاً لا يمكن أن تتجاوزه، وهذا السقف تحدّده طبيعتها وفطرتها. ومع ذلك فالإسلام منح المرأة كل حقوقها، وحرّرها من كثير من القيود التي كانت في الجاهلية، اعتباراً لمكانتها، وبالتالي ففي حدود هذه الضوابط الإسلاميّة الفسيحة والمرنة يمكن للمرأة أن تشارك وتخدم مجتمعها.


بوصفكم باحثاً وأستاذاً جامعياً وعلى صلة بالوسط الأكاديمي منذ فترة طويلة.. كيف تفسرون ندرة مراكز وهيئات البحث العلمي في بلادنا الإسلامية؟

هذا السؤال وضع الأصبع على داء شكوت منه كثيراً .. فهذه المراكز العلمية في غاية الأهمية لأن من شأنها أن تنير الدروب للباحثين و أن تقدم الحلول للقضايا المطروحة ليس فقط للمجتمعات وإنما للقادة أيضاً.

ونحن نرى الغرب يتسلح بها -وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية – لأن هذه المراكز تمثل بالنسبة لهم المقدمة والنتيجة .. بمعنى أنها هي التي تطلب الأفكار، وهي التي تنـزل الأفكار بعد ذلك إلى المستويات التنفيذية.

فالعالم الإسلامي بحاجة كبيرة وملحة جداً إلى إنشاء هذه المراكز والمؤسسات العلمية التي تدرس مختلف القضايا في جو هادئ رصين لتقدمها للقيادات الفكرية والسياسية لبلادنا الإسلامية لتتم الاستفادة منها في كل مجالات الحياة .


في ظل المستجدات والتحديات التي تواجه المسلمين اليوم ألا ترون أن “أولويات الفتوى” بحاجة لإعادة نظر لصالح ما يُسمّى بفقه المرحلة؟

في الحقيقة الفتوى بحاجة إلى مراجعة.. بمعنى أن الفتوى هي أولاً صناعة، وهذه الصناعة يجب علينا أن نتقنها، و لا يجوز أن تكون الفتوى كلأً مباحاً يجوز لكل شخص أن يرعى فيه، فهناك ضوابط وأصول لهذه الصناعة يجب أن نرجع إليها، وأن نراجعها، وأن ننطلق منها.

الشيء الثاني يجب مراجعة الفتوى من جهة فن الفتوى، والشخص الذي يفتي، وكذلك من جهة الموضوعات التي ينبغي أن تتناولها الفتوى الجماعية – وهي الموضوعات الكبرى التي لا ينبغي أن يفتي فيها الفرد – فالفرد قد يفتي في موضوع الطهارة أو الزكاة مثلا لكن لا يحق له أن يفتي في قضايا كبرى تلزم الأمة وتهدّد مستقبلها، و المجامع الفقهية تتحمل مسؤولية كبرى في هذا المجال، فنحن لدينا مجامع، ولدينا مجالس، ولدينا هيئات كبرى كهيئة كبار العلماء بالمملكة، ومجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والمجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء.. هذه المجامع يجب أن تقوم بوظيفتها في هداية المسلمين، وإعادتهم إلى اعتبار المرجعية الإسلامية الصحيحة.

ينبغي علينا أن نروّج لهذا ونحاول إفهام وسائل الإعلام بأن لا تروّج لفتاوى فردية قد تضر بالأمة في حاضرها ومستقبلها، أيضاً ينبغي أن نؤصل فقه المقاصد، وهو فقه واسع يضمن اعتبار المصالح المعتبرة وإلغاء المفاسد المضرة، وبالتالي إذا وازنّا بين المقاصد والنصوص الجزئية، وبين الكليات والجزئيات نصل إلى الفتوى الصحيحة التي تحتاج إلى جملة من الضوابط والأسس.


في زمن الفتن والتحديات التي تهدد وجود الأمة ككل أيهما أولى للداعية : أن يركز على ما يجمع الأمة ويوحد كلمتها.. أم ينشغل بالخلافات والنـزاعات بين الطوائف والفرق الإسلامية؟

في الحقيقة بالنسبة للدعوة كما هو الشأن بالنسبة للفتوى كذلك هناك قاعدة مهمة هي قاعدة النظر في المآلات – وهي قاعدة شرحها الشاطبي رحمه الله شرحاً وافياً – أن ننظر في مآل الفتوى ومآل الدعوة، كذلك هذه المآلات تحدّد مسار الفتوى كما تحدّد مسار الدعوة. وهي طبعاً لا تجعل الحرام حلالاً، ولا الحلال حراماً، ولكنها تحدّد الأسلوب الذي يجب أن يتعاطى به الداعية مع الموضوع، والرسالة التي يريد إيصالها للجمهور.. هذه مسألة في غاية الأهمية ونحن بحاجة إليها.. بحاجة إلى الوسطيّة في الدعوة والفتوى.

فالداعية عليه أن يسلك منهج الوسطية – التي ليست إفراطاً ولا تفريطاً – فالمعصوم واحد هو النبي -صلى الله عليه وسلم – كل الناس بعد ذلك يؤخذ من كلامهم ويُردّ، ونحن نجد أن بعض الدعاة – هداهم الله- يرفعون بعض الناس أو بعض العلماء إلى درجة تقترب من العصمة بحيث لا يعتبر أي خلاف معهم، وهذا خطأ واضح “ولم يشم رائحة الفقه من لا يعرف اختلاف العلماء”كما قال المقري.

فعدم معرفة الاختلاف، وعدم معرفة أقوال العلماء، وكذلك التعرف على البيئات والواقع؛ فالبيئات الأوربية -مثلاً – تختلف عن بيئات بلداننا الإسلامية، وينبغي أن يُؤخذ ذلك في الاعتبار.

الشريعة تريد أن تقدم الإسلام إلى الناس محبوباً محبّباً سمْحاً متسامحاً.. وبهذه الروح يمكن أن تحقق الدعوة الإسلامية أهدافها، وبدونها تفقد الدعوة الكثير من تأثيرها المطلوب، ويفسد الداعية أكثر مما يصلح.

لا نتـفق مع الغرب شـرعاً .. فلماذا لا نتفق عقلاً؟؟؟

 

حاوره: د. عبدالعزيز النهاري                   

23/9/1425                           

6/11/2004


الحديث الى معالي الشيخ الدكتور عبدالله بن بيه.. يجذبك الى عالم واسع من الثقافة .. والعلم .. والرؤية الناصعة للاسلام كعقيدة .. وفكر وسلوك .. ولقد شرفت كثيرا وانا أجلس الى هذه الشخصية الاسلامية العميقة .. واستمع الى العالم والمفكر الإسلامي .. والوزير الموريتاني الأسبق للعدل .. وأستاذ الثقافة الإسلامية وأصول الدين بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة ..

كان موعدي مع معاليه عقب عودته من مؤتمر لحوار الأديان عقد في برشلونة بحكم منصبه كنائب لرئيس المجلس الأعلى للعلماء المسلمين .. والذي مقره لندن .. وكان حوار الأديان هو بداية لقائي هذا بفضيلته.


*معالي الدكتور .. هل حان الان وقت الحوار بين المسلمين او بين الاسلام والديانات الاخرى ؟

** يبدو لي ان الحوار حان وقته منذ زمن طويل.. ووقت هذا الحوار لاينقطع.. فالحوار وقت اداء..وليس وقت قضاء.. ففي الشريعة نقول.. وقت اداء.. ووقت قضاء..فنحن عندما نصلي الصلاة في وقتها.. فهذا وقت اداء.. واذا صلينا في غير وقتها فهذا قضاء.. لكن وقت الحوار وقت دائم.. لان الله سبحانه وتعالى امر بالحوار .. ((وجادلهم بالتي هي احسن )) لان الحوار قيمة انسانية.. ولهذا يقول افلاطون كما ينقل ( وايت هد ) في كتابه( مغامرات الافكار) عن افلاطون انه قال.. ان الحوار قيمة إنسانية لتعريف الإنسان على البديل للحرب.. وان أي حضارة تستعمل القوة تعتبر حضارة فاشلة.. لان الانسان اعطيت له قيمة الحوار والاقناع..و من شان ذلك ان يعرفه على بدائل للحروب.. بدائل للمآسي التي تنسب للإنسانية ..


* هل يعني هذا ان يكون الحوار حالة دائمة ومستمرة .. وغير مرتبطة بزمن معين ؟

** نعم .. الحوار هو قيمة دائمة ..وبالتالي فهو لايرتبط بزمن دون زمن.. حوار في السلام.. حوار في التواصل الحضاري.. حوار في التعارف (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) .. فالحوار هو كما قلت قيمة دائمة .. طبعا هناك وقت يصبح الحوار فيه اشد الحاحا واشد الزامية اذا صح التعبير.. خصوصا في وقت الأزمات .. ولهذا فانا اعتبر ان الحوار في هذه الفترة واجب.. وانه يجب الا نيأس .. وان لا نقنط .. فالمؤمن لا ييأس.. والله سبحانه وتعالى يقول في شأن سيدنا ابرهيم.. ( من يقنط من رحمة ربه الا الضالون) ويقول عن سيدنا يعقوب( ولا تيأسوا من روح الله انه لا ييأس من روح الله الا القوم الكافرون) فاليأس والقنوط ليس من شان المؤمنين .. طبعا قد تعترض المؤمن عقبات ..وتقف في وجهه صعوبات.. فيجب عليه ان يحاول دائما التغلب على هذه الصعوبات.. لان الحوار هو نوع من الجهاد .. ونوع من الصراع.. الحوار ليس نزهة.. كما ان القتال والحروب ليست نزهة ايضا.. ويجب علينا ان نفهم الحوار على هذا الأساس .. وان نحاول دائما ان نستمر فيه..لاقناع الاخر ..ونقيم راينا بالحجة والبرهان.. الاسلام ينتصر بالبرهان لا بالسيف والسنان كما يقول القاضي ابو مكرم العربي الأ أندلسي


حوار ما بعد سبتمبر 

* طالما ان الحوار هو شيء مستمر ولن ينقطع.. كيف ينظر الغرب الان الى حوارنا معهم ..خصوصا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما يحدث الان من اعمال ارهابية.. يقوم بها المسلمون ؟

** الحوار ينقطع ..لكنه لاينبغي ان يتوقف.. والا سيكون هناك نوع من القطيعة بيننا وبين الغرب وفي ذلك نوع من عدم الفهم.. أو ( الفهم الاحادي) اذا صح التعبير.. ولهذا فالغرب ينظر الينا نظرة سلبية .. يرى فيها ان المسلمين هم مشاغبو الحضارة المعاصرة..وبالتالي فان موقف بعض الغربيين منهم هو موقف سلبي.. وفي المقابل فان المسلمين ايضا ينظرون الى الغربيين كأناس متوحشين .. لايعترفون بغير منطق القوة.. ومنطق الجبروت والقهر.. وبالتالي هذا المنطق يهيج عواطف المسلمين.. ولان الوضع وضع في غاية الصعوبة في بعض الاحيان.. وكما قلت اخيرا في برشلونة.. انه من الصعب على البريء ان يعتذر.. وهذا واقعنا ..نحن نقول ديننا براء من كل الاعمال العنيفة التي ليست مبررة.. وليست شرعية ونحن براء منها.. حتى ولو جاءت من طائفة تنتمي الى هذا الدين و قد تستنجد بالدين .. لكن ذلك لايعنى ان الذي تعمله هو من صلب الدين .. ولكنه استنجاد لتقوم باعمال خارج حدود الشرعية والقانون.. و هذا يجب ان لا يعمم على المسلمين.. لذلك فانه لايجب أن يفرض علينا جميعا ان نعتذر ونحن براء.من تلك الأعمال ..


النظرة السلبية 

* اذن كيف نعدل هذه النظرة السلبية من الغرب نحونا كمسلمين ؟ 

**بالامكان ان نعدل من هذه النظرة السلبية للغرب .. بكثير من الصبر وكثير من المثابرة.. وكثير من المنطق.. وكثير من الشجاعة ايضا ..وان نحاول ان نجد اطرافا من الغرب لها هذا التعقل.. لنضع اليد في اليد.. سواء على مستوى المثقفين او مستوى الهيئات البرلمانية.. فقد خبرت هذا بنفسي وذهبت الى البرلمان الاوروبي قبل اشهر والتقيت بالمساعد( رومانو برودي) وهو السفير النمساوي المسؤول عن شؤون ( حوار الديانات والفلسفة) فوجدت عنده تفاهما كبيرا جدا.. لاني انا عضو في المجلس الاوروبي للبحوث والافتاء.. بمقرهم بدبلن بايرلنده.. ورئيس لجنة الحوار.. فحاورتهم في مايسمى بالقيم الاوروبية لان الاوروبيين لديهم كلمات ينطلقون منها .. ويبنون تحليلاتهم عليها.. مثل كلمة النظام العام.. يقول احدهم مثلا .. هذا يخالف النظام العام ..الحجاب في فرنسا يخالف النظام العام.. يخالف القيم الاوروبية.. يخالف القيم العلمانية.. هذه كلمات غامضة .. نحن نحتاج الى حوار على المستوى الفلسفي والفكري ليحدد لنا مضمون هذه الكلمات.. ماهي القيم الاوروبية??.. العباءة الاوروبية لايمكن ان تشمل المسلمين ايضا .. دعونا نتحاور.. ليس فقط من منطلق ديني .. قد نختلف في الدين( لكم دينكم ولي دين) لكن من منطلق العقل.. يقول ديكارت ” ان العقل هو احسن الاشياء توزيعا على بني البشر” .. فدعونا نتحاور عن طريق العقل.. عندنا شاعر قديما قبل قرنين يقول: ((وحكم لها ياصاح من هن حكم ثلاثة هن الشرع والعقل والعرف )) فمرجع الاحكام ثلاثة اشياء..هي الشرع والعقل والعرف ..فنحن مع الغرب قد لانتفق شرعا .. لكن قد نتفق عقلا .. وعرفا .. هنا نحن نريد تكوين ماسميته لهم في مؤتمر حوار الديانات ((espace de tolerance بمعنى (فضاء التسامح) .


فضاء التسامح 

*وما الذي يحتويه هذا الفضاء ؟

** في هذا الفضاء ستجد امرأة محجبة…و امراة كاشفة .. ستجد رجلا بلحية .. وآخر بلا لحية.. ناس على دين..و ناس على غير دين .. هناك مئة وخمسون مليون مسلم على ضفة البحر االمتوسط الجنوبي.. واكثر من هذا العدد ربما على الضفة الاخرى من الاوروبيين.. هم يتحدثون عن التبادل التجاري .. ونحن معهم .. لكن ماهي قواعد هذا التبادل.. لايمكن ان تكون القواعد الا بالتسامح في الاختلاف الفكري والحضاري..لذلك فان علينا ان نتبنى مثل هذا المنطق .. لنؤكد للغربيين بالبرهان.. امكانية واسس التعايش التي تقوم على الاختلاف الحضاري.. لقد قلنا لهم انتم ليست لكم مهمة الهية في ان تفرضوا علينا بعض القيم.. ونحن ايضا لانملك هذه المهمة ..دعونا اذن نتعايش بسلام ..الارهاب منبوذ.. وكل ما يتصل بالعنف نحن لانوافق عليه.. و اذا كانت هناك فئة قليلة فقدت صوابها لسبب او لآخر.. فان الغالبية الكبرى من حكومات وشعوب ومثقفين لا يقرون ذلك .. بل يريدون ان نعيش بسلام معكم.. نريد ان نستفيد من التكنلوجيا.. وتستفيدون ايضا.. ان هذه الاسس في نظري يمكن ان تكون نافعة ومجدية في الحوار مع الغرب


حوار المسلمين اولا 

* لكن قد يكون لدى الغرب حجة في انكم تريدون ان تتحاوروا معنا .. لماذ انتم كمسلمين .. لا تتحاورون اولا مع انفسكم ؟.. وحقيقة فضيلة الدكتور نحن كمسلمين نعاني من انقسام كبير مع بعضنا البعض؟ 

** الانقسام والاختلاف طبيعة بشرية.. وينبه على هذا ابن القيم في كلام جميل جدا ..يقول: ان الاختلاف يرجع الى الارادات .. مادام البشر عندهم إرادات.. هذه الإرادات ستختلف مادام لهم عقول.. هذه العقول ستختلف.. لكن الاشكال هو كيف نحجم هذه الخلافات حتى لاتكون خلافات مضرة ..و حتى نجعلها من نوع الاختلاف الحميد و هذا النوع وهو موجود لا شك في ذلك.. لهذا عندنا في الشرعيات يقول ابن القيم .. وقد سماه الاختلاف السائغ بين اهل الحق.. هم كلهم على الحق لكنهم يختلفون.. انقسامات المسلمين يجب ايضا يجب التغلب عليها و ان نعمل معها في اتجاهين.. اتجاه للداخل.. واتجاه للخارج.. طبعا بالنسبة للغربيين .. لايمكن ان يكون هذا الانقسام حجة لهم ..


*كيف ؟

** يمكن ان نعتبر ان هذا مشوه للجانب الاسلامي.. ولقد طرح علينا مثل هذا السؤال في برشلونة.. طرحه واحد مقرب من البابا.. قال لنا : لقد عرفنا المحاور المسيحي .. فمن هو المحاور الاسلامي.. ? انتم مذاهب! فقال لي رئيس الجلسة (ماركو) وهو ايطالي مسيحي : نريد ان نسمع منك جوابا على ذلك السؤال.. قلت له بالنسبة للحوار مع المسلمين فحواركم مع المرجعيات.. و انتم ايضا تمثلون طرائق قددا.. انتم بروتستانت .. وكاثوليك.. وارثوذكس.. لستم شيئا واحد.. ولا لونا واحدا .. ونحن قد كوّنا ماسميناه بالاتحاد العالمي للعلماء المسلمين في لندن.. وهو يمثل صفوة من العلماء المسلمين.. كان منخرطا فيه حوالى مائة عالم.. لكن الان ربما توسعت القاعدة.. فهذا الاتحاد موجود الان معكم و يمكن ان يكون محاورا منطلقا من مرجعيات .. ونحن نرى بأنه لا اشكاليات هناك حول من هو الطرف المحاور.. انني اعتقد ان الاختلاف موجود حتى عندهم.. هم مختلفون ايضا .. ولذلك فان ما يعوز هنا هو عقلنة الخلاف.. بمعنى ان يكون هذا الخلاف في الحدود المقبولة ..الحدود الممكنة.. الحدود التي لا توصل الى التناحر .. فالحديث الشريف يقول (لا تباغضوا ولا تدابروا ) فالتباغض والتدابر داء.. ويجب ان نتغلب عليه


عقبة الحوار مع الغرب 

*لكن التباغض والتدابر موجود الان نتيجة هذا الاختلاف الذي يعيشه المسلمون .. فهناك من خرج على الجماعة, وعلى الاجماع.. وهناك تعصب للرأي الواحد ..فكيف يمكن لنا ان نقنع الغرب ..في حوارنا معه ؟ 

** في الواقع انا اتفق معك ..ان هذا يمثل معوقا في حوارنا مع الغرب ..لكنه لايمثل عقبة لايمكن التغلب عليها ..فكما قلت نحن نعمل في اتجاهين .. اتجاه داخل الاسلام لتعريف المسلمين بان الاختلاف مقبول.. وانه لا اشكال في الاختلاف.. أما مسألة الراي الواحد والعين الوحيدة .. فهذا خطا .. وهذا لايمثل شريعتنا الاسلامية.. وخاصة في القرون الاولى نشأت عشرات المذاهب.. وتعايشت في نطاق هذه الامة الاسلامية التي امتدت من جدار الصين الى جبال البرامس في فرنسا.. هذا ما اسميه بالحيز الآمن للعالم الاسلامي.. لان الصحابة رضوان الله عليهم .. كونوا خلال خمس وثمانين سنة حيزا لايمكن القضاء عليه ..مهما كانت قوة العدو.. يمكن ان يقضي على اجزاء بسيطة من اطرافه .. لكن الحيز كله منيع وصامد .. و في هذا الحيز ازدهرت المذاهب المختلفة ..فهناك ثوابت الايمان بالله وكتبه ورسله واليوم الاخر.. وهناك المتغيرات والاختلافات المقبولة والسائرة ..وهناك الاختلافات حتى وان كانت مقبولة فانه يمكن التعايش معها ..فصاحب الرجل العرجاء اذا قلت له هل تفضل ان نقطع رجلك.. أو أن تتعايش مع رجلك.. سيقول انا أفضل ان اتعايش مع رجلي.. فالعملية هنا .. هي عملية تأهيل ..هو سيؤهل رجله حتى يسير معها.. لماذا لا ننظر الى المسألة من هذه الزاوية.. ونحاول تأهيل ارجلنا العرجاء حتى نسير معها.. ولهذا قضية الاختلاف قضية في غاية الاهمية.. ويجب ان نحافظ على الاسلام.. وان ننظم الخلافات.. ونسيرها كما تسير القطارات.. هذا يسير ..وهذا يسير.. وكل واحد له وقته.. ننظم الخلافات حتى لاتصطدم القطارات.. والحمد لله بدأت الان.. أصوات تتكلم..و بدون هذا سيظل الصدام دائما.. اما ان تكون هناك مجموعة ولو قليلة.. تقول انها تحتكر الحق المطلق.. و تتكلم باسم الاله عز وجل .. والرسول صلى الله عليه وسلم.. وبالتالي تريد ان تقاتل الجميع.. فهي حرب على الجميع وتكون مثل اولئك الذين يقولون من ليس معنا فهو ضدنا.

قانون منع الحجاب في فرنسا

حاوره: ياسر باعامر                  

33/11/1424                        

25/01/2004


– قانون منع الحجاب سيضر بالاندماج الإيجابي الذي كنا ندعو إليه المسلمين.

– مجلس الإفتاء الأوروبي يعتبر المرجعية الإسلامية في الأوساط الأوروبية.

– الحكومة الفرنسية أحالت القانون إلى وزارة التعليم للتخفيف من وطأة القانون.

– ما نخشاه أن تتحول العلمانية الفرنسية إلى عقيدة إيديولوجية.

– العالم الإسلامي يخشى أن تكون هذه القضية بداية تمييز ديني ضد الإسلام.


العلامة الشيخ (عبد الله بن بيه) اسم تردد كثيراً في الأوساط الأوروبية، فقد تميز ضيفنا باحتكاكه المباشر بواقع الأقليات المسلمة في الدول الغربية، لذا أعتبر من المرجعيات الإسلامية الموثوقة في الوسط الأوروبي. يرأس الشيخ ابن بيه حالياً لجنة الحوار مع الحكومة الفرنسية المنبثقة من مجلس الإفتاء الأوروبي – إحدى المؤسسات الشرعية الأوروبية – للتباحث مع الجهات الفرنسية الرسمية بشأن قانون منع الحجاب، ويوضح الشيخ ابن بيه في لقائه مع (الإسلام اليوم) أن لجنة الحوار ستركز في حوارها مع الحكومة الفرنسية على الأثر السلبي من فرض هذا القانون الذي سيؤدى إلى تقوقع المسلمين في كنتونات خاصة بهم مما سيضر بالعلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الفرنسي، وستركز اللجنة أيضاً على أن إصدار هذا القانون سيُخسِّر فرنسا رصيد احترامها في العالم الإسلامي بمواقفها المشرفة سابقاً. واعتقد أن هناك احتمالات واردة ورسائل مبطنة قد تكون وراء هذا القانون. بالإضافة إلى بعض المحاور الأخرى.


موقع (الإسلام اليوم) يعتبر أول جهة إعلامية تحاور الشيخ عبد الله بن بيه قبل سفره إلى العاصمة البلجيكية (بروكسل) للتباحث مع رئيس اللجنة الدينية بمجلس الاتحاد الأوروبي.. فإلى الحوار:


* باعتباركم عضوًا بمجلس الإفتاء الأوروبي ورئيسًا للجنة الحوار مع الحكومة الفرنسية.. ما هي خطواتكم الأولية تجاه قضية الحجاب؟ وما هي الملامح الرئيسة لهذه اللجنة؟

كما تعلمون أن قضية الحجاب تعتبر من القضايا الساخنة على الساحة الإسلامية بصفة عامة وعلى الساحة الأوروبية بصفة خاصة، وبما أن مجلس الإفتاء الأوروبي يعتبر مرجعية إسلامية في الأوساط الأوروبية ويعتبر المجلس من الهيئات الأوروبية(مجلس الإفتاء الأوروبي مسجل رسميًّا في إيرلندا المنضوية تحت لواء الاتحاد الأوروبي)وكما تعلمون أن الحكومة الفرنسية ستصدر قرارًا بمنع الحجاب- خصوصاً وأن القانون لم يصدر بعد، وإنما هو في طور الصدور، والقانون في النظام الفرنسي لا يصبح قانونًا حتى تصدق عليه الجمعية الوطنية الفرنسية-رأى المجلس أن يشكل لجنة للحوار مع الحكومة الفرنسية كرد فعل على سن مثل هذا القانون، و اللجنة بادرت قبل أن يسن هذا القانون بإعلان موقفها من هذا القانون لاعتبارات كثيرة ..


* عفواً معالي الشيخ أريد توضيحاً لهذه الاعتبارات؟

الاعتبارات هنا كثيرة ولعلي أوجزها في التالي: أولها: مخالفتها للشريعة الإسلامية بالنسبة للمسلمين. وثانيها: حفاظاً على العلاقات بين مكونات المجتمع الفرنسي من جهة، وبين فرنسا و العالم الإسلامي من جهة. ثالثها: المحافظة على حقوق الإنسان و الحريات الشخصية .. كذلك إذا أُصدر القرار فإنه سيضر بحقوق المسلمين في الديار الأوروبية؛ فلهذه الاعتبارات قالت اللجنة التي هي جزء من المجلس كلمتها من الناحية الشرعية والإنسانية.


* أعود إلى ملامح التأثير والضغط من قبل اللجنة على اقتراح الحكومة الفرنسية لقانون منع الحجاب؟

التواصل مع الجهات الغير حكومية في فرنسا كالمجلس الوطني للديانة الفرنسية ومجلس الكنائس الفرنسي التي كان موقفها مناسبًا ومؤيدًا لاحترام حقوق المسلمين، أيضاً التواصل مع منظمات حقوق الإنسان التي تؤيد احترام الحقوق الدينية للمسلمين.


* شيخ عبد الله عقدتم لقاءً مع المجلس الوطني للديانة الإسلامية في فرنسا وهي جهة رسمية فرنسية، السؤال عن ماذا تمخض عن هذا اللقاء؟

فعلاً قمنا بالاتصال بالمجلس الوطني للديانة الإسلامية وعقدنا معهم اجتماعاً في باريس، استمعوا إلى آرائنا واستمعنا إلى آرائهم، ووجدناهم في حيرة من أمرهم واختلاف في الموقف الذي ينبغي أن يتخذوه في هذا الصدد، خاصة مع تزايد الاحتجاجات المناهضة لسن مثل هذه القوانين، ووجدنا تفاعلاً وشكرونا على ذلك، وقالوا إن هذا يبين أن المسلمين ليسوا أيتاماً وأن هناك جهات تتولى أمورهم وتعتني بقضاياهم .


* وماذا عن المنافذ السياسية الحاكمة في فرنسا؟

سنجري مستقبلاً لقاءات مع رموز الدولة الفرنسية: مع الرئاسة الفرنسية، والخارجية الفرنسية، والداخلية الفرنسية، ومع رئيس البرلمان و المجموعات البرلمانية للأحزاب الفرنسية المختلفة.


*  تستعدون حالياً لمغادرة السعودية نحو العاصمة البلجيكية بروكسل، فإلى ماذا تهدف هذه الزيارة؟

تتلخص هذه الزيارة في اللقاء برئيس اللجنة الدينية بمنظمة الإتحاد الأوروبي للتباحث معه بشأن خلفيات إصدار مثل هذا القانون ومدى الأثر السلبي الذي سيعود من خلال سن مثل هذا القانون على اندماج الجالية المسلمة اندماجاً إيجابيًّا.


* خصوص الاندماج.. دائماً لا تخلو مؤتمرات مجلس الإفتاء الأوروبي وغيره من المؤتمرات الإسلامية الأخرى من حث المسلمين على الاندماج الإيجابي في الغرب، ماذا تتوقعون من رد فعل الجالية المسلمة على هذا الاندماج الذي تدعون إليه؟

فعلاً ففي كل دورات مجلس الإفتاء الأوروبي ندعو المسلمين إلى التفاعل و التناغم مع البيئة التي يعيشون فيها في الغرب ، وهذه الدعوة قد تتضرر مع هذا القرار.

المسلمون قد يرون أنه ليس هناك اندماج إيجابي، بل دمج بالقوة لهم، فالاندماج عبارة عن قبول الآخر، وعبارة عن تعايش طوعي يقوم به الإنسان ملء إرادته، وهو اندماج يحترم التنوع الثقافي للمجتمع ، وبالتالي يتعاطى المجتمع فوق خلافاته ويمد جسور التعاون و المحبة، وجسور المواطنة فوق الاختلافات الإثنية و العرقية و الدينية، هذا هو الاندماج الذي نفهمه، ومثل هذا القرار سيؤدي إلى عزلة المسلمين وتقوقعهم على أنفسهم إذا هم قرروا إنشاء مؤسسات خاصة بهم، ومثل هذا القرار سيكون ذريعة إلى الانكماش، وهذا ما نحذره من جراء هذا القرار منها ما هو على مستوى الفرد ومنها ما هو على الجالية الإسلامية في فرنسا، ومنها ما هو على مستوى العلاقات الاجتماعية داخل المجتمع الفرنسي، ومنها ما هو على مستوى علاقات فرنسا بالعالم الإسلامي، وفرنسا هي من كانت تدعو إلى التنوع الحضاري، وخطب الرئيس شيراك في السنوات كانت تدعو وتشدد على هذا التنوع الحضاري و التعددية الفكرية و الثقافية وكان بطلها الفعلي، فعندما تناقض فرنسا نفسها بهذا السلوك فإنها تكذِّب نفسها، ولست أنا من يقول هذا إنما صحيفة كبرى “الوموند” الفرنسية في مقالات لها أظهرت هذا التناقض.


* فرنسا كسبت رصيداً كبيراً في احترام العالم الإسلامي لها من خلال مواقفها الجيدة مع قضايا العرب والمسلمين في معارضة العولمة على الطريقة الأمريكية، ومعارضة الحرب على العراق. ألا تعتقد أن مثل هذا القانون يضر بعلاقة فرنسا مع العالم العربي والإسلامي ؟

من هذا المنطلق ، ومن أجل أن تحافظ فرنسا على هذا الرصيد مع العالمَين العربي والإسلامي، عليها أن ترجع عن هذا القرار، وأن تترك للمسلمين ممارسة حقوقهم؛ لأن ذلك يزيد رصيد فرنسا. وعلى العكس من ذلك إذا اتخذ هذا القرار وفي هذا الوقت تحديداً؛ فإن فرنسا ستخسر هذا الرصيد تدريجيًّا.


* معالي الشيخ هناك سؤال قد يكون جوهريًّا في فهم أبعاد هذا الموضوع ، ألا وهو ما الفرق بين العلمانية الفرنسية الفرانكفونية، و العلمانية الأمريكية (الأنجلوـ سكسونية) ؟

العلمانية بصفة عامة عبارة عن تخلي الدولة عن الدين، وجعل الدين أمراً يخص الإنسان، لكن هذا يختلف من بيئة إلى بيئة ، ومن فلسفة إلى فلسفة، فلفلسفة الأنجلوـ سكسونية لا تجعل العلمانية منافية للدين؛ بل على العكس يمكن أن يكون الدين عاملاً مهمًّا في بناء المجتمع. أما الفلسفة الفرنسية فمن المعروف أن لها تاريخًا عدائيًّا مع الكنيسة. وهناك كلمة معبرة عن العلمانية الفرنسية تقول: ” اللامبالاة في الاختلاف مع الآخر” بمعنى: اتركه يتدين يفعل ما يشاء. لكن المشكلة الآن لدى العلمانية الفرنسية أنها تحولت إلى إيديولوجية، وهذه مشكلة كبرى، المفروض أن تكون العلمانية محايدة، ولكن ما نراه اليوم بأنها تحولت إلى دين ، وهذا ما نفهمه من الوضع الحالي. ونحن في مجلس الإفتاء الأوروبي لا نريد أن نسيء إلى الحكومة الفرنسية؛ فقد تكون اتخذت هذا القرار بحسن نية، لذلك نود التعاطي بصورة عقلانية وهادئة مع هذه القضية.


*  هل هناك رسائل مبطنة تريد الحكومة الفرنسية إرسالها من خلال سن قانون منع الحجاب؟

القانون قد يحمل في طياته بعض الاحتمالات، وقد يكون يشتمل على خب لم نطلع بعد لنكتشف أسراره حتى الآن، فمن جهة القانون لا يتحدث عن حجاب إسلامي، بل يتحدث عن رموز دينية، وهذه الكلمة (رمز) لا تزال غامضة على حد رأي رئيس الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي يعد ثاني حزب في البلاد بعد الحزب الديغولي، لكن من الواضح أن القانون موجه فقط إلى الحجاب الإسلامي، لكن هل هو موجّه فقط إلى الحجاب، أم أنه يرمي إلى فتح باب من التنازلات في المستقبل، قد تمس أمورًا أخرى غير الحجاب، قد تكون سبباً لانتشار العدوى ضد الإسلام؟ وهل يحمل نوعاً من التمييز الديني ضد المسلمين؟ هذا هو ما نخافه، وهي احتمالات واردة.


* لماذا أحالت الحكومة الفرنسية هذا القانون إلى وزارة التعليم؟

الحكومة تهدف من خلال ذلك إلى التخفيف من وطأة القانون ، فهي تريد أن تقول إنه ليس قانوناً أمنيًّا، بل هو تنظيم للتعليم ، وبالتالي وزارة التعليم هي المسؤولة عن هذا القانون.


* الملفت للنظر أن هناك مجموعات من المسلمين قد تقف عائقاً أمام أهداف اللجنة، و التي بدورها تؤيد قرار الحكومة الفرنسية وتدعو إلى عدم معارضته أو تصعيد الرأي العام ضده، فكيف تتعاملون مع هذه المجموعات؟

كما ذكرت أن هناك مجموعات تدعو إلى ذلك ، لكن السؤال ما نسبة هذه المجموعات في إطار المجتمع المسلم الفرنسي؟ الإجابة بالتأكيد هي مجموعات محدودة. وبصورة عامة؛ الرأي العام المسلم في فرنسا يقول إنه يجب محاولة رد أو ثني الحكومة الفرنسية عن إصدار هذا القانون وهذا في حد ذاته إيجابي.


* كيف تجدون تفاعل الصحف الفرنسية مع قضية قانون منع الحجاب؟

الصحافة الفرنسية منقسمة في هذا الاتجاه؛ فنجد صحيفة “الوموند” الفرنسية تقف إلى جانب المسلمين في حقوقهم التعبدية وتشريعاتهم السماوية، ويظهر ذلك في مقالات كبار الكتّاب الفرنسيين, وفي المقابل نجد صحيفة “لوفيغارو” اليمينية المتطرفة تؤيد قانون منع الحجاب؛ بل وتحث عليه بأنه يجب على المسلمين التأقلم مع النمط الأوروبي، وأن يقبل ما قبلته المسيحية من قبل، وعلى المسلمين أن يتنازلوا بناءً على هذه التنازلات. إذاً وفي الإجمال العام فإن الصحافة الفرنسية و الرأي العام الفرنسي منقسم إزاء هذا القانون.


* لاحظنا تفاعلاً إسلاميًا واسعًا مع هذه القضية، في حين أن هناك قضايا كثيرة وهامة، ومع ذلك لم نجد هذا التفاعل مقارنة بقضية منع الحجاب في فرنسا، فما هو السر في ذلك؟

قضية الحجاب تمثل اعتداءً على دين المسلمات في فرنسا، وتمثل أيضاً عدواناً على الحريات في فرنسا، وأن هذه القضية يمكن أن يكون لها ما بعدها، فيمكن أن تقول إن هذه الشحنة التي تحملها هذه القضية جعلت الناس يستجيبون بسرعة للرد على هذا الأمر، وهم يعبرون عن ذكرياتهم التاريخية؛ لأنهم يخافون أن يكون هذا بداية عصر تمييز ضد الإسلام ، ونحن نعرف ماذا صنعت أسبانيا في محاكم التفتيش ضد المسلمين، أعتقد أن هذا هو السر في ذلك.

 

مقابلة العلامة ابن بيّـه مع مجلة الجسور

 

 

حاوره: د.عادل با ناعمة

                    

العلامة ابن بيّـه للجسور: أرفض النظرة العدائية المطلقة للغرب



* في سورة آل عمران قوّم الله مسيرة النصر والهزيمةِ على ملأٍ فلم ترفض الصحوةُ أن تقوّم مسيرتُها علناً؟


قال بعض السلفِ: إنّما العلمُ الرّخصةُ من ثقةٍ، أمّا التشديدُ فكلّ أحدٍ يحسنُهُ.. طالما تمثّلتُ هذه العبارةَ وأنا أصغي إلى الشيخ الجليل العلامة معالي الدكتور عبدالله بن الشيخ المحفوظ بن بيّه. هذا الرجلُ الفريدُ الذي جمعَ في إهابِهِ نسك العابدِ، واستيعابَ الحافظ، وعقليّة الفقيه، وخبرةَ السياسيّ، وروحَ المربّي، وإشراقةَ الربّانيّ.. كذلك أحسبه والله حسيبُهُ.

ولقد امتاز الشيخ ابن بيّه بأنّه جمع بين العمقِ الشرعيّ الذي يجعله في مصافّ كبار علماء العصر، وبين الممارسة العمليّة للسياسةِ إذْ تولى خمس وزاراتٍ في بلده موريتانيا، وبين الاحتكاك المباشرِ بواقع الأقليات المسلمة ولا سيّما في أوروبا وأمريكا.. ومن كل هذا المزيج خريج الشيخ بنكهةٍ مختلفةٍ، وشخصيّة علميّة تربويّة سياسيّة متفرّدة.

في هذه القراءة لفكر الشيخِ تطرّقنا معه إلى مشكلة الأقليّات المسلمة، ولا سيّما من حيث التكييف الفقهيّ لقضاياها ونوازلها، حيث بيّن الشيخ أسباب اهتمامه بالأقليات واعتنائه بقضاياها، وأوضح بجلاءٍ أنّ للأقليّات فقهاً خاصاً بهم، لأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، وأنّ هذا الفقه ينبغي أن يبنى على التيسير والرخص التي ثبتت عن الأئمة، وقد أفاض الشيخ في بيان رؤيته لهذا التيسير وضوابطِهِ لئلا يتحوّل إلى اتباع للهوى.

 

كما تحدث فضيلتُه عنا الموقف من الآخر الغربيّ، وصرح بأنه يرى الغرب مناخاً مناسباً جدّاً للاستثمار الدعويّ، وأنّ النظرة العدائية المطلقة للغربِ مذهبٌ مرفوضٌ؛ لأنه يفوت فرصاً كبيرة لتوطين الإسلام هناك. وقال الشيخ: علينا أن نقدّم أنفسنا للغرب وللعالم كدعاة سلام وإسلامٍ لا كغزاةٍ‍. وأشار ابن بيّه إلى أنّ الحوار مع الغرب مطلوبٌ، وأنّ هذا الحوار إنما هو حوار تعايش وتحاور، ونعى على أولئك الذين يتصوّرون أنّ مجرّد الجلوس مع النصارى على مائدة الحوار معناه التنازلُ عن الثوابتِ أو المبادئ. وقد حاول معاليه أنْ يبيّن الأسس الكبرى التي تنبني عليها لغة خطابنا مع الآخر.

كما نبّه الشيخ إلى نقطة مهمّة جداً وهي إمكانيّة استثمار أحكام العصر المكيّ واستدعائها إلى واقعنا، واقع الضعف والذلّة، ونقل قول شيخ الإسلام بأنّ أحكام العصر المكيّ ليست منسوخة، وإنما كل شيء مرتهنٌ بوقتِهِ.

وعلى كلٍّ فقد جلنا مع الشيخ في نقاط كثيرةٍ مهمّة وساخنة كتقنين الفقه، واستضافة المطبوعات الإسلاميّة لرموز علمانيّة، ونقد الصحوةِ علناً عبر وسائل الإعلام من أجل تقويم مسيرتها، والنزاع بين مدرسة الفقه ومدرسة الحديث.

ويقيني قارئي العزيز أنك ستجد في هذا الحوارِ كثيراً من المتعةِ والعمقِ وحسن الفهم والتحليل، فإلى إجابات الشيخ حفظه الله.

 

* عرف عن معاليكم كثرة اهتمامكم بشؤون الأقليات المسلمة و لكم من الجهود في هذا الباب الشيء الكثير. ما سرُّ هذا الاهتمام؟ 

ربما يكون سبب هذا الاهتمام هو معرفتي الشخصية بأوضاع هذه الجاليات فهي بحكم وضعها تفتقر إلى كثير من العناية التي قد لا يفتقر إليها المسلمون في ديار الأغلبية المسلمة أو في ديار الإسلام، فالمسلمون هناك مهددون في هويتهم و في ثقافتهم و في أصالتهم وفي دينهم و عقيدتهم. وثمتَ سببٌ ثالث للاهتمام بالأقليات هو أنّ وجودهم هناك يعتبر كسباً عظيماً للإسلام، إذ لم يكن أحدٌ يتصور قبل قرن من الزّمن أن توجد أقلية مسلمة كبيرة في ديار الغرب؛ لأن الغرب كان منغلقا على نفسه منشغلا بالحروب التي كانت بين الكاثوليك و البروتستانت حتى إن إعلان حقوق الإنسان في الثورة الفرنسية كان عبارة عن مصالحة بين البروتستانت و الكاثوليك حتى يستطيعوا التعايش، و كثير من البروتستانت هربوا إلى أمريكا خوفاً من إخوانهم الكاثوليك ، في تلك الأجواء المتوترة بدأ في القرن الثامن عشر البحث عن التعايش هذا البحث عن التعايش اتّسع شيئاً فشيئاً حتى شمل اليهود ثم هو يتّسع ليشمل المسلمين، و من هنا نشأت أقليات مسلمة لها تأثيرها في قلب الغرب النصراني، و على قادة الفكر في العالم الإسلامي أن يهتموا بهذه الظاهرة -ظاهرة التعايش- في الغرب و أن ينموها و أن يرسخوها ، و أن يوطنوا الإسلام في ديار الغرب فإن هذا كسب كبير. لقد كان الأجداد يذهبون بخيلهم و رجلهم و أسلحتهم إلى البلاد البعيدة تارة ليكفّوا الغارات و تارةً ليُسمعوا الناس كلمة الله، و نحن اليوم بحمد الله نستطيع بالكلمة الطيبة و بالمنطق و بالعمل الصالح من خلال هذه الأقليات أن نسمع كلمة الله تعالى في ديار الغرب. 

لهذه الأسباب مجتمعة و لعوامل أخرى نفسية و شخصية أرى أنه يجب علي أن أعتني شخصيا و يعتني الإخوان بالمسلمين في ديار الغرب.


* و لكننا نلاحظ أن تركيزكم منصب على الأقليات المسلمة في أوروبا و أمريكا.

نعم؛ لأن هذه المناطق يسكنها كثير من مواطنينا من شمال أفريقيا و العلاقة بها قديمة جداً، ثم إنّ اللغة بيننا مشتركة فنحن كنا مستعمرة فرنسية، وقد نشأت على تقاليد وأعراف ولغة مشتركة مع هذه المناطق.


الغربُ ليس عدوّاً كله


* ظاهر كلامكم يا فضيلة الشيخ أنكم ترفضون النظرة العدائية المطلقة للغرب، تلك النظرة التي ترى أنّ كل ما في الغرب عبارة عن مظاهر مختلفة للعداء مع المسلمين لا تتيح للمسلم أن يتحدث أو ينشر دينه.

نعم أنا لا أرى ذلك، أنا أرى أن في الغرب مناخا يجب أن نغتنمه و نتعامل معه ونستفيد منه كما استفاد غيرنا. لا شك أنّ الطّريق ليست مفروشة بالزهور و الرياحين ككل طريقٍ للعمل، و أنّ بعض الشرائح في الغرب ما تزال تحكمها العقلية الصليبية، وأنّ ثمت عقول أخرى يحكمها الجهل و من جهل شيئا عاداه، لكن بصفة عامة هناك جوٌّ يمكن الاستفادة منه في أوروبا و أمريكا. ويمكننا في إطار هذا الجوّ أن نقدم الكثير.

وأعتقد أننا في هذا المجال ـ أي مجال التعريف بديننا و بيان قيمنا للغرب ـ لم نبذل جهودا كافية مع أن الأبواب هناك شبه مفتوحة .


* عفواً شيخي .. ألا ترى أن الغرب يرى نفسه أستاذ القيم الإنسانية، ومعلم البشرية في هذا المجال، فكيف لنا أن نعرض رؤيتنا وقيمنا؟ أعني بأي منطق وأي طريقة؟ وكيف لنا أن نقنعه أن قيمنا خيرٌ من قيمه التي يتشدق بها؟

يمكننا حقيقة أن نتقدم برؤيتنا ، وأن نؤصل حق الاختلاف و حق التنوع الحضاري و أن ما تمتاز به حضارتنا المسلمة و حقوق الإنسان فيها هو على مستوى المصدر و الموضوع والقيم، فمن حيث المصدر نحن لنا مصدر إلهي و مصادر غيرنا بشرية، و من حيث الموضوع و هو الإنسان لنا رؤيتنا و هي أن الله خلق الإنسان بيده، و نفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وكرّمه بالنطق و العقل، أما الغرب فقد جرى طويلاً وراء نظرية دارون الذي يقول: إنّ الإنسان الأول كان حيواناً يمشي على أربع في الغابة ثم تطور حتى صار إلى ما عليه الإنسان اليوم! 

ومن حيث القيم نجد أننا نشترك معهم في قيم الحرية والمساواة، و لكن هذه القيم عندنا مقيدة بالعدالة: حرّية مع العدل، ومساواة مع العدل، فقيمة العدل تقوم دائما بتقييد القيم.

مثلا : الإنسان له حق في الحياة لكنه إذا اعتدى على أحد فقتله فالعدالة تقول له: لا حقّ له في الحياة و هكذا.

أقول مرة أخرى: إن تأصيل حقوق الإنسان، واختلاف القيم، يؤمّن قاعدة جيّدة للحوار حول هذه القيم، ومن ثم الوصول إلى نظرة مشتركة للعدالة. 

ولأجل هذا ومن خلال مجلّتكم نرى أنه لا مناص من إنشاء مراكز في الغرب، وأنا مستعدّ لأن أنشئ مركزاً و اختياري قد يقع على فرنسا للدفاع عن قيم الإسلام و الحوار حول القيم، نحن نريد أن نكون عنصرا فعالا في هذه البشرية.

أهم شيء بالنسبة لي –كما أسلفت- هو قضية حقوق الإنسان وحق المسلمين في التنوع الحضاري، وهذا أمر أهتم به كثيراً لما رأيت من تحامل في بعض الأحيان من الغرب على الإسلام والحدود والقيم الإسلامية؛ لذلك كانت محاضرتي في كاليفورنيا عن حقوق الإسلام مشهودة، وقد حضرها بعض أعضاء جماعات حقوق الإنسان، وقدموا إلي أنفسهم بعد المحاضرة حتى إنّ امرأة منهم صارت تحضر بعد ذلك محاضراتي الشرعية والفقهية و الأصولية.


لابأس بحوار النصارى


* لعل هذا الحوار الذي تدعون إليه حوار التعايش و ليس هو حوار التقارب الذي يصطدم مع قوله تعالى : {و لن ترضى عنك اليهود و لا النصارى حتى تتبع ملتهم }؟

نعم، هو حوار تعايش، ولكنّه أيضا حوار تعارف فهم لا يعرفون عنا الكثير و لا سيما الشعب الأمريكي فهو شعب مشغول بنفسه وليس له ماض استعماري في ديار الإسلام فلا يعرف عنه الكثير، و لذلك إذا عرفوا أسلموا. 

نحن لا نيأس ، ونحن نقدم أنفسنا للغرب كدعاة يريدون إنقاذه حتى من نفسه، ونحن نساعد هذه الحضارة على أن تكون عادلة و إنسانية و نعطيها قيم الإسلام.

وحتى أزيد الأمر وضوحاً ـ لكثرة من يشغب على قضية الحوار وأهلها ـ أذكر هذه القصة، مرة كنت في فرنسا وأجروا معي مقابلةً في التلفاز، فأظهرت مرونةً في التعايش مع غير المسلمين، حتى طمع المذيع وقال: لم لاتقول: إنهم على حق، والمسلمون على حق؟ فقلت: أما هذا فلا، فأنا أعتقد أني على الحقّ الوحيد، لكن أقبلُ أن أتعايشَ معهم بالعدل والحسنى. وبعض الناس يختلط عليه الأمر فلا يفرق بين التعايش وبين القبول، ومن هذا الباب الحوارات التي تقع مع النصارى وقد اشتركت فيها في روما ومدريد وباريس ولم يكن من المطروح مطلقاً أن نتنازل عن شيء من ديننا ولا حتى عن مندوب أو مكروه، وإنما كان الحوار حوار تعايشٍ وعرض للدين الحق، وفي الحديبية كان الحوار مع قريش حول هذه القضايا، قضايا التعايش وكف اليد والهدنة وغيرها مما يحقق الصالح العام.


* ولكننا يا شيخنا الجليل لا نجد في القرآن شيئاً عن ( محاورة ) الكافرين، وإنما نجدُ (المجادلة) كما في قوله تعالى: (( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)).

يا أخي .. ما الحوار في اللغة؟ هو أن يدور كلام بينك وبين شخص.

وما الجدال في اللغة؟ هو كذلك أن يدور حديث بينك وبين شخص.

فحقيقتهما إذن واحدة.

وحسبي أن أذكرك بأن الله تعالى سمى الجدال تحاوراً .. ألم يقل سبحانه : (( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ))، فسمى حديثها مع النبي جدالاً، ثم قال سبحانه: ((والله يسمع تحاوركما)) فسمّاه تحاوراً ؟ وقال تعالى ( قال له صاحبه وهو يحاوره..) سورة الكهف 

إذن .. الجدال هو الحوار أو صورة من صوره على الأقل، وقد أذن الله لنا بجدال أهل الكتاب كما في الآية التي أسلفتَها، وكما في قوله تعالى: ((فإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون)).وأمرنا به في قوله تعالى ( وجالهم بالتي هي أحسن) سورة النحل 

وفوق ذلك كله علينا أن نتذكر أن الإقبال على الإسلام اليوم شائعٌ، وأنّ الدعاية المضادّة تريد أن تستغل نماذج بعينها لترويجها، وتنفير الناس من الإسلام قبل أن يسمعوه، ولا بد لنا أن نسلك كل طريق ممكن لإسماع أولئك كلام الله ((وإنْ أحدٌ من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله))، وأحسب أن الحوار بضوابطه الشرعيّة سبيل حسنٌ لإسماع أولئك كلام الله.


* ألا يشكل على ما تذكرون من دعوة للحوار ما امتلأت به كتب العقائد من نصوص تحذر من الجلوس إلى المبتدع والاستماع إليه بحجة أنه يلبس الحق بالباطل، ويتخذ لكل بدعة عنده شبهة قد تجوز على محاوره؟ وكتاب ابن بطة و غيره مليء بمثل هذه التحذيرات. كيف نوفق بين هذا و بين ما تدعون إليه من ضرورة الحوار مع الآخر الكافر؟

ما ذكرته صحيح، ولكن قال علماؤنا بعد ذلك: إن ذلك كان و راية الإسلام عالية، وصوته نديّ، و ساحته بريئة، أما اليوم و قد أصبح مخالفونا على المنابر فيجب أن نخاطبهم؛ لأننا إذا لم نفعل ذلك فسوف ننعزل. نحن الآن ننظر إلى أنفسنا كأكثرية في ديارنا لكننا أقلية بالنسبة لهذه القرية الكونية. 

العصر المكي ليس بعيدا منا، والنبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى عتبة و هو يتحدث ويقترح بعض المقترحات السخيفة بالنسبة للنبيصلى الله عليه وسلم ، لكنه مع ذلك قال: هل فرغت يا أبا الوليد فقال: نعم، فقرأ عليه النبي صلى الله عليه وسلم القرآن. 

وينبغي أن نعلم أنهم هم الذين يضرّ بنحلتهم سماع ما عندنا، ((و قالوا قلوبنا في أكنة و في آذاننا وَقْرٌ ومن بيننا و بينك حجاب))، لا يريدون أن يسمعوا لأن لدينا الحجة البالغة، فلماذا نتهرب من تقديم الحجة البالغة للناس؟ هذا لا يصح، و إذا سلكنا هذا السلوك فإنه سيقضي علينا في ديارنا.

 

لغة الخطاب مع الآخر


* لفت نظري استشهادكم بالعصر المكّيّ وهذا موضع سؤالٍ سأعرض له لاحقاً .. ولكني أودّ الآن سؤالكم عن حصيلةِ زياراتكم الكثيرة و حواراتكم المتعددة مع الغرب، ترى هل توصلتم إلى لغة خطاب مثلى مع الآخر الغربيّ؟ وما معالم هذه اللغة؟

معالم هذه اللغة تتحدد في كل بيئة من خلال جملة من المعادلات يستطيع الإنسان الذي له بصيرة و بصر واستبصار أن يرى من خلالها كيف يتكلم مع من يقابله، أنا أعتقد أن هناك جملة من الجوانب تنبغي مراعاتها:

أولا: علينا أن نقدم أنفسنا ونقدم هذا الدين على أنه منحة ربانية، ونقدم أنفسنا كدعاة إسلام و سلام لا كغزاة، و لا كمن يريد فرض نفسه على الآخرين ((ادْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن)). 

ثانيا: علينا أن نتعرف على الآخر، ونعرف ما هي المبادئ التي يؤمن بها، وما هي القيم التي يحترمها، وما هي القاعدة التي تحكمه؟ إذا عرفنا هذه المبادئ استطعنا من خلالها أن نتكلم. 

قد نجد قيما مشتركة كما في قوله تعال : ((قولوا آمنا بالله و ما أنزل إلينا و ما أنزل إلي إبراهيم وإسماعيل وإسحاق والأسباط.. )( وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم و إلهنا وإلهكم واحد))، هذه قيم مشتركة بيننا و بينكم لماذا ننطلق إلى التفريعات؟ 

وأنا أقول: إننا نشترك مع الغرب حتى في لغتهم ! فاللغة الغربية فيها مفردات الصلاة والنبي والصوم فإذا قدمت له نفسك و مصطلحاتك فسيفهم هذه اللغة. و ليتضح الأمر أكثر أذكر أنّ أحد الغربين في القرن التاسع عشر كان يقول: إنّ الشيطان هو الذي علّم اليابانيين هذه اللغة حتى لا يدخلها الإنجيل! لأن لغة اليابانيين ليست فيها المفردات الدينية!


* نعود ياشيخنا إلى واجب المسلمين تجاه الأقليات .. ما صفات الداعية الذي يصلح للقيام بواجب البلاغ والإرشاد بين المسلمين هنا ك؟ و هل يمكن لكل داعية أن يقوم بهذا العبء؟

أنا أظنّ أن هذا الدور لا يستطيع أن يقوم به كل داعية و طالب علم لا بد أن يكون لهذا الداعية خلفية عن الواقع، و أن تكون له سعة أفق و اتساع نظرة، و أن يعرف أنّ الإسلام له عباءة واسعة يمكن أن تضم كثيراً من الأعراف و الأعراق و العوائد التي لا تنافي جوهر الإسلام و المتغيرات التي لا تنافي ثوابت الإسلام، و لهذا أنا أظنّ أنّ الداعية الذي يذهب إلى الغرب ينبغي أن تكون له مواصفات معينة، و أن يتلقى تكويناً معيّناً و أن يتكلم بلغة الغرب، و لست أعني باللغة لغة المفردات فقط، و إنما أعني أيضا لغة المنطق و لغة العقل التي يتحدث الناس بها في الغرب، أما الداعية الذي لا يتصف بهذه الصفات فإنه في كثير من الأحيان يضر أكثر مما ينفع.

و أحب أن أشير إلى قضية مهمة و هي أننا بحاجة إلى نوعين من الدعاة: من يعلّم الناس أمر دينها من صلاة و صيام و زكاة و ما إلى ذلك؛ لأن المسلمين في ديار الغرب يحتاجون إلى أن يتعلموا أحكام دينهم و أن يعمروا أوقاتهم بعبادة الله تعالى، لأنّ أكثرهم عمال يغدون صباحاً و يروحون مساءً فهم بحاجة إلى من يصرف معهم و يصرفون معه بعض الوقت ليتعلموا أمور دينهم. أما النوع الثاني من الدعاة فهم دعاة تثبيت العقيدة و الفكر والرؤية الاجتماعية و التعايش في ديار الغرب و هؤلاء يحتاجون إلى فقه كثير، و سمات خاصة تميزهم.


فقه الأقليّات


* سيدي .. مفاد حديثكم أنّ للقوم هناك فقهاً غير الفقه المألوف في ديار الإسلام، وفي حوار أجريناه في الجسور مع العلامة ابن جبرين قال عن فقه الأقليات: ” لا أصل له، فإنّ الأحكام متفقة والشريعة كاملة، وهؤلاء الأقلون يغلب عليهم التفرد بالأقوال الغريبة ومخالفة نصوص العلماء الموثوق بهم قديما وحديثاً”، وقال أيضاً: ” ولايجوز تكييف الفقه بحسب الزمان أو المكان أو ظرف العمل، وليس للإنسان أن يشكل مذهباً فقهيا، ولكن إذا جدّت مسألة يجتهد فيها”. هل توافقون على هذه الرؤية؟

أنا أرى أن الأقليات تعيش أوضاع الضرورة، أو الحاجة التي تلامس الضرورة، ولهذا فهي تحتاج إلى فقه فتوىً خاص، صحيح أن الفقه لا يتغير ولكن الفتوى تراعى فيها الضروريات والحاجات واختلاف الأحوال. فالأقليات في أوضاع تلامس الضرورة وبالتالي فإنّ هذه الأوضاع هي أوضاع رخصة وينبغي التيسير فيها.


* ولكن ما رؤيتكم لهذا التيسير؟ وماضابطه؟

أنا أرى أن الفقه يشتمل على أقوال كثيرةٍ، وينبغي أن نسلك بالأقليات السبيل الأسهل في نطاق الأدلّة، وقد وجدتُ أن ضبط المالكيّة للعمل بالقول الضعيف يصلح للأقليات، وبهذه الضوابط نحن لا ننفلت ولا نتتبع الرخص تتبعا مفرطاً ولكن نبقى في حدود المقبول عند العلماء. قال المالكيّة: إنّ الأصل في القول الضعيف ألا يعمل به إلا بشروط ثلاثة:

1ـ ألا يكون ضعيفا جداً.

2ـ أن يثبت عزوه لقائله.

3ـ أن تدعو الضرورة إلى العمل به.

بهذه الشروط يمكن أن نقلّد أبا حنيفة في بعض أقوالِهِ في دار الكفر، ونقلد الإمام أحمد في الجمع بين الصلاتين، وكذلك أشهب من أصحاب مالكٍ في جمع الظهر والعصر والمغرب والعشاءِ، وبهذه الشروط يمكن أن نؤخر الجمعة إلى العصر لتصلّى في وقتٍ متأخر كمذهب مالك، أو نقدّمها كما هو مذهب أحمد، يجب أن نتفقّه ولا نفتي للأقليات بدون فقهٍ، ولكن نرخص لهم في حدود ما هو متعارف عليه عند العلماء، وبذلك يمكن أن نريح الناس.

وينبغي أن نتذكر أن هذه الأقليات تعيش في أوضاعٍ اليد العليا فيه للطرف الآخر، ولذا يجب عليها القيام بمجهود كبير حتى تتعايش مع الآخرين، وبعض من لا يدرك هذا كان يقترح أن تَدْرُسَ الأقلياتُ كتاب (أحكام أهل الذمة)! وهذه مشكلة، إذ أهل الذمّة لنا عليهم اليد العليا، والوضع الآن هناك مختلف تماماً، ولهذا فأنا أرى ألا يفتي أولئك إلا من جمع الفقه الشرعيّ العميق والإدراك الصحيح لواقع القوم هناك، ولا يكفي العلم الشرعيّ دون إدراك الواقع، وقد أشار ابن القيّم مراتٍ إلى أنّ من لا يعرف الواقع يجني على الشرعِ.

ومما أراه أيضاً في شأن الأقلياتِ أنه يجب علينا أن نقدّم لها ملخصات من الفقه تكون في متناول أيديهم بعيداً عن اضطراب الأقوالِ واختلاف الآراءِ؛ لأن الناس هناك يبحثون عن حلولٍ إسلاميّةٍ، وقد خرجت مرة من أمريكا بعد عشرة أيام ولم أستطع الإجابة على كل الأسئلة لكثرتها.


استثمار أحكام العصر المكي


* أشرتم من قبل إلى قضية مهمة و هي استثمار أحكام العصر المكي في جوانب من واقعنا المعاصر، ما نظرتكم إلى هذه المسألة ؟ وهل يسوغ لنا أن نستفيد من جوانب أخرى من أحكام هذا العصر؟ بمعنى هل يمكننا أن نستدعي ذلك العصر بأحكامه الخاصّة في زمان ضعفنا وعجزنا هذا؟

سؤال كبير جداً، و أعتقد أنّ السؤال في ديار الغرب قد يكون مطروحاً، لأنّ الأحكام السلطانية ليست مطلوبة من الأقليات الإسلامية، ويجب على الأقليات أن تفهم هذا، المناداة بتطبيق الحدود في الغرب ليست أمراً صحيحاً و ليست قضية مسلمةً، و المسلمون في أرض الحبشة لم ينادوا بتطبيق الأحكام، و لهذا فالعهد المكي هنا له أهميته، وشيخ الإسلام ابن تيمية قال: إن ّأحكام العهد المكي ليست منسوخة و كل شيء مرتهن بوقته.

ففي ديار الإسلام و في ديار الأكثيرية المسلمة في أوطانها التي تسمح لها القوانين بأن تتعامل مع دينها تُطبّق أحكام الله و حدوده، ولعلها أن تكون قدوة لغيرها حتى تطبق هذه الحدود، والمسلمون متمسكون بالحدود وبكل أحكام الله تعالى، وكلما لاحت لائحة الحرية ينادي الناس بتطبيق الحدود، و انظر إلى نيجيريا مثلاً كيف دعت منذ سنواتٍ قلائل إلى تطبيق الحدود.


* حديثكم هذا يقودنا إلى مسألة اختلاف الفتوى باختلاف الزمان و المكان والأحوال، هل نظفر منكم بكلمة شافية حول هذه القضية الشائكة؟

** أسئلتكم يا شيخ عادل طويلة الذيل كثيرة النيل! هذه المسألة مسألة كبيرة جداً، نحن نعرف أنّ كثيرا من العلماء أكّد على هذا و بخاصة شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم الذي أكد على الاهتمام بالعرف و بالبيئة التي تطبق فيها هذه الأحكام. الفتوى لا شك أنها تتغير و الشاطبي يقول: تتغير الفتوى في النازلة الواحدة باختلاف الشخص. هذا أصل لا نشك فيه لكنه أصل له حدوده. هناك ما نسيمه جدار الإجماع إذا وقف أمامي جدار الإجماع الذي يستند إلى نصّ و هو ما يسمى بالإجماع القطعي و النطقي هنا أتوقف. و كذا إذا كان أمامي النصّ الذي لم يكن مبنياً على عرفٍ معيّن؛ لأن النص المبني على عرف معين اختلف العلماء في دوارنه مع العرف ذكره السيوطي و غيره، أي أنّه نصّ بالمعنى الدقيق عند الجمهور وهو ما لا يحتمل تأويلاً إذا وقف أمامي دون معارض فأقول سمعنا وأطعنا و هذا دأب المؤمن. لكن إذا كانت ظواهر ولهذه الظواهر أعراض، و إذا كان وجد خلاف بين العلماء في مسألة معينة فهنا لا بأس بالترجيح، و أرى أن يكون الترجيح في جانب التيسير، و هنا تختلف الفتوى من بلد إلى بلدٍ و من مكان إلى مكان، وهنا يدخل فقه الأقليات، ويدخل التعامل مع الحاجات بمعناها الفقهيّ الدقيق، إذ بين الحاجة و الضرورة فرق و لكل منهما مساحة لا يتخطاها، فالضرورة هي الشيءُ الذي إذا لم يرتكبّه المكلف المضطر هلك أو قارب الهلاك، أما الحاجة فهي ما يشق على المكلف عدم فعله، وهنا تدخل الحاجة العامّة التي تنزل منزلة الضرورة فيما ليس بقطعي. وفي هذا الباب كلام طيب لابن القيم لم أجده لغيره وهو قوله: “إنّ الحاجة تبيح محرم الوسائل ولا تبيح محرّم المقاصد”، و قد كرر ذلك ثلاث مرات في إعلام الموقعين و في زاد المعاد. 

وفي هذا السياق وبهذه الاعتبارات تباحُ كثيرٌ من محرمات الوسائل بسبب الحاجة، ويُعدَلُ في كثير من مسائل الاختلاف إلى الشق الذي كان ضعيفاً،كمسألة شراء البيوت بالربا في ديار الكفر و قد أفتينا بجوازه.


* عفوا ، هل لكم أن تبينوا لنا الفرق بين محرم الوسائل و محرم المقاصد ؟

محرم الوسائل: ما حُرّم لكونه وسيلة إلى محرم، و الفعل في نفسه كان مباحاً، كما في قوله تعال : ((و لا يضربْنَ بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن)) فالضرب بالرجل جائز أصلاً، ومنه ما في قوله تعالى: ((لا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدْواً بغير علم))، وابن القيّم يقولُ عن ربا الفضل: إنّه من باب ربا الوسائل؛ لأنّ ربا المقاصد هو ربا النسيئة. وعندك كثير من المسائل في ديار الغرب كغيبة البَدَلَيْنِ في البورصات، و كثير من المسائل التي تحتاج إلى نبش في الفقه لإخراج مسائل الخلاف فيها، و تعضيدِ جانبٍ من جوانب الخلاف على حساب جانب آخر بناء على قاعدة التيسير، وبناء على اختلاف الزّمان و المكان، ولا ينكر تغيّر الأحكام بتغير الزمان و المكان.

 

تقنين الفقه


* شيخ عبد الله .. سأخرج عن إطار فقه الأقليات وإن كنت لن أخرج عن أبعاد الفقه والفتيا، ما رأيكم فيما يدعو إليه بعض الداعين اليوم من تقنين الفقه؟

في الحقيقة المسألة كما تعلم فيها أخذ و رد، من العلماء من يعارضها خيفة أن تكون وسيلة لتبديلِ الأحكام و تغييرها من منطلق بشريّ بحت، و منهم من لا يرى مانعاً من جعل هذه الأحكام في مدونة ـ ولنقل تدوين الفقه ـ يكون فيها مشهور المذهب الذي يحكم به، فنحن هنا في المملكة العربية السعوديّة نحكم بمشهور مذهب الإمام أحمد، و هذا هو الذي تجري عليه المحاكم، ومن أراد أن يعدل عنه فعليه أن يخبر لمحاكم العليا و مجلس القضاء الأعلى بنيّته تلك، ويقدم الحيثيات التي على أساسها خرج عن المذهب. 

ومعنى هذا أنّ هناك فعليّاً نوعاً من التقنين للفقه في هذه المحاكم.

وبعض الكتب كالمقنع و غيره هي محاولات لتلخيص مشهور المذهب، فتدوين مشهور المذهب قد لا يكون أمرا إدّاً، وعليه فأنا أقترح أن نبتعد عن مصطلح (تقنين الفقه) ونستبدل به مصطلح (تدوين الفقه) أو تدوين المشهور من المذهب.

في هذا الإطار ليس ثمت مانع من أن يدوّن مشهور المذهب ويوضع بين يدي الفقهاء بشكل واضح بناء على أنهم في الغالب ليسوا مجتهدين، والحق أنّ المحاكم في هذا الزمان تحتاج إلى تدوين الفقه حتى لا يميل القاضي، و حتى نتمكّن في المحاكمات الدوليّة وعند الاتصال بمحامين دوليين أنْ نقول: راجع في مدونتنا الصفحة الفلانية و اقرأها بتمعن. 

وينبغي أن تتضمَّنَ هذه المدونة فصولاً حول كيفية تقديم المرافعات إلى القاضي، وكيفية نظر القاضي في الدعاوى بحيث يفهم المحامي كيف يقدم الدعوى، ومارد الفعل الذي سيكون من القاضي، و يعرف أن الدعوى إذا كانت لها حيثيات مقبولة شرعاً فإن القفاضي سيقبلها، و يأمر الكاتب بتسجيلها، و سيوجه المدعي لتقديم البينات، وسيستجلب المدَّعَى عليه، ثم نَصِلُ إِلى مرحلة القرائن والأدلة و الأيمان ثم تصل إلى مرحلة البت و تدوين الحكم، هذا طيب جداً.


* إذن أنتم تؤيّدون (تقنين الفقه) على أن يسمّى (تدويناً) خروجاً من المحاذير.

نعم، أنا مع تغيير المصطلح، ومع تغيير المفهوم أيضاً؛ لأنه في الحقيقة تدوين كما فعل فقهاؤنا الأوائل عندما قاموا بتدوين المشهور من مذهب الإمام أحمد، وأحصوا الروايات والوجوه عارية عن الدليل.


* ألا تقودُ هذه التدوينات المذهبية إلى نزعةٍ إقليمية؟

لا أتصوّر هذا، لأن المسألة لا تعدو نوعاً من التقنين والتهذيب لما هو موجود أصلاً، فالمحاكم الشرعية في كل بلدٍ تحكم بمذهب من المذاهب، ولن يختلف شيءٌ إذا قلنا: اصنعوا مدوّنة قضائيّة لهذا المذهب أو ذاك.

ودعني أضيف لك بعداً جديداً من فوائد هذه المدوّنات، عندما تعلن بلادٌ ما رغبتها في تطبيق الشريعة فستكون هذه المدوّنات خير معين لها.

وقد أشرفت يوم كنت وزيراً للعدل على مدوناتٍ كتبت في موريتانيا في الأحوال الشخصية.

نحن نفهم الخشية التي عند العلماء من تحول الفقه إلى أمر تعمل فيه المراسيم و النظم، ولكننا نفهم أيضا أهمية أن تكون لدى المحاكم في هذا الزمان مدوّنات حاصرة نظراً لاتساع نظرها، وكثرة أعمالها، وقلة إحاطةِ بعضٍ من قضاتها بالفروع.


مدرسة الحديث ومدرسة الفقه


* حديثكم عن المدوّناتِ وما قد تحدثه من اتفاق الكلمة القضائيّة يذكّرني بما تشهده الساحة الفقهيّة من تشرذمٍ وتنابزٍ بسبب اختلاف الآراء، ولاسيما بين مدرستي: الحديث والرأي. أو بين المحدّثين والفقهاء، هل تؤمنون بهذه الانفصاليّة بين الجانبين؟ وهل الخلاف بينهما أمرٌ حتميّ؟

هذ الشقاق مشكلة كبيرة، ونرجو أن يتجاوزها الإخوة جيمعاً بالروح التي تجاوزها بها الأوّلون. كان أحمد محدثاً وفقيهاً، و لا يرى بأساً بالتقائه بابن معين و غيرِهِ من المحدثين، وكان الشافعيّ فقيهاً ويجالس المحدّثين. المحدّث يحتاج إلى الفقه، والفقيه يحتاج إلى الحديث، وهناك تكامل بين المدرستين لا بدّ منه. المحدّث إذا لم يكن فقيها لا يمكن الاعتماد عليه، والفقيه أيضاً إذا لم يكن له بصرٌ في الحديث وأصول الدّليل من كتاب وسنة فإنّه فقيهٌ ناقص، فلابد من التصالح والتضامن والتفاعل بين المدرستين حتى نستطيع مواجهة المشاكل الواسعة العريضة التي تواجهنا في هذا الزّمان والتي لا يمكن أن نتغلّب عليها إلا بصفٍّ مرصوصٍ، وفكر ثاقب، وفهمٍ واسع، والعباءة الإسلامية تسع الجميع.


* من المسائل التي دار فيها خلافٌ وجدلٌ بين الإسلاميين مسألة استضافةِ الوسائل الإعلامية الإسلاميّة لبعض من يصنّف في خانة العداء للإسلاميين، ما رأيكم في هذه القضية؟

الإنسان عليه دائماً أن يكون له ضمير حيّ. التمييعُ وهو ألا نعرف معروفاً، ولا ننكر منكراً هذا ليس صحيحاً. عندنا ثوابت دائمة، والحقّ حقّ وسيظلّ حقّاً، والباطل باطلٌ وسيظل باطلاً. نعم، قد يكون التعايش مع هذا الباطل ضرورة من باب ارتكاب أخف الضررين بتفويت أكبرهما، و اقتراف أهون الشرين لتفويت أعظمهما، أو من باب تفويت أصغر المصلحتين لتحصيل الكبرى. الإسلام مبنيٌّ على تحصيل المصالح و تكثيرها، وعلى درء المفاسد و تقليلها. 

هذه المعادلة من خلالها يجب أن ننظر إلى هذه اللقاءات.. إذا كان فيها مصالح يمكن تحصيلها أو مفاسد يمكن درؤها، كأن نتجاوز بعض النزاعات التي قد تكون دامية فلا بأس بها. أما أن تكون لقاءات لغرض اللقاء فحسب، ولبهرجة الباطل، وخلط الأوراق فهذا ليس صحيحاً أبداً، والأمر دقيق.


* قد يكون من أهداف هذه اللقاءاتِ التأكيدُ على أنّ حملةَ الإسلام وورّاث الرسالة ليسوا منغلقين ولا خائفين من أحدٍ، وأنهم أوسع الناس صدراً للحوار ثقةً منهم بما عندهم.

نعم، نحن لسنا منغلقين، يمكن إشعار الآخر أننا نملك الحجة البالغة و البرهان و بالتالي لا نخشى شيئاً. هذه قاعدتنا.


* يلحق بهذه القضية قضية أخرى، وهي إتاحة بعض الوسائل الإعلامية الفرصة لنقدِ الصحوةِ ومسيرتِها ورموزِها نقداً يرى أصحابُهُ أنه لتقويم المسيرة، ويرى آخرون أنّه ضربٌ من معاونةِ شانئي الصحوة ومبغضيها. هل من تعليق؟

تقويم المسيرة شيء طيّب، و في سورة آل عمران قُوّمَتْ مسيرةُ ما بعد بدرٍ وأحدٍ، ومن ذلك قوله تعالى: ((ولقد صدقكم الله وعده إذْ تَحُسُّونهم بإذنِهِ حتى إذا فشلتم وتنازعتُم في الأمرِ وعصيتُم من بعد ما أراكم ما تحبّون منكم من يريد الدنيا ومنكم مَنْ يريدُ الآخرةَ ثمّ صرفكم عنهم ليبتليَكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضلٍ على المؤمنينَ (152) إذ تُصْعِدون ولا تَلْوون على أحدٍ والرسولُ يدعوكم في أخراكم فأثابكم غمّاً بغمٍّ لكي لا تحزنوا على مافاتكم ولا ما أصابكم والله خبيرٌ بما تعملون))، فها نحن نرى كيف قومت مسيرة المسلمين بعد الانتصار و بعد الهزيمة و على ملأ من خلال الوحي. فتقويم المسيرة شيء حسن .

لكن لابد من التنبيه على أنّ التقويم يختلف عن التجريح، ويختلف عن الشماتة ، نقوّم المسيرة أي نصحِّحُها، نلغي العنف من الحياة ونضع مكانه الدعوة الصحيحة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والكلمة الواضحة. 

وأنا أشدّد على هذا المعنى لأنّ التجريح والشماتةَ باسمِ التقويم قد يفضيانِ إلى فتنة وفرقةٍ واختلافٍ وربما إلى تهارجٍ واقتتالٍ، والرسول  حذّر من ذلك تحذيراً شديداً ((لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض))، و قال عليه الصلاة والسلام لأبي ذرّ في شأن الطوائف التي تقتتل: ((إن بهرك السيف فاجعل الثوب على وجهك)). وهذا تحذير شديدٌ لا يفهمه إلا من رأى الاقتتال الداخليّ فعَرَفَ ضرورةَ تفويت أكبر الشرين بارتكاب أخفهما. 

أنا أعتقد أن مسيرة عشرين أو ثلاثين سنة رفعت فيها الصحوة أعلاماً، وتحرّكت في اتجاهات متعددة هي مسيرة لها أهميّتها، ولكنّها تحتاج إلى تقويم و إلى تقويم [الأولى بمعنى بيان القيمة، والثانية بمعنى تعديل العِوَج]، والأمر يحتاج إلى كلام طويل، والمهمّ ألا أفهم خطأً أنا أدعو إلى التقويم ولو علناً لكنّ التقويم عندي شيءٌ يختلف بالكليّة عن التجريح. 

 

لجريدة المدينة: أعذر من يستخدم الموسيقى في النشيد وهناك فرق بين العذر والتأييد

يعلق فضيلة العلامة الشيخ الدكتور عبدالله بن بيه على مسألة استخدام الموسيقى في النشيد فيقول : الآلات الموسيقية فيها خلاف بين العلماء وهو خلاف كبير وقد ذكر اكثر العلماء ان المعازف لا تجوز كما ورد في الحديث النبوي وهناك علماء اجازوا الموسيقى واستخدامها، ولكن الافضل والاسلم استخدام الآلات غير المعزفية كالطبل والدف وآلات الايقاع وسبق وان التقيت بالاخ المنشد سامي يوسف حينما كنت في كندا وقد جاءني واستمعت اليه وقد قام باحياء حفلات عديدة هناك ونحن لا ننكر ما فعله بادخال الموسيقى إلى النشيد لأن الإنكار لا يكون في شيء مختلف فيه وهذه المسألة مختلف فيه بين العلماء، اذا لم تدخل عوارض اخرى تؤدي إلى التحريم الكامل وانا اعذر سامي يوسف ومن فعل مثله بادخال الموسيقى إلى نشيد وهناك فرق كبير بين التأييد والعذر.

وللمزيد :

http://www.youtube.com/watch?v=U_0tzhfEVI4&feature=channel_video_title

وكذلك :

http://www.youtube.com/watch?v=4ez_-c0fvvY&feature=relmfu

في مداخلة عبرقناة الجزيرة الشيخ يقول: إصلاح التعليم موضوع له أهمية كبرى لا بسبب ضجته الآن ولكن لأنه أساس من أسس التجديد.

عبد الصمد ناصر: شيخ عبدالله بن بيه هل تسمعني؟

عبدالله بن بيه – وزير التعليم العالي سابقاً في موريتانيا:السلام عليكم.

عبد الصمد ناصر: وعليكم السلام فضيلة الشيخ كنت أسألك عن رؤيتك لسبل وأساليب إصلاح التعليم الديني الآن؟

عبدالله بن بيه: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اسمح لي أولاً أن أوجه تحية لأخي الدكتور طه جابر العلواني.

عبدالله بن بيه: الذي أعتبره عقلية اجتهادية فذة ذا رؤية شرعية شمولية وتوجهات مقاصدية كلية وهو صاحب مشروع كبير أسأل الله له التوفيق.

طه جابر العلواني: جزاك الله خير وبارك فيك.

عبدالله بن بيه: بالنسبة لإصلاح التعليم إنه موضوع له أهمية كبرى لا بسبب ضجته الآن ولكن لأنه أساس من أسس التجديد والتجديد فرض على هذه الأمة، ثم إن ما نشاهده من خلل واضح في مناهجنا يتجلى في انكماش مساحة الاجتهاد الفقهي مما نتج عنه عجز عن مواكبة مستجدات العصر في المعاملات وضحالة في الإنتاج الفكري في مجال الفلسفة والعلوم الإنسانية ومن باب أولى بالتكنولوجيا كل هذا يبرر إجراء عمليات كبيرة عمليات جراحية إن صح التعبير لمناهجنا ولتعليمنا.

بالإضافة إلى ما ذكره فضيلة أخي الدكتور طه من أن التراث في أصله فيه عيوب كثيرة تحتاج إلى ملاحقة وملاحظة، لكن المسألة فيها صعوبة كبيرة هو أن إصلاح التعليم لا يمكن إلا أن يكون بعقليات إسلامية وهي عقليات يجب أن تكون متفتحة لأن الإصلاح والتجديد ليس مرادف للتدمير عقليات متفتحة واعية بعصرها وفي نفس الوقت متجذرة في تاريخها. لأن الإصلاح عندنا ليس كالإصلاح الديني عند الغربيين الإصلاح عندنا ينطلق من أساس شرعي وهو يتناول علوم شرعية من تفسير وحديث وأصول ونحو ولغة ومنطق أيضاً الذي كان يعتبر معيار للعلوم لكن الشرعية وهي شاملة لا يمكن أن نقوم بإصلاح فيها إلا بناء على استراتيجية تربط ربط واصب بين ثوابت الشريعة وبين الواقع الذي نعيش به، هذا الربط الواصب هو الذي أسميه تجديداً، الآليات أو الأدوات التي تقوم على الإصلاح هي الجامعات والمراكز والمجامع الفقهية فإذا توفرت هذه الإرادة عند الأمة أو عند بعض الجهات النافذة في هذه الأمة أعتقد أنه يمكن نضع قدمنا على بداية الطريق.

ولهذا فإني أشد على يده وأؤيد ما ورد في كلامه من أهمية الإصلاح الذي هو إصلاح يربط بين المصالحة الكلية والجزئية يرى الجزئيات في ضوء المقاصد الكلية ويرى الجميع في ضوء الواقع الذي نعيشه..

عبد الصمد ناصر [مقاطعاً]: شكراً لك فضيلة الشيخ..

عبدالله بن بيه [متابعاً]: ولدينا فقر كبير في الفلسفة لدينا فقر كبير في العلوم الإنسانية لدينا فقر في التواؤم بين مفاهيمنا وبين هذه العلوم وأشكرك.

المصدر:الجزيرة .نت . الشريعة والحياة (تاريخ الحلقة: 4/12/2005)

بن بيه يدعو لإطلاق سراح الصحفية الفرنسية بالعراق

دعا الشيخ عبد الله بن بيه رئيس لجنة الحوار ونائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى إطلاق سراح الصحفية الفرنسية المحتجزة في العراق فلورانس أوبيناس وسائقها حسين حنون.

وقال الشيخ بن بيه في بيان صادر عن اللجنة -تلقت شبكة “الإسلام اليوم” نسخة منه-، ” إن لجنة الحوار التابعة للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين امتثالاً لأوامر ديننا الحنيف التي تمنع الاعتداء على المسالمين وتأمر بالبر والإقساط لغير المعتدين” مؤكداً نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء.

وطالب البيان المقاومين الشرفاء في العراق بإطلاق سراح الرهينة الفرنسية فلورانس أوبيناس وسائقها حسين حسون، منوهاً إلى موقف فرنسا المعروف والمشرف في القضايا الإسلامية لاسيما في قضية العراق.

وناشد البيان رجال المقاومة في العراق بضمان حياة الرهينة الفرنسية وإيصالها إلى مأمنها في أسرع وقت ” لما في ذلك من مصلحة للإسلام والمسلمين والإنسانية وبخاصة مسلمي فرنسا وأوروبا الذين قد يتضررون من هذه الأعمال أشد الضرر.

كانت الصحفية بصحيفة “ليبيراسيون” قد اختفت مع مترجمها العراقي في بغداد مطلع شهر يناير الماضي وذلك بعد أسبوعيين فقط من الإفراج عن الصحفيين الفرنسيين كريستيا شينو وجورج مالبرونو بعد احتجاز استمر أربعة أشهر.

المؤسسات الخيرية لا بديل عنها

إن الجمعيات الخيرية هي عبارة عن جمعيات ترعى العمل الخيري للمجتمعات البشرية بشكل منظم وطوعي من منطلق أخلاقي وليس بغرض ربحي هذه هي المميزات والأوصاف التي تميز الجمعيات الخيرية عن مؤسسات الضمان الاجتماعي الحكومية وغيرها من الهيئات التي تخدم المجتمع .

إن الخدمات التي تقوم بها الجمعيات الخيرية تهدف إلى الصالح العام للإنسانية وتقدم المساعدة للفقراء والمعوزين وتوفر الرعاية الصحية للمرضى ويواسي العجزة وتوفر المساكن للمساكين والمدارس لطلبة العلم والورشات لتشغيل العاطلين وترصد الأوقاف لتشجيع الاكتشافات العلمية وتشجيع العلماء .

إن هذه الأعمال تعتبر رافداً لا غنى عنه في المجتمعات المتحضرة لمواجهة ضرورات المجتمع وحاجات التنمية إلى جانب دور الحكومات .


هذه مقدمة ضرورية لفهم وظيفة الجمعيات الخيرية بصفة عامة أما بالنسبة للجمعيات الخيرية في الإسلام فإنها جزء لا يتجزأ من نسيج المجتمع الإسلامي لأنها متجذرة في تراثه ومنبثـقة عن قيمه ومبادئه وانطلاقاً من هذا فإن المؤسسات الخيرية لا بديل عنها .

وللأسباب التالية :

أولا : إن المسلمين ملزمون أفراداً وجماعات بنص القرآن الكريم بتقديم جزء من أموالهم في أوجه الخير كل سنة سواء كانت هذه الأموال تجارية أو ثروة زراعية أو حيوانية أو معدنية( والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ) سورة المعارج .

فهو حق واجب عليهم وليس أمراً اختيارياً فالزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام بعد شهادة التوحيد والصلاة .

ذلك هو المعطى الأول الذي يجب أن يفهمه من يضع علامات استفهام أمام عمل الجمعيات .

وتطبيقياً فإنه عليه الصلاة والسلام وأصحابه أنشأوا أوقافاً لفائدة المحتاج وابن السبيل.

كما يقول مالك رحمه الله تعالى : هذه أوقافهم مشيراً إلى أوقافهم في المدينة المنورة.

واقتفى إثرهم المسلمون على مر التاريخ فتنوعت الأوقاف وبنيت أكبر الجامعات والمشافي منها وقامت على الأيتام والأرامل والمعوزين وهذا أمر معروف في التاريخ الإسلامي ومنه عرف الأوربيون الوقف “الترست” عند احتكاكهم بالمسلمين في القرون الوسطى .

ثانياً: لقد نشأ عن ذلك علاقات تضامنية بين طبقات المجتمع أغنياء وفقراء أبعدت شبح الثورات التي عرفتها مجتمعات أخرى لا تقيم وزنا للأعمال الخيرية .

ثالثا: إن الأعمال الخيرية عريقة في التاريخ الإسلامي وكانت عامل توازن واستقرار في المجتمعات الإسلامية .

رابعاً: إن الجمعيات الخيرية تعمل في شفافية كاملة وهي جمعيات تتعامل مع الجمهور في وضح النهار فلا يمكن أن تنحرف كما لا يمكن للخير أن يكون شراً .

خامساً: لقد قامت الجمعيات الخيرية في المملكة العربية السعودية وفي بعض البلاد الأخر بخدمات جلى لصالح المسلمين وغير المسلمين في مداواة المرضى وتعليم الجهال وتنظيم ورشات العمل للعاطلين وتعاونت مع الهيئات الخيرية الغربية التي شهدت لها بالنجاح في العمل الإنساني في البوسنة وافغانستان وأفريقيا .

وهذه الخدمات الإنسانية لا يمكن أن تصبح بين عشية وضحاها متهمة ولو فرض أن فرداً أو أفرادا انحرفوا فإن مسئولية ذلك تقع عليهم وحدهم وليس على المؤسسات الخيرية الإسلامية فضلا عن الأمة الإسلامية والإسلام بذاته .

إن هذه النظرة التعميمية السريعة لا يمكن إلا أن تكون ظالمة لأنها لا تبنى على معطيات دقيقة وحقيقية بل إنها نوع من الرجم بالغيب والتخمين وممارسة هواية التجريح في الإسلام والمسلمين من جهات لا تخفى مراميها ولا تجهل مقاصدها ومغازيها .

وإن الرد على ذلك لا يكون في التقاعس عن عمل الخير أو التجافى عن المعروف وإنما في تكوين المؤسسات الخيرية الواضحة الأهداف البناءة النافعة للمجتمع .

وفي تقديري : أن المؤسسة الخيرية للأمير عبد الله لوالديه لتوفير السكن اللائق للمواطنين ومدينة الأمير سلطان للخدمات الإنسانية وغيرهما إنما تمثل الرد العملي على الحملة المغرضة الجائرة على المملكة العربية السعودية .

وأخيراً فكيف يتهم العمل الخيري الإسلامي من الدول الغربية التي تتباهى زعيمتها الولايات المتحدة الأمريكية بأنها رائدة العمل الخيري وأنها مركز العمل الخيري( foundaTion center )

وفي سنة989 1م بلغت المؤسسات الخيرية أكثر من 32 ألف مؤسسة خيرية بلغت ممتلكاتها 137مليار دولار من أعرقها مؤسسة روكفلر 1902م ومؤسسة كارنيجى 1906م ومؤسسة فورد 1936م ومؤسسة جونسون 1936م إلى غيرها من المؤسسات التي تعمل في شتى أوجه العمل الإنساني من التعليم والرعاية الصحية والتبشير وتشجع الحكومة الفيدرالية هذه المؤسسات بإعفائها من الضرائب وهي مؤسسات مجال عملها هو العالم كله.

في ضوء ما تقدم فأن العمل الخيري والمؤسسات الخيرية لا بديل عنها وعلى العكس من الإشاعات فإنها عامل توازن واستقرار وقبل ذلك عبادة لله تعالى وترجمة لرسالة النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم التي جاءت لعبادة الحق بالحق والرحمة بالخلق وعلى هذه المؤسسات أن تظل نشطة في شفافية كاملة ووضوح لا يشوبه غموض حتى تبرهن للعالم أجمع عن أصالة العمل الخيري في هذه الديار وفي الديار الإسلامية بعيدا عن الشبهات والتهم الباطلة بالإرهاب التي تحاول الدعايات الكاذبة أن تعممها لا على المؤسسات الخيرية فقط ولكن على الإسلام والمسلمين.

إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف اعتذر.

لحظة تأمل مع كارثة : الإسلام دين الرأفة

 بعد زلزال آسيا المسمى «تسونامي» تداعت الإنسانية للتعاطف مع متضرري الزلزال ، لمساعدة الأحياء والرثاء للأموات . كان رد الفعل هذا طبيعيا ، ويجب أن يكون تلقائياً وعفوياً. 

والتعاطف أمر تزكيه الفطرة الإنسانية لأن الإنسان، في وقت من الأوقات، يشعر بالانتماء المشترك إلى هذه الأرض وإلى هذه الحياة، وأن حياة نفس واحدة كحياة جميع الناس ، وموتها كموت جميع الناس ، وذلك عبارة عن ماهية وحقيقة الحياة وحقيقة الموت ، فهي حقيقة واحدة لا يتغير جوهرها بالكثرة ولا بالقلة . وتلك حقيقة قرآنية «من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً». 

وقد جاءت صحوة الضمير البشري هذه بعد أن تبلد أمام الكوارث التي يصنعها الإنسان بيده على هذه الأرض حيث «يفسد فيها ويسفك الدماء» حسب العبارة القرآنية. 

مهما يكن انتقادنا لذلك التبلد المأساوي للضمائر ، أمام فتك القنابل والصواريخ ، أياً ما تكون الذرائع ، فإن ذلك لن يمنعنا من الثناء على هذه الصحوة التي تمثلت في التضامن والتعاطف مع الضحايا ، والتي كما أسلفنا تمليها الفطرة وأيضا تزكيها الديانات السماوية ، وفي مقدمتها الدين الإسلامي الذي لا يقتصر طلب الإحسان فيه على المؤمنين، بل على غيرهم من أبناء البشر ، بل على كل الأحياء «في كل ذي كبد رطبة أجر». كما جاء في الحديث الصحيح. وتلك هي الاستعارة الجميلة لاستحقاق كل المخلوقات الحية العطف ومساعدتها على استبقاء الهدية الربانية التي هي الحياة.

فمجرد أن هذا الكائن يحمل بين جنبيه كبداً ، فإنه موضوع تعاطف ورأفة ، فالقطط والحيتان وأنواع الحيوان وعلى رأس الهرم الإنسان، هم سكان هذه المعمورة وهم الأهل والجيران. وإن الاختلاف في الدين ، كما يتوهم البعض ، لا يقف عائقاً دون هذا التعاطف في النكبات والأزمات ، التي كتبها الله تعالى على عباده ، وإن الحديث الآخر يعبر عن ذلك خير تعبير ، عندما قام النبي لجنازة ميت من اليهود، وقد نبهه أصحابه على أن هذا الميت ليس على دين الإسلام لأنه يهودي ، فأجابهم عليه الصلاة والسلام بقوله : «أليست نفساً ؟» مبرزاً بذلك أن احترام الأنفس البشرية والاهتمام بمصائبها ليس مقتصراً على أهل دين الإسلام ، بل يتجاوزهم إلى غيرهم من البشر.

ونحن المسلمين، بما شرعه ديننا الإسلامي الحنيف السمح ، جديرون بأن نبرز هذه القيم الفاضلة والمثل السامية ، وأن نتضامن مع هؤلاء الضحايا ، من مسلمين وغير مسلمين . تلك رسالتنا ورسالة الأديان السماوية من عهد آدم إلى النبي الخاتم. 

إن درس التضامن بين الأسرة البشرية هو الدرس الأول ، الذي يمكن أن يستفاد من هذه الكارثة ، لكن هذا الدرس يجب أن يترتب عليه فهم عميق لطبيعة العلاقة بين سكان هذا الكوكب، وأنهم أسرة واحدة.

ولكن ذلك لن يكون ذا صدقية بدون إعادة النظر في إدارة هذا الكوكب ، لتقوم على أسس أخلاقية أكثر صلابة . إذ من الغني عن القول إن الأرض تحولت إلى غابة كبيرة تتصارع فيها الحيوانات . وأن مبدأ المصلحة الأنانية ،«المتوهمة أحياناً»، والمستندة إلى القوة العمياء ، أصبح السائد وأصبح من يقتل أكثر هو الأفضل ، وهو الأنبل في ميزان سكان الغابة. ولم تعد للمواثيق الدولية أية إلزامية ، بل أصبح منطق اللامنطق مفروضاً على العقل البشري ، فصدقت مقولة الشاعر:

 

إنا لفي زمن لفرط جنونه     من لا يجن به فليس بعاقل

 

وأصبح أساتذة الحروب يعلمون الناس ثقافة القتل. 

هل يشمل هذا التضامن ضحايا الكوارث التي يصنعها الإنسان ؟

إنه تساؤل نوجهه إلى الإنسان، إلى القرصان الكبير والقرصان الصغير. أما الكوارث الطبيعة فهي سُنّة من سنن هذا الكون الفاني ، خلقها وقدرها الذي صنع هذا الكون بحكمة بالغة ، فهذا الزلزال ليس الأول ولن يكون الأخير.

وهي سنة كالحياة والموت والصحة والسقم والشباب والهرم والنوم واليقظة والصيف والشتاء والربيع والحر والقر. 

إن هذا الكوكب وسكانه معرضون لتقلب الأعراض وتداول الأحوال وتصريف الأكوان ، وعلينا أن نحترم هذا البيت الذي هو الأرض ، فهي بيتنا ومستقرنا ومستودعنا، كما هي العبارة القرآنية «فمستقر ومستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون» ، بل هذه الأرض هي أمنا التي منها منشؤنا وإليها مرجعنا ، كما قال سبحانه وتعالى: «منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى».

إن هذا البيت قد انتهك من طرف الجشعين من سكانه على نحو لم يسبق له نظير ، فقد نهبت ثروات الارض غير المتجددة نهباً بليغاً ، ولوثت أجواؤها بمداخن المصانع تلويثاً شديداً ، فارتفعت سخونتها وذاب جليدها مما نشأت عنه ظاهرة الاحتباس الحراري. وبذرت النفايات السامة في كل مكان حتى أصيبت الحيتان في أعماق المحيطات بأذاها . وصدق الله العظيم وهو القائل :«ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس». 

نحتاج إلى وقفة تضامن مع الأرض والبيئة الكونية. ذلك هو الدرس الثاني، وهو حاجة الكون إلى ربط الصلة بالسماء. إن الإنسان وهو يقف متحيراً أمام فجاعة الحدث ، ومتسائلا عن أسبابه ، يطرح نوعين من الأسئلة، بعضها مشروع وبعضها غير مشروع. 

أما النوع الأول من الأسئلة فيتعلق بالبحث عن سنن الكون ، كيف مادت الأرض وكيف يتعامل الإنسان مع الزلازل ببناء المساكن الملائمة ، واستشراف حدوثها ، وبالابتعاد عن المناطق الزلزالية . وليس في هذه الأسئلة شيء ينافي الاعتراف بقدرة الباري جل وعلا وقدره ، بل هو كما قال الخليفة الراشد عمر بن الخطاب : «أفر من قدر الله إلى قدر الله». 

أما الأسئلة غير المشروعة فهي من نوع ما تسمعه عند بعض الناس من محاكمة الباري جل وعلا على قوانين المخلوقات، من أمثال لماذا فعل ربنا وهو الرحيم هذا ؟ جهلاً من هؤلاء بحكمة الله البالغة ، فهو العزيز الحكيم. «لا يسأل عما يفعل وهم يسألون». 

فهو سبحانه قد يقدر ذلك تنبيهاً للبشرية على ضعفها ، وتحذيراً لها من غيها «وهو الذي يريكم البرق خوفاً وطمعاً». وإيقاظ ضمائر الناس إلى التوبة ، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة». 

فعلى الإنسان أن يفزع إلى الدعاء ، وأن يتوب من الذنوب ، فقد يكون عقوبة «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير». وقد يكون تمحيصاً كما جاء في حديث الشهداء «والمغرق شهيد». وقد يكون تذكيراً بمصير هذا الكون الذي هو الفناء المحتوم :«إذا زلزلت الأرض زلزالها…». 

ومن شأن الرجوع إلى الفضائل وإقامة العدل والقسط بين الناس والتوقف عن التدمير والعزوف عن الأنانية المفرطة والغطرسة ، وإقامة نظام كوني على أسس صلبة من الأخلاق والقيم المثلى ، من شأنه أن يخفف على البشرية وقع الكوارث ، وأن يضبط النظام العالمي بضوابط الأخلاق الفاضلة التي يدعو إليها الدين والفطرة السليمة ، بدلاً من الانحلال والشذوذ الذي يرادف التقدم الزائف والتطور الكاذب. 

باختصار : إن دروس الزلزال يمكن اختصارها في صحوة الضمير البشري إلى ثلاث حقائق :

* إن البشر عائلة واحدة يجب أن يتضامنوا ويتعاونوا.

* إن كوكب الأرض هو بيت الجميع يجب أن يتصالحوا معه. 

* إن الإنسان أمام القدرة الإلهية ضعيف، وأن عليه أن يتحلى بشيء من الفضائل لتكون خلافته في هذه الأرض راشدة ومسيرته صالحة.

وختاماً ، فليست هذه السطور محاكمة للنظام العالمي، ولا هجاء له ،

ولكنها حقائق ونصائح وذكرى : «لمن ألقى السمع وهو شهيد».

مشاركة المسلمين في العمل السياسي بالغرب ليست ولاء للكفر بل هي ضرورة مجتمعية

لطفي عبداللطيف- الرياض  

أكد الشيخ الفقيه عبدالله المحفوظ بن بيه ان مشاركة المسلمين الذين يعيشون في الغرب في العمل السياسي هناك سواء بالترشيح او الانتخاب لا تعني بأي حال من الاحوال ولاء للكفر, ولا خروجا عن الاسلام, بل هي مشاركة تقتضيها ظروف وجودهم في هذه البلاد, وحق من حقوق المواطنة المشروعة لهم, وهذا لا شيء فيه, وهناك احداث في السيرة النبوية تؤكد ذلك, وجائزية هذه المشاركة السياسية تنعكس حتما على مصالح المسلمين, وحتى لا يعزل المسلمون انفسهم في هذه المجتمعات, واجاز الشيخ بن بيه على المسلمين في الغرب العمل ضمن الاحزاب السياسية القائمة وفق مصالحهم, ولا يعني ان قادة هذه الاحزاب وغير المسلمين, لان اغلبية هذه المجتمعات غير مسلمة, والاقلية مسلمة, ولكن لها مصالح وقضايا.

وقال الشيخ عبدالله بن بيه إن الشباب المسلم في الغرب يواجه تحديات كبيرة, وان مستقبل هذا التحدي هو الذي سيشكل مصير الاسلام والمسلمين في ديار الغرب, لان الشباب اذا خرجوا عن انتمائهم الاسلامي وتركوا الاسلام بالكلية فهذا يعني ان الاسلام لن يكون له وجود, وان المسلمين سيذوبون في المجتمع الغربي وعلى العكس من ذلك لو تمسك الشباب بالاسلام ستكون البشرى والبشارة. وقال الشيخ بن بية ان الحديث عن قضية حق الاقليات قضية زائفة والخلاف في المصطلح هو خلاف ما ينبغي ان يكون, وان فقه الاقليات ليس فقها خارجا عن الفقه الاسلامي, فهو جزء من هذا الفقه ويرتكز على الكتاب والسنة والاجماع والقياس والاصول الاربعة, والتي هي اصول الشريعة, وان المسلمين في الغرب لهم مشكلاتهم واوضاعاهم المشقة وهذه المشقة تدور بين الضرورة الفقهية الشديدة وبين الحاجة, ومن ثم فلا بد من معالجة قضاياهم وفق فقه (مقاصد التيسير) وهذا لا يعني وجود فقه جديد بل يعني النظر لظروف الواقع.

وقال الشيخ بن بيه: ان الواقع والأقضية التي تحدث للمسلمين في الغرب هي التي تجعلنا نتحدث عن (فقه الاقليات) والمجلس الاوروبي للافتاء هو مجلس رابطة علماء ودعاة وفقهاء ويلتزم بأصول الشرع وهو يفتي في قضايا الاقلية المسلمة في الغرب .

رأي شرعي حول الأعمال الإجرامية المجنونة التي تقوم بها فئة منحرفة مارقة

العمليات الإجرامية في العالم الاسلامي : ثلاث جرائم – ثلاثة أخلاق – ثلاث جهات 

إن صبيغاً طلب العلم فضل سبيله” 

تلك الكلمة التي أمر عمر رضي الله عنه بالنداء بها على ذلك الرجل الذي كان يخضع لعقوبة تعزيرية من أجل أسئلة منحرفة تبذر الشك وتورث الزيغ في قلوب المؤمنين فما ظنك بطائفة تزرع الموت والدمار في ديار المؤمنين. 

إذا كانت تزعم الإسلام والجهاد فقد ضلت سبيله وسلكت سبيل “الحرابة” و”البغي” والإفساد في الأرض. 

تلك هي الجرائم الثلاث التي تتجاذب سلوك هذه الفئة وتتداخل في وصف جرمها شرعاً. 

فالحرابة إخافة الطريق وإشهار السلاح لإبتزاز الناس سواء كانوا مسلمين أو مستأمنين من غير المسلمين. 

أما المالكية فاكتفوا بعنصر الترويع في وضع يتعذر فيه الغوث في الشوارع “الأزقة الضيقة” أو في البيوت. 

وهي من الجرائم الموجهة إلى المجتمع أو جرائم الحق العام ولهذا أسندت الآية فعل هؤلاء إلى محاربة الله ورسوله تشنيعاً لفعلة المحاربين وتنديداً بسوء تصرفهم فقال في آية المائدة ( إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله

وهناك نكتة : أن هذه الجريمة ترجع إلى تقدير ولي أمر المسلمين الذي يقرر نوع العقوبة من بين تلك العقوبات المنصوصة. 

والنكتة الثانية: أن الأفراد المتضررين من جريمة هؤلاء لا يحق لهم العفو وليس لهم شأن في الأمر لأن الأمر كله إلى ولي الأمر. 

إنه من الواضح أن عناصر جريمة الحرابة ماثلة في اعمال هؤلاء الإرهابيين. 

الجريمة الثانية: جريمة البغي وهي عبارة عن جماعة ذات شوكة تخرج عن طاعة الإمام بتأويل. 

هذا التعريف لأكثر العلماء. 


أما المالكية فلا يشترطون أن تكون جماعة بل الواحد يمكن أن يسمى باغياً ولا يشترط أن يكون متأولا قال خليل المالكي: الباغية فرقة خالفت الإمام لمنع حق أو لخلعه”. 

ويقول شروحه لا مفهوم لفرقة فالواحد إذا خرج يعتبر باغياً. 

طبيعة الخروج: هل لا بد من أن يكونوا قد تعرضوا لحرمة الناس: دمائهم أو أموالهم أو تظاهروا على خلع الإمام أم أنه يكفي مجرد الخروج وإن لم يقع إخلال فعلي بالأمن هذا الرأي الأخير هو ما يراه الرملي الشافعي قائلا: إن بقاءهم تتولد منه مفاسد قد لا تدرك ما داموا قد خرجوا عن قبضة الإمام وتهيئوا للقتال.( نهاية المجتاج 7/386) 

قال تعالى( فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغى حتى تفيء إلى أمر الله ) سورة الحجرات. 

الجريمة الثالثة : الإفساد في الأرض وهذه بنى عليها المالكية كثيراً من فروعهم بدون أن يضغوا لها حداً مانعاً جامعاً مثالها من يستبيح دماء الناس أو أموالهم ويكفر العموم ولو لم يقم بأي عمل مخل بالأمن.( تراجع تبصرة الحكام لابن فرحون


إن تعريف الإرهاب terrorism عند الغربيين لا ينئ كثيراً عن هذه المعاني ولذا فسنذكر تعريف الإرهاب مستقى من نبعه الأصلي ومقتطفاً من منبته الغربي فيعرفه معجم روبير الصغير الفرنسي بأنه: تيار يتخذ الإجراءات الاشتثنائية العنيفية بانتظام للوصول إلى أهداف سياسية وهو أيضا مجموعة الأعمال العنيفة : الاعتداء – التدمير ..إلى آخره التي ينفذها تنظيم سياسي لتخويف الناس وخلق جو من الرعب والإرهابي هو كل عضو في منظمة من هذا النوع. 

ويعرفه معجم لاروس الفرنسي بأنه عبارة عن جملة أعمال العنف التي ترتكبها منظمة من أجل خلق جو من الرعب أو من أجل قلب نظام الحكم. 

إذا كان ذلك هو وصف اعمال هذه الفئة المنحرفة الخارجة ثلاث جرائم من أغلظ الجرائم في الإسلام فإنها تتصف بثلاثة أخلاق يدينها الشرع وينكرها الشارع هي : التنطع والغلو والتشدد. 

فقد نهى الإسلام عن التشدد في حديث أنس :” لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم“. 

ونهى الإسلام عن الغلو في الدين وهو المعبر عنه بالتطرف ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما عنه عليه الصلاة والسلام:” إياكم والغلو في الدين فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين“. 

ونهى عن التنطع وهو كالغلو التجاوز للحدود في الأقوال والأفعال ففي حديث ابن مسعود:”هلك المتنطعون قالها ثلاثاً. 

وهذه الألفاظ الثلاثة تعني الابتعاد عن الاعتدال في الأفكار والأقوال وكل ذلك يخالف منهج الوسطية ويؤدي إلى التعصب والفتنة وهي مصطلحات يقابلها التطرف والأصولية fundemantalism .

جهات ثلاث 

أما الجهات الثلاث التي لها مسئولية مباشرة في الوقاية والعلاج فهي الأسرة والمؤسسات التعليمية والإعلام. 

أما الأسرة التي هي المحضن الأول المؤثر في سلوك الناشئة فلها دورها البارز في التنشئة الصالحة التي تحمى أبنائها من الإنحراف الفكري والسلوكي إذ من المعروف أن التصورات الفكرية هي محرك الأرادة التي سرعان ما تتحول إلى سلوك عملي يتجاوز الفكرة إلى الأثر الفعلي. 

إن الأسرة تتحمل مسئولية عظيمة عن اصلاح الخلل وسد الثغرات الفكرية التي يعاني فيها الشباب في عصر العولمة وتدفق الأفكار المثيرة والمثورة التي ترهق الأنفوس وتعرض الجرائم وتمجد القتل والقتال. 

فعلى الأسرة أن تعلم أولادها كيف يميزون بين الحق والباطل وبين الظلام والضياء وهنا تحضرني كلمتان لخلفتين راشدين يصفان حالة الفتنة التي تتغشى البصائر فتعمى الأبصار كلمة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه لما ثار عليه الغوغاء :” أراهمني الباطل شيطاناً“.

ومعناها أن الباطل غلب على عقول هؤلاء فرأوا في خليفتهم شيطاناً فاعتدوا عليه. 

أما الكلمة الثانية فهي لخليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم أبي بكر الصديق رضي الله عنه : يا هادي الطريق إنما هو الفجر أو البجر”. 

وذلك عند موته وقد خاف على الناس أن ينحرفوا عن طاعة من عهد إليه بالخلافة ومعناها أيها الهداة ليس أمامكم إلا الضياء أو الظلام. 

فالأسرة لها دور كبير في الوقاية وفي العلاج عندما تستشعر من ابنها نفوراً عن المجتمع ونبوّا عن الجماعة فعليها أن تسلكه في طريق الصواب وتستعين بالجهات المختصة لمعالجة وضعه قبل أن يفوت الأوان ويتيه في سراديب الظلام الحالكة .

أما المؤسسات التعليمية فلها دروها الفاعل في بلورة التصورات التي تمثل مقدمة لنشوء الإرادة للافراد والجماعات فبقدر ما تكون هذه المؤسسات إيجابية وفعالة ورائدة بقدر ما تخرج جيلا من الرواد ومن الأفراد الإيجابين والعقلانيين ويكتسب طلابها المناعة الفكرية والنفسية. 

وبقدر فشل العملية التربوية ووجود خلل في إيصال الفكرة السليمة والمعلومة الصحيحة يكون الضياع والفشل حليف خريجيها مما يجعلهم أكثر عرضة لتقبل الأفكار المنحرفة والانخراط في سلك المغامرات الإجرامية والممارسات العبثية.

والمنظومة التعليمية من الإبتدائي إلى الجامعي مروراً بالمعاهد الفنية عليها مسؤلية ولها مهمة يمكن اختصارها في أنها مهمة التواصل مع عالم الطالب النفسي والوجداني.

إن مشهد الطالب المنطوي الذي لا يطرح سؤالا ولا يحير جواباً ينسخ- في أحسن تقدير- للأستاذ في وقت الامتحان حرفياً ما في الكتاب دون تحليل قد يشعر الأستاذ بالراحة من عناء الحوار لكنه يحمل خطر تخرج شباب غير محصن فكرياً ضعيفاً أمام إغراء الأفكار المنحرفة. 

أما الجهة الثالثة 

فهي الصحافة الوطنية مكتوبة ومسموعة ومرئية إن هذه الجهة معنية بالتعاطي اليومي مع الحدث تقديماً وتعليقاً وتوضيحاً وشرحاً وتوجيهاً.

إن دورها حاسم لأن الخبر أصبح كالخبز اليومي للأفراد إلا أن وضع الصحافة الوطنية في غاية الصعوبة بسبب سيل الإعلام الجارف الذي يبث الغث والسمين والخبيث والطيب والإفتراء والحقيقة. 

إنها مزيج يجعل المتلقي يعيش في دوامة من الاحباط وفي بعض الأحيان من المغالطات إلا أن ذكاء الصحافي وإخلاصه لدينه ووطنه وقدراته ومواهبه وخبراته تسعفه في التعامل مع جمهوره وضمان الفوز في حلبة المنافسة الإعلامية التي لا ترحم …….. 

هذه الجهات الثلاث باختصار شديد بالإضافة إلى منابر المساجد ومنصات النوادي الثقافية الفكرية يمكن أن تشكل منظومة متناغمة متعددة الوسائل والآليات متحدة الأهداف والغايات لإيصال الرسالة الصحيحة والتصور السليم إلى أذهان الشباب حتى يستقيم سلوكهم ويعتدل ميلهم ويرشد زايغهم ويهتدي ضالهم. 

ذلك هو الرهان الذي يجب أن نربحه ل تربح الأمة وينجح الشباب . 

وأخيراً فهناك جهتا إسناد هي المجامع الفقهية ومؤسسات الإفتاء التي عليها أن تدحض بالحجة والبرهان الفكر المنحرف والسلوك المتطرف وترد على فتاوى الباطل وسفسطة المفتي الخفي . 

أما الجهة الثانية : فهي الجهات التي لا يختلف دورها في هذه القضية عن مهمتها في كل قضايا الإجرام فوظيفتها حماية المجتمع من الإجرام والمجرمين بالبحث عن المجرم وجمع أدلة الجريمة وجلب المجرمين أمام القضاء . 

وفي الختام فإن ما قدمته في هذه الورقة قد لا يكون مجهولاً ليتعلم ولا غائباً ليطلب لكنه إسهام في الإهابة بضال ليهدي وبسقيم ليشفى وبسليم كي لا يعدي( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين

وهو سبحانه وتعالى ولي التوفيق وأهل التقوى وأهل المغفرة. 

 

 

حوار أم صدام.. تعاون أم خصام؟

 

 

لطم باي الجزائر قنصل فرنسا، فاحتلت فرنسا الجزائر مائة وثلاثين عاماً، ولم تخرج إلا بملايين الضحايا.

 

لقد ارتكب عمل شنيع في أمريكا، ورغم ما قيل أن مرتكبيه مسلمون فقد تبرأ منه المسلمون. وعلى الرغم من تلك الحقيقة الساطعة، إن الإعلام الغربي ظل مصراً على اتهام المسلمين والدين الإسلامي بالعنف والإرهاب، وكما يقول المثل الفرنسي: من أراد أن يعدم كلبه فليتهمه بداء الكلب! 

ان المواجهة اليوم تتخذ بعداً فكرياً وثقافيا وقيمياً، ويتم التنظير لها بمثل أطروحة صدام الحضارات الذي يتكيء على مقولات برنارد لويس المستشرق اليهودي، مثل قوله: إن صدام الحضارات مزاج وحركة يتجاوزان كثيراً من مستوى القضايا والسياسات والحكومات التي تنتجها، ولا يقل عن كونه صداماً بين الحضارات ربما غير عقلاني، لكن بلاشك انه رد فعل تاريخي لخصم قديم لتراثنا اليهودي العلماني وحاضرنا العلماني والتوسع العالمي لهما معاً. 

ومن الواضح أنه لا توجد حرب أبدية بين الحضارات كما لا يوجد سلام أبدي بين البشر حتى لو كانوا أبناء حضارة واحدة. 

يصبح الحوار واجباً مقدساً في هذه الظروف، لانقاذ أنفسنا وانقاذ الغرب من نفسه ومن سوء التفاهم والحقد الذي تمتليء به قلوب البعض. 

إذا قامت جماعة منا باعتداء فكأنما أخطأ الزمان والمكان، وإذا وقع القتلى في فلسطين قيل إن هؤلاء إرهابيون. 

الحوار ينبغي أن يتوجه إلى هذا الواقع الظالم، وإلى الأوامر المقدمة في الجهات المختلفة إلى العالم الإسلامي مناهجنا الدراسية وأوضاع المرأة وحقوق الانسان. انهاأوامر تشعرنا بالمهانة. 

الحوار الذي ندعو له يمكن أن يقوم من خلال تحالف ثقافي بين المثقفين المسلمين والمثقفين الغربيين الذين يجاهرون بآرائهم في بلادهم في موضوعية وعقلانية. 

وعلينا اكتشاف الآفاق لحوار طويل المدى، وأود لو أن الأموال المرصودة لتعليم الديمقراطية وترقية المرأة، تتوجه لتمويل مشروع تعارفي حواري، والبحث عن المشترك بيننا، وتوظيف هذا في تأسيس علاقة مبنية على الاحترام المتبادل.